الحلقة ( 2 ) . . . . العتابا
وهي من اكثر الاغاني الشعبية انتشارا و هي مشتقة من العتاب ولها عدة قصص و حكايا و روايات ... سنذكر اشهرها و فق الكاتب الاستاذ نمر حجاب " مدير مدرستي اثناء الدراسة الاساسية في مخيم اربد احدى مدارس وكالة الغوث " حيث يقول الاستاذ نمر حجاب :
العتابا نمت و ترعرعت شمال فلسطين ...ومنها انتقلت الى لبنان و سوريا حتى العراق , ويقول ان اصل العتابا يعود لشاب اسمه ( محمد العابد )... ... يسكن قرية شمال فلسطين . . . . احب محمد العابد ابنة عمه عتابا , حتى اشتعل الحب بقلبيهما , وعندما حضرت عتابا ذات يوم الى بيت عمها والد محمد العابد , طلبت منها امه ان تقيس ثوب ابنها على جسمها , ولما خلعت ملابسها و ارتدت الثوب , شاهدها محمد المختبئ في البيت فصاح :
بداري في محبتكم بداري يا قمح الوطن يا رز بداري
اتفرج يا خلق ثوبي بداري على جســم المــليح الصحابا
فردت عليه عتابا فورا :
يحرم علي داركو ان عدت اجيها تتشيب الناس و تبيض الغراب
حتى اذا مرض محمد العابد رفضت عتابا زيارته , وأقسمت ان لا تراه الا على المقبرة ... فتظاهر محمد العابد بالموت , و لما حمل على النعش توجهوا للمقبرة , فخرجت عتابا تقول :
لوى وين لوى وين زندي على زنده لوى وين
الا يا حاملين النعش على وين بالله تحطوا تنودع الاحباب
فلما سمعها محمد العابد نهض من نعشه و قال :
عتابا وتسلين بعدكم و لا الدنيا بتحلالي بعدكم
حرام السن يضحك بعدكم ما دام عيونكو عنا غياب
*** فهذه هي العتابا و هذه هي زفرات وجع الالم والعتاب للوطن و الشعب و الانسان و الحبيب و الحبيبة فلسطين .... وتناولت عدة مواضيع العتابا ومنها السفر و الفراق و الغربة و الوطن ..
*** وهناك العديد من القصص و الروايات عن محمد العابد و عتابا سأذكرها لاحقا ..... " لاعب النرد "
حكاية اخرى تنسب لمحمد العابد و عتابا يروى أن شخصا إسمه محمد العابد من قرية البعنة قضاء عكا، كان يحب فتاة من قريته، إسمها عتابا، ويقال سمي هذا النوع من الشعر الغنائي بالعتابا على إسمها؛ وكانت عتابا تقول الشعر كذلك، وكان حبهما عذريا، وذات يوم ذهبت عتابا مع بنات القريه إلى صائغ فأخرها الصائغ عن باقي الفتيات لنية سوء فذهبت عنها بنات القريه بقييت إلا هي فذهب محمد العايد لبلدة الصائغ ليتفقدها وعندما علم بنية الصائغ هم لقتله فمنعته عتابا لكي لا تفضح فرجع بها للقريه وكانا قد اتفقا على أن يرمي لها قميصه من فوق سور البيت في الليل وذلك لتغسله في اليوم التالي على العين؛
أخذت قميصه مع غسيل أسرتها إلى العين في اليوم التالي، ولم يكن هناك أحد؛ خلعت ثيابها وقبلت قميص محمد العابد، ثم لبسته؛ وفي تلك اللحظة سمعت صوتا يقول ـ
بدالي من جمالك ما بدالي ـــ يا عود الحور خيم علآلي
مسعد يا قميصي يا لكنت بدالي ـــ على جسم نظيف وشعر ماب
فعلمت أنه محمد العايد
جميله يا محمد العابد جميله ـــ علبس الثوب بتحملنا جميله
محرمه داركو ان عدنا نجيلا ـــ حتى يشيب النسر ويبيض الغراب
فخجل محمد العابد وندم ، وعاد نادما حاول بعد ذلك التقرب منها ومصالحتها لكن عبثا؛ كادت تنقضي سنة كاملة دون أن يحظى منها ولو بنظرة، فاضطر إلى أن يفضي بسره لأحد أصدقائه، فشار عليه ذلك الصديق بأن يتظاهر بالمرض، ففعل، فزاره كل الناس باستثناء عتابا، فمرض حقا، وطال مرضه ولم تزره عتابا؛ فشار عليه صديقه أن يتظاهر بالموت ويترك وصية ألا يغسله إلا صديقه هذا وليترك الباقي على هذا الصديق؛
ففعل، وغسله صديقه، وكفنه، ووضعه على التابوت الذي كان عبارة عن سلم خشبي عادي يوضع عليه الميت ويغطى، ويحمله أربعة من أقاربه أو أولاده؛ سارت الجنازة في حارات القرية نحو المقبرة، وعندما اقتربت من بيت عتابا صاح صديق محمد العابد بأعلى صوته ـ الفاتحة على روح محمد العابد ـ، سمعت عتابا ذلك فطار صوابها، واندفعت نحو الجنازة وهي تنشد هذه الأبيات ـ
مضيت العمر أتحاور أنا وياك ـــ ما حدا يدري بمحبتنا أنا وياك
أنا تمنيت هلموته أنا وياك ـــ بقلب حفرة ونشبك العشرة سوا
يمن كنتو أيادي الخصم لاوين ـــ حبكو بالقلب فاتح لواوين
بالله يا حاملين النعش لا وين ـــ حطو النعش تنودع هلحباب
فقال صديق محمد العابد ـ يا ناس حرام عليكو، حطوا النعش خلي عتابا تودعه ـ، فوضعوا النعش على الأرض، وأبعد صديقه الناس عنه كيلا تخجل عتابا وهي تودعه، وكشف لها عن وجهه، فقبلته والدموع تنهمر من عينيها قائلة ـ سامحني يا محمد، سامحني ـ، فهب محمد العابد من نعشه وطوقها بذراعيه وقبلها، فصاح صديقه ـ الله أكبر، الميت طاب ـ فكرر أهل القرية نفس الكلام وهم مصدقون لما شاهدوا؛ وعندئذ قرر أهل محمد العابد وأهل عتابا تزويجهما، وعادت الجنازة بزفة فرح وعرس.
والعتابا عادة شعر غزلي رقيق فيه عتاب وتأوّه لفراق الأحبة