الامام الجليل محمد بن عبدالوهاب .... (1) - الامام الجليل محمد بن عبدالوهاب .... (1) - الامام الجليل محمد بن عبدالوهاب .... (1) - الامام الجليل محمد بن عبدالوهاب .... (1) - الامام الجليل محمد بن عبدالوهاب .... (1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد ،
فإن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى قد جدد الله به ما اندرس من معالم الدين القويم فأحيا به السنة وأمات البدعة ومحى به ما انتشر في بلاد المسلمين من الشرك والضلالة ، دعى إلى الله على نور وبصيرة وعلم ، دعى الناس إلى أول دعوة الأنبياء إلى أممهم ، إلى التوحيد الخالص الذي لا يقبل الله سواه ، إلى فهم معنى لا إله إلا الله وتحقيقها اعتقادا وقولا وعملا فلا معبود بحق إلا الله ، و أبدى في ذلك الأمر وأعاد لمخالفة الناس للتوحيد ووقوعهم في الشرك بصرف أنواع من العبادات لله ولغيره من الأموات. فخطب وحاضر وراسل وألف ، وحذر الخاص والعام والقريب والبعيد ، و تحمل لهذا الأمر العظيم والخطب الجسيم - الذي ظل فيه كثير من المسلمين في القرون المتأخرة - التكذيب والتجهيل والعداوة من القريب والبعيد ، حتى تحقق بفضل الله وكرمه وعلى يد من أختار وأكرم من عباده تحقيق أصل الدين بإفراد الله وحده بالعبادة ونفيها عن كل من سواه. وتبع ذلك إقامة سائر شعائر الإسلام من الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبقية الأركان حتى شابه حال الناس ما كان عليه السلف الأول من الصحابة و التابعين.
والإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عقيدته وما يدعو النَّاسَ إليه بينة ظاهرة في رسائله ضمن كتاب الدرر السنية وفي أهم كتبه و أشهرها كتاب التوحيد, إذ فيه البيان لعقيدة الشيخ وللأمر الذي شغله وأهمه ودعا إليه وصرف جُل تأليفه وتعليمه وجهاده له.
هذا الجهاد في فضح البدعة وإبطالها وتسفيهها وأهلها بالحجة الباهرة الدامغة والبيان الواضح البليغ في محاضرته وخطابته وكتابته ولدَّ خصوم ألفوا البدعة والضلالة وظنوها دينا وحقا ، وهذا الإتباع للدليل والتقيد من ربقة التقليد ولدَّ خصوم رفعوا فتاوى الشيوخ فوق النصوص وتعصبوا لهم تقليدا لا اتباعا ، وهذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب لله وفي الله ولدَّ خصوم من الفسقة والمفسدين ، وهذا العلم والجهاد والدعوة والأتباع ولدَّ له خصوم حسدوه ما أنعمه وخصه الله به, كل هؤلاء الخصوم رموه بقوس واحدة ، وسعوا في حربه بخيلهم ورجلهم بكل حيلة يلبسون بها وكل كذبة يفترون بها.
هؤلاء الخصوم جميعا سعوا في صد الناس عن الحق الذي يدعو إليه الشيخ ، سعوا إلى ذلك بالقتال حينا ، وبالمؤامرة والكذب والبهتان كثيرا ، فنسبوا إليه أقوالا وأفعالا كان رد الشيخ عليها سبحانك هذا بهتان عظيم ، وأنكروا عليه مسائل جانبوا فيها الحق ، ووافق الشيخ الحق مثل دعاء الموتى وسؤالهم والاستغاثة بهم ، والنذر والذبح لهم ، فقال الشيخ حرام وشرك ، وقالوا حلال وتوسل بالصالحين وجاههم ، معرضين عن قول الحق تبارك وتعالى { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } ، والدعاء هو العبادة ، كما قاله صلى الله عليه وسلم ، وغافلين عن تحذير الله تعالى الناس من حيل الشيطان وكيده بتزيينه لتعظيم الأنبياء والصالحين حتى يعبدهم الناس تقربا بهم إلى الله ، فيقول تعالى { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زُلفى } ، تماما كما يقوله عباد القبور والصالحين قد أكثرنا من الذنوب ولا نجرؤ على سؤال الله فنسأل هؤلاء الصالحين ليسألوا لنا. ونازعوه في أمور واختيارات وعظموها وهي فروع فقهية مما أختلف فيها العلماء وتباينت فيها الاجتهادات ، وامتنع بينهم فيها الإنكار.
فكذبوا عليه بابتداع دين وعقيدة محدثة ، لأن فريق منهم يتكسب من الشرك والأضرحة ، وفريق جهل الحق وأضله الشيطان السبيلا ، وفريق قلد السادة والأباء في ضلالاتهم ، فقال رحمه الله "ولله الحمد عقيدتي و ديني الذي أدين به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين ، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة ، لكني بينت للناس إخلاص الدين لله ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات من الصالحين وغيرهم ، وعن إشراكهم فيما يعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك ، مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وهو الذي دلت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم ، و هو الذي عليه أهل السنة و الجماعة" ، وقال "أُشهدُ الله ومن حضرني من الملائكة ، وأُشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية ، أهل السنة والجماعة ، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره ، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير, فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه ولا أُلحد في أسمائه وآياته ، ولا أُكيف ولا أُمثل صفاته تعالى بصفات خلقه ، لأنه تعالى لا سميَّ له ولا كفءَ له ولا ندًّ له ، ولا يقاس بخلقه, فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا, فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل". ورموه كذبا وافتراء بتنقص مقام النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين ، واتهامهم له من جنس اتهام الضالين النصارى لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين بتنقص المسيح عيسى بن مريم عليه السلام حين اعتقد المسلمون أنه عبدا لله ورسولا ولم يعتقدوه آلها وولدا ، تعالى الله عما يقولونه علوا كبيرا ، فكان رده "نبهناهم عن دعوة الصالحين وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البناء على القبور كبر على العامة, وعاضدهم بعض من يدعي العلم لأسباب ما تخفى على مثلكم, أعظمها إتباع الهوى مع أسباب أخرى, فأشاعوا أنَّا نسبُّ الصالحين وأنَّا على غير جادة العلماء, ورفعوا الأمر إلى المشرق والمغرب ، وذكروا عنَّا أشياء يستحي العاقل من ذكرها .. و يُذكرُ لنا أن عدوان الإسلام الذين ينفرون الناس عنه, يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلّم, فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم. بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، الشافع المشفع صاحب المقام المحمود, نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفَّعَه فينا ، وأن يحشرنا تحت لوائه ، هذا اعتقادنا".
واتهموه بادعاء الاجتهاد والخروج على الإجماع وتنقص العلماء ، وما ذاك إلا لأنه كان متبعا لا مقلدا متعصبا ، فكان على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ولكن متى ما كان الدليل والبرهان مع غيره من إخوانه العلماء كأبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم من أئمة أهل السنة والجماعة تبع الدليل وترك التعصب والتقليد ، فكان جوابه "بل أقول ولله الحمد والمنّة وبه القوة ، إنني هداني ربى إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ، ولست ولله الحمد أدعو إلى مذهبِ صوفيٍ أو فقيهٍ أو متكلمٍ ، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، التي أوصى بها أول أمته و آخرهم .. نحن ولله الحمد متبعون لا مبتدعون على مذهب الإمام أحمد بن حنبل .. فإن الذي أنا عليه وأدعوكم إليه هو في الحقيقة الإقتداء بأهل العلم, فإنهم قد وصَّوا الناس بذلك" ، واتهموه بتكفير المسلمين ، وما كفر إلا ما جاءت النصوص البينة بكفره وأجمع على تكفيره أهل العلم ، فيقول نافيا التهمة "أما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفر وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك".
