العلامة المجدد الامام / محمد بن عبدالوهاب مجدد القرن الثاني عشر الهجري محاضرة للشيخ بن باز رحمه الله
العلامة المجدد الامام / محمد بن عبدالوهاب مجدد القرن الثاني عشر الهجري محاضرة للشيخ بن باز رحمه الله - العلامة المجدد الامام / محمد بن عبدالوهاب مجدد القرن الثاني عشر الهجري محاضرة للشيخ بن باز رحمه الله - العلامة المجدد الامام / محمد بن عبدالوهاب مجدد القرن الثاني عشر الهجري محاضرة للشيخ بن باز رحمه الله - العلامة المجدد الامام / محمد بن عبدالوهاب مجدد القرن الثاني عشر الهجري محاضرة للشيخ بن باز رحمه الله - العلامة المجدد الامام / محمد بن عبدالوهاب مجدد القرن الثاني عشر الهجري محاضرة للشيخ بن باز رحمه الله
الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته
الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه .
أما بعد : أيها الإخوان الفضلاء ، أيها الأبناء الأعزاء . هذه المحاضرة الموجزة أتقدم بها بين أيديكم تنويرا للأفكار ، وإيضاحا للحقائق ، ونصحا لله ولعباده وأداء لبعض ما يجب علي من الحق نحو المحاضر عنه وهذه المحاضرة عنوانها : الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته .
لما كان الحديث عن المصلحين ، والدعاة والمجددين ، والتذكير بأحوالهم وخصالهم الحميدة ، وأعمالهم المجيدة ، وشرح سيرتهم التي دلت على إخلاصهم ، وعلى صدقهم في دعوتهم وإصلاحهم . وأعمالهم وسيرتهم مما تشتاق إليه النفوس الطيبة ، وترتاح له القلوب ، ويود سماعه كل غيور على الدين ، وكل راغب في الإصلاح ، والدعوة إلى سبيل الحق رأيت أن أتحدث إليكم عن رجل عظيم ومصلح كبير وداعية غيور ، ألا وهو الشيخ الإمام المجدد للإسلام في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية .
هو : الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي النجدي ، لقد عرف الناس هذا الإمام ولا سيما علماؤهم ورؤساؤهم وكبراؤهم وأعيانهم في الجزيرة العربية وفي خارجها ، ولقد كتب الناس عنه كتابات كثيرة ما بين موجز وما بين مطول ، ولقد أفرده كثير من الناس بكتابات حتى المستشرقون كتبوا عنه كتابات كثيرة ، وكتب عنه آخرون في أثناء كتاباتهم عن المصلحين وفي أثناء كتاباتهم في التاريخ ، وصفه المنصفون منهم بأنه مصلح عظيم ، وبأنه مجدد للإسلام ، وبأنه على هدى ونور من ربه ، وتعدادهم يشق كثيرا ، من جملتهم المؤلف الكبير أبو بكر الشيخ حسين بن غنام الأحسائي . فقد كتب عن هذا الشيخ . فأجاد وأفاد وذكر دعوته ، وذكر سيرته وذكر غزواته ، وأطنب في ذلك وكتب كثيرا من رسائله واستنباطاته من كتاب الله عز وجل ، ومنهم الشيخ الإمام عثمان بن بشر في كتابه : عنوان المجد ، فقد كتب عن هذا الشيخ ، وعن دعوته ، وعن سيرته ، وعن تاريخ حياته ، وعن غزواته وجهاده ، ومنهم خارج الجزيرة الدكتور أحمد أمين في كتابه : زعماء الإصلاح ، فقد كتب عنه وأنصفه ، ومنهم الشيخ الكبير مسعود عالم الندوي ، فقد كتب عنه وسماه المصلح المظلوم وكتب عن سيرته وأجاد في ذلك . وكتب عنه أيضا آخرون ، منهم الشيخ الكبير الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني . فقد كان في زمانه وقد كان على دعوته ، فلما بلغه دعوة الشيخ سر بها وحمد الله عليها .
وكذلك كتب عنه العلامة الكبير الشيخ محمد بن علي الشوكاني صاحب نيل الأوطار ورثاه بمرثية عظيمة ، وكتب عنه جمع غفير غير هؤلاء يعرفهم القراء والعلماء ، ولأجل كون كثير من الناس قد يخفى عليه حال هذا الإمام وسيرته ودعوته رأيت أن أساهم في بيان حاله وما كان عليه من سيرة حسنة ، ودعوة صالحة ، وجهاد صادق وأن أشرح قليلا مما أعرفه عن هذا الإمام حتى يتبصر في أمره من كان عنده شيء من لبس ، أو شيء من شك في حاله ودعوته ، وما كان عليه .
ولد هذا الإمام في عام ( 1115 ) هجرية هذا هو المشهور في مولده رحمة الله عليه ، وقيل في عام ( 1111 ) هجرية والمعروف الأول أنه ولد في عام 1115 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التحية .
وتعلم على أبيه في بلدة العيينة وهذه البلدة هي مسقط رأسه رحمة الله عليه ، وهي قرية معلومة في اليمامة في نجد شمال غرب مدينة الرياض بينها وبين الرياض مسيرة سبعين كيلو مترا تقريبا ، أو ما يقارب ذلك من جهة الغرب . ولد فيها رحمة الله عليه ونشأ نشأة صالحة . وقرأ القرآن مبكرا .
واجتهد في الدراسة ، والتفقه على أبيه الشيخ عبد الوهاب بن سليمان - وكان فقيها كبيرا وعالما قديرا ، وكان قاضيا في بلدة العيينة - ثم بعد بلوغ الحلم حج وقصد بيت الله الحرام وأخذ عن بعض علماء الحرم الشريف .
ثم توجه إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، فاجتمع بعلمائها ، وأقام فيها مدة ، وأخذ من عالمين كبيرين مشهورين في المدينة ذلك الوقت ، وهما : الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي ، أصله من المجمعة ، وهو والد الشيخ إبراهيم بن عبد الله صاحب العذب الفائض في علم الفرائض ، وأخذ أيضا عن الشيخ الكبير محمد حياة السندي بالمدينة . هذان العالمان ممن اشتهر أخذ الشيخ عنهما بالمدينة . ولعله أخذ عن غيرهما ممن لا نعرف .
ورحل الشيخ لطلب العلم إلى العراق فقصد البصرة واجتمع بعلمائها ، وأخذ عنهم ما شاء الله من العلم ، وأظهر الدعوة هناك إلى توحيد الله ودعا الناس إلى السنة ، وأظهر للناس أن الواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا دينهم عن كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وناقش وذاكر في ذلك ، وناظر هنالك من العلماء ، واشتهر من مشايخه ، هناك شخص يقال له الشيخ محمد المجموعي ، وقد ثار عليه بعض علماء السوء بالبصرة وحصل عليه وعلى شيخه المذكور بعض الأذى ، فخرج من أجل ذلك وكان من نيته أن يقصد الشام فلم يقدر على ذلك لعدم وجود النفقة الكافية ، فخرج من البصرة إلى الزبير وتوجه من الزبير إلى الأحساء واجتمع بعلمائها وذاكرهم في أشياء من أصول الدين ثم توجه إلى بلاد حريملاء وذلك ( والله أعلم ) في العقد الخامس من القرن الثاني عشر لأن أباه كان قاضيا في العيينة وصار بينه وبين أميرها نزاع فانتقل عنها إلى حريملاء سنة 1139 هجرية فقدم الشيخ محمد على أبيه في حريملاء بعد انتقاله إليها سنة 1139 هجرية ، فيكون قدومه حريملاء في عام 1140 هـ أو بعدها ، واستقر هناك ولم يزل مشتغلا بالعلم والتعليم والدعوة في حريملاء حتى مات والده في عام 1153 هجرية فحصل من بعض أهل حريملاء شر عليه ، وهم بعض السفلة بها أن يفتك به .
وقيل : إن بعضهم تسور عليه الجدار فعلم بهم بعض الناس فهربوا ، وبعد ذلك ارتحل الشيخ إلى العيينة رحمة الله عليه ، وأسباب غضب هؤلاء السفلة عليه أنه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، وكان يحث الأمراء على تعزير المجرمين الذين يعتدون على الناس بالسلب والنهب والإيذاء ، ومن جملتهم هؤلاء السفلة الذين يقال لهم : العبيد هناك ، ولما عرفوا من الشيخ أنه ضدهم وأنه لا يرضى بأفعالهم ، وأنه يحرض الأمراء على عقوباتهم ، والحد من شرهم غضبوا وهموا أن يفتكوا به ، فصانه الله وحماه ، ثم انتقل إلى بلدة العيينة وأميرها إذ ذاك عثمان بن محمد بن معمر ، فنزل عليه ورحب به الأمير ، وقال : قم بالدعوة إلى الله ونحن معك وناصروك وأظهر له الخير ، والمحبة والموافقة على ما هو عليه ، فاشتغل الشيخ بالتعليم والإرشاد والدعوة إلى الله عز وجل ، وتوجيه الناس إلى الخير ، والمحبة في الله ، رجالهم ونسائهم ، واشتهر أمره في العيينة وعظم صيته وجاء إليها الناس من القرى المجاورة .
وفي يوم من الأيام قال الشيخ للأمير عثمان : دعنا نهدم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه فإنها أسست على غير هدى ، وأن الله جل وعلا لا يرضى بهذا العمل ، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ، وهذه القبة فتنت الناس وغيرت العقائد ، وحصل بها الشرك فيجب هدمها ، فقال الأمير عثمان لا مانع من ذلك ، فقال الشيخ : إني أخشى أن يثور لها أهل الجبيلة ، والجبيلة قرية هناك قريبة من القبر ، فخرج عثمان ومعه جيش يبلغون 600 مقاتل لهدم القبة ، ومعهم الشيخ رحمة الله عليه فلما قربوا من القبة خرج أهل الجبيلة لما سمعوا بذلك لينصروها ويحموها .
فلما رأوا الأمير عثمان ومن معه كفوا ورجعوا عن ذلك ، فباشر الشيخ هدمها لإزالتها فأزالها الله عز وجل على يديه رحمة الله عليه .
ولنذكر نبذة عن حال نجد قبل قيام الشيخ رحمة الله عليه ، وعن أسباب قيامه ، ودعوته :
كان أهل نجد قبل دعوة الشيخ على حالة لا يرضاها مؤمن ، وكان الشرك الأكبر قد نشأ في نجد وانتشر حتى عبدت القباب وعبدت الأشجار ، والأحجار ، وعبدت الغيران ، وعبد من يدعي بالولاية . وهو من المعتوهين ، وعبد من دون الله أناس يدعون بالولاية ، وهم مجانين مجاذيب لا عقول عندهم ، واشتهر في نجد السحرة والكهنة ، وسؤالهم وتصديقهم وليس هناك منكر إلا من شاء الله ، وغلب على الناس الإقبال على الدنيا وشهواتها ، وقل القائم لله والناصر لدينه وهكذا في الحرمين الشريفين وفي اليمن اشتهر في ذلك الشرك وبناء القباب على القبور ، ودعاء الأولياء والاستغاثة بهم ، وفي اليمن من ذلك الشيء الكثير ، وفي بلدان نجد من ذلك ما لا يحصى ، ما بين قبر وما بين غار ، وبين شجرة وبين مجذوب ، ومجنون يدعى من دون الله ويستغاث به مع الله ، وكذلك مما عرف في نجد واشتهر دعاء الجن والاستغاثة بهم وذبح الذبائح لهم وجعلها في الزوايا من البيوت رجاء نجدتهم ، وخوف شرهم ، فلما رأى الشيخ الإمام هذا الشرك وظهوره في الناس وعدم وجود منكر لذلك وقائم بالدعوة إلى الله في ذلك شمر عن ساعد الجد وصبر على الدعوة وعرف أنه لا بد من جهاد ، وصبر ، وتحمل للأذى . فجد في التعليم
والتوجيه والإرشاد وهو في العيينة ، وفي مكاتبة العلماء في ذلك والمذاكرة معهم رجاء أن يقوموا معه في نصرة دين الله ، والمجاهدة في هذا الشرك وهذه الخرافات . فأجاب دعوته كثيرون من علماء نجد وعلماء الحرمين ، وعلماء اليمن ، وغيرهم وكتبوا إليه بالموافقة ، وخالف آخرون وعابوا ما دعا إليه وذموه ونفروا عنه وهم بين أمرين ، ما بين جاهل خرافي لا يعرف دين الله ولا يعرف توحيد الله ، وإنما يعرف ما هو عليه وآباؤه وأجداده من الجهل والضلال والشرك ، والبدع ، والخرافات ، كما قال الله جل وعلا عن أمثال أولئك : إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ
وطائفة أخرى ممن ينسبون إلى العلم ردوا عليه عنادا وحسدا لئلا يقوم العامة : ما بالكم لم تنكروا علينا هذا الشيء؟! لماذا جاء ابن عبد الوهاب وصار على الحق وأنتم علماء ولم تنكروا هذا الباطل؟! فحسدوه وخجلوا من العامة ، وأظهروا العناد للحق إيثارا للعاجل على الآجل ، واقتداء باليهود في إيثارهم الدنيا على الآخرة نسأل الله العافية والسلامة .
أما الشيخ فقد صبر وجد في الدعوة وشجعه من شجعه من العلماء والأعيان في داخل الجزيرة ، وفي خارجها ، وعزم على ذلك ، واستعان بربه عز وجل ، وعكف على الكتب النافعة ودرسها وعكف قبل ذلك على كتاب الله ، وكانت له اليد الطولى في تفسير كتاب الله ، والاستنباط منه ، وعكف على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه ، وجد في ذلك وتبصر فيه حتى أدرك من ذلك ما أعانه الله به وثبته على الحق فشمر عن ساعد الجد ، وصمم على الدعوة وعلى أن ينشرها بين الناس ويكاتب الأمراء والعلماء في ذلك وليكن في ذلك ما يكون ، فحقق الله له الآمال الطيبة ، ونشر به الدعوة ، وأيد به الحق ، وهيأ الله له أنصارا ومساعدين وأعوانا حتى ظهر دين الله وعلت كلمة الله ، فاستمر الشيخ في الدعوة في العيينة بالتعليم والإرشاد ، ثم شمر عن ساعد الجد إلى العمل وإزالة الشرك بالفعل لما رأى الدعوة لم تؤثر في بعض الناس فباشر الدعوة عمليا ليزيل بيده ما تيسر وما أمكن من آثار الشرك .
فقال الشيخ للأمير عثمان بن معمر : لا بد من هدم هذه القبة على قبر زيد - وزيد بن الخطاب رضي الله عنه هو أخو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع ، وكان من جملة الشهداء في قتال مسيلمة الكذاب في عام 12 من الهجرة النبوية ، فكان ممن قتل هناك وبني على قبره قبة فيما يذكرون ، وقد يكون قبر غيره ، لكنه فيما يذكرون أنه قبره - فوافقه عثمان كما تقدم ، وهدمت القبة بحمد الله وزال أثرها إلى اليوم ولله الحمد والمنة ، أماتها جل وعلا لما هدمت عن نية صالحة ، وقصد مستقيم ونصر للحق ، وهناك قبور أخرى منها قبر يقال :
إنه قبر ضرار بن الأوزر كانت عليه قبة هدمت أيضا ، وهناك مشاهد أخرى أزالها الله عز وجل ، وكانت هناك غيران وأشجار تعبد من دون الله جل وعلا فأزيلت وقضى عليها وحذر الناس عنها .
والمقصود أن الشيخ استمر رحمة الله عليه على الدعوة قولا وعملا كما تقدم ، ثم إن الشيخ أتته امرأة واعترفت عنده بالزنا عدة مرات ، وسأل عن عقلها فقيل : إنها عاقلة ولا بأس بها ، فلما صممت على الاعتراف ، ولم ترجع عن اعترافها ، ولم تدع إكراها ولا شبهة وكانت محصنة ، أمر الشيخ رحمة الله عليه بأن ترجم فرجمت بأمره حالة كونه قاضيا بالعيينة ، فاشتهر أمره بعد ذلك بهدم القبة وبرجم المرأة وبالدعوة العظيمة إلى الله وهجرة المهاجرين إلى العيينة ، وبلغ أمير الأحساء وتوابعها من بني خالد سليمان بن عريعر الخالدي أمر الشيخ وأنه يدعو إلى الله وأنه يهدم القباب ، وأنه يقيم الحدود فعظم على هذا البدوي أمر الشيخ ، لأن من عادة البادية إلا من هدى الله ، الإقدام على الظلم ، وسفك الدماء ، ونهب الأموال ، وانتهاك الحرمات ، فخاف أن هذا الشيخ يعظم أمره ويزيل سلطان الأمير البدوي ، فكتب إلى عثمان يتوعده ويأمره أن يقتل هذا المطوع الذي عنده في العيينة ، وقال : إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا ، وكذا!! فإما أن تقتله ، وإما أن نقطع عنك خراجك الذي عندنا!! وكان عنده للأمير عثمان خراج من الذهب ، فعظم على عثمان أمر هذا الأمير ، وخاف إن عصاه أن يقطع عنه خراجه أو يحاربه ، فقال للشيخ : إن هذا الأمير كتب إلينا كذا وكذا ، وأنه لا يحسن منا أن نقتلك وإنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربته ، فإذا رأيت أن تخرج عنا فعلت ، فقال له الشيخ : إن الذي أدعو إليه هو دين الله وتحقيق كلمة لا إله إلا الله ، وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله ، فمن تمسك بهذا الدين ونصره وصدق في ذلك نصره الله وأيده وولاه على بلاد أعدائه ، فإن صبرت واستقمت وقبلت هذا الخبر فأبشر فسينصرك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره ، وسوف يوليك الله بلاده وعشيرته ، فقال : أيها الشيخ إنا لا نستطيع محاربته ، ولا صبر لنا على مخالفته ، فخرج الشيخ عند ذلك وتحول من العيينة إلى بلاد الدرعية ، جاء إليها ماشيا فيما ذكروا حتى وصل إليها في آخر النهار ، وقد خرج من العيينة في أول النهار ماشيا على الأقدام لم يرحله عثمان ، فدخل على شخص من خيارها في أعلى البلد يقال له : محمد بن سويلم العريني فنزل عليه ، ويقال : إن هذا الرجل خاف من نزوله عليه وضاقت به الأرض بما رحبت ، وخاف من أمير الدرعية محمد بن سعود فطمأنه الشيخ وقال له : أبشر بخير ، وهذا الذي أدعو الناس إليه دين الله ، وسوف يظهره الله ، فبلغ محمد بن سعود خبر الشيخ محمد ، ويقال :
إن الذي أخبره به زوجته جاء إليها بعض الصالحين وقال لها : أخبري محمدا بهذا الرجل ، وشجعيه على قبول دعوته وحرضيه على مؤازرته ومساعدته وكانت امرأة صالحة طيبة ، فلما دخل عليها محمد بن سعود أمير الدرعية وملحقاتها قالت له : أبشر بهذه الغنيمة العظيمة! هذه غنيمة ساقها الله إليك ، رجل داعية يدعو إلى دين الله ، ويدعو إلى كتاب الله ، يدعو إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يا لها من غنيمة! بادر بقبوله وبادر بنصرته ، ولا تقف في ذلك أبدا ، فقبل الأمير مشورتها ، ثم تردد هل يذهب إليه أو يدعوه إليه؟! فأشير عليه ويقال : إن المرأة أيضا هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين وقالوا له : لا ينبغي أن تدعوه إليك ، بل ينبغي أن تقصده في منزله ، وأن تقصده أنت وأن تعظم العلم والداعي إلى الخير ، فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادة والخير رحمة الله عليه وأكرم الله مثواه ، فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم ، وقصده وسلم عليه وتحدث معه ، وقال له يا شيخ محمد أبشر بالنصرة وأبشر بالأمن وأبشر بالمساعدة ، فقال له الشيخ : وأنت أبشر بالنصرة أيضا والتمكين والعاقبة الحميدة ، هذا دين الله من نصره نصره الله ، ومن أيده أيده الله وسوف تجد آثار ذلك سريعا ، فقال : يا شيخ سأبايعك على دين الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيل الله ، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله على
أعداء الإسلام ، أن تبتغي غير أرضنا ، وأن تنتقل عنا إلى أرض أخرى فقال : لا أبايعك على هذا . . . أبايعك على أن الدم بالدم والهدم بالهدم لا أخرج عن بلادك أبدا ، فبايعه على النصرة وعلى البقاء في البلد وأنه يبقى عند الأمير يساعده ، ويجاهد معه في سبيل الله حتى يظهر دين الله ، وتمت البيعة على ذلك .
وتوافد الناس إلى الدرعية من كل مكان ، من العيينة ، وعرقة ، ومنفوحة ، والرياض وغير ذلك ، من البلدان المجاورة ، ولم تزل الدرعية موضع هجرة يهاجر إليها الناس من كل مكان ، وتسامع الناس بأخبار الشيخ ، ودروسه في الدرعية ودعوته إلى الله وإرشاده إليه ، فأتوا زرافات ووحدانا .
فأقام الشيخ بالدرعية معظما مؤيدا محبوبا منصورا ورتب الدروس في الدرعية في العقائد ، وفي القرآن الكريم ، وفي التفسير ، وفي الفقه ، وأصوله ، والحديث ، ومصطلحه ، والعلوم العربية ، والتاريخية ، وغير ذلك من العلوم النافعة ، وتوافد الناس عليه من كل مكان ، وتعلم الناس علمه في الدرعية الشباب وغيرهم ، ورتب للناس دروسا كثيرة للعامة ، والخاصة ، ونشر العلم في الدرعية واستمر على الدعوة .
ثم بدأ بالجهاد وكاتب الناس إلى الدخول في هذا الميدان وإزالة الشرك الذي في بلادهم ، وبدأ بأهل نجد ،
وكاتب أمراءها وعلماؤها . كاتب علماء الرياض وأميرها دهام بن دواس ، كاتب علماء الخرج وأمراءها ، وعلماء بلاد الجنوب والقصيم وحائل والوشم ، وسدير وغير ذلك ، ولم يزل يكاتبهم ويكاتب علماءهم وأمراءهم .
وهكذا علماء الأحساء وعلماء الحرمين الشريفين ، وهكذا علماء الخارج في مصر ، والشام ، والعراق ، والهند ، واليمن ، وغير ذلك ، ولم يزل يكاتب الناس ويقيم الحجج ويذكر الناس ما وقع فيه أكثر الخلق من الشرك والبدع ، وليس معنى هذا أنه ليس هناك أنصار للدين بل هناك أنصار والله جل وعلا قد ضمن لهذا الدين أن لا بد له من ناصر ولا تزال طائفة في هذه الأمة على الحق منصورة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، فهناك أنصار للحق في أقطار كثيرة .
ولكن الحديث الآن عن نجد ، فكان فيها من الشر والفساد والشرك والخرافات ما لا يحصيه إلا الله عز وجل . مع أن فيها علماء فيهم خير ، ولكن لم يقدر لهم أن ينشطوا في الدعوة وأن يقوموا بها كما ينبغي ، وهناك أيضا في اليمن وغير اليمن دعاة إلى الحق وأنصار قد عرفوا هذا الشرك وهذه الخرافات ، ولكن لم يقدر الله لدعوتهم النجاح ما قدر لدعوة الشيخ محمد لأسباب كثيرة ،
منها : عدم تيسر الناصر المساعد لهم .
ومنها : عدم الصبر لكثير من الدعاة وتحمل الأذى في سبيل الله ،
ومنها : قلة علوم بعض الدعاة التي يستطيع بها أن يوجه الناس بالأساليب المناسبة ، والعبارات اللائقة ، والحكمة والموعظة الحسنة .
ومنها : أسباب أخرى غير هذه الأسباب ، وبسبب هذه المكاتبات الكثيرة والرسائل والجهاد اشتهر أمر الشيخ ، وظهر أمر الدعوة ، واتصلت رسائله بالعلماء في داخل الجزيرة ، وفي خارجها . وتأثر بدعوته جمع غفير من الناس في الهند وفي أندونيسيا ، وفي أفغانستان ، وفي أفريقيا وفي المغرب ، وهكذا في مصر ، والشام ، والعراق ، وكان هناك دعاة كثيرون عندهم معرفة بالحق والدعوة إليه فلما بلغتهم دعوة الشيخ زاد نشاطهم ، وزادت قوتهم واشتهروا بالدعوة ولم تزل دعوة الشيخ تشتهر وتظهر بين العالم الإسلامي وغيره ، ثم في هذا العصر الأخير طبعت كتبه ، ورسائله ، وكتب أبنائه ، وأحفاده ، وأنصاره ، وأعوانه من علماء المسلمين في الجزيرة وخارجها ، وكذلك طبعت الكتب في دعوته ، وترجمته ، وأحواله ، وأحوال أنصاره ، حتى اشتهرت بين الناس في غالب الأقطار والأمصار ، ومن المعلوم أن لكل نعمة حاسدا وأن لكل داعي أعداء كثيرين قال الله تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
فلما اشتهر الشيخ بالدعوة وكتب الكتابات الكثيرة ، وألف المؤلفات القيمة ، ونشرها في الناس ، وكاتبه العلماء ، ظهر جماعة كثيرون من حساده ، ومن مخالفيه ، وظهر أيضا أعداء آخرون ، وصار أعداؤه وخصومه قسمين :
قسم عادوه باسم العلم والدين ، وقسم : عادوه باسم السياسة ولكن تستروا بالعلم ، وتستروا باسم الدين ، واستغلوا عداوة من عاداه من العلماء الذين أظهروا عداوته وقالوا : إنه على غير الحق ، وإنه كيت وكيت .
والشيخ رحمة الله عليه مستمر في الدعوة يزيل الشبه ، ويوضح الدليل ، ويرشد الناس إلى الحقائق على ما هي علي من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وطورا . يقولون : إنه من الخوارج ، وتارة يقولون : يخرق الإجماع ، ويدعي الاجتهاد المطلق ولا يبالي بمن قبله من العلماء والفقهاء وتارة يرمونه بأشياء أخرى وما ذاك إلا من قلة العلم من طائفة منه وطائفة أخرى قلدت غيرها واعتمدت عليها ، وطائفة أخرى خافت على مراكزها فعادته سياسة وتستتر باسم الإسلام والدين واعتمدت على أقوال المخرفين والمضللين .
والخصوم في الحقيقة ثلاثة أقسام :
علماء مخرفون يرون الحق باطلا والباطل حقا ، ويعتقدون أن البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ،ودعاءها من دون الله والاستغاثة بها وما أشبه ذلك دين وهدى ، ويعتقدون أن من أنكر ذلك فقد أبغض الصالحين ، وأبغض الأولياء ، وهو عدو يجب جهاده .
وقسم آخر : من المنسوبين للعلم جهلوا حقيقة هذا الرجل ، ولم يعرفوا عنه الحق الذي دعا إليه بل قلدوا غيرهم وصدقوا ما قيل فيه من الخرافيين المضللين ، وظنوا أنهم على هدى فيما نسبوه إليه من بغض الأولياء والأنبياء ، ومن معاداتهم ، وإنكار كراماتهم ، فذموا الشيخ ، وعابوا ونفروا عنه .
وقسم آخر : خافوا على المناصب والمراتب فعادوه لئلا تمتد أيدي أنصار الدعوة الإسلامية إليهم فتنزلهم عن مراكزهم ، وتستولي على بلادهم ، واستمرت الحرب الكلامية . والمجادلات والمساجلات بين الشيخ وخصومه ، يكاتبهم ويكاتبونه ، ويجادلهم ويرد عليهم ، ويردون عليه ، وهكذا جرى بين أبنائه وأحفاده وأنصاره وبين خصوم الدعوة . حتى اجتمع من ذلك رسائل كثيرة ، وردود جمة ، وقد جمعت هذه الرسائل والفتاوى والردود فبلغت مجلدات ، وقد طبع أكثرها والحمد لله ، واستمر الشيخ في الدعوة والجهاد وساعده الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية ، وجد الأسرة السعودية على ذلك ، ورفعت راية الجهاد وبدأ الجهاد من عام 1158 هـ .
بدأ الجهاد بالسيف ، وبالكلام والبيان ، والحجة ، والبرهان ، ثم استمرت الدعوة مع الجهاد بالسيف ، ومعلوم أن الداعي إلى الله عز وجل إذا لم يكن لديه قوة تنصر الحق وتنفذه فسرعان ما تخبو دعوته وتنطفي شهرته ، ثم يقل أنصاره .
ومعلوم ما للسلاح والقوة من الأثر العظيم في نشر الدعوة ، وقمع المعارضين ونصر الحق ، وقمع الباطل ولقد صدق الله العظيم في قوله عز وجل وهو الصادق سبحانه في كل ما يقول : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ فبين سبحانه وتعالى أنه أرسل الرسل بالبينات ، وهي الحجج والبراهين الساطعة التي يوضح الله بها الحق ، ويدفع بها الباطل ، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البيان ، والهدى والإيضاح ، وأنزل معهم الميزان ، وهو العدل الذي ينصف به المظلوم من الظالم ، ويقام به الحق وينشر به الهدى ويعامل الناس على ضوئه بالحق والقسط ، وأنزل الحديد فيه بأس شديد ، فيه قوة وردع وزجر لمن خالف الحق ، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة وتؤثر فيه البينة ، فهو الملزم بالحق ، وهو القامع للباطل ، ولقد أحسن من قال في مثل هذا :
وما هو إلا الوحي أوحد مرهف
تزيل ظباه اخدعي كل مائل
فهذا دواء الداء من كل جاهل
وهذا دواء الداء من كل عادل
فالعاقل ذو الفطرة السليمة ، ينتفع بالبينة ، ويقبل الحق بدليله ، أما الظالم التابع لهواه فلا يردعه إلا السيف ، فجد الشيخ رحمه الله في الدعوة والجهاد ، وساعده أنصاره من آل سعود ، طيب الله ثراهم على ذلك ، واستمروا في الجهاد والدعوة من عام 1158هـ إلى أن توفي الشيخ في عام 1206هـ فاستمر الجهاد والدعوة قريبا من خمسين عاما . جهاد ، ودعوة ، ونضال ، وجدال في الحق ، وإيضاح لما قاله الله ورسوله ، ودعوة إلى دين الله ، وإرشاد إلى ما شرعه رسول الله عليه الصلاة والسلام .
حتى التزم الناس بالطاعة ، ودخلوا في دين الله ، وهدموا ما عندهم من القباب ، وأزالوا ما لديهم من المساجد المبنية على القبور ، وحكموا الشريعة ، ودانوا بها ، وتركوا ما كانوا عليه من تحكيم سوالف الآباء والأجداد ، وقوانينهم ، ورجعوا إلى الحق .
وعمرت المساجد بالصلوات ، وحلقات العلم ، وأديت الزكوات ، وصام الناس رمضان ، كما شرع الله عز وجل ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، وساد الأمن في الأمصار ، والقرى ، والطرق ، والبوادي ، ووقف البادية عند حدهم ، ودخلوا في دين الله وقبلوا الحق ، ونشر الشيخ فيهم الدعوة .
وأرسل الشيخ إليهم المرشدين ، والدعاة في الصحراء والبوادي ، كما أرسل المعلمين ، والمرشدين ، والقضاة إلى البلدان والقرى ، وعم هذا الخير العظيم والهدى المستبين نجدا كلها وانتشر فيها الحق ، وظهر فيها دين الله عز وجل .
ثم بعد وفاة الشيخ رحمة الله عليه استمر أبناؤه ، وأحفاده ، وتلاميذه ، وأنصاره في الدعوة والجهاد ، وعلى رأس أبنائه الشيخ الإمام عبد الله بن محمد ، والشيخ حسين بن محمد ، والشيخ علي بن محمد ، والشيخ إبراهيم بن محمد ، ومن أحفاده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ، والشيخ علي بن حسين ، والشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد وجماعة آخرون ومن تلاميذه أيضا الشيخ حمد بن ناصر بن معمر ، وجمع غفير من علماء الدرعية ، وغيرهم استمروا في الدعوة والجهاد ونشر دين الله تعالى وكتابة الرسائل وتأليفات المؤلفات ، وجهاد أعداء الدين ، وليس بين هؤلاء الدعاة وخصومهم شيء إلا أن هؤلاء دعوا إلى توحيد الله وإخلاص العبادة لله عز وجل ، والاستقامة على ذلك ، وهدم المساجد والقباب التي على القبور ، ودعوا إلى تحكيم الشريعة والاستقامة عليها ودعوا إلى
الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود الشرعية . هذه أسباب النزاع بينهم وبين الناس .
والخلاصة : أنهم أرشدوا الناس إلى توحيد الله ، وأمروهم بذلك وحذروا الناس من الشرك بالله ومن وسائله وذرائعه ، وألزموا الناس بالشريعة الإسلامية ، ومن أبى واستمر على الشرك بعد الدعوة والبيان ، والإيضاح والحجة ، جاهدوه في الله عز وجل وقصدوه في بلاده حتى يخضع للحق ، وينيب إليه ويلزموه به بالقوة والسيف ، حتى يخضع هو وأهل بلده إلى ذلك .
وكذلك حذروا الناس من البدع والخرافات ، التي ما أنزل الله بها من سلطان ، كالبناء على القبور ، واتخاذ القباب عليها والتحاكم إلى الطواغيت ، وسؤال السحرة والكهنة ، وتصديقهم وغير ذلك ، فأزال الله ذلك على يدي الشيخ وأنصاره رحمة الله عليهم جميعا . وعمرت المساجد بتدريس الكتاب العظيم والسنة المطهرة ، والتاريخ الإسلامي ، والعلوم العربية النافعة ، وصار الناس في مذاكرة ، وعلم ، وهدى ، ودعوة ، وإرشاد ، وآخرون منهم فيما يتعلق بدنياهم من الزراعة والصناعة وغير ذلك ، علم وعمل ، ودعوة وإرشاد ، ودنيا ودين ، فهو يتعلم ويذاكر ، ومع ذلك يعمل في حقله الزراعي ، أو في صناعته أو تجارته وغير ذلك . فتارة لدينه ، وتارة لدنياه دعاة إلى الله وموجهون
إلى سبيله ، ومع ذلك يشتغلون بأنواع الصناعة الرائجة في بلادهم ، ويحصلون من ذلك على ما يغنيهم عن خارج بلادهم ، وبعد فراغ الدعاة وآل سعود من نجد امتدت دعوتهم إلى الحرمين ، وجنوب الجزيرة ، كاتبوا علماء الحرمين سابقا ، ولاحقا فلما لم تجد الدعوة واستمر أهل الحرمين على ما هم عليه من تعظيم القباب ، واتخاذها على القبور ، ووجود الشرك عندها ، والسؤال لأربابها ، سار الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بعد وفاة الشيخ بإحدى عشرة سنة توجه إلى الحجاز ، ونازل أهل الطائف ثم قصد أهل مكة وكان أهل الطائف قد توجه إليهم قبل سعود الأمير عثمان بن عبد الرحمن المضايفي ، ونازلهم بقوة أرسلها إليها الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد أمير الدرعية بقوة عظيمة من أهل نجد وغيرهم ، ساعدوه حتى استولى على الطائف ، وأخرج منها أمراء الشريف ، وأظهر فيه الدعوة إلى الله ، وأرشد إلى الحق ، ونهى فيها عن الشرك ، وعبادة ابن عباس ، وغيره مما كان يعبده هناك الجهال ، والسفهاء من أهل الطائف ، ثم توجه الأمير سعود عن أمر أبيه عبد العزيز إلى جهة الحجاز ، وجمعت الجيوش حول مكة .
فلما عرف شريفها أنه لا بد من التسليم أو الفرار فر إلى جدة . ودخل سعود ومن معه من المسلمين البلاد من غير قتال واستولوا على مكة في فجر 1 من شهر محرم من عام 1218هـ وأظهروا فيها الدعوة إلى دين الله ، وهدموا ما فيها
من القباب التي بنيت علي قبر خديجة وغيره ، فأزالوا القباب كلها ، وأظهروا فيها الدعوة إلى توحيد الله عز وجل ، وعينوا فيها العلماء والمدرسين ، والموجهين والمرشدين ، والقضاة الحاكمين بالشريعة .
ثم بعد مدة وجيزة فتحت المدينة ، واستولى آل سعود على المدينة في عام 1220هـ بعد مكة بنحو سنتين ، واستمر الحرمان في ولاية آل سعود ، وعينوا فيها الموجهين والمرشدين ، وأظهروا في البلاد العدل وتحكيم الشريعة ، والإحسان إلى أهلها ولا سيما فقرائهم ومحاويجهم فأحسنوا إليهم بالأموال ، وواسوهم ، وعلموهم كتاب الله ، وأرشدوهم إلى الخير ، وعظموا العلماء ، وشجعوهم على التعليم ، والإرشاد ولم ينزل الحرمان الشريفان تحت ولاية آل سعود إلى عام 1226هـ ثم بدأت الجيوش المصرية والتركية تتوجه إلى الحجاز لقتال آل سعود وإخراجهم من الحرمين ، لأسباب كثيرة تقدم بعضها ، وهذه الأسباب كما تقدم هي أن أعداءهم ، وحسادهم ، والمخرفين الذين ليس لهم بصيرة ، وبعض السياسيين الذين أرادوا إخماد هذه الدعوة وخافوا منها أن تزيل مراكزهم ، وأن تقضي على أطماعهم ، كذبوا على الشيخ ، وأتباعه ، وأنصاره ، وقالوا إنهم يبغضون الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأنهم يبغضون الأولياء ، وينكرون كراماتهم ، وقالوا
إنهم أيضا يقولون كيت وكيت مما يزعمون أنهم ينتقصون به الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وصدق هذا بعض الجهال ، وبعض المغرضين ، وجعلوه سلما للنيل منهم والقتال لهم ، وتشجيع الأتراك والمصريين على حربهم ، فجرى ما جرى من الفتن والقتال - وصار القتال بين الجنود المصرية والتركية ومن معهم وبين آل سعود في نجد ، والحجاز ، سجالا مدة طويلة من عام 1226 هـ إلى عام 1233 هـ سبع سنين كلها قتال ونضال بين قوى الحق وقوى الباطل .
والخلاصة : أن هذا الإمام الذي هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه إنما قام لإظهار دين الله ، وإرشاد الناس إلى توحيد الله ، وإنكار ما أدخل الناس فيه من البدع والخرافات ، وقام أيضا لإلزام الناس بالحق ، وزجرهم عن الباطل ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر .
هذه خلاصة دعوته رحمة الله تعالى عليه ، وهو في العقيدة على طريقة السلف الصالح يؤمن بالله وبأسمائه ، وصفاته ، ويؤمن بملائكته ، ورسله وكتبه ، وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وهو على طريقة أئمة الإسلام في توحيد الله ، وإخلاص العبادة له جل وعلا . وفي الإيمان بأسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله سبحانه ، لا يعطل صفات الله ، ولا يشبه الله بخلقه . وفي الإيمان بالبعث ، والنشور ، والجزاء .
والحساب ، والجنة والنار ، وغير ذلك .
ويقول في الإيمان ما قاله السلف أنه قول وعمل يزيد وينقص . يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، كل هذا من عقيدته رحمه الله ، فهو على طريقتهم وعلى عقيدتهم قولا وعملا ، لم يخرج عن طريقتهم البتة ، وليس له في ذلك مذهب خاص ، ولا طريقة خاصة ، بل هو على طريق السلف الصالح من الصحابة وأتباعهم بإحسان . رضي الله عن الجميع .
وإنما أظهر ذلك في نجد ، وما حولها ودعا إلى ذلك ثم جاهد عليه من أباه ، وعانده ، وقاتلهم ، حتى ظهر دين الله وانتصر الحق ، وكذلك هو على ما عليه المسلمون من الدعوة إلى الله ، وإنكار الباطل ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ولكن الشيخ وأنصاره يدعون الناس إلى الحق ، ويلزمونهم به ، وينهونهم عن الباطل ، وينكرونه عليهم ، ويزجرونهم عنه حتى يتركوه .
وكذلك جد في إنكار البدع والخرافات حتى أزالها الله سبحانه بسبب دعوته . فالأسباب الثلاثة المتقدمة آنفا هي أسباب العداوة ، والنزل بينه وبين الناس . وهي :
أولا : إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد الخالص .
ثانيا : إنكار البدع ، والخرافات ، كالبناء على القبور واتخاذها مساجد ونحو ذلك كالموالد والطرق التي أحدثتها طوائف المتصوفة .
ثالثا : أنه يأمر الناس بالمعروف ، ويلزمهم به بالقوة فمن أبى المعروف الذي أوجبه الله عليه ، ألزم به وعزر عليه إذا تركه وينهى الناس عن المنكرات ، ويزجرهم عنها ، ويقيم حدودها ، ويلزم الناس الحق ، ويزجرهم عن الباطل ، وبذلك ظهر الحق ، وانتشر ، وكبت الباطل ، وانقمع ، وسار الناس في سيرة حسنة ، ومنهج قويم في أسواقهم ، وفي مساجدهم ، وفي سائر أحوالهم .
لا تعرف البدع بينهم ولا يوجد في بلادهم الشرك ، ولا تظهر المنكرات بينهم . بل من شاهد بلادهم وشاهد أحوالهم وما هم عليه ذكر حال السلف الصالح وما كانوا عليه زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، وزمن أصحابه ، وزمن أتباعه بإحسان في القرون المفضلة رحمة الله عليهم .
فالقوم ساروا سيرتهم ، ونهجوا منهجهم ، وصبروا على ذلك ، وجدوا فيه ، وجاهدوا عليه ، فلما حصل بعض التغيير في آخر الزمان بعد وفاة الشيخ محمد بمدة طويلة ووفاة كثير من أبنائه رحمة الله عليهم وكثير من أنصاره حصل بعض التغيير جاء الابتلاء وجاء الامتحان بالدولة التركية ، والدولة المصرية ، مصداق قوله عز وجل : إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
نسأل الله عز وجل أن يجعل ما أصابهم تكفيرا وتمحيصا من الذنوب ، رفعة وشهادة لمن قتل منهم رضي الله عنهم ورحمهم .
ولم تزل دعوتهم بحمد الله قائمة منتشرة إلى يومنا هذا فإن الجنود المصرية لما عثت في نجد ، وقتلت من قتلت ، وخربت ما خربت ، لم يمض على ذلك إلا سنوات قليلة ثم قامت الدعوة بعد ذلك وانتشرت ، ونهض بالدعوة بعد ذلك بنحو خمس سنين الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود رحمه الله عليه فنشر الدعوة في نجد وما حولها ، وانتشر العلماء في نجد وأخرج من كان هناك من الأتراك والمصريين أخرجهم من نجد وقراها ، وبلدانها وانتشرت الدعوة بعد ذلك في نجد في عام 1240هـ وكان تخريب الدرعية والقضاء على دولة آل سعود في عام 1233هـ .
فمكث الناس في نجد في فوضى ، وقتال وفتن بنحو خمس سنين من أربع وثلاثين إلى عام 1239هـ ثم في عام أربعين بعد المائتين وألف اجتمع شمل المسلمين في نجد على الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود ، وظهر الحق وكتب العلماء الرسائل إلى القرى والبلدان ، وشجعوا الناس ودعوهم إلى دين الله وانطفأت الفتن التي بينهم بعد الحروب الطويلة التي حصلت على أيدي المصريين ، وأعوانهم ، وهكذا انطفأت الحروب ، والفتن التي وقعت بينهم على أثر تلك الحروب ، وخمدت
نارها ، وظهر دين الله ، واشتغل الناس بعد ذلك بالتعليم ، والإرشاد ، والدعوة ، والتوجيه ، حتى عادت المياه إلى مجاريها .
وعاد الناس إلى أحوالهم ، وما كانوا عليه في عهد الشيخ ، وعهد تلامذته ، وأبنائه ، وأنصاره ، رضي الله عن الجميع ورحمهم ، واستمرت الدعوة من عام 1240هـ إلى يومنا هذا بحمد الله ، ولم يزل يخلف آل سعود بعضهم بعضا ، وآل الشيخ وعلماء نجد بعضهم بعضا فآل سعود يخلف بعضهم بعضا في الإمامة والدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله .
وهكذا العلماء يخلف بعضهم بعضا في الدعوة إلى الله والإرشاد إليه ، والتوجيه إلى الحق . إلا أن الحرمين بقيا مفصولين عن الدولة السعودية دهرا طويلا ، ثم عادا إليهم في عام 1343هـ ، واستولى على الحرمين الشريفين الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل ابن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود رحمة الله عليه ولم يزالا بحمد الله تحت ولاية هذه الدولة إلى يومنا هذا .
فلله الحمد ونسأل الله عز وجل أن يصلح البقية الباقية من آل سعود ، ومن آل الشيخ ، ومن علماء المسلمين جميعا في هذه البلاد ، وغيرها وأن يوفقهم جميعا لما يرضيه وأن يصلح علماء المسلمين أينما كانوا وأن ينصر بالجميع الحق ، ويخذل
بهم الباطل ، وأن يوفق دعاة الهدى أينما كانوا للقيام بما أوجب الله عليهم ، وأن يهدينا وإياهم صراطه المستقيم ، وأن يعمر الحرمين الشريفين ، وملحقاتهما ، وسائر بلاد المسلمين بالهدى ، ودين الحق ، وبتعظيم كتاب الله ، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وأن يمن على الجميع بالفقه فيهما ، والتمسك بهما ، والصبر على ذلك ، والثبات عليه ، والتحاكم إليهما ، حتى يلقوا ربهم عز وجل .
إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير . وهذا آخر ما تيسر بيانه ، والتعريف به ، من حال الشيخ ، ودعوته وأنصاره ، وخصومه والله المستعان ، وعليه الاتكال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله ، وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه ، والحمد لله رب العالمين .
فبلغ محمد بن سعود خبر الشيخ محمد ، ويقال :
إن الذي أخبره به زوجته جاء إليها بعض الصالحين وقال لها : أخبري محمدا بهذا الرجل ، وشجعيه على قبول دعوته وحرضيه على مؤازرته ومساعدته وكانت امرأة صالحة طيبة ، فلما دخل عليها محمد بن سعود أمير الدرعية وملحقاتها قالت له : أبشر بهذه الغنيمة العظيمة! هذه غنيمة ساقها الله إليك ، رجل داعية يدعو إلى دين الله ، ويدعو إلى كتاب الله ، يدعو إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يا لها من غنيمة! بادر بقبوله وبادر بنصرته ، ولا تقف في ذلك أبدا ، فقبل الأمير مشورتها ، ثم تردد هل يذهب إليه أو يدعوه إليه؟! فأشير عليه ويقال : إن المرأة أيضا هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين وقالوا له : لا ينبغي أن تدعوه إليك ، بل ينبغي أن تقصده في منزله ، وأن تقصده أنت وأن تعظم العلم والداعي إلى الخير ، فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادة والخير رحمة الله عليه وأكرم الله مثواه ، فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم ، وقصده وسلم عليه وتحدث معه ، وقال له يا شيخ محمد أبشر بالنصرة وأبشر بالأمن وأبشر بالمساعدة ، فقال له الشيخ : وأنت أبشر بالنصرة أيضا والتمكين والعاقبة الحميدة ، هذا دين الله من نصره نصره الله ، ومن أيده أيده الله وسوف تجد آثار ذلك سريعا ، فقال : يا شيخ سأبايعك على دين الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيل الله ، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله على
فأقام الشيخ بالدرعية معظما مؤيدا محبوبا منصورا ورتب الدروس في الدرعية في العقائد ، وفي القرآن الكريم ، وفي التفسير ، وفي الفقه ، وأصوله ، والحديث ، ومصطلحه ، والعلوم العربية ، والتاريخية ، وغير ذلك من العلوم النافعة ، وتوافد الناس عليه من كل مكان ، وتعلم الناس علمه في الدرعية الشباب وغيرهم ، ورتب للناس دروسا كثيرة للعامة ، والخاصة ، ونشر العلم في الدرعية واستمر على الدعوة .
هل رأيتم ما هي وظيفة المجدد ؟؟ ان يمحو الله به الجهل ، فلا بد ان يكون عالما بالشرع ،، عالما بالتوحيد ،،
فلما اشتهر الشيخ بالدعوة وكتب الكتابات الكثيرة ، وألف المؤلفات القيمة ، ونشرها في الناس ، وكاتبه العلماء ، ظهر جماعة كثيرون من حساده ، ومن مخالفيه ، وظهر أيضا أعداء آخرون ، وصار أعداؤه وخصومه قسمين : قسم عادوه باسم العلم والدين ، وقسم : عادوه باسم السياسة ولكن تستروا بالعلم ، وتستروا باسم الدين ، واستغلوا عداوة من عاداه من العلماء الذين أظهروا عداوته وقالوا : إنه على غير الحق ، وإنه كيت وكيت . والشيخ رحمة الله عليه مستمر في الدعوة يزيل الشبه ، ويوضح الدليل ، ويرشد الناس إلى الحقائق على ما هي علي من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وطورا . يقولون : إنه من الخوارج ، وتارة يقولون : يخرق الإجماع ، ويدعي الاجتهاد المطلق ولا يبالي بمن قبله من العلماء والفقهاء وتارة يرمونه بأشياء أخرى وما ذاك إلا من قلة العلم من طائفة منه وطائفة أخرى قلدت غيرها واعتمدت عليها ، وطائفة أخرى خافت على مراكزها فعادته سياسة وتستتر باسم الإسلام والدين واعتمدت على أقوال المخرفين والمضللين .
ارأيتم ما يلاقيه المخلصون من اهل الجهل والزيغ ؟؟ لكن ما هي العاقبة ؟؟ ان يندثروا وان يقبل الله أهل العلم والتوحيد وينشر دعوتهم فأين هم من خالفوا محمد بن عبدالوهاب ؟؟ اندثروا في مزابل التاريخ والان وبعد اكثر من 300 عام لا زال محمد بن عبدالوهاب يذكره الصالحون جيلا بعد جيل وكل ذلك بفضل الله وثمرة الدعوة الحق
وبعد فراغ الدعاة وآل سعود من نجد امتدت دعوتهم إلى الحرمين ، وجنوب الجزيرة ، كاتبوا علماء الحرمين سابقا ، ولاحقا فلما لم تجد الدعوة واستمر أهل الحرمين على ما هم عليه من تعظيم القباب ، واتخاذها على القبور ، ووجود الشرك عندها ، والسؤال لأربابها ، سار الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بعد وفاة الشيخ بإحدى عشرة سنة توجه إلى الحجاز ، ونازل أهل الطائف ثم قصد أهل مكة وكان أهل الطائف قد توجه إليهم قبل سعود الأمير عثمان بن عبد الرحمن المضايفي ، ونازلهم بقوة أرسلها إليها الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد أمير الدرعية بقوة عظيمة من أهل نجد وغيرهم ، ساعدوه حتى استولى على الطائف ، وأخرج منها أمراء الشريف ، وأظهر فيه الدعوة إلى الله ، وأرشد إلى الحق ، ونهى فيها عن الشرك ، وعبادة ابن عباس ، وغيره مما كان يعبده هناك الجهال ، والسفهاء من أهل الطائف ، ثم توجه الأمير سعود عن أمر أبيه عبد العزيز إلى جهة الحجاز ، وجمعت الجيوش حول مكة .
فلما عرف شريفها أنه لا بد من التسليم أو الفرار فر إلى جدة . ودخل سعود ومن معه من المسلمين البلاد من غير قتال واستولوا على مكة في فجر 1 من شهر محرم من عام 1218هـ وأظهروا فيها الدعوة إلى دين الله ، وهدموا ما فيها
من القباب التي بنيت علي قبر خديجة وغيره ، فأزالوا القباب كلها ، وأظهروا فيها الدعوة إلى توحيد الله عز وجل ، وعينوا فيها العلماء والمدرسين ، والموجهين والمرشدين ، والقضاة الحاكمين بالشريعة .
ارأيتم كيف يكون الانسان مجددا ؟؟ فشتان بين من يحارب البدع ويهدم القبور التي عبدت من دون الله وبين من كان يزور القبور ويعظمها ويعترف بصوفيته وليس له حظ في علم شرعي ولا دعوة الى توحيد ونبذ الشرك
قرأت نصف الموضوع وتركت نصفه لأقرأه على مهل
حقيقة كل فقرة في هذا الموضوع تشدك للفقرة التي تليها
وهذا لأن هذه الحلقة تتحدث عن علاّمة واجه الكثير من المحن
لنشر الدعوة الحق فمحاربنه للبدع واهلها هو جهاد في سبيل الله
ونشر التوحيد والعقيدة في زمانه لا يشبه نشرها في زماننا
لذلك كان لهم الفضل الاكبر بفضل من الله
لي عودة ولربما عودات لاشارك في سيرة العلامة الامام
محمد بن عبد الوهاب يرحمه الله ...
جزاك الله الجنة يا ابو فارس على مواضيعك المفيدة التي تعرفنا
بهؤلاء المنارات والجبالات في العلم .
رحمه الله وتقبّله في الصالحين
حقيقة نشعر بأننا كالأقزام أمام هؤلاء الذين ذادوا عن الدين
والكتاب والسنة حيث انهم واجهوا تلك الصعاب بمزيد من القوة
وما جعلهم متماسكين هو قوة الدليل وقوة العلم عندهم
فحينما حوربوا كانوا يردّون على من حاربهم بالعلم والدليل من
الكتاب والسنّة لابافتراضات وهمية او بسياسات حزبية
رحم الله العلامة المجدد محمد بن عبد الوهاب وتقبله في الصالحين
موضوع قيم جداً ....لم يكن لي أن أخرج من الموضوع دون أن أعلق عليه
الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأحسن مثواه.....
أبو فارس تحية إعجاب وتقدير على هذا الإختيار الرائع..أحسنت الإختيار وفعلاً كل فقرة في الموضوع تشدك لما يليها..
الإمام محمد بن عبد الوهاب
د. راغب السرجاني
قصة الاسلام
في ظلِّ الجهل المطبق والانغماس في الملذات والملاهي، والاستعانة بما لا يضرُّ ولا ينفع، في ظلِّ هذه البيئة الملبَّدة بكل ما هو بعيد عن الدين وُلِدَ محمد بن عبد الوهاب آل مشرف التميمي؛ ليكون خطًّا فاصلاً وعلامة فارقة بين الجهل والعلم، والشرك والإيمان.
الإمام محمد بن عبد الوهاب الميلاد والنشأة
محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد[1]، الذي يعود نسبه إلى آل مشرِّف[2] من قبيلة تميم عريقة النسب والشرف؛ حيث ينحدرون من مُضَرَ فمن نزار فمن عدنان[3]، كان جدُّه سليمان بن علي بن مشرف من أشهر العلماء في عصره ومصره؛ حيث كان من أكابر العلماء في الجزيرة، وكذلك كان والده عالمًا فقيهًا على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وكان من علماء نجد المشهورين، وقضاتها المعروفين، فقد تولَّى القضاء في عدَّة جهات؛ مثل: العيينة وحريملاء[4]، وكان عمُّه الشيخ إبراهيم بن سليمان من مشاهير العلماء في تلك البلاد[5].
في هذه الأسرة العريقة وُلِدَ محمد في بلدة العيينة شمالي الرياض، في عام (1115هـ=1703م)، وقد تعلَّم القرآن الكريم وحفظه قبل بلوغه عشر سنين، وكان يتمتَّع بالذكاء وسرعة الحفظ منذ صغره؛ فكان رغم حداثة سنِّه كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام، فشرح الله صدره لمعرفة التوحيد وتحقيقه، ومعرفة نواقضه المضلَّة؛ حتى إنَّ أباه كان يتعجَّب من فَهْمِه ويقول: "لقد استفدْتُ من ولدي محمد فوائد من الأحكام"[6].
ولم يكن محمدًا في طفولته كأقرانه ممَّن يُحبُّون اللعب والمرح، بل كان يقضي معظم وقته في الاطلاع على الكتب وخاصَّة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومن قبلهما مؤلَّفات الإمام أحمد بن حنبل؛ التي كان لها الأثر الكبير في تكوين شخصيَّته العلميَّة الصحيحة[7].
رحلة الإمام محمد عبد الوهاب في طلب العلم
ارتحل الشيخ محمد بن عبد الوهاب قاصدًا حجَّ بيت الله الحرام، وبعد أدائه الفريضة اتجه إلى المدينة المنورة، وفيها وجد ضالَّته؛ إذ كانت آنذاك مليئة بالعلماء؛ أمثال الشيخ عبد الله بن إبراهيم آل سيف مصنف كتاب (العذب الفائض في علم الفرائض)، فأخذ عنه الكثير من العلم، وأحَبَّه الشيخ عبد الله، وبذل جهدًا كبيرًا في تثقيفه وتعليمه، فتوثَّقت روابط المحبَّة بينهما، وممَّا يذكره الإمام عن شيخه عبد الله آل سيف قوله: "كنت عنده يومًا، فقال لي: أتريد أن أريك سلاحًا أعددته للمجمعة[8]. قلتُ: نعم. فأدخلني منزلاً فيه (كتب كثيرة)، فقال: هذا الذي أعددناه لها"[9]. ولعلَّ هذا الموقف هو ما جعل الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- يتحمَّس لطلب العلم من مناطق أخرى، فلم يتوانَ في هذا الأمر طيلة حياته.
ومن علماء المدينة الذين كان لهم فضل كبير في تعليم الإمام الشيخُ محمد حياة السِّندي؛ فلقد أدرك الرجل ما عليه تلميذه من عقيدة صافية، وبما تجيش به نفسه من مَقْتِ الأعمال الشائعة في كل مكان مِنَ البِدَع والشرك الأكبر والأصغر، وأنه إنما خرج من نجد للرحلة والاستزادة من العلم الشرعي؛ الذي يُعِينُه على القيام بالدعوة والجهاد في سبيل الله.
ومن المواقف الجليلة التي أثَّرت في محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- تأثيرًا كبيرًا، وكانت سببًا مباشرًا لمقاومته لكلِّ مظاهر الشرك والبدع في الجزيرة، ذلك الموقف المحزن الذي شاهده عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففي أحد الأيام كان الشيخ واقفًا عند الحجرة النبويَّة فإذا به يرى أناسًا يدعون ويستغيثون بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، حينذاك رآه الشيخ السِّندي فأقبل عليه، وسأله قائلاً: ما تقول في هؤلاء؟ قال له الطالب النجيب: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 139] [10].
فأيقن عندها الشيخ السندي أن تلميذه قد بلغ مرحلة علميَّة متقدِّمة.
أراد ابن عبد الوهاب –رحمه الله- أن يستزيد من العلوم، وأن يتعرَّف على جديدها، وعلى العلماء الراسخين في العلم في بقية البلدان الإسلامية الأخرى؛ فقرَّر أن يترك المدينة المنورة ليتَّجه إلى الدراسة في البصرة، وبالفعل ارتحل إليها، وحينما حطَّ رحاله فيها قرَّر أن يدرس على أكابر علمائها الراسخين؛ كالشيخ العلامة محمد المجموعي، الذي أثَّر في حياته تأثيرًا كبيرًا؛ حيث قرأ الإمام على يديه الكثير من كتب النحو واللغة والحديث.
وفي البصرة بدأت مرحلة جديدة في حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله، إنها مرحلة الجهر بما يؤمن ويعتقد؛ فلقد رأى في البصرة أمورًا أطمَّ وأعظم مما رآه سابقًا في المدينة المنورة، فقرَّر من توِّه أن يُحَدِّث الناس عن خطورة البدع والخرافات؛ كإنزال التضرُّع والحاجات بسكان القبور، مستشهدًا بكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح، لكن ذلك لم يُجْدِ مع أقوام تربَّوْا وأُشْرِبُوا في قلوبهم البدع والضلالات؛ ومن ثَمَّ قُوبِلَ الإمام بالتكذيب والوعيد، ولم يتوقَّف الأمر عند هذا الحدِّ؛ بل تعرَّض الشيخ للضرب والسبِّ، حتى أُخْرِجَ من البصرة قسرًا بعدما أمضى بها أربع سنوات كاملة، ولم يكتفِ أهل البصرة بما فعلوه بالإمام، بل أنزلوا بشيخه المجموعي البلاء والضيم!
فأراد ابن عبد الوهاب أن يستكمل مسيرته العلمية والعملية، فقصد بلد الزبير[11]، وقد واجهته الكثير من الصعاب في طريقه إليها، وبعد عناء الوصول استطاع أن يأخذ منها حاجته؛ وقد فكَّر جدِّيًّا في التوجُّه ناحية الشام لاستكمال رحلته في طلب العلم، غير أن نفقته قد أوشكت على النفاد فاضطرَّ إلى الرجوع إلى بلده، وفي طريق عودته أتى الأحساء، فنزل بها عند الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف الشافعي، وقرأ عنده بعض الكتب الشرعيَّة، ثم توجَّه إلى حُريملاء وكان ذلك في عام 1143هـ وكان والده –رحمه الله- قد انتقل إليها منذ عام (1139هـ)، فلازم أباه، واشتغل في علم التفسير والحديث، ثم عكف على كتب الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم رحمهما الله، فزادته تلك الكتب القيِّمة، علمًا ونورًا وبصيرة، وكانت المنطلق الذي استمدَّ منها مبادئ دعوته [12].
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حريملاء
بدأت أولى إرهاصات الدعوة في حريملاء؛ ليتمثَّل محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد بدأ أوَّلاً بدعوة عشيرته الأقربين، ثم دعوة قومه، فأجلى لهم حقيقة التوحيد الخالص لله عز وجل؛ إذ لا يُدعى إلاَّ الله وحده لا شريك له، ولا يُذبح ولا يُنذر إلاَّ له، وأن عقيدتهم في تلك القبور والأحجار والأشجار -من الاستغاثة بها، وصرف النذور إليها، واعتقاد النفع والضرِّ منها- ضلالٌ وبهتان.
واستمرَّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- يُدافع عن دعوته، فينشرها بين الناس بالحكمة والموعظة، متخذًا كتاب الله سبحانه وتعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم منهاجًا ودليلاً؛ حتى أصبح الأمر مثار نقاش وجدال بينه وبين والده وأخيه سليمان، الذي اقتنع بحقيقة دعوة أخيه في أواخر حياة الشيخ كما سيأتي بيانه.
وكان أهل حريملاء قبيلتين، أصلهما قبيلة واحدة، كلٌّ منهما يدعي لنفسه القوة والغلبة والكلمة العليا، ولم يكن لهم رئيس واحد يجمعهم تحت كلمته، وقد كان في البلد عبيد لإحدى القبيلتين، كثُر تعدِّيهم وفسقهم، فأراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- أن يمنعهم من الفساد، وينفِّذ ما أنزله الله عز وجل في كتابه، فهمَّ العبيد أن يفتكوا بالشيخ، ويقتلوه سرًّا بالليل، فلما تسوَّروا الجدار علم بهم الناس فصاحوا بهم فهربوا[13].
مكث الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- في حريملاء تلك السنين يدعو الناس في ثبات وصبر، وقد أنتج فيها كتابه الشهير (التوحيد)[14]، ثم قرَّر ابن عبد الوهاب –رحمه الله- أن ينتقل إلى العيينة حينما أيقن أن بقاءه في حريملاء لم يَعُدْ يُجدي نفعًا، وكان ذلك في بدايات عام (1157هـ)[15].
<a ><a ><a ><a >محمد بن عبدالوهاب في العيينة
انتقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- إلى مسقط رأسه العيينة؛ حيث كان حاكمها وقتئذٍ عثمان بن حمد بن معمر، وقد تلقَّى ابن معمر الإمام بكل إجلال وإكرام، ثم ما لبث الشيخ أن شرح له حقيقة دعوته القائمة على دعائم الكتاب والسُّنَّة المطهَّرة، وأن غايته من هذه الدعوة تعليم الناس أصول دينهم على دعائم التوحيد، ونبذ الشرك والقضاء على مظاهره، وبشَّرَه بالسداد والتوفيق وزعامة نجد إن نصر كلمة التوحيد وأعلاها.
قَبِلَ عثمان بن معمر أن يكون أحد رجالات الدعوة، وقد تسنَّى للشيخ أن يدعو إلى إفراد العبادة لله دون قيد أو شرط، وضرورة التمسُّك بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، وفي تلك الأثناء تزوج الشيخ الجوهرة بنت عبد الله بن معمر.
بين الشيخ محمد بن عبدالوهاب وابن معمر
كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- يرى أن أحد الأسباب القوية لنجاح الدعوة يكمن في توحُّد بلاد نجد تحت قيادة واحدة، وكان يعرف جيدًا أنه ليس من السهل نشر الدعوة في البلاد القاصية والدانية في مدة قصيرة إلا بحماية أمير ذي قوة ونفوذ، فلا يخفى على ذوي العقول والألباب أن القوة المادية لها أهمية عظيمة في نشر الدعوات والأفكار مع القوة المعنوية والحجج والبراهين؛ لأن أي دعوة إذا لم تكن لديها من القوة ما يحميها ويذود عنها، سرعان ما تتكالب عليها قوى الشرِّ والطغيان حتى تستأصل خضراءها؛ ومن ثَمَّ استعان الشيخ بابن معمر الذي أعانه في هذا الجانب.
هدم قبة زيد بن الخطاب
وبدأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- في أخذ مجموعة من الإجراءات العملية المهمة في سبيل نشر الدعوة؛ إذ قطع الأشجار التي عظَّمَها الناس، وما لبث الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- أن هدم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كانت مقصدًا للعامة يستشفعون بها، ويلجئون إليها، وقد ذكر ابن بشر قصة الهدم في كتابه (عنوان المجد) فقال: "قال الشيخ لعثمان: دعنا نهدم هذه القبة التي وُضعت على الباطل، وضلَّ بها الناس عن الهدى.
فقال: دونكها فاهدمها.
فقال الشيخ: أخاف من أهل الجبيلة أن يوقعوا بنا، ولا أستطيع أن أهدمها إلا وأنت معي.
فساعده عثمان بنحو ستمائة رجل؛ فلما قربوا منها ظهر عليهم أهل الجبيلة يريدون أن يمنعوهم، فلما رآهم عثمان علم ما همُّوا به فتأهَّب لحربهم، وأمر جموعه أن تتعزل للحرب؛ فلما رأوا ذلك كفُّوا عن الحرب وخلوا بينهم وبينها. ذُكر لي أن عثمان لما أتاها قال للشيخ: نحن لا نتعرَّضها. فقال: أعطوني الفأس. فهدمها الشيخ بيده حتى ساواها، ثم رجعوا فانتظر تلك الليلة جُهَّال البدو وسفهاؤهم ما يحدث بسبب هدمها، فأصبح (الشيخ) في أحسن حال"[16].
قطع الأشجار وإقامة الحدود
كما قطع الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- شجرة قريوة وأبو دجانة والذيب وذلك بمساعدة عثمان بن معمر، وأقام الحدَّ على امرأة اعترفت بالزنا وَفْقًا لشرع الله تعالى[17].
إحياء الصلوات مع الجماعة
وأمر ابن عبد الوهاب –رحمه الله- عثمان بن معمر بإحياء الصلوات مع الجماعة وعُيِّنت عقوبات للمتخلِّفين، وكان الأمراء يأخذون أنواعًا من الضرائب والرسوم فرفعها الشيخ ونفَّذ الزكاة فقط، وفي العيينة بدأ الشيخ يؤلِّف رسائل الدعوة المتسلسلة التي استمرَّت إلى وفاته، وصار له بعض الأنصار في الدرعية فكان يُرشدهم ويُوَجِّههم من العيينة[18].
تزامن ذلك مع انتشار خبر قطع الأشجار المعظَّمَة، وهَدْم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه، ورجم المرأة الزانية بسرعة كبيرة بين أهالي نجد، وظنَّ الكثير من أهلها -نتيجة ضعف إيمانهم وسوء عقيدتهم- أن الإمام ومَنْ عاونه في عملية الهدم والقطع لا بُدَّ أن يُصابوا بمكروه جرَّاء فعلتهم هذه!
وانتظر العامة -لجهلهم- ليروا مصير الإمام، عسى أن يُصيبه مكروه نتيجة هدمه للقباب والأشجار المقدسة! لكنَّ الله بدَّد أوهامهم؛ فتسارعوا يُقْبِلُون على الدعوة جماعات وأفرادًا، وكانوا عونًا للشيخ على نشرها بكل حبٍّ وإخلاص.
وقد حرص –رحمه الله- أن يُزيل كل ما كان في البلاد الخاضعة لابن معمر من المشاهد والأوثان والقباب، وقطع ما كان فيها من الأشجار المقدَّسة.
مؤامرة لقتل الإمام محمد بن عبد الوهاب
ترتَّب على هذه الأحداث المتتابعة أن تنادى رؤساء القبائل والبلدان الكبرى في نجد للوقوف ضدَّ مخاطر الدعوة، أو بالأحرى مخاطر إقامة شرع الله وحدوده؛ فهذه الحركة الإصلاحية أخذت – في زعمهم - تهدِّد نفوذهم في مقرِّ دورهم؛ لأن انتصارها معناه أفول سلطانهم الخاسر، وإفلات زمام الأمور من أيديهم؛ خاصَّة وأن الدعوة بدأت تؤتي ثمارها في نجد[19].
وكان على رأس الناقمين سليمان بن محمد بن عريعر الحميدي - حاكم الأحساء وبني خالد - الذي أيَّده فريق كبير من الجهلاء وأصحاب المصالح وذوي النفوذ؛ هؤلاء الذين تحجَّرت عقولهم بعد أن امتلأت بالخرافات والبدع، فانطلقوا يُقَاومون الدعوة وصاحبها، ويوغرون صدور مشايخ القبائل حقدًا وحسدًا.
وما لبث سليمان الحميدي أن بعث إلى عثمان بن معمر كتابًا على عجل جاء فيه: "... إن المطوِّع الذي عندك، قد فعل ما فعل، وقال ما قال، فإذا وصلك كتابي فاقتله، فإن لم تقتله، قطعنا خَرَاجَك الذي عندنا في الأحساء".
وقد كان على عثمان بن معمر أن يختار بين دعوة محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- وما تعاهدا عليه، وبين الخراج الذي يُقَدَّر بألف ومائتين دينار ذهبية، ولم يفكر ابن معمر مليًّا فقد اختار الخراج ومتاع الدنيا مُضَحِّيًا بالدعوة وقائدها، بل وأرسل إلى الإمام يخبره بكتاب سليمان، قائلاً: "لا طاقة لنا بحرب سليمان". وحاول الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- جاهدًا أن يُثني ابن معمر عن قراره هذا قائلاً له: "إن هذا الذي أنا قمتُ به ودعوتُ إليه كلمة لا إله إلا الله، وأركان الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أنت تمسَّكت به ونصرته فإن الله سبحانه وتعالى يُظهرك على أعدائك، فلا يزعجك سليمان ولا يفزعك"[20].
فأعرض عنه عثمان، وأرسل إليه مرَّة ثانية يخبره بأن: "سليمان قد أمرنا بقتلك، ولا نستطيع مخالفته، ولا طاقة لنا بحربه، وليس من الشيم والمروءة أن نقتلك في بلدنا، فشأنك ونفسك، وخَلِّ بلادنا"[21].
لقد وقع عثمان في فتنة الدنيا، هذه الفتنة التي حذَّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواقف كثيرة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "وَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"[22].
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يَخصُّ هذه الأمة بفتنة المال، فيقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ"[23].
من أجل ذاك أُخرج الإمام من العُيينة قسرًا، فلم يزده هذا الأذى إلا صبرًا وعزيمة ومُضيًّا، وهو يُرَدِّد قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2- 3]، فكان يمشي على رجليه مُوَكَّلاً به فارس يمشي من خلفه؛ لقتله والغدر به، ولم يكن مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- إلاَّ مروحة من خوص في حرِّ الصحراء الملهب، فهمَّ الفارس بقتل الإمام، وكان بإيعاز من ابن معمر، فارتعدتْ يده وكفى الله شرَّه[24].
<a ><a ><a ><a >الإمام محمد بن عبدالوهاب والنصر في الدرعية
توجَّه الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- إلى الدرعية - التي كانت تحت حكم الأمير محمد بن سعود - في عام (1157هـ)، فنزل ضيفًا على عبد الله بن سويلم، وابن عمِّه أحمد بن سويلم، وقد كانا من تلاميذ الشيخ أثناء مقامه في العيينة، لكن ابن سويلم خاف على نفسه من الأمير محمد بن سعود، لاعتقاده أن الأمير قد يؤذيه[25]؛ ولكن الإمام الواثق بمعيَّة الله وحفظه بدأ يُطمئنه ويحثُّه على ضرورة الوثوق بالله عز وجل قائلاً: "سيجعل الله لنا ولك فرجًا ومخرجًا"[26].
