لكم فلسطينكم ولي فلسطيني - لكم فلسطينكم ولي فلسطيني - لكم فلسطينكم ولي فلسطيني - لكم فلسطينكم ولي فلسطيني - لكم فلسطينكم ولي فلسطيني
لكم فلسطينكم ولي فلسطين
لكم فلسطينكم ومعضلاتها, ولي فلسطيني وجمالها.. لكم فلسطينكم بكل ما فيها من الأغراض والمنازع, ولي فلسطيني بما فيها من الأحلام والأماني.
لكم فلسطينكم فاقنعوا بها, ولي فلسطيني وأنا لا أقنع بغير المجرد المطلق.
...
فلسطينكم عقدة سياسية تحاول حلها الأيام, أما فلسطيني فتلول تتعالى بهيبة وجلال نحو إزرقاق السماء.
فلسطينكم مشكلة دولية تتقاذفها الليالي, أما فلسطيني فأودية هادئة سحرية تتموج في جنباتها ربات الأجراس وأغاني السواقي.
فلسطينكم صراع بين رجل جاء من المغرب ورجل جاء من الجنوب, أما فلسطيني فصلاة مجنحة ترفرف صباحا عندما يقود الرعاة قطعانهم إلى المروج وتتصاعد مساء عندما يعود الفلاحون من الحقول والكروم.
فلسطينكم حكومة ذات رؤوس لاعدد لها, أما فلسطيني فجيل رهيب وديع جالس بين البحر والسهول جلوس شاعر بين الأبدية والأبدية.
فلسطينكم حيلة يستخدمها الثعلب عندما يلتقي الضبع والضبع حينما يجتمع بالذئب, أما فلسطيني فتذكارات تعيد على مسمعي أهازيج الفتيات في الليالي المقمرة وأغاني الصبايا في البيادر والمعاصر.
فلسطينكم مربعات شطرنج بين رئيس دين وقائد جيش, أما فلسطيني فمعبد أدخله بالروح عندما أمل النظر إلى وجه هذه المدينة السائرة على الدواليب.
فلسطينكم رجلان: رجل يؤدي المكوس ورجل يقبضها, أما فلسطيني فرجل فرد متكئ على ساعده في ظلال الأرز وهو منصرف عن كل شيء سوى الله ونور الشمس .
فلسطينكم مرافىء وبريد وتجارة, أما فلسطيني ففكرة بعيدة وعاطفة مشتعلة وكلمة علوية تهمسها الأرض في أذن الفضاء, فلسطينكم موظفون وعمال ومديرون, أما فلسطيني فتأهب الشباب وعزم الكهولة وحكمة الشيخوخة, فلسطينكم وفود ولجان, أما فلسطيني فمجالس حول المواقد في ليال تغمرها هيبة العواصف ويجللها طهر الثلوج.
فلسطينكم طوائف وأحزاب, أما فلسطيني فصبية يتسلقون الصخور ويركضون مع الجداول ويقذفون الأكر في الساحات.
فلسطينكم خطب ومحاضرات ومناقشات , أما فلسطيني فتغريد الشحارير وحفيف أغصان الحور والسنديان, ورجع صدى النايات في المغاور والكهوف.
فلسطينكم كذب يحتجب وراء نقاب من الذكاء المستعار, ورياء يختبئ في رداء من التقليد والتصنع ,أما فلسطيني فحقيقة بسيطة عارية إذا نظرت في حوض ماء ما رأت غير وجهها الهادىء وملامحها المنبسطة.
فلسطينكم بنود على أوراق وعقود في دفاتر, أما فلسطيني ففطرة في أسرار الحياة وهي لا تعلم أنها تعلم, وشوق يلامس في اليقظة أذيال الغيب ويظن نفسه في منام.
فلسطينكم ينفصل آناً عن سورية ويتصل بها آونة ثم يحتال على طرفيه ليكون بين معقود ومحلول, أما فلسطيني فلا يتصل ولا ينفصل ولا يتفوق ولا يتصاغر.
لكم فلسطينكم ولي فلسطيني
لكم فلسطينكم وأبناؤها , ولي فلسطيني وأبناؤها.
ومن هم ياترى أبناء فلسطينكم?
ألا فانظروا هنيهة لأريكم حقيقتهم.
هم الذين ولدت أرواحهم في مستشفيات الغربيين.
هم الذين استيقظت عقولهم في حضن طامع يمثل دور أريحي.
هم تلك القضبان اللينة التي تميل إلى اليمين وإلى اليسار ولكن بدون إرادة, وترتعش في الصباح وفي المساء ولكنها لا تدري أنها ترتعش.
هم تلك السفينة التي تصارع الأمواج وهي بدون دفة ولاشراع, أما ربانها فالتردد وأما ميناؤها فكهف تسكنه الغيلان- أو ليست كل عاصمة في أوروبا كهفا للغيلان?
