وفي السنة الخامسة غزا الرسول صلى الله عليه وسلم بني المصطلق لرد عدوانهم , فانتصر عليهم وغنم الأموال والسبايا ثم سعى زعماء اليهود في تأليب الأحزاب على المسلمين للقضاء على الإسلام في عقر داره . فاجتمع حول المدينة المشركون والأحباش وغطفان اليهود ثم أحبط الله كيدهم ونصر رسوله والمؤمنين : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً ) الأحزاب/25 .
ثم حاصر الرسول صلى الله عليه وسلم يهود بني قريظة لغدرهم , ونقضهم العهد فنصره الله عليهم فقتل الرجال وسبى الذرية وغنم الأموال .
في السنة السادسة عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على زيارة البيت والطواف به فصده المشركون عنه ، فصالحهم في الحديبية على وقف القتال عشر سنين ، يأمن فيها الناس ويختارون ما يريدون فدخل الناس في دين الله أفواجاً .
في السنة السابعة غزا الرسول خيبر للقضاء على زعماء اليهود الذين آذوا المسلمين ، فحاصرهم ونصره الله عليهم وغنم الأموال والأرض وكاتب ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام .
في السنة الثامنة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً بقيادة زيد بن حارثه لتأديب المعتدين ولكن الروم جمعوا جيشاً عظيماً فقتلوا قواد المسلمين وأنجى الله بقية المسلمين من شرهم .
ثم غدر كفار مكة فنقضوا العهد فتوجه إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بجيش عظيم وفتح مكة ، وطهر بيته العتيق من الأصنام ، وولاية الكفار .
كانت غزوة حنين في شوال من السنة الثامنة لرد عدوان ثقيف وهوازن فهزمهم الله وغنم المسلمون مغانم كثيرة ثم واصل الرسول صلى الله عليه وسلم مسيره إلى الطائف وحاصرها ، ولم يأذن الله بفتحها فدعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وانصرف ، فأسلموا فيما بعد ثم رجع ووزع الغنائم ، ثم اعتمر هو وأصحابه ثم خرجوا إلى المدينة .
وفي السنة التاسعة كانت غزوة تبوك في زمان عسرة وشدة وحر شديد فسار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تبوك لرد كيد الروم فعسكر هناك ، ولم يلق كيداً وصالح بعض القبائل ، وغنم ثم رجع إلى المدينة وهذه آخر غزوة غزاها عليه الصلاة و السلام وجاءت في تلك السنة وفود القبائل تريد الدخول في الإسلام و منها وفد تميم ووفد طيء ووفد عبد القيس ، ووفد بني حنيفة وكلهم أسلموا ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يحج بالناس في تلك السنة وبعث معه علياً رضي الله عنه وأمره أن يقرأ على الناس سورة براءة للبراءة من المشركين وأمره أن ينادي في الناس فقال علي يوم النحر : ( يا أيها الناس لا يدخل الجنة كافر ، و لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته ) .
وفي السنة العاشرة عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على الحج , و دعا الناس إلى ذلك فحج معه من المدينة وغيرها خلقٌ كثير فأحرم من ذي الحليفة , و وصل إلى مكة في ذي الحجة وطاف وسعى وعلم الناس مناسكهم وخطب الناس بعرفات خطبة عظيمة جامعة , قرر فيها الأحكام الإسلامية العادلة فقال : ( أيها الناس اسمعوا قولي , فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا , أيها الناس إن دماءكم , وأموالكم , وأعراضكم حرام عليكم , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا , في بلدكم هذا , ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع , ودماء الجاهلية موضوعة , وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث , كان مسترضعاً في بني سعد , فقتلته هذيل . وربا الجاهلية موضوع , وأول ربا أضع ربا عباس بن عبد المطلب , فإنه موضوع كله , فاتقوا الله في النساء , فإنكم أخذتموهن بأمان الله , واستحللتم فروجهن بكلمة الله , ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه , فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح , ولهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف , وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله , وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون , قالوا نشهد أنك قد بلَّغت , وأديت , ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد , اللهم اشهد ثلاث مرات ) .
ولما أكمل الله هذا الدين , وتقررت أصوله , نزل عليه وهو بعرفات : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) المائدة/3 .
وتسمى هذه الحجة حجة الوداع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ودع فيها الناس , ولم يحج بعدها ثم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من حجه إلى المدينة .
وفي السنة الحادية عشرة في شهر صفر بدأ المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم ولما اشتد عليه الوجع أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصلى بالناس وفي ربيع الأول , زاد عليه المرض فقبض صلوات الله وسلامه عليه ضحى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة فحزن المسلمون لذلك حزناً شديداً ثم غُسل وصلى عليه المسلمون يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء ودفن في بيت عائشة والرسول قد مات ودينه باق إلى يوم القيامة .
وقد أثنى الله على من يؤمن بالرسول من أهل الكتاب وبشرهم بالأجر مرتين كما قال سبحانه : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ، أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ) القصص/52 -54 . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه و صدقه فله أجران . الخ ) .
ومن لم يؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر , والكافر جزاؤه النار كما قال سبحانه : ( ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً ) الفتح/13 , وقال عليه الصلاة و السلام : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاَّ كان من أصحاب النار ) . رواه مسلم/154 .
جاهد النبي عليه الصلاة و السلام في سبيل نشر هذا الدين وجاهد أصحابه معه فعلينا الاقتداء به واتباع سنته و السير على هديه كما قال سبحانه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيراً ) الأحزاب/21 .
1. اوصاف النبي صلى الله عليه وسلم الخلقية
قالوا في أوصافه على الصلاة والسلام إنه كان :
ظاهر الوضاءة ، متبلج الوجه(مشرقه) ، له نور يعلوه ، إذا زال زال تقلعاً(رفع الرجل بقوة ) ،
يخطو تكفياً ( يميل إلى سنن المشي وقصده )ويمشي هوناً(الوقار ) ،
ذريع المشية (واسع الخطو) كأنما ينحط من صبب ( العلو) ،
خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يمشي وراء أصحابه ،
ويبدر(يبدأ ) من لقي بالسلام دائم الأحزان ، متواصل الفكرة ، ليست له راحة ،
طويل السكت ، لا يتكلم في غير حاجة ، يفتتح الكلام ويختمه باسم الله ، وإذا تكلم أعاد الكلام ثلاثاً ليفهم عنه ، كلامه فصل لافضول ولا تقصير ، أوتي جوامع الكلم ، واختصرت له الحكمة اختصارا ليس بالجافي ولا المهين ،
يعظم النعمة وإن دقت ، لا يذم منها شيئاً غير أنه لم يكن يذم ذواقا( طعاماً ) قد ولا يمدحه،
ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها ، فإذا تعدي الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ،
ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه ، جل ضحكه التبسم ، إذا نطق فعليه البهاء ، وإذا صمت فعليه الوقار ،
أزين الناس منظراً وأحسنهم وجهاً ، وأجودهم وأسخاهم نفساً ، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر
وما سئل عن شيء قط فقال : لا ، وما خُيّر بين أمرين إلا أختار أيسرهما ما لم يكن إثما .
تقول عائشة رضي الله عنها في مجامع خلقه : كان خُلُقه القرآن .
ويقول علي رضي الله عنه في وصف شخصيته: من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه .