القائد الشهيد صلاح شحادة 23/7/2002 - القائد الشهيد صلاح شحادة 23/7/2002 - القائد الشهيد صلاح شحادة 23/7/2002 - القائد الشهيد صلاح شحادة 23/7/2002 - القائد الشهيد صلاح شحادة 23/7/2002
(( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ))
لقد كان الشهيد القائد المربي ( أبو مصطفى ) ولا نزكي على الله أحد من هؤلاء الرجال، الذين كان الصدق يرتسم على محياهم، بعد إن شقوا طريقهم في الدعوة إلى الله، وتحملوا عبء الطريق، وعلى استعداد دائم لدفع ضريبة الثبات عليها، وتجسيد شعاراتها واقعا حيا لحياة من السهولة أن تنطق الحناجر فيها ( والجهاد سبيلنا و الموت في سيبل الله أسمى أمانينا ) لكن ليس من السهولة تجسيد هذه الكلمات إلى أفعال، إلا عند أولئك الذين عمر الإيمان وحب الجهاد وما اعد الله للمجاهدين قلوبهم
يعد صلاح شحادة واحدا من أهم المطلوبين لإسرائيل ، فهو "رأس الأفعى " حسب وصفهم !! والعقل المدبر والمؤسس للجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، فمن هو هذا الرجل، ولماذا كانت تسعى إسرائيل لاغتياله بكل الوسائل؟ حتى أصطفاه الله ليكون مع الأنبياء والصديقين والشهداء، ويرصد " الشرقية أون لاين " حياته وجهاده ويستعرضها بأسلوب جذاب ومشوق
ولد صلاح في 4-2-1953 في قرية "بيت حانون" شمال قطاع غزة- يافا، وكان الابن الأول الذي رُزق به والده "مصطفى شحادة" بعد 8 بنات، 6 منهن توفاهن الله، ونشأ بين والديه يغدقان عليه حنانهما، ويخافان أن تجرح نسمة الهواء خديه، إلا أنهما غرسا الرجولة فيه منذ نعومة أظافره
تروي شقيقته سميرة -53 عاما-: "عندما تزوجت شقيقتي الكبرى أصر والدي أن يصحب صلاح أخته إلى بيت زوجها نيابة عنه، رغم أنه لم يكن قد تجاوز 5 سنوات بعد. وفي الأعياد كان أبي يعطيه الأموال ليعيّدنا يوم العيد، وكأنه شاب كبير؛ فمنذ صغره ووالدي وجميع أفراد الأسرة يتعاملون معه على أنه رجل ومسئول"
وتضيف شقيقته: كان لصلاح منذ صغره شعر ناعم ووسامة بادية، وكان يولي اهتمامًا بمظهره، وتميز بهذا بين جميع أطفال القرية؛ وهو ما جعله موضع حسدهم، فأراد أحد الشبان -وكان يكبره بـ5 سنوات- الانتقام منه، فجمع 6 أطفال، وترصدوا بصلاح إلا أن صلاح صرعهم جميعا
"لطمني على وجهي وحملني للمنزل -هكذا تروي شقيقته-، والسبب أنني ذهبت إلى المدرسة -وأنا في الصف الثاني الثانوي- مكتحلة، فنهاني، ولكني لم أرتجع، وكانت المرة الوحيدة التي ضربني بها"، وتتذكر والدموع تغالبها: "وقعت على الأرض مغشيا علي من شدة صفعته، فحملني على كتفه وأعادني إلى المنزل"
نزحت أسرته إلى قطاع غزة من مدينة يافا بعد أن احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948، حيث أقامت في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين
في عام 1958 دخل صلاح المدرسة الابتدائية التابعة لوكالة الغوث وهو في سن الخامسة، درس في بيت حانون المرحلة الإعدادية، ونال شهادة الثانوية العامة بتفوق من مدرسة فلسطين في غزة ، ثم أكمل دراسته الجامعية في مصر فحصل على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية من جمهورية مصر العربية ، إذ لم تسمح له ظروفه المادية بالسفر إلى الخارج لإكمال دراسته العليا وكان حصل على قبول لدراسة الطب والهندسة في جامعات تركيا وروسيا
التحق بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية في الإسكندرية، وفي السنة الثالثة بدأ التزامه بالإسلام يأخذ طابعاً أوضح
عمل باحثاً اجتماعياً في مدينة العريش في صحراء سيناء ، وعيّن لاحقاً مفتشاً للشؤون الاجتماعية في العريش
بعد أن استعادت مصر مدينة العريش من الصهاينة في العام 1979 انتقل صلاح للإقامة في بيت حانون واستلم في غزة منصب مفتش الشؤون الاجتماعية لقطاع غزة وهناك بدأ العمل في الدعوة إلى الإسلام
في بداية العام 1982 استقال من عمله في الشؤون أعلن المدير الصهيوني أن كل موظف يخرج في جنازة المدير السابق سيعطيه دونمًا من الأرض، لكن شحادة حرّض جميع العاملين على عدم الخروج، وفور علْم المدير بأمره عاقبه.. فما كان من شحادة إلا أن قدم استقالته في بداية عام1982م وقال: "الرزق على الله ، ولن أركع أو أخضع يوما لكم" وانتقل للعمل في دائرة شؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة
رحلة طويلة في سجون الاحتلال والسلطة
