لا يجوز الشَّمَاتَة بالمسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُظْهِر الشَّمَاتَة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك)) .
آثار ومَضَارُّ الشَّمَاتَة
1- الشَّمَاتَة بالتَّعيير بالذَّنب أعظم مِن مُرْتَكِب الذَّنب:
يقول ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته؛ لما فيه مِن صولة الطَّاعة، وتزكية النَّفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب، وأنَّ أخاك باء به، ولعلَّ كسرته بذنبه، وما أحدث له مِن الذِّلَّة والخضوع والإزراء على نفسه، والتَّخلُّص مِن مرض الدَّعوى والكِبْر والعُجْب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرَّأس، خاشع الطَّرف، منكسر القلب أنفع له، وخيرٌ مِن صولة طاعتك، وتكثُّرك بها، والاعتداد بها، والمِنَّة على الله وخَلْقِه بها، فما أقرب هذا العاصي مِن رحمة الله، وما أقرب هذا المُدِلُّ مِن مقت الله، فذنب تَذِلُّ به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تَدُلُّ بها عليه، وإنَّك أن تَبِيتَ نائمًا وتصبح نادمًا خيرٌ مِن أن تَبِيتَ قائمًا وتصبح مُعْجَبًا؛ فإنَّ المُعْجَب لا يَصْعَد له عملٌ، وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ، خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مُدِلٌّ، وأنين المذنبين أحبُّ إلى الله مِن زجل المسبحين المُدِلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر، فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلَّا هو، ولا يطالعها إلَّا أهل البصائر، فيعرفون منها بقَدْرِ ما تناله معارف البَشَر) .
2- الشَّامت قد تنعكس المصيبة عليه:
يقول إبراهيم النخعي رحمه الله: (إنِّي لأرى الشَّيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلَّم فيه إلَّا مخافة أن أُبْتَلَى بمثله).
فالفَرَح بمصيبة العدوِّ مذمومٌ جدًّا؛ لكونه سببًا لانعكاس المصيبة عليه بابتلاء مَن شَمَت، وعافية مَن شَمَت عليه، أو لأنَّه ارتكاب المنهيَّ عنه، خصوصًا إذا حملها -أي: تلك المصيبة- على كرامة نفسه، يعني: يقول الحاقد: إنَّ مصيبة عدوِّي إنَّما هي مِن كرامتي، أو على إجابة دعائه، كأن يقول: ما ابتُلِي به عدوِّي مِن هذه المصيبة، إنَّما هو بإجابة دعوتي عليه؛ لأنَّه حينئذ عُجْبٌ وتزكية نفسٍ وغُرورٌ، بل يجب على الحاقد أن يخاف مِن مصيبة عدوِّه أن تكون مكرًا مِن الله تعالى له، واستدراجًا للحاقد، حيث ابتلى عدوَّه وعافاه، ويجب على الحاقد أن يَحْزَن على احتمال كونه مَكْر الله تعالى ، و يجب -أيضًا- أن يدعو الله بإزالة بلائه -أي: العدو-، و يدعو بأن يُخْلِفه الله تعالى خيرًا ممَّا فات مِن النِّعم بتلك المصيبة. في الوجوب هذا نظرٌ، إلَّا أن يُرَاد بالوجوب معنى مجازي، ثمَّ إنَّ هذا الدُّعاء سبب لخلاص الحاقد مِن تلك المصيبة كما قال الله تعالى: مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا [النِّساء: 85] .
3- الشَّمَاتَة تربِّي الحقد والحسد والعداوة بين أفراد المجتمع.
4- الشَّمَاتَة لها تأثيرٌ سلبيٌّ على الفرد والمجتمع.
5- الشَّمَاتَة بالمصيبة تؤدِّي إلى العداوة والبغضاء.
أسباب الوقوع في آفة الشَّمَاتَة
1- الابتعاد عن منهج الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
2- ضعف الإيمان.
3- حبُّ التَّشفِّي في النَّاس.
4- الفَرَح بمصائب النَّاس.
5- نسيان الآخرة.
6- حبُّ الدُّنيا والتَّعلُّق بها.
7- تعاظم العداوة المفضية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه .
8- الحقد والكراهية:
فإنَّ خُلُق الشَّمَاتَة يقوم في النَّفس حين تخلو مِن المودَّة والحبِّ والعطف، وتمتلئ بالكراهية والحقد والبغض، فإنَّ الإنسان لا يتألَّم لألم الغير إلَّا إذا كان يحبُّ هذا الغير، ويودُّ الخير له، أمَّا إذا مقته وأبغضه، فإنَّه يفرح لحزنه، ويَشْمَت في مصيبته .
الوسائل المعينة على ترك الشَّمَاتَة
1. التَّقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ بالطَّاعات وفعل الخيرات.
2. اتِّباع منهج الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
3. الحزن على مصائب النَّاس.
4. تذكُّر الآخرة، واليقين بأنَّ الدُّنيا زائلة .
5. حبُّ الخير للنَّاس.
6. عدم التَّعلُّق بالدُّنيا.
شماتة المنافقين بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه
- في غزوة أحد أظهر اليهود والمنافقون الشَّمَاتَة بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه:
فحينما وصل صلى الله عليه وسلم المدينة -بعد غزوة أحد- أظهر المنافقون واليهود الشَّمَاتَة والسُّرور، وصاروا يُظْهِرون أقبح القول، أي ومنه: ما محمد إلَّا طالب مُلْك، ما أصيب بمثل هذا نبيٌّ قطُّ؛ أصيب في بدنه وأصيب في أصحابه، ويقولون لو كان مَن قُتِل منكم عندنا ما قُتِل.
واستأذنه صلى الله عليه وسلم عمر في قتل هؤلاء المنافقين، فقال: أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلَّا الله وأنِّي رسول الله؟ قال بلى: ولكن تعوُّذًا مِن السَّيف، فقد بان أمرهم وأبدى الله تعالى أضغانهم. فقال صلى الله عليه وسلم: نُهِيت عن قتل مَن أظهر ذلك. وصار ابن أبي سلول -لعنه الله- يوبِّخ ابنه عبد الله -رضي الله تعالى عنه-، وقد أثبتته الجراحة، فقال له ابنه: الذي صنع الله لرسوله والمسلمين خيرٌ .