قال تعالى: )وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ( (النحل:66)
فالأنعام نعمة من نعم الله علينا خلقها الله وجعل لنا فيها منفعة وعبرة، لكن بعض الناس ) لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ((لأعراف: من الآية179) ولو تأملنا في هذه المخلوقات لوجدنا فيها خير عبرة وأذكر بعض صفات هذه الأنعام:
· الراحلة: .. غلا ثمنها لما صابرت طول السفر وقلة الزاد، فاستحقت أن تكرم وتزين وتظل حياتها عزيزة حتى تموت،وأما غيرها من الإبل فأرخصها نفاد صبرها وضعف تحملها،لذا تأكل لتؤكل، وتكرم لتذبح،وغاية إكرامها:إخفاء السكين عنها ساعة الذبح
· إذا فرغ التمساح من طعامة.. فَغَرَ فاه واسعاً ليسمح لعصفور صغير بالتقاط بقايا الطعام من بين أسنانه،خشية أن ينخر فيها السوس، وبعض الناس ينخر في السوس منذ زمن دون أن يسمح لأحد بالتقاط أصل الداء منه،لاالتمساح شابه ولا العصفور قلد..أخي إن لم تكن فاعلاً فمتفاعلاً... إن لم تدَبِّج خطبة فاحضرها ...إن لم تُلق درساً فاشهده..وإن لم تكن أهلاً لإصلاح غيرك،فلا تمانع في أن يقوم غيرك بإصلاحك.
· الحمام الزاجل... إذا أطلقه صاحبه في توصيل رسالة كابد قرص الشمس، وواصل الليل بالنهار محتملا ما يكابده من رياح وأمطار ورعد وبرق، وحلق عاليا خشية أن تناله سيام الصياد، وهو مع هذا يحذر النزول على حبة قمح ملقاه خوفا من خديعة فخ تورث عرقلة سير أو كسر جناح فتضيع الرسالة، فإذا أوصل الرسالة أطلق لجناحيه العنان في البرج يأكل ما يشاء...فيا حاملي رسائل القرب إلى الله ماذا كابدتم؟؟؟ وإلى أي علو منه سموتم؟؟؟وأي فخ عرقل تقدمكم؟؟؟ ويحكم...غمسة في الجنة تنسي آلام العمر، ولحظة واحدة فيها خير من الدنيا وما فيها...فلم التردد؟؟؟؟
· القط...إذا أحسنت إليه مرة جعل كلما رآك لاطفك وتمسح بثيابك،وأنت كل ذرة من بدنك تشهد بإحسان الله إليك ،وكل شعرة من جسدك مغمورة بنعمة الله عليك،ومع هذا كله كلما رغّبك فيه رغبت عنه،وكلما أدناك منه أحببت غيره،وكلما واصلك جافيته، خاصمته وأنت أحوج ما تكون إليه، وصالحك وهو أغنى ما يكون عنك، هلا تعلمت من البهائم يا ذا القلب الهائم،ولا تستعظمن قدرك فقد تعلم قابيل كيف يدفن أخاه من غراب،وعلم سليمان خبر بلقيس من هدهد
· النمل:... مع صغر حجمه وضعف قوته يحمل أضعاف أضعاف وزنه صيفاً ليقتات عليها شتاءً ودون أن تشغله حلاوة الصيف عن زاد الشتاء لعلمه بضراوة الجوع فيه ولكونه أخذ العبرة من كثرة الهالكين فيه...يا أخي افهم: الدنيا صيف والآخرة شتاء...فقليل من الاعتبار يرحمك الله .
· الحمار:.... يسير في الليلة المظلمة إلى المنزل فيعرفه، فإذا خلى سبيله وصل إليه بغير دليل، وهو مع هذا يفرق بين الصوت الذي يستوقف والصوت الذي يحث به على السير...فيا ضالاً طريقه إلى الجنة...يا فاقدا التمييز بين صوت داعي الجنة وبائع النار لم تحصل في الهمة على درجة (حمار)إذا فهمت همت، وكلما دنوت من القبور قوي عندك الفتور، دنو أجلك يزيد من أملك، ودفنك الكثير من الأعزة ما أثناك بعد عن حب عزة...آه!!! كم تظلم فصيلة الحمير
الجلالة... هي كل ما يؤكل لحمه من دواب الأرض تأكل النجس من الطعام حتى يخبث لحمها، وقد حرم الفقهاء أكلها حتى تحبس مدة من الزمن تأكل فيها طيب الطعام فتطيب وتحل للأكل، وكثير من الناس غرق في الحرام ففسد حاله وخبث لحمه، وما أحوج هؤلاء إلى حبس كحبس الجلالة لا يتناولون فيه إلا أطايب الكلام وصالح الأعمال إلى أن تزكوا أرواحهم وتطيب نفوسهم فيستحقون بذلك دخول الجنة التي لا يدخلها إلا) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ (وعندها تطرب أسماعهم بسماع النشيد الملائكيالخالد) يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ((النحل:32)
وأخيرا أقول:/ إن الله أرسل القرآن كتاب هداية ودستور حياة لكن لمن فهم المقصد: ) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ((القمر:17)
هناك بعض الآيات في القرآن الكريم تثير التأمل العميق من هذه الآيات قوله تعالى:
(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِّلشَّارِبِينَ) النحل 66 ،،، لماذا قال تعالى بطونه بصيغة المذكر وليس بصيغة المؤنث رغم أن اللبن يخرج من الإناث وليس الذكور كما إن الشائع هو تأنيث جمع المذكر. والمثير للدهشة أن نفس الكلمة وردت في سورة المؤمنون بصيغة المؤنث (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) المؤمنون 21،،،
حاول المفسرون تعليل هذه الصيغ فقال القرطبي في تفسيره عن آية الأنعام اختلف الناس في الضمير من قوله : مما في بطونه على ماذا يعود فقيل : هو عائد إلى ما قبله وهو جمع المؤنث ، وقال سيبويه : العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد . قال ابن العربي : وما أراه عوّل عليه إلا من هذه الآية وهذا لا يشبه منصبه ولا يليق بإدراكه . وقيل : لما كان لفظ الجمع وهو اسم الجنس يذكر ويؤنث فيقال هو الأنعام وهي الأنعام جاز عود الضمير بالتذكير ؛ وقاله الزجاج . ; انتهى كلام القرطبي. وفي تفسير ابن كثير يقول : أفرده ههنا عودا على معنى النعم أو الضمير عائد على الحيوان فإن الأنعام حيوانات أي نسقيكم مما في بطن هذا الحيوان ، وفي الآية الأخرى مما في بطونها ويجوز هذا وهذا ; انتهى كلام ابن كثير.
خروج اللبن عملية بيولوجية
فمن المعروف أن الأبقار مثلا أو أي من الأنعام هي حيوانات ثديية تتكاثر بالتزاوج بين الذكر والأنثى وتنعدم فيها تماما ظاهرة التكاثر البكري (التكاثر دون الحاجة إلى ذكر) التي تعد غير نادرة في الكائنات الأقل رقيا. إذن لابد من وجود الذكر حتي تحمل الإناث وتضع ولن يحدث إدرار للبن دون حمل وولادة أي لن يحدث دون ذكر والآية هنا تؤكد هذا المعني وتشير إلى أهمية الذكر في إدرار اللبن لأن دور الأنثى لا يحتاج إلى بيان. فإن وضعنا ألوف الأبقار على إحدى الجزر دون ذكر فلن نحصل منها على قطرة لبن. والمصطلحات الفقهية تؤكد هذا المعنى ففي قضايا الرضاع نقرأ كلمة (لبن الرجل) والمقصود لبن زوجته، بل نقول أحيانا أن فلان قد ولد فلانا وفي القرآن الكريم (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) البلد 3،،،. ثم أنظر الإعجاز الذي تخضع له الرقاب لقد ذكرت كلمة بطونها مرة وبطونه مرة فيما يخص الأنعام فخروج اللبن لا يستغني بأحد الجنسين عن الأخر. والخلاصة أن إنتاج اللبن عملية بيولوجية لا تستغني عن وجود الذكر بحال من الأحوال وليس الأمر كذلك فيما يخص إنتاج العسل في عالم النحل.