تعرض عام 1984 لأول عملية اعتقال على يد المخابرات الإسرائيلية لمدة عامين بتهمة الانضمام لحركة " الإخوان المسلمين" ونشاطه المعادي للاحتلال الصهيوني غير أنه لم يعترف بشيء ولم يستطع الصهاينة إثبات أي تهمة ضده فأصدروا ضده لائحة اتهام حسب قانون الطوارئ لسنة 1949، وهكذا قضى في المعتقل عامين
بعد خروجه من المعتقل في العام 1986 شغل منصب مدير شؤون الطلبة في الجامعة الإسلامية إلى أن قررت سلطات الاحتلال إغلاق الجامعة في محاولة لوقف الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في العام 1987، غير أن الشيخ صلاح شحادة واصل العمل في الجامعة حتى اعتقل في أغسطس 1988م بتهمة قيادة العمل العسكري، ولكن لم تستطع كل أساليب التعذيب أن تحصل على اعتراف واحد من القائد صلاح
"لم يَدَع جنود الاحتلال شعرة في ذقني أو صدري إلا نتفوها، حتى شككت أنه يمكن أن تنبت لي لحية مرة أخرى، واقتلعوا أظافر قدمي ويدي، ولكني والله ما شعرت بألم، ولم أتفوَّه بآهة واحدة.. فقد كنت أردد القرآن".. هكذا قال صلاح شحادة راويًا لزوجته ما حدث معه في المعتقلات الصهيونية
تأسيس الكتائب
حب الجهاد
ما كاد الفتى شحادة يتجاوز 15 عاما حتى بدأ يؤوي المطاردين في بيارات القرية، ويزودهم بالأكل والشراب خفية عن والده الذي كان يخشى أن يخوض ابنه غمار المقاومة؛ حتى لا يفقده ، وهو الذي انتظر قدومه 15 عاما تقريبا، ففضل والد شحادة أن ينجو بطفله صلاح بأن ينتقل بأسرته إلى مخيم الشاطئ، الذي وجد فيه الشبل صلاح ضالته؛ فالتحق بالمسجد ليستمع إلى دروس الشيخ المجاهد "أحمد ياسين"، ويترعرع على يديه، وليتعانق في قلبه حب الوطن بالإسلام.
وعندما لم يجد الأب من سبيل لصد ابنه عن طريق الجهاد أعاده إلى قرية بيت حانون ثانية، ومن ثم أصر والده على أن يلحقه بجامعة الإسكندرية ليبعده عن هذا الطريق، ولكن صلاح تعرف في الإسكندرية على مجموعة كبيرة من الشبان الفلسطينيين من حركة " الإخوان المسلمين"، وخاصة الدكتور " أحمد الملح " لتبدأ الحياة الجهادية للقائد شحادة
والمجاهد أبو مصطفى متزوج، وعندما دخل السجن كان لديه ست بنات، عمر أكبرهن عشر سنوات، وخرج وله ستة أحفاد
حاز على الحزام البني في المصارعة اليابانية أثناء دراسته في الإسكندرية، ومارس رياضة رفع الأثقال في فترة ما قبل الجامعة
تأسيس كتائب عزالدين القسام
كان الجناح العسكري الأول للحركة - التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي - يحمل اسم "حماس المجاهدين"؛ ويعتبر الشيخ صلاح شحادة المؤسس لهذا الجهاز الذي قام بتعقب جنود الاحتلال وتنفيذ العمليات ضدهم، واشتهر من بين عملياته، اختطاف ومقتل الجنديين الإسرائيليين آفي ساسبوراتس وإيلان سعدون، منتصف عام 1988م
وعلاوة على المؤشرات المبكرة للنشاط العسكري والأمني لحماس - والتي تعود إلى العام 1983م على أقل تقدير عندما جرى اعتقال الشيخ أحمد ياسين على خلفية النشاط المسلح لتنظيمه الإسلامي - فقد واصل هذا الجهاز عمله بصمت إلى أن تمكنت السلطات الإسرائيلية في منتصف عام 1989م من كشف قيادة تنظيم حركة "حماس"، حينما اعتقلت الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة مع معظم قادتها، فيما اعتبر أكبر ضربة توجَّه لحركة "حماس" في حينه
واستغرق الأمر حيزًا من الزمن قبل أن تتمكن "حماس" من استعادة بنيتها بشكل أكثر مناعة، بعد الضربة الكبرى التي وجهتها إليها السلطات الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، اتضحت بجلاء قدرة الحركة على التجديد الذاتي أو التجدد ، والنمو السريع، وبعث المزيد من الصفوف القيادية من رحمها التنظيمي في ظل الضربات المتلاحقة، التي منحتها صفة " طائر الفينيق" الذي يحلِّق من بين أكوام الرماد، كما في الأسطورة العربية القديمة
فمع مطلع عام 1990م، كان الجهاز العسكري الجديد لحماس ينتصب على الأرض حاملاً اسم " كتائب الشهيد عزِّ الدِّين القسَّام" ومع هذا التطور عرفت الحركة قفزات متلاحقة في العمل الميداني في مواجهة قوات الاحتلال، إلى جانب نشاطها السياسي والجماهيري والاجتماعي في فلسطين وخارجها الذي حقق تقدمًا كبيرًا
وتميزت كتائب القسَّام عن سلفها "حماس المجاهدين" بالاستقلالية عن الأداء السياسي للحركة؛ إذ عملت في إطار التوجهات العامة لـ"حماس"، بينما كان عليها أن تتولى القيام بالأداء المناط بها ضمن الخطوط العريضة لكل مرحلة
كتائب القسَّام وأفواج المهندسين
مع تزايد فعالية الكتائب في العمل العسكري ضد الإسرائيليين عامًا في إثر آخر؛ كانت تبزغ أسماء من الشبان القياديين في الجهاز؛ لتغدو رموزًا بطولية في عيون المواطنين الفلسطينيين، وليتحوّلوا - من خلال براعتهم في الأداء الميداني في مواجهة جيش الاحتلال ونشاط المخابرات الإسرائيلية - إلى حديث الشارع الفلسطيني
وقدَّمت كتائب القسَّام - في الأعوام التي أعقبت تشكيلها - حالات انتزعت الإعجاب الفلسطيني والعربي، بقدر ما أثارت حنق الإسرائيليين، الذين كانت مشاعر العجز تداهمهم إزاء "الأساطير الفلسطينية" المتجددة بضراوة أكبر، خاصة وأن الأمر لا يتعلق بأساطير، وإنما بحقائق ماثلة أمام العيون ومؤلمة كأقصى ما يكون الألم
ولم تنبع الظاهرة من فراغ؛ إذ إنّ إخفاق القوات الإسرائيلية في الإمساك بشاب مثل عماد عقل - رغم حملاتها المتواصلة لاعتقاله والتقارير المكثَّفة لمخابراتها عن تحركاته - كان مثارًا لإعجاب الجماهير الفلسطينية. وأما "المهندس"، فهو لقب اختُصَّ به صانع عبوات التفجير الفعَّالة في حماس، فخريج كلية الهندسة بجامعة بيرزيت "يحيى عيَّاش" بقي لسنوات على رأس قائمة المطلوبين للقوات الإسرائيلية، وكانت أنباء تحركاته بين أرجاء الضفة والقطاع - رغم الملاحقات الإسرائيلية المشددة له - بمثابة إسدال للستار على البطولات الأسطورية التي صنعتها سينما هوليوود على الشاشة
أما المفاجأة فقد تمثَّلت في أفواج "المهندسين" من قيادات الكتائب الذين تدافعوا إلى خطوط المواجهة واحدًا في إثر آخر من خلال العمليات المدوية؛ ليكتشف الإسرائيليون أن المهندس عيَّاش كان الأول من نوعه بالفعل، ولكنه لم يكن الأخير في القافلة الطويلة
انتفاضة الأقصى.. والجاهزية العالية للكتائب
مع اندلاع انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول (سبتمبر) 2000م، كان الجناح العسكري لحركة "حماس" على موعد مع مرحلة جديدة بعد مضي عشر سنوات على تأسيسه؛ إذ ضاعف الجهاز من تحركاته بما يتماشى مع تأجج التحركات الجماهيرية الفلسطينية
وأبرز ما كشفت عنه الفترات الماضية ، هو الجاهزية العالية لكتائب القسَّام في الأداء الميداني النوعي، ورصيدها الكبير من الاستشهاديين الذين قدَّمت أفواجًا منهم في عمليات عسكرية مدوِّية ومتلاحقة، إلى جانب نمو القدرات العسكرية والفنية للكتائب في الميدان
وحققت عناصر الكتائب - من خلال عملياتها القتالية - حالة من توازن الخوف مع الجانب الإسرائيلي. ويطال الأمر إطلاق المئات من قذائف الهاون على أهداف إسرائيلية محددة، واستخدام أساليب هجومية جديدة: مثل توجيه القوارب المحمَّلة بشحنات ناسفة، وتفخيخ السيارات الإسرائيلية، وزراعة الألغام، والعبوات الجانبية بمهارة كبيرة، مع توثيق الخسائر الإسرائيلية بالفيديو. كما كسرت الكتائب من احتكار الإسرائيليين للقتل باستخدام الهواتف المفخَّخة؛ وذلك عندما استخدمت هي الهواتف النقَّالة في عدد من عملياتها وراء الخط الأخضر كأدوات للتفجير عن بعد وكعبوات ناسفة
ولم تكن انتفاضة الأقصى سوى جولة جديدة للجهاز الذي لم ينقطع عن العمل العسكري النوعي طوال السنوات السبع الماضية، رغم تسليط الأضواء على عملية التسوية السياسية وصعود شعارات السلام وخياراته في الأوساط الرسمية الفلسطينية. فمن المفاجآت المتجددة التي رافقت نشاط عناصر كتائب القسَّام، تمكُّن القيادي العسكري البارز فيه " محمود أبو هنود" من الإفلات من طوق مشدد فرضته عليه تعزيزات من قبل وحدة " دفدفان" الإسرائيلية المختارة شمالي الضفة الغربية، وقتله ثلاثة من جنود النخبة خلال ذلك، قبل أسابيع قليلة من اندلاع انتفاضة الأقصى
قوافل الاستشهاديين .. من النوعية العالية
الأكثر إثارة أنّ الجناح العسكري لحركة "حماس" بقي محتفظًا بالنوعية العالية لعناصره؛ إذ إنهم يشتركون في العادة في جملة من الخصائص - على رأسها السيرة الحسنة، والسمعة الطيبة، والالتزام بالواجبات الدينية، والكتمان الشديد، والتوازن العاطفي - إلى جانب استعدادهم الكامل للاستشهاد حينما تحين ساعة الصفر
ومن المؤكد أنّ ذلك تطلَّب مجهودًا مركزًا من جانب حركة "حماس"؛ إذ يقول الدكتور "عبد العزيز الرنتيسي" الناطق الرسمي باسم الحركة آنذاك : "نحن نمتلك برنامجًا تربويًّا كاملاً نبدأ به مع الشباب على اختلاف أعمارهم، وأول عنصر في هذا البرنامج هو القرآن الكريم حفظًا وتفسيرًا، وكتب السنة والسيرة النبوية، والدراسات الإسلامية، وكذلك هناك كتب حركية ترسم لهم الخطوات التي يجب أن يخطوها، فتُقَوْلبهم قولبة أخلاقية تتماشى مع القيم والمفاهيم الإسلامية، وفي مقدمتها العزة، والإباء، والكرامة، بالإضافة إلى كافة الأخلاق الحميدة"
