نسمات من أم القرى " متجدد " - نسمات من أم القرى " متجدد " - نسمات من أم القرى " متجدد " - نسمات من أم القرى " متجدد " - نسمات من أم القرى " متجدد "
نسمات من أم القرى
تأليف
د. حمزة بن فايع الفتحي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد بأبها
وإمام وخطيب جامع الملك فهد بمحايل عسير
الطبعة الأولى
1432هـ/2011
المقـــدِّمة
الحمد لله الذي أحيا الأمة بمواعظ القرآن ، وبصّرها بمصابيح الذكر والبيان ، حمتها الآيات من الضلالات وهدفها النيات للطرق الواضحات ، فصارت بهدي الذكر أمة العز و الفخر ، وتاج الحياة والدهر، فلله الحمد كم بعثت المواعظ من هلكى وشفت من صرعى ونبهت من سكرى.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورَِ ] يونس:57 [
و الصلاة و السلام على من قرأ القرآن غضاً طرياً وكان في حمله براً تقياً ، وفي منهاجه راضياً مرضياً ، صلى الله عليه ،و على آله وصحبه حملة القرآن الأصفياء ، و أهل الذكر الأتقياء ، قرأوا القرآن حق قراءته ، واهتدوا بوعظه ورسالته ، وأبانوا من حسنه ودلالته .
فيا للعجب ! كم هو عظيم هذا الكتاب ق وَالْقُرْآنِ المَجِيد ] ق :1 [أيقظت عظاته القلوب، و أطارت عجائبه ذوي الرقود ! ما أجله من كتاب، وما أعظمه من خطاب !! لا تنقضي عجائبه ، ولا تنتهي أسراره ،و لا تقل فوائده وموائده 0
ما أحوجنا يا مسلمون إلى قراءة القرآن قراءة عميقة تتجاوز حدود التلاوة المجردة لتجعل التدبر والتفهم غايتها ومقصدها ، ؟ و العمل و الانتفاع . إن كثيرين من هذه الأمة يقرأون القرآن لمجرد الثواب فحسب ، وقليل من يقرأ القرآن متدبراً متأملاً ، متعظاً.
قال الحسن البصري رحمه الله : ((نزل القرآن ليُعمل به ، فاتخذوا تلاوته عملاً)) .
إن مجرد تلاوة القرآن باللسان دون استشعار معانيه و مواعظه ، هو الذي حَرَمَ الأمة فضيلة حمل القرآن و الانتفاع به ودعوة الناس إليه ، لقد تعاملت الأمة مع القرآن في هذه العصور تعاملاً ضعيفاً جعلها تتخلف عن منازل السابقين من الصحابة والتابعين ، وجعلها تفقد الطموح الدعوي والهم الإصلاحي و تطمئن براحتها وسلامتها وبطالتها .
لقد انتهت علاقتنا بالقرآن إلى مجرد التلاوة فقط ، نَعُد حسنات ، ونحصي خيرات !! جعلت الأمة كتاب ربها منهاج ثواب لا منهاج حياة ، فتقاعست و انهزمت وصارت ساقة العالمين.......! وبعد:
فإنني أتقدم بهذه الدروس المتواضعة ضمن سلسة دروس المسجد - وسيلة لإعادة الأمة إلى كتاب ربها وعوناً على التدبر والـتأمل ، وعظة لها بما ينبغي عليها تجاه القرآن العظيم من قراءته وحفظه وتدبره و العمل به وتوجيه الناس وتذكيرهم به .
وإنني لأرجو أن تكون هذه المواعظ تسهيلاً وتقريباً لقضية التدبر الكبرى التي أهملها كثير من الناس ، فقَلَّ العمل ، وهان الانتفاع والثواب ، وتوالت المحن وفاتت الأمة الحياة الطيبة ، وغدت بمعزلٍ عن كتاب ربهــا لا تحيا مواعظة ورسائله وأحكامه ! لكأن القرآن ليس لها ، بل لأمة سواها والله المستعان!!
هذه الدروس كُتبت ، و المؤمن يتأمل الهوة الوسيعة بين الأمة والقرآن ، وما حلَّ بالمسلمين من هوان وتمزقٍ وانحطاط ، و لا سبيل لخلاصها إلا بالعودة إلى القرآن علماً وعملاً واسترشاداً ، فالأمة المسلمة في أمسّ الحاجة إلى تحكيم القرآن في حياتها ، وتنزيله في واقعها ، ليعود لها مجدها وسيادتها وحضارتها ، إذ إن القرآن قوة عظمى متوهجة ، من طبعها الإيقاظ والإحياء ، وتعميق جذور الإيمان ، وبث روح الحماس والعمل تجاه المقروء و المحفوظ ، ومن طبيعتها غلبة الأعداء والأدواء ، واجتثاث نفوذ الأباطيل والتحديات ، وكسر هامة كل صنم وكافر يصدّ عن سبيل الله تعالى، لمن قرأه حق قراءته.
إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ] الاسراء : 9 [
إن تلك الهداية والرحمة تشمخ بأتباعها أن يكونوا (ضعافاً مستذلين ) لا حول لهم ولا طول، أو أن يكونوا فريسة للأعداء ، تُنتج وتُثمر إلى بطون الكفرة و الملحدين . إن هذا القرآن عنوان العلاء والشموخ و الصمود ، لا يحمله للناس إلا ملتهبو الهمم ، وذوو البصائر الذين كانوا على الهدى المستقيم ، و نابذوا كل مهيـن وسقيم، و ضجوا من الواقع المرير.
لذا فإنني أناشد غَيرة العلماء والدعاة، لإحيـاء الأمة ، وردّها إلى الكتـاب العزيـز ،وتذكيرها به علماً وتعلماً و إيضاحاً تفسيراً و تدبراً ، مع ربط تلك الذكرى بواقعها وما تعيشه من رزايا وابتلاءات ، فالقرآن الذي صلح به وانتفع السلف ،هو نفسه هذا القرآن . وسيصلح الأواخر بإذن ربنا تبارك وتعالى كما أصلح الأوائل ، ولكن من يتعظ و يعتبر؟!!
ولا يُثرِّب الإخوة الأفاضل على عدم التطويل وإيفاء التحقيق والتوثيق لأنني سارٍ فيها على منهاج الاختصار والاقتصار ، رجاء قراءتها بعد إحدى الصلوات ، لذا آمل أن تكون في غاية الإيجاز ، بعيدة عن الإطناب والألغاز، مسترشداً بقوله تعالى: أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ]العنكبوت:51 [
ولا زلت أستحضر طريقة شيخنا العلامة النابه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ، في دروس الحرم المكي ، واتنزاعه من قراءة التراويح آية للتعليق والتفسير بأسلوب سهل مباشر، يجذب الاتنباه، ويرسخ المفاهيم، مما عاد على بالفائدة العظيمة .
فحفظ العظة القرآنية مع فهمها واستشعارها وتطبيقها ، خير من الإيضاحات و الشروحات والتعليقات التي قد يشوبها الإطالة أو الإغراب و الغموض وعدم الانسجام ، مع الحرص على تدعيم الموعظة بشيء من آثار النبوة وتوجيهات الرسالة لما في اجتماعهما من بالغ الأثر وعظيم التوجيه، ومزيد الإيضاح و التبيين ، وقد اعتمدت فيها عَلى وجه العجلة والاكتفاء بتفسير ابن كثير والسعدي رحمهما الله كضمانة علمية للتفسير الصحيح السالم من الزلل والانحراف ، مع ما أقف عليه من فوائد وتنبيهات وعظات ونِكات متفرقة في بطون الأسفار و الأفهام و الأعلام ، معتمداً في ذلك كله على صحاح الأحاديث ، معرضاً عن ضعيفها وسقيمها . وقد جادت بها الروح ، والعبـد الفقير مجاوراً البيت الحرام ، فكانت بمثابة النسمات من أم القرى ، والنفحات من الحجاز ، سرت على غير استعداد واهتمام ، بعيدة عن صخَب الحياة ، ونصَب الأشغال ، وفتنة العيال ، والله المرجو و المأمول أن يجعلها نافعة مباركة تسعد بها المساجد، وتحيا بها المنازل ، وتتربى عليها الناشئة ، إنه واسع المن و الفضل ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ] الأعراف : 231 [
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مكة ((حرسها الله )) 24/رمضان 1421هـ
1- قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) سورة يونس
يخاطب ربنا وتعالى الناس أجمعين ممتناً عليهم بهذا القرآن العظيم ، وأنه موعظة من لدنه سبحانه، أنزلها لتعظ الكافرين وتردهم عن فسادهم ، وتعظ المؤمنين، فتحي قلوبهم، وتعظ الغافلين فتوقظ ضمائرهم ، فهو موعظة تامة شافية تثبت الأخيار وتزلزل الأشرار وهو موعظة تبشر وتنذر، ترغب وتزجر .