<a ><a ><a ><a >الأمير محمد بن سعودمؤيدا لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب
وكان للأمير محمد بن سعود أخوان هما ثنيان ومشاري، وزوجة هي موضي بنت أبي وهطان كانت –رحمها الله- لبيبة عاقلة متديِّنَة، وقد اقتنعوا جميعًا بما كان يدعو إليه الإمام، فذهب أخواه إليه، وقالا له: "... إن هذا الرجل غنيمة ساقه الله إليك، فاغتنم ما خصَّك الله به"[27].
ورغَّبوه في زيارة الإمام، وكان ابن سعود معروفًا قبل ذلك بأخلاقه النبيلة، واستعداده لقبول الحقِّ؛ ولذلك "قام من فوره مسرعًا إليه ومعه أخواه ثنيان ومشاري، فأتاه في بيت أحمد بن سويلم، فسلَّم عليه، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل، وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده، فأخبره الإمام بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما دعا إليه، وما كان عليه صحابته –رضي الله عنهم- من بعده، وما أمروا به وما نهوا عنه، وأنَّ كلَّ بدعة ضلالة، وما أعزَّهم الله به بالجهاد في سبيل الله وأغناهم به، وجعلهم إخوانًا...فلمَّا تحقَّق الأمير محمد بن سعود معرفةَ التوحيد، وعَلِمَ ما فيه من المصالح الدينيَّة والدنيويَّة، قال له: يا شيخ، إنَّ هذا دين الله ورسوله الذي لا شكَّ فيه، فأبشر بالنُّصرة لك ولما أمرتَ به، والجهاد لمن خالف التوحيد"[28].
عند ذلك شرح الله صدر الأمير محمد بن سعود، واقتنع بما دعاه إليه الشيخ وبشَّر الأميرُ الإمامَ بالنصرة وبالوقوف معه على مَنْ خالفه، لكنَّ الأمير اشترط قبل المبايعة شرطين؛ أوَّلهما: أن لا يرجع الإمام عنه إن نصرهم الله ومكَّنهم. وثانيهما: أن لا يمنع الأمير من الخراج الذي ضربه على أهل الدرعية وقت الثمار.
وقد ردَّ الإمام ردًّا بليغًا إذ قال: "أمَّا الأولى: الدم بالدم، والهدم بالهدم. وأمَّا الثانية: فلعلَّ الله يفتح عليك الفتوحات، فيعوِّضك الله من الغنائم ما هو خير منها".
فبايع محمد بن سعود الإمام محمد بن عبد الوهاب على الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيل الله، والتمسُّك بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الشريعة بين الناس[29].
وبعد البيعة مكث ابن عبد الوهاب –رحمه الله- عامين كاملين يُناصح الناس، ويرشدهم إلى سبيل الحقِّ، وفي خلالهما تسلَّل إليه أنصاره من العُيينة، منهم: عبد الله بن محسن، وأخواه زيد وسلطان آل معمر، وعبد الله بن غنام وأخوه موسى، وقد هاجر معهم عدد كثير من رؤساء آل معمر المخالفين لعثمان بن معمر في العيينة، ثم أتت إليه الوفود من كافَّة أرجاء نجد؛ حيث شرح الله صدرها للتوحيد والإيمان الخالص له عز وجل.
ومن أشهر الذين عاونوه وناصروه من أهل الدرعية وأمرائها: ثنيان بن سعود، ومشاري بن سعود، وفرحان بن سعود، والشيخ أحمد بن سويلم، والشيخ عيسى بن قاسم، ومحمد الحزيمي، وعبد الله بن دغيثر، وسليمان الوشيقري، وحمد بن حسين وأخوه محمد، وغيرهم كثير، وقد وصف فلبي هؤلاء بقوله: "هؤلاء هم فرسان الوهابية البواسل، وتُذكر أسماؤهم باحترام، وأولادهم يعتبرون جديرين بكل تكريم واحترام في القصر الملكي"[30].
<a ><a ><a ><a >ابن معمريندم على صنيعه مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب
وعندما سمع عثمان بن معمر صاحب العيينة أن الدعوة المباركة بدأت في الانتشار، وأصبح لها مئات من المؤيدين، ندم على ما سلف منه في حقِّ الشيخ، فأتى إليه ومعه مجموعة من رؤساء البلاد وأعيانها، واعتذر له، وطلب منه الرجوع، فعلَّق الإمام الأمر على موافقة الأمير محمد بن سعود، وكان ذلك قمَّة الوفاء بالعهد، لكن الأمير محمد بن سعود –رحمه الله- رفض عودة الشيخ إلى العيينة، ورجع عثمان خائبًا بعد أن أضاع الخير من يده[31].
بدأت الوفود بالمجيء إلى الإمام للارتواء من مناهل علمه، وأخذ –رحمه الله- يُلْقِي الكثير من الدروس في الدرعية، في أمور: العقائد، والقرآن الكريم، والتفسير، والفقه وأصوله، والحديث ومصطلحه، والعلوم العربية والتاريخية، وغير ذلك من العلوم النافعة.
<a ><a ><a ><a >الدرعيةعاصمة الدعوة
وكانت الحالة الاقتصادية حينئذ في الدرعية لا تقوى على القيام بمؤن أولئك الوافدين الطالبين، فكان بعضهم - من شغفه وحُبِّه للعلم - يعمل بالليل بالأجرة، وفي النهار يحضر الدروس إلى أن وسَّع الله عليهم.
لقد فتح الله على الدرعية بسبب احتضانها للدعوة؛ فقد أحدث وجود الشيخ انقلابًا جذريًّا في حياة سكانها ومعتقداتهم؛ فأصبحت هذه البلدة المركز الرئيس للدعوة، واسْتُبْدِلَ نظام الحكم العشائري فيها بحكم إسلامي يستمدُّ شرائعه من تعاليم القرآن وسُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأُبطلت الضريبة التي كان يدفعها السكان للأمير، وحَلَّتِ الزكاة مكانها، وساد الأمن والاستقرار بدلاً من الفوضى، ونشطت حركة التعليم نشاطًا عظيمًا، فكان الشيخ يتولَّى التدريس، ويُشرف شخصيًّا على المدرِّسِين، ويُحارب الأُمِّيَّة، ويُلزم كل فرد من أنصاره بتعلُّم القراءة والكتابة مهما كانت سِنُّه، أو عَلَتْ منزلته، ويحمل الناس على تنفيذ أوامر الدين ونواهيه بدقَّة، كما حلَّ الجهادُ في سبيل الله مكان الغارات والغزوات العشائريَّة المدمِّرَة، واقْتُلِعَتْ من أذهان الناس وعواطفهم عادات وتقاليد وثنية مزمنة، وغُرست مكانها المعتقدات الإسلاميَّة الصحيحة بنقاوتها وطهارتها الأُولَى، وقد أصبحت هذه البلدة تحاكي المجتمع الإسلامي الأوَّل الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في المدينة بعد هجرتهم إليها[32].
جهاد الإمام محمد بن عبدالوهاب
كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- يُكثر من إرسال الرسائل، ومكاتبة البلدان والقرى والقبائل المجاورة؛ يدعوهم إلى التوحيد الخالص، ونبذ كل ألوان الشرك المنتشرة بينهم عن طريق الأدلَّة الصريحة من كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فما لبث الكثير منهم في اتهامه بتكفير المسلمين، بل لم يقتصر الأمر على ذلك؛ فقد بدأ خصومه في حشد الجيوش لمحاربته ومحاربة الدعوة؛ حيث أغاروا على بعض القرى التي بايعت الشيخ ودخلت في حلفه.
لم يرَ الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- والأمير محمد بن سعود بُدًّا من الاستعانة بالسيف بجانب الدعوة بالموعظة الحسنة، فقد تعاهد –رحمه الله- من قَبْلُ مع أمير الدرعية محمد بن سعود على المعونة والمؤازرة لنشر دعوة التوحيد وطمس معالم الشرك، رغم أن الدرعية بلدة صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها ألف نسمة، وعدد بيوتها لا يزيد على سبعين بيتًا! لكن أهلها أَبْلَوا بلاءً حسنًا في الدفاع عن عقيدة الإسلام.
ومن هذه القرية المتواضعة بدأت الجيوش تُجَهِّز نفسها لمحاربة مَنْ تصدَّوْا لدعوة التوحيد، ولم تنتظر طويلاً فقد بدأت الجهاد منذ سنة (1160هـ)، وذلك بعد عامين من وصول الشيخ إلى الدرعية، فقد ردُّوا هجوم دهام بن دواس[33] بأهل الرياض والصمدة، وانكشف أهل الدرعية أمام المغير، واستشهد في هذه المعركة فيصل وسعود وَلَدَا الأمير محمد بن سعود.
<a ><a ><a ><a >الأمير عبد العزيز بن محمد واستمرار الجهاد
واستمرَّت الحرب في سجال بين الأمير ابن سعود وبين خصومه، كدهام بن دواس حاكم الرياض، الذي تعقَّب الدعوة وأنصارها من عام (1159هـ) حتى فتح الله على يد الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود وجنوده الرياضَ عام (1187هـ).
ومن خصومه -أيضًا- عريعر بن دجين حاكم الأحساء الذي أغار على حريملاء في عام (1172هـ)؛ وقد كان عريعر قاسيًا لا يتَّصف بالشفقة أو الرحمة؛ إذ كان يقتل كلَّ مَنْ ظفر به من أنصار الدعوة، ويُغير على مدنهم وقراهم كلما سنحت الفرصة، وكان شاغله الأكبر القضاء على الدرعية؛ ذلك الخطر الذي يقض مضجعه باستمرار؛ ولذلك خرج في عام (1178هـ) وقد جمع كيده من كل ناحية، واستنفر كثيرًا من أهل القرى والمدن وتوجَّه نحو مركز الدرعية في جيش ضخم، وكلما مرَّ على قرية أو قبيلة قدَّموا له ولاءهم، وقد حاصر الدرعية مدَّة عشرين يومًا أو أكثر لكن جنود الدعوة دافعوا عنها دفاع الأبطال البواسل، حتى ألقى الله الرعب في جنود عريعر وأتباعه، فانقلبوا بحول الله وقوته خاسرين خاسئين[34].
واستمرَّ الأمير محمد بن سعود في محاولاته المتعاقبة لصدِّ عدوان المناوئين، والهجوم عليهم بقصد نشر الدعوة إلى أن توفَّاه الله في عام (1179هـ)، فتولَّى ابنه عبد العزيز أمور الحكم؛ حيث تابع مسيرة أبيه في الجهاد، ولم يكن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود –رحمه الله- يقطع أمرًا دون الشيخ، ولا ينفِّذه إلا بإذنه[35].
استطاع الأمير عبد العزيز أن يفتح الرياض في عام (1187هـ)، بعد حروب دامت ما يقرب من ثلاثين عامًا بين دهام بن دوّاس وأتباعه، وبين أنصار الدعوة السلفية، وقد أرسل الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- رسالة بالغة الأثر للأمير عبد العزيز بمناسبة هذا الفتح، جاء فيها: "أُحِبُّ لك ما أحبُّ لنفسي، وقد أراك الله في عَدُوِّك ما لم تؤمِّل، فالذي أراه لك أن تُكثر من قول الحسن البصري؛ كان إذا ابتدأ حديثه يقول: اللهم لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وفرَّجْتَ عنَّا، لك الحمد بالإسلام والقرآن، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبَّتَّ عَدُوَّنَا، وبسطت رزقنا، وأظهرتَ أمننا، وأحسنتَ معافاتنا، ومِنْ كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمدًا كثيرًا طيِّبًا حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت"[36].
إن هذه الرسالة الطيِّبَة من الإمام للأمير دَرْسٌ من دروس العقيدة الجليَّة؛ حيث الالتجاء إلى الله وحده، وضرورة شكره دون سواه، فهو من وهبهم هذا النصر دون التعويل على غيره سبحانه من الأمور المادِّيَّة أو المعنويَّة.
بين الإمام محمد بن عبدالوهاب وأخيه سليمان
وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد خالف أخاه سليمان؛ ذلك لأنه دأب على كتابة الرسائل المليئة بالأكاذيب والمفتريات، وما كان ذلك إلا حسدًا وغيرة، وكان الشيخ يردُّ عليه اتهاماته ومفترياته بالحجة الواضحة، والموعظة الحسنة، ثم شاء الله أن يهدي سليمان بن عبد الوهاب في آخر الأمر، فرجع إلى أخيه في الدرعية تائبًا عام 1190هـ، فأحسن إليه الشيخ، وأكرم وفادته، وتوجد رسالة سليمان بن عبد الوهاب مطبوعة باسم "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية"، وأعداء التوحيد يتشدقون بذكر هذه الرسالة؛ بيد أنهم يذوبون خجلاً وحياءً عند ذكر رجوع سليمان وتوبته[37].
ولما رأى الأعداء أن قوة الشيخ وأنصاره من أهل نجد تزداد وتنمو يومًا بعد يوم، التجئوا إلى استعمال الأساليب الدنيئة؛ فاتهم سليمان بن محمد بن سحيم الشيخَ بتُهَمٍ وافترى عليه مساوئ عديدة، وأرسل إلى مدن الخليج والأحساء وغيرها بهذه الشائعات، لكن الشيخ ردَّ على هذه الرسائل ردًّا مفصلاً مفحمًا، وقد اشترك مع أدعياء العلم والعمل في هذه الافتراءات أصحاب العروش والقصور من الأمراء والحكام على النواحي؛ وذلك للحفاظ على مراكزهم وملكهم[38].
أخلاق الإمام محمد بن عبدالوهاب وعبادته
كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب يُحيي غالب الليل قائمًا: يُصَلِّي ويتهجَّد ويقرأ القرآن، وكان من دأبه التأنِّي والتثبُّت في تنفيذ الأحكام، لا يُمِيلُه الهوى عن الشرع، ولا تصدُّه عداوة عن الحقِّ، بل يحكم بما ترجَّح له وجه الصواب فيه، فإن وجد نصًّا في كتاب الله أو سنة نبيه التزمه ولم يعدل عنه؛ وإلا رجع إلى كتب الأئمة الأربعة، وأخذ نفسه بدقَّة المراجعة والتحقيق للنصِّ.
وقد فتح الله على المؤمنين؛ إذ امتدَّت راية الدعوة السلفية إلى الحجاز وعسير وشمال الجزيرة واليمن؛ وقد كان من أبرز الملبِّين للدعوة والمؤيدين لها عالم صنعاء المجتهد الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت 1182هـ)، الذي كان يظنُّ أنه الوحيد في ميدان الدعوة في الجزيرة العربية[39].
ومع ما أفاض الله على بيت المال من الأموال الكثيرة، فقد كان الإمام زاهدًا متعفِّفًا؛ لا يأكل إلا بالمعروف، وكان سمحًا جوادًا لا يردُّ سائلاً، فلم يخلِّف شيئًا من المال يُوَزَّع بين ورثته، بل كان عليه دَيْن كبير يرجع لمساعدته لطلاب العلم، فقد "كان الشيخ –رحمه الله- لما هاجر إليه المهاجرون تحمَّل الدَّيْن الكثير في ذمته لمؤنتهم وما يحتاجون إليه وفي حوائج الناس، وجوائز الوفد إليه من أهل البلدان والبوادي، وذكر أنه حين فتح الرياض كان في ذمته أربعون ألف نجدية قضاها من غنائمها"[40].
وفاة الإمام محمد بن عبدالوهاب
بعد جهاد طويل وصراع مرير بين الحقِّ والباطل شاء الله عز وجل أن يتوفى الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- في يوم الاثنين آخر شهر شوال عام (1206هـ)، وله من العمر نحو 92 عامًا، قضى منها ما يزيد على خمسين عامًا في الدعوة والتوجيه والإرشاد؛ فرحمه الله رحمة واسعة، وأدخله جنَّاته، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، كفاء ما أحيا من شرع الله سبحانه وتعالى، وجدَّد من سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
[1] حسين خلف الشيخ خزعل: تاريخ الجزيرة العربية في عصر الشيخ محمد عبد الوهاب ص53.
[2] آل مشرف هم : أولاد مشرّف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر, فمنهم آل الشيخ المعروفون في الرياض, والطوال وآل رشيد, وآل مهنا في الحريّق والجريفة, والنشوان المعروفون, وآل عبد الوهاب ابن فياض، وآل عبد الوهاب في أشيقر، وآل سعيد المعروفون في الجهراء؛ ومنهم: عبد الله بن سعيد المعروف بالحر في أشيقر، ومن المشارفة: آل مغامس أهل الخطامة, والنغيمشي, والبرادا أهل خب البريدي من خبوب بريدة، ومنهم آل خليفة أهل الشنانة, وآل خليفة بن عقيّل, أهل قصر ابن عقيّل بقرب الرس، وآل عيدان في بريدة وفي الحساء, والفاخري المعروف في التويم, وآل سكران المعروفون في السّـرّ, والحراقا في شقراء، وآل شايع الحريقي في شقراء. انظر: موقع آل مشرف على الإنترنت: www.almosharaf.com/ms/al.htm.
[3] محمد أحمد درنيقة: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رائد الدعوة السلفية في العصر الحديث ص27.
[4] حريملاء: بلدة ومحافظة سعودية تابعة لمنطقة الرياض، يحدُّها من الشمال محافظة رماح، ومحافظة ثادق، ومن الجنوب محافظة الدرعية، ومحافظة ضرما، ومن الشرق مدينة الرياض، ومحافظة رماح، ومن الغرب محافظة ثادق.
[5] محمد أحمد درنيقة: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رائد الدعوة السلفية في العصر الحديث ص28.
[6] ابن غنام: تاريخ نجد ص81.
[7] محمد أحمد درنيقة: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رائد الدعوة السلفية في العصر الحديث ص29.
[8] المجمعة: بلد في ناحية سدير من نجد.
[9] عثمان بن بشر: عنوان المجد في تاريخ نجد ص20، 21.
[10] ابن بشر: عنوان المجد ص20.
[11] الزبير: مقاطعة في جنوب العراق، تابعة لمحافظة البصرة، وهي قرب الحدود الكويتية.
[12] آل أبو طامي: الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية ص17، 18.
[13] ابن غنام، مقدمة الدكتور ناصر الدين الأسد ص84، وعبد العزيز سيد الأهل: داعية التوحيد ص43.
[14] ابن غنام: تاريخ نجد 1/36.
[15] مسعود الندوي: محمد بن عبد الوهاب ص45.
[16] ابن بشر: عنوان المجد 1/9، 10.
[17] عبد العزيز سيد الأهل: داعية التوحيد ص23.
[18] ابن بشر: عنوان المجد 1/200.
[19] محمد كامل طاهر: الدعوة الوهابية وأثرها في الفكر الإسلامي الحديث ص49.
[20] ابن بشر: عنوان المجد 1/10.
[21] محمد أحمد درنيقة: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رائد الدعوة السلفية في العصر الحديث ص37.
[22] البخاري عن عمرو بن عوف: كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدرًا 3791، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق 2961.
[23] الترمذي عن كعب بن عياض: كتاب الزهد، باب أن فتنة هذه الأمة المال 2336 وقال: حديث صحيح غريب إنما نعرفه من حديث معاوية بن صالح. وأحمد 17506، والحاكم 7896، وقال الألباني: صحيح. انظر: الألباني: السلسلة الصحيحة 592.
[24] آل بوطامي: الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية ص33.
[25] ابن بشر: عنوان المجد 1/11.
[26] السابق الصفحة نفسها.
[27] آل أبو طامي: الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية ص24.
[28] ابن غنام: تاريخ نجد ص87.
[29] السابق ص88.
[30] فلبي ص12، 13.
[31] آل أبو طامي: الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية ص24، 25.
[32] محمد حامد الفقي: أثر الدعوة الوهابية ص6، 7، وانظر: محمد كامل ضاهر: الدعوة الوهابية وأثرها في الفكر الإسلامي الحديث ص51.
ارأيتم كيف يكون الانسان مجددا ؟؟ فشتان بين من يحارب البدع ويهدم القبور التي عبدت من دون الله وبين من كان يزور القبور ويعظمها ويعترف بصوفيته وليس له حظ في علم شرعي ولا دعوة الى توحيد ونبذ الشرك
أخي الكريم والله لا أدري لماذا كل هذا التجني والظلم الكبير جدا منك للامام المجدد حسن البنا
وضحنا لك أكثر من مرة أن البنا كان يزور القبور وهو في سن 14 سنة وكانت زياراته للاعتبار والموعظة ولم يكن يعظم القبور ولم يكن يطف بها كما تدعي في كل مناسبة ومن غير مناسبة ومن نفس الكتاب الذي استشهدت به !!!!
ارأيتم كيف يكون الانسان مجددا ؟؟ فشتان بين من يحارب البدع ويهدم القبور التي عبدت من دون الله وبين من كان يزور القبور ويعظمها ويعترف بصوفيته وليس له حظ في علم شرعي ولا دعوة الى توحيد ونبذ الشرك
أخي الكريم والله لا أدري لماذا كل هذا التجني والظلم الكبير جدا منك للامام المجدد حسن البنا
وضحنا لك أكثر من مرة أن البنا كان يزور القبور وهو في سن 14 سنة وكانت زياراته للاعتبار والموعظة ولم يكن يعظم القبور ولم يكن يطف بها كما تدعي في كل مناسبة ومن غير مناسبة ومن نفس الكتاب الذي استشهدت به !!!!
اخي العزيز يحيى حفظك الله ورعاك ... الامام حسن البنا ليس عالما فضلا على ان يكون مجددا
فالمجدد يجب ان يكون عالما بالشرع يدعو للتوحيد ونبذ الشرك ،، وهذا ما لم يحدث لحسن البنا ،،
اتساءل اخي العزيز ،، ما هي انجازات حسن البنا في نشر التوحيد ومحو الشرك ؟؟ اين دور حسن البنا في محاربة القبوريين الذي يذبحون لغير الله ويدعون غير الله ويستشفعون بالاولياء والصالحين على حد زعمهم ؟؟
اين دور حسن البنا في الدعوة لافراد الله في العبادة ؟؟
من وظيفة المجدد الرئيسية هي نشر التوحيد وتفنيد وابطال البدع والخرافات والخزعبلات ،، فحبذا اخي العزيز ان تنقل لنا جهود الرجل في ذلك حتى ننتقل لاسئلة اخرى عنه - رحمه الله -
"أنه حينما كانت مجلة (الإخوان المسلمون) تصدر في القاهرة، كان الأستاذ سيد سابق بدأ ينشر مقالات له في فقه السُّنَّة، هذه المقالات التي أصبحت بعد ذلك كتابًا ينتفع فيه المسلمون الذين يتبنَّون نهجنا من السير في الفقه الإسلامي على الكتاب والسنة، هذه المقالات التي صارت فيما بعد كتاب (فقه السنة) لسيد سابق، كنتُ بدأت في الاطِّلاع عليها، وهي لمّا تُجمع في الكتاب، وبدت لي بعض الملاحظات، فكتبتُ إلى المجلة هذه الملاحظات، وطلبتُ منهم أن ينشروها فتفضلوا، وليس هذا فقط؛ بل جاءني كتاب تشجيع من الشيخ حسن البنا (رحمه الله).
وكم أنا آسَف أن هذا الكتاب ضاع مني ولا أدري أين بقي! ثم نحن دائمًا نتحدث بالنسبة لـ حسن البنا -رحمه الله- فأقولُ أمام إخواني وأمام جميع المسلمين: لو لم يكن للشيخ حسن البنا -رحمه الله- من الفضل على الشباب المسلم سوى أنه أخرجهم من دور الملاهي في السينمات ونحو ذلك والمقاهي، وكتَّلهم وجمَّعهم على دعوة واحدة، ألا وهي دعوة الإسلام؛ لو لم يكن له من الفضل إلا هذا لكفاه فضلاً وشرفًا. هذا نقوله معتقدين، لا مرائين، ولا مداهنين"
اخي العزيز يحيى .. ما نقلت اعلاه لا يعني ان الرجل مجددا ،، هذا جانب من بعض افعال الرجل التي جزاه الله خيرا قد فعلها واتى بالخير بفضل الله
وانا لا اعترض ،، فالرجل عنده خير ،، ولا احد ينكر هذا الخير الا جاهل او جاحد وان كان في ما جاء به ايضا مخالفات مخالفة كثيرة او قليلة ليس موضوعنا ،، لكن انت رفعت الرجل لمنزلة الامام المجدد ،، وهذا خطأ اخي العزيز ،، فكيف نصفه بالمجدد وهو لم يكن عالما بالشرع ؟؟ الا احظى باجابة منك اخي العزيز على سؤالي ؟؟