وكان من حيل الخصوم لصد الناس عنه أن سموه ومن معه بالوهابيين ودعوته بالوهابية تلبيسا وتضليلا للناس ، ومرادهم من هذه التسمية إخراجه عن جماعة المسلمين والإيحاء لمن يجهل حقيقة دعوته من عموم المسلمين بانفراده بمذهب خاص به جديد ، والشيخ لم يبتدع دينا جديدا ، ولم يُنشئ مذهبا فقهيا خاصا به ، فهو في أصوله ودعوته على ما كان عليه السلف الصالح على طريقة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة فهو عالم من علماء السنة والجماعة أعتقد اعتقادهم ودعا وجاهد للزوم طريقهم ، وفي الفروع هو منتسب لمذهب الإمام أحمد بن حنبل دون تعصب وتقليد محض بلا دليل.
والنسبة يراد بها العزو يقال نسبه لأبيه أي عزاه إليه ، والنسبة الواقعة للفرق والمذاهب المنتسبة لدين الإسلام جاءت للتمييز والتفريق بين هذه الفرق ، وذلك بعزو أهل كل فرقة إما لاعتقاد خاص بهم كالقدرية نسبة للقدر الذين ضلوا فيه ، أو إلى فعل فعلوه لاعتقاد ومذهب خاص بهم كالروافض لرفضهم الشيخين والخوارج لخروجهم على جماعة المسلمين ، أو إلى رجل وافقوه في اعتقاده أو طريقته الصوفية أو منهجه واختياراته الفقهية ، وقد اخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم أن اليهود والنصارى افترقت وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وهي التي تبقى على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فهذه الفرقة هي الأصل وغيرها تفرقت منها واختلفت عنها فضلت الطريق واتبعت الشياطين ، هذه الفرقة هي الفرقة الناجية التي بقت على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهي فرقة السنة والجماعة وأهلها متفقون في أصول الدين وكثير من فروعه ، واختلافهم في الفروع من جنس اختلاف الصحابة في بعض المسائل الفرعية ، فكان لهذا الاختلاف في تفاصيل المسائل الفرعية بين مشاهير علمائها أن ولد تلاميذ وأتباع ومقلدون لمنهج واختيارات هؤلاء العلماء فنسبوا إليهم تارة والى منهجهم تارة فيقال أهل الحديث وأهل الرأي والظاهرية ويُقال حنفي ومالكي وشافعي وحنبلي ، وهؤلاء جميعهم بعد هذه النسبة التفصيلية الخاصة بالمسائل الفقهية الفرعية ينتسبون للسنة والجماعة. فبذا يتضح أن النسبة والعزو في الدين إذا كانت لشخص معين تصح لمن كان له معتقد خاص به أو منهج واختيارات فقهية مشهورة ، والإمام محمد بن عبد الوهاب ليس له معتقد أو طريقة أو فقه خاص به ، فهو سلفي سني حنبلي ، فكانت النسبة إليه مغالطة مقصودة للإيحاء بمذهب خاص جديد ، والتسمية لدعوته بالوهابية من نظير تسمية الروافض لأهل السنة بالنواصب وتسمية المعتزلة لهم بالمشبهة والمجسمة إذ المراد من هذه التسميات التشبيه والتلبيس والصد عن الحق ، لذا رد الشيخ وتلاميذه هذه التسمية ولم يرتضوها لما فيها من الكذب والتلبيس والتضليل.
هذه الحيلة القديمة لأعداء الشيخ أحياها اليوم أعداء الإسلام الحق - إسلام أهل السنة والجماعة - من الصهاينة والكفرة الغربيين وأتباعهم من المنافقين والعلمانيين والغربيين وبقية المبتدعة والمتصوفة فسموا هذه العودة الحميدة إلى الدين الحق في كثير من بلاد الإسلام ، العودة إلى تطبيق الإسلام قولا وعملا في جميع شئون الحياة أصولية ووهابية ، ومن هؤلاء المسلمين من لا يعرف الإمام محمد ودعوته ، ولكنه ورد من نفس موردها واستقى من عين عينها فكان التوافق والتماثل ، فسموا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيل الله تعالى بشعارات ورايات إسلامية لإخراج المعتدين والمغتصبين من بلاد الإسلام وهابيين ، والذين يلتزمون أوامر الله ونواهيه ويعظمونها ويقدمونها ، والذين يدعون إلى العلم والإسلام ونبذ الجهل والبدع والضلالات ، والذين يدعون إلى الولاء والبراء من دون ظلم واعتداء ، والذين يدعون إلى اقتصاد إسلامي سليم من ظلم الربا والمعاملات المحرمة ، والذين يدعون إلى نجاة المرأة من الابتذال والظلم والاستغلال بامتثالها لأمر ربها في حجابها وسمتها ، والذين يدعون إلى تبليغ الرسالة للناس أجمعين بنشر العلم وبناء المساجد وبذل الأموال قياما بالواجب ونصحا وشفقة للناس من الوقوع في النار والعذاب ، كل هؤلاء متهمون بالتعصب والوهابية ، لأنه إسلام لا يناسب أهوائهم ولا يوافق أطماعهم فالإسلام الذي يريدونه للمسلمين إسلام البدعة والتصوف والجهل ، إسلام الفصل بين الدين والدنيا ، والدين والحكم ، والدين والقضاء ، والدين والمال ، والدين والمرأة ، فبهذا الدين يأمنون ويرتفعون ويهيمنون على بلاد الإسلام والمسلمين.
ولكن الله جل جلاله سيبطل مكرهم ويرد كيدهم ويدحر باطلهم ، فالعاقبة للمتقين والنصر والعزة لله ورسوله والمؤمنين ، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.
هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبه بن سنيع بن نهشل بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعه بن ابي سود بن مالك بن حنظله بن مالك بن زيد مناه التميمي من المشارفه من المعاضيد من ال ريس من قبيلة الوهبه من بني تميم، أما والدة محمد؛ فهي بنت محمد بن عزاز بن المشرفي الوهيبي التميمي، فهي من عشيرته الأدنين، فيقال: (المشرفي) نسبة إلى جده مشرف وأسرته آل مشرف، ويقال: (الوهيبي) نسبة إلى جده وهيب جد الوهبة، والوهبة يجتمعون في محمد بن علوي بن وهيب، وهم بطن كبير من حنظلة.
ولد محمد بن عبد الوهاب سنة 1115 هـ (الموافق من 1703م)، وذلك في مدينة العيينة قرب الرياض[2]. تعلم القرآن وحفظه عن ظهر قلب قبل بلوغه عشر سنين، وقرأ على أبيه في الفقه،[3]. وتذكر مصادر الترجمة أنه كان مشهوراً حينئذ بحدة ذهنه وسرعة حفظه وحبه للمطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام، حتى إن أباه كان يتعجب من فهمه ويقول: لقد استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام[3]..
وهكذا نشأ محمد بن عبد الوهاب فأبوه القاضي كان يحثه على طلب العلم ويرشده إلى طريق معرفته، ومكتبة جده القاضي سليمان بن علي بأيديهم، وكان يجالس بعض أقاربه من آل مشرف وغيرهم من طلاب العلم، وبيتهم في الغالب ملتقى طلاب العلم سيما الوافدين باعتباره بيت القاضي، ولا بد أن يتخلل اجتماعاتهم مناقشات ومباحث علمية يحضرها محمد بن عبد الوهاب.
