الفرق بين الثقافة الجنسية والتثقيف الجنسي - الفرق بين الثقافة الجنسية والتثقيف الجنسي - الفرق بين الثقافة الجنسية والتثقيف الجنسي - الفرق بين الثقافة الجنسية والتثقيف الجنسي - الفرق بين الثقافة الجنسية والتثقيف الجنسي
الفرق بين الثقافة الجنسية والتثقيف الجنسي
الدكتور عبدالحميد القضاة*
تعريف الثقافة الجنسية:
لغة: ثقُف بالشيء: صار حاذقا فطنا مهذبا سريع البديهة فيه.
اصطلاحا: "هي المحصلة الطبيعية لتمازج مجمل المعارف والأفكار والتصورات والعلوم الناتجة عن القراءة الواعية المستمرة، والمُثل والتقاليد والأعراف والعادات والمهارات، وأساليب الحياة الخاصة والعامة المنبثقة من النظرة الشمولية للحياة، ذات النزعة الربانية التي تجمع بين العلم والإيمان، بكل ما له علاقة بالغريزة الجنسية، والممارسات المنبثقة عنها، وتداخلاتها النفسية والجسمية والاجتماعية المختلفة، وأثرها الإيجابي في ضبط السلوك الفردي والجماعي بما يرضي الله تبارك وتعالى".
تعتبر الثقافة الجنسية، في أحد جوانبها، جزءاً من الثقافة العامة، والمهمة في ذات الوقت بالنسبة للشباب من الجنسين. وهي ترتبط بالثقافة الاجتماعية السائدة، والقيم الفكرية والتربوية والدينية في المجتمع؛ ومن ثم تختلف طريقة التثقيف الجنسي، وكذا طريقة تناولها من مجتمع لآخر حسب هذه المؤثرات. وقد مرت الثقافة الجنسية بمراحل وتطورات عديدة، وفقاً لتركيبة المجتمع وظروفه وثقافته. ولا تزال النظرة إلى هذا الموضوع مشوهة، ومجانبة للصواب في أكثر مجتمعاتنا الاسلامية. كما وأنها تحوي كثيرًا من الخرافات والمعلومات الخاطئة، التي تساهم بشكل مباشر، أو غير مباشر، في عدد من الاضطرابات الجنسية والنفسية والاجتماعية لدى الشباب.
ويعتقد البعض أن الثقافة الجنسية تتعارض مع الدين، أو أنها تشجع الإباحية والتفلت الأخلاقي. وهذا بالطبع غير صحيح على إطلاقه. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة كيف يختارون أزواجهم، وكيف يتعاملون مع نسائهم، بل وأيضا كيف يأتون أهليهم، وماذا يقولون عند الجماع. والفقه الإسلامي يتناول القضايا الجنسية بصراحة ووضوح، وبشكل منطقي وعملي وأخلاقي وتربوي في آن واحد.
والثقافة الجنسية في حد ذاتها أمر لابد منه؛ لأنه يتعلق بأمر فطري وبحاجة عضوية ونفسية ملحة. والإنسان إذا ما وصل إلى مرحلة عمرية معينة سيبدأ يبحث فيه، سواء علم من معه أو لم يعلموا. ولكن الذي ينبغي أن يقال هو أن مسؤولية المجتمع، بداية من الأسرة والمدرسة والجامعة والمجتمع ككل، هي في إيصال تلك الثقافة الهامة والخطيرة والحساسة في نفس الوقت، بطريقة مدروسة ومرتبة، يراعى فيها حال الشاب أو الشابة، بحيث يتدرج فيها تدرجا يسمح له بالمعرفة والإدراك، مع الحفاظ عليه من التشتت والانحراف.
وديننا الحنيف يسمح بالثقافة الجنسية، ويعرضها في أنقى ثوب وأطهره. وهي مبثوثة في كتب العلم، وأبواب الفقه، والتي كان يتعلمها أبناء المسلمين في سن مبكرة جدا... لكن يُلاحظ في كتب أهل العلم، ما يُلاحظ في القرآن الكريم، والسنة المطهرة، من محافظة على الألفاظ، والتلميح دون التصريح قدر الطاقة. واستعمال عبارات غاية في الأدب، ومؤدية للغرض في نفس الوقت، من مثل "أو لامستم النساء"، "فأتوا حرثكم " "وقدموا لأنفسكم"... إلى آخر هذه العبارات المغلفة بغلاف الأدب والوقار.
تعريف التثقيف الجنسي:
يمكن تعريف التثقيف الجنسي بأنه عملية تزويد الأبناء بشكل متدرج، بكل ما يحتاجونه من معلومات صحيحة حول الأجهزة التناسلية في أجسامهم، وتطوراتها، وتأثيراتها عليهم جسمياً، وفكرياً ونفسياً، وعاطفياً، في جوٍّ من الجَديّة والاحتشام حسبما تُمليهِ علينا قِيَمُنا الدينيّة والاجتماعيّة، لكمال عبادتهم وتصورهم للحياة، نبراسنا في ذلك السنـة الشريفة وسياجنا التقوى والعلم الرصين، مع مراعاة قدرات الأبناء على استيعاب الجُرعات التي تتناسب ومراحلهم العمرية".
ويحلو للبعض أن يسمي هذه العملية "التربية الجنسية" بدلاً من "التثقيف الجنسي"، والأمر عمليا ربما يكون سيان، رغم أن التربية الجنسية توحي بأنها عملية تربوية تمتد لفترة طويلة لتشمل جميع المراحل الأولى من عمر الإنسان، وهذا ظلال صحيح للاصطلاح أصاب كبد الحقيقة.
تعريف التربية الجنسية:
تعرَّف بأنها عملية الدفع التدريجي الممنهج للأبناء؛ لتشكيل موقف ذاتي من الجنس، وتداخلاته في حياتهم، من خلال المعلومة الصحيحة ووسائل اكتسابها، بإطارها القيمي والأخلاقي، والتعزيز العلمي المتدرج للجوانب الإيجابية المتعلقة بالجنس، من خلال المراقبة والمتابعة والنموذج القدوة ضمن الضوابط الشرعية.
وهذه العملية ليست أمراً سهلاً، ولا بسيطاً كما يظن البعض، فلا يمكن أن يتم عن طريق برنامج تلفزيوني أو توزيع منشور، ولكنه أمر مستمر يتداخل مع كل مراحل حياة الانسان، ليتعود سلوكيات تلقائية في كل حركاته وسكناته.
والتثقيف الجنسي الجاد، يعتمد على مجموعة من الخبرات العلمية والدينية، المصممة بعناية وتوازن؛ لتسهيل التبني الطوعي لمهارات، تنعكس على سلوكيات تلقائية دون تكلف أو تصنع، دافعها الأساس تقوى الله ومخافته، وسياجها العام السنة المطهرة.والمعرفة وحدها لا تكفي، إذ لابد أن تمتزج بالجدية والنزعة الحقيقية للتطبيق العملي، فكم من إنسان يعرف أن الزنا حرام ثم يقترفه !!! وكم من طبيب يعرف أن التدخين ضار بالصحة، ومع هذا يُدخن!!.
وهذا التثقيف الجنسي، لا يقتصر على عمر محدد، أو مكان معين، أو شخص بعينه، بل لكل واحد دور لابد منه،فدور الأم في البيت مكمل لدور المعلمة في المدرسة، وكذلك الأب والمعلم وهكذا، وأياً كان المُثقف،لا بد له من مراعاة بعض النقاط المهمة ومنها:
أولا: إنما يتحدث في مثل هذه الأمور مع من يحتاجها، فقبل وصول الابن ذكراً كان أو أنثى لسن التمييز، لا قيمة للكلام معه في الأمور المباشرة، إلا إذا سأل.
ثانيا: عرض هذه المسائل لكل إنسان بحسب حالته واحتياجه، فليس من يبدأ سن المراهقة مثلا، كمن هو مقبل على الزواج.
ثالثا: تقديم جرعات مناسبة للأبناء، تتناسب مع أعمارهم واحتياجاتهم ومن خلال مؤسسة الأسرة والمدرسة؛ حتى لا يكون الأمر مفاجأة عندما يشب الابن أو البنت. وهذه المرحلية في التثقيف مناسبة، حتى يجد الابن ردوداً على تساؤلاته المتعلقة بهذا الأمر. وإلا سيطلبها من مصادر غير آمنة أو من خلال طرق غير مشروعة. فكأن تقديم هذا النوع من المعلومات، بهذه الصورة الممرحلة، هو في الحقيقة جرعات مناعة، وحماية للأبناء من خطوات الشياطين، ومن إغواء المارقين.
رابعا: التمسك بأدب القرآن والسنة في الكلام في هذه الأمور قدر الطاقة، يوصل للغاية المطلوبة، بأكثر الطرق أدبا وتهذيبا؛ فيتعلم الإنسان الجنس والأدب معاً. وما زال الحياء شعبة من الإيمان إلى أن تقوم الساعة.
خامسا: الحذر من أن يكون هذا الموضوع هو كل همّ الإنسان ومحور تفكيره، فالإفراط في مثل هذا له أضرار كثيرة، ربما تخرج بصاحبها عن حد الاعتدال، بل وربما تجره إلى البحث في مواطن، الداخلُ فيها مفقود والخارج منها مولود. ومن سلم له دينه، فقد أحسن الله به صنعا وأراد به خيرا. وإلا فما أكثر الهالكين فيها والضائعين، وكثير منهم إنما دخلها أول مرة إما خطأً، وإما على سبيل التثقيف، وأحيانا من باب الفضول. فكانت العاقبة خسراً، وصار الواحد منهم أو الواحدة كمثل الذبابة التي قالت: "من يدلني على العسل وله درهم، فلما وقعت فيه قالت من يخرجني منه وله أربعة دراهم".
سادسا: نقد النموذج الغربي في الثقافة الجنسية، من خلال دوافعه، وأدواته، وصلته بالفلسفة الغربية ونظرتها للإنسان.
سابعا: التعريف بالغريزة، والحكمة منها ووظائفها، والمنهج الشرعي في التعامل معها.
ثامنا: تزويد المتدربين بالعلم الشرعي الكافي حول البلوغ، وأحكام العبادات المتصلة بقضايا الإنزال والمعاشرة، كالطهارة، والصيام، ونحو ذلك.
تاسعا: تعريف المتزوجين بمسائل الحلال والحرام المتصلة بالاستمتاع بين الزوجين.
عاشرا: تنمية التقوى والإرادة والعزيمة، التي تعين على مواجهة المثيرات والمغريات.
وأخيرا: أدب الجنس بكل ما فيه، وكل ما يتعلق به،موجود في كتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وكتب سلفنا العامة: كالتفسير وشروح الحديث. أو الخاصة: كآداب العشرة، وعشرة النساء، واللقاء بين الزوجين على ضوء الكتاب والسنة، وغيرها كثير. مما فيه الغنى، كل الغنى عن مجلات الإثارة والفتنة، ومواقع الإباحية والخلاعة... ومن قرأ ما في المكتبة الإسلامية أغناه ذلك عن غيرها،وحفظه من الوقوع فيما حرم الله، ووهبه ثقافة كاملة وطاهرة، يستفيد منها ويفيد غيره.
*المدير التنفيذي لمشروع وقايـة الشباب / الاتحـاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية (السيرة الذاتية)
وقفات تربوية مع شهر شعبان - وقفات تربوية مع شهر شعبان - وقفات تربوية مع شهر شعبان - وقفات تربوية مع شهر شعبان - وقفات تربوية مع شهر شعبان
وقفات تربوية مع شهر شعبان
عبد الله الحامد
وقفات تربوية مع شهر شعبان بقلم عبد الله الحامد يبين فضل شهر شعبان الذي يغفل الناس عنه، فما فضل شعبان؟ وما أعمال شهر شعبان؟ وما الوقفات التربوية مع شهر وقفات تربوية مع شهر شعبان
أيام مضت، وشهور انقضت، ودار التاريخ دورته، فأقبلت الأيام المباركة تُبشِّر بقدوم شهر القرآن، وبين يدي هذا القدوم يهلُّ علينا شهر شعبان، مذكرًا جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير، والمسلم يعلم أن شهر شعبان ما هو إلا واحد من شهور السنة {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36]. ولكن المسلم يشعر أن لشهر شعبان مذاقًا خاصًّا فيفرح بقدومه ويستبشر به خيرًا، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57، 58]. ومن هنا كانت تلك الوقفات التربوية مع هذا الشهر الكريم.
مكانة شهر شعبان:
هو الشهر الذي يتشعب فيه خير كثير؛ من أجل ذلك اختصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة تفضِّله على غيره من الشهور، ولذلك يتميز شهر شعبان بأنه شهر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو الشهر الذي أحبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضَّله على غيره من الشهور. فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان".
ووقفتنا التربوية هنا: هل تحب ما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل تجد في نفسك الشوق لهذا الشهر كما وجده الحبيب؟ وهل تجعل حبك للأشياء مرتبطًا بما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هو اختبار عملي في أن تحب ما يحب الله ورسوله "لا يؤمن أحدكم؛ حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".
عرض الأعمال في شهر شعبان:
شهر شعبان هو الشهر الذي فيه تُرفع الأعمال إليه سبحانه وتعالى؛ فقد روى الترمذي والنسائي عن أسامة بن زيد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "... وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إلى رَبِّ العَالمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا صَائِمٌ". ففي هذا الشهر يتكرَّم الله على عباده بتلك المنحة العظيمة؛ منحة عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى، وبالتالي قبوله ما شاء منها.
وهنا يجب أن تكون لنا وقفة تربوية؛ فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام، فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله؟
هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، يتحدد على أساسها رفع أعمال العام كله إلى المولى -تبارك وتعالى- القائل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. فهل تحب أن يُرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل وجهاد وتضحية؟ أم تقبل أن يُرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة وقلة بذل وتشكيك في دعوة وطعن في قيادة؟
راجع نفسك أخي الحبيب، وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال.
الحياء من الله:
ففي الحديث السابق بُعْدٌ آخر يجب أن نقف معه وقفةً تربويةً، فالناظر إلى حال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، يظهر له أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان، ويتجسد الحياء من الله ونظره إليه بقوله: ".. وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". ففي الحديث قمة الحياء من الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يراه الله إلا صائمًا، وهذا هو أهم ما يجب أن يشغلك أخي المسلم، أن تستحي من نظر الله إليك، تستحي من نظره لطاعات قدمتها امتلأت بالتقصير؛ ولذلك قال بعض السلف: (إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهًا تليق به صلاتك).
وتستحي أيضًا من أوقات قضيتها في غير ذكر لله، وتستحي من أعمال لم تخدم بها دينه ودعوته، وتستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات لم تستنفذها في نصرة دينه وإعزاز شريعته، وتستحي من قلم وفكر لم تسخره لنشر رسالة الإسلام والرد عنه، وتستحي من أموال ونعم بخلت بها عن دعوة الله، وتستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك من تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءات وعورات، كل ذلك وغيره يستوجب منك -أخي الحبيب- الحياء من الله والخشية منه.
مغفرة الذنوب:
فإن شهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن لله في أيام دهركم أيامًا وأشهرًا يتفضَّل بها الله على عباده بالطاعات والقربات، ويتكرَّم بها على عباده بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، وهو هديةٌ من رب العالمين إلى عباده الصالحين؛ ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان، عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله: "يطِّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن".
هي فرصة تاريخية لكل مخطئ ومقصر في حق الله ودينه ودعوته وجماعته، وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود، وليكن شعارنا جميعًا قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10]. قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور، وسخاوة النفوس، والنصيحة للأمة. وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو.
وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه، هي فرصة لكل من سولت له نفسه التجرؤ على الله بارتكاب معاصيه، هي فرصة لكل مسلم قد وقع في خطأ "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون". هي فرصة إذن لإدراك ما فات، وبدء صفحة جديدة مع الله تكون ممحوة من الذنوب وناصعة البياض بالطاعة.
سنة نبوية:
شعبان هو شهر الهَدْي النبوي والسنة النبوية في حب الطاعة والعبادة والصيام والقيام؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان". وفي رواية عن النسائي والترمذي، قالت: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله". وفي رواية لأبي داود، قالت: "كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان".
وهذه أم سلمة -رضي الله عنها- تقول: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان". ومن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "وكان أحب الصوم إليه في شعبان". ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان قال ابن رجب: (إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور). وقال ابن حجر: (في الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان). وقال الإمام الصنعاني: (وفيه دليل على أنه يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره).
وذكر العلماء في تفضيل التطوع بالصيام في شهر شعبان على غيره من الشهور "أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده؛ وذلك يلتحق بصيام رمضان؛ لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض.
والوقفة التربوية هنا كم يومًا تنوي صيامه من هذا الشهر اقتداءً بالحبيب صلى الله عليه وسلم.
نوافل الطاعات:
إذا كان شعبان شهرًا للصوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو شهر لنوافل الطاعات كلها، ينطلق فيه المسلم من حديث: "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان؛ فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة، فهو ميدان للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيء شهر الفرقان، فأروا الله فيه من أنفسكم خيرًا.
السقي السقي:
نعم هو شهر السقي والتعهد والتفقد لما قام به المسلم في سابق أيامه؛ حتى يجني الحصاد بعده، قال أبو بكر البلخي: (شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع). وقال أيضًا: (مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر).
ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان، فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!
ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا الأمر واضحًا، قال سلمة بن كهيل: كان يُقال: شهر شعبان شهر القُرَّاء. وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء. وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرَّغ لقراءة القرآن.
فأدرك زرعك -أخي الحبيب- في شهر شعبان، وتعهده بالسقي وتفقده ألاَّ يصاب بالجفاف.
غفلة بشرية:
شهر شعبان هو الشهر الذي يغفل الناس عن العبادة فيه؛ نظرًا لوقوعه بين شهرين عظيمين؛ هما: رجب الحرام ورمضان المعظم، وفيه قال الحبيب: "ذلك شهر يغفل عنه الناس". وقد انقسم الناس بسبب ذلك إلى صنفين:
صنف انصرف إلى شهر رجب بالعبادة والطاعة والصيام والصدقات، وغالى البعض وبالغ في تعبده في رجب؛ حتى أحدثوا فيه من البدع والخرافات ما جعلهم يعظمونه أكثر من شعبان.
والصنف الآخر لا يعرفون العبادة إلا في رمضان، ولا يقبلون على الطاعة إلا في رمضان، فأصبح شعبان مغفولاً عنه من الناس، واشتغل الناس بشهري رجب ورمضان عن شهر شعبان، فصار مغفولاً عنه؛ ولذلك قال أهل العلم: هذا الحديث فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عزَّ وجلَّ، وقد كان بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة، ويقولون: هي ساعة غفلة.
فهي دعوة لوقفة مع النفس، هل صرنا من الغافلين عن شهر شعبان وفضله؟ وهل أدركتنا الغفلة بمعناها المطلق؟
هي وقفة تربوية نقيم فيها أنفسنا ومدى تملك الغفلة منا، ونعرض فيها أنفسنا على قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، وقوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]، وقوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]. سلَّمنا الله وإياكم من الغفلة ومضارها، وجعلنا وإياكم من أهل طاعته على الدوام.
اطرقوا أبواب الجنان:
فإن شهر شعبان بمنزلة البوابة التي تدخلنا إلى شهر رمضان؛ ولأن رمضان هو شهر تفتح فيه أبواب الجنة، كما أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين" (البخاري).
فأين المشمرون عن السواعد؟! أين المشتاقون إلى لقاء الله؟! أين المشتاقون إلى الجنة؟! ها هي الجنة تنادي أنا أصبحت عند أبوابكم؛ ففي شهر شعبان مجال طرق الأبواب، بكل وسائل الطرق المتاحة، فاطرقوا أبواب الجنان بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله واللجوء إليه، واطرقوا أبواب الجنان بالتضرع والوقوف على أعتاب بابه مرددين: (لن نترك بابك حتى تغفر لنا). واطرقوا أبواب الجنان بالصيام والقيام والصلاة بالليل والناس نيام، واطرقوا أبواب الجنان بالطاعات والقربات وبالإلحاح في الدعاء؛ فإن أبا الدرداء كان يقول: (جِدوا بالدعاء، فإنه من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له).
هي دعوة للتحفز والاستعداد والتهيؤ بالوقوف على العتبات والأعتاب؛ لعله يفتح عن قريب فترى نور الله القادم من شهر القرآن.
دورة تأهيلية لرمضان:
شهر شعبان هو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني؛ يقبل عليه المسلم ليكون مؤهلاً للطاعة في رمضان، فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر رمضان ووسائل اغتنامه، ويجهِّز برنامجه في رمضان، ويجدول مهامه الخيرية، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لرمضان، فيحرص فيها على الإكثار من قراءة القرآن والصوم وسائر العبادات.
ويجعل هذا الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس بمنزلة دفعة قوية وحركة تأهيلية لمزيد من الطاعة والخير في رمضان، فهو دورة تأهيلية لصيام رمضان؛ حتى لا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرَّن على الصيام واعتاده، ووجد في صيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذَّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، وحتى يتحقَّق هذا الأمر؛ فهذا برنامج تأهيلي تربوي يقوم به المسلم في شهر شعبان استعدادًا لشهر رمضان المبارك:
أ- التهيئة الإيمانية التعبدية:
- التوبة الصادقة أولًا، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي وترك المنكرات، والإقبال على الله، وفتح صفحة جديدة بيضاء نقية.
- الإكثار من الدعاء (اللهم بلغنا رمضان)؛ فهو من أقوى صور الإعانة على التهيئة الإيمانية والروحية.
- الإكثار من الصوم في شعبان؛ تربيةً للنفس واستعدادًا للقدوم المبارك، ويفضَّل أن يكون الصوم على إحدى صورتين: إما صوم النصف الأول من شعبان كاملاً، وإما صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع مع صوم الأيام البيض.
- العيش في رحاب القرآن الكريم، والتهيئة لتحقيق المعايشة الكاملة في رمضان؛ وذلك من خلال تجاوز حد التلاوة في شعبان لأكثر من جزء في اليوم والليلة، مع وجود جلسات تدبُّر ومعايشة القرآن.
- تذوَّق حلاوة قيام الليل من الآن بقيام ركعتين كل ليلة بعد صلاة العشاء، وتذوَّق حلاوة التهجد والمناجاة في وقت السحَر بصلاة ركعتين قبل الفجر مرةً واحدةً في الأسبوع على الأقل.
- تذوَّق حلاوة الذكر، وارتع في "رياض الجنة" على الأرض، ولا تنسَ المأثورات صباحًا ومساءً، وأذكار اليوم والليلة، وذكر الله على كل حال.
ب- التهيئة العلمية:
- قراءة أحكام وفقه الصيام كاملاً (الحد الأدنى من كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق)، ومعرفة تفاصيل كل ما يتعلق بالصوم، ومعرفة وظائف شهر رمضان، وأسرار الصيام (من كتاب إحياء علوم الدين)، وقراءة تفسير آيات الصيام (من الظلال وابن كثير).
- قراءة بعض كتب الرقائق التي تعين على تهيئة النفس (زاد على الطريق، المطويات الجديدة التي تَصدر قُبيل رمضان من كل عام).
- الاستماع إلى أشرطة محاضرات العلماء حول استقبال رمضان، والاستعداد له، ومنها شريط روحانية صائم للشيخ الدويش، وغيره من العلماء.
- مراجعة ما تم حِفْظُه من القرآن الكريم؛ استعدادًا للصلاة في رمضان، سواءٌ كنت إمامًا أو منفردًا، والاستماع إلى شرائط قراءات صلاة التراويح، مع دعاء ختم القرآن.
ج- التهيئة الدعوية:
- إعداد وتجهيز بعض الخواطر والدروس والمحاضرات والخطب الرمضانية والمواعظ والرقائق الإيمانية والتربوية للقيام بواجب الدعوة إلى الله خلال الشهر الكريم.
- حضور مجالس العلم والدروس المسجدية المقامة حاليًا؛ استعدادًا لرمضان والمشاركة فيها، حضورًا وإلقاءً.
- العمل على تهيئة الآخرين من خلال مكان الوجود -سواءٌ في العمل أو في الدراسة- بكلمات قصيرة ترغِّبهم بها في طاعة الله.
- إعداد هدية رمضان من الآن لتقديمها للناس دعوةً وتأليفًا للقلوب، وتحبيبًا في طاعة الله والإقبال عليه؛ بحيث تشمل بعضًا مما يلي (شريط كاسيت- مطوية- كتيب- ملصق... إلخ).
- إعداد مجلة رمضان بالعمارة السكنية التي تسكن بها؛ بحيث تتناول كيفية استقبال رمضان.
- الإعداد والتجهيز لعمل مسابقة حفظ القرآن في مكان الوجود.
د- التهيئة الأسرية:
- تهيئة مَن في البيت من زوجة وأولاد لهذا الشهر الكريم، وكيفية الاستعداد لهذا الضيف الكريم، ووضع برنامج لذلك.
- الاستفادة من كتاب (بيوتنا في رمضان)، وكتيب (الأسرة المسلمة في شهر القرآن).
- ممارسة بعضٍ من التهيئة الإيمانية السابقة مع الأسرة.
- عقد لقاء إيماني مع الأسرة يكون يوميًّا بقدر المستطاع.
هـ- تهيئة العزيمة بالعزم على:
- فتح صفحة جديدة مع الله.
- جعل أيام رمضان غير أيامنا العادية.
- عمارة بيوت الله، وشهود الصلوات كلها في جماعة، وإحياء ما مات من سنن العبادات، مثل (المكث في المسجد بعد الفجر حتى شروق الشمس، المبادرة إلى الصفوف الأولى وقبل الأذان بنية الاعتكاف.. إلخ).
- نظافة الصوم مما يمكن أن يلحق به من اللغو والرفث.
- سلامة الصدر.
- العمل الصالح في رمضان، واستحضار أكثر من نية من الآن، ومن تلك النيات: (نية التوبة إلى الله، نية فتح صفحة جديدة مع الله، نية تصحيح السلوك وتقويم الأخلاق، نية الصوم الخالص لله، نية ختم القرآن أكثر من مرة، نية قيام الليل والتهجد، نية الإكثار من النوافل، نية طلب العلم، نية نشر الدعوة بين الناس، نية السعي إلى قضاء حوائج الناس، نية العمل لدين الله ونصرته، نية العمرة، نية الجهاد بالمال... إلخ).
ذ- التهيئة الجهادية: وهي تحقيق معنى "مجاهدًا لنفسه"؛ وذلك من خلال:
- منع النفس من بعض ما ترغب فيه من ترف العيش، والزهد في الدنيا وما عند الناس، وعدم التورط في الكماليات من مأكل ومشرب وملبس، كما يفعل العامة عند قدوم رمضان.
- التدريب على جهاد اللسان فلا يرفث، وجهاد البطن فلا يستذل، وجهاد الشهوة فلا تتحكم، وجهاد النفس فلا تطغى، وجهاد الشيطان فلا يمرح، ويُرجع في ذلك إلى كتيب (رمضان جهاد حتى النصر) لـ"خالد أبو شادي".
- حَمْلُ النفس على أن تعيش حياة المجاهدين، وتدريبها على قوة التحمُّل والصبر على المشاقِّ، من خلال التربية الجهادية المعهودة.
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (3)
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (3) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (3) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (3) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (3) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (3)
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (3)
د. محمد أبو صعيليك
كان لا بد من إحياء إسلامية قضية فلسطين في حياة الناس، ومن بنود هذه الإسلامية إسلامية تاريخ فلسطين، وهذا ما نوضحه كما يلي:
- إسلامية تاريخ فلسطين:
وكيف كان الحال كمال تقدم فقد كان لا بد من العود إلى الأصل الذي اهتم المسلمون في شتى بقاع العالم بفلسطين لأجله، وهو إسلامية قضية فسلطين، وفي التوضيح للمراد بإسلامية قضية فلسطين نورد للقارئ ما يلي:
1- يقصد بإسلامية قضية فلسطين:
أن أرض فلسطين وقف إسلامي وما احتلت إلا لكونها كذلك، ولا يمكن تحريرها إلا باجتماع أهل الإسلام على العودة إلى الإسلام ورفع راية الإسلام لأنها ضاعت ببعد الإسلام عن المعركة، وفي التعبير عن هذا المعنى يقول العلامة الدكتور القرضاوي حفظه الله: يجب أن نعلن بوضوح إسلامية المعركة، فالقدس ليست مجرد شأن فلسطيني بل شأن عربي بل هي شأن إسلامي، ويزيد الأمر أيضاً فيقول: فالقدس تخاذلوا وسلموا في شأنها لوجب على مسلمي العالم أن يرفضوا ذلك ويقاوموا الفلسطينيين أنفسهم.
ويقول الأستاذ نبيل شبيب: قضية فلسطين لدى الطلائع الإسلامية قضية جزء من دار الإسلام اغتصبه أعداء الإسلامي ولا يجوز أن يكون هدف المسلم فيها أدنى من تحرير فلسطين كاملة واستعادتها لحظيرة الإسلام.
2- ثمار إسلامية فلسطين:
ولقد كانت الدعوة الإسلامية المعاصرة تنادي بهذا الشعار الهام فإن لهذا الشعار ثماره التي يلخصها العلامة الدكتور محمد عمارة حفظه الله فيقول: لقد جمع الإسلام الأمة الإسلامية على خمسة جوامع توحدها وتؤلف بينها وهي: العقيدة والشريعة والحضارة والأمة ودار الإسلام.
وعلى هذا فإن ثمار الإسلامية هذه هي:
1- وحدة الأمة المسلمة.
2- تجسيد وحدة دوائر الانتماء العقدي والوطني والقومي.
3- تفجير مشاعر المسلمين في العالم نحو التحديات اليهودية والصهيونية المحدقة بالقدس والمسجد الأقصى وكل فلسطين.
4- إحياء الرابط الإسلامي الجامع بين أعضاء جسد الأمة.
5- أن القضية الفلسطينية أصبحت محور القضايا الإسلامية.
6- كانت القضية الفلسطينية محور الصراع بين المسلمين وأعدائهم من الكفار في شتى بقاع العالم.
7- العمق العربي والإسلامي الكبير الداعم للقضية الإسلامية في فلسطين، والذي حرمتنا القوميات والفئويات منه.
8- حرمة التنازل عن شبر من أرض فلسطين.
فالقومي والعروبي لا وجود للاصطلاحات الشرعية الدينية عنده، أما المسلم فهو معني بها مقرر لها، وفي التعبير عن هذا يقول الدكتور إبراهيم الكيلاني رحمه الله: إن أرض فلسطين المقدسة والمباركة من نهرها إلى بحرها ليست ملك حاكم أو منظمة ليتنازل عنها كما يشاء إن أرض الوطن كالعقيدة والعرض غير قابلة للتنازلات والمفاوضات.
وفي توضيح مفردات إسلامية فلسطينية يقول الدكتور الخالدي: فلسطين وماح ولها بلاد مباركة باركها الله سبحانه، وهي أرض مقدسة، قدسها الله، وجعلها أرض العقيدة والإيمان، وأرض الطهر والفضيلة، وأرض المواجهة والجهاد، وأرض الرباط والاستشهاد، وأرض الحسم والتقرير.
ويحدثنا عن تاريخ فلسطين فيقول: ولفلسطين وما حولها من البلاد تاريخ إسلامي إيماني عريض، هاجر إليها أنبياء كرام وعاشت فيها رسل عظماء، وأقام بجانبها مؤمنون صالحون، وجاهد مجاهدون، وقامت فيها دولة إسلامية، وهزمت عليها جيوش كافرة.
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (4)
د. محمد أبو صعيليك
مبررات إسلامية فلسطين: تعود إسلامية أرض فلسطين إلى ما غرسه الوحي كتاباً وسنة من أنها: 1-أولى القبلتين، 2-ثالث الحرمين الشريفين، 3-مسرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، 4-أرض المحشر والمنشر، 5-ملاذ المؤمنين عند الفتن، 6-مكان خلافة المسلمين في آخر الزمان.
حسني أدهم جرار والتاريخ الإسلامي لفلسطين:
كان العلامة المؤرخ حسني جرار رحمه الله تعالى أحد مؤرخي فلسطين في العصر الحديث، وقد تقدم وصف العلامة الدكتور القرضاوي له بذلك.
ملامح التأريخ الإسلامي لفلسطين:
عند النظر في سيرة ومؤلفات العلامة المرحوم حول تاريخ فلسطين، فإننا نلحظ أنه كرس إسلامية فلسطين من خلال ما يلي:
1- التأريخ لأدباء فلسطين، فقد ألف كتابا اسمه أدباء من جبل النار، أرخ منه لثلة من أدباء فلسطين من منطقة نابلس وما حولها، ينتمي معظمهم إلى الاتجاه الإسلامي في فلسطين.
2- كتابة قصائد وأناشيد لانتفاضات أرض فلسطين، حيث جمع أشعارا وقصائد لعدة شعراء من فلسطين وخارجها من أهل الاتجاه الإسلامي متضامنين مع الثوار والمجاهدين في فلسطين.
3- الكتابة في تاريخ المعارك الإسلامية في الشام وقد صدر منها:
أ. صحابة مجاهدون في الأردن وفلسطين.
ب. من أجل فلسطين: مواقف من التاريخ الإسلامي.
ت. أسرار حملة نابليون على مصر والشام.
ث. جبل النار تاريخ وجهاد: تحدث فيه عن دور أهل جبل النار في الجهاد في سبيل الله ضد الغزاة نابليون ومن تبعه من اليهود والانجليز.
ج. شعب فلسطين أمام التآمر البريطاني والكيد الصهيوني 1897- 1939م مؤرخا لنشأة القضية وبداياتها والثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.
د. نكبة فلسطين: أرخ فيه لاجتياح مخيم جنين والبطولات التي حصلت فيه.
4- التأريخ لكبار المجاهدين في فلسطين: حيث أرخ الشيخ لكبار مجاهدي فلسطين في العصر الحديث وهم: الحاج أمين الحسيني، الشيخ عز الدين القسام، الشيخ فرحان السعدي، الشهيد الدكتور عبدالله عزام، الشيخ أحمد ياسين.
5- التأريخ لكبار أعلام المسلمين في العصر الحديث: وقد خص فلسطين بالترجمة للأعلام التالية: أحمد حامد النحوي، أحمد الداعور، أسعد بيوض التميمي، توفيق جرار، الشيخ فريز جرار، محمد صبري عابدين، محمد فؤاد أبو زيد، مشهور الضامن، و موسى السيد.
6- الترجمة لكبار المجاهدين في فلسطين: حيث ترجم لثلة من كبار مجاهدين فلسطين ممن لم يكونوا من أهلها ومنهم: الشيخ عز الدين القسام، والدكتور مصطفى السباعي.
7- المشاركة في الموسوعة الفلسطينية: حيث شارك الشيخ رحمه الله في الكتابة في الموسوعة الفلسطينية بعد أن استكتب من إدارتها.
وعند النظر في المواد التي ألفها وتم قبولها يظهر ما يلي:
أ. التاريخ لهيئات وجمعيات إسلامية: 1-جمعية الشبان المسلمين، 2-جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 3-جمعية العلوم والثقافة الإسلامية بالقدس، 4-الجمعية الإسلامية في حيفا، 5-جمعية الاعتصام في حيفا، 6-جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين 7-الهيئة الإسلامية العليا، 8-منظمة المؤتمر الإسلامي، 9-المتطوعون العرب والمسلمون في حرب فلسطين 10-منظمة الفتوة، 11-حركة حماس، 12-حركة الجهاد الإسلامي.
ب. التأريخ لحركات لها علاقة بفلسطين: الحملة الفرنسية في فلسطين.
ث. أحداث سيرة: الإسراء.
هـ. مواقع جغرافية وتاريخية فلسطينية: 1- معركة جنين عام 1948م، 2- بيت الشرق، 3- مقام يوسف في نابلس، 4- قرية صانور، 5- جامعة الخليل.
ج. أعلام صحابة: 1- أبو عبيدة عامر بن الجراح، 2- تميم الداري، 3- بشير بن عقربة الجهني، 4- ابان بن سعيد بن العاص، 5- ثوبان خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، 6- شداد بن أوس، 7- خالد بن الوليد.
ح. أعلام من فلسطين وغيرها حيث ترجم لكل من: 1- يوسف الجرار، 2- أحمد حسين، 3- أحمد النحوي، 4- أحمد زكي (شيخ العروبة)، 5- أحمد عبد العزيز، 6- أحمد سليم سعديان، 7- إحسان النمر، 8- إسكندر الخوري، 9- أكرم الحوراني، 10- إميل الغوري، 11- برهان الدين العبوشي 12- برهان الدين الدجاني 13- جبر إبراهيم جبرا، 14- توفيق محمود جرار، 15- حسن أبو السعود، 16- خليل الوزير، 17- خالد الحسن، 18- سعيد الخطيب، 19- سعيد صبري، 20- سعود الغوري، 21- سعد الدين الخطيب، 22- صبري عابدين، 23- صلاح خلف، 24- عبد الحميد السائح، 25- عبد الرحمن بشناق، 26- عبدالله عزام، 27- عارف العزوني، 28- علي رضا النحوي، 29- فوزي القطب، 30- فتحي الشقاقي، 31- فهد القواسمة، 32- كامل الحسيني، 33- كامل العسلي، 34- محمد كامل القصاب، 35- محمد مراد، 36- مولانا محمد علي، 37- مصطفى الدباغ، 38- موسى البديري، 39- نمر عبد الرحمن المصري، 40- هند طاهر الحسيني.
بهذا كله؛ فقد عمل الشيخ العلامة على تقرير إسلامية تاريخ فلسطين ليكون ذلك مقدمة إلى رفع شأن فلسطين وأهلها عند العالمين، وليكون ذلك طريقاً لعالمية التاريخ والقضية حتى تعرف الأجيال القادمة أن هذه بلاد مسلمين، وقضية مسلمين في كل العالم، يتنادى لها الخيرون في كل مكان من اجل الحفاظ عليها واستنقاذها من يد كل غاصب كل من وسائله جعلها قومية القضية، فئوية الانتماء، جهوية الوجهة، بما حرم أهل فلسطين من دعم أهل الإسلام، وباقي أهل العروبة كما حصل مع طباري الباكستان الذين قيل لهم فلسطين عربية ولا شأن لكم بها لأنكم لستم عرباً، فكانت تلك الدعوى أحد الخناجر التي نحرت بها القضية، وأميتت بها الأخوة، وتباعدت بها القلوب وحرم بها الناس من الولاء والأخوة الصادقة، مع أن تاريخ تلك البلاد يشهد بأن حراسها ما كانوا إلا أهل هذا الدين من شتى بقاع الأرض ما تُلي القرآن، وما تذكر الناس سورة الإسراء، وما تذاكروا سيرة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم الذي ربط فلسطين والأقصى والقدس بهذا الدين، فجعلها عقيدة لكل مسلم، ووضعها كأمانة في عنق كل مؤمن، والله المستعان.
رمضان.. شهر صناعة الأمة - رمضان.. شهر صناعة الأمة - رمضان.. شهر صناعة الأمة - رمضان.. شهر صناعة الأمة - رمضان.. شهر صناعة الأمة
رمضان.. شهر صناعة الأمة
السنوسي محمد
من المهم ونحن نتعامل مع المعاني أو المناسبات الإسلامية، أن ننظر إليها في إطارها الذي يتجاوز دائرة الفرد إلى دائرة الأمة؛ فذلك أدعى لأن نقف على حقيقتها، وعلى المقاصد الأساسية منها.
وشهر رمضان، بما فيه من معانٍ إيمانية وقيم اجتماعية ومقاصد عليا، ينبغي أن ننظر إليه على هذا النحو.. فهو شهر الأمة بالأساس، وليس مجرد شهر يحس فيه الفرد بذاته المعنوية، ويجدد حاجاته الروحية.
رمضان هو الشهر الذي وُلدت فيه الأمة.. حين تنزل القرآن بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق: 1).. فانبثق من هذا الأمر الإلهي ميلادُ أمةٍ انداحت بعد ذلك في جنبات الأرض؛ تعمِّر الكون وتستخرج كنوزه وقوانينه المخبوءة، وتقيم العدل، وتصنع في دنيا الناس النموذج الذي طالما تاقت نفوسهم إليه.
لكن حين تاهت منا بوصلة المفاهيم والقيم والمعاني، صار رمضان- في أحسن الحالات- شهرًا للفرد وليس للأمة، وللذات وليس للمجموع.. وغاب عنا أنه شهر ميلادنا جميعًا، وشهر انطلاق نموذجنا الحضاري.. أما في أسوأ الحالات- نعوذ بالله- فصار الشهر الكريم عنوانًا على كل ما يضاد رسالته الأساسية؛ من الارتقاء بالروح، وتهذيب الغرائز، وضبط النفس والجوارح..!
ولسنا نريد بقولنا: إن رمضان شهر ميلاد الأمة، مجرد التعبير الأدبي عن أهمية الشهر وفضله.. بل نريد التعبير الحقيقي، من حيث لفت الانتباه إلى كيفية صناعة الأمة التي تمت في رمضان، وإلى ما يحمله هذا الشهر كل عام من تذكير متجدد بهذه الصناعة.. فنحن أمام ميلاد متجدد ينبغي أن نستحضر أجواءه ومفاهيمه ومرتكزاته.. لاسيما إذا صرنا في حالة بعيدة كثيرًا عن حالة الميلاد الأول وما اتسمت به من علو ورفعة وتمكين..!
فحينما يعاودنا رمضان كل عام، ينبغي أن نتذكر معه كيف وُلدت أمتنا.. كيف كنا قبل الميلاد: من الفرقة والضعف والهوان، ومن ضياع البوصلة والانحراف في العقيدة والمفاهيم.. ثم لننظر كيف كنا بعد الميلاد: من الاتصال بالسماء والاستهداء بنور الوحي، ومن قوة الصف وتماسك النسيج، ومن السيادة في الأرض والعزة بين الأمم.. ثم علينا بعد ذلك أن نرى واقعنا المعاصر في ضوء هاتين الصورتين: قبل الميلاد وبعده؛ لندرك إلى أي صورةٍ منهما نحن أقرب! وإلى أي وضعٍ نريد أن نصير!
أليس من اللافت هنا أن يكون رمضان شهر الانتصارات والأحداث الكبرى المفصلية في تاريخنا، القديم والحديث؛ بدءًا من غزوة بدر الكبرى حتى حرب العاشر من رمضان..؟!
وأليس من اللافت أن تأتي توجيهات الإسلام تباعًا لتؤكد ضرورة اقتران الصيام برعاية حقوق الآخرين؛ وصيانة حرماتهم المعنوية والمادية، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ؛ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ” (رواه البخاري من حديث أبي هريرة)، وقوله أيضًا: “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ” (رواه البخاري من حديث أبي هريرة)؟!
وأليس مما ينبغي التوقف عنده بالفهم والتدبر، ما جاء في فضل أعمال في رمضان يتعدى نَفْعُها الذات إلى الآخرين؛ مثل تفطير الصائم، وبذل الخير للناس، والجود من نعم الله.. كما في الحديث الشريف: “مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كُتِبَ لَهُ مثل أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ” (رواه أحمد والترمذي عن زيد بن خالد الجهني)، وكما في قول ابن عباس: “كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ” (رواه البخاري)؟!
إن رمضان حقًّا ليس كما يتصور البعض شهرًا للزاد الروحي فحسب، ولا لمراجعة الذات في دائرتها الفردية فقط.. بل هو شهر ميلادٍ بما تعنيه كلمة (الميلاد) من عمل روحي وفكري، ومن حركة وجهاد، ومن بذل وعطاء.. تمامًا كما أنه شهر لمراجعة الذات في دائرتها الأوسع الجماعية، وفرصة لأن تراجع الأمة واقعها في ضوء ملابسات ميلادها ومقتضياته..
نريد من رمضان أن تنتعش فيه الروح وتزكو النفس، وأن نبذل الخير ونعين المحتاجين ونُدخل السرور على من ضاق بهم الحال، وأن نعيد للمجتمع ولو بعضًا من صفائه وتماسكه: بالتراحم والتغافر، وبكف الأذى وصيانة الحقوق والأعراض..
نريد من رمضان أن نستشعر به أننا وُلدنا حقًّا أول مرة في هذا الشهر، وأن ميلادنا مجدَّدًا أمرٌ ممكن بل ومطلوب بإلحاح.. وكما يدور الزمان دورته، ويُعاودنا رمضانُ كل عام، ينبغي أن نغادر مواقع الهزيمة والتخاذل والمثبطات، إلى مواطن الريادة والفاعلية والإيجابية، نحو استئناف ميلادنا الأول..
إن رمضان شهر الأمة، ومن المهم أن يتحرك فيه كل فردٍ باتجاه هذا المعنى، وأن يستحضر مسؤوليته نحو أمته كما ينتوي أن يقوم فيه بأعمال تخص الذات..
لماذا لا يُغيِّر رمضان من واقعنا ؟ - لماذا لا يُغيِّر رمضان من واقعنا ؟ - لماذا لا يُغيِّر رمضان من واقعنا ؟ - لماذا لا يُغيِّر رمضان من واقعنا ؟ - لماذا لا يُغيِّر رمضان من واقعنا ؟
لماذا لا يُغيِّر رمضان من واقعنا ؟
د. محمد بن عبدالله الدويش
يتفاعل المسلمون مع رمضان ، وتبدو مظاهر التغير في حياتهم ، وفي عبادتهم ، حتى لو غاب أحد عن المجتمع وعاد إليه في رمضان لم يصعب عليه أن يكتشف دخول الشهر من واقع الناس .
يصوم عامة الناس شهر رمضان ، حتى أولئك الذين يُفرِّطون في الصلاة كثير منهم لا يُفرِّط في الصيام .يصلي الناس من قيام رمضان ما كتب لهم ، يقرؤون القرآن ، يؤدون العمرة ، يتصدقون ... ولكن .
حين ينصرم رمضان يصعب أن نرى تغيراً في واقع الأفراد أو واقع المجتمع ... فلماذا ؟ لقد أخبر تبارك وتعالى أن الصيام يحقق التقوى في النفوس ، فقال : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { (البقرة : ( 183 .
والقرآن والصلاة والصدقة لها أثرها البالغ في إصلاح النفوس ، ومع ذلك ما نراه في الواقع يختلف كثيراً عما يجب أن يكون .
يصعب تفسير هذه الظواهر من خلال عامل واحد ، أو اختزالها في إجابة جزئية ، لكن كثرتها تقودنا إلى سؤال مهم : ما مدى عنايتنا بمقاصد العبادات ؟لقد جاء الحديث عن مقاصد العبادات في القرآن الكريم أكثر من الحديث عن تفاصيل أحكام العبادات .
وكثير من أحكام العبادات روعيت فيها مقاصدها ، فإقبال الإنسان على طعامه حين يحضر ، وقضاؤه لحاجته يُقدّم على صلاة الجماعة الواجبة ، والطمأنينة في المشي إليها أولى من الإسراع لإدراك ركعة أو ركعتين .
ومقصد الاجتماع روعي ولو في تغيير كيفية الصلاة ، وعدد ركعاتها في صلاة الخوف . إن هذا يتطلب من المربين والمعلمين أن يعتنوا بتعريف الناس بمقاصد العبادات وتجليتها لهم ، ويكفي في ذلك ماجاء بنص القرآن والسنة .
وهو يتطلب الاعتناء بالتذكير بها والوصاة بها ، والتأكيد عليها .
وهو يتطلب ربطها بالأحكام التفصيلية فيما تظهر حكمته دون تكلف أو قول بغير علم .
إن المسافة شاسعة في دروسنا وتعليمنا بين ما نقدمه من حديث عن المقاصد ، وحديث عن تفاصيل الأحكام ، وبين ما يتكرر في وعظنا من أمر أو زجر على التقصير ، وما يرد من وقوف عند أسرار العبادات .
لذا ينبغي ألا يثير استغرابَنا اعتناءُ الناس بمظاهر العبادات أكثر من حقائقها ، وبصورها أكثر من مقاصدها .
والله عز وجل غني عن عباده ، لا حاجة له في عبادتهم وطاعتهم ؛ إنما فرض عليهم العبادة لحاجتهم هم إليها : { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّر الْمُحْسِنِينَ { (الحج ( 37: .
وقال صلى الله عليه وسلم : « من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه » ( رواه البخاري ) .
كيف تحفظ أبناءك من العـادة السرية؟ (2) - كيف تحفظ أبناءك من العـادة السرية؟ (2) - كيف تحفظ أبناءك من العـادة السرية؟ (2) - كيف تحفظ أبناءك من العـادة السرية؟ (2) - كيف تحفظ أبناءك من العـادة السرية؟ (2)
الدكتور عبدالحميد القضاة
كيف تحفظ أبناءك من العـادة السرية؟ (2)
نظرة الأديان إلى هذه الممارسة:
نظرت معظم الأديان السماوية – لأهمية الجانب الأخلاقي لدى الإنسان في تشريعاتها – إلى هذه الممارسة نظرة التخطئة والتأثيم، ولكن الإسلام كان أكثرها واقعية، إذ أعطى المسألة أحكاماً مختلفة، باختلاف مقتضى الحال ابتداءً من التحريم"لغير ضرورة" وانتهاءً بالإباحة وربما الوجوب، إذا تأكد أن هذه الممارسة تدفع ضرراً أكبر "الزنا، الانهيار النفسي".
البداية والدوافع:
تبدأ الممارسة مع نمو الرغبة الجنسية المودعة داخل الإنسان عند الاقتراب من سن البلوغ (6 – 9) سنوات، وقد يتم التعرف على هذه الممارسة من طرق عدة منها: -
1- طريق تلقائي حيث يكتشف الشخص ذاتياً لذة مداعبة أعضائه التناسلية من خلال العبث بها.
2- قراءة أو سماع حديث عن هذه الممارسة وكيفيتها بشكل مفصل فتثور الشهوة، ويدفعه الفضول لاكتشاف المجهول.
3- تعلُّم هذه الممارسة من خلال الآخرين، الأصدقاء ... زملاء دراسة، أخوة أَكبر سناً، أقارب وربما خدم؛ وقديمارسونها معهم. وكذلك بعض المجلات الإباحية، ومواقع الإنترنت، وأشرطة الفيديو والأفلام الهابطة.
وتكون –بعدالبداية –كل المؤثرات على الشهوة دوافع لهذه الممارسة، خصوصاً في غياب إمكانية تفريغ هذه الشهوة بالطريق الطبيعي السليم"الزواج"، ومن أهم هذه الدوافع:
1- التفكير في الجنس الآخر والشهوة، وتخيل الصور المحركة لها.
2- التحدث عن الأمر "الجنس" مع الآخرين.
3- النظر إلى ما يثير الشهوة،كالصور عند تصفح المجلات أو مشاهدة الإعلانات، أوأفلام تحوي مناظر جنسية، وما أسهل الحصول عليهامن خلال الإنترنت.
4- قراءة ما يُثير الشهوة من قصص ومناقشات، سيما تلك التي تتحدث بتفصيل مُشين.
وكثيرا ما تُمارس هذه العادة في مساكن يجتمع فيها الناس من جنس واحد مثل:
1. المدارس الداخلية.
2. السجون والمعتقلات.
3. الملاجىء.
4. المعسكرات.
وقد يُمارسها المتزوجون لأسباب منها:
1. غياب الطرف الآخر "شريك الحياة".
2. وجود موانع أو معوقات للجماع، مثل الحمل والمرض.
3. بعد الجماع، عند إنهاء طرف بينما لم يصل الآخر للنشوة المطلوبة.
يتبع..
*المدير التنفيذي لمشروع وقايـة الشباب / الاتحـاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية
ولن تجد لسنة الله تحويلا - ولن تجد لسنة الله تحويلا - ولن تجد لسنة الله تحويلا - ولن تجد لسنة الله تحويلا - ولن تجد لسنة الله تحويلا
ولن تجد لسنة الله تحويلا
د: عبد الكريم بكار
ملخص المقال
سنن الله في الكون تسير وفق قوله تعالى: {ولن تجد لسنة الله تحويلا}، والمطلوب من المسلم محاولة القيام بتقويم سنني للأحداث الكبرى في تاريخنا ولن تجد لسنة الله تحويلا
ولن تجد لسنة الله تحويلا - السنن الكونيةكان من جملة تسخير الله تعالى الكون لهذا الإنسان أن بثَّ فيه سننًا تتَّسم بالاطِّراد والثبات والشمول، وهذه السنن مبثوثة في الكون والأنفس والمجتمعات.
وإن وجود السنن رحمة من الله تعالى بنا؛ إذ إنَّنا تمكَّنَّا بسببها من اختصار كثير من الجهود التي كان علينا أن نبذلها لفهم ما حولنا والتعامل معه. ولنتصور أنَّ قانون إحراق النار، أو قانون الجاذبيَّة، أو قانون تغيُّر الحال إلى الأحسن أو الأسوأ تبعًا لجهد الإنسان وسلوكه لم يكن ثابتًا ولا مطردًا، فكيف ستكون الحال إذن؟!
ومظهر آخر للرحمة في اطراد السنين هو أن التحول في أكثر الظواهر الاجتماعية يتم ببطء؛ وعمر الإنسان قصير إذا ما قيس بعمر الحضارات؛ مما يجعله يبصر مقدمات الحدث دون نتائجه، ونتائجه دون مقدماته وأسبابه. وحينئذ، فإن من السهولة بمكان أن يصاب المرء بغبش الرؤية وضلال الأحكام.
والسنة بتجسيرها للعلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل جعلت في إمكان المسلم أن يعرف النتائج من خلال الوقوف على الأسباب، والمقدمات من خلال رؤية نتائجها، أي جعلت الأزمنة كتلة واحدة، وهي بهذا الاعتبار تكون قد أمنّت للمسلم نوعًا من التواصل عبر حقب الزمان المختلفة، فالماضي لم يغادرنا حتى ترك في حاضرنا ثقافة عصرنا وصفات وراثية محددة وظروفًا تؤطر مساحات حركتنا اليوم. إن الماضي سيظل يظهر في الحاضر بصورة ما، وإن الحاضر سيظل يظهر في القابل بصورة ما، وإن فيزياء التقدم عبارة عن حديث الحاضر مع الماضي عن المستقبل.
السُّنَّة.. التحام بكل الأبعاد
إذا كانت السنة هي الناموس العام الذي يؤمن الاستقرار والانسجام بين جزئيات الظاهر الواحدة إذا ما توفرت بعض الشروط الموضوعية، فإن هذا يعني أن المسلم مأمور بعبور الماضي ليفهم جذور حاضره، ومأمور بتجاوز الحاضر ليمد النظر نحو المستقبل، كيما يفقه الخطوة المناسبة. ونجد نصوصًا كثيرة في هذا الأمر، كقوله سبحانه: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ} [آل عمران: 137]. وقوله سبحانه: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 20]. إنها دعوة للسير في الأرض والخروج من سجن المكان المألوف لرؤية خلق الله وإبصار سننه فيه. وبما أن المكان يرث دائمًا الزمان، فإننا سوف نبصر من خلال السير في الأمكنة الكثير من الأزمنة الماضية، وما خلفته لنا من آثار خلق الله تعالى.
وقد كانت هذه الأمة تحتل في يوم من الأيام مكان الصدارة بين الأمم، فإذا بها تبحث عن مكان في الذيل، فلا تجد! والخطوة الأولى نحو استعادة بعض ما فات تتمحور حول بحث الأسباب التاريخية التي أدت بنا إلى هذه الحالة المنكورة. وهذا يعني أن علينا أن نثابر في قراءة التاريخ المرة تلو المرة حتى نقف على جذور الواقع الذي نعيشه، إذا ما كنا جادين في تغييره نحو الأحسن.
إن ظواهر كثيرة في حياتنا ستظل غير مفهومة ما لم نعد إلى جذورها العميقة الضاربة في القدم؛ فإذا ما نظرنا -مثلاً- في ظاهرة "ذل المسلم وخضوعه "لم نستطع أن نفهمها ما لم نعد إلى الماضي، فإذا عدنا رأينا ما يسوِّغ ذلك، فقد صُبَّ عليه من صنوف التعذيب النفسي والجسدي، ومن صنوف الإذلال والإهانة وسياسة "اسْحَقِ الذبابة بالمطرقة" ما لا يفرز إلا مسلم اليوم!
ذلك باستمرار باسم المصلحة العامة وأمن الأمة والاستقرار العام!! لكن لا بد من القول إن انفتاح العالم على بعضه حتى تحول إلى "قرية إعلامية"-كما يقولون- قد جعل فهم الواقع اليوم أكثر تعقيدًا. والسبب أن جزءًا من هذا الواقع هو الذي يمكن مسُّه، أما الباقي فجذوره وخيوطه ربما كانت خارج أرضي المسلمين كلها!!
لكن مهما يكن من أمر، فإن السنة ترسم لنا المسار العام إن لم تتحفنا بالتفاصيل.
السنة وعلوم المستقبل:
هناك اليوم حركة محمومة في الغرب لدراسة المستقبل، حتى صار لديهم علم اسمه "علم المستقبل". وهم يصنفون المستقبل إلى مباشر، وهو يغطي مساحة زمنية قدرها عام، ومستقبل أقرب وهو يغطي مساحة قدرها خمسة أعوام، ومستقبل قريب يغطي مساحة قدرها عشرون عامًا، ومستقبل بعيد يمتد إلى نحو خمسين عامًا، ومستقبل أبعد يتجاوز الخمسين. وهم لخبرتهم الحسنة بالواقع يستطيعون مد البصر نحو المستقبل في المجالات التقنية والتنموية المادية بصورة خاصة، لكن لاعتقادهم أن العلم هو الذي يكيف سلوك البشر وليس الدين، فإن كثيرًا من توقعاتهم سوف تكون مخيبة للآمال. وتاريخ البشرية هو تاريخ الرسالات والشرائع وما تحدثه من دوائر الاستجابة وردود الفعل، وسيظل مستغلق الفهم على من نظر إليه على غير ذلك.
وإذا كانت وظيفة الإنسان في الحياة هي الالتزام بشرع الله والقيام بإعمار الأرض، فإن القرآن الكريم يحدثنا أن هلاك الأمم الماضية لم يكن قط بسبب القصور العمراني؛ وإنَّما بسبب التقصير في جانب العبوديَّة لله تعالى والانحراف عن منهجه. وهذا ما لا يستطيع الغربِّيُّون اليوم فهمه، ومِنْ ثَمَّ فإنَّ كثيرًا من دراسات المستقبل لديهم سيظلُّ جهادًا في غير عدو!
ونستطيع القول: إن الإسلام يربي المسلم على النظر دائمًا نحو الأمام؛ فهو منذ البلوغ إلى أن يلقى الله تعالى يرنو نحو المستقبل بالآخرة، بل يجعله حكمًا في حاضره بكل حركاته وسكناته. وهناك نصوص كثيرة تتحدث عن المستقبل، وهذه النصوص منها ما يقدم الإطار العام كقوله سبحانه: {إنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. وكقوله سبحانه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * ويُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وبَنِينَ ويَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ ويَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].
ومنها ما يقدم بعض التفصيلات كإخباره صلى الله عليه وسلم عن أن الفنتة ستأتي من قبل المشرق، وإخباره عن فشو الأمراض الغريبة في الذين تفشو فيهم الفاحشة[1]... إلخ. وقد أوجدت معرفة السنن عند السلف حسًّا خاصًّا بالتعامل مع الواقع من خلال إفرازاته المستقبلية؛ فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول: "لا تغبطوا الأحياء إلا على ما تغبطون عليه الأموات". وهذا تعبير مركز ينمُّ عن رؤية الأشياء المادية، ونهاياتها في لحظة واحدة!!
وهذا عمر رضي الله عنه يأتيه خبر فتح خراسان، فيقول للناس في المدينة: "لا تبدلوا، ولا تغيروا، فيستبدل الله بكم غيركم، فإني لا أخاف على هذه الأمة إلا أن تؤتى من قبلكم"[2]. وهذا هو يُؤتى إليه بغنائم "جلولاء"، فيرى ياقوته وجوهره، فيبكي، فيقول له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ما يبكيك يا أمير المؤمنين وهذا موطن شكر؟! فيقول عمر: "والله ما ذاك يبكيني، وتالله ما أعطى الله هذا أقوامًا إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقى الله بأسهم بينهم"[3]! وقد كان ما خافه رحمه الله!
لماذا التعرف على السنن؟
السنن ماضية قاهرة، ونحن لا نتعلمها من أجل تغييرها أو تحييدها، وإنما من أجل الانسجام معها والعمل بمقتضاها وتلافي الاصطدام بها. والسنن مع جبريتها لا تمنعنا من الحركة؛ إذ إن بين جبرية السنن ووسع المسلم وطوقه مساحات واسعة تصلح للتحرك والعمل؛ فالقوانين الفيزيائية والكيميائية ثابتة، لكننا من خلال فهمها استطعنا إيجاد الألوف من الصناعات الكيميائية والفيزيائية مستغلين ما بينها من خلاف وتنوع.
ومشكلتنا في هذه القضية ذات رءوس متعددة؛ فهناك من هو غارق في الماضي غريب عن الحاضر، فهو يرى مقدمات الأحداث وجذورها، دون أن يرى النتائج، فهو مغترب أبدًا.
ومنا من غرق في الحاضر دون أن يعرف عن بدايات الخلق لأزماته ومشكلاته شيئًا؛ فهو يدور في حلقة مفرغة لا يرى مخرجًا، ولا يهتدي سبيلًا.
ومنا من شهد جبرية السنن، ولم يشهد مساحات التكليف وإمكانات الحركة، فوقف عاطلًا عن العمل هاجعًا في إجازة مفتوحة، لكنَّه أثرى أدب الشكوى من الزمان والظروف، وتواطؤ الأعداء بما لا مزيد عليه!!
ومنا من غرق في الأحلام الوردية، فهو لا يرى ما هو كائن لينطلق به إلى ما ينبغي أن يكون؛ فهذا شاق، ويقتضي عملًا، فوجد أن التعامل مع ما حوله على ما ينبغي أن يكون أسهل وأجمل فصار إليه!
ومنا من لم يسمع بالسنن فتفكيره إلى الخرافة أقرب، وعلمه بالإرادة الكونية والإرادة الشرعية هباء، والحياة أمامه بعد واحد ينتهي بطريق مسدود!
واجبنا اليوم:
1- التركيز في معارفنا العامة على الدراسات التاريخية والنفسية والتربوية والاجتماعية؛ لنتمكن من استجلاء أكبر عدد ممكن من سنن الله تعالى في الأنفس والمجتمعات.
2- بلورة مناهج للعمل الدعوي تتناسب مع تلك السنن في أساليبها وأدواتها.
3- تربية أبنائنا وطلابنا على التفكير السنني؛ ليحل محل الأوهام والخرافات التي عششت في أذهان كثير منهم.
4- محاولة القيام بتقويم سنني للأحداث الكبرى في تاريخنا والمعالم البارزة في واقعنا المعاش.
5- القيام بدراسات علمية مستقبلية تعتمد على ما فقهناه من سنن الله تعالى في حركة الفرد والمجتمع.
وإذا ما فعلنا ذلك فسوف نجد الخلاص من كثير من مشكلاتنا، كما سنجد ساحات ودروبًا للحركة والعطاء. وعلى الله قصد السبيل.
المصدر: موقع صيد الفوائد.
[1] انظر هذه الأخبار وكثيرًا نحوها في كتاب الفتن من صحيح البخاري.
كيف يذكرنا الحج بيوم الحساب؟ - كيف يذكرنا الحج بيوم الحساب؟ - كيف يذكرنا الحج بيوم الحساب؟ - كيف يذكرنا الحج بيوم الحساب؟ - كيف يذكرنا الحج بيوم الحساب؟
كيف يذكرنا الحج بيوم الحساب؟
د. راغب السرجاني
إننا نتذكّر يوم الحساب من أوّل خطوة نخطوها نحو الحج... فيحرص المسلم على جمع المال الذي يريد أن يؤدي به الحج من الحلال، ويدفع هذه المبالغ الكبيرة: عشرة آلاف أو خمسة عشر.. أو عشرين ألفًا! وأكثر من ذلك أحيانًا، ومع هذا كله يدفع المسلم هذه المبالغ وهو في غاية السعادة والسرور!! لماذا؟ لأنه سيؤدي فريضة الله سبحانه وتعالى.. ثم يسترضي كل من يعرفهم ، ويعتذر لمن أساء إليه، ويؤدي ما عليه من ديون، وكأنه بذلك يستعد تمامًا ليوم الحساب.. يجمع أهله.. فيوصيهم، وينصحهم، ويدلهم على ما يفعلونه أثناء غيابه... والناس يودِّعونه قبل سفره.. أفواج كبيرة تودع الحجاج.. تُذكره، وتُذكر الناس جميعًا أن هناك يومًا سيخرج المرء فيه بلا عودة!! "كل نفسٍ ذائقة الموت" ولكن أحدًا لن يرجع بعد موته.
حتى ملابس الحج بالنسبة للرجل تذكِّره.. وتذكِّر الناس جميعًا بيوم القيامة؛ ففوق ما فيها من شَبَهٍ بالكفن، ترى أن بعض جسد الحاج يتعرى؛ ينكشف كتف الحاج لكي يتذكر الناس جميعًا العُرْيَ التام يوم القيامة، وهذا يذكرنا بالصورة التي نكون عليها يوم الحساب... روى البخاري ومسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.. يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟! فَقَالَ: الأمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ».
وفي الحج يعيش الناس جوًّا أشبه ما يكون بيوم القيامة، الكلُّ يشعر بهذا المعنى، والأمة كلها تعيش هذه المعاني مع الحجيج، الناس جميعًا يتركون الدنيا وراء ظهورهم، ولا ينشغلون بغير الذكر والدعاء والاستغفار والتضرع إلى الله عز وجل، والناس جميعًا واقفون في زحام شديد، وفي مكان واحد، وهكذا يُحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد، وينادي عليهم المنادي: هلمُّوا إلى ربكم.. هلُمُّوا إلى ربكم.. فيقوم الناس جميعًا لربّ العالمين: "يومئذٍ يتَّبِعون الداعي لا عوج له، وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا".. كلّ الناس في الحج وقوف، وكل الناس يوم القيامة وقوف أيضًا: "وقِفُوهم.. إنهم مسؤولون"! الناس في الحج في حرٍّ وعرق، وكذلك يوم القيامة يعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، كما في الحديث الصحيح، في البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعً، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ»!!
فالأمر إذن ليس ساعة أو ساعتين.. لا.. الأمر شاق وطويل...
وإذا كان الحج هو العبادة الوحيدة التي يفرّغ لها المسلم أيامًا متتالية، فكذلك يوم القيامة يوم طويل: "إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا".. وكما جاء في بعض التفسيرات أن اليوم القمطرير هو اليوم الطويل، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "مائة سنة" أي أن يوم القيامة يساوي مائة سنة، وقال كعب: بل ثلاثمائة سنة، وقال غيرهم: خمسين ألف سنة!! والمؤكد أنه يوم طويل وعسير وصعب؛ فهو يحتاج إلى استعداد واهتمام كبيرين...
ومما يذكّر بيوم القيامة من مناسك الحج أيضًا السعي بين الصفا والمروة، ذهابًا وإيابًا، فيتذكر الناس السعي والحركة يوم القيامة: "يوم يَخرجون من الأجداث سراعًا كأنهم إلى نصب يُوفضون"، ويتذكر الناس عند سعيهم بين الصفا والمروة سعيَهُم يوم القيامة بين الأنبياء ليشفعوا لهم عند الله عز وجل؛ فيذهبون إلى آدم عليه السلام، فيردهم إلى نوح عليه السلام، فيردهم إلى إبراهيم عليه السلام، فيردهم إلى موسى عليه السلام، فيردهم إلى عيسى عليه السلام، فيردهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم...
وزيارة الحجاج لرسول الله صلى الله عليه وسلم - وإن لم تكن من مناسك الحج - هي أيضًا تُذكِّرك بأن الله عز وجل سيجمعك يومًا ما مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، تسلّم عليه وعلى أصحابه... كما أن صلاتك في الروضة الشريفة (وهي من رياض الجنة) تضعك في هذا الجوّ الرائع الذي يُخْرِجُك من جوّ الدنيا تمامًّا، ويجعلك تعيش في جوّ الآخرة...
إن كل من يحج بيت الله الحرام يشعر بكل هذه المعاني.. بل ويقصّها على كل من يلقى من الأهل والأحباب، ومهما بلغ الجهد والتعب وبذل المال في هذه الرحلة العظيمة، إلا أن الجميع يتمنى لو عاد مرة أخرى للحج.. لو عاد مرة أخرى للبيت الحرام.. لو عاد مرة أخرى لعرفات... يتمنى لو عاد مرة أخرى لزيارة الحبيب صلى الله عليه وسلم...
تعيش الأمة كلها هذه المعاني العظيمة التي تُذكِّر بيوم القيامة في كل عام مرة، لتتذكر يوم القيامة الذي ستعيشه بحقيقته بعد ذلك...
وإذا عاشت الأمة وتذكرت يوم القيامة على هذا النحو.. كيف سيكون حالها؟ وكيف سيكون وضعها بين الأمم؟
بعد كل ما رأينا من العلاقة بين الحج ويوم القيامة؛ نستطيع أن نفهم ونتدبر لماذا بدأ الله تعالى سورة الحج بالتذكير بيوم القيامة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ"..
ليس في القرآن شيءٌ عشوائيٌ على الإطلاق؛ فكل كلمة وكل حرف نزل بحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى: "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً"..
ولقد كنت أعجب كثيرًا عندما أقرأ سورة الحج وأتساءل: لماذا بدأ الله عز وجل سورة الحج بالتذكير بيوم القيامة بدلاً من التذكير بأهمية الحج؟! لكن بعد تدبر هذا المعنى العظيم - وهو أن الله عز وجل جعل الحج تذكيرًا للناس بيوم القيامة - تلاشى هذا العجب..
فليس الهدف من الحج -إذن- إرهاق الناس وتكليفهم فوق طاقتهم: "ما يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ".. ولكن الهدف هو تحقيق المنفعة للناس في الدنيا والآخرة.
لو تذكرنا يوم القيامة ستصبح حياتنا كلها آمنة ومستقرة بل وحياة الأرض كلها، وسوف يتحقق لنا الخير في الآخرة...
نسأل الله عز وجل أن يتقبل من الحجاج حجَّهم.. وأن يكتب الحج لمن لم يحج.. وأن يفقِّهنا جميعًا في سننه.. وأن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
حديث "لا حلف في الإسلام".. هل يحرم الحزبية؟ - حديث "لا حلف في الإسلام".. هل يحرم الحزبية؟ - حديث "لا حلف في الإسلام".. هل يحرم الحزبية؟ - حديث "لا حلف في الإسلام".. هل يحرم الحزبية؟ - حديث "لا حلف في الإسلام".. هل يحرم الحزبية؟
حديث "لا حلف في الإسلام".. هل يحرم الحزبية؟
وائل علي البتيري
من أعجب ما اطلعت عليه من استدلالات المحرّمين لـ"الحزبية" في الإسلام، استشهادهم بحديث جبير بن مطعم الذي رواه الإمام مسلم مرفوعاً: "لا حلف في الإسلام، وأيما حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة".
يقول الشيخ عدنان عرعور في كتابه "منهج الاعتدال" (ص104-105) عقب استشهاده بهذا الحديث على تحريم التحزب:
"والحلف: هو تجمع قوم دون قوم على شروط معينة، وغالبها يكون خيراً للمتعاقدين على ذلك الحلف، وقد كان ذلك في الجاهلية، يجتمع بعض القوم دون الآخرين، ويتعاقدون على نصرة المظلوم، وإعانة الكَلّ، وما شابه ذلك، كما كان ذلك في حلف الفضول، وحلف المطيبين، ثم حرم ذلك الإسلام.
وربما يتساءل المرء كيف يحرم الإسلام التعاقد على الخير؟!
قلت (القائل عرعور): سر هذا في المقطع الثاني من الحديث "وأيما حلف في الجاهلية؛ لم يزده الإسلام إلا شدة" أي: أن أي حلف كان في الجاهلية على خير، فقد جاء الإسلام بذاك الخير وأفضل منه، ولما كان المسلمون كلهم أعضاء في حلف - حزب - الإسلام، كان لا حاجة البتة إلى الدعوة إلى أحلاف في الإسلام جانبية".
قلت: في كتاب الكفالة من "صحيح البخاري" وتحت باب قول الله تعالى "والذين عاقدَتْ أيمانُكم فآتوهم نصيبهم"، روى الإمام البخاري من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: "ولكل جعلنا موالي" (النساء: 33) قال: ورثة، "والذين عاقدت أيمانكم" قال: كان المهاجرون لمّا قَدِموا المدينة؛ يرثُ المهاجرُ الأنصاريَّ دون ذوي رحِمِه؛ للأخوّة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت "ولكلٍّ جعلنا مَوالي" (النساء: 33) نَسَخَت، ثم قال: "والذين عاقدَتْ أيمانُكم" إلا النصرَ، والرِّفادة، والنصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصي له.
ثم روى البخاري ومسلم - واللفظ للبخاري - من حديث عاصم الأحول قال: قلت لأنس بن مالك رضي الله عنه: أبَلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا حلف في الإسلام"؟ فقال: قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري.
قال ابن حجر في "فتح الباري" (4/473-474): "قال الطبري: ما استدلّ بن أنسٌ على إثبات الحلف لا ينافي حديث جبير بن مطعم في نفيه، فإن الإخاء المذكور كان في أول الهجرة، وكانوا يتوارثون به ثم نُسخ من ذلك الميراث، وبقي ما لم يُبطله القرآن، وهو التعاون على الحق والنصر والأخذ على يد الظالم كما قال ابن عباس: (إلا النصر والنصيحة والرفادة، ويوصَى له، وقد ذهب الميراث)...
وقال الخطابي: قال سفيان بن عيينة: حالف بينهم، أي آخى بينهم، يريد أن معنى الحلف في الجاهلية معنى الأخوة في الإسلام، لكنه في الإسلام جارٍ على أحكام الدين وحدوده، وحلف الجاهلية جرى على ما كانوا يتواضعونه بينهم بآرائهم، فبطل منه ما خالف حُكم الإسلام، وبقي ما عدا ذلك على حاله" اهـ كلام ابن حجر.
وقال النووي في شرحه على مسلم (16/81): "أما ما يتعلق بالإرث؛ فيُستحب فيه المخالفة عند جماهير العلماء، وأما المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله تعالى، والتناصر في الدين، والتعاون على البر والتقوى، وإقامة الحق؛ فهذا باقٍ لم يُنسَخ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث (وإيّما حلفٍ كان في الجاهلية لم يزدْه الإسلام إلا شدة)، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا حلف في الإسلام) فالمراد به حلفُ التوارث، والحِلف على ما منع الشرع منه، والله أعلم" اهـ.
وقال ابن أبي نصر الأزدي في "تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم" (ص 256): "(لا حلف في الإسلام) أَي لا عقد ولا عهد على خلاف أمر الإسلام، وكانوا يتحالفون ويتعاقدون فِي الجاهلِية على مغالبة بعضهم بعضاً وفي كل ما يعنّ لهم، فهدَمَ الإسلام ذلك، وإنما المحالفة والمُعاقدة في الإسلام على إمضاء أمر الله، واتباع أحكام الدين، والاجتماع على نصر مَن دعا إليها، والمحالفة التي حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في دار أنس هي المؤاخاة والائتلاف على الإسلام والثبات عليه".
وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (4/48): "أصل الْحلف: المعاقدة والمعاهدة على المعاضدة، فما كان منه في الجاهلية على القتال والغارات؛ فذلك الذي أبْطلهُ الشرع بقوله (لا حلف فِي الإسلام)، وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام؛ فهو الذي لم يزدْه الإسلام إلا شدة" اهـ.
وقال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (1/424): "أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات؛ فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا حلف في الإسلام)، وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام، كحلف المطيبين وما جرى مجراه؛ فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة) يريد من المعاقدة على الخير، ونصرة الحق، وبذلك يجتمع الحديثان" اهـ.
قلت: هذا فهم عدد من الشراح لهذا الحديث، كلهم يفسرونه على غير ما فسره به الشيخ عرعور.. ويَحْسُن هنا أن نقتبس ما خلص إليه الدكتور منير الغضبان في كتابه "التحالف السياسي في الإسلام" (ص7)، قال رحمه الله: "ونحن نخلص إلى أن الحظر للحلف في الإسلام؛ هو ما يقوم على الاعتداء على الآخرين، وما دون ذلك فهو جائز، سواء كان بين فئات من المسلمين، أو كان بين المسلمين وغيرهم. فلقد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود يوم دخل المدينة، ثم حاربهم قبيلة قبيلة عندما نقضوا العهد، كما بقي عداء قريش مستمرا حتى السنة السادسة، ثم تغيرت الخطة بعد السنة السادسة؛ فحالف قريشاً أو صالحها، بينما شن حربه على اليهود في خيبر. ورأيناه في الخندق يحاول شق صفوف العدو بالتعاقد مع غطفان حلفاء قريش، على أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة مقابل رجوعها عن حرب المسلمين، في الوقت الذي نقض يهود بني قريظة عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانضموا إلى أعدائه".
والتحالف قد يكون على خير، وقد يكون على غير ذلك، لا كما أوهم كلام الشيخ عرعور بأنه لا يكون إلا على "نصرة المظلوم، وإعانة الكَلّ، وما شابه ذلك"، قال أبو محمد الأنصاري المنبجي في كتابه "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" (2/802): "وقوله عليه السلام: (لا حلف في الإسلام) محمولٌ على نفي الحلف الذي كانوا يتعاقدون عليه في الجاهلية؛ من أن يقول: (دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وأرثك)، فكان ذلك على التناصر على الحق والباطل، فحظر الإسلام المناصرة على الباطل، وأوجب معونة المظلوم على الظالم".
وفي تعريف "الحلفاء" يقول الإمام الفقيه اللغوي أبو منصور الأزهري في "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص488): "والحلفاء هم الذين تعاقدوا على التناصر والتمالؤ على مَن خالفهم".
ففي "الحلف" معنى زائد على "الحزب" الذي هو "التجمع"، وهو "التعاقد على التناصر والتمالؤ على المخالف"، وقد يكتنف هذا المعنى أمرين باطلين:
الأول: أن يكون هذا التناصر مطلقاً، فلا فرق فيه بين أن يكون المتحالف محقاً أو مبطلاً.. مع أن النصرة المشروعة تكون للمظلوم دون الظالم، وللمحق دون المبطل.
والثاني: أن يكون هذا التناصر خاصاً بأعضاء هذا الحلف دون سواهم.. مع أن الله تعالى أوجب نصرة المؤمنين جميعاً، فقصرُ ذلك على أعضاء حزبٍ دون آخر مصادم لحكم الشرع.
وعليه؛ فإننا حينما نجرّد "الحزبية" من هذه المعاني الباطلة والثمار الفاسدة؛ تظل هي على حكمها الأصلي، وهو في أدنى احتمالاته الإباحة، مع الأخذ بعين الاعتبار للقاعدة الفقهية القائلة: "للوسائل أحكام المقاصد".. أقول هذا بعيداً عن سرد الأدلة الشرعية التي يستشهد بها موجبو العمل مع جماعة (حزب)، أو تمحيصها وتقويمها، أو الرد عليها أو على ناقديها، فليس هذا ما يعنيني؛ بقدر ما يعنيني الرد على استدلالات محرمي الحزبية ومسفّهي مبيحيها.
مخططات الأعداء ليست قدراً لازباً! - مخططات الأعداء ليست قدراً لازباً! - مخططات الأعداء ليست قدراً لازباً! - مخططات الأعداء ليست قدراً لازباً! - مخططات الأعداء ليست قدراً لازباً!
مخططات الأعداء ليست قدراً لازباً!
بسام ناصر
السبيل
في فترة سابقة راجت "بروتوكولات حكماء صهيون" رواجا واسعا في أوساط عربية وإسلامية عريضة، وكانت مضامينها متداولة بكثرة باعتبارها تكشف عما يجري في عالم السياسة والأفكار والاقتصاد والاجتماع، فما يجري ما هو إلا تجليات لما خطط له أولئك الحكماء، فتخطيطهم وتدبيرهم لا راد له، ولا شيء يقف في وجه تنفيذه.
تلك هي "نظرية المؤامرة" وتجلياتها في عالم العرب والمسلمين، تجعل كل ما يقع في بلادهم لا يخرج عن دائرة المؤامرة، فهم مستهدفون من العالم كله، وما يجري في بلادهم هو نتاج مؤامرات الأعداء، وهم محل التنفيذ وميدان التجارب، هكذا يفكر العقل حينما تستولي عليه تلك الرؤية، وتستبد به تلك الأفكار والتصورات.
لا يعني ذلك بحال أن العرب والمسلمين ليسوا مستهدفين، وأن الدول الأخرى لا تخطط لتحقيق مصالحها الوطنية والقومية، فكل دولة في العالم لها مصالحها الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيقها، ولها مشاريعها التي تريد إنجازها على مسرح العلاقات الدولية، وهي تخطط بجد واجتهاد، وتدير شؤونها بحرفية لإنجاح مساعيها، وإنجاز ما خططت له.
فمن المعروف أن للدول الكبرى مخططات، وهي جادة في تنفيذها وإنجازها، ومن المهم معرفة تلك المخططات والوقوف على تفاصيلها، لكن ذلك لا يعني الاستسلام لنظرية المؤامرة في فهم ما يجري، لأن أخطر فكرة تنتج عن التشبع بنظرية "المؤامرة"، التشبع بالقدرات الخارقة لمن يدبر المؤامرة ويحيك فصولها، بمعنى أنه بمجرد أن يخطط ويدبر فإنه يصبح قادرا على الفعل والتنفيذ.
تلك الفكرة يتولد منها فكرة أشد خطورة منها ألا وهي أن أولئك المدبرين سيتحولون إلى آلهة تملك كل شيء، ولا يعجزها شيء في الأرض، وربما في السماء، إنها فكرة شيطانية مقعدة، تشل الإنسان وتجعله أسيرا لتلك التصورات المتوهمة، فماذا بوسعه أن يفعل وكل ما يجري بات قدرا لازبا، لا مفر منه، ولا راد له، فهو واقع لا محالة، لأن المدبرين الأخفياء الأقوياء في الكواليس يمتلكون قدرات خارقة تمكنهم من إنجاز مخططاتهم في دنيا الناس.
هنا تأتي سيكولوجية العجز والعجزة التي تكشف عن نفسية العاجز الذي يستطيب الحديث عن "نظرية المؤامرة" ليبرر عجزه وتكاسله وتخاذله، فماذا بوسعه أن يفعل وهو لا يملك القدرة على مواجهة تلك المخططات، وكيف سيتدبر شؤونه وهو عالة على غيره؟ وكيف يمكن إحباط تلك المخططات وأهلها يملكون القوى الخفية المؤثرة على المسرح الدولي، وبالتالي التحكم في المشهد الإقليمي والمحلي؟.
لن يتمكن أقوى الأعداء من تنفيذ مخططاتهم إلا حينما يستكين لهم الطرف المستهدف، إما ضعفا وعجزا منه، أو تورطه في العمالة لهم، لكن حينما يتصدى الطرف المستهدف لمواجهة تلك المخططات، فإنه سيربكهم ويربك مخططاتهم، وثمة شواهد واقعية على تلك الحالات، أما شواهد الضعف والعجز والعمالة فهي معروفة ومكشوفة للجميع، وكذلك شواهد المواجهة التي أحبطت مشاريع الغزاة وأفشلتها.
ليس بعيدا عنا ما جرى لأمريكا في أفغانستان، فالمقاومة الأفغانية التي تتزعمها حركة طالبان أفشلت مخططات أمريكا، وأرغمتها على الانسحاب من أفغانستان، وكذلك حال أمريكا بعد احتلالها العراق، فلو كانت تملك تلك القدرات الخارقة التي تقضي بها على كل مقاومة، لما فكرت يوما بالانسحاب من العراق، لكنها معادلة الصراع التي تبقى جذوتها متقدة كلما تصدت مقاومة باسلة لصد عدوان المحتلين الغزاة.
وها هي "صفقة القرن" يخطط لها المخططون الدوليون، ويشركون معهم دولاً عديدة، لكنهم يدركون تماما أن ما يخططون له ليس من السهولة بمكان تنفيذه على أرض الواقع، حتى إن بعض الساسة ينصحونهم بعدم الإقدام على ذلك، تحسبا لردات الأفعال الغاضبة والساخطة، والتي لا يمكن توقع نتائجها على وجه الدقة، وكل المقدمات والمعطيات توحي بأن كل ما يخطط له سيبوء بالفشل، ولن يكتب له النجاح.
هل تعلم: إحصائيات مرعبة على الانترنت؟ - هل تعلم: إحصائيات مرعبة على الانترنت؟ - هل تعلم: إحصائيات مرعبة على الانترنت؟ - هل تعلم: إحصائيات مرعبة على الانترنت؟ - هل تعلم: إحصائيات مرعبة على الانترنت؟
هل تعلم: إحصائيات مرعبة على الانترنت؟
27/8/2018
عمان – البوصلة
يتحدث المدير التنفيذي لمشروع وقاية الشباب، الدكتور عبدالحميد القضاة، عن الإحصائيات التي توضح الحجم الهائل للأفلام الإباحية والشذوذ الجنسي، وكيف يتم استعمال هذه الأفلام لعولمة الإباحية.
وقال القضاة إن مؤسسة جوجل نشرت إحصائية عام 2011 قالت فيها إن شبكة الانترنت تحوي 280 مليون فيلم إباحي، نصيب الولايات المتحدة من صناعتها 250 مليون فيلم.
وأضاف أن الولايات الأمريكية المتحدة هي المدافع الأول عن الإباحية والشذوذ الجنسي في العالم، متسائلًا عن سبب إنتاج هذا الكم الضخم من الأفلام الإباحية في الوقت الذي لا يحتاج فيه الأمريكيون هذه الأفلام فالزنا والشذوذ وغيرها هي ممارسات قانونية عندهم.
وقال القضاة إن هذه الأفلام تستهدف الشباب حول العالم وبالأخص دول الطوق وهي الدول المحيطة بفلسطين والقدس، مبينًا أنه في حال تم الإيقاع بالشباب في متابعة الأفلام والإدمان عليها تكون قد انتهت فعاليته لدينه وثوابت أمته ويكون ربح وإنجاز العدو كبيرًا.
ودعا القضاة الآباء والمربين وأصحاب القرار لحماية الأطفال قبل أن نعض أصابع الندم على حد وصفه.
مواقف مثيرة من حياة الشيخ محمد الغزالي في ذكرى مولده
مواقف مثيرة من حياة الشيخ محمد الغزالي في ذكرى مولده - مواقف مثيرة من حياة الشيخ محمد الغزالي في ذكرى مولده - مواقف مثيرة من حياة الشيخ محمد الغزالي في ذكرى مولده - مواقف مثيرة من حياة الشيخ محمد الغزالي في ذكرى مولده - مواقف مثيرة من حياة الشيخ محمد الغزالي في ذكرى مولده
مواقف مثيرة من حياة الشيخ محمد الغزالي في ذكرى مولده: قصة كاريكاتير صلاح جاهين في الأهرام الذي سخر منه وصوره عاري الرأس ساقط العمامة على الأرض .. فتوجه أكثر من 100 ألف نحو الصحيفة لحرقها ..وقصة هجوم الشيخ على من سماهم ” قوادين الملك الماجن” والامانة التي حملها د. عمارة
القاهرة- “رأي اليوم”- محمود القيعي:
في مثل هذا اليوم 22 سبتمبر من عام 1917 ولد الشيخ محمد الغزالي الذي يعتبره الكثيرون احد ابرز مجددي الفكر الاسلامي.
وفي تلك المناسبة نستعرض مواقف من حياة الشيخ الغزالي كما اوردها د. محمد عمارة( من اقرب الشخصيات اليه) في كتابه الصادر اخيرا بعنوان
(معالم المشروع الحضاري في فكر الشيخ محمد الغزالي).
المؤتمر الكبير
يقول الشيخ الغزالي “انعقد المؤتمر الكبير وافتتحه الرئيس جمال عبد الناصر وكان يعاونه السيد كمال الدين حسين وينوب عنه في غيابه وكان الامين العام السيد انور السادات..
وكنت من اوائل الذين طلبوا الكلمة..ومضيت في شرح الحقائق الاسلامية الضائعة مطالبا بعودة المجتمع اليها..وكنت في حديثي سهل العبارة ، متوددا الى الجمع وكنت قبل الحديث قد دعوت الله ان يلهمني الرشد وان يفتح لي القلوب.
ويظهر ان الله استجاب لي، فان كلمتي- وان عدها البعض شرحا ماكرا لدعوة الاخوان المسلمين- بلغت اعماق النفوس ولقيت ترحابا واضحا وتصفيقا شديدا”.
وتابع الشيخ الغزالي “وكان بين اعضاء المؤتمر سبعون شيوعيا أفزعهم هذا الجو الاسلامي، وزاد من ضيقهم ان جماعات ضخمة كانت تؤدي الصلوات في الاوقات وتتحدث عن ضرورة التمسك بالاسلام.
وقد اتفقت كلمتهم على توجيه ضربة سيئة لي توقف نشاطي، فاوعزوا الى الرسام الهزلي صلاح جاهين الا يدع الكلمة التي القيتها تمر دون تعليق ساخر يفقدها قيمتها!
وظهرت صحيفة الاهرام في اليوم التالي وقد صورتني عاري الرأس، ساقط العمامة على الارض، لان قوانين الجاذبية شدتها وفق التطور العلمي، ونظرت الى الصورة وقد تملكني الغضب، فان العمامة ليست لباسا خاصا بي، وانما هي رمز العلماء المسلمين، والرسام الشيوعي يريد الايحاء بان القوانين العلمية ستعصف بالاسلام”.
قوادو الملك
وتابع الغزالي “يا عجبا انه عندما كان الملك فاروق يبحث عن الشهوات، كان اولئك المهاجمون لي من رجال الصحافة يشتغلون قوادين للملك الماجن..
وفي اليوم التالي، وكان يوم جمعة نشرت الاهرام عشر صور هزلية في صفحة كانت فيما يبدو مخصصة للنيل مني، ولكني هذه المرة لم اكترث لهذا الهزل، ولم اعتبر نفسي مهزوما”.
وتابع الشيخ الغزالي “والقيت خطبة الجمعة في الازهر مختارا لها موضوعا ابعد ما يكون عن قضية الساعة، واحسست ان الزحام شديد جدا، وبعد الصلاة سكنت مكاني دقيقة واحدة، انفجر المسجد المكتظ بعدها بصياح اختلط فيه التكبير بالبكاء وبالهتاف، ورأيتني محمولا فوق الرءوس، لا اعرف ما اصنع!
وكان المصلون في المسجد يزيدون على عشرين الفا، انضم اليهم مثلهم من مسجد الحسين والمساجد القريبة، وانطلقت المظاهرة الى جريدة الاهرام لتحرقها، وكلما قاربت هدفها تضاعف عددها..
عندما اقبل صباح الغد علمنا ان المظاهرات لم تكن مقصورة على القاهرة وحدها، بل ان بعض عواصم الاقاليم تحركت فيها الجماهير مناصرة للاسلام وناقمة على النيل من علمائه”.
هيكل
وتابع الغزالي ” ولذلك قرأنا ونحن نضحك ما كتبه الاستاذ محمد حسنين هيكل يوم السبت من ان الشيخ الغزالي سير لفيفا من تلامذته لتهاجم الاهرام!
ان الحشود التي سارت صوب الصحيفة المتجنية فوق المائة الف،فهل اولئك جميعا تلامذتي الذين اوعزت اليهم بما حدث؟
ان امتنا تحب دينها وتريد ان تحيا وتحكم وتوجه به وحده!”.
عمارة
يقول د. محمد عمارة: ” وفي سنوات حياته الاخيرة احسست ان الرجل يحملني امانة كنت اشفق على نفسي من ثقلها وادعو الله سبحانه وتعالى ان يعينني على الوفاء بتبعاتها..وفي اخر لقاء لي معه بمنزله..عندما استأذنته في الانصراف، استبقاني حتى يحضر لي نسخة من كتابه الاخير
(نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم)
وكتب عليه الاهداء الذي جملني فيه الامانة “الى اخي الحبيب الدكتور محمد عمارة داعية الاسلام وحارس تعاليمه، مع الدعاء..محمد الغزالي”.
فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب - فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب - فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب - فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب - فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب
فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب
خالد أبو الخير
السبيل الاردنية
هو كتاب تراثي ألفه الشيخ العلامة الإمام أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان المتوفى عام 309هـ، وضمنه ما قيل في الكلب من آيات قرآنية وأحاديث شريفة وأقوال الشعراء والحكماء والرواة.
والكتاب على طرافته، رغم جدية مؤلفه صاحب كتاب «الحاوي في علوم القرآن، في سبعة وعشرين جزءاً»، يعكس موقفاً من قليلي الوفاء من البشر، مقدراً قيمة الوفاء عند هذا المخلوق الذي لطالما رافق الناس ليكون حارسهم ورفيقهم في حلهم وترحالهم.
يستهل المؤلف كتابه ببيتين من الشعر هما:
احالَ عمَّا عَهِدتُ ريبَ الزمانِ ... واستحالت مودةُ الإخوانِ
اِستوى الناسُ في الخديعةِ والمك ... رِ فكلٌ لسانه اثنانِ
ويضيف: واعلم أعزَّكَ الله أن الكلب لِمن يقتنيه، أشفق من الوالد على ولده، والأخ الشقيق على أخيه، وذلك أنّه يَحرس ربَّه، ويحمي حريمه شاهدا وغائبا ونائما ويقظانا، لا يقصِّرُ عن ذلك وإن جَفوه، ولا يخذُلهم وإن خذلوه، ورُويَ لنا أنَّ رجلاً قال لبعض الحكماء أوصِني قال: ازهد في الدنيا ولا تُنازِع فيها أهلها، وانصح لله تعالى كنصح الكلب لأهله فإنّهم يُجيعونه ويضربونه ويأبى إلا أن يحوطهم نصحا.
ثم يروي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قتيلا، فقال: ما شأن هذا الرجل قتيلا؟ فقالوا يا رسول الله صلى الله عليك وسلم: وثبَ على غنمِ أبي زهرة، فأخذ شاةً فوثب عليه كلبُ الماشية فقتَلَه. فقال صلى الله عليه وسلم: قتل نفسَه وأضاعَ دينَه، وعَصى ربَّه عز وجل، وخان أخاه، وكان الكلب خيراً من هذا الغادر.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: أيعجز أحدكم أن يحفظ أخاهُ المسلمَ في نفسهِ وأهلهِ كحفظ هذا الكلبِ ماشيةَ أربابه.
ونقل عن بعض الرواة: كان للربيع بن بدر كلبٌ قد ربَّاه فلّما مات الربيع ودُفن، جعل الكلب يضرب على قبره حتى مات.
ومن الحكايات العجيبة التي يرويها الكتاب قول المؤلف: أنشدني أبو عبيد لبعض الشعراء:
يعرِّج عنه جارَهُ وشقيقَهُ ... ويرغبُ فيه كلبُهُ وهو ضاربُه
قال أبو عبيدة: قيل هذا الشعر في رجلٍ من أهلِ البصرةِ خرج إلى الجبّانة ينتظرُ ركابه، فاتبعه كلب له فطردَه وضربَه، وكرِه أن يتبعه ورماه بحجرٍ فأدماه، فأبى الكلب إلا أن يتبعه فلمّا صار إلى الموضع وثب به قوم كانت لهم عنده طائلة، وكان معه جار له وأخ، فهربا عنه وتركاه وأسلماهُ، فجُرح جرحات كثيرة ورُمي به في بئر وحَثوا عليه التراب حتى واروهُ، ولم يشك في موته والكلب مع هذا يهرُّ عليهم ويرجمونه، فلما انصرفوا أتى الكلب إلى رأس البئر فلم يزل يعوي ويبحث في التراب بمخالبه، حتى ظهر رأس صاحبه وفيه نفس يتردد وقد كان أشرف على التلف، ولم يبق فيه إلا خشاشة نفسه ووصل إليه الروح، فبينما هو كذلك، إذ مر أناس فأنكروا مكان الكلب، ورأوه كأنه يحفر قبرا فجاؤوا فإذا هم بالرجل على تلك الحال فاستخرجوه حيّا وحملوه إلى أهله، فزعم أبو عبيدة أن ذلك الموضع يدعى بئر الكلب.
وعلق قائلاً: وهذا الأمر يدل على وفاء طبعي وألِف غريزي ومحاباةٍ شديدة وعلى معرفة وصبر وكرم وغَناء عجيب ومنفعة تفوق المنافع.
أما القصة الأعجب منها فهي قوله: قدم رجلٌ على بعض السلاطين وكان معه حاكم أرمينية منصرفا إلى منزله، فمر في طريقه بمقبرة، فإذا قبرٌ عليه قبةٌ مبنية مكتوب عليها: هذا قبر الكلب.. فمن أحب أن يعلم خبره فليمضِ إلى قرية كذا وكذا فإنّ فيها من يخبره.
فسأل الرجلُ عن القرية فدلّوهُ عليها فقصدها وسأل أهلها، فدلّوه على الشيخ فبعث إليه وأحضره وإذا شيخ قد جاوز المائة سنة، فسأله فقال: نعم كان في هذه الناحية ملِك عظيمُ الشأن، وكان مشهورا بالنُزهةِ والصيد والسفر، وكان له كلب قد ربّاه وسمّاه باسم، وكان لا يُفارقه حيث كان، فإذا كان وقت غدائه وعشائه أطعمه مما يأكل فخرج يوما إلى بعض منتزهاته وقال لبعضِ غلمانه: قل للطباخ يصلح لنا ثريدةَ لبن فقد اشتهيتها. فأصلحوها، ومضى إلى مُتَنزَّهاته، فجاء الطباخ بلبن وصنع له ثريدة عظيمة ونسيَ أن يغطّيها بشيء، واشتغل بطبخ شيءٍ آخر، فخرج من بعض شقوق الغيطان أفعى فكَرعَمن ذلك اللبن ومجَّ في الثريدة من سمُّه والكلبُ رابضٌ يرى ذلك كلّه، ولو كان لديه مع الأفعى حيلة لمنعها ولكن لا حيلة للكلب في الأفعى والحيّة.
وكان عند الملك جارية خرساء زمنا قد رأت ما صنعت الأفعى.
ووافى الملك من الصيد في آخر النهار فقال يا غلمان أول ما تقدمون إلي الثريدة، فلما قدموها بين يديه أومأت الخرساء إليهم، فلم يفهموا ما تقول، ونبح الكلب وصاح، فلم يلتفتوا إليه، وألحّ في الصياح ليعلمهم مراده فيه. ثمّ رمى الملك إلى الكلب بما كان يرمي إليه في كل يوم، فلم يقربه ولجَّ في الصياح، فقال الملك لغلمانه: نحُّوه عنّا فإن له قصة. ومدّ الملك يده إلى اللبن، فلما رآه الكلب يريد أن يأكل، وثب إلى وسط المائدة وداخل فمه في اللبن وكرع منه فسقط ميِّتاً، وبقي الملك متعجّبا منه ومن فعله، فأومأت الخرساء إليهم، فعرفوا مرادها بما صنع الكلب.
فقال الملك لندمائه وحاشيته: أن شيئا قد فداني بنفسه لحقيقٌ بالمكافأة وما يحمله ويدفنه غيري، ودفنه بين أبيه وأمّه، وبنى عليه قبة وكتب عليها ما قرأت، وهذا ما كان من خبره.
والكتاب بحق، قيم، وفيه الكثير من القصص والاشعار التي تقصر مقالتي عنها، وإن بقيت في «فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب».
ابتسامة الرسول صلى الله عليه وسلم.. حقائق وأسرار - ابتسامة الرسول صلى الله عليه وسلم.. حقائق وأسرار - ابتسامة الرسول صلى الله عليه وسلم.. حقائق وأسرار - ابتسامة الرسول صلى الله عليه وسلم.. حقائق وأسرار - ابتسامة الرسول صلى الله عليه وسلم.. حقائق وأسرار
ابتسامة الرسول صلى الله عليه وسلم.. حقائق وأسرار
د. عمر عبد الله المقبل
حينما يقلب المسلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقضي عجبه من جوانب العظمة والكمال في شخصيته العظيمة صلوات ربي وسلامه عليه.
ومن جوانب تلك العظمة ذلك التوازن والتكامل في أحواله كلها، واستعماله لكل وسائل تأليف القلوب وفي جميع الظروف.
ومن أكبر تلك الوسائل التي استعملها صلى الله عليه وسلم في دعوته، هي تلكم الحركة التي لا تكلف شيئا، ولا تستغرق أكثر من لمحة بصر، تنطلق من الشفتين، لتصل إلى القلوب، عبر بوابة العين، فلا تسل عن أثرها في سلب العقول، وذهاب الأحزان، وتصفية النفوس، وكسر الحواجز مع بني الإنسان! تلكم هي الصدقة التي كانت تجري على شفتيه الطاهرتين، إنها الابتسامة!
الابتسامة التي أثبتها القرآن الكريم عن نبي من أنبيائه، وهو سليمان عليه السلام حينما قالت النملة ما قالت!
إنها الابتسامة التي لم تكن تفارق محيا رسولنا صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، فلقد كان يتبسم حينما يلاقي أصحابه، ويتبسم في مقامٍ إن كتم الإنسان فيه غيظه فهو ممدوح فكيف به إذا تبسم؟! وإن وقع من بعضهم خطأ يستحق التأديب، بل ويبتسم صلى الله عليه وسلم حتى في مقام القضاء!
فهذا جرير رضي الله عنه يقول - كما في الصحيحين -: ما حَجَبني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منذُ أسملتُ، ولا رآني إلا تَبَسَّم في وجهي.
ويأتي إليه الأعرابي بكل جفاء وغلظة، ويجذبه جذبة أثرت في صفحة عنقه، ويقول: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.
ومع شدة عتابه صلى الله عليه وسلم للذين تخلفوا عن غزوة تبوك، لم تغب هذه الابتسامة عنه وهو يسمع منهم، يقول كعب رضي الله عنه بعد أن ذكر اعتذار المنافقين وحلفهم الكاذب: فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ «تَعَالَ». فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
ويسمع أصحابه يتحدثون في أمور الجاهلية - وهم في المسجد - فيمر بهم ويبتسم!
بل لم تنطفئ هذه الابتسامة عن محياه الشريف، وثغره الطاهر حتى في آخر لحظات حياته، وهو يودع الدنيا صلى الله عليه وسلم يقول أنس - كما في الصحيحين -: بينما الْمُسْلِمُونَ في صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلاَةِ. ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ!
ولهذا لم يكن عجيبا أن يملك قلوب أصحابه، وزوجاته، ومن لقيه من الناس!
الطريق إلى القلوب!
لقد شقّ النبي صلى الله عليه وسلم طريقه إلى القلوب بالابتسامة، فأذاب جليدها، وبث الأمل فيها، وأزال الوحشة منها، بل سنّ لأمته وشرع لها هذا الخلق الجميل، وجعله من ميادين التنافس في الخير، فقال: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) رواه الترمذي وصححه ابن حبان.
ومع وضوح هذا الهدي النبوي ونصاعته، إلا أنك ترى بعض الناس يجلب إلى نفسه وإلى أهل بيته ومن حوله الشقاء بحبس هذه الابتسامة في فمه ونفسه.
إنك تشعر أن بعض الناس - من شدة عبوسه وتقطيبه - يظن أن أسنانه عورةٌ من قلة ما يتبسم! فأين هؤلاء عن هذا الهدي النبوي العظيم!
نعم.. قد تمر بالإنسان ساعات يحزن فيها، أو يكون مشغول البال، أو تمر به ظروف خاصة تجعله مغتمًّا، لكن أن تكون الغالب على حياة الإنسان «التكشير»، والانقباض، وحبس هذه الصدقة العظيمة، فهذا - والله - من الشقاء المعجّل لصاحبه والعياذ بالله.
ابتسامة ثنائية الأبعاد!
إن بعض الناس حينما يتحدث عن الابتسامة يربط ذلك ببعض الآثار النفسية الجيدة على المبتسم، وهذا حسن، وهو قدر يشترك فيه بنو آدم، إلا أن المسلم يحدوه في ذلك أمرٌ آخر، وهو التأسي به صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، وستأتيه الآثار النفسية والصحية التي تذكر في هذا المجال.
لقد أدرك العقلاء من الكفار والمسلمين أهمية هذه الابتسامة، وعظيم أثرها في الحياة!
يقول ديل كارنيجي في كتابه المشهور (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس): «إن قسمات الوجه خير معبر عن مشاعر صاحبه، فالوجه الصبوح ذو الابتسامة الطبيعية الصادقة خير وسيلة لكسب الصداقة والتعاون مع الآخرين، إنها أفضل من منحة يقدمها الرجل، ومن أرطال كثيرة من المساحيق على وجه المرأة، فهي رمز المحبة الخالصة والوداد الصافي.
ويقول: «لقد طلبت من تلاميذي أن يبتسم كل منهم لشخص معين كل يوم في أسبوع واحد؛ فجاءه أحد التلاميذ من التجار، وقال له: اخترت زوجتي للابتسامة، ولم تكن تعرفها مني قط، فكانت النتيجة أنني اكتشفت سعادة جديدة لم أذق مثلها طوال الأعوام الأخيرة! فحفزني ذلك إلى الابتسام لكل من يتصل بي، فصار الناس يبادلونني التحية ويسارعون إلى خدمتي، وشعرت بأن الحياة صارت أكثر إشراقًا وأيسر منالا، وقد زادت أرباحي الحقيقية بفضل تلك الابتسامة». إلى أن قال ديل كارنيجي: تذكر أن الابتسامة لا تكلف شيئا، ولكنها تعود بخير كثير، وهي لا تفقر من يمنحها مع أنها تغني آخذيها، ولا تنس أنها لا تستغرق لحظة، ولكنها تبقى ذكرى حلوة إلى آخر العمر. وليس أحد فقير لا يملكها، ولا أحد غني مستغن عنها.
كم نحتاج إلى إشاعة هذا الهدي النبوي الشريف، والتعبد لله به في ذواتنا، وبيوتنا، مع أزواجنا، وأولادنا، وزملائنا في العمل، فلن نخسر شيئا! بل إننا سنخسر خيرا كثيرا -دينيا ودنيويا- حينما نحبس هذه الصدقة عن الخروج إلى واقعنا المليء بضغوط الحياة.
إن التجارب تثبت الأثر الحسن والفعّال لهذه الابتسامة حينما تسبق تصحيح الخطأ، وإنكار المنكر، وبعد: فإن العابس لا يؤذي إلا نفسه، وهو - بعبوسه - يحرمها من الاستمتاع بهذه الحياة، بينما ترى صاحب الابتسامة دائما في ربح وفرح.