من روائع الادب الفلسطيني ...... - من روائع الادب الفلسطيني ...... - من روائع الادب الفلسطيني ...... - من روائع الادب الفلسطيني ...... - من روائع الادب الفلسطيني ......
الأدب الفلسطيني من أشد الآداب التصاقا بشخصية شعبه ,وأصدقها في التعبير , عن هموم الشعب الفلسطيني تعبيراً حياً , وعن العطاء الذي قدمه الفلسطينيون لوطنهم وقدرتهم على الصمود والمقاومة والبذل والتضحية . وقد أصبحت أركان هذا الأدب من شعر ورواية وقصة قصيرة ومقالة ونقد وبحث ودراسة , في مستوى لا يقل عما بلغته الآداب العربية المتقدمة .
وثمة أنواع تدخل في نطاق الأدب وفروعه كالخطابة والمسرحية , والأدب الشعبي , والنشاط اللغوي , والترجمة , والرسائل , والمذكرات , والأدب الصحفي , والتأليف في التاريخ , والجغرافيا والفلسفة , والقضايا العلمية , والسياسة , والسيرة , وأدب الرحلات , وأدب الأطفال , والأدب الإذاعي , وتحقيق التراث , وغيرها . ولم يفت هذا الأدب فرصة التعبير عما في نفس بعض أصحابه بلغات أجنبية ولهذا كان الأدب الفلسطيني أدباً واسع الآفاق متنوع التيارات . وسيقتصر هنا البحث على النقد الأدبي , والأدب الإذاعي , وأدب الأطفال , وأدب الرحلات .
ساستعرض في موضوعي هذا اهم المحطات الادبية لكتاب فلسطينين
ابدأ :
ضمن مشروعه الكبير / الملهاة الفلسطينية ، تأتي رواية الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله " زمن الخيول البيضاء " لتكون بصمة كبيرة في عالم الرواية العربية والفلسطينية على حدّ سواء..ومن يقرأ
الرواية التي امتدت في زمانها من عهد العثمانيين إلى عام النكبة 1948، في مكان يختزل الأمكنة هو قرية الهادية في فلسطين، سيلحظ تركيز الكاتب على هذه الفترة الزمنية ، بشكل لا مغالاة فيه ولا مبالغات .. فالنكبة ، ووقوع فلسطين تحت الاغتصاب الصهيوني ، متصل بمقدمات ابتدأت في الزمن العثماني ، وازدادت حدة في عهد الاحتلال البريطاني لفلسطين ، وطالت ألما وإيلاما جارحا مع تنامي الهجرة اليهودية إلى فلسطين بمساعدة بريطانية واضحة ، وصولا إلى سقوط الهادية / فلسطين في جرح النكبة الدامي الذي قلب كلّ شيء ، وجعل الظلمة تعمّ أرجاء فلسطين ، وتؤثر على القريب والبعيد ..
بشكل حار ، ودخول في العمق ، وبأسلوب روائي يكاد يكون استثنائيا بقدرته الكبيرة على الجذب ، يضعنا الروائي إبراهيم نصر الله أمام قرية الهادية لنعيشها إنسانيا وفلسطينيا وعربيا وعلاقات وتشابكات يومية..ولشدة وله الكاتب وشغفه بالهادية وناسها وجوّها وخيلها وامتداد الروح حتى في ترابها ، نعيش في قطعة من الجنة أو نكاد .. فالهادية ربيع خصب من الحب والعطاء والبطولة والجمال وعلاقات الناس فيما بينهم ..وهي إلى ذلك تعبير واف ٍ شارح معبر عن فلسطين كلها .. ومن جماليات الهادية المؤثرة الصافية ، هذا الوقوف بثبات وقوة وتماسك وبطولة نادرة / قد يكون خالد نموذجا يتأسطر / في وجه أيّ ظلم أو اعتداء ..ولأن الهادية ، تملك روح ومشاعر وإحساسات ناسها ، فهي تسمعنا أنفاسها وآهات وجعها ، كما ترينا بوضوح شديد هذا الترابط الاستثنائي بينها وبين ناسها.. ولعلّ ما يلفت النظر في الهادية ، إلى جانب ما تقدم ، هذا الاهتمام الشديد بالخيل ، حتى لترى الخيل تبكي وتضحك وتعشق ، وتأخذ مكانة لا تضاهى عند كل إنسان في دلالة على التشبث الأصيل بقيمة الفرس كونها روح الفارس وعشقه وصورة من صور تعلقه بكل ما يعطي الجمال علوا وارتفاعا وسموا .. فالهادية في كلّ ذلك قرية تعرف تماما كيف تكون فلسطينية الروح والملامح والعادات والتقاليد والتقارب والتآزر وعشقها للجمال ، العشق الذي سيكون في كلّ خطوة أو نفس ، عشقا فلسطينيا بامتياز ..
يسير الروائي إبراهيم نصر الله،رغم هذا الوله والولع واستنهاض جماليات المكان دفعة واحدة ، بخطوات صلبة على أرض الواقع ، ليشرح ويشرّح الأسباب التي وصلت بفلسطين إلى ما وصلت إليه .. لا يترك هنا أي جزئية إلا ويوضحها بعمق ، ليجد في الصورة المرسومة بدقة ، كيف كان تسليح الصهاينة واضحا جليا مكشوفا ، وكيف كانت المؤامرات التي تحاك في الخفاء فأسا هداما لا يرحم باتفاق عربي مع بريطانيا وسواها بما يوصل إلى فرض الهزيمة فرضا ، هذا إضافة إلى شعب فلسطيني كان يعيش بعيدا عن رؤية الحقيقة بكل وضوحها ، فقلّ السلاح أو غاب ، وصارت الأرض تبتلع بمساعدة بريطانيا وفي وضح النهار.. كل هذه الأشياء اجتمعت لتكون السكين التي ذبحت فلسطين من الوريد إلى الوريد ،وشردت شعبا آمنا من أرضه ، أمام أنظار عالم لم يكن له أي اهتمام بما يحدث .. فضاعت فلسطين في فترة مسروقة من الزمن ..
رواية " زمن الخيول البيضاء "رواية النكبة الفلسطينية التي تحكي فلسطين كلها بحب وألم وتداخل مع المكان حتى العظم .. رواية ينجح الروائي إبراهيم نصر الله في رفعها إلى مستوى استثنائي بقدرة وتمكن وحب لا مثيل له .. رواية فلسطينية تحتفي بالمكان وتصل إلى أن تكون رواية الألم والحب الفلسطيني بامتياز ..