توجه محمد ابن عبد الوهاب للرحلة في طلب العلم فرحل إلى مكة والمدينة والبصرة غير مرة، طلباً للعلم. ولم يتمكن من الرحلة إلى الشام، ثم عاد إلى نجد يدعو الناس إلى التوحيد. ولم يثبت أن محمد بن عبد الوهاب قد تجاوز الحجاز والعراق والأحساء في طلب العلم. فتفقه على المذهب الحنبلي وتلقاه على يد والده بإسناد متصل ينتهي إلى الإمام أحمد بن حنبل. كما تلقى علم الحديث النبوي ومروياته الحديثية لجميع كتب السنة كالصحاح والسنن والمسانيد وكتب اللغة والتوحيد وغيرها من العلوم عن شيخيه: العلامة عبد الله الفرضي الحنبلي والمحدث محمد حياة السندي وأسانيدهما مشهورة معلومة.
أما ما قيل من أنه سافر إلى الشام كما ذكره خير الدين الزركلي في الأعلام، وإلى فارس وإيران وقم وإصفهان كما يذكره بعض المستشرقين ونحوهم في مؤلفاتهم، فهذه الأشياء غير مقبولة؛ لأن حفيده عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف وابن بشر نصوا على أن محمد بن عبد الوهاب لم يتمكن من السفر إلى الشام، أما ما يذكر من أنه سافر إلى فارس وغيرها من البلاد، فإن أغلبهم قد اعتمدوا على كتاب لمع الشهاب لمؤلف مجهول، قال حمد الجاسر: ولا تفوت الإشارة إلى أن كثيراً ممن كتبوا عن محمد انخدعوا بما جاء في كتاب لمع الشهاب،... إلى أن قال: وهذا الكتاب الذي لا يصح التعويل عليه. وبالإجمال؛ فقد حرص مترجموا محمد على تدوين كل ما يتصل برحلاته وبأسماء العلماء الذين تلقى العلم عنهم، وبذكر البلاد التي زارها، ويكادون يتفقون على عدم صحة ما ورد في كتاب لمع الشهاب[4].
أما ما زعم أنه درس اللغتين الفارسية والتركية، والحكمة الإشراقية والفلسفة والتصوف ولبس جبة خضراء في أصفهان؛ فليس بثابت، بل إنه أمر مستبعد، إذ ليس في مؤلفاته وآثاره ما يدل على شيء من هذا، ثم إن من ذكر ذلك عنه كان ممن انخدع بمثل كتاب لمع الشهاب.[5]
بعد مضي سنوات على رحلته عاد إلى بلدة حريملاء التي انتقل إليها والده بعد أن تعين على العيينة أمير جديد يلقب بخرفاش بن معمر والذي لم يرق له بقاء عبد الوهاب في القضاء، فعزله عنه، فغادرها عبد الوهاب إلى حريملاء وأقام بها وتولى قضاءها. فأقام محمد في حريملاء مع أبيه يدرس عليه.[6].
كان محمد بن عبد الوهاب يدعو الناس إلى عقيدة التوحيد، ولذلك سمى أتباعه هذه الدعوة بالدعوة السلفية نسبة إلى السلف الصالح. وكانت جل دعوته إعادة الناس إلى تحقيق التوحيد ونبذ الشرك الذي كثر آن ذاك مثل التعبد بالقبور والتقرب بالأصنام والأشخاص والبناء على القبور والتعامل بالسحر وغيرها من مظاهر والتي هي بحسب رأيه تنافي عقيدة التوحيد في دين الإسلام والتي ختمها آخر الأنبياء وتبعه بها الخلفاء الأربعة والصحابة والتابعين ومن بعدهم، ودعوة الناس لنبذ ما يخالفها من الأفكار التي كانت قد تفشت في ذلك العصر حسب اعتقاده.
يقول في الإيمان ما قاله السلف أنه قول وعمل يزيد وينقص. يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هذا من عقيدته، وليس له في ذلك مذهب خاص كما يقول. وإنما أظهر ذلك في نجد، وما حولها ودعا إلى ذلك ثم جاهد عليه من رفضه، وعانده، وقاتلهم، وكذلك هو على ما عليه من الدعوة إلى الله، وإنكار الباطل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ولكن محمد بن عبد الوهاب وأنصاره يدعون الناس إلى الحق، ويلزمونهم به، وينهونهم عن الباطل، وينكرونه عليهم، ويزجرونهم عنه حتى يتركوه.
