هزة غربال ... عند آسيا - هزة غربال ... عند آسيا - هزة غربال ... عند آسيا - هزة غربال ... عند آسيا - هزة غربال ... عند آسيا
ما بالي اليوم نسيت مداعبة أزقة المخيم وهي تحتضن بقايا الشتاء، ما بالي غفلت عن ارتشاف القهوة وسط السوق،ما بالي تلكأت في احتضان الصغير قرب مدفأة الكاز العطشى، ولمَ هجرت حضن أمي، وتنكرت ليديْ شريكتي في الفقر واللجوء ؟
ما بال بالي؟ وما حال حالي؟ وما ذنب ذنبي حين استنزفتني الظروف، ولعبت بمصيري بورصات العالم،ومداولات المتداولين، واستثمارات المستثمرين، وصفقات التجار الجائرين؟؟ وما لون لوني وأخبار أخباري؟ وكيف صحة صحتي؟ وكيف شغل شغلي؟ وأنا لا أتقن التوقعات ، ولا تحليل التحليلات ،ولا أعلم تصانيف الدوريات ، ولا أجيد متابعة أحوال الطقس, ولا أعبأ بملامح الجو، ولا أفسر الأحلام، ولا أضرب بالمندل، ولا أقرأ الكف، ولا أميز بين برج العذراء وظهر السلحفاة، ولا أجيد جدول الضرب ، ولا أعلم من علوم الدنيا سوى أن الشهر ثلاثون يوما، وأن آخر الشهر" راتب قليل قليل " وأول الشهر " إيجار كبير كبير" ووسط الشهر " ديْن, وبقال, ولحام، وخباز، وخضار ودجاج ،وأقلام رصاص،ومسحوق غسيل، وقليل من الكرامة المهدورة بين كل هؤلاء.
يا أبناء جلدتي وجليدي، ويا أبناء موطني وعروبتي أنا اليوم لا أعبأ بكرة القدم، لا أعبأ بالفوز والخسارة، فأنا الخاسر الوحيد بينكم، ولا أعبأ بالنقاط، لأني أقطُر دما ونقاطا من الوريد إلى القيود، ولا أعبا بترتيبكم بين الدول، ولا بتصنيفكم بين الكبار، لأني أراكم أمامي جميعا صغارا صغارا.
لا تتهمونني، كما كل مرة بالخيانة،والعمالة وعدم الانتماء، فأنا أكثركم ولاء وانتماءا للوطن والأرض والجذور ، فهل أكل أحدكم التراب أكثر مني؟؟ وهل طوق أحدكم خاصرة الرصيف أكثر مني؟؟ وهل تعمدتم بماء المطر حين لم أستطع أن أقي نفسي منه فقرا وضياعا وانكسارا؟؟ لقد شبع أولادي من مزاوداتكم ، وملأوا بطونهم من صدى أصواتكم في معمعة البطولات.
عذرا أنا لا أكرهكم، ولا أكره أن ترتسم الفرحة على محياكم الجميل، ولكنني فعلا لا أعبا بكم ،ولا بكراتكم،وملاعبكم،وساحاتكم، وتذاكركم. ولكن على الرغم من انكساري حين تنهضوم ، ومن انهزامي حين تنتصرون، ومن اهتراء مفاصلي حين تتاهلون ................. فأنا احبكم، قسما بربي أحبكم، أحبكم، ولكنني الآن مشغول بتكفين ابني الصغير، الذي احتواه البرد، وأعلنه شهيدا في كانون ، وها هي أمي الآن، تقرأ الفاتحة عند قبر الصغير.