هم الأشداء الفصحاء البلغاء ولكن بعضهم لدى بعض, والضعفاء الخرسان أمام الطامعين في أحلامنا.
هم الأحرار المصلحون المتحمسون ولكن في صحفهم وفوق منابرهم, والمنقادون أمام الغربيين.
هم الذين يضجعون كالضفادع قائلين: لقد تملصنا من عدونا الطاغية القديم, وعدوهم القديم الطاغية مابرح يختبئ في أجسادهم.
هم الذين يسيرون أمام الجنازة مزمرين راقصين, حتى إذا ما التقوا موكب العرس تحول تزميرهم إلى نواح ورقصهم إلى قرع الصدور وشق الأثواب.
هم الذين لا يعرفون المجاعة إلا إذا كانت في جيوبهم, فإذا ما التقوا من كانت مجاعته في روحه ضحكوا منه وتحولوا عنه قائلين: ما هذا سوى خيال يسير في عالم الأخيلة.
هم أولئك العبيد الذين تبدل الأيام قيودهم المصدأة بقيود لامعة فيظنون أنهم أصبحوا أحرارا مطلقين.
هؤلاء هم بعض أبناء فلسطينكم , فهل بينهم من يمثل العزم في صخور فلسطين أم النبل في ارتفاعها أم العذوبة في مائها أم العطر في هوائها? هل بينهم من يتجرأ أن يقول: إذا ما مت تركت وطني أفضل قليلا مما وجدته عندما ولدت? هل بينهم من يتجرأ أن يقول: لقد كانت حياتي قطرة من الدم في عروق فلسطين أو دمعة بين أجفانها أو ابتسامة على ثغرها?
هؤلاء هم أبناء فلسطينكم, فما أكبرهم في عيونكم وما أصغرهم في عيني..!
ولكن قفوا قليلا وانظروا لأريكم أبناء فلسطيني:
هم الفلاحون الذين يحولون الوعر إلى حدائق وبساتين.. هم الرعاة الذين يقودون قطعانهم من واد إلى واد فتنمو وتتكاثر وتعطيكم لحومها غذاء وصوفها رداء.
هم الكرّامون الذين يعصرون العنب خمرا ويعقّدون الخمر دبسا.
هم الآباء الذين يربون أنصاب التوت والأمهات اللواتي يغزلن الحرير.
هم الرجال الذين يحصدون الزرع والزوجات اللواتي يجمعن الأغمار.
هم البناؤون والفخارون والحائكون وصانعو الأجراس والنواقيس.
هم الشعراء الذين يسكبون أرواحهم في كؤوس جديدة, وهم شعراء الفطرة الذين ينشدون العتابا والمعنى والزجل.
هم الذين يغادرون فلسطين والحماسة في قلوبهم والعزم في سواعدهم ويعودون إليها وخيرات الأرض في أكفهم وأكاليل الغار على رؤوسهم.
هم الذين يتغلبون على محيطهم أينما حلوا ويجتذبون القلوب إليهم أينما وجدوا.
وهم الذين يموتون في الأكواخ, ويموتون في قصور العلم, هؤلاء هم أبناء فلسطين. هؤلاء هم السرج التي لا تطفئها الرياح والملح الذي لا تفسده الدهور.
هؤلاء هم السائرون بأقدام ثابتة نحو الحقيقة والجمال والكمال.
وماذا عسى أن يبقى من فلسطينكم وأبناء فلسطينكم بعد مئة سنة?
أخبروني- ماذا تتركون للغد سوى الدعوة والتلفيق والبلادة? هل تحسبون أن الزمن يحفظ في ذاكرته مظاهر الخداع والمداهنة والتدليس?
أتظنون أن الأثير يخزن في جيوبه أشباح الموت وأنفاس القبور?
أتتوهمون أن الحياة تستر جسدها العاري بالخرق البالية? أقول لكم والحق شاهد علي إن نصبة الزيتون التي يغرسها القروي في سفح فلسطين لأبقى من جميع أعمالكم ومآتيكم, والمحراث الخشبي الذي تجره العجول في منعطفات فلسطين لأشرف وأنبل من كل أمانيكم ومطامحكم, أقول لكم وضمير الوجود صاغ إليّ إن أغنية جامعة البقول بين هضبات فلسطين لأطول عمرا من كل ما يقوله أوجه وأضخم ثرثار بينكم. أقول لكم إنكم لستم على شيء.
ولو كنتم تعلمون أنكم لستم على شيء لتحول اشمئزازي منكم إلى شكل من العطف والحنان, ولكنكم لا تعلمون.
لكم فلسطينكم ولي فلسطيني.
لكم فلسطينكم وأبناء فلسطينكم فاقتنعوا به وبهم إن استطعتم الاقتناع بالفقاقيع الفارغة, أما أنا فمقتنع بفلسطيني وأبنائها وفي اقتناعي عذوبة وسكينة وطمأنينة.