ماذا يجري في تونس ومصر؟ - ماذا يجري في تونس ومصر؟ - ماذا يجري في تونس ومصر؟ - ماذا يجري في تونس ومصر؟ - ماذا يجري في تونس ومصر؟
السبيل||
1- تَركَة مثقلة من الخراب.
كانت مهمّة الأنظمة التي انقلبت عليها شعوبها وثارت في وجهها من شدة الظلم والأذى والخراب، كانت مهمّتها تدميرية فحسب. وكاذب مجرم من يقول إنّ مصر أو تونس تقدّمت خطوة في العهدين القذرين لبن علي ومبارك.
هذا الكم الهائل من الدمار والخراب ورثه الإسلاميون في البلدين. وكان الرأي الأصوب، والله أعلم بالصواب، ألاّ يكونوا هم أول من يتولّى بعد المجرمين المدمِّرين أولئك.
ولكن الوجهة الأخرى أيضاً معقولة، وهي أنّه إن لم يكن العاملون بعد العهود البائدة نقيضاً لها فماذا صنعنا؟ ولا تأمن من أن تزيح مخرباً فيأتي مخرب عميل آخر، فأنت مضطر إلى وراثة التركة المشبعة بالهموم والمترعة بالخراب والديون.
والناس يريدون حلحلة الأوضاع وتغييرها وليس الكل يعي سنن الله في المجتمعات وأنّ التغيير يتم بالتدريج وخطوة خطوة.
فلما لم يلمس الناس في هذه الشهور المعدودة الفوارق المحسوسة انفجر بركان الغضب المختزن حمماً والمحتقن غضباً من عقود مضت في الظلم والقهر والنهب والتبعية والقتل والسجون.
2- الفوضويون الجاهزون.
لم يكن الموساد ولا المخابرات المركزية ولا المحلية نائمة طيلة العهدين البائدين، بل كانت تعدّ جيوش الحشاشين والمخربين والفوضويين وتدرّبهم على الأعمال القذرة، وما البلطجية في عهد مبارك والذين وصل عديدهم نصف مليون وشبيحة الأسد قرابة مئة ألف، ولا ندري كم عند مجرم تونس من هؤلاء.
أقول هؤلاء جيش منظَّم رهن الإشارة. والمتضرر الآن من هذا التغيير هو دولة البغي والشر والإرهاب في «إسرائيل» ثم أمريكا ثم «الملاحق» وهؤلاء لم يكونوا ليسكتوا على تغيّر حكم العملاء والتابعين فأوعزوا إلى الفوضويين الذين قالت عنهم «غونداليزا» من سنين: إنّه لا بد من الفوضى الخلاّقة لتغيير المنطقة، وبعض الفوضويين في مصر يرفعون شعار الفوضى من أجل الفوضى، والفوضى في مواجهة الفوضى، و»البلاك بلوك» و»البلاك مَسْكز» و»الديفيلز» أيّ الشياطين بزيّ موحَّد يخرجون في وقت موحَّد كجيش منظَّم، فمن الذي يموّلهم ومن الذي يحرّكهم، ومن الذي يحدد لهم الأهداف؟
من الذي يرشق المولوتوف على الشرطة؟ من قتل المتظاهرين من الإخوان وقد بلغوا أكثر من عشرة؟ من حاول خلع باب قصر الاتحادية؟ ومن حاول إحراقه؟ من حاول اغتيال الرئيس، وللعلم فقد جرت ثلاث محاولات كادت أخراها تنجح، وكان المتورط فيها بعض الأمن؟
هؤلاء جميعاً عسكر الخراب وفلول نظام الغراب مبارك وأزلام أمريكا و»إسرائيل».
وهذا ليس رجماً بالغيب! فمن سويرس؟ ومن هي الدول التي تدعم هؤلاء المخربين؟ ولماذا الاغتصاب إن لم يكونوا مجرمين؟ إنّ المقصود هو إرسال رسالة، إمّا العهد المباركي وشفيق والأزلام، وإمّا الدمار الشامل وعدم الاستقرار!
3- علم نفس الجماهير.
تمرّس اليهود الصهاينة والمستعمرون عموماً أثناء تعاملهم مع شعوب مستعمراتهم، تمرّسوا بعلم النفس وطوّروه وطوّروا آلياته، وصارت عندهم خبرات وتراكمت عندهم معلومات وتجارب لا تقدر، وكم من كتاب كتب في «علم نفس الأسير» «وعلم نفس الجماهير» أو الكتل (ماس) أيّ مجموعات أو مجاميع الناس.
وكيف يتم التلاعب بها والتحكم بها. وفن الشد والرخي والعصا والجزرة، والوعود، وفن الضغط، وتوظيف الإحباط وعقد النقص ومركباته وجنون العظمة وحب السلطة، الخ.
وكم كان شكسبير مبدعاً في مسرحية «يوليوس قيصر» وكيف أنّ الخطباء المتعاقبين والمتناقضين كانوا يتلاعبون بعواطف الجماهير فيستدرّون دمعهم على يوليوس قيصر حيناً، ويستمطرون اللعنات عليه حيناً آخر.
أقول بل كل مسرحياته مليئة بمواقف من هذا القبيل. هذا قبل مئات السنين، فكيف الآن وقد تطور علم النفس بشكل هائل، وما التجارة الآن وفن التسويق والدعاية والسياسة والأعمال العسكرية والحربية والإعلام، ما كل ذلك إلاّ ثمرات لعلم النفس وتوظيف دقيق متقن محكم محبوك لعلم النفس. أقول: وقد جرت دراستنا بعمق لسنوات طويلة من المعايشة فصارت ثغراتنا النفسية معروفة لديهم وعيوبنا الاجتماعية والسيكولوجية وعلم النفس الاجتماعي، صار كل ذلك مدروساً لهم. ودراسات وبحوث الدكتور في علم الاجتماع ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الاجتماعية المدعوم من السي آي أيه مباشرة، أعني الدكتور سعد الدين إبراهيم صديق مبارك وأستاذ سوزان وصديق حميم للعائلة والمتحول الآن إلى ثائر ضد مرسي وحكم الإخوان كما يزعم هو والشلة.
أقول كل أبحاث هذا المذكور كانت تصبّ في الدوائر الاستخبارية وله كمشرف، يكلّف الطلاب بأبحاث، له عشرات الأبحاث كرسائل ماجستير ودكتوراة عن الريف المصري والمجتمعات المصرية في النجوع والكفور والأرياف والمدن والعشوائيات. ما تركوا شيئاً!
4- صناعة الرأي العام.
ربما كتب في الرأي العام وصناعة الرأي العام مئات إن لم يكن آلاف الكتب. لقد أصبح هذا الأمر علماً، بل صناعة تعرف البداية والنهاية والخطوات والمناهج. وجيش الإعلام القذر الذي يستلمه المرتزقة من يسار وليبراليين وعلمانيين وسفلة في البلدين، وسأقف معكم على نماذج من هذا الإعلام وقد تعوّدت أن أكتب كل فترة عن «قراءة في فكر منحل»، وأستشهد بعينات من الإعلام العربي بما فيه الدول التي تزعم أنّها دول تقوم على الإسلام والشريعة والعقيدة. وسأسجّل لكم بعض النصوص من الكفر الصراح البواح نقلاً من هذا الإعلام.
أقول مهمّة جيش الطبّالين هذا زيادة الاحتقان، ولو قرأتم أيّة مجلة مصرية كروز اليوسف أو غيرها لوجدتم من الغلاف إلى الغلاف هجوماً على الإسلام والمسلمين، حتى إنّ كاتبة كتبت عن زوجات الرسول وأرفقت مقالتيها بالصور!
هذا الإعلام التابع جلّه أو كلّه للجهات إيّاها. وكاتب يساري زوجته سويسرية، هذا ليس زعيم الوفد الذي زوجته رقاصة مصرية، ليس هو. هذا الكاتب يتباكى على «نجيب سويرس» وهو صهيوني من شركاء مبارك قذر يتباهى بالقذارة ويقول: أنا أشرب ويسكي كل ليلة فهل سيمنعني الإخوان؟ ومراتي تحب أن تبدي زينتها فهل سيمنعونها؟ (ما حدّش مانعك نيلة عليك) ودبي أوسع لك (وأوسع)!
هذا الإعلام دوره التجييش والتهييج والتحريض والتعبئة ضد النظام. فالتقت على هذا تركة ثقيلة، وتآمر ومكر خارجي، وغطاء سياسي تمثّله الأحزاب الكرتونية والرموز الفارغة، مثل حمدين «وعمرو دياب موسى ليفني» وأبو بردعة وشي لله يا سيد يا بدوي!
فهل تنتهي الأمور إلى نقض هذه التجربة؟ أم إلى استمرارها وتطويرها؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في حلقة تالية.
السبيل||
ثمة فروق جوهرية بين ثقافة نظرية محضة، وأخرى أضافت إليها تجارب عملية عميقة، ففي التطبيق العملي يكتشف من يمارس الفعل ويباشره أن التنظير شيء، وإنزال محتوياته ومضامينه على الواقع شيء آخر، فثمة معوقات تعترض سبيل من يروم إنزال أفكاره ومبادئه ورؤاه على أرض الواقع، تجعله يسلك سبيل التدرج والمرونة والمرحلية، كي يتمكن من مواصلة سيره العملي في تنفيذ رؤيته، خاصة إذا كان ممسكا بزمام السلطة والحكم.
الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية منظر من الطراز الأول، له آراؤه ورؤاه واجتهاداته الإشكالية التي تتسم بالجرأة العلمية والأدبية، لخروجها عن الأنماط التقليدية السائدة، عاش عقودا من حياته في المهجر القسري، وبعد الثورة التونسية المباركة عاد إلى بلاده ليقود مسيرة حركته نحو السلطة وتولي رئاسة الحكومة، بعد مرحلة السجون والمهاجر، وكعهده في صراحته ووضوحه، فإنه بعد مرور ما يقارب عامين على تجربة حركته في الحكم، لا يتردد عن الإشارة إلى مواضع الخلل والقصور، ويحدد بكل وضوح الدروس والعبر المستفادة من التجربة.
في تصريحات حديثة له عبر حوار أجرته معه مجلة المجتمع الكويتية، ونشرته في عددها الصادر بتاريخ 2/2/2013، قال في جوابه عن سؤال حول الخلاصات التي توصلت إليها الحركة الإسلامية (النهضة) بعد هذه الفترة القصيرة من مشاركتها في الحكم: «دائماً يبقى هناك بون بين النظرية والتطبيق، مهما اجتهدنا يظل هناك بون بين ما يطاله البصر وما تطاله اليد، ما يتطلبه الواقع وما تتحكم فيه الإمكانات، اكتشفنا أن الواقع أصلب بكثير وأكثر استعصاء على التغيير مما توقعنا، والعقبات أكثر مما توقعنا».
في تصريحات سابقة للشيخ الغنوشي وردت عبر حوار أجراه معه موقع «إسلام أون لاين»، قال الشيخ الغنوشي في جوابه عن سؤال حول موقف الحركة من صياغة الدستور والتفريق بين الإسلام والشريعة، والتخوف من أن يعصف ذلك بمصداقية الحركية لدى القواعد التي انتخبتها: «أنا أثق بعد الله سبحانه وتعالى في شعبنا وفي وعيه، فللناس عقول، الناس أخذهم الحماس في المدة الأولى ورغبوا في أن نمضي مع النشوة إلى النهاية، ولكن عندما اتصلنا بإخواننا وتحاورنا معهم بدأ العقل يأخذ موقعه، ويفتح للناس عيونهم على شيء اسمه «ميزان القوة»، وهو شيء كثيرا ما جهلناه نحن الإسلاميين، حيث تصورنا أن كل ما نعتقد أنه حق قابل لأن ينزل إلى الأرض، ولكن تنزيله في الواقع، ينبغي أن تُنزلوا الإسلام في الواقع بحسب ما يُطيق ميزان القوة، وبكل معاني ميزان القوة: المحلية والدولية، وإذا تجاهلتم ذلك فالسنن كما يقول الشيخ حسن البنا غلّابة، وستتغلب سنن الواقع عليكم...».
خلاصة هذه التجربة تقول بأن على العاملين الطامحين إلى إحداث التغيير والإصلاح، أن يعوا طبيعة الواقع الذي يتحركون فيه، وأن يدركوا أن الساحة ليست خالية لهم، ليقوموا بتنفيذ ما يحلمون به ويتطلعون إليه، بل هناك قوى وجهات متنفذة لها أدواتها وآلياتها ونفوذها، وهي تسعى لإفشال المشروع الإسلامي، وتقف بكل قوتها وجبروتها ومؤسساتها وثرواتها الطائلة، وآلياتها وإمكاناتها، في وجه ذلك المشروع، مع استعدادها التام لعمل كل ما بوسعها لإفشال المشروع وإسقاطه.
كما أن إشارة الغنوشي إلى اعتبار «ميزان القوة» وأخذه بالحسبان أمر بالغ الأهمية، وكثير الخطورة، فقد يتوهم بعض العاملين أن الأمور ملك أيديهم، وأنهم قادرون على تنفيذ ما يتطلعون إليه، مع عدم تقدير حجم المعوقات والعقبات التي تعترض سبيل العمل والتنفيذ، كما أن من التوهم التعويل على الأغلبية الانتخابية التي من الوارد تبديدها حينما يتم التفاف القوة المتنفذة على نتائج الانتخابات وصناديق الاقتراع، فتجهض التجربة، وتغتال التطلعات كما وقع في تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية مطلع تسعينيات القرن الماضي.
لعل إمعان النظر في كلام الغنوشي والوقوف عنده مليا، يحمل من يراقبون تجربة الإسلاميين في الحكم من خارجها، على التأني في تقدير مواقفهم من أداء الإسلاميين في الحكم والسلطة، وعدم التشدد والمغالاة في نقدهم، ورميهم بالتساهل والتفلت، وتضييع أحكام الشريعة، وعدم الحرص على دينهم وعقيدتهم، والانسياق وراء سراب خادع لا يمكن أن يوصل إلى شيء، فمعطيات الواقع تقول بكل وضوح إن الحكم ليس بكليته في أيدي الإسلاميين، وإن كانوا هم في الظاهر من يتسلمون زمام السلطة، فثمة قوى وجهات ومراكز ما زالت تقبض على مفاصل الحياة السياسة، وتتحكم فيها، ومن الخير للإسلاميين أن يدركوا حجمهم الحقيقي، فيديروا الأمور وفق موازين القوة تلك، دون أن يخدعوا أنفسهم أو يموهوا على أتباعهم وقواعدهم الجماهيرية.
القيم هي العمود الفقري الذي يرتكز عليه كل نظام وحزب وفئة وهيئة وشخص، والعلاقة وطيدة بين تراجع القيم والثورات بأنواعها. وتصل القناعة بذلك حتى لمكيافيلي في صحوة ضمير ليقول:ـ من يريد أن يمسك بالحكم بفاعلية فعليه الالتفات لطبيعة شعبه وأن يفعل الخير، لأن الشر لايحفظ السلطة ولا بد من كسب حب الناس له وإلا انقلبوا عليه، مع أنه يرى في مواقع أخرى ان الحكم لا يقوم على الاخلاق انما على سلطة الاستبداد واستخدام القوة أكثر من الرحمة !!!!
ولا شك ان الكارثة القيمية اخطر بكثير من الكوارث الطبيعية وضياع المباني والمقدرات. ودعك من الذين يريدون تحسين صورة اختلال القيم وزوالها بعنوان ان السياسة لا ثوابت لها ولا دين. فتلك حالات مؤقتة وشاذة ولن يكتب لها الدوام طويلا ان خلت من القيم العليا وسرعان ما تنهار.
ويعبر عن القيم بالاخلاق السامية، التي أعلى من شأنها علماء الاجتماع، وتغنى بها الشعراء والحكماء والبلغاء، وقبلهم جميعا كتاب الله عز وجل القائل لرسوله الصلاة والسلام، {وإنك لعلى خلق عظيم} فأعظم مدح لخاتم المرسلين كان بوصفه بالخلق العظيم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ــ انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق، وفي الحديث ملمح عظيم ظاهر للعيان، فمن كريم خلقه عليه السلام اعترافه بكرم اخلاق السابقين وانه كان لبنة لاتمامها فقط، ولم يكن هو المنشئ لها او المتفرد بها، ليس هناك فاصل بين المبادئ المجردة وواقع الحال عنده، وليس هناك انفصام بين النظرية والتطبيق او بين الشعارات والواقع كما هو الحال عند الكثيرين اليوم. ولا شك انها حالة مميزة لايصلها معظم الناس ولا يدانونها، ولا شك ان المسألة نسبية اليوم شريطة تحقق الحد الادنى منها.
ولاغرابة في استنتاج امير الشعراء شوقي عندما قـــــــــــــــــال :ـ وانما الامم الاخلاق مابقيت فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبــــــوا
فان أقفرت أمة من الاخلاق العالية والقيم الرفيعة ذهبت الى زوال واندثرت، وهذه سنة مضطردة تنطبق على الناس جميعا دون استثناء، من هنا حذر كندي وخروتشوف شعوبهم من الانجرار وراء الملذات وان لايغادروا مطالب القيم الاخلاقية.
وقديما كان العرب في جاهليتهم يتمتعون ببعض القيم التي لايتنازلون عنها قال شاعرهم:
وأغض الطرف ان بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مثواهــــــا
وقالوا في ليلة محاولة قتل النبي عليه الصلاة والسلام الشهيرة ليلة الهجرة وهم يحجمون عن دخول البيت: كيف نتسور على بنات عمنا ؟ اي ندخل عليهن البيت. وذاك الاعرابي الذي كافأ من اركبه جواده في الصحراء بالهرب به بعيدا ثم رجع اليه بعد يأس صاحبه الذي كاد يندم على المعروف، أتدري لم رجعت اليك ؟ قال لا. قال:ـ رجعت اليك حتى لا ينقطع المعروف بين الناس !!!