وهو موعظ بما فيها من أمر ونهي ، وحكم و خبر ، ووعد ووعيد . وهو موعظة كافية بما فيه من حكم وأسرار ودلائل وأنوار ، وقصص وأخبار .
كانت موعظة القرآن أعظم موعظة لمن أصغى لها،وهي أطيب موعظة لمن تأملها ، وهي خير موعظة لطالبها وراغبها .
فالحمد لله الذى وعظ عباده بهذا الكتاب المبين، وهذا الذكر الحكيم ، الذى كان جلاء لأحزانهم وشفاء لغمومهم وهمومهم .
روى أحمد فى المسند بسند صحيح عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ، ناصيتى بيدك، ماضٍ فيّ حكمك ، عدل فيّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني ، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه ، وأبدله مكانه فرحاً)) .قال :فقيل : يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال (( بلى ، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها)).
أيها الإخوة : كل من يشكو ضعفه أو غفلته و قساوة قلبه ، فإن القرآن موعظته وحياته وإيقاظه ، ولا واعظ بعد كتاب الله الذي تصدَّعت له الجبال وحار فيه الأبطال ، وانقاد له أصحاب الكمال ، وهو مع موعظته الحية ، شفاء ناجع للصدور ، يطهرها من غيها وفسادها ووساوسها لا سيما الشبه والشكوك، ويُنقّيها من آفات الحقد والحسد و الضغائن لتصبح سليمة نقية .
وهو منبع الهداية والرحمة من الباري جل وعلا وهدىً ورحمةً للمؤمنين فلماذا بعد هذا البيان وهذه النعمة الجليلة ، يشتغل الناس بمفاتن الدنيا وحطامها ، ويؤثروا حلاوتها ونعيمها على الحلاوة الحقيقية والنعيم المقيم (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )). إن استغناء الناس بنور ربهم وذكره مما يورث الإيمان واليقين ويزهِّدهم في زينة الدنيا وبهارجها ، فهو خير ميراث وأنفس فضل .
اللهم انفعنا بالقرآن ، واجعله ربيع قلوبنا ، ونور صدورنا ، وجلاء أحزاننا وهمومنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
- قال تعالى : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
هذه الآية الكريمة جزء من أعظم سورة فى كتاب الله ، سورة الفاتحة كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد بن المعُلَّى رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (( لأعلمنَّك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد )) ثم قال له :(( الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيـم الذي أوتيته )) .
الفاتحة هي سر القرآن ودرته وهذه الكلمة إياك نعبد وإياك نستعين هي كنز هذه السورة وسِرُّها ، معدن الكنز و الفوز و الربح، وهي أصل التوحيد وموضع الانقياد والالتجاء يرددها المسلمون في كل صلاة ، بل في كل ركعة ، مستشعرين معنا ها ودلالتها و معناها إياك نوحد ونرجو ونخاف يا ربنا ، ونستعينك على الطاعة وسائر أمورنا وأحوالنا و المراد لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك، وتعني هذه الآية الخضوع والإذعان للإله الذى يستحق العبادة ، والتوجه إليه في كل الأمور صغيرها وكبيرها فـ إياك نعبد تبرؤ من الشرك ووسائله وسمات أهله و إياك نستعين تبرؤ من الحول والقوة والتفويص إلى الله عز وجل كما قال تعالى: فاعبده وتوكل عليه ، وما ربك بغافل عما تعملون وقوله تعالى : - قل هو الرحـمن آمنا به وعليه توكلنـــــا فلابد من تحقيق هذه الكلمة العظيمة بعبادة الله وحده دون شريك ، فلا يكفي ترديدها باللسان بل لابد من تطبيقها منهجاً وسلوكاً فما استقام من علق قلبه بغير الله ، وما عَبَدَ الله من لجأ إلى مخلوق أو ساحر ، أو طلب النفع والعون من غير الله تعالى ، فالله هو المحيط بهذا الكون، ومدبره ومصرفه وهو المستحق للعبادة ، بيده النفع والضر، وله الخلق والأمر، خالق العباد ورازقهم ، ومحييهم و مميتهم ، فكيف يُعبَدُ سواه أو يُلتجأ إلى غيره فـ إياك نعبد وإياك نستعين هي سراج التوفيق والنجاح والتسديد لمن حققها غاية التحقيق وعمل بمقتضاها، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح في الوصية المشهورة لابن عباس (( يا غلام اني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله عليك ، وان اجتمعت على أن يضروك بشئ لن يضروك إلا بشئ قد كتبه الله لك رُفعت الأقلام وجفت الصحف )) رواه احمد والترمذي اللهم اجعلنا ممن عبَدك فوحدك وأخلص لك ، وتوكل عليك و اعتصم بك ، لا إله إلا أنت سبحانك لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك إياك نعبد وإياك نستعين وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين
الذين يؤمنون بالغيب - الذين يؤمنون بالغيب - الذين يؤمنون بالغيب - الذين يؤمنون بالغيب - الذين يؤمنون بالغيب
قال تعالى : الذين يؤمنون بالغيب
هذا وصف عظيم جداً ، وصف الله به عباده المتقين الذين آمنوا بكتابه واهتدوا به هدايةً ، بلغتهم حقيقة الإيمان ، مدحَهم تعالى بكونهم يؤمنون بغيب لا يرونه ولا يشاهدونه ، فيؤمنون به قولاً واعتقاداً و عملاً، ومن ذلك الغيب ربنا تبارك وتعالى الذي يُعرف بآياته ومخلوقاته ، فكل مافى الكون دليل على وجوده ووحدانيته ، فهذا غيب يوقن به أهل الإيمان. ومن الإيمان بالغيب ، الإيمان بالملائكه و الكتب و الرسل وباليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وجزاء وجنة ونار ، ومنه أيضاً الإيمان بالقدر فهو سر الله فى خلقه لم يطلع عليه أحد ، فهو غيب يؤمن به المؤمنون ويصدقون ويُسلِّمون . وكل ما أخبر الله به ورسوله عليه الصلاة والسلام ولم نره فهو غيب يجب علينا الإيمان به والمصير إليه ، كأشراط الساعة العظام وما فيها من عجائب وأهوال نؤمن بها وأنها حق واقع ، ولا مدخل للعقول في ذلك. و كتاب ربنا القرآن ، فيه تفاصيل وأنواع من أمور الغيب يجب على كل مسلم الإيمان بها دون تردد أو ارتياب ليفوز بالهداية والفلاح ، الهداية التي تؤمِّنه من الضلال والانحراف ، والفلاح الذى هو الفوز بثواب الله وإكرامه فى الجنة العالية ، وما فيها من لذائذ ومباهج وأفراح وفيها ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين وأنتم فيها خالدون نسأل الله تعالى من فضله .
روى ابن الحاتم والحاكم وغيرهما عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بيناً لمن رآه ، والذى لا إله إلا هو ما آمن احد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ الم ذلك الكتاب لا ريب فيه . هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب - الى قوله . المفلحون
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين الذين آمنوا بك حق الإيمان ، وعبدوك حق العبادة ، اللهم آت نفوسنا تقواها و زكها انت خير من زكها ، أنت وليها ومولاها وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .
( ما لكم لا ترجون لله وقاراً) - ( ما لكم لا ترجون لله وقاراً) - ( ما لكم لا ترجون لله وقاراً) - ( ما لكم لا ترجون لله وقاراً) - ( ما لكم لا ترجون لله وقاراً)
قال تعالى : ( ما لكم لا ترجون لله وقاراً)
إن من يعظِّم الله غاية التعظيم لا يجرؤ على معصيته وهو يعلم أنه مراقب له ، مطلع على أحواله، لا يخفى عليه خافية سبحانه وتعالى ،فهو يخشى الله ويخافه لأنه عزيز ذو إنتقام ، وأما من فاته هذا الشعور فهو لا يرجو لله وقاراً أي عظمة ، ولا يخاف من بأسه ونقمته كحال قوم نوح الذين كذبوا رسولهم ، وعصوه ، وسخروا منه سخرية شديدة ، فقد وعظهم نوح عليه السلام ودعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً بشتى الوسائل ، ليلاً ونهاراً و سراً وجهاراً ورغبهم وأحسن في الترغيب ، لكنهم أصروا وكذبوا واستكبروا استكباراً.
ثم لجأ إلى أسلوب الترهيب والتهديد بقوله ( ما لكم لا ترجون لله وقاراً) أي لو عرفتم عظمة الله واستحقاقه للعبادة ما كفرتم و عاندتم ، ولو قدرتموه حق قدره لما كذبتم واستهزأتم ولكن هانت عظمة الله في نفوسكم ، فانتكست فطرتكم ، وفسدت قلوبكم ، واستحليتم الكفر على الإيمان ، والعياذ بالله .