عن نبض الوعي العربي
رواية عائد إلى حيفا.. حكاية التشرد وأسئلة الوطن والعودة
• السيرة الذاتية للرواية:
رواية عائد إلى حيفا للأديب والروائي الفلسطيني غسان كنفاني، سجلت نفسها كأحد أبرز الروايات في الأدب الفلسطيني المعاصر، وكانت من الأعمال التي عززت انطلاقة كاتبها إلى الأفق العالمي كما سنرى، صدرت طبعتها الأولى عام 1969، وقد صدرت عدة طبعات منها داخل فلسطين وخارجها، ولقد وصل عدد الطبعات حتى عام 2001 إلى خمس طبعات باللغة العربية، بالإضافة على ترجمتها إلى عدة لغات كان من بينها، ترجمتها إلى اللغة الروسية عام 1974 عن طريق المترجم السوري د. ماجد علاء الدين، وقيام الباحث الإيراني يوسف عزيزي بترجمتها إلى اللغة الفارسية عام 1991م. بالإضافة إلى عدد من اللغات الأوروبية وهذا يعني أنّ الرواية استطاعت أن تحلق بفكرتها وإبداعها في فضاءات الجغرافيا المختلفة، تنشر القضية وتحكي عن الكارثة وتعمل على تشكيل فهم ووعي عن طبيعة القضية الفلسطينية كما سنرى عند الحديث عن مضمونها.
أمر آخر وهو أن هذه الترجمات ساعدت في تحقيق تواصل بين أدباء العالم ومثقفيها ليس مع فلسطين بعنوانها العريض فحسب بل مع أدق الفسيفساء التي كانت تكون الروح الفلسطينية في وقت حرج ومهم وحساس، حيث تحكي الرواية عن زمن النكبة والنكسة، وعمق الإشكالية التي تعالجها الرواية في مفهوم الوطن والحنين له والعودة إلى ربوعه.
* مضمون الرواية:
قد يكون من الملفت حين البدء في الحديث عن رواية ( عائد إلى حيفا ) أن نذكر أن عدد صفحاتها لا يزيد عن سبعين صفحة من القطع الصغير !! وهذا يولّد حوارا مبكرا في أنّ العمل الأدبي لا يرتبط بالحجم وإنما بالنوع، وأن الروائي يستطيع أن يطيل أو يختصر حسب ما يرى ذلك مناسبا، ومفيدا للعمل الأدبي الذي بين يديه.
يقو الناشر عند تعريفه بالرواية فيقول ( في هذه الرواية، يرسم غسان كنفاني الوعي الجديد الذي بدأ يتبلور بعد هزيمة 67، إنها محاكمة للذات من خلال إعادة النظر في مفهوم العودة ومفهوم الوطن ).
سعيد بطل الحكاية ويمكن أن نقول وجع الحكاية فهذا أدق في الوصف حيث يعود ( سعيد. س ) كما يذكر كنفاني في روايته إلى حيفا مع زوجته صفية بعد عشرين عاما من النكبة حيث التهجير القسري، وحيث تنسى الأم ابنها الرضيع خلدون على سريها في المنزل، وتظل في حالة بحث عن زوجها الذي يقلقها تأخره في ظل الوضع المتوتر في الحرب بين الصهاينة والفلسطينيين، وتجد نفسها بين الناس في الشوارع يجرها سيلهم وهي لا تدري على أين يسير بها، وهو ما جرى بصورة مختلفة قليلا مع زوجها. حيث وجد نفسه يسير اضطراريا نحو الميناء غير قادر على الرجوع إلى المنزل والبحث عن زوجته وابنته.
هذه الأحداث يسردها الراوي بطريقة فنية متميزة حيث تأتي في إطار استذكار مشوق ومحزن من قبل ( سعيد ) وهو في طريقه إلى حيفا مع زوجته، حيث يعودان لزيارتها بعد سقوط الضفة الغربية وغزة بأيدي الصهاينة بعد نكسة حزيران 1967 وسماح قوات الاحتلال للفلسطينيين في الضفة بالتجول بحكم أن المناطق كلها هي تابعة لدولة إسرائيل.
وهو عبر هذه المفارقة يجدها فرصة كي يرى منزله وذكرياته التي هناك، ويكون في شوق ولهفة أكبر مع زوجته إلى معرفة المصير الغامض الذي حل بابنهم الرضيع قبل عشرين عاما. والذي لم تفلح جهودهم الأخرى في معرفة ذلك المصير الغامض.
وفي هذا السياق يجيء تعريف الناشر مرة أخرى بالرواية حين يقول ( سعيد س. العائد إلى مدينته التي ترك فيها طفله يكتشف أن الإنسان هو قضية، وأن فلسطين ليست استعادة للذكريات، بل هي صناعة للمستقبل ).
ويأتي هذا بعد أن يصل سعيد مع زوجته صفية إلى منزلهما في حيفا، ليجدا ميريام اليهودية وقد سكنت في البيت مع زوجها إيفرات كوشن بعد أيام قليلة على ترك سعيد للمدينة، حيث صار البيت تحت تصرف هيئة أملاك الغائبين، ويجد ميريام وكوشن إغراء مع البيت، طفل رضيع يسمح لهما بتبنيه إذا وافقا على السكن في المنزل!
وهكذا يضيع البيت والابن والوطن كذلك، وتضيع 20 سنة من سعيد وصفية وهما على أمل اللقاء بخلدون، الذي يلتقيانه في نفس البيت ولكن وقد تربى عند هذه العائلة اليهودية وصار جنديا في دفاع الجيش الإسرائيلي، وحمل من يوم ضياع حيفا اسم " دوف "، وكل هذه الدلالات تكشف تناقضا غريبا ومبدعا في الرواية حين يرفض دوف العودة مع والديه، ويصر على ما تربى عليه عند ميريام، أمام صورة الابن الثاني خالد والذي بقي في المنزل وهو يصر دائما على حمل السلاح دفاعا عن الوطن. ليقول سعيد بعد ذلك بكل وضوح: (كنت أفتش عن فلسطين الحقيقية، فلسطين التي هي أكثر من ذاكرة، أكثر من ريشسة طاووس، أكثر من ولد، أكثر من خرابيش قلم رصاص على جدار السلم).
ويعترف أن الوطن عند ابنه خالد صار هو المستقبل رغم أن هذا الأخير لم يعرف حيفا، التي يعرفها والده بكل تفاصيلها ودروبها حتى لو تغيرت أسماء شوارعها إلى العبرية رغما عنها.
في هذه الرواية يغيب الرمز كما يقول الناقد ناهض زقوت (فالمعطى الواقعي الفلسطيني لا يتقبل الرمزية في الإبداع، حيث كان المبدع مشحوناً بالصور والدلالات والتفاصيل والمآسي والمذابح، فكان لا بد من تقديم تلك الشحونات فنياً وإبداعياً، لهذا غاب الرمز ليحل محله تعبير مباشر وقوي عن جوهرية النكبة وتداعياتها).
* الرواية تلفزيونيا:
كان أول ظهور للرواية على الشاشة عام 1982 حين قام المخرج العراقي قاسم حوَل بإخراج فيلم روائي حمل اسم الرواية واستند إلى قصتها.
هذا الظهور التلفزيوني للرواية أضاف إليها بعدا جديدا من الشهرة، وسلط الضوء عليها، وأعطاها مساحة أوسع من الجمهور الذي تعرف على الرواية من هذا العمل التلفزيوني.
