واعتصموا بحبل الله جميعاً - واعتصموا بحبل الله جميعاً - واعتصموا بحبل الله جميعاً - واعتصموا بحبل الله جميعاً - واعتصموا بحبل الله جميعاً
واعتصموا بحبل الله جميعاً
د.أحمد نوفل
أكتب هذه الكلمات بعد أن عدت من مطار عمان ممنوعاً من السفر من قبل السفارة البريطانية بأمر السلطات عندهم. وما من مشكل لي مع بريطانيا. ولا مع الشعب الإنجليزي.
وإنما لي مشكلة مع إسرائيل. والعالم كله يتحرك بإشارة من العصا الإسرائيلية، فما من دول لا عظمى ولا صغرى. ولا متقدمة ولا نامية أو على طريق النمو. هناك دولة واحدة تتحكم في العالم هي دولة البغي والعدوان. كما أخبرنا الله قبل ألف وأربعمئة سنة ونيف وثلاثين حين قال: «ولتعلن علواً كبيراً» وكلما قلنا: قد بلغوا أقصى علوهم وارتفاعهم وإذ بنا نفاجأ بأن بعد العلو علواً آخر. إلى الحين الذي يقدره الله. وليفني لم يجرؤ أحد أن يطبق عليها القانون. وبيجن قاتل الإنجليز من جرؤ أن يمنعه من دخول لندن؟
قلت في نفسي: يهود العالم بقدر سكان القاهرة فكيف يتحكمون في العالم؟ والجواب في القرآن كذلك في الآية أو الكلمات المعدودة التي هي عنوان الحلقة: «..وحبل من الناس» لقد حكموا العالم من خلال التحكم في حكام العالم، في لعبة الديموقراطية. وقد قال لحود في مقابلة تلفزيونية: جاء مندوب الأمم المتحدة يعرض على شيراك وعلى لبنان ضرورة تعيين رفيق الحريري رئيساً للوزراء في لبنان. وقالوا لشيراك: إذا أردت أن تجدد ولايتك فأذن للحريري.. ولاحظ كيف تتبنى القوى الدولية والعربية مثل هذه الشخصية! ومن وراء نجاح أوباما أو غيره؟ إنهم هم. يتحكمون في العالم من خلال الحكام. إنها ترجمة واقعية عملية وافية واضحة للكلمة الخالدة الصادقة: «وحبل من الناس». وكل ما في مسألتي أن يهودياً صهيونياً صحفياً قال عن رائد صلاح وعني هؤلاء أعداء السامية. فقال إخواننا في بريطانيا: من يومها توقعنا ألا يسمحوا لكم. وبعد فيلم يهودي صهيوني عمله أمريكي ضمنه عدة لقطات لي منعت من دخول أمريكا وكندا. وصدق كلام الله والواقع يشهد: «وحبل من الناس».
ونواصل مع لسان العرب رحلة اكتشاف معاني «حبْل» ومشتقات هذه المفردة في اللغة، وقد كنا توقفنا عند «حبل الوريد» قال: «وحبل الوريد: عرق يَدِرّ في الحلق، والوريد: عرق ينبض من الحيوان لا دم فيه. (هذه معلومة علمية لا تسلّم إذا لم يثبتها العلم. وهذه المعلومة ليست من المعنى. وإنما هي توصيف وتشخيص بحسب السائد من المعلومات والثقافة في ذلك العصر، مما قد يصح أو لا يصح. فنتوقف حتى نتثبت. ولا يكفينا ما في اللسان.)
قال الفراء في قوله تعالى: «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» قال: الحبل هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ الاسمين. قال: والوريد عرق بين الحلقوم والعِلباوين.
قال الجوهري: حبل الوريد: عرق في العنق. وحبل الذراع في اليد. وفي المثل: هو على حبل ذراعك، أي في القرب منك. قال ابن سيده: حبل الذراع: عرق ينقاد من الرسغ حتى ينغمس في المنكب. قال: «خطامها حبل الذراع أجمع».
وحبل الفقار: عرق ينقاد من أول الظهر إلى آخره، عن ثعلب وأنشد البيت أيضاً:
«خطامها حبل الفقار أجمع» مكان قوله حبل الذراع
وهذا على حبل ذراعك أي ممكن لك لا يحال بينكما، وهو على المثل. وقيل: حبال الذراعين العصب الظاهر عليهما، وكذلك هي من الفَرس. وعن الأصمعي: من أمثالهم في تسهيل الحاجة وتقريبها: هو على حبل ذراعك. أي لا يخالفك. قال: وحبل الذراع عرق في اليد، وحبال الفرس: عروق قوائمه. (واضح أنه لا يقصد بالفرس المؤنث بل الخيل بدلالة قوله: قوائمه.) ومنه قول امريء القيس:
كأن نجوماً علقت في مَصَامه بأمراس كَتان إلى صم جندل.
والأمراس: الحبال، الواحدة مرسة، شبّه عروق قوائمه بحبال الكَتان. وشبّه صلابة حوافره بصم الجندل. وشبّه تحجيل قوائمه ببياض نجوم السماء. وحبال الساقين: عصبهما.
والحِبالة: التي يصاد بها، وجمعها حبائل، قال: ويكنى بها عن الموت. قال لبيد:
حبائله مبثوثة بسبيله ويفنى إذا ما أخطأته الحبائل.
وفي الحديث: النساء حبائل الشيطان أي مصايده، واحدتها حبالة، بالكسر، وهي ما يصاد بها من أي شيء كان. (قد يصاد بها العصافير وبالشراك يصاد السمك، وقد تصاد بالأحابيل والحيل والحبائل قد تصاد شعوب وقبائل إذا كانوا من «الهبائل»، كما هو في حالنا المايل في العالم العربي الآيل.. إلى الإصلاح إن شاء الله.. والحكم الراشد العادل! لعل وعسى يا راجل. خليك متفائل لا متشائم ولا متشائل!)
وفي حديث ابن ذي يزن: وينصبون له الحبائل. والحابل: الذي ينصب الحبالة للصيد. والمحبول: الوحشي الذي نشب في الحبالة. (والشباك والشراك من الحبالة. بالطبع. والمؤامرات منها ولكن على المجاز. وأحسن من يتقن هذه الأحابيل والحبائل والحيل والشباك أجهزة الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.. فيرسمون المؤامرة وينفذونها حتى لتبدو طبيعية من شدة الإتقان، وقد لا تكتشف بعد جيل وأكثر، والناس من جراها تختصم. كما في مقتل الحريري!)
والحبالة: المِصيدة مما (لعلها مهما) كانت. وَحَبَلَ الصيدَ حبْلاً واحتبله: أخذه وصاده بالحبالة أو نصبها له. وَحَبَلته الحبالة: علقته، وجمعها حبائل، واستعاره الراعي (شاعر) للعين وأنها علقت القذى كما علقت الحبالة الصيد. وقيل: المحبول الذي نصبت له الحبالة وإن لم يقع فيها.
والمحتَبَل: الذي أخذ فيها، ومنه قول الأعشى: ومحبول ومحتبل. (أما نحن في هذا الحين فلا نكاد ننجو من أحبولة تنصب لنا، للغفلة وقلة الخبرة وقلة التعلم. فنصاد بالأحبولة نفسها لا مرتين وإنما مئتين. وجميل أن تقرأ في هذا كتاب أحد ضباط الاستخبارات الأمريكية: «حبال من رمال» لويلبر كرين ايفلاند، وكتاب لعبة الأمم لمايلزكوبلاند، وكتاب عن ثورة مصدق وكيف أفشلوها وأرجعوا الشاه للضابط في الاستخبارات إياها كيرميت روزفلت، «وحبالة البرجين» لم تحسم بعد فالكاتب الفرنسي(تيري ميسان) ما يزال يعدها حبالة (على العقول الزبالة) في كتابه: «الخديعة» وهل نسينا كيف نصبوا أحبولة للعراق فصادوه في دخوله الكويت (بقطع النظر عن الأسباب والملابسات التي هي الحبكة والعقدة في الأحبولة والأقصوصة والأمثولة ولا أحد يجيب لها سيرة!) ثم صادوه مرة ثانية في2003 فاستقبل الغزاة بعض خونتنا ومغفلينا بالورود. أليست أحبولة ناجحة صادوا بها صيداً سميناً يصح أن يقال فيه: كل الصيد في جوف الفرا. وقد موّل الحملة العرب، وأمد الحرب على أعز بلاد العرب، العرب أنفسهم. فهل رأيت أنجح من هذه الأحبولة، «وأنصح» من هذا الصيد؟)
ونواصل مع اللسان ومع أحابيل الشيطان الأكبر والصغير والأصغر، فالأول من الشيطان دلّى أبوينا بغرور أي بحبل واه، والشياطين المعاصرين «دلوا» أمتنا حتى أذلوا أمتنا بحبل الغرور إياه وحبل الأوهام، وحبال السراب والرمال. يقول اللسان:
«قال الأزهري: الحبل مصدر حَبَلت الصيد واحتبلته إذا نصبت له حبالة فنشب فيها وأخذته. والحبالة: جمع الحبَل يقال: حبَل وحبال وحبالة. مثل: جمل وجمال وجمالة. (في القرآن: «كأنه جمالة صُفر»)
وفي حديث عبد الله السعدي: سألت ابن المسيب عن أكل الضبع. فقال: أويأكلها أحد؟ فقلت: إن ناساً من قومي يتحبّلونها فيأكلونها، أي يصطادونها بالحبالة. (هناك من يرى حلها. مع أن الضبع أخبث آكلات اللحم وأقذرها وأشرسها فلئن حل لم يبق محرم). ومحتبل الفرس: أرساغه. ومنه قول لبيد:
ولقد أغدو، وما يَعْدِمني صاحب غير طويل المحتبل
أي غير طويل الأرساغ، وإذا قصرت أرساغه كان أشد. والمحتبل من الدابة: رسغها لأنه موضع الحبل الذي يشد فيه. والأحبول: الحبالة. وحبائل الموت: أسبابه، وقد احتبلهم الموت.
وشَعر محبَّل: مضفور. وفي حديث قتادة في صفة الدجال: أنه محبَّل الشعر أي كأن كل قرن من قرون رأسه حبل، لأنه جعله تقاصيب لجعودة شعره وطوله (كالذي تراه في شعور الأفارقة والأمريكيين الجنوبيين شعر أجعد مضفور ضفائر منمنمات من الضفائر!)
والحبال: الشعر الكثير. (كأنه استعارة أو تشبيه للشعر بالحبل بجامع الطول في كل. فالحبل رمز الطول. ولذلك شبه الشاعر العمر وسنينه به إذ قال: «لكالطول المرخى وثنياه في اليد.» والطول بكسر الطاء وفتح الواو يعني الحبل. ولاشك أن الأعمار بيد الله ينهيها وقت يشاء وقد جعل لذلك أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر. والحمد لله أن الأعمار بيد حكيم!)
قال اللسان: والحبلان: الليل والنهار. قال معروف بن ظالم (تأمل أسماءهم):
ألم تر أن الدهر يوم وليلة وأن الفتى يمسي بحبليه عانيا
(تشبيه الليل والنهار بحبلين، أعتقد أنه لطيف طريف ظريف موفق رهيف فحبلا البكرة النازل والصاعد من البئر، أو الذي يوضع على الورشات لرفع البلاط ومواد البناء إلى الأعلى، أقول: ما أشبه دوران الليل والنهار واختلافهما أي تعاقبهما بنزول وصعود الحبلين، «يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً»، إن كلاً منهما يجري وراء الآخر كأنما يتعقبه ويطارده، إلى أن تنتهي أعمارنا ونحن نرقب حركة الحبلين، والأيام حبلى بالمفاجآت المختبئة وراء حركة الحبلين: «كل يوم هو في شأن».)
ونواصل الرحلة مع «اللسان» وابن منظور الإفريقي العربي اللسان: «وفي التنزيل العزيز في قصة اليهود وذلتهم إلى آخر الدنيا وانقضائها: «ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس» ونقف مع اللسان في هذه الحلقة عند هذا الحد لنعلق على الآية.
قلت: ضرب الذلة على بني إسرائيل، والمسكنة كذلك وردت في السورتين الجارتين التوأمين: البقرة وآل عمران. في البقرة بينت علة ضرب الذلة فقالت الآية: «..وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير الحق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون»61. وآية آل عمران بينت علة هذه الضريبة المضروبة عليهم كذلك، وإنما زادت بيان المخرج منها، فتأمل المنهجية وكيف تبنى كل سورة على ما أسست أختها. تقول آية آل عمران: «ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وضربت عليهم المسكنة، ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون»112. ونلاحظ أولاً جمع الذلة والمسكنة عليهم في سورة البقرة بلا فاصل، وجمعهما عليهم في آل عمران بعد الفاصل. وملحظ ذلك، فيما أرى والله أعلم، أن الذلة ضربت عليهم في آل عمران، ويمكن تداركها «بحبل من الله»، وأسباب يمد بها الأنبياء ومن هم على نهجهم من صالحي بني إسرائيل، وقليل ما هم، في أزمنة قليلة هم، لكن القرآن دقيق في التوصيف، مهما كانت قلة الموصوف، فقد قال بعد الآية التي معنا مباشرة: «ليسوا سواء...»113.
والآخر من المخرجين من هذه الذلة: «وحبل من الناس» إما أن يجتمعا، وإما ألا يجتمعا. مثلما هو الآن، فليس حبل الله يمدهم، لكن قانون الله يسمح لكل صاحب جهد مهما كان معتقده أن يجني ثمرة جهده واجتهاده: «كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً» الإسراء.
أما المسكنة فشعور داخلي منشؤه صفاتهم هم لا الظروف التي ألمت بهم. فقد تجد غنياً بخيلاً يتصرف أولاده، وهو كذلك، كأنهم فقراء مساكين لشدة حرصهم. فالمسكنة لا تتغير بحبل الناس، فمهما أمدت دول العالم دولة البغي بالمال سيظلون يعيشون بنفسية «الشحادين» المساكين. وهم من يسمون أنفسهم: «أولاد الأرملة.»
فلئن عولجت مسألة الذلة جزئياً بإمداد الدول وحراستها لهم وقيامها بالمهمات نيابة عنهم، فإن الصفات المترسبة عميقاً والمتجذرة بعيداً في أغوارهم السحيقة من الشح والحرص والمادية، هذه لا علاج لها من الخارج، ولذلك فصلها السياق الكريم.