شبهات حول فكر سيد قطب (6) - شبهات حول فكر سيد قطب (6) - شبهات حول فكر سيد قطب (6) - شبهات حول فكر سيد قطب (6) - شبهات حول فكر سيد قطب (6)
شبهات حول فكر سيد قطب (6)
د. محمد ابو صعيليك
8- الانفراد بالمناداة بالحاكمية والتركيز عليها:
من الشبه التي أثيرت حول فكر الإمام الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى؛ أنه ينادى بالحاكمية، وهذا اصطلاح لم ينص عليه كتاب ولا سنة، بل أول من قام به الخوارج، وقد ردد هذا غير واحد من الباحثين، وفي التعبير عن هذه الشبهة يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي: ولا يفهم هو من لا إله إلا الله إلا رد الحاكمية في كل الأمور إلى الله، وإفراده بهذه الحاكمية.
والأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله تعالى يقول: "وكنت على يقين بأن كلمة الحاكمية لم ترد بأية آية من الذكر الحكيم، ونحن في بحثنا في الصحيح من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لم نجد فيها حديثاً قد تضمن تلك اللفظة، فضلاً عن إضافتها إلى اسم المولى".
وفي الجواب على هذه الشبهة نورد ما يلي:
1- أن مصطلح الحاكمية ليست من أبجديات الأستاذ قطب والمودودي رحمهما الله تعالى، بل هو أمر مأخوذ من علم أصول الفقه، حيث يقرر الأصوليون أن الله تعالى هو الحاكم لا سواه، وفي هذا يقول الإمام السيف الآمدي رحمه الله تعالى: "اعلم أنه لا حاكم سوى الله، ولا حكم إلا ما حكم به".
2- وفي الرد على زعم هذا التفرد لسيد قطب بهذا المصطلح؛ يقول الدكتور يوسف القرضاوي: "وقد زعم بعض الناس أن فكرة الحاكمية فكرة مودودية قطبية، وهذا جهل وغلط، فهذا أمر اتفق عليه الأصوليون، وصرحوا في مبحث الحكم من علم أصول الفقه؛ أن الحاكم هو الله، لا حاكم غيره".
3- وفي الرد على مقولة الهضيبي؛ يقول الدكتور فتحي الدريني: "إن قول الأستاذ الهضيبي رحمه الله (لم يرد لهذا المصطلح ذكر في القرآن ولا في السنة)؛ إن أراد كلمة الحاكمية، فصحيح، ولكن معناها واضح في القرآن الكريم، فالحاكمية لله يوضحها قوله تعالى: (إن الحكم إلا لله) والحكم هنا مصدر، حكم يحكم حكما، والحاكمية مصدر؛ لأن الحاكم - ويسمونه في اللغة العربية المصدر الصناعي - يعني نفس المعنى الذي يؤديه المصدر القياسي، فكلمة حاكمية مصدر، والحكم مصدر، و(إن) هنا بمعنى ما، أي ما الحكم إلا لله، وهذا تأكيد بـ(ما) و(إلا) التي تفيد الحصر، فاستناداً إلى قواعد الأصول في تفسير القرآن الكريم؛ ينتج عندنا أن الكلمتين بمعنى واحد، وأن اللغة العربية تفسح المجال للتعبير عن معان مصدرية بأكثر من مرة، كما يقولون في المفعول المطلق مثلاً: قمت وقوفاً، أبدل قمت قياما. لكن بين الحكم والحاكمية هناك مشاكلة لفظية، فقوله: لم يرد ذلك في القرآن ولا في السنة؛ يحتاج إلى إمعان النظر".
4- وما ذكره الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى؛ يوافقه عليه علماء التوحيد، وفي هذا يقول الدكتور محمد رمضان البوطي في كتابه (كبرى اليقينيات الكونية): "فالحاكمية إنما هي لله وحده، وهو المشرع لعباده في شتى شؤونهم المتعلقة بدنياهم وآخرتهم، وهو المرجع في كل مشكلة من مشاكلهم، وإقامة كل تنظيم ودستور لحياتهم، ومن جحد ذلك فهو كافر بالله ورسوله، وإن ادعى بلسان الإيمان بالله ورسوله، وصلى وحج وصام.. قامت على ذلك أدلة العقل والنقل من الكتاب والسنة، وتم على ذلك إجماع المسلمين كلهم".
5- ويقول الأستاذ أسامة حسن كامل: "إن الحاكمية إذا كانت اصطلاحا لمن اوجد هذه الفكرة وأيدها؛ فلا ضرر في ذلك، حيث إنه لا مشاحة في الاصطلاح، وليس كل الكلمات والمصطلحات قد وردت في الكتاب والسنة، ومن غير المعقول أن ترفض كل صيغة أو مصطلح لم يرد به الكتاب والسنة، وخاصة إذا كانت مدلولاً لنص قرآني صريح، كـ(إن الحكم إلا لله)".
6- وحول معنى الحاكمية في الفقه يقول الدكتور فتحي الدريني: "إن (الحاكمية لله) تعني في الفقه الإسلامي المشروعية العليا للدولة، بمعنى أن كل دولة ينبغي أن يحكمها أو أن يسودها مشروعية عليا، حتى لا تحرفها تصرفات الحاكمين عن هذا المبدأ، أو إن شئت فسمّها السيادة، وهو ما التفت إليه بعض الباحثين".
7- وحول مراده بكلمة الحاكمية يتحدث الأستاذ سيد قطب لما سأله صلاح نصر في التحقيق: ما مدلول الحاكمية في رأيك؟ فقال: أن تكون شريعة الله هي قاعدة التشريع.
فسألة: ومتى نودي بهذه العبارة فيما تعرف؟
فقال: ده تعبير اشتقيته أنا من دراستي للإسلام.
فسأله: ألا تعرف أن هذه كلمة قالها الخوارج قديماً، وقد قال عنها علي: إنها كلمة حق أريد بها باطل؟
فقال: أنا لا أتذكر موضعها هذا من التاريخ، ولم أكن أعيه عندما استعملتها، وأنا كنت أعني أن تكون شريعة الله هي قاعدة التشريع، وبما أن الله سبحانه وتعالى لا ينزل بذاته للتحكيم، وإنما أنزل شريعته ليحكم بها، فحاكميته سبحانه وتعالى تتحقق عن طريق تحكيم شريعته، كما تقول النصوص القرآنية بألفاظها.
8- أقول: ولا يجوز رد هذا المصطلح بسبب استخدام الخوارج له، فهو مصطلح صحيح كما تقدم، لكن استخدام الخوارج كان خاطئاً، ولذا لا يجوز التشنيع على الأستاذ سيد لمجرد موافقته للخوارج في هذا المصطلح.