أما المسلسل الذي حمل اسم الرواية أيضا كما أسلفنا فهو يحاكي قضية فلسطين في بعدها الإنساني العميق. و يقف المشاهد أمام حالة إنسانية وطنية تراجيدية، حيث تبدأ مع عام النكبة في ذروة أحداثه، ليصور المسلسل رحلة طويلة من التشرد والعذاب والآلام، رحلة يغوص في مخاضها مئات الألوف من الفلسطينيين بعد أن اقتلعوا من ديارهم وحرموا من أهلهم وأرضهم، فالمسلسل يؤرخ ليوميات سقوط حيفا عام 1948 من خلال رصده لمصير عائلة فلسطينية (مأساة المدرس الفلسطيني سعيد وزوجته صفية) حيث التشتت والمعاناة من التهجير والنزوح والتشريد في المخيمات.
ولأن العمل التلفزيوني بحلقاته المتتابعة يحتاج إلى كثير من التفصيلات، فقد تم الاعتماد على قصة كنفاني كأساس للعمل، مع بعض الإضافات والتفصيلات التي لم تكن موجودة في الرواية والتي تم إضافتها لتتناسب مع العمل الدرامي التلفزيوني وأحداثه الكثيرة عبر كاتب سيناريو.
وكنت قد أبديتُ للمخرج باسل الخطيب استغرابي كون الرواية قليلة عدد الصفحات على عكس المسلسل الذي أخذ مساحة زمنية طويلة، فما كان منه إلا أن قال : إن رواية عائد إلى حيفا تمثل قضية الشعب الفلسطيني بكل ما فيها، ومن هنا على حد قول المخرج جاء السيناريو متناسبا مع قصة كاتب الرواية، حيث تتكون أحداثها مما عايشه الشعب الفلسطيني في نكبته وبعد تشرده.
حيفا...مدينة الجرح والحلم:
ظل الوطن الفلسطيني بالنسبة للأدباء والمثقفين والفنانين يمثل القضية الأولى لهم، قضية الوجدان والمصير والهوية، فعاش فيهم رغم أن الكثيرين هجروا عن ربوعه، وأخذت حيفا بما تحمله من خصوصية تاريخية وجمالية جزءا مهما من هذه الأعمال الأدبية والفنية، ومنها فيلم ( حيفا ) للمخرج الفلسطيني رشيد المشهراوي، ومن أشهر الأعمال الشعرية ديوان ( حيفا في سواد العيون ) للشاعر حسن البحيري.
هذه الأعمال وغيرها الكثير، جعل من هذه المدينة مكانا لأحداث إبداعاته بنزفها وصمودها، ومنهم من جعلها شمسا يدور في فلكها في كثير من أعماله. وقد حملت في مفرداتها حنينا واشتياق إلى الوطن المحتل، وحاولت تهيئة النفوس لاسترداد ما ضاع من أوطان، عبر بث روح الأمل تارة وتذكير الأجيال بالكارثة التي أصابت هذه المدينة عبر الاحتلال.
ولعل مثل هذه الأعمال الفنية والأدبية تشكل في الوقت الحالي إحراجا لأطراف فلسطينية وعربية، تطالب الفلسطينيين أن يقبلوا بالتوطين أينما كانوا، أو العودة للسكن في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن هنا صار لمثل هذه الأعمال أهمية مضاعفة في وقتنا الحاضر، خاصة وهي تبرز المكان في عنوانها ومعظم تفاصيلها لتكون شاهد إثبات أن الوجدان الفلسطيني المسكون بجرح التاريخ وعبق الأجداد وقداسة القضية وعدالتها يستمد روحا مضاعفة في معركته من كل المكونات الموجودة في ساحة المعركة، ثقافية كانت أم فنية أم تاريخية، وهو بهذا يتيح للجميع أن يشارك من خلال موقعه وإمكانياته في معركة العودة لأنها معركة المكان والحق والعدالة والتاريخ.
* كنفاني... عودة هل تكتمل؟
الكاتب والأديب الراحل غسان كنفاني، والذي استشهد في الثامن من تموز عام 1972، عندما فجر الموساد الإسرائيلي سيارته في بيروت، يمثل نموذجا للأديب والسياسي والكاتب، وبالإضافة إلى موهبته وقلمه الإبداعي المتميز فلقد مثل مولد الكاتب في مدينة عكا في عام الإضراب الشهير سنة 1936، وعيشه في يافا ثم اضطراره للنزوح عن وطنه بعد نكبة 1948، كل هذا شكل مخزونا تاريخيا مريرا كان واضحا في كتاباته النثرية من مقالات في الصحف المختلفة التي عمل بها، أو عبر رواياته وقصصه، وأيضا في سطور دراساته المهمة عن أدب المقاومة في فلسطين والأدب الصهيوني.
لقد تفجر القلم عند كنفاني حقيقة حين تفجرت العبوة في سيارته، فحادثة الاغتيال سلطت الضوء على أعماله بشكل أكبر، وكان اغتيال أديب لم يحمل السلاح يوما، مناسبة لنشطاء المقاومة الفلسطينية، للإشارة إلى أن الاغتيالات الإسرائيلية لا تفرق بين سياسي وعسكري وبين صاحب قلم وحامل بندقية مثلما قال الكاتب أسامة العيسة في مقال له عن الأديب الراحل.
وبعد ... فالسؤال الذي يكاد يعلو صوته في نهاية هذه الوقفة يتجلى في أمر واحد ألا وهو هل استطاع كنفاني أن يوصل رسالته التي أراد؟
وهل اقتربنا معه إلى العودة، أم ابتعدت بنا السياسة هذه الأيام بعيدا عن شواطئ حيفا ودروبها؟؟
لا شك أن عودة جسدية لم تكتب للأديب الشهيد، غير أنّ وصول روايته إلى هذا المستوى العالي من الاهتمام يشكل عودة روحية على طريق الوطن السليب.
رواية المتشائل من أبرز الروايات الفلسطينية وبشخصية سعيد أبو النحس يرسم أميل حبيبي شخصية لم تطرق مسبقاً في الأدب العربي
"كتب إلى سعيد أبو النحس المتشائل قال... أما بعد، فقد اختفيت ولكنني لم أمت، ما قتلت على حدود كما توهم ناس منكم، وما انضممت إلى فدائيين كما توجس عارفو فضلى ولا أنا أتعفن منسياً في زنزانة كما تقول أصحابك، صبراً صبراً، ولا تتساءل: من هو سعيد أبو النحس المتشائل هذا؟ لم ينبه في حياته فكيف ننبه له؟ إنني أدرك حطتي، وإنني لست زعيماً فيحس بي الزعماء، ولكن يا محترم، أنا هو الندل، ألم تضحك من الأضحوكة الإسرائيلية من السبع الذي تسرب إلى مكاتب اللجنة التنفيذية؟ ففي اليوم الأول افترس مدير التنظيم النقابي، فلم ينته زملاؤه، وفي اليوم الثاني افترس مدير الدائرة العربية فلم يفتقده الباقون، فظل السبع يخرج مطمئناً ويفترس مريئاً حتى أتى على ندل السفرة، فامسكوه... فكيف تزعم أنك لم تسمع بي؟ أني إنسان فذ، فلا تستطيع صحيفة ذات إطلاع، وذات مصادر، وذات إعلانات، وذات ذوات، وذات قرون، أن تهملني، أن معشري يملئون البيدر والدسكرة والمخمرة. أنا الآخرون، أنا فذاً بأسلوب نقدي ساخر يصور اميل حبيبي الوضع الفلسطيني في أزمته من غير حل حاسم، إنه واقع جسدته شخصية المتشائل التي يجمع اسمها المتشائم والمتفائل هي خليط من عناصر موجودة في الخرافة ومقامات الحريري، وكافكا ودوماس، ووالت ديزني، أحداثها مزيج في الهزل السياسي التهريجي والقصص العلمي والمغامرة والنبوءة التوراتية.
