يضرب الله سبحانه وتعالى في هذه الآية المباركة من سورة النحل مثلاً لبطلان الشرك ، رجلين أحدهما أخرس أصم لا يَفْهَم ولا يُفْهِم ، لا يقدر على منفعة نفسه وغيره ، وهو عبء ثقيل على من يلي أمره ويعوله إذا ارسله لأمر يقضيه لا ينجح ولا يعود عليه بخير.
ورجل أخر سليم الحواس ، ينفع نفسه وغيره ، يأمر بالإنصاف ، وهو على طريق واضح لا عوج له ، فهل يستوي هذان الرجلان بنظر الله ؟؟ فكيف تسوّون أنتم بين الصنم الأبكم الأصمّ وبين الله القادر المنعم بكل شيء .
هذا والله تعالى أعلم .
(فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) {سبأ: 14}
هذه الآية الكريمة تتحدث عن وفاة سيدنا سليمان عليه السلام، وفيها إشارة واضحة إلى أن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، فبعد أن قضى الله عز وجل وفاة نبيه سليمان عليه السلام وجاءه ملك الموت وهو يصلي ليقبض روحه، بقي سيدنا سليمان متكئاً على عصاه أي "المنسأة"، وظُن أنه ما زال حياً، فما دل الجن والإنس على موته إلا دودة الأرض، التي كانت تأكل من عصاه حتى خر على الأرض وتبين أنه ميت منذ فترة، ولا أحد يعلم بموته من الجن والإنس، ويوضح الله عز وجل في هذه الآية أن الغيب لا يعلمه إلا هو وأن الجن ليس عندها أي علم بالأمور الغيبية، فسيدنا سليمان عليه السلام كان قد أوكل إلى الجن أعمال شاقة أي "العذاب المهين" يعملونها ومات وهم ما زالوا في عملهم الشاق الذي عاقبهم به، وهم لا يدرون بموته إلى أن تبين ذلك فيما بعد بين الخلائق بإرادة الله عز وجل وعلمه.
(قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا) {الإسراء :100}
يقول الله سبحانه وتعالى : قل يأ أيها الرسول لهؤلاء المشركين : لو كنتم تملكون خزائن رحمة ربي التي لا تنفد ولا تبيد إذاً لبخلتم بها ، فلم تعطوا منها غيركم خوفاً من نفادها فتصبحوا فقراء . ومن شأن الإنسان أنه بخيل بما في يده إلا من عصم الله بالإيمان .( أم لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً) {النساء:53} أي لو أن لهم نصيباً في ملك اللّه لما أعطوا أحداً شيئاً، ولا مقدار نقير، واللّه تعالى يصف الإنسان من حيث هو إلا من وفقه اللّه وهداه، فإن البخل والجزع والهلع صفة له، كما قال تعالى:( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين){المعارج}
هذا والله تعالى أعلم
يخاطب الله عز وجل نبيه في هذه الآية، ويقول له يا محمد بإن ربك هو رب الشعرى، والشعرى هو النجم الذي كان يعبده بعض أهل الجاهلية دون الله عز وجل، ويقال بأن الشعرى هو النجم الوقاد الذي يتبع الجوزاء ويقال له المرزم، أو مرزم الجوزاء، فالله عز وجل هو خالق هذا الشعرى وربه، وهو خالق هذا الكون، وهو ورب السماوات والأرض، وهو الأحق أن يعبد، وأن يوحّد.
بعودتنا إلى{نسبح بحمدك} بدلاً عن {في الأرض خليفة} ننفي الحكمة من خلق الإنسان، وتـصـح كلمة الملائكة.
"الله أكبر" معنى حياتي، و"لا إله إلا الله" موقف حياتي، وليست ألفاظاً.
هذا هو الفرق بين {خليفة}، وبين {نسبح}.
