كـــانت أمي تجمـع ما في الهوى من قـــادمٍ ورديٍّ في كل ليلة تغفـو بها مع الأحـلام في ذلك ( العَقِـد ) على سفح تلك ( العِـلّية ) في تلك الأرض التي طــابت بأنفـاسها ، وطَيَّـبتْها الأرضُ بحُمرة طينها وبأريج أزهارها ، وزيّنتـها بنسيم أشجارها ، وأمَـدّتْـها بقوة من صلابة أحجــارها .. وكذلك كانت كل الأمهــات ، وكانت كذلك كل النســـــــاء .
كنّـا البســاطة وكنّـا النقـــــاء ، كنّـا الفقـرَ وكنّـا الشقــــاء ، كنّـا الضنـك وكنّـا العَنــــــاء ، وكنّـا نَحِيـك الحب ثوبًا مُزركـشًا بشظف الحيـــاة .... لكـــــن مع كل ذلك ، كنّــا السعــادة وكنّــا الهنــاء ، وكنّــا الفرح وكنّـا الغِنــاء .. وبعـد البعــــــــاد ، وبعد الغربة والشتــات ، صـرنا كمــا كنّـا ، ولكن غــاب الفرح والهنــاء ..
ثمانية وستّـون عامًـا والمفـاتيح العتيقـة تتجـدّدُ ( أُونصــاتٍ ) في قلاداتٍ تتدلّـى من الأعنــاق إلى داخل مخـابئ النســاء ، لتبقى معلنـة عن حقّـنا في العـودة والرجوع ، مستصرخة من داخل ذلك المخبـأ العزيـز نخـوةَ الرجــال التي غــابت ، والهمم التي فتـرت والعزيـمة التي هــانت ، أَنْ لا تنـــــــازل عن هـذا الحق ، ولا رجوع عن الرجــوع .
مُـتحيّـز أنا للنســاء هُنـا وعلى حساب الرجال ، حُـقَّ لي ، وحُـقَّ لهـن هـذا التحيّـز ... ذلك لأنني ذهبتُ بالأمس إلى المقـرّ الذي يعلـو بوّابتـه اليقيـن بِـ ~ :: إننا لعـــــــــــائدون :: ~ فلم أرَ إلا رجالًا تُلهيهم عضـويّـات ومحسوبيّات وتكتلات وأحزاب عن ذلك اليقيــن ، وينتظرون الخامس عشـر من أيّـار القـادم كيوم قبل الأخيـر للحشـد وللزيادة في المُـلهيات !.
فيـــا رب .. إِنْ كنتَ قـدْ كتبتَ علينا سنينًـا أخرى قادمة في اللجـوء والشتــات تحمل التاريخ المشؤوم 15 أيّـار ، فهيِّئ لكل المشـرّدين في الشتات والغربة رجالًا يحملون همّ المشرّدين ، ويأخذون على عاتقهم الشعور بذلك اليقين للعمل على تأكيده بالعودة والرجوع ، ومكّـن يا الله الرجال الشرفاء المُخلصين في وحداتنا الغالي للعودة إلى تأكيـده والعمل على تحقيقه .
كل يغني على ليلاه يا صديقي، وأصبحت العودة شعار فارغ من أي مضمون، وبدلا من التوحد لتحقيق العودة وتحرير الأرض والإنسان، فبعد تقسيم الأرض ها هو الشعب يقسم إلى عشرات الأقسام، ضفاوي، غزاوي، فتحاوي، حمساوي، لاجئ، مواطن، ابن عشيرة، وابن لاجئ، هذا في الداخل، أما في الخارج فحدث ولا حرج...
العودة بحاجة إلى شعب موحد وأمة موحدة وعمل وجهاد والتزام ... عام سعيد أتمناه لشعبنا المنكوب منذ 1948.