«يعرفونه كما يعرفون أبناءهم» - «يعرفونه كما يعرفون أبناءهم» - «يعرفونه كما يعرفون أبناءهم» - «يعرفونه كما يعرفون أبناءهم» - «يعرفونه كما يعرفون أبناءهم»
«يعرفونه كما يعرفون أبناءهم»
د. صلاح الخالدي
وقفتنا اليوم مع قول الله عز وجل: }الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون{ (الأنعام: 20).
تتحدث الآية الكريمة عن نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتقدم الدليل التاريخي على هذه النبوة، وهو معرفة أهل الكتاب الجازمة القاطعة أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله.
ومصطلح "أهل الكتاب" في القرآن يشمل اليهود والنصارى، فاليهود كتابهم التوراة النازل على موسى عليه السلام، والنصارى كتابهم الإنجيل النازل على عيسى عليه السلام.
تقرر الآية الكريمة أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله، معرفة يقينية جازمة قاطعة، لا شك فيها، والدليل على قوة ويقينية هذه المعرفة أنها كمعرفتهم لأبنائهم، ومن المعلوم أن معرفة الرجل بابنه معرفة يقينية، فهو لا يشك أنه ابنه، ويمكن أن يميز ابنه بالشكل أو الصوت من بين عشرات الأولاد.
وقد جاءت معرفتهم اليقينية من خلال البشارات التي بشّرهم بها رسلهم وأنبياؤهم، والصفات المذكورة في كتابهم.
لقد بشَّر موسى عليه السلام قومه بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بالإيمان به، وبشّر عيسى عليه السلام أتباعه به، وأمرهم بالإيمان به، ووردت بعض صفات الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم في التوراة وفي الإنجيل!!
وقد أكدت هذه الحقيقة آيات كريمة، منها قوله تعالى: }وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدّقاً لما بين يديَّ من التوراة، ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين" (الصف: 6).
وأخذ الله العهد والميثاق على الرسل السابقين وأتباعهم، في وجوب الإيمان بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: }وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدِّق لما معكم لتؤمننَّ به ولتنصرنَّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين{ (آل عمران: 81).
لكن ماذا نتج عن هذه المعرفة الجازمة؟ هل كان أهل الكتاب منسجمين مع هذه المعرفة؟ وهل كانوا صادقين مع أنفسهم؟ وهل اتبعوا المعرفة بالعمل والتنفيذ والتطبيق والالتزام؟.. كلا، لقد كانوا متناقضين مع أنفسهم ومعرفتهم، حيث كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنكروا رسالته، وحاربوا دينه، وكانوا شديدي العداوة له!
اليهود يوقنون أن محمداً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيناً جازماً، بناء على البشارات به وصفاته المذكورة عندهم، ولكنهم كذّبوه وحاربوه، وكانوا أشد الناس عداوة له!
ومما يوضح هذه الحقيقة؛ ما جرى من زعيم يهودي زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"حيي بن أخطب" زعيم اليهود في المدينة، عندما هاجر لها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرت ابنته "صفية" رضي الله عنها عن ما جرى منه يوم الهجرة. و"صفية بنت حيي" أسلمت يوم فتح خيبر، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصارت من أمهات المؤمنين.
تقول صفية رضي الله عنها: لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الهجرة؛ ذهب والدي حيي وعمي أبو ياسر إليه، لينظرا إليه.. وبعد ما شاهداه؛ عادا إلى البيت في المساء وهما حزينان مهمومان.
فجلسا في ناحية من البيت يتحدثان، وكنت قريباً منهما، أسمع حديثهما.
قال عمي لأبي: هل رأيت الرجل؟ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال أبي: نعم رأيته.
قال عمي: هل الصفات المذكورة في التوراة تنطبق عليه؟
قال أبي: نعم تنطبق عليه.
قال عمي: يعني هو الرسول الخاتم الذي بشّر به رسلنا؟
قال أبي: نعم هو الرسول الخاتم!
قال عمي: فما موقفك منه إذن؟
قال أبي: موقفي منه؛ حربه ومعاداته حتى أموت!!
بعدما أيقن زعيم اليهود "حيي بن أخطب" عليه اللعنة أن محمداً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتخذ قراره الشيطاني بالتصميم على حربه ومعاداته! وإن حيي بن أخطب يسكن في قلب وعقل كل اليهود المجرمين، ولا يختلف موقفهم عن موقفه العجيب.