أحمد المالكي.. قصة حب تقشعر لها الأبدان - أحمد المالكي.. قصة حب تقشعر لها الأبدان - أحمد المالكي.. قصة حب تقشعر لها الأبدان - أحمد المالكي.. قصة حب تقشعر لها الأبدان - أحمد المالكي.. قصة حب تقشعر لها الأبدان
وائل علي البتيري
(هذه قصة حقيقية.. وقعت قبل أيام، وحدثني بها مصور "السبيل" الزميل معتصم المالكي، شقيق أحمد، وشهد اثنان من أشقائه أمامي على ما ورد فيها)..
أحمد نجيب المالكي.. لا يعرف هذا الاسم إلا قليلون؛ هم أقرباؤه وأصدقاؤه.. ولكنه حريٌّ بأن يُذكر في سفر البرّ والمعروف، وأعظم البر برّ الإنسان بوالديه..
هو مواطن عادي، يشتغل في الأعمال الحرة، يتصف بالبساطة والطيبة والتواضع.. بلغ الأربعين من عمره ولم يظفر بزوجة يسكن إليها وتسكن إليه، فسكن إلى والدته بحبّها وبرّها وصلتها وطلب رضاها..
عرف أن الجنة عند قدمي حبيبته، فلزمهما.. وكلما كبرَ سنّها خالط فؤاده الحزن والمقت، فلم يتخيل نفسه يوماً بدونها، وكأنّ برّها عنده الهواءُ الذي يستمد منه الحياة والسعادة..
لما بلغت والدته (زكية محمد القاق) سن الرابعة والثمانين؛ ابتُليت بالمرض الذي اضطرت معه إلى أن تجري عدداً من العمليات الجراحية، ثم دخلت أخيراً في غيبوبة نُقلت على إثرها إلى المستشفى، أما أحمد؛ فدخل في غيبوبة الذكريات.. كلما رآها ممددة على السرير؛ تذكر أيامه معها وكيف كان يجلب لها ما تحبه من الخضار والفواكه ويُطعمها بيده؛ فينتشي طرباً بسماعها وهي تقول: الله يرضى عليك يا أحمد!
كان يحضر التفاح إليها وهي ممددة على السرير، ويقدم لها واحدة منها وهي في غارقة في غيبوبتها، ويخاطبها وهي لا تسمعه، أو ربما يُسمعها الله تعالى وهو لا يعلم، يقول لها: كلي هذه التفاحة يا حبيبتي.. ثم يمازحها ويقول: لم تعجبك التفاحة، إذن تناولي مني قرن الفلفل الأخضر الذي ترغبين! وحين يقتنع أنها لا تسمعه؛ تغلبه الدموع ويدخل في دوامة من البكاء..
في آخر زيارة لها؛ جلس الابن الأصغر أحمد إليها وحولهما أشقاؤه وشقيقاته.. رأوه وسمعوه جيداً وهو يُمسك بيدها ويرفعها ويقول لها: أرجوكِ لا تموتي قبلي، انتظري حتى تحضري عرسي، ثم بعد ما يُقدّر الله من أيام؛ نموتُ معاً، ونُشيَّع معاً، وندفن معاً..
ترك يدها فاستقرت بهدوء على السرير.. وهو ينظر إلى عينيها المغلقتين ويحاول فتحهما بأنامله، ويتأمل شفتيها أملاً في أن يتحركا فتلامس مسامعه كلمات الرضا.. ولكن بلا جدوى!
انتهى وقت الزيارة.. فقال له أشقاؤه: هيا نعود إلى البيت يا أحمد، وغداً نعود إن شاء الله.. قام أحمد من مكانه، ثم شعر بشيء يشدّه نحوها فعاد وجلس إليها، وقال لأشقائه وشقيقاته: اذهبوا فأنا سأبقى عندها..
أصرّوا عليه أن يأتي معهم، ومع إلحاحهم قام ومشى معهم، حتى إذا ما وصل باب غرفة والدته في المستشفى؛ تراجع وتوجّه إلى سريرها مرة أخرى.. حتى جاءت الممرضة وقالت له: انتهى وقت الزيارة ولا يمكنك المكوث عندها..
ما باليد حيلة.. قام أحمد وكأنه يحمل على كتفيه جبال الدنيا، ومشى بخطوات زاحفة، وعند باب غرفتها استدار إليها وقال لها: كما قلتُ لكِ.. لا تموتي وحدك.. سنموت معاً.. ثم قال مودّعاً ومدللاً: مع السلامة يا ماما..
خرج من عند والدته وهو لا يعلم أنها الزيارة الأخيرة.. وفي البيت سامَرَ أشقاءه الذين لم يجتمعوا معاً منذ عشرات السنين، فأحدهم في ليبيا، وآخر في فلسطين، وأخرى في الكويت.. ثم دخل إلى غرفته وأغلق على نفسه الباب!!
نام الجميع واستيقظ بعضهم على رنين الهاتف.. إنه رقم المستشفى.. أحد موظفيه يعرب عن تعازيه لهم بوفاة والدتهم.. لم يحُل توقعهم لذلك في أي لحظة؛ بينهم وبين الحزن والبكاء، ولا غرو؛ فإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع..
"مَن يُخبر أحمد؟"، سؤال صعبٌ إجابته، فالكل يعلم مدى حبّ أحمد لوالدته، ومَن ذا يُودّ أن يفجع حبيبٌ بحبيبه؟!
تبرع أحدهم على مضض.. طرق باب الغرفة على استحياء، فلم يلقَ جواباً.. أعاد الطرق بشكل تصاعدي حتى بلغ الذروة، ولكنّ أحمد لا يرد..
تشاور الأشقاء والشقيقات، وقرروا أن يكسروا باب غرفته.. كسروه، ودخلوا عليه فإذا به ممدَّد على سريره كالنائم.. عبثاً يحاولون إيقاظه، حتى فحص أحدهم نبضه فوجده قد فارق الحياة.. وقال تقرير المستشفى إنه سبب الوفاة جلطة حادة.. ولعلّها رحمة من الله به وبوالدته، أن لم يَفْجَعْهُ بفقد حبيبته، ولم يفجعها بفقده.
رحم الله الأم الصابرة المعشوقة من ابنها الصابر العاشق وجمعهما في مستقر رحمته وانا لله وانا اليه راجعون
وبوركت بوركت اخانا الكريم على نقلك لهذه القصة المعبرة