16 عاما على رحيل الشيخ ابن عثيمين - 16 عاما على رحيل الشيخ ابن عثيمين - 16 عاما على رحيل الشيخ ابن عثيمين - 16 عاما على رحيل الشيخ ابن عثيمين - 16 عاما على رحيل الشيخ ابن عثيمين
16 عاما على رحيل الشيخ ابن عثيمين
عمّان ـــــ خاص
لم يكن رحيله قبل 16 عاما رحيلا عادياً في مسيرة الأمة الإسلامية، فهو أحد أعلامها المحسوبين على الخط السلفي السعودي وأحد أركان الخطاب السني المعاصر.
اختلف معه كثيرون وأحبه كثيرون أيضاً، وأثارت بعض فتاويه السياسية منها تحديدا لغطاً حول مدى ملائمتها للواقع وخدمتها للأمة المكلومة.
كان متجردا، يصفه محبوه بالمتواضع والكريم والحريص على ترجيح الحق فكان يقول دوماً "أنا أنصحكم من الآن وبعد الآن، أن لا تجعلوا الحق مربوطاً بالرجال، الرجال أولاً يضلّون.. وإذا جعلتم الحقّ مربوطاً بهم يمكن الإنسان يغترّ بنفسه ويسلك طرقاً غير صحيحة".
ولد الشيخ محمد صالح بن عبد الرحمن العثيمين عام 1929 لأسرة تعمل في التجارة بين الرياض وعنيزة مسقط رأسه، في تلك الفترة كانت السعودية تعيش صراعات قبلية لتثبيت نمط الحكم فيها، ولم يكن البترول مكتشفا بعد، فلم يعرف المجتمع تمايزا طبقيا أو اجتماعيا ملحوظا، وكانت أبرز الأحداث السياسية والتجارية مرتبطة بمكة المكرمة والمدينة المنورة.
تعلم الشيخ علوم القرآن على يد جده وانضم إلى مجتمع الكتاتيب لتعلم العلوم الأساسية كاللغة والرياضيات وعلوم الدين الأساسية، وبقي يتعلمها بشكل مبسط إلى حين افتتاح المعهد العلمي بالعاصمة الرياض، حيث التحق به وتعلم على يد أساتذة كبار كان منهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
وبعد ذلك بأعوام قليلة كانت الدولة السعودية قد استقرت بقيادة الملك الراحل عبد العزيز آل سعود وبمساعدة من الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأصبحت آراؤه الفقهية بمثابة المذهب الرسمي أو الأكثر انتشارا في هذا البلد بفعل التحالف الذي نشأ بين النظام السياسي وبين رجال الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
في تلك الأثناء شب العثيمين على دروس محمد بن عبد الوهاب وكتبه التي بدأت تنتشر انتشار النار في الهشيم وتعرف خلال تلك الفترة على الشيخ عبد العزيز بن باز الذي كان المعلم الأبرز له في تلك الفترة وبقي هو الأقرب له حتى وفاته، وكان يتلقى دروسه ويعمل بذات الوقت كمعلم في المعهد العلمي بعنيزة.
مع الثورة النفطية التي شهدتها البلاد مطلع السبعينات وانتشار الجامعات فيها انتسب الشيخ لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض وتخرج منها وبدأ صيته يعلو من خلال البرامج الدينية التي كانت تبثها إذاعة القرآن الكريم السعودية وكان يلقي دروسه في مسجد عنيزة وهناك بدأ الطلاب يحضرون إليه من داخل المملكة وخارجها.
مع ترقيه في علوم الدين المختلفة التي لم ينقطع عن تحصيلها تم تكليفه بوضع مناهج المعاهد العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كما أنه قام بتأليف بعض تلك المناهج الدراسية، وتم تعيينه عضواً في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وبقي يواصل دروسه في السعودية وخارجها حتى مع تقدمه في السن.
أصيب في آخر حياته بمرض الالتهاب الرئوي الحاد إضافة لمرض السرطان، حيث وافته المنية في 11 كانون ثاني من عام 2001 بعد أن سقط مغشيا عليه وهو يلقي أحد الدروس وصلي عليه في الحرم ودفن في مكة المكرمة.
رحل الشيخ بعد أن ترك خلفه عشرات المؤلفات ولا يزال علمه وفتاويه تدرس في الجامعات والكليات المختلفة بالمملكة السعودية، ورغم أن له من الأتباع والمحبين الكثير، إلا أنه كشخصية عامة لم ينجوا من بعض الانتقادات التي طالته بسبب الفتوى الشهيرة التي أصدرها شيخه ابن باز في حياته حول دخول الجيش الأمريكي للجزيرة العربية والعراق عام 1990، عدا عن مخالفيه من باقي المذاهب، إلا أن شخصيته بقيت استشثنائية ولا تزال تؤثر في واقع العالم الإسلامي اليوم.
تريكة بين الارهاب المزعوم والحقد المسموم - تريكة بين الارهاب المزعوم والحقد المسموم - تريكة بين الارهاب المزعوم والحقد المسموم - تريكة بين الارهاب المزعوم والحقد المسموم - تريكة بين الارهاب المزعوم والحقد المسموم
تريكة بين الارهاب المزعوم والحقد المسموم
والليالي من الزمان حبالي
مثقلات يلدن كل عجيب
الجالس لا يسقط ، والميت لا يركل ، والماء الراكد فاسد في نفسه مفسد لغيره .!! كذلك الفسدة في كل عصر ، وفي كل مصر ، فاسدون في انفسهم ، مفسدون لغيرهم ، يكرهون النجاح ، ويجهضون الكفاح ، شغلهم الشاغل إفساد العباد وإفقار البلاد .
بينما نشطاء الاصلاح ودعاة الفلاح كالماء الجاري طاهر في نفسه مطهر لغيره ، فهم يصلحون انفسهم ويدعون غيرهم ...!!
حكم تاريخي يحفظ الارض من الاغتصاب ، بينما آخر يوصم الشرف والاحترام بالارهاب....!!
" الغرب ليسوا عباقرة. ونحن لسنا أغبياء هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل " ... د زويل
حرب ضروس من التحطيم المعنوي لا هوادة فيها، يشنها فاشلون لا يجيدون الا الحقد وحب الانتقام ، من كل النشطاء الشرفاء ، الامناء ، والاصفياء ..!!
أعداء النجاح يظنون انهم علي صواب وغيرهم هم المخطؤن ، كما يرى الدميم في الجمال تحدّياً له، ويري الغبي في الذكاء عدوانا عليه ، كذلك يري الفاشل في نجاح الآخرين امتهان لشخصه وتهديد لمستقبله ، فيتحالف مع الشيطان و يتطاول علي عباد الرحمن ، ويتمني للناجحين كل الحرمان ، لا يكف عن التعرّض لنجاحهم والترصد لتقدمهم والتشكك في أعمالهم ، وزرع الشبهات حولهم ، بالنفاق احيانا والمكر احيان اخري !!
إدراج محمد أبوتريكة، نجم المنتخب الوطنى والنادى الأهلى المعتزل، ضمن قائمة الإرهاب ، لهو نوع اخر من انواع الكباب ..!! ارهاب مزعوم وكباب مسموم ، مغلف بالكراهية والانتقام من كل المحبوبين والناجحين في الوطن الحزين ...!!
محمد أبوتريكة الخلوق الذى يعد أحد أكثر اللاعبين شهرة ونجاحاً فى مصر والوطن العربي ، خاض 105 مباراة مع المنتخب المصرى على مدار 10 سنوات، تم إدراج اسمه ضمن قائمة الإرهاب، التي تتراوح عقوبتها ما بين السجن لمدة خمس سنوات والإعدام.
لماذا ؟ هل لانه من اكثر الاعبين مشاركة في كأس العالم للاندية ؟ ! هل لانه شارك في الفوز ببطولة كأس الأمم الأفريقية "مرتين" ؟! هل لانه شارك في الحصول على لقب دورى أبطال أفريقيا مع النادى الأهلى فى أكثر من مناسبة فاحبته الملايين ..؟!
الرجل غضب لسب رسول الله ، وتعاطف مع المظلومين في فلسطين ، ولم يلعب مباراة السوبر تضامنا مع شهداء مجزرة بور سعيد ، وارتدي رقم 72 في الامارات مع بني ياس تضامنا مع شهداء الشهداء ...!! بل ورافق لاعبي العالم في مباراة لصالح الفقراء ، ورفض تقاضي مكافأة في افتتاح نادي بدولة الكويت الشقيقة ...!! ودعم المظلومين في انحاء الدنيا ...!!
هذه الاخلاق وغيرها مؤهلات الارهاب عند أرباب الظلم ومدمني الانتقام وصناع الكباب ...!!
من قديم الزمان اتهموا يوسف عليه السلام في شرفه ، واتهموه بالسرقة ، لكنه صبر فكان من االمحسنين...!!
واتهموا الصادق الامين في عرضه إفكا وكذبا بعد ان قالوا عليه ساحر وهو الذي قال فيه القرآن " وانك لعلي خلق عظيم "
وهكذا المستبدون والمنافقون في كل العصور والدهور يوصمون الشرفاء الابرياء كذبا واثما ..!!
كان رمز الحرية والتسامح والعطاء ...!! إلا أن النظام العنصري في جنوب افريقيا وصف نيلسون مانديلا بالارهابي ...!! انه سجال بين الشرفاء والعملاء ..!! في كل ارض اظلتها سماء ...!!
أهل الكفاح ودعاة الاصلاح دوما في ابتلاء معه اصطفاء ، وفي محنة في طياتها المنحة ...!!
وخط النجاح مساره معروف ومداره مكشوف ومجاله موصوف كيف ؟
عن بن مسعود، رضي الله عنه - قال :خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ، ثم قال : " هذا سبيل الله مستقيما " وخط على يمينه وشماله، ثم قال : " هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه " ثم قرأ " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " الانعام
لذلك من التزم هذا الطريق يترصده شدائد خمس ، نفس تنازعه ، وشيطان يضله ، ومؤمن يحسده ، ومنافق يبغضه ، وكافر يقاتله ...!!
والرجل - احسبه - نجح في كل ماسبق ، فترصده المتافقون ، اخذوا يتلذذون بنفاقهم ، ويتباهون بكذبهم وعمالتهم ..!!
الفاشلون يحقدون حقدا لا اقول مدفون ، بل اصبح معلوم ، لا ينضج بليل ، بل مكر الليل والنهار ، يقللون من النجاح ، ويهمشون الفلاح ، ولايقدرون المتفوق ، وبالجملة لاينجحون الا في الفشل ..!!
مروجي البغضاء ، وداعمي الفتنة الظلماء ، في المجلات والمنتديات وقنوات الفضاء يجب ان يصمتوا ويعتزلوا ويستقيلوا - كما وعدوا - بعد حكم مصرية تيران وصنافير ، لكنهم يأكلون عهودهم ، ويخالفون وعودهم ....!!
تعدوا علي الوطن بالتفريط في ترابه ، وخذلوا المواطن بملاحقته في ممتلكاته بل وكل حياته ..!!
والذين شتموا الخلوق تريكة يجب ان يعتذروا ويرتحلوا لكنهم جبلوا علي بغض الشرفاء في كل الانحاء ...!!
ارهاب مزعوم يزكيه هؤلاء ، وحقد مسموم ينضح يوميا علي العملاء ، لكن مادمت - انت - عزيزي المجتهد المكافح علي الحق، فكن ثابتا صامدا ، لايتزعزع لك ركن ولا يتزلزل لك قدم ولا تلن لك قناة .. هكذا العظماء ..!! لاتبغض الشرفاء ، ولا تغضب العلماء الامناء ، ولا تركن الي السفهاءالعملاء !! يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إن استطعت فكن عالما ، فإن لم تستطع فكن متعلما ، فإن لم تستطع فأحبهم ، فإن لم تستطع فلا تبغضهم ...!!
