رمضان في فرنسا .. - رمضان في فرنسا .. - رمضان في فرنسا .. - رمضان في فرنسا .. - رمضان في فرنسا ..
أحمد الزرقان
رمضان في فرنسا ..
بدعوة كريمة من اللجنة الخيرية لمناصرة الشعب الفلسطيني في فرنسا قمت بزيارة هذا البلد العلماني لكي أعطي المحاضرات والدروس وخطب الجمعة في المساجد والمراكز الإسلامية تفقيها بدينهم وحظا لهم لمساندة إخوانهم في فلسطين مالياً ومعنوياً, وقد مكثت هناك إثني عشر يوماً مرت كالحلم لكثافة النشاط والجهد والعطاء, دروس ومحاضرات في الظهر والعصر والعشاء والتراويح، وقبل أن أدخل في معالم هذه الرحلة الرمضانية الجهادية لابد من مقدمة عن هذا البلد الأوروبي الكبير فرنسا التي دخلها الإسلام سنة 96ه بحملة أرسلها طارق بن زياد بقيادة السمح بن مالك الخولاني وفتحت مدينة (أبينون) ومدينة(ليون) على نهر(الرون) و مدينة (نيس) في الجنوب ونشأت على ساحل فرنسا الجنوبي مملكة أندلسية وصلت إلى سويسرا بقيت قريبا من مئة سنة . ثم كانت حملة عبد الرحمن الغافقي التي فتحت مدينة (آرلس) و(سان ريمو) في وادي الرون واستولوا على جبال البرانس وفتحوا مدينة (برديل) ثم كانت معركة بلاط الشهداء التي خسرها المسلمون سنة 114هـ .
وفي بداية القرن التاسع عشر إستجلب الفرنسيون حوالي (30) ألف عامل من المغرب والجزائر نتيجة الثورة الصناعية في أوروبا, وكان يسمى هؤلاء العرب (turcos) الأتراك للاحتكاك الكبير مع الأتراك المسلمين في القرون السابقة, وفي ذروة الحرب العالمية الأولى جند الفرنسيون حوالي 175,000 من شمال إفريقيا قتل من الجزائريين فقط (25) ألفا, وبعد الحرب رغم علمانية فرنسا سن مرسومًا فرنسيا رسميا ببناء مسجد ومعهد إسلامي تكريما على جهود المسلمين العرب في الحرب ومكافأة لجهودهم وعرفاناً لتضحياتهم وشجاعتهم, حيث كانوا يتصدرون صفوف المقاتلين وأبلوا بلاء حسنا في هذه الحرب, ويقع هذا المسجد والمركز في وسط العاصمة باريس, وتم إفتتاحه بحفل رسمي عالمي مهيب سنة 1926, وبعد الحرب العالمية الأولى إستقدم الفرنسيون(70) الف جزائري ومثلهم من المغاربة لإعاده إعمار فرنسا التي حطمتها الحرب.
كما هرب إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر حوالي(60) الفا, بما يسمون (الحركة) وهم أعوان الجيش الفرنسي أثناء الإحتلال والإستعمار.
واليوم تقول الإحصاءآت أن المسلمين في فرنسا حسب روايات بعض قيادات العمل الإسلامي هناك أنهم بحدود أحد عشر مليونا من أصل ست وستون مليون فرنسي .
وفرنسا من أكثر دول أوروبا دخولاً في الإسلام حيث يسلم سنويا من 20-30 ألف إنسان لذلك خاطب الرئيس الأمريكي بوش الأب محذرا رئيس فرنسا ميتران قائلاً : إن فرنسا ستصبح دولة مسلمة لتزايد عدد من يدخلون الإسلام سنويا, فرد عليه (ميتران) مازحا فقالً: إذاً أصبح رئيس الدولة الفرنسية المسلمة .
ويعتبر الإسلام الدين الثاني في فرنسا بعد الكاثوليكية وقبل البروتستنتية واليهودية ويقدر نسبة الجزائريين من المسلمين في فرنسا 35% والمغاربة 25% والتوانسة10% والباقي من مالي والسنغال والنيجر وساحل العاج وباكستان وبنغلادش والمشرق العربي وأتراك حوالي 360 ألف مسلم إضافة للمسلمين الفرنسيين .