وذاك الصحابي الذي أطفا السراج ليأكل الضيف الطعام القليل وحده وهو يتظاهر بانه يأكل معه، وقد ركز القرآن على هذا المعنى بوصفه الرسالة بانها تزكية للنفوس فقال {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيــــــــــــــــــهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } فالتزكية في
النص مقدمة على التعليم هنا لبيان اهميتها، وان كانت لاتتم الا بتعليم وبيان، والقرآن الكريم حافل بهذه المعاني وتعظيم شأن القيم، ففي موضوع الزكاة يقول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } وجعل القيم العالية تستلّ الضغائن من النفوس فقال { ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم }.
وصدق الشاعر ابو الفتح البستي الذي قال:ــ
أحسن الى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الانسان إحسان
اقبل على النفس تستكمل فضائلها فأنت بالنفس لابالجسم إنسان
بنى الاسلام العلاقة بين الناس على الاخوة الانسانية والاخوة الوطنية والاخوة الايمانية، فخاطب البشرية كلها بـ يا أيها الناس، وحرم الظلم على جميع الناس، وجعل الانتصار للمظلومين قيمة عليا دون النظر الى خلفياتهم العقدية والسياسية؛ في الحديث القدسي يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. ورتب العلاقة بينهم على أساس التآخي الاجتماعي الشامل، ونداء واعتصموا بحبل الله جميعا، ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، ولما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة زوجه بأنه خاف على نفسه قالت :ــ كلا والله لايخزيك الله ابدا؛ انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتغيث الملهوف، وتعين على نوائب الدهر، فهذه الاخلاق الرفيعة التي يتمتع بها ـ حسب فهم خديجة الفطري قبل الاسلام ـ ستحفظه وتحفظ عقله وكيانه.
وفي الحديث التالي من آثار القيم وأهميتها في الحفاظ على سلامة المجتمعات يقول الرسول صلى الله عليه والسلام :ــ يحمل هذا العلم من كل خلف عدولــــــــــه ــ وهم المتمتعون بمكارم الاخلاق ــــ ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين.
وانظر لهذا الحديث العظيم الدلالة ايضا لو تأملته، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :ــ انها ستكون سنوات خداعات، يُخوّن فيها الامين ويؤتمن فيها الخائن، ويكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب وينطق فيها الرويبضة، قالوا ومن الرويبضة يا رسول الله ؟ قال:ــ الرجل التافه يتكلم في أمور العامة.
ان القيم الخيّرة مبثوثة في الافكار والاديان والمذاهب المتعددة وليست حكرا على جهة، وانك لتقرأ كيف ان الضباط الكبار والقادة العظام كانوا يؤدون التحية لمن قتلوهم من اعدائهم اعترافا بشرفهم وتضحيتهم وهم اعداء وفي معركة قتال. القيم الضرورية المطلوبة غائبة ومتوارية، ومما يؤسف له تعرض من يتحلى ببعضها للسخرية والنقد والاتهام بالسطحية والغفلة والبساطة، لا يتسع المقام ولا المقال للحديث عن القيم الغائبة والمتوارية لكثرتها اولا، ولنباهة القراء ثانيا، ولئلا يتوهم البعض انه هو المقصود بذاته فقط، وفي الاشارة ما يغني أولي الافهام عن العبارة، لكن اولى الناس بالمحافظة على القيم الراقية وإعلاء شأنها، هم الذين يشكون من ضعفها ويستشعرون أهميتها وخطورة فقدانها من المجتمعات، ولعلهم الاكثر حملا والاعظم مسؤولية، وإلا تساووا مع من ينتقدونهم ويأخذون عليهم سلوكهم، ولكن من القيم المفقودة أن يرى الانسان عيوب الآخرين ولا يلتفت الى عيبه الا بالتسويغ والتحسين.
طال المقال ولم أقل ما أردت قوله، الا إن مما استفزني وهو كثير، اتهام الاسلاميين في مصر بتدبير التحرش الجنسي في ميدان التحرير؛ لأن
( الذين استحوا ماتوا !!!) وهو انهيار القيم الموصوف (ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حنى يكتب عند الله كذابا ) وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم القائل:ـ انه مما أدرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم تستح فاصنع ما شئت.
السبيل||
1- تمهيد
قلت في مقالة قديمة: إن أمريكا صاحبة خبرات في إفشال الثورات فاحذروها! وأنها تنحني لعاصفة الثورات مؤقتاً، ثم تنقض عليها في هجمة مرتدة من خلال جيش العملاء وفلول النظام التابع لها.
وقلت في المقالة السابقة تحت هذا العنوان: ماذا يجري.. قلت إن أمريكا والصهيونية لم تكن تلعب طيلة عقود حكم العهود البائدة من الأنظمة العربية التابعة الفاسدة. وإنما كانت تربي جيوشاً من العملاء. ونحن أيام كنا نزرع ونفلح الأرض كنا نعلف البغال سنة لنحرث عليها شهراً. وهؤلاء العملاء كذلك تعلفهم أجهزة المخابرات الدولية دهراً لتحرث عليهم شهراً ولتدمر ثورة وقطراً. وقلت إنهم يوظفون علم النفس الاجتماعي في تهيج الرأي العام وصناعته وتوجيهه.
وقلت إن الأنظمة التي جاءت بها الثورات ورثت تركة مثقلة لا يمكن إصلاحها بين عشية وضحاها. ولا أكرر فأنتقل للحلقة الثانية.
2- التدخل السافل السافر من فرنسا في تونس
يصف وزير خارجية فرنسا حزب النهضة بأنه فاشي قاتل دموي، ويقول: إن صناديق الانتخابات يجب أن تأتي بعلمانيين يحسنون قيادة البلاد.
كشفت فرنسا عن وجهها القبيح، وأنها هي من يعبث بأمن تونس ومعها بالطبع أمريكا والصهيونيةـ، وما القوى الفوضوية هذه إلا أذرع تنفيذية لهذه القوى تأتمر بأمرها.
ولا ننسى أن فرنسا نفسها عندما جاءت الصناديق بالإسلاميين في الجزائر في التسعينيات قالوا: سنعيد احتلال الجزائر إذا فاز هؤلاء واستلموا السلطة.
الديمقراطية إذاً مسموح بها إذا أتت بالليبراليين والعملاء الغربيين والمستغربين والقوى العلمانية التي ربيت على عيونهم، فإن أتت بغيرهم فالانقضاض هو الحل والاستئصال والفوضى الخلاقة بزعمهم، والخراب.
بان الصبح لذي عينين، يا من تريدون أن تروا ضوء النهار، هذه حقيقة ما يجري، وهذه حقيقة المعركة.
أوليس هذا تدخلاً في الشأن الداخلي؟ ولماذا بعض القوى العلمانية في تونس تستنجد بفرنسا كما استنجد بعض أضرابهم في مصر بـ»إسرائيل» أن تنقذهم من مرسي، يستنجد علمانيو تونس بفرنسا أن تنقذهم من حزب النهضة.
3- قتل بلعيد.. وفن الإخراج
قبل قتل بلعيد بيوم أو يومين كانت «بي بي سي» تجري معه مقابلة، شن فيها هجوماً عنيفاً على حزب النهضة وما ترك وصفاً سيئاً إلا استخدمه، ليقال إذا اغتيل إنه اغتيل نتيجة لتصريحاته ضد حزب النهضة. ومن عرف الغنوشي وحزب النهضة يعرف العقل العظيم الذي يحمله الغنوشي والطبيعة السلمية الهادئة عنده. وقد عرفته منذ أوائل السبعينيات قدمته لمحاضرة وعلقت عليه، وقد لفت نظري عمق متميز قليلاً ما نرى له نظيراً. وزرته في منفاه في لندن وجلسنا على الأرض في بيت أجرد وأكلنا الطعام البسيط جداً، فقد كان الرجل يعيش دون الكفاف. واكتوى بنار الغربة وعنف نظام الحبيب بورقيبة و»بنعلي» من بعده. هذا الرجل لا يمكن أن يكون حزبه وراء هذا الاغتيال؛ لأنهم الخاسر الأول بل الأوحد. والرابح الأول القوى الاستعمارية والليبرالية التي تريد سرقة الثورة، وكيف حكمت زوجته العظيمة أن الغنوشي شخصياً مسؤول عن قتل زوجها كما زعمت؟
ولقد حملت صحف العالم العربي وتونس أولاً حملة شرسة على الإسلاميين حتى بعض كتابنا هنا ونحن لسنا في المسألة، ولاحظوا التوقيت المشبوه أن الأمن المصري يسحل مواطناً في ذات التوقيت، ثم فتوى من الشيخ المجهول بجواز قتل المعارضة. فاكتملت الحلقات حتى يقال هذا هو بالتأكيد العمل الإسلامي!
وهذه هي عقلية الإسلاميين -وكذبوا والله- فالمسلم جمال داخله، وما القبح والإجرام إلا عند الذي انفصل عن الله والإيمان به وبلقائه، وما بعض أدعياء التدين إلا عناصر مخترقة من الجهات إياها لتلويث صورة الإسلام وصورة الجهاد والمقاومة.
ولقد حذرنا من اليوم الأول من تشويه صورة المقاومة في سوريا عن طريق بعض العينات المتدينة المخترقة! وحصل ما توقعنا. فالقتل والسحل هذا عملهم هم، واختصاصهم وخبرتهم، فلا تخطئوا. ثم إذا رأيت جريمة كاملة فاعلم أن وراءها الموساد. من قتل الشقاقي؟ اثنان على دراجة. ومن قتل علماء الذرة في إيران واحداً وراء الآخر؟ دائماً اثنان على دراجة. ولا يمسك أي طرف خيط. ومن قتل بلعيد؟ اثنان على دراجة.
يريدون أن تشتعل تونس بالفتنة والخراب فيصنعون الأجواء ويهيئون المناخات لذلك. وكذا في مصر قد يقتل غداً شخص بوزن البرادعي فيقال: من قتله؟ إنهم المسلمون!
4- الغطاء السياسي
كان نظام مبارك مجرد واجهة، مجرد قناع، يختفي تحته الموساد و»سي آي أيه» تعيث في القطر المصري تخريباً وترويعاً وتدميراً ونهباً منظماً، وكذا نظام بنعلي في تونس.
والآن «انقلع» نظام الطاغوتين، فجيء في مصر بعمرو وحمدين والبردعة ليكونوا مجرد الواجهة التي كان يمثلها المخلوعون أو المخلوعان من قبل. هؤلاء يعقدون مؤتمراً صحفياً كل كم يوم! واتركوا باقي الشغل علينا نحن جماعة الأوباش والشوشرة والفوضى.
وليس معنى قولي أن الغطاء أو الواجهة ليس مسؤولاً أو لا يطيب له، لا لم أقصد هذا لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يطيب له فقد كان يطيب لحسني ما يجري وإن كان بكل التفاصيل لا يدري. والبرادعي وعمرو وحمدين يطيب لهم ما يجري، وإن كان تخطيطه وتنفيذه فوق مستواهم وفوق قدراتهم، لكنه يطيب لهم لأنهم جناة ثمراته. وفي تونس فإن القوى العلمانية هي الغطاء السياسي الذي يمارس تحته المخربون كل ما في وسعهم من إجرام وتدمير.
وغداً إذا سقطت هذه الحركات هل سيحكمون تونس ومصر بخير مما كانت عليه زمن حسني والزين؟
5- الحصار السياسي.. مؤتمر القاهرة نموذجاً
ما زال العالم العربي يأتمر بأمر الخارج، هذا أمر مفروغ منه، فإذا أراد هذا الخارج أن يحاصر نظاماً أو أن يضيق عليه أو أن يهمشه، فإنه تجري محاصرته. وهل تذكرون عندما كان مبارك يدعو إلى مؤتمر «طق حنك» في شرم الشيخ كان العرب بقضهم وقضيضهم يسارعون إليه، وذلك ليصنعوا منه قائداً مهيباً ركناً من أركان السياسة في المنطقة، بل في العالم كما كانوا يوهمون مبارك وكل عتاولة العرب عواجيز وشباناً كانوا يسيرون وراءه! بينما في مؤتمر القاهرة لم يحضر تقريباً أحد!
إنه الحصار السياسي بأمر المايسترو الذي يريد أن يبرز هذا النظام كنظام فاشل معزول مقطوع الصلات ترفضه القوى العربية المعتدلة والمعتدلة جداً! وترفضه القوى الدولية، فهو إذاً نظام حان أوان التخلص منه؛ لأنه دخل في وقت الموت السريري السياسي وانتهاء الصلاحية!
وفي حلقة قادمة –بإذن الله- نكمل هذا الموضوع ما يجري في مصر وتونس، وكيف أن الخارج إذا تبنى فأراً جعله فيلاً، وإذا عادى فيلاً صيّره فأراً فإلى اللقاء.
5- الحصار السياسي.. مؤتمر القاهرة نموذجاً
ما زال العالم العربي يأتمر بأمر الخارج، هذا أمر مفروغ منه، فإذا أراد هذا الخارج أن يحاصر نظاماً أو أن يضيق عليه أو أن يهمشه، فإنه تجري محاصرته. وهل تذكرون عندما كان مبارك يدعو إلى مؤتمر «طق حنك» في شرم الشيخ كان العرب بقضهم وقضيضهم يسارعون إليه، وذلك ليصنعوا منه قائداً مهيباً ركناً من أركان السياسة في المنطقة، بل في العالم كما كانوا يوهمون مبارك وكل عتاولة العرب عواجيز وشباناً كانوا يسيرون وراءه! بينما في مؤتمر القاهرة لم يحضر تقريباً أحد!
إنه الحصار السياسي بأمر المايسترو الذي يريد أن يبرز هذا النظام كنظام فاشل معزول مقطوع الصلات ترفضه القوى العربية المعتدلة والمعتدلة جداً! وترفضه القوى الدولية، فهو إذاً نظام حان أوان التخلص منه؛ لأنه دخل في وقت الموت السريري السياسي وانتهاء الصلاحية!
وفي حلقة قادمة –بإذن الله- نكمل هذا الموضوع ما يجري في مصر وتونس، وكيف أن الخارج إذا تبنى فأراً جعله فيلاً، وإذا عادى فيلاً صيّره فأراً فإلى اللقاء.
السبيل||
إنّ المتابع لما يجري على السّاحة المصريّة في هذه الأيّام، يلحظ وجود فريقين؛ أحدهما شامِت وآخر محبط ومشفق، وقلّة فقط هم أصحاب اليقين بالنّصر والتمكين.
يمنّي الفريق الأول نفسه أنّ النّظام الجديد على وشك السقوط والرحيل، قياساً على سقوط ورحيل مَن سبق، وترتيباً على مشاهدة سكّان الخيام والميادين والشوارع والسّاحات وترديدهم شعارات تنادي بسقوط النّظام ومطالبته بالرحيل.
إن الأحداث في مصر كما في غيرها تسير وفق سُنن وقوانين، تفعل فعلها وفق شروطها هي، لا وفق شروط فريق شامِت أو آخر محبط.
لم يدرك الطرفان أن بوناً شاسعاً وفرقاً كبيراً بين الحالتين السابقة والراهنة، فسقوط النّظام السابق ورحيله لم يكن بفعل المناداة بسقوطه ورحيله من قِبل متظاهري الشارع وثورة الثائرين، بل كانت وَفْقاً للسّنن والقوانين؛ أيّ إن النّظام السابق هو من أسقط نفسه وآذن رحيله، لما وفّره لنفسه من عوامل السقوط والرحيل الذاتيّة. وما كانت المظاهرات وحركة الشباب الثوريّة إلاّ السبب الظاهر الذي لا بدّ منه لتفعل السنّة والقانون فعلهما، شريطة أن تتوفّر في هؤلاء الشباب الثائرين، أو قادتهم على الأقلّ، الشروط التي تؤهلهم كي يكونوا الأداة الشريفة للوصول إلى الغاية الشريفة بإنفاذ السّنة الإلهيّة والقانون السماوي.
أما الحالة الراهنة التي نحن بصددها فهي على خلاف الحالة السابقة من زاويتيها، فلا النّظام قابل للرحيل أو السقوط، ولا المطالبون بالرحيل أهل لجريان السّنة الإلهية على أيديهم.
فالنّظام أقام عهده على أسس ووسائل وأهداف وسياسات تؤهله للبقاء والاستمرار والتمكين. وأما المشاغبون والفوضويون وسكان الخيام والشوارع والميادين، فهم ليسوا مؤهلين لتحقيق أيّ هدف مشرّف أو نتيجة محمودة، وأكثرهم بشهادة رجل من أهل الحلّ والعقد والحكمة والعدل -وزير العدل المصري- من فئات معروفة على امتداد القطر المصري، فإما طلاب فاشلون أو عمّال عاطلون أو أصحاب سوابق أو مشرّدون لا أهل لهم ولا أصل، يعيشون حياة غير كريمة ويسترزقون بوسائل غير مشروعة. فوجدوا في الظروف الحاليّة ضالّتهم، والتقت مصالحهم مع مصالح مَن كانوا يفتّشون عن أمثالهم، ليستخدمهم ويجنّدهم مَن لا مصلحة له في استقرار النّظام وأمن البلاد. فوجدوا في الشوارع والميادين والسّاحات أماكن مناسبة يمارسون فيها هواياتهم ويترجمون من خلالها أساليبهم وأخلاقياتهم، والمبيت ليالي عدة في خيام آمنة ومغلقة ومحروسة يُمارس فيها كل ما هو خارج عن القيم والأخلاق والأعراف والتقاليد، والمصروف مؤمّن من جيوب (المحسنين، من عرب ومصريين). وكلّ ذلك يتمّ تحت غطاء ثوريّ يوفّره من تجمّعوا تحت لافتة «إنقاذ مصر من الإسلاميين».
إن مصر المحروسة أكرم وأجلّ من أن يقرّر مصيرها ويرسم خريطة حاضرها ومستقبلها أمثال هؤلاء، أو أن يجعل الله لهم عليها سبيلاً.
السبيل||
آخر التقليعات التي انضمت إلى الحملة العربية الرسمية على جماعة الإخوان المسلمين، صدرت من اليمن بصوت الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي اشتكى باكيا من محاولات « إخوانية» لطرده من اليمن عبر تقارير كاذبة إلى «مجلس الأمن».
وقبل ذلك بقليل قالت مواقع إلكترونية إن الإمارات العربية المتحدة ستطلق قريبا فضائية موجهة ضد «الإخوان»، وفي سوريا تخرج أصوات من قبل النظام تحذر من سيطرة الإسلاميين و«الإخوان» على الحكم في البلاد.
فيما لا يزال المشهد ساخنا في مصر وتونس لإسقاط حكم «الإخوان» في هاتين الدولتين التي وصل فيها «الإخوان» إلى مقاليد الحكم عبر صناديق الاقتراع، وبسخونة أقل تعلو بعض الأصوات ضد «الإخوان» في ليبيا.
وفي الأردن محاولات ماكرة لإسقاط أزمة الدولة على «الإخوان» والإيحاء بأن «الجماعة» هم أزمة البلد والحل بإضعافهم وتهميشهم، وتأخذ أخبار «الجماعة» حيزا مهما في الإعلام الرسمي والمواقع الإلكترونية، خصوصا أخبار الانقسامات والاستقالات والخلافات وما إلى ذلك من أخبار سلبية، للإيحاء بأن» الجماعة» ساحة للصراعات والخلافات.
ترى هل «الإخوان» يمتلكون كل هذه القدرة التنظيمية الهائلة لإحداث هذه (الحراكات، الفوضى ، التغيير، الضجيج) سمه ما شئت؟ .
إذا كانوا قادرين حقا على إحداث كل هذا في الوطن العربي، فإن الأصل أن يقبل العالم بهم، ويتصالح معهم ويجد قواسم مشتركة للتعايش معهم حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا، فالصدام مع تنظيم بهذه القدرة سيكون طويلا ومستنزفا للجميع، وقد يصبح دمويا مع مرور الوقت.
وإذا كانت الحكومات العربية تعطيهم أكبر من حجمهم، وتضخم قدرتهم وقوتهم بهدف تخويف الغرب منهم، وتشجيعه على محاصرتهم ومضايقتهم، وعدم التعاطي معهم بهدف التخلص منهم، فإن الأمر ينطوي على مغامرة غير محسوبة النتائج، وقد تفقد الحكومات السيطرة على قوانين وقواعد اللعبة، وتنقلب اللعبة عليهم في داخل قصورهم. فالذي يلعب بالنار غالبا ما تحرق أصابعه.
إن التخلص من « الإخوان» لا يحتاج إلى فضائيات وإلى هذا الكم الهائل من الأموال التي تضخ هنا وهناك لإضعافهم، والطريقة الوحيدة للتخلص منهم، هي بدفعهم إلى صناديق الاقتراع والقبول بنتائج التصويت وتركهم في الحكم، فإذا نحجوا كفى الله المؤمنين القتال وإذا فشلوا، فالصناديق جاهزة لإبعادهم والتخلص منهم.
والثمن قد يكون أقل كلفة، إذ تكفي بضعة صناديق خشبية وقليل من أوراق الاقتراع لإغلاق الملف.
السبيل||
من يقارن بين أداء الأزهر في سابق عهده، وبين أدائه بعد ثورة 25 يناير، يراه كأنما وُلد من جديد، مع أن شيخه كان هو القائم بالمشيخة أيام النظام السابق، وبقي هو كذلك شيخه بعد الثورة، لكن الروح الجديدة التي سرت في أوصال الأزهر بعد الثورة، ردت إليه روحه المستشعرة دوره الهام والخطير، بما يمثله من مرجعية علمية موقرة ومحترمة عند المسلمين في مختلف أنحاء العالم.
مسيرة الأزهر قبل الثورة وبعدها، تصلح أن تكون نموذجا معاصرا لجدلية الفقيه والسلطان، فحينما كان السلطان مستبدا ديكتاتورا وظف أدوات حكمه لتطويع الأزهر بفقهائه ومشايخه، فانحصر دوره في مباركة نظام الحكم وإضفاء الشرعية عليه، وبقي خطابه قابعا في منظومة الأحكام السلطانية، التي تأمر الشعب بالطاعة والولاء، ولا تقدم لهم أمام بطش الحكام وظلمهم إلا مطالبتهم بالمزيد من الصبر على جور الحكام وتسلطهم وطغيانهم، لم يكن قرار الأزهر بأيدي شيخه الأكبر، بل كان يُملى عليه إملاء، ويقوم هو بدور المنفذ والمسوق لسياسات النظام، مضفيا عليها ثوبا شرعيا سابغا.
الأزهر في ولادته الجديدة بعد الثورة، كان له شأن آخر، كأنه ليس هو بالأزهر الذي عرفه الناس، فقد شرع بممارسة دور لم يعهد عليه من قبل، فقد التحم بالثورة وقام يدافع عنها، ويقدم لها الأسانيد والبينات الشرعية، فقد اشتملت بياناته بعد الثورة على خطاب جديد، ينص فيه صراحة على أن «شرعية السُّلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية، تعتمد على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ؛ من خلال اقتراع علني يتمُّ في نزاهة وشفافية ديمقراطية، باعتباره البديل العصري المنظِّم لما سبقت به تقاليد البيعة الإسلامية الرشيدة، وطبقا لتطوُّر نظم الحكم وإجراءاته في الدولة الحديثة والمعاصرة..».
في دوره الجديد، تصدى الأزهر لإبطال حجج طالما استخدمها الحكام بمعونة مؤسساتهم الدينية؛ لإضفاء الشرعية الدينية على حكمهم. يقول الأزهر في إحدى بياناته: «وقد دَرَجَ كثيرٌ من الحكّام على تعزيز سلطتهم المطلقة، مُتشبِّثينَ بفهم مبتور للآية القرآنية الكريمة: (وأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)، متجاهلين سِيَاقَها الواضح الصريح في قوله تعالى قبل ذلك في الآية التي تسبق هذه الآية مباشرة: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)؛ ممّا يجعل الإخلال بشروط أمانة الحكْم وعَدَم إقامة العدل فيه مُسَوِّغًا شرعيًّا لمطالبة الشعوب حكامهم بإقامة العدل، ومقاومة الظلم والاستبداد..»، في هذه الفقرة يقرر بيان الأزهر حق الشعوب في مطالبة حكامها حينما لا يلتزمون بمتطلبات أمانة الحكم، بضرورة إقامة العدل، ومحاربة الظلم والاستبداد، مخالفا بذلك ما استقرت عليه الأحكام السلطانية من ضرورة الصبر على جور الأئمة، واللجوء إلى الله بالدعاء لتغيير الأحوال والأوضاع.
يتابع الأزهر مناقشته مقولة متداولة في الأحكام السلطانية تُشرِّع ولاية المتغلب، وتقضي بالقبول بحكمه والصبر على مصائب جوره، وويلات ظلمة، يقول بيان الأزهر: «ومن قال من فقهائنا بوجوب الصبر على المتغلب المستبد من الحكام؛ حرصًا على سلامة الأمة من الفوضى والهرْج والمرْج، فقد أجاز في الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك، وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها».
في دوره الجديد يتولى الأزهر الدفاع عن المعارضة الوطنية، ويقرر مشروعية الاحتجاج السلمي، مقررا «أنه حق أصيل للشعوب لتقويم الحكام وترشيدهم»، كما أن الأزهر يدفع قول من يصف المطالبين بالإصلاح والحريات بالبغاة والخوارج، ويقرر أنهم ليسوا كذلك، يقول بيان الأزهر: «أمّا الحركات الوطنية السِّلميّة المعارضة، فهي من صميم حقوق الإنسان في الإسلام التي أكّدتها سائر المواثيق الدّوليّة، بل هي واجب المواطنين لإصلاح مجتمعهم وتقويم حُكّامهم، والاستجابة لها واجبٌ على الحكّام وأهل السُّلطة، دونَ مُراوغةٍ أو عنادٍ..».
الأزهر في دوره الجديد يدعو إلى استقلاليته، وأن تعود لهيئة كبار العلماء التابعة له مكانتها ودورها، وقد كان الأمر كذلك في عملية انتخاب المفتي الجديد، فقد مارست هيئة كبار العلماء دورها باستقلالية تامة، دون تلقى أية املاءات، أو الخضوع لأية ضغوط من السلطة التنفيذية، وقد كانت عملية الانتخاب فتحا جديدا -كما وصفها الشيخ القرضاوي- للأزهر في دوره الجديد بعد الثورة.
هكذا ينبغي أن يكون الأزهر مستقلا في أدائه، متحررا من كافة الضغوط والاملاءات، يقوم بواجباته بما تقتضيه أمانة التكليف، ومسؤولية الموقع، ليعود له دوره المشرق، وتصدره المشهد الديني، وليظل هو المرجعية العلمية المحترمة والمقدرة عند عموم المسلمين في مصر وخارجها.
السبيل||
كان الله في عون مصر وفي عون الفقراء الغلابى من أبناء شعبها الصابر على محنتها وأزمتها، فالحالة التي وصلت إليها الأوضاع ينطبق عليها قول الخليفة علي كرم الله وجهه وهو يخاطب الصبر إذ يقول : «سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، وأصبر حتى يحكم الله في أمري، وأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيء أمّر من الصبر.» نقول ذلك ونحن ندرك تماما مقدار الصعوبات والتحديات التي تعصف بربيع مصر وبثورة ميادينها من ناحية، وما أنتجه ذلك من تداخل مؤلم بات يسيطر ويفرض نفسه على العلاقات القائمة بين مختلف قوى نسيجها السياسي والوطني، وعلى الأخص بين تلك القوى التي لا يستطيع أحد أن يشكك في انتمائها لمصر وحرصها عليها وعلى أمنها ومستقبلها من ناحية أخرى.
لسنا بحاجة إلى المزيد من التحاليل والأقوال، فالحالة المصرية التي تلت ثورتها وما حققته من تغيير لا تزال تحاول أن تتلمس طريقها نحو المستقبل الأفضل والواعد، وهذا يحتاج إلى أفعال وإنجازات على أرض الواقع وبحيث تنعكس إيجابا على مختلف الشرائح المسحوقة من شعبها، الذي عانى وصبر على ما هو أكثر مرارة من العلقم والحنظل، صحيح أن المسافة المقطوعة لا تزال دون المأمول، وصحيح أيضا أن التلكؤ والتباطؤ يسيطران على المشهد العام، ولكن الأهم يكمن في دوام بقاء البوصلة مشيرة نحو الشمال المصري، هذا هو التحدي التكتيكي والاستراتيجي المطلوب للمحافظة على الثورة، وهذا ما يجب أن يصبر لأجله شعب مصر.
في الرسالة الأسبوعية للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر السيد محمد بديع نجد أنه لا يزال يتهم الأيدي الخفية بالتخطيط لهدم الدولة المصرية، وبمحاولة أجهاض الثورة، وإتلاف ثمارها وتشويه صورتها، وبما يدفع الناس إلى الكفر بها والندم عليها، ولتحقيق ذلك فالمرشد يؤكد أن أموالاً تُدفع، ومؤامرات تُدبر، وخطط خبيثة يتم التخطيط لها لعودة الأمور مرة أخرى إلى عصر الظلم والفساد، ويتهم المرشد سدنة النظام البائد والمنتفعين منه بالمسؤولية المباشرة عن تنفيذ ذلك، وأن أعداد الخارج والدخلاء منهم الذين يكرهون عزة وقوة مصر هم الذين يساندونهم على القيام بهذه الأفعال الإجرامية، بهدف تقويض الداخل المصري وهدمه وحرمانه من الاستقرار المطلوب للمضي قدما بأهداف الثورة الفعلية، في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
الدكتورعبد الحليم قنديل وهوالمنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير» كفاية « ذات الاتجاه القومي، له رؤية أخرى عبر عنها في مقاله الأخير الذي نشرته صحيفة « القدس العربي « تحت عنوان « إدانة الثورة « حيث يقول : تتوالى هذه الأيام عمليات إخلاء سبيل لعدد كبير من أعوان الرئيس المخلوع مبارك، أمثال فتحي سرور وصفوت الشريف وزكريا عزمي وبقرارات قضائية، وربما يجري الإفراج عن حسني مبارك نفسه، وهذه القرارات يتم أخذها بموجب قوانين وتشريعات وضعها النظام المخلوع لحماية سياساته، ثم جاءت الثورة ولم تتغير القوانين، وعليه فمن الطبيعي أن تنتهي المحاكمات ببراءة الجميع من جرائم المال أو الدم، وفي ذلك إدانة للثورة التي سيصبح شهداؤها مجرمين وخارجين على القانون بينما يتحصن القاتلون بموجب قوانين نظام يفترض نظريا أنه سقط.
ويضيف السيد قنديل أن ذلك سيجعل من الثورة وكأنها قصة عبث في عبث، وسوف يساهم في ذلك من رفض المحاكمات الثورية، ورفض المصادرة الفورية للأموال المنهوبة، وهنا يتهم السيد قنديل مجلس طنطاوي وعنان الذي استلم الحكم من مبارك، ويتهم كذلك جماعة الإخوان التي استلمت الحكم من المجلس العسكري، وهذا ما عبر عنه بالخروج الآمن لجماعة المجلس، والدخول الآمن لجماعة الإخوان، وبموجب تعهدات ضمنية ستنتهي إلى إخراج جماعة مبارك من السجون في أقرب وقت، وعلى قواعد « تصالح المصالح « مع رجال الأعمال من رموز النظام المخلوع والتي تتم وتجر عبر مساومات الكواليس.
وهذا إذا ما كان صحيحا فسوف ينتهي إلى سحق ودهس مصالح ومطامح أفقر شعب في المنطقة، فسواد المصريين لا يزالون وبعد عامين من خلع مبارك تحت خطوط الفقر والبطالة والعنوسة والجهل والمرض، وهذا إذا ما كان صحيحا فسيعني أيضا إبقاء مصر من جهة في وضع المستعمرة الأمريكية بامتياز وبإبقاء الاقتصاد تحت الوصاية الدولية وسيطرة رأسمالية المحاسيب.
إذا ما غصنا في التفاصيل التي تختفي وراء الأقوال، فسنجد أن المسافة لا تزال بعيدة بين طرح المرشد بديع والمنسق قنديل، فكيف يمكن قطعها لمصلحة مصر وشعبها ؟ وكيف يمكن تجاوز الألغام المزروعة على جنباتها ؟ وكيف يمكن توحيد طاقات وإمكانيات كل القوى الغيورة والحريصة والمنتمية للثورة وأهدافها ؟ الأسئلة كثيرة، ولكن، أين يمكن العثور على الإجابات التي يريدها شعب مصر، والتي يمكن أن تنقذ الثورة مما يحاك لها في عتم الليل الحالك؟.
وهل يتحقق ذلك بمواصلة الاعتصامات في الميادين ؟ أو بإعلان العصيان في هذه المحافظة أو تلك، لا أعتقد، فمائدة الحوار المشترك من قبل كل الوطنيين المصريين، وعلى قواعد المشاركة والتكاتف والعمل الوحدوي، قد تكون هي المخرج الآمن الذي سيدفع بالثورة إلى الأمام وينقذها من كل المؤامرات الداخلية والخارجية، وبغض النظر عن كل التصريحات، فالمؤكد أن قرار مواصلة الثورة سيبقى في يد شعب مصر والذي لا مفر له الآن من ضرورة الصبر على الألم والوجع، فجمع الثمار التي بشرت بها الثورة لا يزال بعيدا بعض الشيء.
السبيل||
بعد تصدر الإسلاميين المشهد السياسي، في كل من مصر وتونس، وولوجهم بقوة إلى عالم السلطة ومشاركتهم المركزية في إدارة شؤون البلاد، ثارت في الأوساط الثقافية والسياسية نقاشات ساخنة حول مفهومي الدولة المدنية والدولة الدينية، وكان واضحا أن ثمة اتجاهات وكتابات تسعى للتحذير من حكم الإسلاميين؛ تحت ذريعة تماهي تجربة الإسلاميين في الحكم بالدولة الدينية، ما يعني أن البلاد تسير في نظام حكمها باتجاه ما يحذرون منه، ويتخوفون من وقوعه.
ومع أن الآلة الإعلامية للإسلاميين كثفت خطابها لبيان طبيعة نظام الحكم الذي يسعون لإقامته، والمتمثل بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، ودحضها فكرة الدولة الدينية، إلا أن وسائل الإعلام التابعة للقوى العلمانية والليبرالية واليسارية لا تفتأ تطعن في تجربة الإسلاميين في الحكم وترميها بأوصاف جارحة وسيئة، كالظلامية والرجعية؛ على اعتبار أن الإسلاميين بأفكارهم ورؤاهم يمثلون تلك الحالة في مقابلة قوى التنوير والعقلانية والتقدم.
قد تكون مطالبات دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية، هي المدخل الذي يلج منه خصوم الفكرة الإسلامية، بتصويرهم أن سيادة الشريعة على غيرها في المجتمع، وعلوها على كافة الأفكار والأيدولوجيات، سيمنح الإسلاميين ذلك الحق الموهوم، فسيادة الشريعة يعني منحها سلطة نافذة؛ أي إن أحكامها وتشريعاتها وقواعدها هي التي تنظم حياة المسلمين في سائر مناشط حياتهم، ولكن ذلك كله لا يعني بحال منح الإسلاميين سواء المطالبين منهم بتطبيق الشريعة، أو القائمين على تطبيقها، حقا مكتسبا دائما يخولهم حق ممارسة الحكم بتفويض إلهي، يرفعهم عن مستوى الأداء البشري الخاضع للنقد والمراجعة والتقويم، فالإسلاميون ما وصلوا إلى كراسي الحكم إلا بتخويل الناس لهم عبر صناديق الاقتراع وفق آليات الديمقراطية التي ارتضوها وقبلوا بها.
الدولة الدينية تقوم –وفق نشأتها التاريخية في أوروبا– على أن الحاكم يستمد شرعيته بتفويض مباشر من الله، فهو يمثل الإرادة الإلهية في المجتمع، فله قداسته ولكلامه وقراراته سلطة نافذة بين الناس، ولا تملك أية قوى معارضته أو انتقاد سياسيته، فإسناد السلطة في الدولة الدينية يكون عبر التخويل الإلهي لأرباب السلطة الزمانية، فيصبح ذلك الحاكم حينها مقدسا ومنزها عن الخطأ، وما على الرعية إلا أن تسمع وتطيع، وتذعن لسائر سياسته، وكل قراراته.
هذه الدولة بمفهومها ونشأتها لا وجود لها في الإسلام، ولا مكان لها لا في نصوصه الأصلية ولا في تجربته التاريخية، فإسناد السلطة بحسب الفهم الشرعي الصحيح، تكون عبر آلية الشورى التي تقوم فيها الأمة باختيار من يحكمها، فولي الأمر الشرعي لا يكون كذلك حتى يحوز رضا الأمة باختيارها له، عبر إرادتها الحرة التي لا إكراه فيها ولا إجبار، ودع عنك ما تم ترسيخه وإشاعته في الأحكام السلطانية خلال عصور الاستبداد من شرعنة ولاية المتغلب، وولاية العهد، فما هي إلا إنتاج الواقع بكل إكراهاته وضغوطه بعيدا عن الأحكام الشرعية القويمة المأخوذة من الدين المنزل، المتمثل في العهد النبوي، وتجربة الخلافة الراشدة في الحكم والسلطة.
الحاكم في التجربة الإسلامية التاريخية، لا يستشعر أنه اكتسب شرعيته وصلاحياته، من حق إلهي خوّله ممارسة ذلك الحق، بل هو يدرك تماما أنه خادم لشعبه، وأنه بقدر التزامه بذلك العهد والميثاق الذي بايعته الأمة عليه، المتمثل في إقامة دين الله، تكون شرعيته، وقد تبدى ذلك واضحا في موقف أول حاكم في الإسلام، حينما وقف خطيبا في الناس ليقول لهم –كما في طبقات ابن سعد وتاريخ الطبري-: «أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني»، فهو يطالب رعيته بإعانته ونصحه وتقويمه، وهذا لا يكون لمن يعتقد في نفسه أنه مفوض من الله بالحكم؛ لأنه يكون حينها معصوماً من الخطأ والزلل.
تجربة الإسلاميين في الحكم والسلطة، ما تزال في بداياتها، وحريّ بأصحابها والقائمين على حراستها وحفظها، أن يديموا ذلك النسق الذي يرسخ في المجتمعات مبدأ السلطة للأمة وللشعب، فالأمة هي مصدر السلطات، فالحاكم لا يستمد شرعيته ولا يكتسب صفته تلك إلا بتفويض الأمة له.
من مقتضيات إشاعة مبدأ «السلطان للأمة»، ضرورة الفصل بين إلزامية الأحكام الشرعية القطعية، وبين اجتهادات الإسلاميين في الممارسة السياسية القائمة على تقدير المواقف، واختيار الأصلح، والموازنة بين المصالح والمفاسد، فالدائرة الأولى لها صفة النفاذ والإلزام، أما الثانية فهي آراء وخيارات بشرية، لا يصح رفعها إلى مستوى الدائرة الأولى، حتى لا تنزلق ممارسة الإسلاميين إلى إلباس خياراتهم السياسية قداسة الشريعة وإلزاماتها.
السبيل||
قامت إحدى القنوات السلفية مؤخرا ببث ثلاث حلقات للمفكر الإسلامي الكويتي البارز الدكتور عبد الله النفيسي، تركزت آخر حلقة منها حول مستقبل الإسلاميين والحكم، وتعرّض الدكتور إلى تجربة حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة والضفة الغربية، وإلى تجربة حركة الإخوان المسلمين في كل من مصر وتونس، كما عرّج الدكتور في حديثه على مستقبل الوضع اليمني والليبي.
وقد عرف د.عبد الله النفيسي كأحد أبرز المحللين والباحثين المختصين في الشأن السياسي الإسلامي، ورأيه النابع من حرصه على واقع الحركات الاسلامية واهتمامه بتطورها ونجاحها، فتستحق كلماته الوقوف عليها، بل إعداد لقاءات لنقاشها واسقاطها على التجرية الاسلامية في الأردن، ومن أهم النقاط التي ركز عليها الدكتور النفيسي في لقائه كانت:
أولا: الدخول في المشهد السياسي رويدا رويدا وبحذر؛ أي بتمثيل لا يزيد على 30% بحيث تكون نسبة مرجحة. وفي نفس الوقت لا تتحمل المسؤولية السياسية كاملة، وحذر من تولي الإسلاميين منصب رئيس الوزراء، لأن هذا المنصب سيضطرهم للتعامل مع كيماويات السياسة المرّة المكروهة شعبيا كلقاء رئيس وزراء صهيوني، وقبول ما يخالف معتقداتهم وشعاراتهم التي كانت سببا في اختيار الشعب لهم، كالقبول بالمفاوضات مع العدو أو الجلوس مع محاور التحالفات الأمريكية في المنطقة، موضحا أن العالم ينقسم الى قسمين دول المركز ودول الأطراف، فدول المركز وهي تملك السيطرة على القمح والبترول والشرعية، ودول الأطراف وهي الدول التي تتأثر مباشرة بدول المركز، لذلك فكون الدول العربية من دول الأطراف حاليا فلن يستطيع الإسلاميون تطبيق ما يريدون حال وصولهم للحكم.
ثانيا: تجاوز العتبة الحزبية وعدم الاستقواء بالصندوق والتراجع عن الفكر الاقصائي، بل الكياسة السياسية، فهي استثمار الصندوق دون مسح الطرف الآخر، والتبشير بخطاب إيجابي جديد من خلال ائتلاف وطني من النخب السياسية والاقتصادية للنهوض بالدولة وتحمل اعبائها.
ثالثا: تحقيق مصالحة مع رجال الأعمال للنهوض الاقتصادي في الدول التي قامت فيها الثورات.
رابعا: بما يخص الشأن المصري أكد الدكتور ضرورة تعيين مبعوث مصري لشؤون دول الخليج حيث ستكون داعمة له.
خامسا: عرّج على المشهد الليبي ونصح بعدم استيراد دساتير غربية، بل المضي حسب الأعراف المحلية، وحذر من تصدر الاسلاميين المشهد السياسي في الجزائر؛ إذ سيتسبب ذلك في حرب أهلية.
ولعل أهم النصائح التي كررها الدكتور النفيسي، هي التراجع عن الفكر الاقصائي والاستقوائي بالصندوق، وقد وصف ذلك بمغامرة الاكتساح واقصاء الآخر، فعلا هي مغامرة لأنها ستضع الإسلاميين وحدهم في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وستبقي الفرصة سانحة للاضطرابات وتغذية الفتنة الداخلية.
كنت أتمنى على الدكتور النفيسي أن يفيدنا بنصحه في قراءة المشهد الأردني لواقع الحركات الإسلامية المعاصرة، فالواقع الذي نعيشه حاليا يحتاج إلى محلل بصير، إذ أصبح الحليم حيراناً، فمع دعوات المبادرات الإسلامية الجديدة من هنا وهناك، وروح الشباب الإسلامي التي تدعو للتغيير حتى في قلب هيكلية الحركات الإسلامية، وعبير الربيع العربي الذي يغدو ويروح في نسيم وطننا الغالي، لا أستطيع أن أقرأ نسبة تصويت بلغت 99% في اجتماع هيئة عامة لإحدى النقابات المهنية التي هيمنت عليها الحركة الإسلامية لأكثر من عشرين عاماً إلّا تغريداً نشازاً في الوقت الخطأ، فهناك فرق -على حد قول الدكتور النفيسي- بين الافحام والإقناع، ونعود لنسأل ذات السؤال الذي طرحه د.النفيسي: أهي مغامرة بين حدي الاكتساح والإقصاء؟.
السبيل||
ما جرى في الساحة العربية خلال العامين الماضيين لم يكن في حساب احد، ولا ضمن توقعاته، كنا نطمع أن يحدث بعض التغيير الايجابي الذي يمهد لتغيير آخر بعده، ولكن أن تسقط أنظمة ويفر زعماء ويسجن ويقتل آخرون، ويتنازل البعض طوعا وكرها، فذلك أكثر مما كنا نتوقع، وهذا يجعلنا نتوقع المزيد من التغييرات الايجابية، ولست مع الذين ينظرون الى هذه التغييرات والحراكات بتشاؤم وحذر زائد، فلم نكن قبلها بأحسن حال، بل كان المتوقع انهيارا شاملا لأوضاعنا في ظل تلك الانظمة التي كانت تدين بالتبعية للآخر، وتمارس ابشع أنواع الظلم والفساد والتسلط والاستبداد، ولم تكن مرشحة ولا مؤهلة لأي نوع من التغيير الايجابي او التقدم نحو الافضل، ولكن الله سلم ولطف بعباده بهذه الثورات، والروح التحررية التي سادت وكسرت الاغلال وعلقت الجرس لتفتح ابوابا مشرعة لمرحلة جديدة نحسبها على ابواب انجاز حقيقي يمهد لنهضة شاملة.
إن ما جرى من ثورات سلمية ضد الظلم والفساد، رغم الآلام والجراحات، ورغم الدماء والدمار، ورغم دخول أصحاب الأجندات الخارجية والداخلية على خط بعض الثورات، رغم ذلك كله فإن ما جرى هو ثمن طبيعي للتحرر والانطلاق والانعتاق من ربقة الظلم والتسلط، ولا يبني الممالك كالضحايا ولا يدني الحقوق ولا يحق، وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق، فما نريده لأمتنا من الحرية والعدالة لا بد له من ثمن، ولو كان هذا الثمن غاليا، ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر، وسلعة الله غالية، والمؤمل كثير، والهدف كبير، والاوضاع متكلسة طال عليها الزمن وقست فيها القلوب واستفحل الشر، فلا يتوقع أن ينتهي هكذا بجرة قلم، وبناء مرحلة جديدة يعبر فيها الشعب عن ارادته الحقيقية من خلال نظم حرة وديمقراطية، تعكس ارادته وتعبر عن حاجاته الحقيقية، تقوم على اسس قوية ومتينة، بعيدا عن التبعية، وذات سيادة حقيقية لا تستقوي بأعدائها على شعوبها، هذه تحتاج الى الكثير من العمل والبذل والصبر والابداع، كما تحتاج الى الكثير من الوعي الذي يترسخ من خلال خوض معركة التحرر بكل ابعادها الظاهرة والخفية، فهذا مخاض عسير يبشر بميلاد جديد، ومرحلة جديدة بقواعد مختلفة عما سبق، وهي تمهد لنهوض حضاري جديد ومرحلة تختلف عما سبقها.
ما يجري في مصر وتونس وسوريا وليبيا يعكس حقيقة المعركة والمرحلة، ولا بد من الانتباه إلى أمور:
اولها: أن المكر الذي يمارسه أعداء الامة والشعب ليس سهلا، فمكرهم لتزول منه الجبال ينبيك عنه قحة الخصومة، وانكشاف الحقد الأعمى الذي لا يبالي بحرق الممتلكات وإزهاق الارواح، ثم تحميل تبعة ذلك للشرفاء والاحرار؛ من خلال إعلام ضالع في التآمر والكيد والكذب والدس الرخيص؛ ومن خلال أموال تدفع للخراب وشراء الذمم بلا حساب، لكنهم سينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون. يظهر ذلك في مصر أوضح ما يكون؛ لأهمية مصر ووزنها وامكاناتها البشرية والمادية الهائلة وموقعها الاستراتيجي، فإذا نجحوا في مصر -ولن ينجحوا- سيكون ما بعدها أهون عليهم.
ثانيها: أن حجم الخراب الذي خلفته الانظمة البائدة لا يتصوره العقل، لقد افسدوا الذمم، وزرعوا الفتنة والجريمة، فهي مؤسسات وعصابات وبلطجية وشبيحة يتحركون باقل الاسعار، ويقتلون بدم بارد، ويحرقون بلا تردد، لقد افسدوا في البلاد طولا وعرضا، وحان الوقت ليعرف الناس حجم الخراب الذي خلفوه؛ كي يعملوا لمواجهته وانهائه كسبيل وحيد للنهوض، واستئناف مسيرة البناء.
ثالثها: أن المؤسسات التي تتحكم في مفاصل الدولة كالقضاء والاعلام وغيرها مما هو أقل أهمية، لا بد من إعادة بنائها على اسس سليمة كي تقوم بدورها بحماية الدولة وقيمها، وعلى رأس ذلك العدالة المستمدة من منظومة القيم الاسلامية وتشريعاتها.
ورابعها: أن الجهد المطلوب للقيام بذلك ليس جهدا عاديا، بل هو استثنائي بكل المقاييس، ولا تصلح معه الاساليب التقليدية، بل هو بحاجة الى اساليب ابداعية متطورة تكافئ التحديات والاخطار التي تتهدد الامة ومشروع نهضتها، وهي بالضرورة تحتاج الى أعمال بطولية حقيقية وتضحيات غير مسبوقة. وهذا يضع حملة لواء التغيير والنهوض أمام مسؤوليات جسيمة، لا بد أن يتصدوا لها بما يكافئها من اساليب ووسائل.
الامة ولود، وفيها خير كثير، ورغم التحديات ستنهض، وتحقق أهدافها، والتاريخ شاهد على ذلك، ولكن قصار النظر لا يرونه ولا يستوعبونه، والله غالب على أمره واليه يرجع الأمر كله، وهو وحده المتصرف في ملكه، وليس له في ذلك شريك.
السبيل||
ينقّب المعارضون حكم مرسي، والحاقدون عليه، والكارهون له عن سقطة، أو غلطة على سيرة الرجل، أو فترة حكمه المحدودة، لعلهم ينفذون منها إلى الطعن والتشهير والتشكيك، إلاّ أنّهم لم يوفّقوا إلى ذلك بحكم طبيعة الرجل ونشأته وتربيته ورمزيته.
فهو يقدّر ما معنى أن يصل مثله ذو الرمزية الدينية إلى حكم بلد مثل مصر عاش شعبها عقوداً طويلة حالة العبوديّة بكل أبعادها، وهو يعمل جاهداً على أن يعيد لهم إنسانيتهم المفقودة وحريتهم المسلوبة، والعيون الأقلام في الداخل والخارج ترصد وتقيّم كل حركة وكلمة وقرار. فالنّاقد يقيّم التجربة الوليدة لقياس مدى تطابق القول والفعل، والحاقد يعمد إلى إفشالها بأي وسيلة كي لا يُسجّل في سجلّها شهادة نجاح. ويكرّر الحاقد مقولات من مثل: أخونة الدولة وأخونة الجيش وصبغ مؤسساتها الرسميّة والأهليّة بالصبغة الدينية، وأن الرئيس مجرّد واجهة رسمية لصاحب القرار الفعلي المتمثّل بمرشد الجماعة أو مكتب إرشادها.
والنّاقد يعلن بثقة ويقين: ائتوني بدليل ثابت واحد على أيّ من هذه المقولات.
فالهدف إذاً من وراء حملة الطعن والتشهير والتشكيك، ليس شخص الرئيس ولكن رمزيّته، ولو كان من تيار آخر أو خلفية أخرى لحملوه على الرؤوس وفوق الاكتاف. ولكنّهم يكرهون رمزيّته، إنّهم يكرهون الدين والمتدينين وكافة مستلزماته وماله صلة به، لأنّهم نشؤوا وتربوا على نقيضه، وهو الانفلات من كل قيد والتصرف دون شرط والتحرّك دون حد، وأن الحياة التي هي أكبر همهم ومبلغ علمهم ونهاية المطاف بالنسبة لهم، لا طعم لها عندهم إذا ما تدخّل الدين في تنظيم أمورها وتقنين شؤونها، وأنه يجب أن يترك لهم أمر تنظيم هذه الحياة وصياغة قوانينها ودساتيرها بعيداً عن الدين وكل ما له صلة به؛ إشباعاً لغرائزهم العارمة، وإرضاءً لشهواتهم الهائجة، وتمشياً مع عقولهم القاصرة، وهذا عين ما يرمون إليه من وراء تبنّيهم مقولة «الدولة المدنيَّة».