بقلم الدكتور : عايش لبابنة
يقول تعالى: ومن الدلالة لهم على قدرته تبارك وتعالى العظيمة، خلق الليل والنهار، هذا بظلامه وهذا بضيائه، وجعلهما يتعاقبان، يجيء هذا فيذهب هذا، ويذهب هذا فيجيء هذا، كما قال تعالى: { يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً} ، ولهذا قال عزَّ وجلَّ ههنا: { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} أي نصرمه منه فيذهب فيقبل الليل، ولهذا قال تبارك وتعالى: { فإذا هم مظلمون} كما جاء في الحديث: (إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) هذا هو الظاهر من الآية؛ وقوله جل جلاله: { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} في معنى قوله: { لمستقر لها} قولان: أحدهما: أن المراد مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش، هي وجميع المخلوقات لأنه سقفها، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث، روى البخاري عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال: كنت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس؟) قلت: اللّه ورسوله أعلم، قال صلى اللّه عليه وسلم: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} وروى البخاري أيضاً عن أبي ذر رضي اللّه عنه، قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى: { والشمس تجري لمستقر لها} قال صلى اللّه عليه وسلم: (مستقرها تحت العرش)، وعنه قال: كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المسجد حين غربت الشمس، فقال صلى اللّه عليه وسلم: (يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس)؟ قلت: اللّه ورسوله أعلم، قال صلى اللّه عليه وسلم: (فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عزَّ وجلَّ، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فترجع إلى مطلعها وذلك مستقرها - ثم قرأ - { والشمس تجري لمستقر لها} ) "أخرجه الإمام أحمد عن أبي ذر رضي اللّه عنه". والقول الثاني: أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكّور وينتهي هذا العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزماني.
أقسم الله عز وجل في هذه الآية بثمرتان طيبتان هما التين والزيتون، والله عز وجل لا يقسم إلا بعظيم، فعجائب القرآن الكريم كثيرة وعظيمة، فهذه الآية قصيرة بكلماتها لكنها تحمل معاني كثيرة ودلالات عظيمة، فمن يقرأها يتوقف فيها على أن المقصود منها هو القسم بشجرتي التين والزيتون فقط، ولكن لنتعمق أكثر في هذه الآية التي جاءت بكلمتين فقط، ولنتعرف أكثر على دلالات هذه الآية الكريمة المباركة، فأثناء قرائتي في تفسير القرآن لشيخ الإسلام الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله وجدته قد تحدث عن هذه الآية ومعناها وإشاراتها بتفسير جميل ومفيد ومتوسع كما يلي: (والتين والزيتون) : المأكولان، أو التين دمشق والزيتون بيت المقدس | أو التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس | أو التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس | أو الجبل الذي عليه التين والجبل الذي عليه الزيتون، وهما جبلان : بالشام أحدهما طور تينا والآخر طور زيتا | أو (جبلان بين حلوان وهمدان حكاه "إبن الأنباري") | أو التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء | أو التين مسجد نوح عليه الصلاة والسلام الذي بني على الجودي والزيتون مسجد بيت المقدس ' ع ' | أو عبر بهما عن جميع النعم لأن التين طعام والزيتون إدام .
معاني طيبة وإشارات جميلة بهذه الآية المباركة والقسم الذي جاء فيها بهاتين الثمرتين المباركتين، هذا والله تعالى أعلم وأكرم.
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرا بصيغة الماضي الدال على التحقق والوقوع لا محالة [ كما قال تعالى ] : (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) [ الأنبياء : 1 ] وقال : ( اقتربت الساعة وانشق القمر) [ القمر : 1 ] .
وقوله : (فلا تستعجلوه) أي : قرب ما تباعد فلا تستعجلوه .
يحتمل أن يعود الضمير على الله ، ويحتمل أن يعود على العذاب ، وكلاهما متلازم ، كما قال تعالى : (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) [ العنكبوت : 53 ، 54 ] .
وقد ذهب الضحاك في تفسير هذه الآية إلى قول عجيب ، فقال في قوله : ( أتى أمر الله ) أي : فرائضه وحدوده .
وقد رده ابن جرير فقال : لا نعلم أحدا استعجل الفرائض والشرائع قبل وجودها بخلاف العذاب فإنهم استعجلوه قبل كونه ، استبعادا وتكذيبا .
قلت : كما قال تعالى : (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في السلاعة لفي ضلال بعيد)[ الشورى : 18 ] .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، عن محمد بن عبد الله - مولى المغيرة بن شعبة - عن كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن حجيرة ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس، فما تزال ترتفع في السماء ، ثم ينادي مناد فيها : يا أيها الناس ، فيقبل الناس بعضهم على بعض : هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول : نعم ، ومنهم من يشك ، ثم ينادي الثانية : يا أيها الناس ، فيقول الناس بعضهم لبعض : هل سمعتم ؟ فيقولون : نعم ، ثم ينادي الثالثة : يا أيها الناس ، أتى أمر الله فلا تستعجلوه . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فوالذي نفسي بيده ، إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا ، وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه شيئا أبدا ، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدا - قال - ويشتغل الناس .
( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا) {المزمل: 6}
هذه الآية الكريمة المتناسقة في كلماتها والتي هي كمثل في بلاغة القرآن الكريم ونسقه وكماله وشموله لها معاني غزيرة وتدل على خير وفائدة كبيرة.
ففي تفسير شيخ الإسلام الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله قال فيها: (ناشئة الليل) :قيامه بالحبشية أو ما بين المغرب والعشاء أو ما بعد العشاء أو بدو الليل أو ساعاته لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة أو الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار. ( أشد وطئاً ) :مواطأة قلبك وسمعك وبصرك أو مواطأة قولك بعملك أو نشاطاً لأنه في زمان راحتك أو أشدّ وأثبت وأحفظ للقراءة. (وأقوم قيلا) : أبلغ في الخير وأمنع من العدو أو أصوب للقراءة وأثبت للقول لأنه زمان التفهم أو أعجل إجابة للدعاء.
وقال في ذلك فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أشد وطئاً؛ أي: أعظم أثراً، ويمكننا أن نفسر هذه الآية مستعينين بالمثل الآتي: إنسان كتب اسمه على الماء بإصبعه، فكم من الزمن يبقى هذا الاسم ؟ أقل من ثانية، ويقولون في المثل: كالكتابة على الماء، و إنسان آخر كتب اسمه بريشة على ورق، فمع الأيام يضعف أثر هذا الحبر، وقد تتمزق الورقة، أما لو حفر اسمه على رخام فقد يبقى هذا الاسم محفوراً آلاف السنين، وعندنا الآن آثار كانت قبل الميلاد بآلاف السنين، وقد ظلت النقوش التي على الحجر كما هي، وأردت من هذه الأمثلة أن أقول: إن الذي ينشأ في صلاة الليل غير الذي ينشأ في صلاة النهار.
وطئاً: وقعاً ؛ أي: هي أعمق أثراً و أعظم ثمرة، و الليل هو الوقت الذي يكون بين من المغرب وحتى الفجر، فمن صلى المغرب و العشاء و الفجر كان كمن حقق جزءاً من هذه الآية، فكأنه صلى قيام الليل لأن هذه الصلوات تكون في الليل، وهذا الوقت وقت راحة فالذي يصلي فيه يؤكد أن طاعة الله واللقاء معه أغلى من الفراش.
قال تعالى : الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) الأحزاب
أيها الإخوة : يمدح ربنا ويمجد أولئك الدعاة الأخيار من الأنبياء وأتباعهم من العلماء وذوي الفقة والبصائر على مايقومون به من واجب الدعوة والبلاغ و الاصلاح ، وهم في هذا المضمار سائرون بعون الله وتوفيقه ، ولا يخافون سطوة ظالم ، ولا بطش جبار بل استحضروا عظمه الله ، فهانت عندهم كل الأراجيف و الأذيات و الشائعات . قد آمنوا حق الايمان ، ووثقوا بنصر الله ووعده ، وسخروا بالباطل وأهله .
وهكذا الدعاة الى الله لايذلون ولا يهونون ، ولا تخيفهم ألوان المكر والعداوات . لأنهم أنصار الله وحملة دينه، ومبلِّغوا دعوته ، والله هو الحسيب والناصر سبحانه وتعالى (وكفى بالله حسيبا)
وللدعاة والعلماء القدوة المثلى في رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فهو سيد هذا المقام ، وإمام هذا الميدان أدى الامانه وبلغ الرسالة على أتم وجه وأحسنه ، واحتمل في سبيل ذلك صنوف الأذى و المحاربة ، التي استهدفت حياته ، وحياة أتباعة ، ولم يزل يجمع لدعوته، ويقوي حبالها ، حتى أظهره الله على قومه فحاربهم وكسر شوكتهم ، وأصبحوا أذلة صاغرين ، ثم ورث هذا الأمر من بعده صحابته ، فكانوا على خطاه ، نشروا دينه ، وبلغوا دعوته ، واحتسبوا أجر ذلك عند الله تعالى ، وجاء من بعدهم ، فساروا على منهاجهم دعاة صابرين ، محتسبين ، وهكذا في كل حقبة وفتره ، يقيض الله دعاة وأنصارًا ، يخشونه ولا يخشون أحدا الا الله ، نسأل الله أن يجعلنا منهم .
اللهم اجعلنا من أهلك وأوليائك . ومن رُعاتك وأنصارك اللهم زينا بزينه الايمان واجعلنا هداة مهتدين . وصلى الله وسلم على النبى الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .