عائلة أبو جزر.. رحلة تهجير ثلاثية - عائلة أبو جزر.. رحلة تهجير ثلاثية - عائلة أبو جزر.. رحلة تهجير ثلاثية - عائلة أبو جزر.. رحلة تهجير ثلاثية - عائلة أبو جزر.. رحلة تهجير ثلاثية
من نيران الاحتلال إلى مصر فليبيا فغزة
أفضل غرف المنزل الذي تقيم به العائلة الآن
داخل ما يشبه المنزل يقع على مقربة من الحدود الفلسطينية المصرية غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يعيش المسن صالح أبو جزر (65عامًا) صاحب اللحية البيضاء والجسد النحيف هو وعائلته، فارين من النيران التي دمرت منزلهم بمدينة "أجدابيا".
واستطاع أبو جزر الهروب بأعجوبة برفقة عائلته المكونة من 7 أفراد إلى مصر عبر معبر السلوم، وذلك مع احتدام المعارك بين كتائب القذافي والثوار، وخاصة في مدينة أجدابيا، حيث تم تدمير منزلهم بالكامل وحرق جميع محتوياته.
وصل الحاج إلى مصر واضطر للمكوث عند ابنته التي تسكن بمدينة الإسماعيلية، والإقامة عندها حتى يستقر بهم الحال، إما بالعودة إلى ليبيا مجددًا، أو لمسقط رأسهم في غزة، فكان القرار بعد حوالي شهر من المعاناة داخل مصر: العودة إلى غزة.
معاناة عبر القارات
وبدأت معاناة أبو جزر منذ حوالي 45 عامًا، عندما أرغم الكيان الإسرائيلي فيما سميت بـ "النكسة" عام 67، آلاف العائلات الفلسطينية على الرحيل من أماكن سكناهم، وكان من بينهم عائلته التي نزحت لمنطقة عين شمس بالقاهرة.
جانب من مطبخ أبو جزر ببيته المدمر
وعاش الحاج أبو جزر برفقة عدد من أقربائه في مصر حتى حرب الخليج الأولى، ثم تزوج وأنجب طفلا، وأرغمته السلطات المصرية مجددا على الرحيل لوحده، بحجة أن وجوده غير مرغوب به، فنزح لوحده إلى ليبيا، ولحقت به عائلته التي أصبحت مكونة من 3 أفراد.
مكث أبو جزر -الذي شابت لحيته وبرز على وجهه النحيف تجاعيد الهم والكبر- بمدينة أجدابيا، وعمل سائقا للآلات الثقيلة في عدد من الشركات، وكبر أولاده وتزوجوا، ووصل عدد أفراد العائلة إلى 7 أفراد.
وعمل أحد أولاده بمهنة تصليح الثلاجات، وافتتح محلا بجوار المنزل، وعاشوا حياة المهجر بحلوها ومرها، دون أن يعلموا بأن هجرة جديدة ستعيدهم من حيث أتوا تنتظرهم عام 2011، بعد قيام الثورة الليبية وما تخللها من قتل للآلاف وتدمير لعدد كبير من المنشآت خلال المعارك.
أحد أحفاد الحاج أبو جزر
العودة لنقطة البداية!
وما هي سوى شهور من انطلاقِ شرارة الثورة، حتى تطورت المعارك واشتدت وبدأت تمتد إلى العديد من المدن الليبية الكبرى، كمدينة "أجدابيا" التي تعد أحد أكبر وأهم معاقل كتائب القذافي، والتي عاشت به عائلة أبو جزر حوالي 20 عامًا.
وفي يوم من أشدّ الأيام ضراوة شهدتها المدينة، ذهبت العائلة لزيارة أحد الأقارب، فوصلهم خبر استهداف منزلهم واحتراقه بالكامل، تأكدوا من صحة الخبر فأصابتهم الصدمة جميعًا، احترقت جميع محتويات المنزل، حتى البطاقات الشخصية، وتدمر شقاء 20 عامًا.
عائلة أبو جزر تنتظر من ينتشلها من حالها
وهنا كانت نقطة العودة للبداية، وتكرار مسلسل التهجير والمعاناة، ولم تجد العائلة لها مكانا يحميها من خطر الموت الذي بات يحدق بها سوى الهروب من البلد كباقي الأسر من مختلف الجنسيات، والتي بدأت ترحل وتهرب من نيران المعارك الضارية.
الحال للأسوأ!
احتال الحاج أبو جزر على الجهات المصرية المسئولة بمعبر السّلوم بين مصر وليبيا، وادعى أنه مواطن مصري سمح له بالعبور من خلال ورقة ختم عبوره قبل عشرين عامًا، كان يحتفظ بها، لأنه لم يحصل طيلة الفترة المذكورة على وثيقة أو إقامة من قبل الليبيين.
عيون أبناء العائلة ترنو لحياة كريمة
ولجأ فور دخوله لمصر لبيت ابنته بمنطقة "سرابيون" بالإسماعيلية ومكث عندها حوالي شهر، ومن ثم عاد لغزة بـ تموز/ يوليو 2011، ليجد منزل العائلة الواقع بمخيم يبنا على بعد 300 من الحدود المصرية، قد دمره الاحتلال قبل انسحابه عام 2005، وعائلته مشتتة كل واحد منهم يعيش في شقة بالإيجار، بمساعدة من "أونروا".
اضطر الحاج المكلوم في بادئ الأمر للعيش بغرفتين من "الزينجو" بجوار بيت أخيه، لكنه لم يطق ذلك لضيقها وعدم ملائمتها للعيش، حتى عاد ليقطن فوق أنقاض بيته المدمر، الذي تعتقد للوهلة الأولى عند مشاهدته من الخارج بأنه "حظيرة لتربية الحيوانات".
حياة بؤس
وأقام أبو جزر بيتا من "الزينجو" القديم والقماش البالي على مساحة 100متر تقريبًا، دون أن تتوفر بداخله أدنى مقومات الحياة.
غرفة من الزينكو على أنقاض المنزل المدمر
في الشتاء، يتحول المنزل لمستنقع ماء، وفي الصيف لا يطاق من شدة الحر والحشرات، وفي غرفة لا تزيد عن مترين جدرانها وسقفها من القماش: تكاد تشعر من شدة حرارتها بأنك تعيش في منطقة الاستواء!، يقطن بداخلها الأب والزوجة وأحد الأبناء.
بجوار هذه الغرفة مطبخ بنفس المساحة أو ما يزيد قليلا، والحال به لا يختلف عن الغرفة، وتبرز به مخلفات الفئران التي وجدت لها مرتعًا مناسبًا للعب والمرح بين الأواني البالية والأغطية والفرشات القديمة المترهلة!، وأرضيته قضبان من الحديد المتبقية من المنزل القديم.
أما الحمام، فهو الوحيد الذي تبقى من المنزل بعد تدميره، جدرانه سوداء من دخان القذائف، يكاد يسقط بأي لحظة.
وأفضل أجزاء هذا المنزل هي غرفة تعد الأفضل تقريبًا، والتي وجد فيها سليمان الابن الأكبر لأبو جزر، مأوى له، فجدرانها أحجار قديمة مشيدة بالطين، وسقفها من القماش، ولا يوجد بها سوى ملابس أطفال بالية، وسرير صغير تالف لا يتسع لشخص واحد.
وأمام البيت المترهل خيمة من القماش، تهرب إليها العائلة من الحر، على أمل بأن يطرق بابهم فاعل خير أو جهة حكومية أو إغاثية تنتشلهم مما يعيشون فيه.