وقد شهد له أبرز علماء الشيعة بالاجتهاد: إنه "آية الله العظمى" البرقعي، حيث يقول عن حكومة الخميني:
ليعلم القارئ أن هذه الدولة حعلت الناس أعداءً لنا، فإن كل من جرى على لسان كلمة لبيان العقائد الموافقة للقرآن، فإن نظام الخميني يتهمه بأنه "وهابي" مع أنه لا يوجد في الدنيا مذهب اسمه "الوهابية"، وإنما هم لغرض استعداء الناس وتنفيرهم. نعم! من حيث العقيدة هم يسيرون على عقائد محمد بن عبد الوهاب، ولكنه لم يأت بمذهب جديد، وإنما هي آراء ابن تيمية وابن القيم، وهذان أيضا لم يفعلا شيئاً سوى محاربة الخرافات والبدع، ودعوة الناس إلى الرجوع إلى القرآن.[7]
يروي ابن بشر في تاريخه أن الشيخ أخرج من العيينة طريداً، وكان سبب إخراجه من العيينة هو أن ابن معمر أمير العيينة خاف من حاكم الإحساء من أن يقطع عنه المعونة، فأخرج الشيخ من العيينة. فتوجه إلى الدرعية، وقد افتقد كل حظ من حظوظه الدنيوية المباحة؛ افتقد ثقة الأمير وثقة الناس من حوله به وبما يدعو إليه، وافتقد المسكن والمكانة وجميع الحظوظ النفسية والغايات الدنيوية ومشى وحيداً أعزل من أي سلاح ليس بيده إلا مروحة من خوص النخيل. لقد سار من العيينة إلى الدرعية يمشي راجلاً ليس معه أحد في غاية الحر في فصل الصيف لا يلتفت عن طريقه ويلهج بقول القرآن {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} ويلهج بالتسبيح. فلما وصل الدرعية قصد بيت ابن سويلم العريني، فلما دخل عليه؛ ضاقت عليه داره وخاف على نفسه من محمد بن سعود، فوعظه الشيخ وأسكن جأشه وقال : سيجعل الله لنا ولك فرجاً ومخرجاً[8].
ثم انتقل الشيخ إلى دار تلميذ الشيخ ابن سويلم الشيخ محمد بن سويلم العريني، وهناك بدأ التزاور بين خصائص أهل العلم من الدرعية، ولما اطلعوا على دعوة الشيخ أرادوا أن يشيروا على ابن سعود بنصرته، فهابوه، فأتوا إلى زوجته موضي بنت محمد بن عبد الله بن سويلم العريني وأخيه ثنيان، فأخبروها بمكان الشيخ وصفة ما يأمر به وينهى عنه، فاتبعا دعوة الشيخ وقررا نصرته[9].
دخل محمد بن سعود على زوجته فأخبرته بمكان الشيخ وقالت له:
"هذا الرجل ساقه الله إليك وهو غنيمة فاغتنم ما خصك الله به
فقبل قولها ثم دخل على أخوه ثنيان وأخوه مشاري، فأشارا عليه بمساعدته ونصرته. أراد أن يرسل إليه، فقالوا: سر إليه برجلك في مكانه وأظهر تعظيمه والاحتفال به، لعل الناس أن يكرموه ويعظموه، فذهب محمد بن سعود إلى مكان الشيخ ورحب به وأبدى غاية الإكرام والتبجيل وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده. وقال له: أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزة والمنعة، فقال الشيخ: وأنا أبشرك بالعزة والتمكين وهذه كلمة لا إله إلا الله من تمسك بها وعمل بها ونصرها؛ ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم وأنت ترى نجداً وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم بعض؛ فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك[10].