تدور رواية السفينة للروائي الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا حول مجتمع مركب بمحض التنسيق وبرغبة افراده،يستخدم جبرا أسلوب المرايا،اذ يحكي كل فرد ويسرد ما لديه بصيغة ال " أنا ".
يتناوب على السرد أربع رواية وهم وديع عساف وعصام السلمان،اضافة لاميليا فرانزي،والدكتور فالح التي تعتبر رسالة انتحاره بمثابة صوت رابع ( أجمع على هذا الراية غالبية المحللين والنقاد ).
يلتقي مجتمع السفينة فيها لتصير مسرح العلاقات وتفاعل الاحداث بينهم،هي فضاء مغلق وكلما ضاق هذا الفضاء أكثر وقسى أكثر أصبحت ذوات أفرادها أوسع.
تطل ذكريات وديع عساف من اللحظة الأولى،بأحاسيسه وأفكاره،للمرأة التي تركها هناك في القدس ( مها الحاج )،ويظهر وديع عساف فلسطينياً بكل معنى الكلمة،مشبع بالارض والحكايا،مفم بالحزن ولديه من الأمل ما يفيض.
يتعرف إلى عصام السلمان العراقي الهارب من ثأر في العراق،ومن عينا لمى حبيبته التي لم تكن من نصيبه بسبب ثار بين العائلتين. تضطرب الاحداث لما يتبين أن لمى موجوده على متن السفينة هي وزوجها الدكتور فالح،اضافة لاميليا فرانزي امرأة ايطالية عائدة من بيروت بعد ان تركت هناك قبر زوجها،كما كان في السفينة شاب قومي يدعى محمود الراشد خرج من السجن السياسي وفي جعبته كم من الاضطرابات النفسية التي لا تفتأ ترخي بظلالها على تصرفاته.
تتراكم الاحداث،وتتفاعل الشخوص،في زمان المكان وزمانها الشخصية،وفي مكانها السابق ومكان السفينة،ويتجلى التنسيق الخفي لكل واحد منهم،لما يتبين أن لمى أقنعت زوجها بالرحلة على ظهر السفينة لما عرفت بأن عصام سيكون فيها،وزوج مها وافق لأن ايميليا ستكون فيها،ووديع فيها لأن مها كان يجب لها أن تكون فيها،وبالتالي فما هذا المجتمع المركب ما هو إلا نتاج رغبات جامحه تدور في نفوس ساكنيه،كلهم لديه رغبة ملحة وكلهم هارب بصورة أو بأخرى.
تتراكم التفاصيل،وتتطور الاحداث،مشكلة ذروة المآساة،اذا يلحظ الدكتور فالح زوجته لمى تسير بجانب عصام السمان،بعد ان ادعت المرض والاعياء،كما وأن ايمليا ذاتها تمارس الجنس مع الدكتور فالح،في فندق الكاردنال في الطابق الثالث.
وهذا المكان بدوره يكون المكان الذي يسهر في عصام ولمى،مها وعصام،بعد انتحار الدكتور فالح ،ولحق مها بوديع ،وهي قمة التهكم في هذه السهرة على أطلال الدكتور فالح .
تنتهي السهرة بعبارة عاصفةمستفزة : " هل انتهوا الآن من الرقص على السفينة ؟ " والتي توحي بالذاكرة القاهرة،التي لا تنسلخ عن ماضي بقدر ما تتشبث بمستقبلها،وبقدر ما يهرب الانسان من ماضي،يكتشف ان من يحركه في " غده " هو بالضبط ما هرب منه يوماً.
معارج الإبداع": قصص ومقالات ودراسات وأعمال أخرى لغسان كنفاني تنشر لأول مرة
بين يدي الكتاب ، بقلم د. أسامة الأشقر
هذا الكتاب يرصد البدايات الأولى لتكوين حالة إبداعية تجاوزت شخصها إلى فرض حالة استدارت حول مكوّناتها الموضوعية القائمة على الموضوع الأم " فلسطين". وفي هذا الكتاب سيقدّم الأستاذ عدنان كنفاني الشخصية الفنية لشقيقه غسان من جديد، ولن يقدمها هذه المرة انطلاقاً من زاوية النقد والتحليل والسيرة الذاتية وإنما بالانطلاق من العتبات الأولى ومفردات المسار الابتدائي، وهي فرصة ذهبية لا تقدر بثمن للنقاد والمحللين أن يعيدوا رسم رؤيتهم النقدية لأدبنا الفلسطيني المقاوم من خلال رمز أدبي قدم روحه في سبيل كلمته، فقد أتيح لهم أن يطلعوا على أعماله في مرحلة النضج والاكتمال لكنهم لم يقفوا على مراحل التشكّل، وهنا تأتي الفرصة في دراسة تطور الحالة الإبداعية لدى الأدباء الراسخين.
وغسان كنفاني الفتى اليافع هو غسان كنفاني الأديب الناضج في انتماءاته الفكرية وانحيازه العاطفي، وهو يمثل مدرسته التي اقتنع بها ودافع عنها في مرحلة كانت السيادة فيها للتيار القومي بمذاهبه المختلفة، الذي ما لبث أن تطامن دوره في بعض الأمصار بعد ذلك بظهور تيارات فكرية أخرى فرضت نفسها بقوة في الساحة الفلسطينية والعربية.
هذا الكتاب صورة توثيقية لبدايات غسان كنفاني الأدبية والفكرية سجّلها لنا بأمانةٍ ومسؤوليةٍ محرّرُ هذا الكتاب الأستاذ الأديب عدنان كنفاني دون تغيير أو تدخّل استغرق فيها أعمال شقيقه الأدبية والتشكيلية والسياسية بين عامي 1951 – 1961م مما لم ينشر من قبل، أو نُشر خارج أعماله الكاملة، وقبيل ذيوع اسمه واشتهاره، ولاسيما بعد اغتياله.
والحملة الأهلية السورية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية تعتزّ بتقديم هذا الأثر إلى جمهور الأمة المتتبع للمسار التاريخي للحركة الوطنية الفلسطينية والعربية، والمتعلق باستعادة كامل تراب الأرض الفلسطينية، والثرى العربي المحتل.