إن كثيرين ممن يتجاسر على الذنوب والمعاصي، صغُرت عندهم عظمة الرب تبارك وتعالى لخواء قلوبهم وسقمها ،خواؤها من الذكر والنور ،و سقمها بالهوى والأدواء ، فهي بحاجة إلى أن تُملأ بذكر الله وأن تستشعر عظمته ومراقبته لها ، فهو بكل شئ محيط.
فما بال أقوام يتهافتون إلى المعاصي ، ويزعمون تعظيم الله وخشيته !! إن هذا لإفك مفترى !! فما عظَّم الله من ضيَّع الصلاة ، ومنع الزكاة ، وأكل الحرام ، وقارف المنكرات ، بل هانت عندهم المعاصي لما هانت عندهم خشية الله ومراقبته ، فصاروا يمضون بلا استحياء ومراقبة ومخافة ، نعوذ بالله من مرض القلوب.
ومن الأمور التي تقرر عظمة الله ، ما ذكره نوح عليه السلام ( وقد خلقكم أطوارا) فهو خالقكم و موجدكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكورا ، و تم هذا الخلق القويم في أطوار معلومة . من نطفة ثم من علقه ثم من مضغة ، فكيف يعصي العبد هذا البارئ العظيم الذي خلقه وطوره وجعله في أحسن تقويم ؟!!! .
الله إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وكلمة الحق في الرضا والغضب
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين
وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال تعالى : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281)
أيها الإخوة : إن وراء هذه الدنيا يوم مُفزِعٌ شديد ،تَطير منه العقول وتخضع فيه النفوس لشدة أهواله وكروبه . وفي ذلك اليوم ، يعود الخلق إلى ربهم للحساب والجزاء فلا تظلم نفس شيئاً ، فهل فكرنا في ذلك الحساب المكشوف الذي توضع فيه الموازين، وتتطاير فيه الصحف فتنكشف الأعمال، وتبلى السرائر ، وتجلو الخفيات .
- فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره
هل أعد لذلك اليوم من هو مشتغل بالدنيا وأموالها وزخارفها حتى احتوته الفعلة ونسيى المصير إلى اليوم الآخر؟!
إن تذكر ذلك اليوم مما يزهِّد في الدنيا ، ويهوِّن ، الالتفات إليها ، فهذه الدنيا إن تذكر وما ازدان فيها من جمال ومفاخر ،ليست قراراً ومسكناً بل إنها زائلة لا محالة. فليعتبر المسلمون بعلامات الزوال فيها ، وكثرة الهلكى عليها ، وما فعلته في طلابها وأحبابها قال صلى الله عليه وسلم ( فاتقوا الدنيا واتقوا النساء )
فلنتق ذلك اليوم العظيم الذي تنخلع له القلوب ، وتهون عنده البلايا والأرزاء ، فيا من ظلم وقصر وأسرف احذر ذلك اليوم وتأمل المصير إليه .
(( يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنةُ ولهم سوءُ الدار))
قال صلى الله عليه وسلم :
( أيقظوا صواحب الحُجَر، رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عارية في الآخرة )
اللهم هون علينا شدائد ذلك اليوم ، اللهم حاسبنا حساباً يسيراً
وتب علينا ، إنك أنت التواب الرحيم
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال تعالى : أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76) الفرقان
إنهم عباد الرحمن الأتقياء الذين وصفهم الله تعالى بإحدى عشرة صفة فى آخر سورة الفرقان وهي انهم إذا مشوا مشوا هوناً بسكينه ووقار ، ويقولون للجاهل الكلام اللين السهل ، والذين يبيتون ليلهم فى قيام وطاعة ، والذين يسألون ربهم النجاة من النار ولا يشركون بالله ، ولا يقتلون النفس المحرمة إلا بالحق ، ولا يرتكبون الزنا ، ولا يشهدون الزور من الشرك والباطل ومجالس السوء ، و إذا اتفق مرورهم بها مروا ولم يتدنسوا بشي منها كالكرام ، وهم ينتفعون بذكر الله ويتعظون به لا كالصم والعميان ، وهم يدعون الله أن يخرج منهم ذراري تعبده وتطيعه ليتصل العمل ، ويبقى الخير وهم يدعون الله أن يكونوا أئمة في الخير يُقتدي بهم.
هذه الصفات المباركة ، كانت سبباً فى دخول هؤلاء الخيار الغرفة التى هي الجنة ، سميت بذلك لارتفاعها لكن العمل بتلك الصفات لا يتم للمسلم دون بذل وجد ومجاهدة ، ولذلك جعل الله سبب تحصيل هذه الأوصاف ( بما صبروا ) فالصبر هو ضياء الطريق وزاد الرحيل ، وعنوان التقدم والاحتمال ، قال تعالى : ( إنه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين ) وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح ( وما أعطى عبد عطاء خيراً ولا أوسع من صبر ) فالمؤمن بالله يحتاج الى الصبر في فعل الطاعات ومجاهدة النفس والمسابقة في الخير ، ويحتاج الى صبر في دفع الشهوات والمعاصي وكبح جماح النفس ،ويحتاج الى صبر على أقدار الله ، وما يحصل له من نوائب في طريقه وسيرةً فى الحياة . وبذلك يصفو له إيمانه ، ويأمن الجزع والسخط ، وتطيب نفسه وتحيا حياة طيبة ، إذ الله مع الصابرين يرعاهم ويكلؤهم ويسدد خطاهم .
قال عمر رضى الله : ( أدركنا أكثر عيشنا بالصبر ) .
اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين ، الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون
إنها النتيجة التى آل إليها أمر السادة والأتباع بعد التحاجج والخصام بين يدي الله تعالى ، كذبوا رسلهم ، وكفروا بما جاء من عند الله ، وأغروا أتباعهم وضعفاءهم بالهوى ، وبصحة فعائلهم ، فتلاوموا فى يوم القيامة ، لما رأوا الحق ، وبانَ زيفهم وباطلهم . فلما جاءهم العذاب ما كان لهم إلا أن يسروا تلك الندامة ، ويُغبنوا غبناً ليس بعده غبن ، وليس لهم من ذلك التلاوم إلا زيادة الحسرات والنكبات والعياذ بالله ، قال تعالى : ( وجعلنا الأغلال فى أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) أي وُضعت فيهم السلاسل التى تجمع بين أيديهم مع أعناقهم ، وكلا نجازيه على عمله وما قدَّم ، للضعفاء عذابهم ، وللمستكبرين عذابهم و نكالهم ، عياذاً بالله من ذلك .
أيها الإخوة : هذا نوع من عذاب الكافرين في جهنم ، فهل فكرنا فيه وتأملناه ، ونحن نتلو هذه الآيات ، ونسمع ترديد القراء لها ، فاحذروا عباد الله عذاب الله ، وكونوا على الهدى المستقيم ، وتجنبوا الغفلة وموارد الظالمين .
اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار
وصلى الله وسلم على سيد الأخيار وعلى آله وصحبه أجمعين .
ـ قال تعالى الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)
الاحزاب
أيها الإخوة : يمدح ربنا ويمجد أولئك الدعاة الأخيار من الأنبياء وأتباعهم من العلماء وذوي الفقة والبصائر على مايقومون به من واجب الدعوة والبلاغ و الاصلاح ، وهم في هذا المضمار سائرون بعون الله وتوفيقه ، ولا يخافون سطوة ظالم ، ولا بطش جبار بل استحضروا عظمه الله ، فهانت عندهم كل الأراجيف و الأذيات و الشائعات . قد آمنوا حق الايمان ، ووثقوا بنصر الله ووعده ، وسخروا بالباطل وأهله .
وهكذا الدعاة الى الله لايذلون ولا يهونون ، ولا تخيفهم ألوان المكر والعداوات . لأنهم أنصار الله وحملة دينه، ومبلِّغوا دعوته ، والله هو الحسيب والناصر سبحانه وتعالى (وكفى بالله حسيبا)
وللدعاة والعلماء القدوة المثلى في رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فهو سيد هذا المقام ، وإمام هذا الميدان أدى الامانه وبلغ الرسالة على أتم وجه وأحسنه ، واحتمل في سبيل ذلك صنوف الأذى و المحاربة ، التي استهدفت حياته ، وحياة أتباعة ، ولم يزل يجمع لدعوته، ويقوي حبالها ، حتى أظهره الله على قومه فحاربهم وكسر شوكتهم ، وأصبحوا أذلة صاغرين ، ثم ورث هذا الأمر من بعده صحابته ، فكانوا على خطاه ، نشروا دينه ، وبلغوا دعوته ، واحتسبوا أجر ذلك عند الله تعالى ، وجاء من بعدهم ، فساروا على منهاجهم دعاة صابرين ، محتسبين ، وهكذا في كل حقبة وفتره ، يقيض الله دعاة وأنصارًا ، يخشونه ولا يخشون أحدا الا الله ، نسأل الله أن يجعلنا منهم .
اللهم اجعلنا من أهلك وأوليائك . ومن رُعاتك وأنصارك اللهم زينا بزينه الايمان واجعلنا هداة مهتدين . وصلى الله وسلم على النبى الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال تعالى : ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)
هذا خلق تخلق به الكفرة المجرمون في حربهم للدعوة والرسالات ، فقد كذبت العرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسيما قومه ، وقالوا ما جاءنا الابسحر ، وتعاموا واستكبروا عن هدايتهم وسعادتهم ومافيه عزهم .فهذا القران ذكرى لمن يتذكر ، وعبره لمن يعتبر ، وهو شرف لمن ياخذه ويحمله بقوة ، لكن الكفار لم يعوا ذلك ولم ينتفعوا به ، لأنهم جارون على سبيل أهوائهم ، وما توحيه لهم من الأنفة والحمية والاستكبار ، وطلب المخالفه و المعانده لكل من يفيدهم ويرشدهم . فالكافرون من صفاتهم الاستكبار عن الحق لأن عقولهم سلطت عليها الشياطين ، فزينت لها سوء أعمالها ، وجعلناها تسعى فى ظلام دامس بلا أنوار ، فلا تدرك أنوار الحق ولا ترى مصابيح الهدايه . ومن تكون هذة صفته قد لا تنفع معه المناظرات والمحاجات ، لأنه لايرى سطوع الأدلة ولا نصاعة البراهين ، بل قد لا يزداد إلا عتواً وكفوراً ، والعياذ بالله . وهذة الآية الكريمة هي جواب القسم المذكور فى صدر السورة ( ص . والقران ذي الذكر بل الذين كفروا فى عزة وشقاق ) هذا هو الأقرب وهو اختيار شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال تعالى : (( قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً )) (5) نوح
أيها الإخوة: يظن كثير من الناس أن الدعوة مقصورة على برامج معينة أو مجالس مخصوصة ، أو أوقـات محدودة ، يُعتنى بها ويهمل ما عداها ، وفى هذه الآية وأشباهها ردٌّ عليه ، وتقليل من جده ونشاطه ، فالله تبارك وتعالى يحكي لنا خبر نبى من أنبيائه ورسول من رسله ، ألا وهو نوح عليه السلام ، وهو أول رسول إلى أهل الأرض ، وما حصل له من كفاح ومجاهدة مع قومه .
فشكى إلى الله حاله و تكذيب قومه له ، وسخريتهم به ، وفرارهم من الحق الذى معه .فقال(( رب إنى دعوت قومي ليلاً ونهارا)) أني لم أترك دعاءهم لا فى ليل ولا نهار ، في أكثر الأوقات ، ويتحين المناسبات ، ويسارع إليهم ، ويلاحظ انتباهم ونشاطهم . ومع ذلك لم يزدادوا إلا فراراً
فى هذه الكلمات وما بعدها درس لنا عظيم ، وهو أن الدعوة متصلة (بالداعية الحي ) هي روحه ونسمته وقعوده وممشاه ، يدعو الداعية الناصح فى كل أوقاته على كل أحيانه ومشاغله ، لايعين بوقت، ولا يعتذر بشغل ، ولا يشتغل بهمَّ .
عندما تكون الدعوة إلى الله هَمَّ الداعية ، ويستحضر ما فيها من ثواب عظيم ، ونوال كريم . سوف يستقل نشاطه فيها ، ويعلم أنه من المقصرين .
وعجيب حال أولئك الذين يظنون أن الدعوة شريط يوزعه ، أو مطوية ينشرها ، ويكتفي بذلك مواصلاً حياة الركود والنوم و التقاعس .
نقول لهؤلاء : لكم عبرة فى هذه الآيات، أقرأوها وتأملوها، ، وعيشوا لحظاتها . وأعلموا أن الدعوة فى كل الساعات والأحوال ، وليست قاصرة على طرائق محدودة قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضى الله عنه لما بعثه إلى خيبر :
((فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً ، خير لك من حُمر النَعَم))
اللهم اجلعنا من عبادك الداعين ، ومن جنودك المهتدين
واغفر لنا وأرحمنا إنك انت الغفور الرحيم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين
قال تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
(2) سورة الأنفال
مَنْ هؤلاء الذين اذا ذُكر اللهُ وجلت قلوبهم؟! أي خافت وارتعدت ، إنهم عباد الله المؤمنون، الذين آمنوا بالله فوحدوه ، وعبدوه واتقوه ، تقشعر نفوسهم ، وتفزع قلوبهم لذكر الله ومواعظه وبيناته فهم معظمون لآيات ربهم وذكره ، وقافون عند حدوده وفرائضه ، تَعِظهم الأوامر والآيات وتزجرهم النواهي والتهديدات فهم كما قال تعالى فى موضع آخر: تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وهم من عباد الرحمن الخيار والذين اذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً لقد حيت قلوب هؤلاء المؤمنين واتسعت لآيات القرآن لما حوته من السلامه والطهارة وصدق التوجه فكانوا مؤمنين قولاً وعملاً ، ومتقين باطناً وظاهراً .وهذا الوصف السامي للمؤمنين حقاً ، أول وصف من أوصاف خمسة أولاها: خوف قلوبهم وارتعادها عند ذكر الله .ورجوعها عند الغفلة والخطيئة كما قال تعالىوالذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون وكقوله تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى قال بعـض المفسرين : هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فيقال له اتق الله فيوجل قلبه. ثانيها: و إذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ثالثها: وعلى ربهم يتوكلون أى معتمدون على الله ومفوضون أمرهم إليه ، فلا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يلوذون إلا بجنابه ، ولا يطلبون الحوائج إلا منه ، ولا يرغبون إلا إليه ، ويعلمون أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب . ولهذا قال سعيد بن جبير رحمه الله : التوكل على الله جِماع الإيمان. رابعها : الذين يقيمون الصلاة ومن صفاتهم إقامة الصلاة على وجهها الشرعي الحسن دون نقص أو إخلال. خامسها : ومما رزقناهم ينفقون ً يبذلون من مال الله الذي آتاهم فهي ودائع وعوارٍ عندهم يوشك ان يفارقوها وتكون لمن بعدهم . وفي هذه الآية إشارة إلى أن الله لم يكلفهم بذل المال كله في وجوه الخير بل أمرهم بشئ منه سواء كان في الصدقة الواجبة ،أو في التطوعات المختلفة ، وهذا من رحمة الله وتيسيره على عباده . اللهم أحي قلوبنا بالايمان وذكرها بالقرآن ، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الاكرمين وصلى الله وسلم على سيد الأولين والآخرين وعلى صحبة أجمعين .
أيها الإخوة: يحزنُ بعضُ الناس ، ويضجر آخرون إذا سمعوا فى دعوتهم ما يطعنهم، ويحط من شأنهم، أو لقُوا سخريات وتهكمات فى هذا الطريق. وفى هذه الموعظة الشريفة سلوة لهم وعزاء ، كما أنها قد كانت سلوة وتصبيراً للنبي صلى الله عليه ولسم ، فقد قص الله عليه أخبار من سبقه من المرسلين ، وبين النعوت والأوصاف التى لحقتهم من جراء تبليغ الدعوة من نحو التسفيه والتكذيب والتضليل والسخرية وأشباه ذلك.
فاصبر يا محمد على ما لاقيت وتلقي ، فقد لقيه قبلك إخوانك من الأنبياء .
وهكذا لكل الدعاة إلى الله كبارهم وصغارهم ، إن سلسلة السخريات والإستهزاءات لا تنقضي ما دامت الدعوة الى الله ، و دام كافرون ومسلمون ، و بقي صالحون وفاسقون .
هكذا هي سنة الله !!
فليصبر الداعية على الكلمة النابية ، والسخرية الصريحة ، والتغامز المقصود ، إذا كان يرجو ما عند الله ويتمنى أن يكون في إطار الدعاة إلى الله الذين يصبرون ويحتسبون.
وتأمل كيف رد الأنبياء على أممهم المكذبين والساخرين ، لم يغضبوا ،و لم يبادلوهم السيئة بل نفوا ما ألُصق بهم ، وبينوا هدفهم ومقصدهم في هدوء واشفاق .
فهذا نوح عليه السلام يقول (( يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين ، أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ، وأعلم من الله ما لا تعلمون )) ,
وهكذا سائر الأنبياء ممن حكى الله فى كتابه الكريم .
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال (( كأنى أنظر إلى رسول الله يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ضربه قومه ، فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول :
(( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ))
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
بوركت " أم يحيى " فكثيرا ما كانت كلماتكم الداعمة أنت ومصعب وأحمد والاخوة الكرام جميعا خير محفز للاستمرار في هذا المنتدى الطيب المبارك باذن الله
" والعصر ان الانسان لفي خسر الا اللذين آمنوا وعملو الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "