أفكارنا , آمالنا ,أحلامنا..لن تتساقط على الطريق - أفكارنا , آمالنا ,أحلامنا..لن تتساقط على الطريق - أفكارنا , آمالنا ,أحلامنا..لن تتساقط على الطريق - أفكارنا , آمالنا ,أحلامنا..لن تتساقط على الطريق - أفكارنا , آمالنا ,أحلامنا..لن تتساقط على الطريق
بقلم الدكتور راجح السباتين
فكارنا، آمالنا، أحلامنا
لن تتساقط على الطريق
درَجَتْ عادةُ الناس على اتّخاذ الأصحاب والإخوان والأصدقاء كلٍّ حسْبَ الدرب المسلوكة فيها هذه الصحبة أو الأخوة أو الصداقة؛ فمنهم من كان له صديق في العز والجاه، ومنهم من كان له صديق في رحلة الحظ والتوفيق، ومنهم من كان له صديق في درب الفقر الطويلة المتعرجة، ومنهم من كان له صديق في دروب الفرح والسرور والمرح… أمّا أنا فلا أراني كنتُ صديقاً لصديقي إلا في دروب المشاكل والنكد ولا أراه كان صديقاً لي إلا في دروب الأحلام والفشل؛ فإننا ما سِرنا في محاولة إصلاح مسألةٍ إلا ورأينا الفساد فيها قد ازداد، لا لشيءٍ ولكن لأننا تدخَّلْنا وحاولنا الإصلاح! وما خرجنا في سبيل الله يوماً إلا وارتفعت ضحكات الفرح ثمّ وقعت على رأسينا أطناناً من الهم والغم والنكد! وما زُرنا مريضاً ساعةً من يوم ودعونا له بالشفاء إلا وانتقل إلى رحمةِ ربه في ثاني يوم لزيارتنا، إن لم يكن في اليوم نفسه! وإنّي وصديقي هذا لنعتقد أصحَّ اعتقادٍ أنّ العالم من حولنا مليء بالخطأ والغلط، ولكنَّ فيه متسعاً لبعض الصواب، الذي نريد أن نحشر أنفسنا فيه. ونعتقدُ فيما نعتقد أنَّ العالم من حولنا مليءٌ بالحزن والأسى إلا أن فيه موضع قدم لشيء من الفرح والسّرور الذي نطمع أنا وصديقي أن يزورنا يوماً قبل الألفية الرابعة…
لقد تعاهدت مع صديقي على التمسُّكِ بهذا النهج الذي اخترناه لأنفسنا مهما كان الحزن الذي ينتظرنا في نهاية المطاف، ومهما تعاظم حجم الاتّهامات لنا بأننا نسيرُ في طريقٍ مسدودٍ وأننا ننفخ في قربةٍ مقطوعةٍ وأنّنا بدعوتنا لهذا الدّين إنما نسيرُ عكس اتجاه الزمن وندور بعكس عقارب الساعة وأنّ الإصلاح الذي ننادي به مجرد سرابٍ وأوهامٍ سرعان ما تتبدد لتكشف عما وراءها من صحارى قاحلةٍ جرداء…
سلامُ الله عليك يا صديقي، وعفا الله عنك وأنت لا تَنفكُّ عن مساءلتي عن أولئك البشر الذين يسعدون ويكبرون وتكبر معهم مشاعر الكيد والكراهية لهذا الدِّين كلّما رضعوا المزيد من حليب الخنازير! ماذا عسايَ أفعل؟ وهل أخبرتُكَ يوماً أنني أحمل مفاتيح القلوب أو عصا موسى، عليه السلام، التي هزم بها السَّحَرةَ وفلق بها قلب البحر الأحمر؟ مطالبُ الناسِ يا صديقي كثيرة ورغباتهم أفقيةٌ مُستعرضةٌ تبدأ ولا تنتهي، وأنَّى لمسكينٍ مثلي أن يُرضي خواطرهم ويجلو الأحقاد من قلوبهم؟؟ شماتتهم تشعرني بالغُربة وتصيبُ روحي بالبرد فأجدني في شَوقٍ لا ينتهي إلى الشمس التي تُمدني بالحياة وتغُذِّيني بشعاع الكفاح والرغبة في الاستمرارية. الشمس في عُرفي عنوانٌ كبيرٌ تندرج تحته كل الحروف والكلمات والعناوين الباحثة عن الدفء والحنان. الشمس عندي هي الحياة؛ لأنها أوضحُ وأسطعُ وألمعُ مِن كل شيء في دنيانا، دنيا سماسرة الظلام الذين يكرهون الوضوح والسُّطوع والصراحة… كُنّا يا صديقي، قد اتفقنا مرةً ومرةً ومرةً على أننا نعيشُ في غير أيامِنا، أيام الإسلام والعروبة، وأننا نحيا في نهايةِ عهد البشر بالحياة على الأرض، بناءً على ما تواترت عليه الأحاديث النبوية الشريفة والتي دلت بشكل قاطعٍ ويقينيٍ على أن الساعة قد اقتربت لا شك فيها.
أعتقدُ يا صديقي أننا قُمنا بواجبنا على أكمل وجهٍ ممكنٍ، واعتقد أننا ألقينا بذورنا في الأرض المناسبة والمكان المناسب ولئن كان هذا الزمان زمانهم غير المناسب. نحن بانتظار الثمر سوياً يا صديقي، نحن على طريق النور والحق واليقين سوياً يا صديقي، ولا لن نتساقط على الطريق كما تساقط العشراتُ قبلنا، لا لنْ نتساقط وكيف نتساقط؟ وجذورنا في أرضِ الله وفروعنا في سماء الله، وماؤنا قرآنه الحكيم الذي أُشربناه في صدورنا منذُ ريعان الشباب منذ التقينا سوياً…
كُنّا منذ البداية قد اتفقنا على القيام والنهوض في سبيل الله، سبيل الله الصعب الذي حُفّ بالمكاره والمخاطر والملوّثين والموبوئين والمتلوّنين مِمن يتنفَّسُون الكراهية والأنانية ويعيشون على امتصاص أحاسيسنا ودمائنا.
كفكف دموعك يا صديقي وانظر إلى الطّرف الآخر من هذه الحلبة الدّامية إلى الطرف الآخر من هذه الحلبة الدامية، انظر إلى الجانب المشرق ولا يحزنك قول أولئك الذين يسارعون في الشر وأولئك الذين يخافون على أبنائهم من الصلاة واللواتي يخفن على بناتهنَّ مِن الحجاب والسير على درب الهدى وصراط الله المستقيم.
أعاهد الله ألا أجعلهم يهنؤون لحظةً يُسيئون فيها إلينا من قريبٍ أو بعيدٍ. إنها حربٌ يا صديقي، لا يردُّ النار فيها سوى النار ولا يُسكت فيها المدافع فيها غير المدافع ولا يُنكّس الراية فيها غير الراية، إنها رايتُنا بمشيئة الله. كُتب علينا أن نركض يا صديقي وكُتب لنا أن نبكي بدموعٍ هي أثمنُ ما في هذا الوجود، إنها الدموع التي سالت من خشية الله وفي سبيل الله…
واذكُرْ على الدوام صورة الأولاد الصغار وهم يتزاحمون للصلاة في المساجد واذكر على الدوام صورة البنات الصغيرات اللواتي لم تتجاوز الواحدة منهنّ سن الحادية عشرة وهن يتسابقن للصلاة وقراءة القرآن عند سماع النداء للصلاة.
هذا من فضل الله علينا وعلى الناس، هذا من نِعَمِ الله علينا وعلى الناس، هذا هو النصر الأكيد ولئن جاء بطيئاً… هذه هي البداية في عودة أبنائنا وبناتنا إلى الحق خُطوةً خُطوةً بعد أن ساروا طويلاً في درب الباطل خطوةً خطوةً.
اذكر هذا كلّه يا صديقي واعلم أننا وبالرغم من كلّ ما عانيناه من صدٍّ ومحاربةٍ وتضييقٍ، وبالرغم من كل المواجهات التي خضناها فكان البعض منها لصالحنا وكان بعضها الآخر غير ذلك… أقول بالرغم من ذلك كله فلن نيأس يا صديقي، لن نيأس. ولتذكر يا صديقي حكاية النصر الأول للداعية القدوة الأول محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، أنظر كيف وقفَ وحيداً في مواجهة فِكر مجتمعٍ كاملٍ من أصحاب الفوضى والمصالح والنفوذ والجبروت، انظر كيف أعدّوا العدة لحربه وقتاله وأخرجوه من بلده وحاربوه في نفسه وماله وعياله، وبسطوا له أسباب العداوة والبغضاء وقذفوه بِتُهَمِ السّحر والجنون والشّعر الذي ما كان ينبغي له، وأذكر بداية انتصاره بأن تجمّع حوله مَن تجمَّع من الأخوة والأصحاب والأصدقاء الذين عاهدوه كما تعاهدنا وناصروه كما تناصرنا وآزروه كما تآزرنا، وكانوا معه في الحلوة والمُرَّةِ والعذاب والنعيم والشدَّة والرخاء، ثم أمدّه الله ببشائر النّصر واليقين، البشارةَ تلو البشارة حتى كان نصره الأكيد وحتى أشرقت شمس الإسلام على كل ذرَّةِ ترابٍ في جزيرة العرب وما جاورها من الجزائر والبلدان. هي ذاتها حكاية الدعوة إلى الله يا صديقي وهي ذاتها حربُنا مع أصحاب الجاهلية يا صديقي ولكنّ الذي اختلف أساليبُ الجاهليين الجدُدِ في حربنا، ولئن كُنَّا قد اخترنا لأنفسنا السّير على هذا الدين المستقيم والدروج على منهج النبيّ، صلّى الله عليه وسلم، في الدعوة إلى الله فأقلُّ القليل أن نحتملَ مثلما احتملَ وأن نصبرَ كما صبَر وأن نرابط كما رَابطَ وأن نتوكل على الله كما توكّل،وليكن عزاؤنا كما كان عزاؤه وعزاءُ صاحبهِ أبي بكر (لا تحزن إنَّ الله معنا)…