القـانـون الدولـي ووضـع القـدس - بمناسبة انعقاد مؤتمر الدفاع عن القدس
القـانـون الدولـي ووضـع القـدس - بمناسبة انعقاد مؤتمر الدفاع عن القدس - القـانـون الدولـي ووضـع القـدس - بمناسبة انعقاد مؤتمر الدفاع عن القدس - القـانـون الدولـي ووضـع القـدس - بمناسبة انعقاد مؤتمر الدفاع عن القدس - القـانـون الدولـي ووضـع القـدس - بمناسبة انعقاد مؤتمر الدفاع عن القدس - القـانـون الدولـي ووضـع القـدس - بمناسبة انعقاد مؤتمر الدفاع عن القدس
القـانـون الدولـي ووضـع القـدس
بقلم: د. عبد الناصر الفرا
للقدس مكانة مقدسة خاصة لدى الديانات الثلاث، ومن ثم لها أهمية دينية وروحية لحوالي ألف مليون من النصارى وحوالي ألف وسبعمائة مليون مسلم.
وقد حكم المسلمون القدس حوالي اثني عشر قرنا منذ 638م حتى 1917م، باستثناء الفترة التي سيطر عليها الصليبيون إلى أن طردهم القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، وأثناء الحكم العثماني كان للقدس مكانة خاصة حيث تمتعت بحكم ذاتي في الفترة من 1877م حتى 1888م، إلا أنها بقيت مرتبطة بالأستانة.
وبعد أن انتصر الحلفاء على المحور في الحرب العالمية الأولى خضعت للانتداب البريطاني من عام 1922 حتى 1948، بعد أن نجحت بريطانيا في فصل القدس عن الإمبراطورية العثمانية، وفي التاسع والعشرين من نوفمبر 1947م، قررت الجمعية العامة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية. أما القدس فقد اعتبرتها منطقة دولية، ولكن العرب واليهود تجاهلوا مسألة تدويل القدس، وبقيت القدس الجديدة تحت الاحتلال والسيطرة اليهودية، أما القدس القديمة فبقيت تحت السيطرة العربية حتى يونيو1967، عندما احتلت إسرائيل القدس القديمة أيضا.
وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني قوة احتلال عسكري إلا أنه تصرف وكأنه دولة ذات سيادة فقام بضم القدس القديمة إلى الجديدة وجعلها عاصمته الأبدية، وكان ذلك في 30-5-1980، فما كان من مجلس الأمن إلا أن أدان الإجراء الصهيوني في قراره رقم 478.
كما أدانته منظمة المؤتمر الإسلامي في اجتماعها بمدينة فاس بالمغرب في 20-9-1980. ولهذا وجب علينا أن نمعن النظر في الوضع القانوني لمدينة القدس من خلال القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
الشعب الفلسطيني وحق سيادته على القدس
كانت فلسطين جزءا من الإمبراطورية العثمانية إلى أن جاء الانتداب البريطاني عام 1917. والحرب العالمية الأولى وضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وكلا من العراق وفلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب البريطاني. بالنسبة للعراق ثار وأعلن استقلاله وفقا للقانون الدولي وميثاق عصبة الأمم المتحدة المادة (2)، ولكن مخطط الانتداب البريطاني لم يعمل على إعطاء السيادة للشعب الفلسطيني على بلاده رغم وضوح القانون الدولي بهذا الشأن وفقا لميثاق العصبة القائل بأن الانتداب لا يكتسب حقا شرعيا بالسيادة على القطر المنتدب عليه.
وبهذا يتضح أن السيادة على مدينة القدس كجزء لا يتجزأ من فلسطين كانت في جميع المراحل السابقة أمرا بيد الشعب الفلسطيني سواء في عهد العثمانيين أو أثناء الانتداب البريطاني.
أما بالنسبة لحرب 1948. والاحتلال الصهيوني للقدس، فهما سببان في عدم ممارسة الشعب الفلسطيني لسيادته بعد أن أشرف الانتداب البريطاني على الانتهاء.
قرار الأمم المتحدة حول تدويل القدس
في 29 نوفمبر 1947، أصدرت الجمعية العامة قرارا رقم (181) يشير هذا القرار إلى جعل مدينة القدس مدينة دولية لها قوانينها الخاصة بها ويقوم مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة بأعمال السلطة الإدارية بالقدس.