وهذه الإحصاءات لبعض المراكز الإسلامية رغم أنه لا يوجد في فرنسا كبلد علماني إحصاء حسب المذهب أو الدين أو العرق أو التوجه السياسي .
هذا ويوجد في فرنسا حوالي ثلاثة ألاف مسجد تقريبا، والمسجد يتبع له مركز إسلامي و مدرسة, ومن أشهر المنظمات العاملة على الساحة الفرنسية:
- إتحاد المنظمات الإسلامية أنشأته الحركة الإسلامية العالميه .
- رابطة العالم الإسلامي التي أنشأت الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا ويتبع لهما حوالي مئة وخمسون جمعية.
- والجمعية الخير لمناصرة الشعب الفلسطيني .
- جماعة الدعوة والتبليغ.
- جمعيات خيرية وإسلامية ودعوية للأتراك.
هذا ومكثت في مدينة (ليون) lyon خمسة أيام وهي ثاني مدينة بعد باريس وعدد سكانها مليون ونصف وهي مدينة صناعية زراعية تقع على أشهر نهرين (الرون) و(السون) تبعد عن باريس(450)كم جنوبا , ثم ذهبت إلى مدينة (ليل) lille وهي رابع مدينة في فرنسا وتبعد عن مدينة (ليون) سبعمائة كم وتقع في شمال فرنسا بالقرب من بحر المانش وعلى الحدود البلجيكية .
ومما شد انتباهي في المدينتين رغم أن الفجر على الساعة الخامسة بتوقيتهم والمغرب على الساعة التاسعة والنصف والعشاء على الساعة الحادي عشر إلا ربع إلا أنهم يقومون الليل في كل المساجد بجزء من القرآن الكريم تستغرق الصلاة ساعة ونصف إلى ساعتين مع درس بحدود ربع ساعة ولم يتاح لي النوم هناك قبل الساعة الواحدة والنصف ليلا, وكم أعجبني وأثلج صدري التزام المسلمين في رمضان بالعبادة والشباب المقبل على الله بكل صدق وإخلاص, وفي كل مسجد يؤم بنا الصلاة حفظة لكتاب الله بحفظ مميز وأصوت جميلة إثنين من الحفظة المتقنين, رغم أن الأجيال الأولى من العرب كانوا يقولون إن أبناءنا سيفقدون الإسلام وقد يتنصرون, ولكنني وجدت الأبناء الذين يؤمون المساجد أشد إلتزاما من الآباء وأكثر تدينا وأبلغ تعطشا للثقافة والعلوم الإسلامية ومعرفة أمور دينهم وبينهم عشرات بل مئات الحفظة لكتاب الله, والمساجد تغص بالمصلين حتى تعجز عنهم فيصلون في الساحات,وتبدأ سعة المساجد من ثلاثمائة إلى ثلاثة ألاف مصلي, ورغم قصر مدة الليل وطول صلاة التراويح بجزء مع درس لمدة ربع ساعة إلا أنهم من بداية رمضان يصلون تهجدا قبيل صلاة الفجر لمدة تقترب من الساعة, وحقيقة أن همم هؤلاء المسلمين الملتزمين رغم مغريات الحياة وفتنتها الشديدة تعتبر نبراساً وقدوةً للمسلمين عندنا الذين يضجرون إن طالة صلاة التراويح قليلاً أو زاد الدرس عن عشر دقائق, وقليل من المساجد عندنا من يقوم التراويح بجزء رغم أن الليل عندنا أطول من الليل عندهم ولكنها والله الهمم العالية والإلتزام الحق والتوجه الصادق إلى الله في هذا الشهر الفضيل والفرصة النادرة في الأجور وتحصيل المغفرة والعتق من النار, وفي الحلقة القادمة سوف نتحدث عن مدينة لها خصوصية وقصة, وعن بذل المسلمين هناك وعطائهم وجهادهم .