ويضيف الرنتيسي قائلاً: "هناك تربية إسلامية لهؤلاء الشباب، وهذه التربية لا تعتمد شيئًا غريبًا عن منهاجنا الإسلامي، فهي وفق ما جاء في كتاب الله والسنة النبوية والسيرة"
وأكد الرنتيسي أنّ أكبر محرِّض يدفع الشباب للوصول إلى ذروة الإيمان، والإقدام على العمل في الجهاز العسكري، أو ليقوموا بتنفيذ عمليات استشهادية هو: القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة. وقال: "من تربَّى في هذا المحْضَن، ونهل من هذا النبع يصبح جاهزًا، ويأتي هنا دور الجهاز العسكري لانتقاء من يمكن أن يقبل بالإقدام على هذا العمل، وعادة ما يكون الانتقاء عبر الإلحاح الشديد من الشباب أنفسهم". وكشف من جانبه عن أنّ "العديد من الشباب يُلِحُّون على القيادة السياسية (لحركة حماس)؛ لينضموا للجهاز العسكري (للحركة)، ونحن نعتذر لهم، ونقول لهم نحن لسنا العنوان"
وعن الشروط المطلوبة لمن يعمل في الجهاز العسكري أو لمن ينطبق عليه مواصفات الاستشهادي؛ أجاب الرنتيسي بالقول: "إذا ما أصبح الشاب عضوًا في الحركة العامة، وبعد أن يمر بمراحل التربية الخاصة بها والتي تحببه في الجهاد، وتجعله يعتبر الانضمام للجهاز العسكري تكريسًا للجهاد، يصبح بالتالي مهيئًا للعمل في الجهاز العسكري والذي يتولى بعد ذلك عمله في هذا المجال".الجماهير الفلسطينية تفضِّل " خيار الاستشهاد
اعتقل في 18-8-1988م، واستمر التحقيق حتى 26-6-1989 في سجن السرايا، ثم انتقل من زنازين التحقيق إلى غرف الأسرى، وفي 14-5-1989م أعيد إلى زنازين التحقيق بعد أن تم الاعتراف عليه بمسؤولية الجهاز العسكري لحركة حماس، واستمر التحقيق لمدة 200 يوم ، وبذلك بلغ مجمل التحقيق معه حوالي عام كامل دون أن تظفر المخابرات منه شخصياً بأدنى اعتراف، وكانت التهم الموجهة إليه المسئولية عن الجهاز العسكري لحماس، وإصدار أوامر باختطاف الجنديين (سبورتس، وسعدون)، ومسئولية حماس، والجهاز الإعلامي في المنطقة الشمالية، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات على تهمة مسئولية حماس والجهاز الإعلامي في المنطقة الشمالية، أضيفت إليها ستة أشهر بدل غرامة رفض الشيخ المجاهد أن يدفعها للاحتلال
يوم في المعتقل يمر كساعة واحدة
مكث خلف قضبان الاحتلال 14 عاما، عرف خلالها أنه كان يخطط ليومه ليستفيد من كل دقيقة به، وعلى عكس الجميع كان يقول : " يوم في الزنازين كساعة خارجه".. فبعد صلاة الفجر يراجع ما حفظ من القرآن والأذكار، ثم يرتدي ملابس الرياضة، ويحث إخوانه على مشاركته في ألعاب الرياضة التي تستمر لمدة ساعة تقريبا؛ باعتباره المسؤول عن طابور الصباح، ويشترك معه العديد من الشبان المعتقلين من كافة التنظيمات، ويتذكر د. عبد العزيز الرنتيسي: " قضيت مع شحادة أحلى سنوات عمري داخل السجن عام 1988، ثم التقيت به ثانية في عام 1995، وكان شحادة الخطيب في المعتقل والمسؤول عن تدريب الشبان في طابور الصباح.. كان يمارس معهم رياضة قاسية حتى إن إدارة السجن شكته عدة مرات، وادعت أنه يدربهم تدريبات عسكرية"
وبعد الفورة (الاستراحة) يبدأ شحادة بتغذية المعتقلين ثقافيا في درس الصباح الذي يحضره جميع المعتقلين، بينما كان يؤثر مجموعة من إخوانه الذين قرأ في شخصياتهم الجرأة والقيادة في دروس خاصة عن موضوع "الصحة النفسية"
أما باقي النهار فكان شحادة يقضيه في مطالعة الكتب الغنية بها مكتبته داخل المعتقل، التي تشمل كافة التخصصات من طب واجتماع وعلم نفس، بالإضافة إلى الكتب الإسلامية، وفي ساعات المساء يستمع إلى نشرة الأخبار، ثم يعقد جلسة ثقافية أخرى لمناقشة المعتقلين حول آخر تطورات الساحة السياسية، ثم يعود لمشاهدة البرامج السياسية أو الأفلام البوليسية والأمنية، وخاصة البريطانية منها، ويدون ملاحظاته عليها، وكان يجمع إخوانه، ويدربهم على تدوين ملاحظاتهم حتى ينمي حدسهم، ويزيد قدرتهم على تحليل الأحداث
والدة سعدون تبكي.. لا يهم فأمهاتنا بكين كثيرا
"أعدتها إلى منزلها تبكي" بهذه الجملة كان يلخص شحادة قصته مع والدة الجندي الصهيوني "أيلون سعدون" التي كانت تتردد كثيرًا على صلاح ليخبرها عن مكان جثة ولدها، ويؤكد صديقه "محمد" كان يرد عليها بلطف وأدب شديد " دعي مخابراتكم التي تدعي أنها لا تقهر لتخبرك عن مكانه"
ويُشار إلى أن الجندي سعدون قُتل في عام 1989؛ حيث استطاعت الخلية العسكرية التي يرأسها شحادة خطف جنديين وقتلهما وإخفاء جثة أحدهما، وكان قد أدار عملية الخطف من داخل المعتقل، ويحكي شحادة أنه " في هذه المرة أشرف على تعذيبي إسحاق مردخاي، وأخذ يقول لي: "أنت رجل عسكري مثلي مر جنودك أن يسلموا جثة سعدون" فسألته : هل سلم المجاهدون سلاحه؟ وعندما رد علي بالإيجاب قلت له: من الخطأ أن يفعلوا؛ فطلقة رصاص واحدة أفضل عندنا من جندي منكم؛ لأننا بالطلقة سنقتل جنديا آخر"
وبعد انتهاء المدة حول إلى الاعتقال الإداري لمدة عشرين شهرًا ليتم الإفراج عنه بحمد الله تعالى في 14-5-2000 م وأقسم شحادة فور خروجه أن يواصل العمل العسكري
ففي الاعتقال الأول استطاع أن يحمل كبسولة العمل (قصاصة ورق مكتوب عليها رسائل القادة في السجن) إلى قيادة الحركة في الخارج، وكذلك في معتقله الأخيروأنه سيواصل المسيرة حتى ينال أسمى أمانيه " الموت "
استشهاده
مجزرة حي الدرج بغزة
استشهد ليلة الثلاثاء بتاريخ 23 يوليو 2002 مع زوجته وإحدى بناته في مجزرة غزة التي راح ضحيتها 15 شهيدا، معظمهم من النساء والأطفال ، بعد حياة عسكرية وجهادية استمرت قرابة عشرين عاماً قضى منها نحو 15 عاماً رهن سجون الإحتلال ، ليلقى ربه عن عمر يناهز 49 عاماً
وفيما يلي تغطية صحيفة يدعوت أحرونوت الصهيونية لحادث الإغتيال :
" اغتالت إسرائيل، الليلة صلاح شحادة، كبير مطلوبي حركة حماس في قطاع غزة. فقد نفذت طائرة حربية إسرائيلية من طراز F-16 قصفاً بالصواريخ استهدف بناية سكنية في مدينة غزة، تقطنها عائلة شحادة. وأدى القصف إلى مقتل 15 فلسطينيًا، بينهم ستة أطفال، رضيعان وثلاثة كبار في السن، وإصابة أكثر من 100 آخرين
وتضاربت الأنباء ليلاً فيما اذا لاقى شحادة مصرعه أم أنه أصيب فقط في الغارة الإسرائيلية. وتأكد نبأ مقتله في ساعات الصباح بعد أن نشرت حركة حماس بيانا رسميًا جاء فيه أن قائد كتائب عز الدين القسام في غزة، اغتيل جراء القصف الإسرائيلي. ونقل البيان عبر محطة "الجزيرة" القطرية ومحطة "المنار" التابعة لحزب الله
وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن طائرات مقاتلة قصفت الليلة "هدفا إرهابيا في قطاع غزة". وبحسب تقارير لم تثبت صحتها بعد، فقد قتل في القصف 15 فلسطينيًا مكثوا في البناية أثناء الغارة الجوية. وتفيد هذه التقارير بأن بين القتلى ستة أطفال ورضيعين وثلاثة كبار في السن
وأفاد شهود عيان أنهم شاهدوا طائرتين مقاتلتين تحلقان فوق المدينة، مدة بضعة دقائق، ثم أطلقت إحدى الطائرات صاروخا باتجاه البناية. وقال جمال حلبي، ضابط فلسطيني لوكالة "رويترس": "سقطت من فراشي من قوة القصف وكانت الغبار تغطي جسدي وبدأ أطفالي بالبكاء". وقال سكان المنطقة إن عددًا من البيوت القريبة هدمت جراء القصف. وتم استدعاء قوات الإنقاذ الى المكان التي بدأت بإخلاء القتلى والجرحى والبحث عن ناجين
وتجدر الإشارة إلى أن قناة "الجزيرة" القطرية بثت بشكل حي ومباشر لعدة ساعات من موقع الهجوم، وشوهد مئات الفلسطينيين المذهولين الذين طالبوا بالانتقام لهذه العملية. ووصفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عملية الاغتيال أنها "مجزرة بشعة"، مؤكدة أنها ستنتقم لكل واحد من القتلى. وسارعت حماس إلى تنظيم مظاهرات غاضبة
واندلعت في أعقاب الهجوم الإسرائيلي مواجهات مسلحة بين الجيش الإسرائيلي ومئات المسلحين الفلسطينيين الذين خرجوا من مخيم اللاجئين خان يونس. ورد الجيش الإسرائيلي على المسلحين باطلاق قذائف دبابات نحوهم. كذلك اندلعت المواجهات في مدينة رفح، بالقرب من الحدود المصرية. وأفادت مصادر فلسطينية أن خمسة فلسطينيين أصيبوا أثناء الواجهات
صلاح شحادة : مؤسس الجناح العسكري لحركة حماس
ولد صلاح شحادة البالغ من العمر 49 عامًا في مدينة غزة. وأسس الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب عز الدين القسام. وكان في الثمانينيات مسجونًا في إسرائيل ومن ثم في السلطة الفلسطينية حيث تم إطلاق سراحه في وقت لاحق
وفي بداية طريقه اعتبر رجل الاتصال بين المستوى السياسي وبين المستوى العسكري لحركة حماس، ولكن مع اندلاع الانتفاضة اعتبر من يقف وراء جميع العمليات العسكرية التي نفذتها حركة حماس. وتعتبر إسرائيل الأضرار التي سببها صلاح شحادة أكبر من الأضرار التي سببها محمد ضيف الذي كان المطلوب رقم واحد لدى إسرائيل.".. انتهت تغطية يدعوت
كشفت الصحافة الصهيونية بعض التفاصيل حول المجزرة البشعة التي ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني في غزة ليلة الاثنين 22-7-2002 والتي أدت إلى استشهاد القائد العام لكتائب القسام ومساعده زاهر نصار وأكثر من خمسة عشر آخرين وإصابة ما يزيد عن 150فلسطينيا، وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه بعد الحادث مباشرة رن الهاتف في منزل أرنون فرلمان، المستشار الإعلامي لشارون، سأله شارون اذا كان على علم بآخر المستجدات. ورد فرلمان: "نعم، تقصد الاستقالة المتوقعة لدالية رابين فيلوسوف (نائبة وزير الدفاع)؟". "لا"، رد شارون، "أقصد اغتيال صلاح شحادة في غزة. وأشارت الصحيفة الى أنه في الأشهر الأخيرة، كثف جيش الاحتلال من مراقبة تحركات القائد العام لكتائب القسام مستخدمين بذلك أحدث الوسائل والتقنيات التكنولوجية الى جانب العملاء، وأضافت الصحيفة كانت الفوهة الصهيونية تتعقب شحادة، هذه حقيقة كانت تعرفها حماس ويعرفها كل من تتبع قرارات الطاقم الوزاري. بعد عملية حزيران التي استهدفت حافلة ركاب عند مفترق بات في القدس، عززت إسرائيل من جهودها لضرب قادة حماس في غزة. وكشفت الصحيفة أن الحكومة الصهيونية اتخذت قرار اغتيال قادة حماس السياسيين والعسكريين، باستثناء مؤسس حركة المقاومة الاسلامية حماس الشيخ أحمد ياسين، وذلك في جلسة للطاقم الوزاري وأودع القرار بأيدي الجيش من أجل تنفيذه. أما المصادقة النهائية على تنفيذ العمليات فقد أنيطت برئيس الحكومة وبوزير الدفاع. ودعم بيرس أيضًا العمليات ضد قادة حماس، لكنه رفض، أمس، بعد ما حدث أن يقول ما اذا كان يؤيد اغتيال شحادة. الجيش أوصى باستخدام إف 16 وكتبت الصحيفة نقلا عن شارون قوله لوزراء حكومته "لقد شوهد شحادة أربع مرات في الأسبوع الماضي، عبر فوهات نيران طائرات اف 16 الصهيونية" وقال شارون "لقد كان على مرمى الاصابة وتقرر عدم اطلاق الصاروخ عليه خشية اصابة المواطنين الذين تواجدوا في المكان". يوم الاثنين ليلا، قبل عودته من اجازة خاصة وقصيرة في لندن، استدعي وزير الدفاع، بنيامين بن اليعزر إلى الهاتف. على الجانب الثاني كان سكرتيره العسكري، العميد مايك هرتسوغ. "لقد توفرت الفرصة العسكرية المناسبة، اطلب مصادقتك عليها" قال هرتسوغ. وسأله بن اليعزر عدة اسئلة ومن ثم صادق على ضرب الشيخ شحادة. وكما هو متعارف عليه، سارع ضباط الجيش إلى المقر الرسمي لرئيس الحكومة شارون، في القدس، وعرضوا الخطة أمامه. وقال رئيس شعبة المخابرات العسكرية، الجنرال اهرون زئيف فركاش، ان شحادة يتواجد في بيت جديد يتألف من طابقين في غزة. وأطلع ضباط المخابرات، شارون، على صور جوية تظهر موقع المبنى. قتل متعمد للنساء والاطفال ؟؟ وحسب المعلومات المتوفرة لدى الجيش، كان شحادة يتواجد في البيت مع زوجته وابنته، ابنة الـ14، ومساعده زاهر ناصر. وأفاد رئيس الشاباك ابي ديختر، ان شحادة ورجلين اخرين يتواجدوا في المنزل. ووصف ضباط المخابرات المنزل بتفاصيله واشاروا إلى انه محاط بساحة. وحسب احدى الروايات، اشار الضباط إلى "وجود خرائب اخرى وراء الساحة تستخدم للسكن" وتقول رواية اخرى، رواها احد المشاركين في اللقاء انه لم يتم التحدث لدى شارون عن وجود اناس في الخرائب الملاصقة للبيت. وأوصى الجيش بتدمير البيت عبر قصفه بصاروخ تطلقة طائرة إف 16، لانه يمكن هكذا فقط ضمان نجاح العملية، واغتيال شحادة. بعد 20 دقيقة من منتصف الليل، تلقى شارون أول تقرير عن العملية: هدم البيت الذي يقيم فيه شحادة. ولم يكن من الواضح اذا كان شحادة قد قتل. وقرابة الساعة الثانية والنصف فجراً، سمع شارون من سكرتيره العسكري، الجنرال يوآب غلانط، ان العملية توجت بالنجاح. فلقد تم التعرف على جثة شحادة. مع ذلك أبلغ شارون ان مدنيين من النساء والاطفال قتلوا في العملية. قائمة الشرف ؟؟ واتهمت الصحيفة الشهيد بأنه من كبار المطلوبين لإسرائيل.وأن اياديه ملطخة بدماء الصهيونيين، وعمل حتى يومه الاخير في تخطيط العمليات الاستشهادية في إسرائيل. وأشارت يديعوت أن جهاز الشاباك أعد مسبقا، قبل عملية الاغتيال، قائمة بكل التهم والعمليات المنسوبة للشيخ الشهيد شحادة كي يتم توزيعها على وسائل الاعلام عندما يحين الوقت المناسب. ردا على السؤال حول ما الذي ستجنيه إسرائيل من اغتيال شحادة في وقت تعلن فيه حماس ان إسرائيل كلها اصبحت هدفا الآن، قال منسق اعمال الحكومة في المناطق، الجنرال عاموس غلعاد: لقد كان شحادة ينوي اصلا تحويل حياة الصهيونيين إلى جهنم.
تقرير صحفي:
"عشت شهرين في عصر الصحابة".. بهذه الجملة وصفت ماجدة قنيطة حالها مع زوجها صلاح شحادة قائد الجهاز العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام الذي استشهد في الغارة الإسرائيلية الغادرة على حي الدرج بغزة الإثنين 22-7-2002.
شهران فقط هما عمر الحياة الزوجية التي قضتها ماجدة -27 عاما- مع القائد شحادة المطلوب رقم (1) لجيش الاحتلال الإسرائيلي. حاورتها شبكة "إسلام أون لاين.نت" في منزلها بحي الشيخ رضوان بقطاع غزة حيث أكدت أن حياتها كانت مليئة بالمغامرات، محفوفة بالمخاطر مع زوج روحه على كفه، عاشق للجهاد والانتقام من الأعداء، إلا أنها كانت أفضل أيام عمرها.
وحول قصة زواجها من القائد الشهيد شحادة قالت ماجدة: "لم يسبق لي أن التقيت بالشيخ المجاهد شحادة قبل زواجنا، ولكن كنت أسمع عنه وعن بطولاته وجهاده، وتمنيت لو تسنح لي الفرصة بأن أفوز بمشاهدته ولو لحظة واحدة كحال غالبية الشبان الذين يحلمون بالحياة الجهادية".
وتتابع ماجدة: "فجأة تحول هذا الحلم إلى حقيقة عندما أرسل الشيخ شحادة إلى والدي مع بعض الإخوة المجاهدين يطلبني للزواج منه، فوقع الخبر على أهلي كالصاعقة.. ولم يدر أبي ماذا يفعل: أيضحي بابنته أم يرفض طلب قائد مجاهد ضحى بنفسه من أجل وطنه؟!! فعرض أبي الأمر عليّ.. ولا أنكر أنني في الوهلة الأولى خفت وارتعبت.. كيف؟ ولماذا اختارني أنا دونًا عن كل بنات غزة؟ ثم قلت لأبي ولا أدري من أين جاءتني كل هذه الجرأة: إنني موافقة على الزواج.. يكفيني أن أكون عروسا له في الجنة، ولعل الله يكرمني بالشهادة معه مقبلة غير مدبرة".
وقالت: إنها أخذت منه عهدا بأن يشفع لها وأن تكون عروسه في الجنان إن شاء الله إذا استشهد.
يشار إلى أن القائد شحادة من مواليد 4-2-1953، وقد خرج من المعتقلات الإسرائيلية بتاريخ 13-5-2000 بعد اعتقال دام 10 سنوات و20 شهرا، ورزقه الله من زوجته الأولى التي استشهدت معه في مجزرة غزة بست بنات، استشهدت إحداهن أيضا في المجزرة.
يمشي على الصراط
ورغم الأعباء الثقيلة المنوطة بالشيخ شحادة من إدارة للجهاز العسكري لحماس في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتنسيق بين الجهاز العسكري والسياسي للحركة، فإنه كان يحاول أن يعطي زوجته حقها، وعن هذا تقول ماجدة: "كان دائما يضع مخافة الله أمام عينيه وكأنه يمشي على الصراط، وكأن الجنة والنار ماثلتان أمامه، يفتش عن نيته قبل أن يخطو خطوة، لا تغفو عينه إلا بعد الساعة السابعة صباحا، ينام ساعتين أو ثلاثا تقريبا، ثم يصحو ليتناول طعام الإفطار معي، وكان يحب دائما أن يساعدني ويعمل معي حتى يخفف رتابة العمل، ثم يجلس في مكتبه يستقبل المكالمات، ويرد على الرسائل التي كانت تأتي إليه بكثرة من الشبان عاشقي الشهادة، أو رسائل إدارية تخص الجهاز، وإذا شعر بالتعب كان يخفف عن نفسه بأن يجاذبني أطراف الحديث عن ماضيه".
وتضيف زوجة الشهيد: "كنت أحاول أن أستفيد من كل كلمة يتفوه بها زوجي؛ لأنه كان يزن الكلمة قبل أن ينطق بها، وكل كلمة يلقيها بذرة يحرص على أن تنمو وتترك أثرا إيجابيا في مستمعها".
حريص على "حماس"
وأشارت ماجدة إلى أن القائد صلاح شحادة كان حريصا جدا على أموال حركة حماس، "ويدقق كثيرا كيف صرف الشيكل الواحد، ويحاسب معاونيه بشدة على ذلك" ودللت على هذا قائلة: "وجد رصاصة في المنزل ملقاة على الأرض فغضب غضبا شديدا وتناولها بسرعة وهو يقول: من يتهاون بالقليل يمكن أن يتهاون بالكثير".
5 منازل في شهرين
وعن احتياطاته الأمنية أوضحت ماجدة "أنه كان يهتم بشدة بهذا الجانب، وكان سلاحه الشخصي لا يفارقه حتى داخل المنزل".
وأشارت إلى أنه كان يقول: "لا يظنوا أن قتلي سهلا، فلست ممن يُقتل ولا يدافع عن نفسه، ولن يقتلوني دون خسائر". وتضيف: "كان لا يركب السيارة فورا، بل كان أحيانا يمشي قليلا ثم يركب السيارة، وأحيانا نأخذ سيارة أجرة إلى مسافة قصيرة ليتأكد أنه غير مراقب أو أن أحدا يتبعه، فننزل من السيارة الأجرة ونستقل سيارة أخرى، وأحيانا كان يقود السيارة بنفسه، وكنا لا نستقر في بيت، ولا نمكث في البيت الذي نستأجره أكثر من 7 أيام، وأحيانا أقل؛ حيث تنقلت خلال الشهرين في 5 بيوت".