وما يجب توضيحه في سياق هذا القرار هو أنه لم يجرد الفلسطينيين من سيادتهم على القدس، لأن سكانها احتفظوا بالسلطة القضائية والتشريعية والضرائبية، والذي يتمتع بهذه السلطات الثلاث يتمتع بحق السيادة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الوثائق التاريخية للقدس تثبت الحق الفلسطيني لهذه المدينة المقدسة.
والجدير بالذكر هو أن الاحتلال الصهيوني لم يلغ القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة الخاصة بالقدس وفلسطين والتي تنص على عودة الفلسطينيين إلى بلادهم وعلى أبطال الإجراءات غير القانونية التي يمارسها الكيان الصهيوني سواء بحق القدس أو بحق أي بقعة من بقاع فلسطين. ولقد اتخذت الأمم المتحدة عدة قرارات خاصة بالقدس، وفي هذه القرارات إدانة صريحة للكيان الصهيوني، وخاصة قرار ضم القدس، وهذه القرارات ألغت بصورة واضحة الانتهاكات الصهيونية لوضع القدس القانوني. ومن هذه القرارات:
قرار مجلس الأمن رقم (253) في 21 مايو 1968. وقرار الجمعية العامة رقم (532) في 28 فبراير 1977.
إن الوضع المميز الذي تبنته الأمم المتحدة من أجل وضع حد للإجراءات غير القانونية التي يتخذها الكيان الصهيوني بشأن القدس هو أمر مهم من زاويتين:
أولا؛ إن القرارات الخاصة التي اتخذت من قبل الأمم المتحدة بخصوص تدويل القدس لم تطبق عمليا إلا أن هذه القرارات تم الاعتراف بها ونالت دعما كبيرا من أجل إلغاء الإجراءات التي اتخذها الكيان الصهيوني في القدس والتي لا تتماشى مع وضع القدس.
ثانيا؛ إن النتائج القانونية للتدويل تنطبق على المناطق المنفصلة أو المستقلة للمدينة بشطريها القديم والحديث بحيث كل ما يسري على الشطر الحديث من قرارات يسري على الشطر القديم وبالعكس ودون تفرقة، وترتب على اختراق الوضع الشرعي لمدينة القدس من قبل الكيان الصهيوني عدة قرارات دولية شملت هذه القرارات الملاحظات الآتية:
- عدم شرعية احتلال وضم القدس.
- طلب من الكيان الصهيوني الجلاء عن القدس.
أصرت على إلغاء جميع الإجراءات التشريعية والإدارية والديموغرافية والعقارية التي اتخذها الكيان الصهيوني بهدف تغيير وضع القدس.
احتلال وضم القدس
السؤال الآن؛ هل احتلال مدينة القدس وضمها أثّرا على وضعها القانوني؟
للإجابة على هذا السؤال يجب التمييز بين فترتين:
الأولى؛ من عام 1948 حتى عام 1967، والثانية من عام 1967 حتى وقتنا الحاضر. في الفترة الأولى كانت مدينة القدس تخضع لإشراف أردني واحتلال صهيوني، كان الشطر الجديد منها يخضع لاحتلال صهيوني، بينا الشطر القديم يخضع لإشراف أردني.
ولكن الذي يجب ملاحظته هو أن هناك فرقا بين الإشراف الأردني على الشطر القديم، وبين الاحتلال الصهيوني للشطر الجديد، فالاحتلال والضم الصهيونيين يعتبران خرقا واضحا لمبادئ القانون الدولي، ولأنه تم على يد قوة احتلال، وضد رغبات سكان القدس الأصليين. أما الإشراف الأردني على الشطر القديم فكان نتيجة للوحدة الأردنية ـ الفلسطينية التي وضع أركانها عدد من الفلسطينيين والأردنيين في 24 إبريل 1950.
أما بعد حرب 1967، والاحتلال الصهيوني لكامل التراب الفلسطيني فقد قام الكيان الصهيوني بضم الشطر القديم.
والذريعة التي يتداولها الكيان الصهيوني حول ضم الدينة كاملة له هي في نظره ـ الحق التاريخي والتوراتي لاستعادة عاصمة مملكة داوود وابنه سليمان عليهما السلام قبل ثلاثين قرنا تقريبا. والواقع أن في هذه النظرة مغالطات عديدة لعدة أسباب واقعية ومنطقية مستمدة من التاريخ الموثق أهمها:
أولا؛ أن يهود قرننا هذا والذين هاجروا إبان الانتداب البريطاني إلى فلسطين مستغلين الانتداب آنذاك ليسوا في حالات كبيرة من سلالة اليهود القدماء ولكنهم تهودوا لأغراض سياسية، وبهذا الصدد أوضح جوزيف ريناسن وهو يهودي فرنسي أن عددا محدودا جدا من اليهود المعاصرين لهم صلة بفلسطين وأن الغالبية العظمى من اليهود الروس والبولونيين شكلوا الأغلبية بين اليهود المهاجرين إلى فلسطين خلال فترة الانتداب.
ثانيا؛ لو افترضنا أن يهود عصرنا هذا هم اليهود القدماء، سلالة داود وابنه سليمان-عليهما السلام- أيضا لا يكون لهم الحق بالمطالبة بالقدس أو بأي جزء من التراب الفلسطيني وفقا للقانون الدولي. ففي عام 1919، طالبت لجنة كنغ كراين بناء على اقتراح الرئيس الأميركي السابق ولسن للتحقيق في رغبات عرب فلسطين، وهذه اللجنة لخصت القول وفقا لميثاق عصبة الأمم مادة رقم (22) بالآتي:
أن من الصعب الأخذ بعين الاعتبار الادعاءات التي قدمها ممثلو الحركة الصهيونية من أن حقهم في فلسطين مبني على احتلالها من قبل اليهود قبل ألفي عام، لهذا لا يستطع الكيان الصهيوني اليوم الادعاء بأنه الوريث لتلك الدولة التي أنشأها داود وسليمان- عليهما السلام- في العصور الغابرة، لأن الوراثة في القانون الدولي تكون نتيجة لتنازل عن حق السيادة من قبل السكان الأصليين، لا عن طريق الفتح أو التجزئة والتقسيم.
وفي العرف السياسي ووفقا للقانون الدولي لا يكون التنازل إلا إذا تخلت دولة ما عن حقوقها وامتيازاتها وسيادتها في إقليم ما تابع لها لصالح دولة أخرى ويكون هذا نتيجة لهزيمة ما أو صلح ما أو لبيع معين أو على سبيل المبادلة أو الهبة. فمثلا في عهد الرئيس الأميركي روزفلت والرئيس الروسي خورشوف باعت روسيا منطقة ألاسكا لأميركا. وحول مملكة داود- عليه السلام- التي أنشأها قبل حوالي ثلاثين قرنا فقد لفها غبار التاريخ وتلاشت ولا يوجد لها أثر في واقعنا الحاضر، وحول الادعاءات الصهيونية بوجود هيكل سليمان- عليه السلام- تحت منطقة المسجد الأقصى، فما هذه الادعاءات إلا أسطورة لا أثر لها في الواقع.
ثالثا؛ لقد بنى الكنعانيون مدينة القدس في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، والكنعانيون جاؤوا إلى فلسطين من جزيرة كريت اليونانية، وهم أول من أسس فلسطين وعاشوا بها وهم أجداد الفلسطينيين الحاليين، وبقوا فيها حتى بعد مجيء الملك داود إليها.
وتجدر بنا الإشارة إلى أن الرومان نفوا اليهود من القدس بعد تمردهم خلال الفترة 132ـ 135م، ولم يبق أي يهودي في القدس المدينة.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت القدس عربية بسكانها وشخصيتها طيلة القرون السابقة حتى القرن التاسع عشر حيث تغيرت ديموغرافيتها نتيجة للانتداب البريطاني ووعد بلفور الذي أعطى ما لا يملك إلى من لا يستحق.
لهذا نقول إن ضم الكيان الصهيوني للقدس لم يفتقر إلى أسس قانونية فقط بل انعدام هذه الأسس، ويعتبر الضم خرقا صريحا للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة وحقوق الشعب الفلسطيني. ولهذا يتضح أن التهديد الأخير للرئيس الأميركي كلينتون بنقل السفارة الأميركية للقدس قبل نهاية عام 2000، أمرا منافيا للقانون الدولي وللأعراف الدولية، وما مثل هذه التهديدات إلا لتحقيق المكاسب الانتخابية.