د. أسامة الأشقر ، مدير المكتب التنفيذي للحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009
مـقـدّمـة بقلم عدنان كنفاني، محرر الكتاب:
عندما أصدرت كتابي الأول (غسان كنفاني صفحات كانت مطويّة) تلبستني حالة من الرهبة، أن أكتب عن غسّان شيئاً مختلفاً ويحمل خصوصية الأسرة والمعايشة أمر رأيت فيه نوعاً من المخاطرة المشوبة بالرهبة، وقد قصدت أن أكتب عن غسان الطفل والفتى، عن تلك العلاقات الحميمة بين أخوين شقيقين في أسرة واحدة، تقاسما الثدي والفراش ورحلة اللجوء المرّ، وكانت رهبتي تتمثّل في أمر أعتقد أنه ينسحب على نظرتنا إلى رموزنا بشكل عام، فنحن سواء عن قصد أو غير قصد نضعهم في مراتب القداسة، ونرفعهم عن سلوكيات البشر، وهم في الحقيقة من نسيج البشر، لهم نزواتهم، ولهم حركتهم كما كل كائن بشري في هذه الحياة، وأعتقد أنه من المفيد أن يتلمس القارئ بعض مفاصل في مراحل مسيرة حياة الرمز، وقد تنفتح أمام رؤاه آفاقاً جديدة تفسّر كيف وصل هذا الإنسان العادي إلى مرتبة الرمز. وبعد أن وصلت إلى هذا الفهم وهذه الحقيقة التي أعتبرها إيجابية، لأن غسان ومهما كانت درجة انتمائي لشخصه وفكره، ومهما كنت منحازاً فهو "رحمه الله" لم يعد ملكاً لأسرته، بل أصبح شخصية عامّة، ورمزاً أدبياً، ومناضلاً صلباً حتى آخر لحظة في حياته، حاكى هموم الناس في أصقاع الشتات، وعبر عن صمودهم وأمنياتهم وتمسكهم بثوابتهم الوطنية والقومية، واستطاع أن يحتل موقعاً متقدماً بين أدباء عصره من خلال نتاجه الفكري الإبداعي والسياسي على حد سواء، ولو أنه في أدبياته لم ينضبط بالتقويمات السياسية التي ينتمي إليها، بل كان ممثلاً لضمير الشعب بامتياز، واستطاع أن يدخل إلى العمق الإنساني للقضية، وأن ينتشر إلى العالمية بعد أن ترجمت الكثير من كتاباته إلى كثير من اللغات الحيّة،.
الآن تتلبسني رهبة أكبر وأنا في جهدي لتقديم غسان من خلال كتاباته الأولى التي لم تنشر، وهي بدايات تفجّر الطاقة الإبداعية عند غسان. وأسجل بداياتها المعقولة في العام 1951 علما أن الشهيد غسان من مواليد 1936 ما يعني أنه كان في الخامسة عشر من عمره..
وقفت طويلاً أمام أسئلة محيّرة: هل من حقي أن أنشر كتابات غسان الأولى بما فيها من بساطة وعفوية ومباشرة وشعارات.؟ هل يمكن أن يتأثر موقع غسان المتقدم عندما نطّلع على بعض بداياته الأدبية.؟ ثم هل من حقي أن أنبش هذه المتروكات التي تجاهلها غسان نفسه ولم يعتبرها بالمستوى القابل للنشر.؟ وأمام هذه الأسئلة كان لا بد أن أضع أجوبة تقنعني أولاً، وتقنع الآخرين المتلقين.
ما دام غسّان خرج من "الأنا" الأسرية الضيّقة، وأصبح شخصية عامّة ورمزاً حيّاً ومنارة يهتدي بنورها الجيل بعد الجيل، أليس من حق الناس أن يطّلعوا على البدايات الأولى لأديب كبير وصل إلى ما وصل إليه غسان.؟
إن نشر ما كتبه غسان في بداياته قد يكون دليلاً للناشئة، ونستطيع من خلال الإطلاع على البدايات أن نتلمّس مسيرة غسان الأدبية وفعل التطوّر الذي هيأه ليحتل الموقع المتقدم. ثم أعتقد أن الإطلاع الواعي على بدايات غسان قد يؤسس لفهم جديد لإبداع غسان، وقد يفتح أقنية جديدة لدارسي أدب غسان. وقد يكون في نشر هذه الأدبيات معلومة ومتابعة لتطوّر غسان تصل إلى كل مجتهد ليسلك طريق الدراسة والقراءة والكتابة بجهد ليحقق مرحلة نضوج تؤهّله ليتبوأ المكان اللائق في هرم الإبداع. وبعد أن وضعت هذه المعايير، قررت أن أدخل هذه التجربة.
وعندما أطلق على هذه المخطوطات "بدايات" فأنا أعني الأمور التالية: لقد ولد غسان في العام 1936، واستشهد في العام 1972، ما يعني أنه عاش 36 عاماً لو قسمناها إلى مراحل لوجدنا أن الـ 12 سنة الأولى توزّعت بين الطفولة والمدارس الأولى ورحلة اللجوء. أما الـ 12 سنة التالية فهي مرحلة الدراسة وبناء الشخصية والتأسيس للعمل. تبقى الـ 12 سنة الأخيرة التي شهدت تفجّر الطاقة الإبداعية عند غسان، وهذا التراث الضخم الذي تركه زاخراً بالقصص والروايات والدراسات والمسرحيات والعمل الصحفي اليومي إلى جانب انتمائه الأيدلوجي لحركة القوميين العرب ثم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
حاولت في كتابي الأول (غسان كنفاني صفحات كانت مطويّة) أن أخوض في الـ 12 سنة الأولى من عمره، مرحلة الطفولة والصبا، وها أنا ذا أحاول أن أقدّم للأعمال التي بدأ بها غسان بناء نضوجه، وهي بين العام 1951، والعام 1961، أكثرها في دمشق "سورية" حيث بيت الأسرة، والقليل في أوائل عمله وإقامته في الكويت. ولا أدعي الفضل في ذلك، فكل الفضل لوالدي المحامي محمد فايز كنفاني رحمه الله، الذي كان دقيقا وحريصاً على أرشفة كل قصاصة تخصّ أي واحد من أبنائه.
* * *
هي مجموعة من القصص والمقالات والحواريات والتمثيليات والدراسات والمحاولات الشعرية التي لم تنشر، وبعض ما نشر في الصحف في تلك الفترة السابقة جداً، وللأمانة أجد من الواجب أن أوضّح بعض الأمور:
القصص: هناك قصص كتبها غسان في مطالع الخمسينات من القرن الفائت لم تنشر أبداً. وهناك قصص أخرى نشرت في صحف قديمة بالفترة نفسها تقريباً لا توجد في أعماله الكاملة المنشورة، وإن وجدت الفكرة مثلاً فهي ما اشتغل عليه غسان حتى وصل إلى قناعة نشرها. وأما القصص الأخرى فهي منشورة في أعماله الكاملة ولكنني أنشرها هنا ثانية من أصل كتابتها أولا، وقد نلاحظ بعض التغييرات والتحسينات التي أجراها غسان عليها. وقد رأينا أن نضع صورا توثيقية من هذه الكتابات وهي بخط يد غسان.
المقالات والدراسات: لا أعتقد أن المقالات والدراسات التي أنقلها للنشر في هذا الكتاب قد نشرت سابقاً، ولتحقيق الشفافية سأحاول أن أضع مقتطفات مصوّرة من تلك المخطوطات وهي بخط يد الشهيد غسان أيضاً.
الحواريات والتمثيليات: بعض تلك الحواريات والتمثيليات أذيع من محطة إذاعة دمشق "برنامج الجندي" في تلك الفترة السابقة لكنها لم تنشر ورقياً، والبعض الآخر لم ينشر.
الشعر: هي محاولات قليلة، لم يتابع غسان كتابة الشعر، لكنني أنشرها فقط للإحاطة بالتوجهات الأدبية الإبداعية عند غسان.
الرسوم: أكثر اللوحات المنقولة في هذا الكتاب رسمها غسان وهي معروفة تقريباً.
هذه هي الخطوط العريضة للكتاب، وكلي أمل أن أكون على مستوى المسؤولية الأدبية، وأن أوفي شقيقي الأديب الشهيد المناضل غسان كنفاني بعض حقّه عليّ.
ضمن مشروع الملهاة الفلسطينية للشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله كانت "تحت شمس الضحى" التي تتحدث عن الفلسطيني منذ حقبة ما بعد أوسلو حتى الانتفاضة الثانية
الأديب الفلسطيني مريد البرغوثي يسرد مذكراته عند عودته إلى رام الله بعد عقود طوال من العيش في المنفى..
الجزء الأول: رأيت رام الله
الجزء الثاني: ولدت هناك ولدت هنا
البحث عن وليد مسعود
رواية شهيرة للكاتب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا أرخت لجيل من المثقفين في الشرق الأوسط نشرت أول مرة عام 1978.
تتمحور كل الرواية التي تنقسم إلى 12 فصلا حول وليد مسعود الفلسطيني المتردد التارك خلفه تاريخا من النضال ضد المحتل اليهودي في فلسطين والغارق في شبكة من علاقاته الاجتماعية المعقدة ومن خلال هذه العلاقات شكل جبرا إبراهيم جبرا صورة عجيبة لشخصية وليد مسعود متطرقا لأسرار حياته العاطفية وطفولته في فلسطين ومواقفه الدينية والسياسية. تعددت الزوايا بعدد أشخاص الرواية فكان وليد مسعود تركيبة من جميع عناصر الإنسان العربي الذي يعيش حياته الخاصة متقاطعا مع تفاصيل عصره.
حملت هذه الرواية سمات للحداثة الروائية في العالم العربي فهي في تنسيقها فريدة من نوعها إلى اليوم وتعد نقطة التقاء بين خصوصيات الكتابة العربية والرواية العالمية. من ناحية أخرى تعد رواية البحث عن وليد مسعود اختزالا لمسيرة جبرا إبراهيم جبرا الروائية.
أثارت براري الحمى منذ صدورها عام 1985 جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية العربية كواحدة من أبرز روايات ما بعد الحداثة، وظلت واحدة من الروايات التي تثير الكثير من الاهتمام وقد تمت دراستها في عدد من الرسائل الجامعية العربية والأوروبية والدراسات النقدية.
يقول الشاعر والروائي الإنجليزي جيرمي ريد: «براري الحمىّ هي الجوابُ العربي عن النفس المنشطرة، من خلال عين الراوي الداخلية الشديدة الهلوسة. ذلك أن ذهنه قادر على إنشاء أهرامات تناطح السماء، أو تفجير نبع جارف من سطح صخري. وقد كانت رحلته خلال النيران، ويستطيع المرء أن يقول إن كلماته تحرق الورق، إنها تصل دائماً إلى ما هو الأهم في الفن: وهو العملية التحويليّة التي يفقد فيها العالمان الداخلي والخارجي تمايزهما، ويندمجان أحدهما في الآخر عن طريق دينامية المجاز. ورواية "براري الحُمّى" تدور حول الحدود القصوى، وينبغي أن تُقرأ من أجل رؤياها التي لا يعلق بها الخوف، ومن أجل اهتمامها بالعقل بمعزل عن سواه، ومن أجل اعتقادها المطلق بأن الشعر قادر على أن يغيّر العالم».
في حين ترى الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي أن براري الحمى من أدق التجارب الجمالية تشرُّباً لروح الحداثة، فقد استبطن المؤلف الحداثة استبطاناً كاملاً وكأنه ولِدَ فيها. لقد أنتج الفن القصصي الفلسطيني معالجات فريدة لا مثيل لها في الأدب العربي، ومثال ذلك رواية «المتشائل» ورواية «براري الحمى».
أما الناقد الإيطالي فليبو لا بورتا فيقول: «قراءة هذه الرواية تعني وقوعك في أسر الغموض العذب، والفراغ الغامض الذي يتواجد في أعماق كل مخلوق إنساني، متجاوزاً البشر عابراً أعماق الكائنات الحية والجمادات في تلك الصحراء. في هذه الرواية الرائعة يستخدم الكاتب تقنية سردية بارعة موازية لذلك التمزق في الوعي والازدواجية التي تعيشها الشخصية الرئيسة الواقعة بين فكي الخلل المطلق وسؤال المصير ومغزى الحياة، أما الشيء الأكيد فهو أننا لن نعرف بعد قراءتنا لهذه الرواية هل عدنا أم بقينا هناك في الصحراء».
وترى الدكتورة فدوى مالطي دوغلاس رئيسة قسم الدراسات الشرقية ـ جامعة إنديانا أنها رواية مختلفة وبظهورها انضم إبراهيم نصر اللـه إلى كتّاب ما بعد الحداثة في العالم العربي، والجديد في سردها هو أن هذا السرد الذي ابتدأ بضمير المتكلم يتوقف ليدور بضمير المخاطب، أي ليصبح «أنتَ» وهذا «الأنت» هو الذي يجب أن يألفه القارئ لأنه يصبح أيضاً «هو» وهو أسلوب قلَّما أستعمل في الآداب العالمية، وقد وضع «ميشال بوتور» رواية كاملة هي «التعديل» بضمير المخاطب، غير أن سرد بوتور ينتظم من أوله إلى آخره، أما براري الحمى، فإنها تتشكل من ثلاثة ضمائر، إنها رؤية أدبية فريدة.
يذكر أن «براري الحمى» قد صدرت في ثلاث طبعات بالعربية، وترجمت إلى الإنجليزية والإيطالية والدنمركية واختيرت قبل عامين كواحدة من أفضل خمس روايات ترجمت إلى الدنمركية من آداب أفريقيا وآسيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية
ويذكر هنا انه تم اختيار رواية براري الحمى من قبل جريدة الغارديان البريطانية ، كواحدة من أهم عشرة كتب عبرت عن العالم العربي، سواء من تلك التي كتبها كتاب عرب أو كتاب أجانب، وكانت هذه الكتب الوسيلة الأفضل للتعبير عن عمق الحياة الحضارية العربية بعيداً عن سطوة الإعلام السائدة اليوم.