كما أكدت ماجدة أن القائد شحادة كان في ساعات المساء الأولى يخرج برفقتها ليروح عن نفسه وعنها، إما إلى شاطئ البحر، أو إلى وسط المدينة وبصحبة اثنين من مرافقيه.
وتضيف: "حياته حقا كانت في خطر، ولو علم اليهود بأمره لقصفوا المكان الذي به، أو انزلوا جنودهم لخطفه، ولكن الخوف لم يعرف يوما طريقا إلى قلبي؛ لأنه كان يتعامل معي كإنسان عادي يريد أن يعيش ويغتنم كل فرصة في الحياة ليخدم دينه وحركته وجهاده، وعندما كنت أنهاه وأطلب منه أن يأخذ الحيطة والحذر أكثر فيقول لي: أريد أن أغتنم كل لحظة من حياتي؛ فأيامي معدودة، وسألقى ربي، وأريد أن ألقاه وهو راض عني؛ فالشهادة عندي أسهل من شربة ماء يتناولها أحدنا".
وتصف ماجدة والدمع يفيض من عينيها: "كان نعم الزوج المثالي، إذا شعر بالملل أو التعب -خاصة أنه كان أحيانا يواصل الليل بالنهار- مارس الرياضة، وإذا وجد بعض الأعمال المنزلية كان يقوم بها بنفسه، فكنت أنهاه وأقول له: يكفيك ما عليك من أعباء جهادية؛ فيرد عليّ بقوله: لست خيرا من رسول الله، لقد كان يساعد أهل بيته فدعيني أحيي سنته". وأضافت أنه كثيرا ما كان يجلس ليراجع حفظه من كتاب الله.
وسكتت برهة لتكمل بنبرة حزينة: "كان يتمنى -رحمه الله- أن ينهي مراجعته لحفظ القرآن الكريم الذي أجاد حفظه أثناء مكوثه في المعتقل، ولكن لكثرة أشغاله لم يتمكن إلا من مراجعة بضعة أجزاء".
السجن علمه الصبر
وحول أهم ما تعلمته من القائد القسامي تقول: إنها تعلمت منه التواضع وامتلاك الأعصاب الهادئة، والتصرف في الأمور بحكمة، مشيرة إلى أنه كان يقول لها: إن القائد يجب أن يكون هادئ الأعصاب لا ينفعل.
وتضيف ماجدة أنها عندما سألته: أين تعلمت هذا؟ قال لها: "في السجن، كان الوقت يمر ببطء، كنت في زنزانة عتمة طولها أقصر مني، وعرضها لا يكفي لأنام، وظلامها لا أرى منه يدي، ورائحتها كريهة، في الشتاء أبرد من الثلج، وفي الصيف رطوبة قاسية، لا أعرف فيها الليل من النهار، ومع ذلك عشت ولم أشعر فيها بأي ألم".
صحابي القرن الـ21
وأضافت: "كان حقا صحابيا في القرن الحادي والعشرين، لقد كان أمّة تفيض بالحب والتسامح، فقد كان يقول: يجب أن نربي الأجيال القادمة على الحب والتواضع".
وتؤكد ماجدة أنه كان شديد التواضع، لا يغضب أحدا منه، وكان على استعداد لأن يخاطر بروحه في سبيل أن يزيل غضب أي إنسان عنه؛ لأن شعاره كان دائما: "أحب أن ألقى ربي وليس في كتابي مظلمة لأحد، أريد أن أفوز بالجنان ورضى الرحمن"، وتستكمل ماجدة: "كان يمتلك سحرا عجيبا يمكنه من أسر القلوب بنظرة واحدة منه، وفرض احترامه على العدو قبل الصديق".
وتكمل ماجدة وقد شخصت ببصرها جانبا وكأن شحادة ماثل أمامها: كان إذا سمع صوت الأناشيد الإسلامية التي تحض على الجهاد خاصة نشيد "هيأت لي أمي فراشا" يبكي بكاء شديدا ويقول لي: "ودعت شهداء كثيرين من خير شباب الحركة الإسلامية سبقوني إلى الجنة، أوشك أن أقبّل قدم أحدهم وأنا أودعه وأرجوه أن يسلم لي على صحابة رسول الله وأبي بكر وعمر، وأرجو من الله أن يجمعني بأولادي الاستشهاديين وصحابة رسول الله".
والد للاستشهاديين
وتصف زوجة الشيخ شحادة ليلة وداعه لجثمان أحد الاستشهاديين فتقول: "عاد إلى المنزل بعد منتصف الليل بعدما ذهب لذوي أحد الاستشهاديين بنفسه ليبشرهم بخبر استشهاده، وليخفف عنهم مصابهم، وأخذ يقول لي: إني أشم رائحة المسك تعطر ملابسي وتملأ المكان، وظلت رائحة المسك في أنفه حتى بعدما اغتسل وبزغ الفجر".
شعر بأجله
وعن آخر ما تلفظ به القائد شحادة معها قالت وقد بدت ابتسامة حزينة على شفتيها: "كان -رحمه الله- يشعر أن منيته قد اقتربت، وأنه سيستشهد في هذا المنزل، وأكد أنه إذا بقي حيا سيغادره يوم الثلاثاء أي بعد استشهاده بيوم".
وذرفت الدموع من عينيها بغزارة قبل أن تكمل بصوت متقطع: إنه ظل يقول لها: "اعرفي قدرك، أنت زوج القائد صلاح شحادة، فارفعي رأسك عاليا، وحافظي على اسمه، واجعلي بيته مفتوحا لكل محتاج، وأوصيك ببناتي خيرا".