ميت الأحياء - ميت الأحياء - ميت الأحياء - ميت الأحياء - ميت الأحياء
د.محمد أبو صعيليك
سئل الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضوان الله عليه عن ميت الأحياء، فقال: «من لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً».
فهذه قاعدة مضطردة في حياة الناس، أن الناس نوعان، ميت وحي، والميت من فقد الاحساس والتأثير في غيره، والحي من أحس بغيره وأثر فيه، وقد يكون هناك أموات في واقع الحال لكن تأثيرهم في غيرهم كبير، كالأنبياء، والصحابة، والمصلحين، في كل زمان ومكان، وقد يكون هناك أحياء لكن لا تأثير لهم في حياة الناس، فهؤلاء أموات حكماً، وعلى هذا فإن الصحابي الجليل يشير إلى قضية مهمة هي أن صاحب التأثير في حياة الناس حي، وأن فاقده فيهم ميت، وأن الناس لا يخلو حالهم من مخطئ أو مصيب، أو محق أو مبطل، والمخطئ والمبطل بحاجة إلى من يصوبهما، وعملية التصويب هذه هي المرادة في الشرع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي قضية مهمة قرنت بها خيرية الأمة، { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}، وكلفت بها الأمة {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
وإذا كان الحال كذلك كانت مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنوان حياة الأمة، فمن رام الحياة في الدنيا والذكر في الآخرة، فعليه أن يقوم بهذه الوظيفة التي فحواها إحياؤه لغيره، وانقاذه لها، وبالضرورة إحياؤه لنفسه، حتى لا يكون مع الأموات الذين لا يؤبه لهم، ولا يلتفت إليهم، وببساطة تعلم فضل هذه الوظيفة، والآثار الطيبة التي تبنى عليها، وبالضرورة تعلم الآثار السيئة لترك هذه الوظيفة، فمن منا يقبل لنفسه أن يموت وبلا مقابل، إن تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ميت بين الأحياء على مذهب حذيفة؛ لأنه ترك تأثيره في الناس، وانزوى من حياته وحياتهم، وتناسى ما هو عليه، فكأنه غير موجود، وكأنه قد فارق الحياة.
فيا أشباه الأحياء في حياة الناس.. عودوا إلى حياتكم، واستعيدوا كرامتكم، وجددوا أثركم، وعودوا إلى تأثيركم بقيامكم بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويا أمواتاً في أثواب أحياء، بتفريطكم في وظيفتكم ونسيانكم لأثركم، وانسحابكم من حياة الناس، لن تحلموا لا بحياة في واقع الناس ولن تسلموا من ممات سترون فيه حسابكم بتخليكم عن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونسيانكم للأثر المطلوب منكم، وعندها فلن تكونوا لا أحياء دنيا ولا أحياء آخرة، ولن تسلموا حيث كنتم لا في حال موتة الدنيا، بذهاب الذكر والأثر، ولا في موتة الآخرة حيث ستحاسبون على ترك هذه الوظيفة، ونسيان هذه الرسالة، وتضليل هذه الأجيال، وخذلان أهل الحق، وإعانة أهل الباطل حين تركتموهم يعملون ما يشاءون من غير نكير، ولا حسن مراجعة، من أجل أن تسلم لكم دنياكم، فلم تسلم لكم دنياكم، كما لم تسلم لكم آخرتكم.