وقد اختار القائمة بتكليف من الغارديان الكاتب الأمريكي مات ريس المولود في ويلز، والذي يعيش في فلسطين منذ عام 1996، ويعمل مراسلاً لمجلة نيوزويك ومديراً لمكتب مجلة تايم، وهو مؤلف عدد من الروايات البوليسية الناجحة التي يسند دور البطولة فيها لمحقق فلسطيني اسمه عمر يوسف، وقد نال عدداً من الجوائز العالمية عن هذه الروايات، وهو يرى أن أفضل وسيلة لفهم الفلسطينيين هي كتابة أعمال روائية عنهم.
رواية "أبناء السماء" ليحيى القيسي: “لقد صار قلبي قابلا كل صورة...!” ـــــــــــ رندة زريق- صباغ
إن صدَقت مقولة: "يُقرأ المكتوب من عنوانه" عموماً...فإنّ لهذه الرواية عنواناً أذكى من أن يساعدك على إدراك فحوى المكتوب...فإنّه يأخذك إلى أماكن ومناطق بعيدة..بل قل يحلّق بك حيث النجوم بنات السماء والشمس، أخوات القمر.... يجعلك .تفكّر متسائلاً ترى ما الذي يقصده الكاتب؟
أيقصد السماء المعروفة بقبتها الزرقاء!؟ أم أنها سماء مجازية!؟
من هم أبناء السماء الذين يرمي إليهم؟ أتراهم الملائكة ؟
أهم الأنبياء والقديسون؟ من بالضبط يا ترى؟
هل يقصد الموتى؟مذكراً إياك بإجابة غير مفهومة حصلت عليها بطفولتك إذ شرحوا لك أن الناس بعد الموت يصعدون إلى السماء؟
تتقافز الأسئلة أمامك وتسمح لمخيلتك بالانطلاق والتحليق، لكنها بكل الأحوال لا تصل السماء ولا تدرك أبناءها.
تخفف لوحة الغلاف من حيرتك خاصة بعد أن تتأكد أنها لفنانة هندية (سويني راثور) تجسّد من خلالها رقصة صوفيّة بألوان تقرّبك من السماء والنجوم....تساعدك اللوحة في تفهّم رؤية الكاتب العامة لتبقى الأسئلة تراودك، و التساؤلات تشدك للبدء بالقراءة مباشرة ظناً منك بأن الحيرة ستتلاشى مع قراءة صفحة الرواية. الأولى...فإذا بالتنويه يملؤك حباً وحيرة:
"إن كنت ترى في هذه الرواية خيالاً جامحاً محضاً لا يقترب من الواقع،فأنت محق في ذلك، وان وجدت فيها حقائق صافية تفوق الخيال نفسه،فأنت محق في ذلك أيضاً!.
هل أنت أمام رواية خيال وفانتازيا من الطراز الأول غير المألوف عربياً على الأقل؟أيعقل هذا؟وفي هذا الوقت تحديداً!؟ تتساءل في نفسك.
تفتح صفحة أخرى فإذا بتحذير يستقبلك في مركزها...
"أما وقد وصلت إلى هذا الباب فاعلم انك إذا ولجته لن تستطيع العودة إلى الوراء،وربما تتوه في الدهاليز التي تفضي إلى المتاهات ،وستنكر نفسك التي بين جانبيك...فاحذر وعد من حيث أتيت تنج..!
تشعر أنك أمام مغامرة روائية.أو رواية مغامِرة فتتشجع أكثر للقراءة...لكنك قبل أن تفعل تعرّج إلى الغلاف الأخير لتقرأ نبذة عن الرواية على أمل أن تضعك في الصراط وبهدف ألا تفلت الخيوط منك كقارئ...لكن الحق يقال إن ذلك زاد من تساؤلاتك وفتح آفاقك في ان معاً، وقلّ أن حدث معك ذلك أمام رواية غير مترجمة في السنتين الأخيرتين على الأقل.
"تخوض شخصيات هذه الرواية رحلتها الخاصة بحثاً عن تفسير للظواهر الخارقة في هذا الكون،والعوالم المخفيّة التي تؤثر بنا دون أن نراها،وذلك من خلال إعادة النظر في المسلمات التاريخية التي توارثناها،وتنتمي هذه الشخصيات إلى جنسيات عديدة من بينها :الأردنية،المصرية،البريطانية والسورية،حيث تتحرك في أماكن كثيرة باحثة عن بارقة أمل تبعث على الطمأنينة والإيمان.
تحضر الطقوس الصوفية والحكايات الشعبية،الحفريات الأثرية والنظريات العلمية كمعارف أساسية لكي تقود بعض هذه الشخصيات غير المؤمنة إلى الله،وبعضها الآخر إلى اكتشاف حضارات متطورة في هذا الكون الواسع ،تحلم بالتواصل معها وكل ذلك ضمن سرد يعتمد التشويق ويأخذ من الصورة السينمائية جماليتها.
هذه الرواية ربما تكون واحدة من قلة من الروايات التي تطرق مثل هذه الموضوعات الإشكالية.
ومباشرة بعد هذه النبذة تبدأ القراءة مستعجلاً الأحداث بانتقالك إلى فصول متقدمة لتعود من جديد إلى حيث توقفت في القراءة الأولى،فإذا بالأخيرة تزيدك حيرة حلوةً والتساؤلات لا تنتهي...فلا بداية إنشائية تصف مكان الحدث كما اعتدنا في بدايات معظم الروايات بل إن البطل يتحدث عن خوفه وحالته المضطربة
ومن خلال عنوان الفصل تعرف أنّ الأحداث في قاع مدينة عمان وتحديداً في 7شباط1987.
*من ذلك الزمان والمكان تبدأ الرواية لتأخذ نهجاً مختلفاً في الرؤية، التسلسل وسلاسة اللغة التي يقدر على التواصل معها ومن خلالها كل من يقرأها شريطة أن يحظى القارئ ببعض أفق مفتوح وخيال شاسع.ورغبة في الوصول إلى اليقين والحقيقة،فقد وظّف القيسي خبراته في اللغة الصحفية غير المعقدة لإيصال أفكاره بسلاسة مستساغة من قبل الجميع وهي نقطة تحسب لصالحه فليس الأدب هدفه فحسب، وإنما إيصال الفكرة والمعنى ،ففي روايته السابقة" باب الحيرة 2006" اعتمد اللغة الرزينة والصافية والغنية بمفرداتها الأدبية وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأديب والروائي الأردني يحيى القيسي قد أصدر للان روايتين ومجموعتين قصصيتين إضافة إلى إنجازه 25 فيلما وثائقيا تاريخيا وثقافيا وهي خبرات بدت واضحة في سياق روايته بشكل أو بآخر.
*أيمكن وفي الوقت الذي يتطرق فيه معظم الروائيين العرب إلى العشق والجنس والسياسة في طروحاتهم الروائية أن نرى من يأخذنا إلى عوالم جميلة نحلق من خلالها في السماء والفضاءات..نبحث عن ذواتنا من خلال الغوص في عبق الماضي وإعادة التفكير على أمل صقل مستقبل أفضل وأجمل!؟....قد تجد الإجابة في الرواية التي تستمر بقراءتها.
