أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب - أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب - أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب - أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب - أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب
أمريكا من الداخل
بمنظار سيد قطب
المؤلف: الدكتور
صلاح عبد الفتاح الخالدي
دار المنارة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومَن يهده الله فلا مضل
له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه
وآله أما بعد:
فإن لأمريكا صولة وجولة في مختلف بقاع العالم ومنه عالمنا العربي والإسلامي في هذا الوقت، إن إمريكا بدأت
تظهر بوجهها الاستعماري الكالح في اعقاب الحرب العالمية الثانية، تلك الحرب التي حطمت الدول الأوروبية
المستعمرة، وجعلت شمسها تغرب عن مستعمراتها، فاستلمت أمريكا الراية الاستعمارية الجاهلية الدنسة، وأمعنت
في استعمارها وهيمنتها وسلطانها على البلدان الخاضعة لها،على الطريقة الامريكية البدائية، بصلفها وعنجهيتها
وغرورها وغطرستها...
أما روسيا التي تقابل أمريكا في استعمارها وجاهليتها وصلفها وقوتها وهيمنتها فإنها ليست اقل منها في الروح
الاستعمارية، ولكنها أقل منها في الحركة والخطط والمؤامرات والدسائس وإخضاع الأقطار الأخرى.. فهي متصفة
بصفات الدب الروسي البطيء العاجز...
وخضع عالمنا العربي والإسلامي بعد الحرب العالمية الثانية للنفوذ الأمريكي، واكتوت شعوبه بالصلف
الأمريكي، وذاقت الانتهازية الامريكية، وطبقت أمريكا على هذا العالم ما تريد من مناهج ونظم، ومبادئ وقيم،
وثقافات وفنون، واخلاق وسلوك، ومؤامرات ودسائس، وحروب واحداث...
وتعرّف كثيرون من أفراد هذا العالم العربي والإسلامي على أمريكا ومناهجها وعلومها ومعارفها، ومن ثم عرفوا كيف يقيمونها وكيف يزنونها، وكيف ينظرون إليها... وأخيرًا عرفوا
رصيدها من المبادئ والقيم، والأخلاق والمثل،وعرفوا حقيقة رسالتها،وخلفية أهدافها ورايتها ودعايتها،وعرفوا
الكثير من دسائسها ومؤامراتها وأحابيلها، ومكرها وكيدها وانتهازيتها... ولذلك راحوا يُبَصِّرون الامة الإسلامية بما
يجري، ويعرِّفونها على حقيقة أمريكا ودورها في المنطقة، ويحذرونها من الخطر الأمريكي الماحق المدمر،
ويبينون لها عواقب الاستسلام والخضوع لأمريكا، والثمار التي ستجنيها من ذلك. راحوا يبينون للأمة أمريكا
وحضارتها ونظامها وقوتها، ويعرضونها على حقيقتها، وعلى ضآلتها، وعلى قزامتها، وعلى انتفاشها، وعلى
غرورها، وعلى زخرفتها...
وفي الحقيقة نقول: إن عَداء أمريكا للإسلام والمسلمين كبير، وإن أمريكا قد ورثت من الشعوب والدول الأخرى
حقدها على الإسلام والمسلمين،وعداءها وصليبيتها ومكرها وكيدها وهذا كله كبير ثم أضافت إلى ذلك الإرث
البغيض ما اتصفت به الشخصية الامريكية من بدائية وعناد وغرور وصلف، وادعاء وانتفاش، فجاء عداؤها لهذه
.[ الأمة ومكرها وكيدها لها كبيرًا (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) [إبراهيم: ٤٦
ولما كنا قد أبصرنا كثيرًا من هذه الأمور بعينين إسلاميتين، ووقفنا على حقيقة الدور الامريكي، وعرفنا قيمة
أمريكا ووزنها بالميزان الإسلامي ولله الحمد فقد ازددنا قناعة وثقة ويقينًا بالإسلام، وازددنا استعلاء
بالايمان على المظاهر الامريكية الخادعة ولله الحمد على توفيقه وفضله وتثبيته، ونسأل الله المزيد من ذلك
والثبات عليه .
ولما كنا نطلع على آثار سيد قطب المختلفة، من مقالات ودراسات وقصائد وكتب، أثناء إعدادنا رسالتي
الماجستير والدكتوراه فقد وقفنا على مقالات لسيد قطب بديعة، عن أمريكا وحقيقتها وقيمها ورسالتها وخطرها،
كما وقفنا على إشارات عن أمريكا ورسالتها وخطرها في مقالات ورسائل له، وفي مؤلفات أصدرها ومنها
الظلال .. وقد أعجبنا بما في تلك المقالات والإشارات من تحليلات دقيقة، ونظرات نافذة، ومعلومات صحيحة،
وكلام سليم، وتقييم مطرد دائم... وقد حصل سيد قطب على ذلك كله عندما أُوفِدَ إلى أمريكا في نهاية الأربعينيات،
وبقي فيها سنتين كاملتين.
