"حسين" الفتى صاحب الثلاث وعشرين عاماً ذلك الفتى الأشقر الطويل صاحب العيون الزرقاء وكأنه حمل كل جمال البحر في عينيه كان الفتى المحبوب في قريته فلقد كان ابن احد اكبر مخاتير مدينة الخليل .
كان "حسين" رفيقاً وصديقاً حميماً لابناء عمومته موسى وسالم فلقد كان الثلاثة مضرب للمثل في كل القرية من جمال القامة وحسن الخلق وكانت لهم كلمة الفصل في كل امور العائلة .
في بداية الشهر الثاني من عام 1950 تزوج حسين من احدى بنات عمومته تلك الفتاة التي أحبها منذ الطفولة وتم الزواج وقامت الأفراح واستمرت لعشر ليالي فكيف لا وهو ابن مختار القرية وفارس القرية الاوحد برجولته ونخوته وكرمه وزوجته احدى فتيات وجهاء القرية .
وفي بداية الشهر الخامس من نفس العام كان الاحتلال الاسرائيلي في بداياته وكان أهالي القرية يخافون على محاصيلهم فكان لا بد لفتية من رجالات القرية ان يتوجهوا الى اراضي القرية لحماية محصول القمح والشعير فهنا كان لا بد للرجال الثلاثة حسين وموسى وسالم ان يحرسوا تلك الاراضي فتجهز الثلاثة وركبوا خيولهم وحملوا اسلحتهم وتناوبوا على حراسة الارض وكان الثلاثة يتناوبون على اصطياد جنود الاحتلال فكان الثلاثة يعرفون بدقة التصويب فكان جنود الاحتلال يخافون الاقتراب من تلك المناطق .
وفي احدى الليالي كان سالم قد توجه الى الطرف الاخر من الاراضي ليترك حسين وموسى سويا في الطرف الاخر ويقول سالم : "كنت في ذلك الوقت اقوم باشعال النار فسمعت صوت رصاصة قريب فتوجهت مسرعا لتفقد الاثنين فوجدت حسين مستلقيا على الارض وموسى فوقه يحاول ايقاظه باكيا فنزلت عن فرسي مسرعاً واقتربت من حسين واذ بالدماء تغطي جسده وموسى يصرخ لقد قتلته دون قصد لقد كنت جالسا فاتكأت على بارودتي للنهوض فخرجت الرصاصة واصابته دون قصد "
لم يحتمل سالم هول الموقف فها هو حسين ملقي بين يديه غارقا بدمه فسحب سالم زناد بندقيته واطلق ثلاث رصاصات في صدر موسى ليغديه قتيلاً ويسحب الجثتين وهو يبكي ليعود الى قريته في يوم لن تنساه كل القرية فيدخل وفرسه تحمل جثث الاصدقاء والاخوة والاحبة مرددا "موسى قتل حسين وأنا قتلت موسى"
لتكتب صفحة من الاحزان لم ينتهي المها للآن فحسين ترك خلفه زوجته وابنتها التي تحملها في احشائها ويخلف موسى خلفه ابنه صاحب العامين ..
هذه القصة نقلا عن رواية الختيار سالم النجار وهو يصف مقتل جدي " حسين النجار"