وبعد قطع شوط من القراءة تقرر أن تتلصص على نهاية الرواية لتقرأ ما يذهلك ويزيد تساؤلاتك الباحثة عن الحقيقة:" أرأيت؟ربما لن يصدق أحد حكايتك...ولكن حذار من القنوط،فسيأتي يوم تزول فيه كل الحجب ويرى الناس كل ما رأيتَ!
تذكرك هذه الدعوة للتحدّي ،التصدّي والاستمرار بالخيميائي وباولو كويلو الذي علمك أنّ الطريق إلى البيت أهم من البيت رغم أهمية الأخير...وتأخذك الرواية إلى عوالم الخيال العلمي المذهلة التي لم يعوّدك عليها الروائيون العرب من قبل والحق يقال التي لم تتوقعها منهم لأسباب كثيرة لست يصددها الآن.ليكون القلق البشري والبحث الدائم عن سر الوجود الذاتي والعام الذي يلهب ذواتنا بالعلم حيناً والعمل حيناً آخر جلّ ما تفكر فيه من خلال ما يسرده بطل أبناء السماء...إنها رحلة البحث عن الذات...فكأنها رحلة جلجامش الذي أراد الخلود ورغب به حتى المنتهى.
إننا في أبناء السماء أمام شخصية ألهبها البحث المقصود واللا مقصود عن كينونة هذا الوجود وحقيقته، لتتساءل بدورك كمتلقٍ مثقف ترى هل يجب أن يقف المرء عند حدود العلم والتعلم فيسمح للقلب والعقل بالارتواء ،فيكتفي ويصمت ويتوقف عن البحث عند مرحلة معيّنة!؟
أم يعتبر كل ذلك بداية جديدة في مفترق طرق جديد يضم الكثير من التحدّي التصدّي والاستمرار!؟فيملأ ذاته بالطاقات الايجابية وضرورة الاستمرار بالبحث غير خائف من نتائج فعلته هذه؟
قد تكون هذه المسألة ذاتية جداً وقد تتوسع لتصبح عامة نظراً لأهميتها وانطلاقاً من التأثير المتبادل بين الفرد والمجموعة...بين المرء ومجتمعه..بين الإنسان والعالم بكل ما يحويه من مخلوقات وجمادات نعرفها ولا نعرفها نحن البشر العاديون.
تؤكد لك هذه الرواية أهمية أن تلهث الروح وراء ارتوائها على أمل تحقيقه وبنفس الوقت تثيرك لتتساءل عند كل باب من أبواب أليس في بلاد العجائب هل أكتفي وأتوقّف عن البحث!؟ أم أواصل قدماً؟
هل أتراجع خوفاً من الآتي الأعظم!؟ وخوفاً من اتهامي بالجنون أو الشذوذ أو الغرور؟
أم أواصل رحلة البحث لأكتشف الأسرار فأساهم في إصلاح هذا العالم مؤمناً بأن إضاءة شمعة خير من لعن الظلام!؟ ..مؤمناً بذاتي غير سامح للمغرضين بثنيي عن قراراتي ولا بتقزيم قدراتي؟
قد تبدو تساؤلات عادية مألوفة...لكنها ليست كذلك، فمن يقرأ أبناء السماء حتى النهاية يدرك تحول التساؤلات البحثية إلى واقع معاش لدى البطل...واقع يحوي التجلّي، الخوف، ومتعة المعرفة.
وتسأل الذات نفسها أيضاً ترى هل يكمن الصراع في استمرار البقاء أو عدمه بما كسب المرء من علم وتطوّر ؟أم تراه يكمن بالانطواء تحت ظلال الظروف التي أقحم الإنسان ذاته فيها أو فرِضت عليه؟
تجعلك الرواية تفكر أيضاً بجدليّة أزليّة تاه فيها العديد من شبابنا وخاصة اللذين أنهوا تعليمهم الجامعي خارج بلادهم إذ حملوا معهم إلى هناك هموم الوطن وفقرهم المعرفي-إن صحّ التعبير- ليعودوا إليها بعد سنوات بعلم جديد وأساليب عيش مختلفة تكون سبباً أو مسبباً ليحدث الصدام والتصادم بين العالمين داخل هؤلاء الشباب من جهة ومع مجتمعاتهم من جهة ثانية ....فيتربع التخبّط والارتباك على عرش الموقف والحالة لدى هؤلاء الشباب منتقلاً إلى أفراد أسرهم.
وما هاتين الحياتين أو الواقعين باختلافهما وانكساراتهما وتكسّرهما الّا جوهر تساؤلات بطل الرواية التي قد يكون حمَلَ أو حُمِّلَ أكثر من طاقته في بعض الأحيان من قبل الكاتب المغامر المحلّق في السماء والذي نجح فعلاً بجعلك تحلّق معه من خلال روايته التي بدأ سردها وانتهى بعمان بحالة إغماء البطل التي ينقذه منها الروح العظيمة المسماة " الشيخ المحب" في المرتين.
بين البداية والنهاية تزور مع البطل وأصدقائه أماكن كثيرة لم يتم اختيارها عبثاً...تلتقي وتتعرف معه ومن خلال أصدقائه على عوالم متنوعة ومذهلة...مصر وتحديدا الأهرامات لتنكشف لك أمور لم تفكر بها من قبل...روسيا حيث الأسرار مدفونة تحت الثلوج..لكنها دافئة بالحب ومن خلاله.
حلب واللقاء بالشيخ الصوفي لتتعرف على هذا النوع من الإيمان الراقي المذهل...
البتراء ووادي رم حيث الصحراء الشاسعة تعطيك مجالاً للتأمل بعيداً عن أية تأثيرات جانبية...
ولا تنسى بريطانيا التي لم تذكر سهواً أو عبثاً...
وحتى الناصرة كان لها دور ووقع في رواية القيسي، لم يحضر البطل لزيارتها وإنما هي التي ذهبت إليه...كيف ذلك؟
الإجابة في رواية أبناء السماء التي نجح كاتبها بإيصال فكرته المحورية بأن الله ليس ملكاً لدين أو مذهب معين...وان الإيمان الحقيقي والمعرفة الروحية تفتح الأفاق على تقبّل اعتقادات الآخرين بكل حب واحترام،وهي رسالة إن أمكن لمعظمنا إدراكها بوعي تام وتطبيقها على أرض الواقع لتغيّرت حال الدنيا ولساد السلام والطمأنينة ربوع الأرض ونفوس البشر.
*شكراً صديقي الروائي يحيى القيسي على هذه الفسحة الواسعة والعميقة من التأمل،التحليق والروعة...وشكراً لإنقاذك البطل في النهاية على يد "المحب" لتعطينا دفعة أكبر من الطاقات الايجابية للإيمان بذواتنا وبقدراتنا كبشر ولتبقي الأسئلة والتساؤلات محلقة هي الأخرى في الفضاء محاولة إدراك السماء.
رندة زريق- صباغ