شرط الأمير محمد بن سعود على محمد بن عبد الوهاب شرطين :
أن لا يرجع عنه إن نصرهم الله ومكنهم.
أن لا يمنع الأمير من الخراج الذي ضربه على أهل الدرعية وقت الثمار.
فقال محمد بن عبد الوهاب:
"أما الأول: الدم بالدم، والهدم بالهدم. وأما الثاني: فلعل الله يفتح عليك الفتوحات، وتنال من الغنائم ما يغنيك عن الخراج"[11].
لدى ويكي مصدر نص أصلي يتعلق بهذا المقال: محمد بن عبد الوهاب
أما عن مؤلفاته فهي كثيرة جداً نذكر بعضاً منها، فقد قام بتأليف عدد من الكتب والرسائل، منها:
كتاب التوحيد: وهذه الرسالة هي من أشهر مؤلفاته، والاسم الكامل هذا الكتاب هو: كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد. وذكر فيه معتقده حول حقيقة التوحيد وحدوده، والشرك ومفاسده.
كتاب كشف الشبهات: ونستطيع أن نسميه تكملة لكتاب التوحيد، والحقيقة أن جميع كتبه تتعلق بمحور واحد ويمكن أن يقال أنها كلها تكملة لكتاب التوحيد.
كتاب الأصول الثلاثة: وهي معرفة الرب، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة الرسول.
كتاب شروط الصلاة وأركانها: وقد شرحت هذه الرسالة شروط الصلاة وهي: الإسلام، والعقل، التميز، رفع الحدث وإزالة النجاسة، وستر العورة ودخول الوقت واستقبال القبلة، والنية، وذكرت أركان الصلاة وواجباتها.
كتاب القواعد الأربع: حيث ذكر في هذه الرسالة اعتقاده في بعض مسائل التوحيد.
كتاب أصول الإيمان : وبين أبواب مختلفة من الإيمان بالأحاديث النبوية. ويظهر من عبارة في بداية الكتاب أن بعض أولاد الشيخ قد أضاف إليه.
كتاب فضل الإسلام: وقد وضح فيه معتقده حول مفاسد البدع والشرك، وشروط الإسلام.
كتاب الكبائر: ذكر فيه جميع أقسام الكبائر، واحدة واحدة، مفصلة في أبواب، وقد دعمت الأبواب كلها بنصوص الكتاب والسنة.
كتاب نصيحة المسلمين: وهذا كتاب مستقل قد جمع فيه أحاديث تتعلق بجميع نواحي التعليمات الإسلامية.
كتاب ستة مواضع من السيرة: وهي رسالة مختصرة توضح ستة أحداث من السيرة النبوية، والمواضع الستة هي:
ابتداء نزول الوحي.
تعليم التوحيد والرد على الكفار.
قصة تلك الغرانيق العلى.
ختام أبي طالب.
منافع الهجرة وعظاتها.
قصة الارتداد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
كتاب تفسير الفاتحة: وهو تفسير موجز جداً لسورة الفاتحة.
كتاب مسائل الجاهلية: وذكر فيه مئة وإحدى وثلاثين مسألة خالف الرسول صلى الله عليه وسلم فيها معتقدات أهل الجاهلية.
كتاب تفسير الشهادة: وهو تفسير لكلمة "لا إله إلا الله"، مع ذكر أهمية التوحيد.
كتاب تفسير لبعض سور القرآن: وهي مجموعة لبعض تعليقاته على آيات وسور مختلفة من القرآن.
كتاب السيرة: وهو ملخص من كتاب السيرة لابن هشام.
الهدي النبوي: وهو ملخص لكتاب زاد المعاد لابن القيم.
وله عدة رسائل صغيرة أخرى يوجد بعضها في كتاب روضة الأفكار المجلد الأول الفصل الثالث والرابع[12].