وقد كان سيد قطب يعد دراسة عن أمريكا، وضع فيها خلاصة ملاحظاته وتحليلاته هناك، وقد ضاع هذا الكتاب العجيب العميق في جملة ما ضاع من تراثه الفكري، وحرمنا وحرمت الجموع المؤمنة الواعية المجاهدة من هذا الخير العظيم... ولا حول ولا قوة إلا بالله...
وبما أن مقالات سيد قطب المذكورة في ثنايا مجلات قديمة موضوعة على رفوف المكتبات المركزية في بعض
الجامعات، وبما أن كثيرًا من المؤمنين لا يتمكنون من الوقوف على كلامه كله في تلك المجلات، سواء المقالات
منه أو الإشارات، وبما أننا أعجبنا بكلامه عن أمريكا، وأدركنا صدقه وصحته بحيث ينطبق على أمريكا في هذه
الأيام في أواسط الثمانينات وهو الذي كتب عنها في نهاية الأربعينيات... لذلك كله أحببنا أن نقدم للناس هذا
الكتاب، وأن نضع بين أيديهم هذه الحقائق، وأن نخرج هذا الكنز من كنوز سيد قطب من بين أطواء المجلات ليرى
النور، لعله يقدم مزيدًا من الحقائق عن أمريكا، ويساهم في تحذير هذه الأمة من الخطر الأمريكي، وفي إعادتها الى
مصدر قوتها وعزها وسعادتها...
وقد قسمنا هذا الكتاب إلى قسمين:
القسم الأول: دراسة وضعناها بين يدي كلام سيد قطب الذي جمعناه، وهدفنا من الدراسة أن نزوِّد القارئ
بمعلومات تأريخية عن سيد قطب وأمريكا، وأن نعطي القارئ خلاصة تقييم سيد قطب لأمريكا.
وجاءت الدراسة في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: سيد قطب في أمريكا:
أشرنا فيه إلى نشاطه في مصر قبل إيفاده إلى أمريكا، وبيّنا ان إيفاده الى أمريكا كان بقصد التخلص منه،
وعرفنا على حقيقة مهمته في أمريكا، ورافقناه في رحلته إليها، وما جرى له في الرحلة من أمور، بصَّرته بنفسه
ورسالته ودوره ودينه، وكان هذا توفيقًا من الله سبحانه، وتحقيقًا لإرادته عز وجل، ثم أشرنا إلى تنقله بين ولايات
أمريكا، وإلى صور من نشاطه هناك... وأخيرًا عودته إلى مصر بعد سنتين كاملتين.. ثم اصطدامه بأعوان أمريكا
في مصر، واستقالته من وزارة المعارف ومهاجمته لهم ولأمريكا معهم...
الفصل الثاني: تقييم سيد قطب لأمريكا:
بينا فيه الأساس السليم والصحيح والمنضبط في التقييم، وهو الذي استخدمه سيد قطب في تقييمها، فجاءت
أحكامه صائبة، ونتائجه صحيحة... بينا من خلال كلام سيد قطب عن أمريكا في الأماكن المتفرقة أصل
الأمريكيين ونفسياتهم، ثم تمكن صراع البقاء وشهوة الحرب في نفوسهم، وعرَّفنا على مشاعرهم وعواطفهم... وبينا
ان في أمريكا مساحات شاسعة ما زالت تعتبر أرضًا بكرًا، وأن أمريكا هي ورشة العالم
وتكلمنا عن البدائية الأمريكية، وأشرنا إلى نماذج من هذه البدائية: البدائية في النظرة إلى الدين. والنظرة الى الجنس.
والنظرة إلى الفن. والألعاب الرياضية. والأذواق والأمزجة...ثم شاركنا سيد قطب إشفاقه على البشرية من أمريكا
لأنها تمثل الانتهازية،ولأن شعبها بدون مشاعر أو اخلاق أو اعصاب.. ثم أشرنا إلى أن أمريكا تعيش عقوبة الفطرة
الربانية التي خرجت عليها، فحقت عليها سنة الله، وأنها قد وضعت قدميها على أول طريق الزوال والسقوط، وأنها
تعيش بداية نهايتها.وقد ختمنا هذا الفصل بالإشارة إلى أهم فضائل أمريكا.
الفصل الثالث: كلام سيد قطب عن أمريكا:
هدفنا منه إلى تعريف القارئ بأماكن ذلك الكلام التي يوجد فيها وأنواعه، فهو إما رسائل لسيد قطب بعثها من
أمريكا إلى أهله وأقاربه ومعارفه وأصدقائه، وإما مقالات أوردها في مجلات عن أمريكا، وإما إشارات لأمريكا في
كتبه الإسلامية وفي طليعتها الظلال.. وختمنا هذا الفصل بتعريف القارئ بمصير كتابه " أمريكا التي رأيت "
القسم: النصوص:
خصصنا هذا القسم لكلام سيد قطب عن أمريكا، وقد جاء هذا القسم في أربعة فصول.
الفصل الأول: مقالات سيد قطب عن أمريكا:
أوردنا فيها المقالات التي تحدث فيها عن أمريكا، وخصصها كلها لذلك الحديث. ومن المقالات التي أوردناها،
مقالاته الثلاث التي نشرها في مجلة الرسالة بعنوان « إسلام أمريكاني » و « الضمير الأمريكي وقضية فلسطين » " وأمريكا التي رأيت " صلب هذا القسم وزبدته وأهم ما فيه، ومن هذه المقالات
في مجلة الكتاب. وختمنا هذا « حمائم في نيويورك » في مجلة الرسالة. ومقالة « عدونا الاول الرجل الأبيض » و
في الكتاب. « ودعاء الغريب » في الرسالة و « هتاف الروح » الفصل بإيراد قصيدتين له قالهما وهو في أمريكا
الفصل الثاني: إشارات سيد قطب في المجلات عن أمريكا:
وهي إشارات مجملة وردت ضمن مقالة له كتبها في أمريكا، أو رسالة له بعثها من أمريكا، تحدث فيها عن
موضوعات أخرى، فأخذنا منها الجزء المتعلق بهذا الكتاب، وتركنا الباقي. أوردنا في هذا الفصل تعليق سيد قطب
« في الادب والحياة » و « موسيقى الوجود » وإشارته في مقالي « العشرون الذين صاغوا القرن العشرين » على مقال
ثم أوردنا ما يتعلق بموضوع الكتاب من رسائله إلى كل من: توفيق الحكيم، وعباس خضر، » وأنور المعداوي.
الفصل الثالث: إشارات سيد قطب في الظلال عن أمريكا:
حيث لاحظنا أن سيد قطب استخدم أمريكا وسيلة إيضاح وهو يفسر آيات القرآن الكريم فيلتفت إلى
النموذج الأمريكي المجسم للمادية والجاهلية والكفر والانحلال، ويبين صدق انطباق الآية عليه، وصدق الدلالة
الناتجة عنه.. وبلغت هذه الإشارات في الظلال خمس عشرة إشارة.
الفصل الرابع: إشارات سيد قطب في كتبه الإسلامية عن أمريكا:
حيث لا حظنا في هذا الفصل أيضًا ان سيد قطب كان يلتفت إلى الواقع والنموذج الأمركي، وهو يقدم لنا الإسلام
ومبادئه وقيمه وحضارته، باعتبار أمريكا نموذجًا مجسمًا للنظام والحضارة والحياة الجاهلية. والكتب التي وجدنا
« دراسات إسلامية » و « السلام العالمي والإسلام » و « معركة الإسلام والرأسمالية » : تلك الإشارات فيها هي
.« معالم في الطريق » و « الإسلام ومشكلات الحضارة » و
وختمنا هذا الفصل بتحليل صائب لسيد قطب عن دور أمريكا في المنطقة واحتكارها لها، وقصيدة لسيد قطب
.« هبل.. هبل » يصور فيها أتباع أمريكا وعملاءها ونحب أن نبين للقارئ الكريم أننا اجتهدنا في القسم الثاني بفصوله الأربعة في تقسيم كل مقالة أو رسالة أو
إشارة إلى أقسام جزئية، واجتهدنا في وضع عنوان جانبي لهذه الفقرة الجزئية، وحرصنا على أن يكون العنوان
لكلام سيد « التصنيف الموضوعي » معبرًا عن الفقرة، دالا على موضوعها... الذي حملنا على هذا هو حرصنا و رغبتنا في تسهيل الأمر على القارئ، وحصر الموضوع امامه، وشد انتباهه له.
ونرجو أن نكون قد وفقنا في تقسيم الفقرات، ثم في اختيار العناوين...
لقد كتب كثيرون عن أمريكا، وسجلوا نظراتهم وتحليلاتهم، ولكنهم اختلفوا باختلاف المنظار والميزان والزاوية
والأرضية.. ولقد كتب إسلاميون عن أمريكا في المجلات الإسلامية، وأفادوا كثيرًا في مقالاتهم عنها.. لكن يبقى لسيد قطب دقته وعمقه وتحليلاته، ويبقى لكلامه أصالته ومنهجيته وبعده وإننا نبارك كل الجهود الصادقة، في تحليل
أديب أو محاضر أو صحفي، يبصّر الناس بالخطر الامريكي، ويحذرهم من عواقبه، ويربطهم بمصدر قوتهم
وعزتهم.. وهو إسلامهم العظيم.. وإننا نثني على كل كلمة مخلصة تصدر عن لسان مؤمن، وقلب منيب سليم، تبين
أمريكا على حقيقتها وإفلاسها.. وتحذر من التبعية لها في السياسة أو الاقتصاد أو الأخلاق أو الاجتماع أو الفن او
التعليم أو غير ذلك.. ونعتبر كل هذا الجهد المبارك مساهمة صادقة من المخلصين في
تعريفها على عدوها اللدود
ومهاجمته وهزيمته،
فإلى العاملين المخلصين نقدم هذه المساهمة، ونهدي هذا الكتاب، ليزدادوا ثقة ويقينًا واستعلاء ومعرفة، وإلى
« المضبوعين » من الناس المخدوعين ...ولعلهم يستيقظون !!!
ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا اعمالنا.. وان يرحم استاذنا الشهيد سيد قطب، ويعلي منزلته في عليين.. ان اريد إلا الإصلاح ما
استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب...