أرضك أردن يا ملفى الحبايب - أرضك أردن يا ملفى الحبايب - أرضك أردن يا ملفى الحبايب - أرضك أردن يا ملفى الحبايب - أرضك أردن يا ملفى الحبايب
أرضك أردن يا ملفى الحبايب
الأحد، 07 تشرين الأول 2012
السبيل
د.ديمة طارق طهبوب
قال عمر بن عبد العزيز: «ما من مؤمن يموت الا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه»، فكيف لو مات ذلك المسلم شهادة وعلى أرض مقدسة مقبلا غير مدبر وكانت حياته كلها إعدادا لذلك الموقف العظيم واللحظة المهيبة؟ كيف سيخلفه الله في أهله؟ وكيف سيحفظه فيهم وأي عناية ربانية، وأي أجر جزيل سيجريه لهم وعليهم؟
بقدر ما هناك أمثلة في الكتب والسير، بقدر ما هناك بشر من لحم ودم يختارهم الله ويصطفيهم ليكونوا أمثلة ونماذج على قدر الله في كل عصر، ومن أراد أن يرى أجر الشهادة في الدنيا ماثلا في أرملة شهيد، وكيف أن الله هو الكافل الأعظم لأسر الشهداء فلينظر الى الرنتيسية أم محمد التي علمت العالم أن الأرملة قد تختار أن تكسرها المأساة، وقد تختار بالمقابل، بعون الله، أن تكون علما من أعلام الله يُرى فيها جبر الله لعباده المؤمنين.
يضيء وجه أم محمد حتى بنقابها، وبها وداعة الرشا ورشاقة الغزال على القلب، فإذا ما نطقت وجلل صوتها أحسست بصدى صوت أسد فلسطين الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ومضمون كلامه وكأنه ما ذهب ولكن سلم الراية قليلا حتى تكمل زوجته من بعده في سباق التتابع الى الجنة.
وأجلُّ الصبر ما جاء مع عظم المصيبة، وأجمل ابتسامة هي التي تجد طريقها من بين بحر الدموع، وأعظم التضحية ما كان عن حب وتعلق، وكل فعال التفضيل هذه تنطبق على أم محمد، بل إن الواقع في حالها فوق ما قد يرسمه الخيال.
والمراحل في حياة أم محمد مختصرة، ولكن مكثفة فما تحتاج النساء الى سنين لتعلمه تتقنه أم محمد في سويعات، فقد عاشت 32 عاما مع القائد الرنتيسي، ولكنها أمضت نصفها فقط في ما يمكن أن يوصف بحياة زوجية مستقرة، فالنصف الآخر كان الرنتيسي فيه الحاضر الغائب ما بين سجن وإبعاد وملاحقة، فكانت أم محمد تسد مكان الأسد، وتتحلى بصفاته، وتمارس دوره جندية في ميدان الأسرة والحياة.
اختزلت أم محمد كذلك مرحلة الحزن والاستسلام والانكسار فرأيناها منذ الدقيقة الأولى لاستشهاد رجل فريد في الرجال، وقد وقفت لتسد الثغرة في تقديم القدوة في الصبر والمصابرة، واحتفلت بنسختها الخاصة من اليوبيل الفضي، ويزيد من زواجها بوفاء غير الذي تمارسه أغلب النساء بالوقوف على الأطلال وبكاء الحبيب، بل وفّت وما زالت وفية، فعاشت حياتها على ما استشهد الرنتيسي لأجله، أم محمد على أرض الأردن لها صدر البيت ولنا العتبة، وفي الوقت الذي جاءت فيه من غزة العزة، بعث الأردن خيرة من رجاله و نسائه في قافلة الأنصار الأردنيين الثالثة الى القطاع، ليقيموا فيها مشاريع للتنمية المستدامة لتبقى شاهد عيان على لحمة الأخوة، فبعضهم عنا وبعضنا عندهم والقلوب والجهود دائما مؤتلفة على البعد والقرب وفي السراء والضراء.
كان يجب لكلماتي العاجزة الضئيلة أن تكون في استقبال أم محمد الرنتيسي والترحيب بها، ولكني خشيت أن يؤخر وصولها إلينا من يظنون أنهم بجرة قلم وتوقيع يمكن أن يمنعوا العظماء من الوصول، وما دروا أنهم راسخون في قلوب وعقول الناس فوق حدود الزمان والمكان.
المعارك لا تحسم فقط في ساحات القتال، والانتصارات لا تسجل فقط في ميدانها وإنما لها نصيب في قلوب النساء، ومن كسب قلوب النساء لقضية فقد كسب جنودا مخلصين لا يعرفن في التضحية حدّا ولا مدى، فالنساء قد يكن مَجْبنة وسبباً في إحجام الرجال عن الشجاعة، الا من كان لها مشروعها في العون والعضد لتكسب أجر الشهادة وكراماتها، فهنيئاً لك أم محمد أن كنت من الأولين من القدوات في عصرنا، وأعنت من جاء بعدك على الاقتداء.
أم محمد يا ربة البيت: لقد سكنت وجدان أهله قبل مجيئك، ولن تغادريه ولو ذهبت، فهذا الأردن أرض الكرامة والبطولة، وصنو فلسطين منهما تعلمناها وبها نعيش وعليها نلقى الله.