هذا هو الفدائي الأصيل ، هذا هو منبع الحرية والكرامة والرجولة ، من بين حجارة السناسل ، وجداول الماء المتفجرة من عيون الأرض ، من رحم الآه والوجع ، من بين جدائلها الحريرية - رغم أنها امرأة كبيرة ما زالت تتوكأ على دموعها وابتسامة أبنائها واحمرار وجنات بناتها - من بين أنامل ذلك الكهل التي تحكي التاريخ المرّ بكل تفاصيله ، من طلة شاب في مقتبل العمر كأنه البدر ، من عينيها الواسعتين صاحبة وجه القمر ، من " المقاليع " أو " الشُّعَب " - كما يحلو لهم تسميتها - من بين تلك التي يمارس فيها أطفالهم هواياتهم ، من بيوت جذوع الزيتونة الأزلية ، من بين أشتال الميرمية وأوراق الزعتر البري ، من مقابر الشهداء ، من خلف أسوار الأقصى في القدس ، من ساحات الإبراهيمي في الخليل ، ومن أنقاض غزة ، من فلسطين ، كل فلسطين ، رغم كل تناثر الأشلاء ، وتلاطم الأحزان والمصائب ببعضها ، ورغم أن السلاح سكين أبيض والعدو يجوب السماء بطائراته ، رغم كل ذلك كان لا بد لطفل فلسطين المارد أن يخرج من قمقمه....