في عام 1206 هـ الموافق 1791م توفي محمد بن عبد الوهاب في العيينة بقرب من الرياض، قال ابن غنام في الروضة (2/154): كان ابتداء المرض به في شوال، ثم كان وفاته في يوم الاثنين من آخر الشهر. وكذا قال عبد الرحمن بن قاسم في الدرر السنية (12/20)، أما ابن بشر فيقول: كانت وفاته آخر ذي القعدة من السنة المذكورة. عنوان المجد (1/95). وقول ابن غنام أرجح لتقدمه في الزمن على ابن بشر ولمعاصرته له وشهوده زمن وفاته وتدوينه لتاريخه. وكان بلغ من العمر نحو اثنتين وتسعين سنة، وتوفي ولم يخلف ديناراً ولا درهماً، فلم يقسم بين ورثته مال. هو انظر: روضة ابن غنام (2/155).
قصة محمد بن عبد الوهاب.. كتاب جديد للدكتور راغب السرجاني
قصة الإسلام
قصة الإمام محمد بن عبد الوهاب كتاب جديد للأستاذ الدكتور راغب السرجاني، يرصد فيه قصة الإمام -رحمه الله- برؤية جديدة قديمة: جديدة تستنبط من قصة حياته وجهاده ودعوته كلَّ ما يُعين دعاة اليوم وأبناء الواقع على تجديد الأمل، وتحدِّي الصعاب؛ والاستعصام بهذا الدين القويم الذي استطاع ابن عبد الوهاب الاتِّكاء عليه لقيام الأُمَّة المسلمة، التي أصبحت ملء السمع والبصر.
ورؤية قديمة تُزيل الغبار، وتُعَرِّف بمجدِّد من مجدِّدي الإسلام، وتستعرض قصة من القصص المنسية لرجل شُوِّهت سيرته، وأُقصيت مسيرته في كثير من بقاع العالم الإسلامي.
والكتاب يتكوَّن من ستة فصول، تتناول مفهوم التجديد في حياة الأمة، وما كانت عليه الجزيرة العربية قبل دعوة الإمام رحمه الله، كما يتناول قصة حياة الإمام من الميلاد إلى الوفاة، متضمنا مراحل تعليمه وإرهاصات الدعوة المباركة, ومواقفه مع الأمير محمد بن سعود رحمه الله، وكيف كانت مرحلة الجهاد لأجل الحق ونشر التوحيد الخالص؟.
كما يتناول الكتاب مناقب الإمام -رحمه الله- وصفاته، وخلاصة الإنتاج الفكري للإمام رحمه الله, والتي من أهما: كتاب التوحيد, وكتاب الكبائر, ورسالة الأصول الثلاثة، كما أن الكتاب يعطي خلاصة مفيدة لمرتكزات الدعوة وآثارها وأسباب نجاحها وفن الدعوة عند الإمام رحمه الله، كما بيَّن الكتاب أثر دعوة الإمام -رحمه الله- داخل الجزيرة العربية وخارجها وأشهر تلامذته.
وفي نهاية الكتاب بيان لبعض شهادات المنصفين من المسلمين والغربيين للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، والرد على بعض الشبهات المثارة بأسلوب علمي رصين.
نسأل الله أن يكون هذا الكتاب إنصافًا لرجل عظيم من عظماء هذه الأُمَّة عانى أشدَّ المعاناة، وتألم أشدَّ الألم في سبيل نشر عقيدة التوحيد، وتثبيت دعائم الإيمان بين القاصي والداني.
نبذة عن الكتاب:
عنوان الكتاب/ قصة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
المؤلف/ أ. د. راغب السرجاني
الطبعة الأولى/ 1432هـ - 2011م.
الناشر/ ط1- القاهرة : مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، 2010م (328ص)، 24 سم
عنوان دار النشر/ مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة 10 ش أحمد عمارة - بجوار حديقة الفسطاط
القاهرة ت: 25326610 محمول: 0105224207- 0126344043
البريد الإلكتروني: iqraakotob@yahoo.com
الموقع الإلكتروني: http://www.iqraakotob.net