إسلام عظيمين غيَّرا مسار الدعوة - إسلام عظيمين غيَّرا مسار الدعوة - إسلام عظيمين غيَّرا مسار الدعوة - إسلام عظيمين غيَّرا مسار الدعوة - إسلام عظيمين غيَّرا مسار الدعوة
إسلام عظيمين غيَّرا مسار الدعوة :
د. راغب السرجاني
ملخص المقال رجلان فقط غيَّرا مسار الدعوة الإسلامية بكاملها في أكثر الفترات شدة في تاريخ الأمة، ليسا كأيِّ رجلين، بطلان عظيمان وأسدان هصوران، كان لهما عظيم الأثر وجليل العمل؛ أعز الله بهما الإسلام والمسلمين وأذل بهم الكفر والكافرين. فمن هما؟ وماذا تعرف عن قصة إسلامهما؟ وأثرهما على الدعوة في مكة؟ اهم مقتطفات المقال والذي يخطر على أذهاننا عند قراءة مثل هذه السطور أنَّ هناك حدثًا مزلزلًا كبيرًا قد مرَّت به مكة؛ مثل إسلام قبيلةٍ من القبائل، أو حدوث آيةٍ عظيمةٍ مفاجئة، أو قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بحلفٍ سياسيٍّ كبيرٍ مع قبيلةٍ عزيزة، أو مثل ذلك من المواقف التي تُغيِّر مسار الجماعات والأمم؛ إلَّا أنَّ الواقع أنَّ كلًّا من ذلك لم يحدث، إنَّما الذي حدث هو إسلام رجلين فقط من المشركين! وصل المهاجرون المسلمون إلى أرض الحبشة -في هجرتهم الأولى إليها- لكنَّهم لم يَطُلْ مكثهم فيها، ولم يتسنَّ لهم أن يُقابلوا ملكها في هذه الزيارة! ذلك أنَّ حدثًا مهمًّا تزامن مع هجرة المسلمين أدَّى إلى تغييرٍ كبيرٍ في مجرى الأمور؛ ومِنْ ثَمَّ عاد المهاجرون إلى مكَّة مسرعين! لقد كان التصوُّر عند المسلمين في مكَّة أنَّ الصورة ستزداد قتامة، وأنَّ الأحداث ستشتدُّ تعقيدًا، غير أنَّ الله عزَّ وجلَّ له تدبيره الذي لا نُدركه كبشرٍ قاصرين؛ فقد شاء الله عزَّ وجلَّ أن ينقل المسلمين نقلةً نوعيَّةً إيجابيَّة، كان لها أكبر الأثر على مسيرة الدعوة؛ بل لقد غيَّرت من التفكير الاستراتيجي للمسلمين في هذه المرحلة، حتى نقلتهم إلى مرحلةٍ مغايرةٍ تمامًا! والذي يخطر على أذهاننا عند قراءة مثل هذه السطور أنَّ هناك حدثًا مزلزلًا كبيرًا قد مرَّت به مكة؛ مثل إسلام قبيلةٍ من القبائل، أو حدوث آيةٍ عظيمةٍ مفاجئة، أو قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بحلفٍ سياسيٍّ كبيرٍ مع قبيلةٍ عزيزة، أو مثل ذلك من المواقف التي تُغيِّر مسار الجماعات والأمم؛ إلَّا أنَّ الواقع أنَّ كلًّا من ذلك لم يحدث، إنَّما الذي حدث هو إسلام رجلين فقط من المشركين! لقد أَسْلَم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أوَّلًا، ثُمَّ بعده بثلاثة أيَّامٍ أَسْلَم عمر بن الخطاب رضي الله عنه! وجميلٌ أن تتغيَّر حياة الأمم بدخول فردٍ أو فردين فيها، وإنَّها النعمة الكبرى التي يمنُّ الله بها على بعض خلقه، حتى تُصبح حركاته وسكناته، وكلماته وأفعاله، وقراراته ومواقفه، مؤثِّرة في حياة البلاد والحضارات، وما أروع أن تُسْتَخْدَم هذه النعمة في سبيل الله عز وجل! إنَّ أوَّل ما يخطر ببالنا عند مراجعة ظروف إسلام البطلين العظيمين حمزة وعمر رضي الله عنهما هي الآية الكريمة: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: 56]، فلا شكَّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كلَّم أهل مكة جميعًا في الإسلام؛ فهذه ثلاث سنوات مرَّت منذ الإعلان العام الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوق جبل الصفا، وحمزة رضي الله عنه تحديدًا من الأقربين الذين سمعوا دعوة الإسلام من أول أيَّام إعلانها، كما أنَّ عمر بن الخطاب أحد كبراء قريش وسفيرها[1]، ولا بُدَّ أنَّه سمع تفاصيل كثيرة عن هذا الدين الجديد؛ لكن شاء الله عز وجل -لحكمةٍ يعلمها- أن يُؤَخِّر إسلام هذين العلمين الجليلين إلى هذا التوقيت، ولعلَّ العلَّة من وراء ذلك هي حفظ دماء المسلمين في هذه المرحلة الحرجة من مراحل الدعوة، التي تَعَرَّض فيها فريقٌ من المؤمنين للتعذيب، وتعرَّض فريقٌ آخر لترك الديار والهجرة إلى الحبشة، فكان إسلام العظيمين حمزة وعمر رضي الله عنهما تخفيفًا لهموم المسلمين آنذاك. وكان حمزة أول الرجلين دخولًا في هذا الدين العظيم.. لقد انتقل حمزة رضي الله عنه بعد إسلامه -ومن فوره- من رجل مغمور في صحراء الجزيرة العربية يعيش فقط لتجارته وملذاته وصيده، إلى رجل قد أصبح كلُّ همِّه أن يُعبِّد الناسَ لربِّ العالمين، وأن يُدافع عن دين الله، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يُظْهِر الإسلام، ويحمي المستضعفين، ولننظر كيف ترقَّى في القدر من كونه سيدًا لمجموعة من الرجال في قرية لا تكاد تُرى على الخارطة في فترة محدودة من عمر الدنيا لم تتجاوز سنوات معدودات، إلى كونه سيدًا للشهداء في الجنَّة، فقد أصبح حمزة رضي الله عنه سيدًا لكل الشهداء على مرِّ التاريخ، وإلى يوم القيامة، وقد خلَّد بذلك ذكره في الدنيا، وخلَّد ذكره كذلك في الآخرة. وبعد ثلاثة أيَّام فقط[2] من إيمان حمزة رضي الله عنه آمن رجلٌ عظيمٌ آخر، وبإيمان هذا العظيم الجديد سيُغَيِّر الله عز وجل من وجه الأرض تمامًا؛ بل سيُغَيِّر من حركة التاريخ، ذلك الرجل الذي سيُزلزل عروش ملوك الأرض في زمانه، كسرى وقيصر وغيرهما، هذا المؤمن الجديد هو: عمر الفاروق رضي الله عنه، فمنذ أولى لحظات إيمانه حتى آخر أيَّام حياته رضي الله عنه كان فاروقًا، وإنَّ قصَّة إسلامه لأعجب من قصَّة إسلام حمزة رضي الله عنهما؛ فقد كان حمزة رضي الله عنه خلال السنوات الست التي سبقت إسلامه محايدًا بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالنسبة إلى المؤمنين، فهو ليس معهم، وفي الوقت ذاته ليس عليهم، أمَّا عمر بن الخطاب فكان شيئًا آخر، فتاريخه مع المؤمنين كان صعبًا جدًّا؛ فقد كان حافلًا بالقسوة والعنف الشديدين، لذا كان إسلامه غير متوقَّع قط. فعندما توجَّه عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُعلن إسلامه، كان في بيت الأرقم آنذاك ما يقرب من أربعين صحابيًّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من هذا العدد فقد قام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يُدافع عن الجميع، ويتصدَّر هذا الموقف الخطير؛ مع أنَّ الإيمان لم يُخالط قلبه إلَّا منذ ثلاثة أيام فقط! قام حمزة يقول في صلابة: «ائذن له، فإن كان جاء يُريد خيرًا بذلناه له، وإن أراد شرًّا قتلناه بسيفه». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذنوا له. فُتِح لعمر رضي الله عنه، فدخل إلى الدار المباركة، دار الأرقم بن أبي الأرقم، ثمَّ أدخلوه في حجرة، وقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه، واقترب منه، ثُمَّ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجمع ردائه، ثمَّ جبذه نحوه جبذة شديدة، وقال له في قوة: «مَا جَاءَ بِكَ يَابْنَ الخَطَّابِ؟ فَوَاللهِ مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللهُ بِكَ قَارِعَةً». عندئذٍ ردَّ عمر بصوت منخفض: يا رسول الله، جئت لأؤمن بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله. الله أكبر! انتصار هائل وكبير للدعوة؛ خاصَّة بعد دخول حمزة رضي الله عنه في دين الله عز وجل. والفرحة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم لا تُوصف، وكان أول ردِّ فعل له أن كبَّر اللهَ عز وجل: الله أكبر! الله أكبر! إنه سبحانه هو الذي صنع هذه المعجزة. وكما وُلِد حمزةُ عملاقًا، فإنَّ عمر -أيضًا- وُلِد عملاقًا رضي الله عنهما؛ لقد وُلِد عمر فقيهًا، حازمًا، واضحًا، صريحًا، مضحِّيًا، فكانت أولى كلماته بعد إسلامه: يا رسول الله، ألسنا على الحقِّ؟ ولاحِظْ أنَّه يستخدم من فوره صيغة الجمع؛ فقد انصهر في الطائفة المؤمنة في لحظة واحدة. قال: «بَلَى». قال عمر: ففيم الاختفاء؟! منذ أن أعلن عمر إسلامه حسب نفسه واحدًا من المسلمين، وقد أخذ يقترح عليهم الاقتراحات، ويُفَكِّر كيف يخدم هذا الدين، وما الأنفع والأصلح للدعوة، وكان هذا هو عمر! ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُرَتِّب حساباته بدقَّة، وكان الاختفاء في السنوات الستِّ السابقة لأسباب، أمَّا الآن فقد تغيَّر الوضع، وبعد أن كان للاختفاء مزايا، أصبح للإعلان مزايا؛ فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حساباته ثانية من جديد؛ وذلك بعد إيمان البطلين حمزة وعمر رضي الله عنهما. رجلان فقط من المسلمين غيَّرا مسار الدعوة الإسلامية بكاملها في هذه الفترة الحرجة. ووافق رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإعلان، وسيظهر المسلمون في مكة، وتُقْضَى الشعائر أمام كل الناس، وفي وضح النهار. لقد اختفى المسلمون هذه السنوات بكاملها حفاظًا على وجودهم، واستمرارًا لأمر الدعوة، مع أنَّ الاختفاء له عيوبٌ كثيرة، ومشاكل متعدِّدة؛ ولكن تحمَّلها المسلمون، وقَبِلوا بها لمناسبة المرحلة لذلك، أمَّا الآن فيُمكن الإعلان مع تحقيق إيجابيَّاته الكثيرة، التي من أهمِّها ازدياد فرصة إيمان أهل مكة بشكلٍ كبير، فلا شكَّ أنَّ فرصة عمل المسلمين مجتمعين عندما يظهرون ستكون أكبر، وستكون عندهم القدرة على الحديث عن الإسلام بوضوحٍ مع الناس، ومَنْ كان متردِّدًا في مفاتحة صديق أو قريب في أمر الدين الجديد، سيجد الفرصة سانحة الآن، كما أن أهل مكة سيرون كرام الناس قد اعتنقوا هذا الدين، فيكون ذلك حافزًا لهم على التفكير فيه، ثم الارتباط به، وإنَّ دينًا قائد الناس فيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأتباعه أمثال أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، ومصعب، وسعد، وغيرهم، لهو دينٌ جديرٌ بالاحترام والتقدير، فهؤلاء صفوة شباب مكة وخيرة مفكِّريها، وستكون الدعوة أقرب كذلك إلى قلوب النساء والأطفال؛ حين يرون العائلات المسلمة متآلفة متحابَّة، وستُصبح خديجة، وفاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت عميس، وأم الفضل، وأم سلمة، وغيرهن من النساء المسلمات، حديث النساء في كل المحافل والمنتديات. إنَّها فترة جديدة ستحمل خيرًا كثيرًا بكل الحسابات. أخذ المسلمون القرار من حينها، وفي اللحظة نفسها خرج المسلمون في صَفَّيْنِ، عمر على أحدهما، ولم يكن آمن إلَّا منذ دقائق، وحمزة على الآخر، وكان قد آمن منذ ثلاثة أيام فقط، ومن دار الأرقم إلى المسجد الحرام، حيث أكبر تجمُّع لقريش، سارت المجموعة الإسلامية المؤمنة! ومن بعيد نظرت قريش إلى عمر وحمزة رضي الله عنهما، وهما يتقدَّمان المسلمين، فَعَلَتْ وجوهَهم كآبةٌ شديدة، يقول عمر: فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذٍ. لقد كانت نقلة للإسلام والمسلمين، ولا شكَّ أن هذا سيدعو مكة وزعماءها إلى تغيير استراتيجية التعامل مع المسلمين، فلم تَعُدِ الوسائل القديمة قادرة على مقاومة المسلمين، وبات واضحًا أن المسألة مسألة وقت، وأن الإسلام يكتسب في كل يوم أعوانًا جددًا. [1] قال ابن الزبير: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشًا كانت إذا وقعت بينهم حرب، أو بين غيرهم بعثوه سفيرًا، وإن نافرهم منافر، أو فاخرهم مفاخر رضوا به وبعثوه منافرًا ومفاخرًا. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3/ 1145، وابن عساكر: تاريخ دمشق 24/ 118، 44/ 258، 259، وابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 2/ 217، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 138، وقال عبد السلام بن محسن: الأثر ضعيف. انظر: عبد السلام بن محسن: دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه 1/ 123. [2] قال أبو نعيم عن إسلام عمر أنه: بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام. انظر: معرفة الصحابة، 6/3410، ومحب الدين الطبري: ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، ص174، والصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 11/90، وقال ابن الجوزي: قال علماء السير: أسلم عمر في السنة السادسة من النبوة، وهو ابن ست وعشرين سنة. انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 2/384، ورجح ابن كثير أنَّه أسلم في سنة تسع، فقال: فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين، والله أعلم. انظر: البداية والنهاية 3/103، ورجح عبد السلام بن محسن آل عيسى إسلام عمر رضي الله عنه في السنة السادسة أو السابعة، انظر: دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب 1/127.
سجود المشركين خلف الرسول - سجود المشركين خلف الرسول - سجود المشركين خلف الرسول - سجود المشركين خلف الرسول - سجود المشركين خلف الرسول
سجود المشركين خلف الرسول :
د. راغب السرجاني
ملخص المقال قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم السورة، وكأنه يقرأ بيانًا تحذيريًّا إلى مشركي قريش؛ فالسورة فيها من القوارع ما فيها، ولم يقدر على مقاطعته أحد، ويا ليتنا نتصوَّر هذا الموقف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن بصوته العذب، وخشوعه الكامل، وفهمه العميق لكل حرف، ثم الجميع حوله يُنصت، وكأن على رءوسهم الطير! على الرغم من أن العام العاشر عُرِف في كتب السيرة بـعام الحزن، فإن الله سبحانه أراد برحمته أن يضيء أنوارًا تُطمئن قلوب المؤمنين، وتلفت أنظارهم إلى رحمته سبحانه، وتجعلهم يلهجون بالشكر والثناء له، وكان من أعظم هذه الأنوار بعد حادث الإسراء والمعراج: سجود المشركين لله في البيت الحرام! بلغت حساسيةُ الوضع الإسلامي الذروةَ في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الدعوة؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم واقعًا تحت ضغوط كثيرة متزامنة؛ فهو في حماية قبيلة بني نوفل وليس بني هاشم، وفوق ذلك فهو تحت ضغط سخرية الناس وعدم تصديقهم لأمر الإسراء؛ ومع ذلك فقد استمرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نشاطه الدعوي؛ بل طوَّر ذلك تطويرًا غير مسبوق! لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر لم يقم به ولا مرَّة حتى هذه اللحظة من أول تاريخ البعثة، وهو قراءة سورة كاملة من القرآن الكريم على أسماع الجميع من المسلمين والمشركين، وكانت هذه السورة هي سورة النجم، وكان المكان هو أكثر أماكن مكة ازدحامًا بالناس، وهو البيت الحرام! ومع أن القصة ثابتة في الأحاديث الصحيحة فإنه ليس هناك دليل مباشر على توقيت حدوثها، وكثير من علماء السيرة يضعونها في أحداث العام الخامس أو السادس من البعثة، ولكني أَثْبَتُّها في هذا الموضع -في أحداث أواخر العام العاشر- لكون سورة النجم تتحدَّث في صدرها عن معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء؛ وذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}[النجم: 13-18]، والنصوص تُشير إلى قراءة سورة النجم كلها، وهذا يعني أن هذه الآيات الخاصة بالمعراج لم تنزل بمفردها في وقت لاحق، إنما نزلت مع بقية السورة، وليس من المناسب افتراض أنها نزلت مبكرًا في العام الخامس، ثم أتى تأويلها في العام العاشر بعد رحلة المعراج، فهذا فيه الكثير من التكلُّف، والله أعلم. وأنا أعتقد أن حدوث القصة في العام العاشر أوقع؛ لسبب آخر -أيضًا- هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغلَّ حالة الحراك الدعوي التي حدثت بعد كلامه عن الإسراء؛ فمعظم أهل مكة يُريدون أن يسمعوا منه تفسيرًا لما حدث، ويترقَّبون منه كلامًا بخصوص قصته العجيبة؛ ومن ثَمَّ وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة النجم، والكفار يستمعون بلا اعتراض، لكونهم في انتظار شيء يتعلَّق بالأمر، وهذا لم يكن حادثًا في كلِّ فترات السيرة السابقة. قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم السورة، وكأنه يقرأ بيانًا تحذيريًّا إلى مشركي قريش؛ فالسورة فيها من القوارع ما فيها، ولم يقدر على مقاطعته أحد، ويا ليتنا نتصوَّر هذا الموقف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن بصوته العذب، وخشوعه الكامل، وفهمه العميق لكل حرف، ثم الجميع حوله يُنصت، وكأن على رءوسهم الطير! قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى * ذُو مِرَّةٍ[1] فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}[النجم: 1-12]. وقد أُخذ المشركون بروعة الآيات والكلمات، وبُهروا بهذا الكلام الغريب العجيب، الذي لا يقدر عليه بشر، فلم يُحَرِّكوا ساكنًا، ونزلت الآيات نورًا يفتح قلوبهم، وخرست الألسنة، وتسمَّرت الأقدام، وتعلَّقت العيون برسول الله صلى الله عليه وسلم، والسورة تشرح للمشركين قصته صلى الله عليه وسلم بإيجاز: إنه صاحبهم الذي يعرفونه، ويعرفون نسبه وشرفه وصدقه وعفافه، وهو لا يتكلَّم معهم بهواه إنما يأتيه ملك الوحي من السماء؛ هذه هي الحقيقة المجرَّدة التي أخبرت بها السورةُ أهلَ مكة عن طبيعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومهمَّته؛ ومن ثَمَّ وضعت القومَ في حرج شديد؛ إذ لماذا إذن يُكَذِّبونه ويجادلونه وهو ليس إلَّا رسول يحمل لهم رسالة من الله؟! ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكمل قراءته بصوتٍ قوي يُحَذِّر من اتباع آلهة مزعومة لا قيمة لها، ويُحَذِّر كذلك من أن ينسب أحدٌ شيئًا إلى الله سبحانه عن غير علم: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى[2] * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم: 19-23]. ومع أن الآيات تُهين آلهة قريش، وتحقر من شأنها، فإن المشركين لم ينبثُوا بكلمة واحدة؛ بل ظلُّوا يستمعون القرآن مبهورين انبهارًا كاملًا، مع ملاحظة الخطاب المباشر للمشركين في أكثر من آية؛ وذلك مثل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ}، و{أَلَكُمُ الذَّكَرُ}، و{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ}، فهذه كلها كلمات خطابية لهم، وأسئلة موجَّهة لعقولهم، وعليهم أن يبحثوا عن إجابة عنها. وتمضي الآيات تكشف عن خبايا المشركين، وتفضحهم أمام أنفسهم، وتوضِّح جريمتهم الشنيعة يوم أشركوا بالله ربِّ العالمين؛ قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى[3] * أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى}[النجم: 33-41]. ثم أكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءته للسورة وهي تشرح صفة الإله القدير الذي نعبده، كما تُوَضِّح عاقبة الأقوام الذين كذَّبوا قبل أهل مكة؛ قال تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى[4] * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى[5] * وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ[6] أَهْوَى[7] * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى[8]}[النجم: 42-55]. ولكأني أشعر بالمشركين وهم ينتظرون قارعة أو خسفًا من الله سبحانه، وكأني أراهم وهم مرتعبون من عقاب الله المنتظَر، وقد سمعوا تهديده وتعنيفه لهم، وذِكْرَه الصريح بأن هذا نذير لهم، كما أن الآيات أظهرت عجزهم الفاضح أمام إلهٍ عظيم بيده كلُّ شيء، وقادر على إهلاك أمم عظيمة كانت أشدَّ منهم قوَّة، وأعظم بأسًا. ثم تسارعت وتيرة الآيات، وعلت النبرة بشدَّة! قال تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى * أَزِفَتِ الآزِفَةُ[9] * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ[10] * فَاسْجُدُوا للهِ وَاعْبُدُوا}[النجم: 56-62]. إن الآيات تحثُّهم على الإسراع بكل طاقة ممكنة؛ فليس هناك وقت أيها المشركون! لقد أزفت الآزفة، وقد لا يتوفَّر لكم وقت للتوبة أو الرجعة، فأدركوا أنفسكم! إن جريمتكم هائلة؛ فأنتم أهل اللغة والبلاغة والأدب، وتعلمون أن هذا الحديث جدٌّ لا هزل فيه، صدقٌ لا كذب فيه، حقٌّ لا باطل فيه، فما لكم تضحكون منه، وتسخرون من حامله لكم؛ بينما الأجدر بكم أن تبكوا على حالكم، وأنتم سامدون لاهون معرِضون! ماذا نفعل؟! كان هذا هو السؤال الحائر الذي تردَّد في أذهان كل المشركين الحاضرين! حينها وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد، ويسجد معه المؤمنون، فعلموا أن المخرج الوحيد من نزول عقاب الله الباطش بهم أن يسجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلَّ هذا يعصمهم من العذاب، فسجدوا جميعًا في سابقة ليس لها مثيل في التاريخ! وهي أن يسجد الكفار مع المؤمنين في لحظة واحدة مع رسول واحد! قال ابن عباس رضي الله عنه: «سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ»[11]. ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ، غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ، وَقَال: يَكْفِينِي هذَا. فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذلِكَ قُتِلَ كافرًا»[122]. والشيخ المشرك الذي لم يسجد هو أمية بن خلف؛ صرَّح بذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في رواية أخرى فقال: «أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ: وَالنَّجْمِ، فَسَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ إِلَّا رَجُلًا رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا، وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ»[13]. أفاق المشركون من صدمتهم، وهم سجود بلا إرادة ولا إيمان؛ وصدق الله إذ يقول: {وَللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}[الرعد: 15]. ماذا يفعل المجرمون؟! لعلهم رجعوا إلى أنفسهم لحظة! لكنها -للأسف- كانت لحظة عابرة، لا أثر لها في القلب ولا في الجوارح، وكان حالهم كحال قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما أقام الحجة عليهم، ففهموا الحقيقة للحظات قليلة، ثم فرُّوا عنها عامدين؛ قال تعالى: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ}[الأنبياء: 62-65]. قام المشركون من سجودهم أشدَّ كفرًا وعنادًا؛ بل قاموا كذَّابين أفَّاكين يفترون على الله ورسوله الكذب، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عند ذكره لأصنامهم اللات والعزى ومناة مدحًا لها فقال: «إنهن الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى»! تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا، وتنزَّه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم عمَّا أراده المشركون تنزيهًا عظيمًا. لقد كانت فرية سخيفة قالوها ليُبَرِّرُوا لأنفسهم -ولمَنْ لم يحضر المشهد المهيب معهم- سرَّ سجودهم مع محمد صلى الله عليه وسلم. وللأسف فإننا نجد أن بعض المصادر الإسلامية قد تسرَّبت إليها مثل هذه الافتراءات؛ فذكرت أحاديث واهية السند تُشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال مثل هذه الكلمات المفتراة! وأن الشيطان هو الذي ألقى هذه الكلمات على لسانه دون أن يدري، وأنه صلى الله عليه وسلم تأسَّف لذلك وحزن! أهذا كله يُقال عن المعصوم صلى الله عليه وسلم؟! إنها روايات كلها واهية تحكي افتراءات لا أصل لها، ولا يمكن الاعتماد عليها لا سندًا ولا متنًا، وهي تنافي عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنافي حفظ القرآن الكريم، وتنافي عدم تسلُّط الشيطان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنافي أصولًا في العقيدة، وثوابت في الدين، كما تنافي العقل والمنطق، وسياق القرآن الذي يذمُّ الشرك وأهله، كما أن المؤمنين السامعين للآيات نفسها لم يلحظوا أي أمر غريب، وليس من المعقول أن يسجد المؤمنون لآيات تمدح الأصنام دون أن يسأل أحدهم -على الأقل- عن معنى هذه الآيات! إن المجال لا يتسع هنا لنقض هذه الروايات والردِّ عليها؛ ولكن سخَّر الله سبحانه علماء كثيرين فنَّدوا هذه الروايات، وأظهروا الحقَّ من الباطل، فليُرجع إليها في مواطنها[14]. وتأكيدًا لكون الأمر فرية لا أصل لها فإنَّ المشركين لم يستغلُّوا هذه الآيات المزعومة أيَّ استغلال، ولم يُواجهوا بها المسلمين في مناظرة ولا محاورة؛ إنما غاية الأمر أنهم حاولوا أن يخرجوا من سجودهم اللا إرادي بهذه الفرية. كان سجود المشركين بهذه الصورة الجماعية نورًا عظيمًا باهرًا من أنوار العام العاشر من البعثة؛ رفع معنويات المسلمين، ودعَّم موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحرج المشركين إحراجًا بالغًا، وعَرَّف بالإسلام والقرآن أعظم تعريف، ولا شكَّ أن كل ذلك أورث سعادة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فلله الحمد والمنَّة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] قال الطبري: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ذُو مِرَّةٍ) فقال بعضهم: معناه: ذو خَلْق حسن... وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذو قوَّة... وأولى القولين في ذلك بالصواب قول مَنْ قال: عنى بالمرَّة: صحة الجسم وسلامته من الآفات والعاهات... ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ». انظر: الطبري: جامع البيان 22/499، 500، والحديث رواه أبو داود: كتاب الزكاة، باب مَنْ يُعطى من الصدقة وحدِّ الغنى (1634)، والترمذي (652)، وقال: حديث حسن. والنسائي (2378)، وابن ماجه (1839)، وأحمد (6530)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده قوي رجاله ثقات رجال الشيخين. [2] ضِيزَى: قال الماوردي: فيه أربعة أقاويل: أحدها: قسمة عوجاء، قاله مجاهد. الثاني: قسمة جائرة، قاله قتادة. الثالث: قسمة منقوصة، قاله سفيان وأكثر أهل اللغة... الرابع: قسمة مخالفة، قاله ابن زيد. انظر: الماوردي: النكت والعيون 5/399، وقال الطاهر ابن عاشور: وضيزى: من ضازه حقه، إذا نقصه. التحرير والتنوير 27/106. [3] وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى: قال الماوردي: فيه أربعة أوجه: أحدها: أنه أعطى قليلًا من نفسه بالاستمتاع ثم أكدى بالانقطاع، قاله مجاهد. الثاني: أطاع قليلًا ثم عصى، قاله ابن عباس ب. الثالث: أعطى قليلًا من ماله ثم منع، قاله الضحاك. الرابع: أعطى بلسانه وأكدى بقلبه، قاله مقاتل. وفي أَكْدَى وجهان: أحدهما: قطع، قاله الأخفش. الثاني: منع، قاله قطرب. انظر: الماوردي: النكت والعيون 5/402، 403. [4] قال ابن عاشور: ويظهر أن معنى أقنى ضد معنى أغنى... ولذلك فسَّره ابن زيد والأخفش وسليمان التميمي بمعنى أرضى. وعن مجاهد وقتادة والحسن: أقنى: أخدم، فيكون مشتقًّا من القن وهو العبد أو المولود في الرقِّ؛ فيكون زيادة على الإغناء. وقيل: أقنى: أعطى القنية، وهذا زيادة في الغنى. وعن ابن عباس: أقنى: أرضى؛ أي أرضى الذي أغناه بما أعطاه؛ أي أغناه حتى أرضاه فيكون زيادة في الامتنان. انظر: الطاهر ابن عاشور: التحرير والتنوير 27/149. [5] قال الطاهر ابن عاشور: الشعرى: اسم نجم من نجوم برج الجوزاء شديد الضياء. انظر: التحرير والتنوير 27/150. [6] المؤتفكة من الائتفاك وهو الانقلاب، وقال القرطبي: والمؤتفكة أهوى: يعني مدائن قوم لوط عليه السلام ائتفكت بهم، أي انقلبت وصار عاليها سافلها؛ يقال: أفكته أي قلبته وصرفته. انظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 17/120. [7] أهوى: أي خسف بهم بعد رفعها إلى السماء، رفعها جبريل ثم أهوى بها إلى الأرض. انظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 17/120. [8] تتمارى: أي تَتَشَكَّك من التماري: التشكُّك، قال الماوردي: وَهَذَا خِطَابٌ لِلْمُكَذِّبِ؛ أَيْ فَبِأَيِ نِعَمِ رَبِّكَ تَشُكُّ. الماوردي: النكت والعيون 5/ 406، وقال الطاهر ابن عاشور: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ يُشَكِّكُونَكَ. وَهَذَا يُنْظَرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى}[النجم: 12]، أَيْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُشَكِّكُوكَ فِي حُصُولِ آلَاءِ رَبِّكَ. انظر: التحرير والتنوير 27/157. [9] أزف: اقترب، ودنا، والآزفة القيامة لقربها، وإن استبعد الناس مداها. ابن منظور: لسان العرب، 9/4. [10] سمد: علا، وقيل: تكبَّر. وقيل: غنَّى. قال ثعلب: وهي قليلة. وسمده: ألهاه، ابن منظور: لسان العرب 3/219، وقال الماوردي: فيه تسعة تأويلات: أحدها: شامخون كما يخطر البعير شامخًا، قاله ابن عباس رضي الله عنه. الثاني: غافلون، قاله قتادة. الثالث: معرضون، قاله مجاهد. الرابع: مستكبرون، قاله السدي. الخامس: لاهون لاعبون، قاله عكرمة. السادس: هو الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا، وهي لغة حمير، قاله أبو عبيدة. السابع: أن يجلسوا غير مُصلِّين ولا منتظرين قاله علي رضي الله عنه. الثامن: واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام، قاله الحسن، وفيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج والناس ينتظرونه قيامًا فقال: «مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ». التاسع: خامدون، قاله المبرد. انظر: الماوردي: النكت والعيون 5/407. [11] البخاري: كتاب التفسير، سورة والنجم، (4581)، والترمذي (575). [12] البخاري: أبواب سجود القرآن، باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها، (1017)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب سجود التلاوة، (576). [13] البخاري: كتاب التفسير، سورة والنجم، (4582). [14] الألباني: نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق، وصالح أحمد الشامي: الغرانيق قصة دخيلة على السيرة النبوية، وابن العربي: أحكام القرآن 3/303-308، والقاضي عياض: الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/288-310، وابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/441-444، والشوكاني: فتح القدير 3/546- 549، والألوسي: روح المعاني 9/167- 177.
قصة وفاة أبي طالب.. مواقف وتحليلات - قصة وفاة أبي طالب.. مواقف وتحليلات - قصة وفاة أبي طالب.. مواقف وتحليلات - قصة وفاة أبي طالب.. مواقف وتحليلات - قصة وفاة أبي طالب.. مواقف وتحليلات
قصة وفاة أبي طالب.. مواقف وتحليلات :
د. راغب السرجاني
ملخص المقال عند وفاة أبي طالب حدث موقفٌ هامٌّ جدًّا؛ قد تجمع شيطان الكفر أبو جهل، وأحد زعماء قريش عبد الله بن أبي أمية، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند رأس أبي طالب وقت وفاته، وكان لكلٍّ منهم سببٌ للزيارة وموقفٌ هامٌّ. يسرد تلك المواقف ويُحلِّلها ويستخرج دروسها النفيسة الدكتور راغب السرجاني في ذلك المقال الشائق. اهم مقتطفات المقال يظنُّ بعض الناس أنَّ أبا جهل حالةٌ فريدة، والحقُّ أنَّه غير ذلك! فنموذجه متكرِّر، ومثله كثير؛ بل إنَّ كلَّ الطواغيت على الأرض على هذه الشاكلة.. يتعبون، ويسهرون، ويكدحون، ويُضَحُّون، ثُمَّ ماذا في النهاية؟! هل بقي منهم أحد؟ هل كُتِبَ لأحدهم الخلود؟ لقد أضاعوا الدنيا والآخرة، وماتوا وقد ذهبت ذكراهم أدراج الرياح!
عندما جاءت لحظة موت أبي طالب عَلِمَ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسرع مُتلهِّفًا إلى دار عمِّه الحبيب، وكلُّه أمل أن يستجيب عمُّه لدعوته في لحظاته الأخيرة في الدنيا، فيكون سببًا لتحويل مساره من النار إلى الجنَّة! ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الوحيد الذي عَلِم باقتراب لحظة موت أبي طالب، إنَّما علم بذلك -أيضًا- شيطان مكة أبو جهل! وعند رأس أبي طالب كان اللقاء جامعًا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدوِّ الإسلام الأكبر أبي جهل! عن سعيد بن المسيب عَنْ أَبِيهِ[1] قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ». فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ». فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: 113][2]، وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: 56][3]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمِّهِ: «قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ. يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ. لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: 56][4]. هكذا كانت النهاية المأسويَّة حقًّا للقصَّة! لقد رأينا في الموقف السابق أربعة رجال؛ رأينا أبا جهل، وعبد الله بن أبي أميَّة بن المغيرة، وأبا طالب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنا وقفةٌ مع كلِّ واحدٍ منهم! أمَّا أبو جهل فشيطانٌ مريد! حرص أبو جهل على ألَّا يفوته حدثٌ مهمٌّ في مكة؛ لقد كان متابعًا لكلِّ حركةٍ يُمكن أن يستغلَّها لتحقيق نصرٍ للكافرين! بذل جهدًا كبيرًا.. أنفق وقتًا ثمينًا.. ضحَّى بمالٍ وتجارة.. واصل الليل بالنهار.. لم تهدأ له جارحة، ولم يغمض له جفن! كل ذلك للصدِّ عن سبيل الله! يظنُّ بعض الناس أنَّ أبا جهل حالةٌ فريدة، والحقُّ أنَّه غير ذلك! فنموذجه متكرِّر، ومثله كثير؛ بل إنَّ كلَّ الطواغيت على الأرض على هذه الشاكلة.. يتعبون، ويسهرون، ويكدحون، ويُضَحُّون، ثُمَّ ماذا في النهاية؟! هل بقي منهم أحد؟ هل كُتِبَ لأحدهم الخلود؟ لقد أضاعوا الدنيا والآخرة، وماتوا وقد ذهبت ذكراهم أدراج الرياح! جاء أبو جهل يلهث؛ فهو يخشى أن يختم أبو طالب حياته مؤمنًا بالله الواحد، مُصدِّقًا لابن أخيه رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلو آمن أبو طالب -ولو قبل موته بلحظات- فإنَّ هذا سيكون ضربةً قاصمةً للكفر بمكة، وقد تُؤمن قبيلة بني عبد مناف بشقَّيْهَا بني هاشم وبني المطلب، إمَّا اقتناعًا برأي أبي طالب، وإمَّا حميَّةً له، فلا بُدَّ من الوقوف على رأس الشيخ الكبير حتى تخرج روحه كافرة! أيُّ قضيَّةٍ تعيسةٍ يعيشها هؤلاء الحمقى؟! هذا أبو جهل! وصديقه قصَّتُه أعجب! عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة كان شخصية مُحَيِّرة! ففيه من الصفات التي تدفعه إلى الإيمان ما يجعلنا نطمع في إسلامه، وفيه من الخصائص ما يجعله قريبًا من الكافرين! فالرجل عاقلٌ وحكيمٌ وكريم، ووَرِث الكرم من أبيه أبي أمية؛ الذي كان يُسَمَّى «زاد الركب»؛ حيث إنَّه كان يتكفَّل بطعام وزاد كلِّ مَنْ يُسافر معه[5]! وهو ابن عمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم عاتكة بنت عبد المطلب، وهذا يجعله بالتبعية قريبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي قريبًا من الإيمان، وعلى الجانب الآخر فعبد الله بن أبي أمية مخزومي! بل هو ابن عم أبي جهل، وبذلك فهو له دوافعه القبليَّة التي تجعله يُحارب دعوةً جاءت على يد هاشمي! هذه التداخلات في النسب جعلت موقفه محيِّرًا، فكان من المفترض عليه، وهو العاقل الحكيم أن يقبل دعوة ابن خاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعلاقة بينهما -لا شكَّ- وطيدة منذ الصغر لدوافع القرابة؛ لكنَّه للأسف استجاب لدعوة الكفر، التي كان يقودها ابن عمِّه أبو جهل؛ بل لعلَّه كان يُبالغ في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يتَّهمه أبو جهل بالتخاذل لكونه ابن عمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا تنقل كتب السيرة أنَّه كان من أشدِّ الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم! وكان يَكْره رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بسبب هذه القبليَّة المقيتة، ولسببٍ آخر كذلك! فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد اخترق عقر داره! فقد أسلمت أخت عبد الله بن أبي أمية منذ الأيَّام الأولى للإسلام، وهي أم سلمة رضي الله عنها! وكذلك أسلم زوجها المخزومي أبو سلمة رضي الله عنه، فيرى عبد الله بن أبي أمية أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شقَّ بذلك عائلته، وشتَّت أسرته! ولذلك كان يُجاهره بالعداء، ويُقال: إنَّه هو الذي اشترط على رسول الله صلى الله عليه وسلم تفجير ينبوع من الماء في مكة حتى يُؤمن به! وفي ذلك أنزل الله قوله سبحانه: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: 90][6]، ولهذا وجدناه مع أبي جهل عند أبي طالب يبذل قصارى جهده لصدِّ الرجل عن الإسلام، عِلْمًا بأنَّ أبا طالب هو خال عبد الله بن أبي أمية! ولكن -للأسف- كان عبد الله بن أبي أمية غير حريصٍ على مصلحة عمِّه الحقيقيَّة؛ إنَّما كان يتحرَّك بدوافعه الشخصيَّة، ومصالحه الذاتيَّة. لكن الأعجب في قصة عبد الله بن أبي أمية لم يُذكر بعد! فالأيَّام دارت بعد ذلك وجاء فتح مكة -كما سيأتي إن شاء الله- بعد أكثر من عشر سنوات من هذا الموقف، موقف وفاة أبي طالب، وفكَّر عبد الله في الإسلام! وخرج مع أبي سفيان بن الحارث لمقابلة الجيش الإسلامي الفاتح، لعلَّهم يُنقذون أنفسهما من القتل المحتمل، واستأذنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم للدخول، فرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم في البداية! حتى مع وساطة أم سلمة رضي الله عنها! وهي أخت عبد الله بن أبي أمية، وقد صارت زوجًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها الأول أبي سلمة رضي الله عنه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَنِيَّةَ الْعِقَابِ[7] فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ عَمِّكَ، وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكِ. فَقَالَ: «لَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا، أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي[8]، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ[9]». فَلَمَّا خَرَجَ الْخَبَرُ إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيَأَذْنَنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَوْ لآخُذَنَّ بِيَدِ ابْنِي هَذَا، ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا أَوْ جُوعًا. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهُمَا فَدَخَلَا عَلَيْهِ..[10]. ثم الأعجب والأعجب في قصَّة عبد الله بن أبي أمية أنَّه قد حَسُن إسلامه، وقوي إيمانه، وشهد بعد هذا الموقف فتحَ مكة ثم حنينًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت الخاتمة السعيدة العجيبة إذ رأيناه يموت شهيدًا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطائف[11]! ما أعجب النهايات، وإنَّ العبرة -حقًّا- بالخواتيم! ولعلَّ أشدَّ ما كان يُنَغِّص على عبد الله بن أبي أمية رضي الله عنه حياته بعد إسلامه إلى استشهاده هو أنَّه كان أحد الأسباب في وفاة خاله أبي طالب على الكفر! وخاصَّةً أبي طالب؛ لأنَّ وفاة أبي طالب كافرًا كانت من أكثر الأمور التي أحزنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شكَّ أنَّ مشهد وفاته لم يَغِبْ عن ذاكرته قطُّ؛ ولكن الحمد لله أن الإسلام يَهدم ما قبله[12]، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فليس لهذه الخطيئة الكبرى وجود في صحيفة عبد الله بن أبي أمية رضي الله عنه إن شاء الله. وكما أنَّ مثال أبي جهل متكرِّرٌ كثيرًا في التاريخ فكذلك مثال عبد الله بن أبي أمية، فكم من البشر هم في الواقع قريبون من الإيمان لولا بعض الحواجز الدنيويَّة، ولو أُزيحت هذه الحواجز وجدناهم من أعظم الناس إيمانًا، ومن أقربهم إلى الله عز وجل؛ بل قد يختمون حياتهم شهداء! وتبقى الهداية مِنَّة من الله عز وجل يهبها لمن شاء من عباده؛ قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: 272]. هذا هو عبد الله بن أبي أمية المخزومي.. أما الشخصيَّة الثالثة في الموقف فهو أبو طالب! إذا كنَّا قد تعجَّبنا من إصرار أبي جهل ومصابرته، ثم تعجَّبنا من تغيُّر الخواتيم عن البدايات في قصة عبد الله بن أبي أمية، فإنَّ العجب الأكبر يكون فيمن توفَّرت له كلُّ أسباب الإيمان ثم لم يؤمن! وهذا أوضح ما يكون في موقف أبي طالب! إنَّه الرجل العاقل البليغ الذي أدرك معجزة القرآن من أول يوم؛ حتى إنَّه ما تردَّد عندما سمع كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعلن عن نصرته ما بقيت فيه حياة، وهو لن يقول ذلك إلا إذا سمع ما يُؤَكِّد له أن القرآن حقٌّ، وهو الرجل المحبُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يتلقَّى كلماته مُصْغيًا بكل ذرة من كيانه، وهو الرجل المصدِّق لابن أخيه، فلم يُجَرِّب عليه كذبًا قط، وهو الرجل الذي رأى المعجزات الكثيرة بعينيه، وآخرها نبأ الأرضة التي أكلت الصحيفة الظالمة ولم تترك فيها إلا ما كان من اسمٍ لله، وهو الرجل الزعيم الذي ستقوى زعامته وتزداد عندما يتحقَّق لابن أخيه ما وعد به من حُكم العرب والعجم، وهو الرجل الأكبر في بني هاشم، الذي سيُضاف إلى فخر قبيلته أنَّه كان منها نبيٌّ يأتيه الوحي من السماء! إنَّه بلا مبالغة من أكثر الناس قربًا للإسلام! إنَّه أقرب من عمر بن الخطاب، أو مصعب بن عمير، أو عثمان بن عفان، أو عمرو بن عَبَسَة! ما حجته في رفض الإسلام؟! يقول أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مُعَبِّرًا عن حاله، ومُعتذِرًا عن الإيمان بالله الواحد: «لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ؛ يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ»! وكأنه بهذا الكلام يُضَحِّي بنفسه كي يحفظ هيبة قبيلته وصورتها، فلا يقال: إنَّ زعيمها يجزع عند الموت! والسؤال هو: ما علاقة إعلانه للإسلام بالجزع؟ هل يقصد أنَّ العرب سيُعَيِّرون قريشًا أنَّ زعيمها يخاف من البعث والنشور إذا صدق أمر البعث؟ أم سيُعَيِّرُونها أنَّه يخاف من الله إذا حاسبه؟ أم أنَّه يخاف من زبانية النار الذين حذَّرهم منهم محمد صلى الله عليه وسلم؟ إنَّني لا أستطيع أن أتفهَّم في الحقيقة حُجَّة أبي طالب، ولا معنى الجزع المانع له من الإسلام في كلامه؛ لذا فأنا أرى أنَّ دافعه كان مختلفًا عمَّا أعلن! إنَّه كان -في رأيي- يحبُّ أباه عبد المطلب، وأجداده هاشمًا وعبد مناف وغيرهما حبًّا قبليًّا طاغيًا أغلق قلبه تمامًا عن فهم الحقيقة! أحبَّهم حبًّا سيطر على عقله فلم يترك له مساحةً يُفَكِّر فيها أو يتدبَّر، وهذا في الحقيقة كان مرضًا متفشِّيًا في العرب منع كثيرًا منهم من الإيمان؛ لأن إيمان أبي طالب هنا يعني أنَّ عبد المطلب وآباءه كانوا مخطئين، وهذا ما لا يقبله أبو طالب! هذا هو الذي منع أبا طالب من الإسلام وليس الخوف من تعيير قريش! والحقُّ أن هذه كانت أزمة كبيرة تشغل مساحة ضخمة من عقول العرب؛ ولذلك أفرد الله عز وجل لها في كتابه آيات كثيرة؛ قال تعالى ينقل قول المشركين: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأعراف: 70]، فلم تكن القضية هي قضية التوحيد، أو قضية من هو الأحقُّ أن يُعْبَد؛ ولكن كانت مشكلتهم في أن يذروا ما كان يعبد آباؤهم، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 170]، وقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [المائدة: 104]، وقال أيضًا: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الزخرف: 22-24]. إنها إذن مشكلة مزمنة أدَّت إلى عواقب وخيمة عند الكثيرين، ومنهم أبو طالب. إنَّ أبا طالب -في الحقيقة- كان يحبُّ آباءه أكثر من حبِّه لله، وكانت رغبته في إقرار عين عبد المطلب وهو ميِّتٌ أعظم عنده من إقرار عين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حيٌّ! واطَّلع الله على قلبه فعَلِمَ منه ذلك، فلم يكتب له الهداية! وحاشا لله أن يكون الرجل مظلومًا؛ ولكنَّه عرف الحقَّ ورفضه، وأبى إلَّا أن يتَّبع هواه. قد يظنُّ البعض أنَّ هذا كلامًا قاسيًا على رجلٍ نصر الدعوة بكلِّ طاقته، وضحَّى من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم تضحيَّات عظيمة، وباع زعماء قريش جميعًا واشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هو في النهاية رجلٌ يحبُّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم! لكن قبل أن نصف الكلام بالقسوة لا بُدَّ من النظر إلى نقطتين: أمَّا الأولى فهي أنَّه على الرغم من كلِّ ما قدَّم أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّه ارتكب أعظم الذنوب مطلقًا، وهو ذنب الشرك بالله؛ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ..»[13]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48]، وقال: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 116]، فهذه كلها أدلَّة على قُبح الفعل وشناعته، وهي نصوصٌ صريحةٌ في عدم المغفرة لمن ارتكب هذا الذنب العظيم، ولا ينبغي لنا في خضمِّ عرفاننا بجميل أبي طالب أن ننسى أنَّه كان يرفض السجود لله سبحانه؛ بينما يفعل ذلك لهبل واللات والعزى! وأمَّا النقطة الثانية فهي أنَّ هناك نصوصًا كثيرة تُثبت أنَّ أبا طالب من أهل النار؛ فقد أمر اللهُ تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ألا يستغفر لأبي طالب تحديدًا لأنَّه من أصحاب الجحيم، فقال: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: 113]، وقال المسيب بن حزن رضي الله عنه -كما مرَّ بنا- أن الآية نزلت في أبي طالب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوقَّع أن ينهاه اللهُ عز وجل عن طلب المغفرة لأبي طالب لكونه مشركًا، فقال كلمته التي مرَّت بنا: «وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ». ثم جاء النهي بعد ذلك كما نعلم، فكفَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار له، ومع ذلك فقد شفع له عند الله أن يُخَفِّف عنه العذاب لكونه كان ناصرًا له طَوَال عمره، فاستجاب الله لشفاعته وخفَّف عنه، وقد كان السبب في الشفاعة هو نصرة أبي طالب للرسول صلى الله عليه وسلم وليس القرابة منه؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشفع لأبي لهب، وله القرابة نفسها. وقد جاءت عدَّة روايات في أمر هذه الشفاعة: فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: «هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»[14]. وعن عبد الله بن الحارث، قال: سمعتُ العباس رضي الله عنه، يقول: قلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ فَهَلْ نَفَعَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النَّارِ، فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ»[15]. وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ، فَقالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ»[16]. وروى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ»[17]. فماذا بعد هذه الأحاديث؟ إنَّ مصيبة الشرك بالله لأعظم المصائب مطلقًا، ولا يُجدي معها عمل صالح، ولا نوايا طيبة، وفي الوقت الذي يَحْلُم فيه كلُّ مؤمن بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم نجد هنا أنَّه صلى الله عليه وسلم يجتهد بنفسه قدر ما يستطيع فلا يقدر بشفاعته عند الله إلَّا على تخفيف العذاب، فينتهي أمر أبي طالب إلى نعلين من نار يغلي منهما دماغه! وفي نهاية الحديث عن أبي طالب أحبُّ أن أُشير إلى أنه قد كُوفِئ على جميل صنعه في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، ولستُ أعني فقط بالمكافأة التخفيفَ عنه في الجحيم؛ ولكنه في الواقع كُوفئ كذلك في الدنيا، فإنه كان ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حبًّا في دينه أو عقيدته أو نبوته، إنما حبًّا لشخصه وذاته، بمعنى أن حبَّه كان حبًّا فطريًّا كحبِّ الأب لابنه، وهذا الحبُّ كان يدفعه لكي يبذل الجهد ليرى هذا الابن سالِمًا معافًى بعيدًا عن الأذى، وهذه المعافاة للابن تُحَقِّق له السعادة التي يُريد، وقد نجحت محاولات أبي طالب في الزود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف، ورآه سالِمًا معافًى كما تمنَّى، فتَحَقَّق له في الدنيا ما كان يُريد، وليس له بذلك في الآخرة نصيب؛ قال تعالى موضِّحًا هذه النقطة الدقيقة في حياة العباد: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا * لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ [الإسراء: 18-22]. كان هذا هو أبو طالب! أمَّا الشخصية الرابعة في الموقف فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم! وهذا ما نفصِّله بإذن الله في مقالٍ منفرد[18].
[1] أبو سعيد: هو المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو القرشي المخزومي رضي الله عنه، له ولأبيه صحبة، هاجر إلى المدينة مع أبيه حزن؛ كان ممَّن بايع تحت الشجرة، وشهد اليرموك بالشام. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 5/172. [2] سورة التوبة مدنية كما روى ابن عباس وعبد الله بن الزبير وقتادة وخلق كثير، وحكى بعضهم الاتفاق عليه، واستثنى آخرون: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ﴾ الآية، انظر: السيوطي: الإتقان في علوم القرآن 1/58، والألوسي: روح المعاني 5/235، وابن عاشور: التحرير والتنوير 10/97، وقال ابن حجر: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ الْآيَةِ تَأَخَّرَ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهَا تَقَدَّمَ، وَيَكُونُ لِنُزُولِهَا سَبَبَانِ؛ مُتَقَدِّمٌ وَهُوَ أَمْرُ أَبِي طَالِبٍ، وَمُتَأَخِّرٌ وَهُوَ أَمْرُ آمِنَةَ، وَيُؤَيِّدُ تَأْخِيرَ النُّزُولِ مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ بَرَاءَةٌ مِنَ اسْتِغْفَارِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُنَافِقِينَ حَتَّى نَزَلَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ النُّزُولِ وَإِنْ تَقَدَّمَ السَّبَبُ. ابن حجر: فتح الباري 8/508، وقال وهبة الزحيلي: وظاهر هذا أنَّ الآية نزلت بمكة؛ ولأنَّ أبا طالب مات بمكة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين. ونظرًا إلى أنَّ هذه السورة مدنية، فقد استبعد بعض العلماء أن تكون نزلت في أبي طالب. وهبة الزحيلي: التفسير المنير 11/58، 59. [3] البخاري: كتاب التفسير، سورة القصص (4494)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب أول الإيمان قول: لا إله إلا الله (24). [4] مسلم: كتاب الإيمان، باب أول الإيمان قول: لا إله إلا الله (25)، والترمذي (3188)، وأحمد (9608). [5] انظر: البلاذري: أنساب الأشراف 10/199، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 11/539، وابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3/868، وابن الأثير: أسد الغابة 3/176. [6] عن يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد، قال: قلت له في قوله تعالى: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: 90] قال: قلت له: نزلت في عبد الله بن أبي أمية، قال: قد زعموا ذلك. انظر: الطبري: جامع البيان 17/558، والرازي: مفاتيح الغيب 3/644، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن 6/393، وقال الزحيلي: وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن سعيد بن جبير في قوله: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾: قال: نزلت في أخي أم سلمة: عبد الله بن أبي أمية، مرسل صحيح شاهد لما قبله، يجبر المبهم في إسناده. انظر: الزحيلي: التفسير المنير 15/ 164. وقيل: عبد الله بن أبي أميَّة بن المُغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وهو ابن عمته هو لعاتكة بنت عبد المطلب، فقال له: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورًا، ليعرفوا منزلتك من الله فلم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تُعَجِّلَ ما تخوِّفهم به من العذاب، فوالله لا أومن لك أبدًا، حتى تتخذ إلى السماء سلمًا ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها، وتأتي معك بنسخة منشورة معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وايم الله لو فعلت ذلك لظننتُ ألا أصدِّقك. الطبري: جامع البيان 17/559، والبغوي: معالم التنزيل 3/162. [7] ثنية العقاب (هكذا في المستدرك والمعجم الكبير): الثنية في الأصل كلُّ فرجة في الجبل مسلوكة، وهي في كتب السيرة والتاريخ بلفظ: نِيق العقاب: وهي موضع بين مكة والمدينة قرب الجحفة، لقي به أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد مكة عام الفتح. انظر: أبو عبيد البكري: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع 4/1341، وياقوت الحموي: معجم البلدان 5/333، والنيق: أرفع موضع في الجبل، وقيل: حرْفٌ من حروفِ الجبل. الزبيدي: تاج العروس 26/444. [8] قال العامري: أمَّا ابن عمي فهتك عرضي؛ أي: بما ينسبني به من الهجاء في شعره. قيل: إنَّه بعد إسلامه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لما كان يهجوه. انظر: العامري: بهجة المحافل وبغية الأماثل 1/403. [9] قال السهيلي: فهو الذي قال لي بمكة ما قال: يعني حين قال له: والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلمًا إلى السماء فتعرج فيه وأنا أنظر ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون لك أن الله قد أرسلك. انظر: السهيلي: الروض الأنف 7/206، ولعله يقصد -أيضًا- ما ذكرناه من أنه طلب منه تفجير ينبوع في الأرض. [10] الحاكم (4359) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 6/167. [11] ابن عبد البر: الاستيعاب 3/868، 869، وابن الأثير: أسد الغابة 3/176، وابن حجر العسقلاني: الإصابة 4/10-12. [12] قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟». مسلم: كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج (121). [13] البخاري: كتاب التفسير، سورة البقرة (4207)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده (86). [14] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قصة أبي طالب (3670)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه (209). [15] مسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه (209). [16] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قصة أبي طالب (3672)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه (210). [17] مسلم: كتاب الإيمان، باب أهون أهل النار عذابًا (212)، وأحمد (2636). [18] انظر: وفاة أبي طالب.. أشد أحزان الرسول.
معركة حتى الموت مع الأعداء الثلاثة - معركة حتى الموت مع الأعداء الثلاثة - معركة حتى الموت مع الأعداء الثلاثة - معركة حتى الموت مع الأعداء الثلاثة - معركة حتى الموت مع الأعداء الثلاثة
معركة حتى الموت مع الأعداء الثلاثة
قال ابن القيم رحمه الله في مقدمة الوابل الصيب:
فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الآدمي، واختاره من بين سائر البرية، وجعل قلبه محل كنوزه من الإيمان، والتوحيد، والإخلاص، والمحبة، والحياء، والتعظيم، والمراقبة، وجعل ثوابه إذا قَدِم عليه أكمل الثواب وأفضله، وهو النظر إلى وجهه، والفوز برضوانه، ومجاورته في جنته.
وكان مع ذلك قد ابتلاه بالشهوة والغضب والغفلة، وابتلاه بعدوه إبليس لا يفتر عنه، فهو يدخل عليه من الأبواب التي هي من نفسه وطبعه، فتميل نفسه معه؛ لأنه يدخل عليها بما تحب، فيتفق هو ونفسه وهواه على العبد: ثلاثةٌ مُسَلَّطون آمرون، فيبعثون الجوارح في قضاء وَطَرِهِم، والجوارح آلة منقادة، فلا يمكنها إلا الانبعاث، فهذا شأن هذه الثلاثة، وشأن الجوارح، فلا تزال الجوارح في طاعتهم كيف أّمَروا، وأين يَمَّموا.
هذا مقتضى حال العبد.
فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم به أن أعانه بِجُنْدٍ آخر، وأمدّه بِمَدَدٍ آخر، يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلاكه، فأرسل إليه رسوله، وأنزل عليه كتابه، وأيده بمَلَكٍ كريم يقابل عدوه الشيطان، فإذا أمره الشيطان بأمرٍ، أمره الملك بأمر ربه، وبيَّن له ما في طاعة العدو من الهلاك. فهذا يُلِمُّ به مرة، وهذا مرة، والمنصورُ من نصره الله عز وجل، والمحفوظُ من حفظه الله تعالى.
وجعل له مقابل نفسه الأمَّارةِ نفساً مطمئنة، إذا أمرته النفسُ الأمَّارة بالسوء نَهَتْهُ عنه النفس المطمئنة، وإذا نهته الأمَّارة عن الخير أمرته به النفس المطمئنة. فهو يطيع هذه مرة، وهذه مرة، وهو للغالب عليه منهما، وربما انقهرت إحداهما بالكلية قهراً لا تقوم معه أبداً.
وجعل له مقابل الهوى الحاملِ له على طاعة الشيطان والنفس الأمَّارةِ نوراً، وبصيرةً، وعقلاً يرده عن الذهاب مع الهوى؛ فكلما أراد أن يذهب مع الهوى ناداه العقل والبصيرة والنور: الحذر الحذر! ؛ فإن المهالك والمتالف بين يديك، وأنت صيد الحرامِيَّة، وقُطَاعِ الطريق؛ إن سرت خلف هذا الدليل.
فهو يطيع الناصح مرة فيبن له رشده ونصحه، ويمشي خلف دليل الهوى مرة فَيُقْطَعُ عليه الطريق، ويُؤخَذُ مالُه، ويُسْلَب ثيابُه، فيقول: ترى من أين أُتِيت ؟!
والعجبُ أنه يعلم من أين أُتِي، ويعرف الطريق التي قُطِعت عليه وأُخِذ فيها، ويأبى إلا سلوكها؛ لأن دليلها قد تمكن منه وتحكَّم فيه، وقوِيَ عليه! ولو أضعفه بالمخالفة له، وزَجْرِه إذا دعاه، ومحاربته إذا أراد أخذه لم يتمكَّنْ منه، ولكنْ هو مكَّنَهُ من نفسه، وهو أعطاه يده، فهو بمنزلة الرجل يضع يده في يد عدوه، فياسره ثم يسومه سوء العذاب، فهو يستغيث فلا يُغاث، فهكذا العبد يستأسر للشيطان والهوى، ولنفسه الأمارة، ثم يطلب الخلاص، فيعجز عنه.
فلما أن بُلي العبدُ بما بُلِي به أُعِين بالعساكر والعُدَدِ والحصون، وقيل له: قاتِل عدوك وجاهِدْهُ، فهذه الجنود خُذْ منها ما شئت، وهذه العُدَدُ البس منها ما شئت، وهذه الحصون تَحَصَّنْ منها بأي حصن شئت، ورابط إلى الموت، فالأمر قريب، ومدة المرابطة يسيرة جداً، فكأنك بالملِك الأعظم وقد أَرْسَلَ إليك رُسُلَه، فنقلوك إلى داره، واسترحت من هذا الجهاد، وفُرِّقَ بينك وبين عدوك، وأُطْلِقْتَ في دار الكرامة تتقلَّب فيها كيف شئت، وسُجِن عدوك في أصعب الحُبوس وأنت تراه، فالسجنُ الذي كان يريد أن يُودِعَك فيه قد أُدْخِلَه وأُغْلِقت عليه أبوابه، وأِيسَ من الخروج والفرج، وأنت فيما اشتهت نفسك، وقَرّت عينك؛ جزاءً على صبرك في تلك المدة اليسيرة، ولزومك الثغر للرِّباط، وما كانت إلا ساعةً ثم انقَضَتْ، وكأن الشدة لم تكن.
الوابل الصيب ص 31
شيخنا بارك الله فيكم هل يجوز تقبيل يدي الوالدين ؟*
شيخنا بارك الله فيكم هل يجوز تقبيل يدي الوالدين ؟* - شيخنا بارك الله فيكم هل يجوز تقبيل يدي الوالدين ؟* - شيخنا بارك الله فيكم هل يجوز تقبيل يدي الوالدين ؟* - شيخنا بارك الله فيكم هل يجوز تقبيل يدي الوالدين ؟* - شيخنا بارك الله فيكم هل يجوز تقبيل يدي الوالدين ؟*
*السؤال السادس : شيخنا بارك الله فيكم هل يجوز تقبيل يدي الوالدين ؟*
الجواب : نعم .
*تكملة السؤال : علما أن فيه انحناء للتقبيل .*
الجواب : هذا الانحناء تبع ، النبي صلى الله عليه وسلم قبِّلت يده وقبِّلت ركبته ، قبِّل قدمه .
إذا أحد قبَّل قدم أمه مثلا هل هذا ممنوع ؟ .
لا ليس بممنوع شرعا ، وتقبيل اليد كذلك ما فيها حرج ، تقبيل الفم للزوجة فقط ، لأن تقبيل الفم يثير الشهوة .
تقبيل الرجال للخدود ممنوع يخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم, فإذا كان لشهوة كان حراما ،والرجال ان تقابلوا فالتقبيل لا يكون لشهوة يكون مكروها ، لماذا؟
لأنه يخالف هدي النبي صلى الله عليه سلم في التحية عند الغياب الطويل أو عند القدوم من السفر ،إذا غاب الأخ عن أخيه طويلا أو رآه قادما من سفر فمن السنة المعانقة ، الرجال فيما بينهم والنساء فيما بينهن ، والرجل مع محارمه من النساء ، كلها السنة فيها المعانقة ، الرجل مع محارمه من النساء والرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة .
تقبيل اليد وتقبيل الرأس هذا أمر لا حرج فيه ، ابن المقرئ له كتاب سماه *"الرخصة في تقبيل اليد"*, وهذا ثابت عن ابن عباس وزيد بن ثابت في قصة بديعة يا ليت أهل الرفض يفهمونها ويعرفونها، عبد الله ابن عباس من آل البيت وزيد بن ثابت من أهل العلم ، وبدأ عبد الله بن عباس تلميذا عند زيد بن ثابت ، فبعد أن درّس زيد بن ثابت واستفاد منه عبد الله بن عباس, عبد الله بن عباس سبق استاذه زيد بن ثابت ليهيء له دابته ليركبها فلما أراد أن يصعد الدابة, ابن عباس من آل البيت وطالب علم وصاحب خلق رفيع فلما وضع يده على الدابة ليصعد عليها قبل يده, زيد توقف عن الصعود وقال لابن عباس وكان صغيرا : لما صنعت هذا ؟
قال : هكذا أمرنا أن نصنع بعلمائنا .
فقَّبل زيد يد التلميذ ابن عباس .
قال ابن عباس لما صنعت هذا ؟
قال هكذا أمرنا أن نصنع بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم هكذا أمرنا أن نصنع بأهل بيت نبيناً صلى الله عليه وسلم .
فالصحابة والقرابة بينهما تعظيم ووقار وحب وليست العلاقة بين الصحابة والقرابة علاقة مناكدة
واتهامات وشتائم وسخائف ولعن .
اليوم في دين قائم على المنابذة والمناكدة بين الصحابة والقرابة, فإذا علمنا أن الصحابة والقرابة كان بينهما وئام ومحبة سقط هذا الدين بالكلية
نسأل الله عز وجل العافية .
فهذا ابن عباس قبَّل يد زيد, وزيد قبَّل يد ابن عباس ، وهذه هي الأبوة الدينية .
الأبوة أبوتان :
أبوة دين .
أبوة الطين .
أبوة الدين شيخك مثل أبيك، الذي علمك دين الله عز وجل .
وأبوة الطين أبوك الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت في صحيح مسلم لن يجزئ ولد والداه إلا أن يجده عبدا مملوكا فيشتريه فيعتقه)) ، الولد لا يمكن أن يجزئ أباه, إلا في صورة نادرة غير ممكنة أن يجد الولد أباه عبدا فيشتريه فيعتقه، لعله يجزئه حينئذ .
ولذا تعظيم الأبوين واحترام الأبوين وتقبيل رأس الأبوين ويدي الأبوين من الأمور المشروعةتجوز للعلماء وتجوز للآباء وتجوز للفضلاء والكبراء فهذه كلها من الأمور المشروعة .
كان سفيان الثوري رحمه الله يسأل عن وضع اليد بعد التقبيل على الجبين, يعني ان تقبل يد وتضعها على الجبين فكان سفيان يقول ( *هذه هي السجدة الصغرى*)) فلا يشرع وضع اليد على الجبين بعد التقبيل, أما مجرد التقبيل فهو أمر لا حرج فيه, أما وضع اليد بعد ان تقبلها على الجبين, لما كان يسأل عنها سفيان رضي الله تعالى عنه فكان يقول (( *هذه هي السجدة الصغرى* )) .
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
2017 - 3 - 24 إفرنجي
25 جمادى الآخرة 1438 هجري
↩ رابط الفتوى : http://meshhoor.com/fatawa/939/
◀ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان. ✍✍
⬅ للإشتراك في قناة التلغرام : http://t.me/meshhoor
جميعنا مسئولون عن مجتمعاتنا وأمتنا.. جميعنا لدينا فرص لإصلاح المجتمعات من خلال إصلاح أنفسنا.. التفتوا إلى تصرفاتكم وسلوككم، ولا تجعلوا الرغبة في التغيير الإيجابي مجردة من الإحساس الفعلي والتصرف الواقعي، أو تجعلوها رغبة عاجزة شلاء تحتاج دوما إلى من تستند عليه.. وإذا كنا نحب الخير، فلنكن بقدر هذا الحب، ولنُفَعل الإنسان الذي بداخلنا، ولنكن أكثر إخلاصاً لأنفسنا ولبعضنا البعض، كي نحقق هدفنا في هذا الوجود. وفي كل أحوالنا لابد من أن نسأل الله دوما «التيسير»، فهو سبحانه نعم المعين والقادر عليه.
لقد خص الله الإنسان دون المخلوقات كلها بالتحكم في الإرادة، والقدرة على توجيهها، ولذا فهي من أسرار تكريم الله للإنسان، فالإرادة كنز الأفراد الناجحين والأمم المتقدمة.
وللأسف فكثير من الناس صاروا سجناء إرادتهم الضعيفة، التي تمنعهم من أن يكون لهم أثرا في حياتهم، ويصف الله حال هؤلاء ممن تدنت وسفلت همتهم بقوله سبحانه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175-176]
أي ولو أردنا أن نشرفه ونرفع قدره بما آتيناه من الآيات لفعلنا، ولكنه أخلد إلى الأرض، أي: ترامى إلى شهوات الدنيا، ورغب فيها، واتبع ما هو ناشئ عن الهوى. وجاء الاستدراك هنا تنبيهاً على السبب الذي لأجله لم يرفع ولم يشرف، كما فعل بغيره ممن أوتي الهدى فآثره وأتبعه. وأخلد معناه: رمى بنفسه إلى الأرض، أي: إلى ما فيها من الملاذ والشهوات، ويحتمل أن يريد بقوله أخلد إلى الأرض، أي: مال إلى السفاهة والرذالة، كما يقال: فلان في الحضيض، عبارة عن انحطاط قدره [تفسير البحر المحيط 4/345]
نحن على يقين راسخ أن كل إنسان على هذه الأرض لديه أصل الإرادة، وهي كنز مدفون بداخله، ولكن الفرق بين شخص وآخر هو: القدرة على أخراج هذا الكنز واستثماره، أو فناؤه واندثاره.. وهذا هو السؤال الموجه لكل ضعيف الإرادة: من طعن إرادتك التي بداخلك؟؟
يقول د.هلميستر: «إن ما تصنعه في نفسك سواء كان سلبيًا أو إيجابيًا ستجنيه في النهاية».. إنك بنفسك قد تضيف السلبية وضعف الإرادة إليك، فقد ترى بعض الناس يقومون بإرسال إشارات سلبية لعقلهم الباطن؛ «أنا لا أستطيع»، «أنا لا أحب»، «أنا خجول».. ولذلك تصبح هذه الإشارات بعد ذلك اعتقادًا جازمًا داخلهم، وهذا يؤثر على تصرفاتهم بعد ذلك.
في أحد الجامعات في كولومبيا، حضر أحد الطلاب محاضرة مادة الرياضيات، وجلس في أخر القاعة، ونام بهدوء، وفي نهاية المحاضرة أستيقظ على أصوات الطلاب، ونظر إلى السبورة، فوجد أن الدكتور كتب عليها مسألتين، فنقلهما بسرعة، وخرج من القاعة، وعندما رجع إلى البيت، بدء يفكر في حل هاتين المسألتين.
كانت المسألتان صعبتين، فذهب إلى مكتبة الجامعة، وأخذ يطالع المراجع اللازمة، وبعد أربعة أيام أستطاع أن يحل المسألة الأولى، وهو ناقم على الدكتور الذي أعطاهم هذا الواجب الصعب !!
وفي محاضرة الرياضيات اللاحقة، أستغرب أن الدكتور لم يطلب منهم الواجب، فذهب إليه، وقال له: يا دكتور، لقد استغرقت في حل المسألة الأولى أربعة أيام، وحللتها في أربعة أوراق.. تعجب الدكتور، وقال للطالب: ولكني لم أعطيكم أي واجب !!والمسألتان التي كتبتهما على السبورة هي أمثلة للمسائل التي عجز العلم عن حلها !!
إن هذه القناعة السلبية جعلت الكثير من العلماء لا يفكرون حتى في محاولة حل هذه المسألة، ولو كان هذا الطالب مستيقظا وسمع شرح الدكتور، لما فكر في حل المسألة، ولكن رب نومه نافعة.. ومازالت هذه المسألة بورقاتها الأربعة معروضة في تك الجامعة.
في حياتنا توجد كثير من القناعات السلبية، التي نجعلها شماعة للفشل.. فكثيراً ما نسمع كلمة: « مستحيل، صعب، لا أستطيع.. » وهذه ليس إلا قناعات سالبة ليس لها من الحقيقة شيء.. والإنسان الجاد يستطيع التخلص منها بسهولة، فلماذا لا نكسر تلك القناعات السالبة بإرادة من حديد، نشق من خلالها طريقنا إلى القمة؟
قبل خمسين عاما، كان هناك اعتقاد بين رياضي الجري، أن الإنسان لا يستطيع أن يقطع ميل في أقل من أربعة دقائق، وأن أي شخص يحاول كسر الرقم سوف ينفجر قلبه !!
ولكن أحد الرياضيين سأل: هل هناك شخص حاول وأنفجر قلبه؟ فجاءته الإجابة بالنفي !!
فبدأ بالتمرن، حتى أستطاع أن يكسر الرقم، ويقطع مسافة ميل في أقل من أربعة دقائق.. في البداية ظن العالم أنه مجنون، أو أن ساعته غير صحيحة، لكن بعد أن رأوه صدقوا الأمر، واستطاع في نفس العام أكثر من مائة رياضي أن يكسر ذلك الرقم!!
بالطبع القناعة السلبية هي التي منعتهم أن يحاولوا من قبل، فلما زالت القناعة استطاعوا أن يبدعوا..
وهناك نموذج آخر لقتل الإرادة في النفس يفعله الكثير، فتجده يقول: «أنا أرغب في التغيير، ولكن لا أستطيع»، وللأسف فإن الكلمة «لكن» تمحو جميع الإشارات الإيجابية التي سبقتها، فلا يبقى من كلامنا إلا هذه الكلمة السلبية التي تلي كلمة «لكن»، وهنا يصبح محصلة خطابك لنفسك هو: «أنا لا أستطيع».
إن أولى خطواتك من أجل إيقاظ الإرادة بداخلك، أن تكون فطنا.. يجب أن تعرف من أين أتى هذا السهم الذي قتل إرادتك؟ من جعل في داخلك هذه السلبية؟ من غير فطرتك التي فطرك الله عليها؟! وعندما تجد كل هذه الإجابات تكون قد وضعت قدمك على أول الطريق، وبعد ذلك من السهل أن تخطو الخطوات الأولى لبناء إرادتك، ولكن تذكر.. يقول أرست هولمز: «أفكاري تتحكم في خبراتي، وفي استطاعتي توجيه أفكاري».
لذا إذا أردت أن تؤثر فلابدّ أن تفكّر بعقل ومنطق، وتتخذ الأدوات والوسائل التي توصلك إلى التأثير الذي تريد، أما أن تجلس مكتوف اليدين، وتفعل كما كنت تفعل من قبل، وتمتنع عن القيام بأي شيء جديد ومؤثّر، ولا تجتهد في تغيير واقعك، فأنى لك أن تحصد الثمر الذي تحب ولم تزرع منه شيئاً، ذلك: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد:11].
وفي هذا يقول (أينشتاين): «من السذاجة أن تعمل نفس الشيء بنفس الطريقة ثم تريد نتائج مختلفة».
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، يقول صاحب الظلال: (الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه، ويتصلوا به.. الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا، فلم ينكصوا ولم ييأسوا.. الذين صبروا على فتنة النفس، وعلى فتنة الناس.. الذين حملوا أعباءهم، وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب.. أولئك لن يتركهم الله وحدهم، ولن يضيع إيمانهم ولن ينسى جهادهم.. إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم، وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم.. وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم، وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء)
ولو تأملنا حقيقة حال المؤثرين لوجدناهم أشخاصاً تغلبوا على جوانب النقص في حياتهم بينما استسلم لها الآخرون، وهل لذة الحياة إلا في إعمال العقل وبذل الجهد حتّى يتحقق للإنسان مراده.
يُحكى أن أنثى غراب جلست على ظهر خروف، فراح يتنقل بها فترة طويلة جيئة وذهاباً على غير إرادة منه، وأخيراً قال لها: لو أنك عاملتي كلباً بهذه الطريقة للقيتِ ما تستحقين من أنيابه الحادة. فردّت أنثى الغراب على ذلك بقولها: إنني أحتقر الضعيف، وأستسلم للقوي، وأعرف من أستطيع أن أتنمَّر عليه، ومن يتعيَّن عليَّ أن أتملقه، وبذلك آمل من أطيل عمري وأستمتع بحياة طيبة.
يا بني .. دع الضحك وابدأ الحياة - يا بني .. دع الضحك وابدأ الحياة - يا بني .. دع الضحك وابدأ الحياة - يا بني .. دع الضحك وابدأ الحياة - يا بني .. دع الضحك وابدأ الحياة
يا بني .. دع الضحك وابدأ الحياة
منى الشهري سوط حريري/ صحيفة الخليج الإلكترونية
21 ربيع الثاني, 1438
ربما تكتفي بقراءة العنوان لتلخص فيه مرادي وتتخذ قرارك بمواصلة الضحك ..اضحك ساخرا مني ، اضحك معاندا لي ، مصدقا لمن أقنعوك أن من يحاولون إيقاف ضحكك هم أعداء السعادة والمرح ، أعداء الفرح والضحك !!
اضحك من أعماق قلبك كما تشاء يا بني ، لكن أرجوك امنحني فرصة أهمس في أذنك بكلماتي هذي ، اسمعها للنهاية ثم اضحك يا بني بعدها إن شئت أن تضحك ، أو باﻷصح إن استطعت أن تضحك.
بداية دعني أعرفك بما أعنيه بمصطلح الضحك ..أنا لا أعني ذاك الصوت الخارج من حنجرتك الذي يحيل لون وجهك للأحمر وينفض جسدك كما لو صعقته الكهرباء ويجري دمع عينيك ..لكني أعني بضحكك فلسفة حياتك ، التي جعلت من الضحك فيها رسالة وهدفا ودافعا ووسيلة ، تنفق المال لتضحك ، تهجر اﻷهل لتضحك ، تترك العلم لتضحك ، تبحث عن البيئة التي تطلق فيها ضحكاتك ، وتنتعش أكثر وأكثر مع الظروف التي تعلو فيها هذه الضحكات .
إنني أتحدث عن مستنقع السخف الذي غاصت فيه أقدامك ، وتاهت فيه أحلامك وسقطت فيه مقومات قوتك وأعمدة مستقبلك ..
أرجوك يا بني .. حرر نفسك قليلا من هذا المستنقع أبطل مفعول الضحك لتفهم قولي .. فلم يعد وضعك يحتمل الصمت ..
انظر كيف يتوجه لك العالم كله بخططه وتقنياته وبرامجه ووسائله وأمواله لتظل ضاحكا غافلا لاهيا ..ثم يتجاهلك جريحا طريدا شريدا مقهورا ضائعا !!
يا بني ..ألم تدرك بعد أن العالم ينقل صور اﻷطفال والنساء والشيوخ في معرض زيفه وكذبه ، وهم يسقطون ضحية مكره ونتيجه تآمره .. وأنت ..أنت ..أيها الشاب لا يلتفتون لك حتى في سياق مشاعرهم الكاذبة .. مع أنك أكثر من يصطلي بويلات الحروب ويتألم من ضياع اﻷوطان ..أكثر من يدرك معنى القهر ..تموت من سم القهر والهوان أكثر مما يموت البقية جوعا وقتلا وخوفا ..
إن ألمك أنت يفوق ألم اﻷطفال الذين فقدوا أطرافهم ..ألمهم لحظي لكن ألمك أعمق .. إن قهرك أنت يفوق قهر الفتيات اللاتي انتهكت أعراضهن ..قهرهن ضعف وقهرك هوان وذلة .. إن خوفك أنت يفوق خوف الشيوخ الذين ضاعت أوطانهم وهدمت بيوتهم ..أتعلم لماذا ؟ إنهم يوشكون على فراقها فقد شارفت أعمارهم على الانتهاء وما انقضى من ماضيهم أكثر بكثير من مستقبل قليل ينتظرهم لا يستحق عناء التفكير به فضلا عن بنائه.. أما أنت .. فتفقد مستقبلك وموطنك وبيتك الذي يحتضن أحلامك ويؤوي كرامتك ..
أيها الشاب .. باختصار ..أنت صفر بالمئة في ميزان اﻹنسانية ..صفر في إحراز التعاطف العالمي لن تحظى حتى ببيت شعر ولا أغنية تبكي حالك رغم أنك اﻷكثر ألما .
في المقابل .. أنت اﻷعلى أملا .. واﻷكثر مسؤولية ..عليك تقع مسؤولية المقاومة والدفاع والإسعاف .. لا يرحمك العالم عندما تصاب ، عندما تجوع ، عندما تخاف .. ولا يرحمونك بل ولا ترحم نفسك عندما لا تتجاهل جراحك لتضمد جرح شيخ ، ولا تكف اللقمة عن فيك وأنت جائع لتطعم بها طفلا ، ولا تتمرد على خوفك لتنتزع امرأة من رهبة المخاوف .
يقدمك أهلك لمواجهة المحن ولا يمكن أن يستعيضوا عنك بغيرك من النساء واﻷطفال والشيوخ ، ويحرص كل الحرص أعداؤك على تحييدك ومنعك من تقدم الصفوف .. نعم أعداؤك .. أولئك الذين رعوك منذ نعومة أظفارك لتنشأ ضاحكا وتظل ضاحكا وتموت ضاحكا ، وصرفوا لذلك أموالهم وجهودهم المنظمة .
باختصار يا بني ..أنت تحتل اهتمام أعدائك بنسبة 100 بالمئة ، تحتل آمال أهلك بنسبة 100 مائة .
بالله عليك .. مالذي يضحك يا بني في عالم هذا حاله .. وأنت في موقع هذا وصفه وعلى عاتقك هم هذا حجمه !!
ربما ﻷنك لا زلت آمنا في بلدك ، ربما لم تر بعد أخواتك يُغتصبن ويُؤذين ، ربما لم تشهد موت أخيك الصغير جوعا ، لم تشهد بكاء أبيك قهرا ..
لقد غطى صوت ضحكاتكم على وقع أقدام أعدائنا حتى وصلوا لقعر بيوتنا.. افهم يا بني .. فما أسهل إفهامك في عصر يسوق لك الشواهد .
وإن اخترت أن تستمر في ضحكك ، فدعني أقطع ضحكاتك بحقيقة لن تختلف معي عليها .. فلا زالت سنّة الموت تتحقق فيكم ..تخطف أمانيكم ..تباغت أمنكم ..خبرني عن بلد .. عن زمن .. عن ظروف ؛ تغلب فيها الشباب على سنّة الموت !!
ألم يخطفكم بالسيارات ..باﻹيدز ..بالسرطان.. ألم يصرعكم قتلا وفتنة وتهورا !!
دعك ممن يريدونك أن تحيا ضاحكا وأنت تتوقع ما يبكيك في أي لحظة ولا تملك معرفته ولا تجنبه ولا تقوى على مواجهته .. مجهول لك موعده ووسيلته ..
بل دعك منا يا بني ..فنحن للأسف نشارك أعداءك في الجناية عليك ..دعك منا آباء وأمهات لم يوقظوك للصلاة .. لم يمنعوك من المحرمات .. لم يهيئوك للثبات .
دعك منا مجتمعا لا يلتفت إليك إلا وأنت ضاحك ، ويتجاهلك مبدعا تقيا صالحا ، ينطرح بين يديك جمهورا ليذكي سخفك ويؤجج ضحكك ويروج له ويشجعك على مواصلة الضحك .. وينفضّ عنك كلما استجمعت عقلك وقلصت ضحكك…
دعك منا وزارة تعليم تتخبط ـ على افتراض حسن النية فيها ـ لتنمي سخافتك ، وتحمي عقلك وقلبك مما ينغص عليك ضحكك ، وتمنحك من الهشاشة والفراغ ما تستثمر فيه مواهبك في الضحك .
دعك منا وزارة شؤون إسلامية غاصت في بيروقراطيتها ، وغرقت في هواجسها حتى قللت من فرص جذبك للخير وانتشالك من السخف .
دعك منا ..فأنت تضحك ونحن نفكر فيك كيف نزيدك ضحكا ..حتى قادنا تفكيرنا لنرفهك بالسينما والحفلات الغنائية ..وترقّب المزيد منا يا بني ..فضحكك غايتنا ..
دعك منا ..فقد بلغت الهشاشة عمق المؤسسات الدعوية وصار من أهدافها إضحاكك بقالب شرعي حتى لا يقال عنها أنها قصرت في إضحاكك .
دعك منا فقد كست قشور الدعوة لب السخف بمسمى اﻷنشطة الدعوية والبرامج اﻹعلامية المحسوبة عليها .
دعك منا بني .. فنحن نحسن التسلط على من يؤثر فيك ويوشك أن يوقظك ..نشغله بالنقد ..بالتجريم .. نغلق عليه اﻷبواب ولا نتيح له الفرص .. ننافسه عليك .. وننتصرعليه بإضحاكك .
ثم في أحسن أحوالنا يا بني ..نعظ بموتك اﻵخرين وكم قصرنا في وعظك وأنت حي.
يا بني .. إننا مؤاخذون على تقصيرنا فيك ..لكن مؤاخذة الله لنا لن ترفع عنك المؤاخذة .
لن ندفع عنك من عذاب الله شيء إن حل عليك في دنياك أو في آخرتك .. نشاركك العقوبة دون أن نخففها عنك .
ستتجرع معنا بل أكثر منا سم تسلط اﻷعداء لا سمح الله ، وستواجه ربك كما سنواجهه نحن .
يا بني ..إن لم يخبروك عن لذة اﻹيمان التي تجد فيها ما يوقظك من اللهث وراء المضحكات ..فابحث عنها في سجدة لله ، في طوافك حول الكعبة ..جرب أن تنتظر موعدا يتكرر كل ليلة وترقب نزول ربك للسماء الدنيا وناجه .. وقل يا رب اهدني إليك فقد أضلني الناس .. جرب.. فثم عالم لو ولجته .. لندمت على كل موعد فوته .
يا بني.. ابحث عن الرحمة والاهتمام والصدق في سيرة رجل اشتاق ليراك ، حرموك أن تعيش أجمل لحظات حياتك في مدرسته ، اذهب أنت يا بني وقلب سيرته ، فلن تجد من يفهمك غيره .. ويصدقك غيره .. وينقذك غيره .
اقرأ عنه وعش في رياض سيرته ، ستجده معك في كل منعطف في حياتك يهديك رشدا أن تُهت ، ويمنحك عزاء إن حزنت ، ستجده في يوم قريب آت لا محاله ينتظرك عند الصراط المستقيم .. احرص يا بني على أن تلقاه في الجنة صلى الله عليه وسلم .
يا بني .. توقف عن الضحك فصوتك داعيا لربك تاليا لكتابه متمتما بذكره أعذب لك ولمن حولك من الضحك .. توقف عن بحثك وجريك واجتهادك في طلب المضحكات فهمة العلم وحماية اﻷوطان ومكافحة الفساد وإصلاح للمجتمع أولى بك وأنت أولى بها .
أخيرا .. أريد أن أخبرك بمهمة أخرى عظيمة .. أنت لست فقط من يستطيع حماية الأوطان ودحر اﻷعداء وانقاذ نفسك في الاخرة ..بل أنت الوحيد الذي يستطيع إيقاف ضحك من حولك من الشباب ..صوتنا ليس مسموعا لهم كصوتك أنت ..
أرجوك يا بني خذ موقعك.. ودع الضحك. .وابدأ الحياة .
مع الشيخ أحمد السالك رحمه الله - مع الشيخ أحمد السالك رحمه الله - مع الشيخ أحمد السالك رحمه الله - مع الشيخ أحمد السالك رحمه الله - مع الشيخ أحمد السالك رحمه الله
مع الشيخ أحمد السالك رحمه الله
وائل علي البتيري
السبيل
حضر في ذهني فضيلة الشيخ أحمد السالك الشنقيطي رحمه الله تعالى.. وطافت بي الذكريات، وأخذني الحنين إلى بعض المواقف المعبّرة التي وقعت بيني وبين الشيخ، على قلتها وقلة ملازمتي له.
ومنها أنني ذات مرة؛ اتصلت بالشيخ واستأذنته بأن يسمح لي ولبعض الإخوة بمجالسته في مسجده بعض صلاة المغرب، لطرح بعض الأسئلة عليه. فرحّب كعادته جزاه الله خيراً.
فذهبت إلى الشيخ ومعي ما يقرب من 30 شخصاً، ولما تحلّقنا حوله بعد الصلاة؛ فوجئ الشيخ بهذا العدد، وأخذ ينظر إليّ والحياء يميل بلون وجنتيه إلى الحمرة، ويقول هازاً رأسه: "الله يهديك.. الله يهديك" دعاء المعاتب اللائم، إذ إنه كان يخشى أن يقع في قلبه بسبب هذه المجالس عُجبٌ، أو ميلٌ لأن يشار إليه بالبنان..
وكان الشيخ كلما أنهى إجابة سؤال؛ نظر إليَّ مرة أخرى وقال: "الله يهديك.. الله يهديك".. وهكذا يكررها.. أما أنا فكنت أبتسم ابتسامة الظافر بأجر المجلس وإنْ كان على غير رغبته، رحمه الله وغفر له.
وإن المرء ليشعر بالامتعاض والحزن الشديد؛ كلما قارن بين ورع الشيخ، وبين انتفاش وانتفاخ كثير من مشيخة اليوم، الذين أزروا أنفسهم بحبهم لذاتهم، وثنائهم على أنفسهم، واحتقارهم للآخرين، على قلة بضاعة في الخلق والأدب والسمت. والله المستعان!
- وأذكر أنني حينما كنت أعمل سكرتير تحرير لمجلة "القِبلة" الصادرة عن جمعية الكتاب والسنة؛ اتصلت بالشيخ وطلبتُ منه أن يكتب مقالة لنشرها في المجلة، وكان هذا في عام 2003، فقال الشيخ: أرجو أن تعذروني.
فقلت له: لكم يا شيخنا كل العذر، ولكن لماذا اعتذرتم عن ذلك؟
قال: اعذرني وكفى.
فقلت: طيب يا شيخ هل يمكن أن نسألك بعض الأسئلة الفقهية، وننشر إجاباتك عليها في زاوية خاصة بالفتوى.
فقال: أنا لا أحب أن يُذكر اسمي في أي وسيلة إعلامية.
فقلت له: خلاص يا شيخ.. فهمت عليك، جزاك الله خيراً وتقبل منك.
بالتأكيد؛ ربما يختلف كثيرون مع الشيخ، وأنا أيضاً لم أستوعب موقفه الرافض لأن يكون له ذكرٍ في وسائل الإعلام، ولكني حينما رأيت تسابق كثير من مشايخ اليوم للظهور على وسائل الإعلام، حباً لشهرة تافهة، أو رغبة في مال فانٍ، أو ليتخذوا من ذلك سلّماً لإرضاء الطغاة والمحاماة عنهم؛ أيقنت أن الشيخ رحمه الله إنما كان يريد النجاة بنفسه من أمراض أهلكت كثيراً من مشايخ اليوم، إدراكاً منه لعُسْر الثبات في طريق الشهرة، وتعاظم الفتنة عند الظهور الذي يتبعه مديح وتبجيل!
وما زلتُ أقول: إنك قد تخالف الشيخ فيما ذهب إليه، ولكنه في نظري مصيبٌ إذا كان قد غلب على ظنه - وهو مَن هو - أن قدمه ستزل في غمرة سلوكه هذا السبيل.. وإن تمنّعه حينذاك؛ خيرٌ ألف مرة من إقدامٍ عاقبته الخسران المبين.
- وحضرت مرة مجلساً للشيخ في مسجده، ومعي مجموعة غالبيتها من الشباب المبتدئين في طلب العلم، وطلبت من الشيخ في آخر المجلس أن ينصحنا ببعض الكتاب الهامة كي نقرأها ونفيد منها، فذكر الشيخ عدة كتب ختمها بـ"إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي رحمه الله، فقلت له: لو أنك تلفت انتباه إخواننا إلى وجود أحاديث موضوعة وضعيفة في "الإحياء" فضلاً عن بعض الشطحات الصوفية!
فقال الشيخ رحمه الله: لا داعي لذلك البتة.
وهذا الجواب من الشيخ ظلّ يرافقني طيلة سنوات؛ كلما تذكرت الشيخ؛ تذكرت جوابه، ولم أكن أستطيع أن أفسره وهو الصادر عن الشيخ المعروف بـ"سلفيته" !!
ربما خشي الشيخ إنْ حذر هؤلاء الطلبة مما في "الإحياء" من هنات؛ أن يُعرضوا عنه، فأعرَضَ هو عن هذا التحذير تأكيداً منه على أهمية قراءة هذا الكتاب، والاستفادة مما فيه من فوائد جمة و"خير كثير" كما قال الذهبي في "السير" (339/19)، وذلك قوله رحمه الله: "أما الإحياء؛ ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب، ورسوم، وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علما نافعاً".
- ومرةً بعد صلاة الجمعة؛ جرى نقاش بيني وبين أحد خطباء الأحباش "أتباع عبدالله الهرري الحبشي" حول بعض المفاهيم والتعبيرات التي طرحها في خطبته، وحينما حار هذا الخطيب جواباً على بعض أسئلتي؛ قال: "إذا رغبتم أحضرت لكم مشايخي وتناقشتم معهم".
وكان أحد تلاميذ الشيخ أحمد السالك حاضراً، فقال له: "تعال أنت ومشايخك بعد صلاة المغرب من يوم كذا في مسجد السالك، لتناقشوا الشيخ أحمد بما رغبتم"، فوافق الخطيب.
بعد أيام؛ ذهبت إلى الموعد المتفق عليه، ولكن "الأحباش" لم يحضروا، فشرفت وبعض الإخوة بالجلوس مع الشيخ أحمد السالك، وطرح أحدهم بعض الأسئلة عن معتقدات الأحباش، وكان يعرض بعض عقائدهم التي تتوافق مع المعتقد الأشعري، وكان الشيخ السالك في كل مرة يتأول للأشاعرة، ويلتمس لهم العذر، ويرفض أن يُشنَّع عليهم كما يفعل أكثر السلفيين اليوم.
وهذا من سديد فقه الشيخ رحمه الله، فقد كان يدرك أن الأفهام تتفاوت، وأن النصوص تحتمل، وأن الأجر والعذر معقودان لكل مجتهد، سواء كان اجتهاده في المسائل العلمية أو العملية.
أما "الأحباش" فلهم قصة أخرى، وهي أنهم يكفّرون مخالفيهم، ويشنعون عليهم أيما تشنيع، وذلك لأنهم حُرموا الفهم الذي منّ الله تعالى به على الشيخ السالك رحمه الله. نسأل الله الهداية للجميع.
خير ما اكتنز الناس.. - خير ما اكتنز الناس.. - خير ما اكتنز الناس.. - خير ما اكتنز الناس.. - خير ما اكتنز الناس..
خير ما اكتنز الناس..
د.خالد سعد النجار
عن أبي أمامه -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك، خير ما اكتنز الناس) (1)
كلمات إيمانية تكتب بماء الذهب، وأحاديث محمدية كالواحة الغناء، يشعر ساكنيها أنهم في سكينة وروحانية، لذتها تفوق كل لذة، ويتعجبون من هؤلاء المعرضون عن هذا الخير، أو من الباحثين عن طريق النجاة ذات اليمين وذات الشمال، وهو أمامهم في كتاب ربهم وهدي نبيهم.
القلب الشاكر(2)
القلب الشاكر قلب عامر بالإيمان، خال من أدران الشرك والمعاصي، ولأن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر. كان الشكر من أجل المقامات، وقد أمر الله عباده به، ونهى عن ضده، فقال تعالى: {وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل:114] وقال تعالى: {وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة:152]
وقسم سبحانه وتعالى الناس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحب الأشياء إليه الشكر وأهله، فقال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3]
كما قرن الشكر بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به، فقال جل ذكره: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً} [النساء:147]
بل جعله الله تعالى غاية خلقه وأمره، فقال تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] وقال: {وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:17]
وأخبر سبحانه أن رضاه في شكره، فقال تعالى: {وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7]
وأن أهل الشكر هم المخصوصين بمنته عليهم من بين عباده، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:53]
وأثنى جل شأنه على أهل الشكر، ووصف به خواص خلقه، فقال تعالى في إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ} ]النحل:120-121] وقال عن نوح عليه السلام: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} [الإسراء:3] وفي تخصيص نوح ها هنا
بالذكر، وخطاب العباد بأنهم ذريته، إشارة إلى الإقتداء به، فإنه أبوهم الثاني، لأن الله تعالى لم يجعل للخلق بعد الغرق نسلا إلا من ذريته، فأمر الذرية أن يتشبهوا بأبيهم في الشكر، فإنه كان عبدا شكورا.
واشتق تبارك وتعالى لأهل الشكر اسما من أسمائه، فإنه سبحانه هو الشكور، وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره، بل يعيد الشاكر مشكوراً، فالشكر هو غاية الرب من عبده، وأهله هم القليل من عباده، وهم خواصه، فقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]
فمن يشكر الله فقد عبده حق العبادة، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته تعالى، {وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]
ولعظم مكانة الشكر كان هدف إبليس الأول هدمه في نفوس العالمين، فقال تعالى إخبارا عن إبليس اللعين: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16] قيل هو طريق الشكر {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17]
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام حتى تورمت قدماه، فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: (أفلا أكون عبدا شكورا) (3)
وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده، وقال: (يا معاذ، إني والله لأحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) (4)
وعنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها) (5) فكان هذا الجزاء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء، كما قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72] في مقابلة شكره بالحمد.
والشكر قيد النعم وسبب المزيد، كما قال عمر بن عبد العزيز: "قيدوا نعم الله بشكر الله عز وجل" (6)
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال لرجل من همزان: "إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد" (7)
وكان أبو المغيرة إذا قيل له كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: "أصبحنا مغرقين في النعم، عاجزين عن الشكر، يتحبب إلينا ربنا وهو غني عنا، ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون" (8)
وعن سفيان في قوله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [القلم:44] قال: "يسبغ عليهم النعم، ويمنعهم الشكر" وقال غيره: "كلما أحدثوا ذنبا، أحدث لهم نعمة". (9)
وحقيقة الشكر هي: ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة. ولابد أن يكون فرح العبد بنعمة الله تعالى من حيث إنه يقدر بها على التوصل إلى
القرب منه تعالى، والنزول في جواره، والنظر إلى وجهه على الدوام، وأمارته أن لا يفرح من الدنيا إلا بما هو مزرعة للآخرة ويعينه عليها، ويحزن بكل نعمة تلهيه عن ذكر الله تعالى وتصده عن سبيله، لذلك قال أحد العلماء: "شكر العامة على المطعم والمشرب والملبس وقوت الأبدان، أما شكر الخاصة فعلى التوحيد والإيمان وقوت القلوب".
عن أبي أمامه -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك، خير ما اكتنز الناس)
والشكر مبني على خمسة أركان هي (10): اعتراف العبد بنعمته تعالى، وخضوع الشاكر للمشكور، وثناؤه عليه بها، وحبه له، وأن لا يستعملها فيما يكره.
«اعتراف العبد بنعمته تعالى» هو ركن الشكر الأعظم الذي يستحيل وجود الشكر بدونه، فكثير من الناس تحسن إليه وهو لا يدري، فلا يصح من هذا الشكر، فلا تأتي من العبد حقيقة الشكر إلا باعترافه وإقراره أن كل النعم منه تبارك وتعالى، فإن خالجه ريب في هذا لم يكن عارفا لا بالنعمة ولا بالمنعم، بل إنه بمجرد إقراره بأن النعم كلها منه جل وعلا يجعله في مصاف الشاكرين، كما قال داود عليه السلام: "يا رب، كيف أشكرك وشكري لك نعمة علىَّ من عندك تستوجب بها شكرا" فقال: "الآن شكرتني يا داود" (11)
ويتبع ذلك الركن «خضوع الشاكر للمشكور» بأن يظهر الفقر والفاقة إلى تلك النعمة، ويكون على يقين بأن وصولها إليه بغير استحقاق منه ولا بذل ثمن، بل يرى نفسه فيها كالطفيلي، كما قال حمدون القصار: "شكر النعمة أن ترى نفسك في الشكر طفيلياً"، وقال الجنيد: "الشكر أن لا ترى نفسك أهلاً للنعمة" (12)
ويتبع ذلك الركن «ثناء العبد على الله بهذه النعمة» وهو نوعان: ثناء عام، وخاص، فالعام وصفه تعالى بالجود والكرم والبر والإحسان وسعة العطاء ونحو ذلك، أما الخاص فهو التحدث بنعمته جل وعلا والإخبار بوصولها إليه من جهته، كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]، والثناء يلزم «المحبة» إذ لا يمكن أن يتحقق بدونها.
أما الركن الخامس فهو الذي به كمال الشكر وتمامه، ألا هو: «استعمال نعم الله تعالى في طاعته، والتوقي من الاستعانة بها على معصيته».. قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين يا أبا حازم؟ فقال: "إن رأيت بهما خيرا أعلنته، وإن رأيت بهما شرا سترته" قال: فما شكر الأذنين؟ قال: "إن سمعت بهما خيرا وعيته، وإن سمعت بهما شرا دفعته" قال: فما شكر اليدين؟ قال: "لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقا لله هو فيهما" قال: فما شكر البطن؟ قال: "أن يكون أسفله طعاما، وأعلاه علما" قال: فما شكر الفرج؟ قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج:29- 30] قال: فما شكر الرجلين؟ قال: "إن علمت ميتا تغبطه استعملت بهما عمله، وإن مقته رغبت عن عمله، وأنت شاكر لله" (13)
وأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه، فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه، فما نفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر.
اللسان الذاكر
أما اللسان الذاكر فقد حاز صاحبه الخير كله، لأن الذكر هو المنزلة الكبرى التي منها يتزود العارفون وفيها يتجرون وإليها دائما يترددون، وهو منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب العارفين التي متى فارقتها صارت الأجساد لها قبوراً وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الطريق ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب والسبب الواصل والعلامة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب.
به يستدفعون الآفات ويستكشفون الكربات وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلهم البلاء فإليه ملجؤهم وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون، يدع القلب الحزين ضاحكا مسرورا ويوصل الذاكر إلى المذكور بل يدع الذاكر مذكورا، وفي كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة والذكر عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة بل هم يؤجرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال قياما وقعودا وعلى جنوبهم، فكما أن الجنة قيعان وهو غراسها فكذلك القلوب بور خراب وهو عمارتها وأساسها.
والذكر باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته.. قال الحسن البصري: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق (14)
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟) قالوا بلى يا رسول الله. قال: (ذكر الله) (15)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: (سبق المفردون) قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: (الذاكرون الله كثيرا والذاكرات) (16)
وعن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإيمان قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به. فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى) (17)
· فكفاك يا من تطمع في الحسنات أن تتشبث بهذا الحديث الكريم حيث يقول -صلى الله عليه وسلم-: (أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟) فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: (يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة) (18)
· وكفاك يا من أثقلت الذنوب كاهله وتسلط عليه الشيطان أن تلزم العمل بهذا الحديث حيث يقول -صلى الله عليه وسلم-: (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر) (19)
· وكفاك يا من ترغب في الخير أن تكون من أهل هذا الحديث، فعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن أعرابياً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله علمني كلمات أقولهن. قال: (قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم) قال: فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: (قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني) فلما ولى الأعرابي قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لقد ملأ يديه من الخير) (20)
· وكفاك يا من تعلقت نفسه بالجنة قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) (21)
فالذكر حقاً كنز الدنيا كما هو كنز الآخرة أيضا.. فعن أبى موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟) فقلت: بلى يا رسول الله. قال (قل: لا حول ولا قوة إلا بالله) (22)
والخير في هذا الجانب كثير وكثير ولولا خشية الإطالة لامتد الحديث صفحات وصفحات.
الزوجة الصالحة
أما الزوجة الصالحة فهي خير المتاع الذي من حرمه فقد حرم السعادة في الدنيا والآخرة، لأن أثر الصحبة الصالحة في تهذيب النفس أمر لا ينكره إلا معاند، فالطبع لص كما يقولون تؤثر فيه سلوكيات المخالطين سلبا وإيجابا، ولذلك كان اختيار الرفيق قبل الطريق سمة العقلاء، فما بالك برحلة تمتد العمر كله.
والزوجة الصالحة التي تعرف حق الله تعالى أجدر أن تعرف حق الزوج، لأن رضا الله تعالى من رضاه وسخطه تعالى من سخطه، فتجدها تتفقد مواطن راحة زوجها بالعناية، وتبتعد عن كل ما يكرهه، فإذا خرج للعمل هتفت به قائلة: "اتق الله فينا، فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على تبعات اللقمة الحرام" ثم إذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله وولده، فشتان بينها وبين من هي في سخط دائم على أقدارها وزوجها وأولادها، وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الدنيا متاع، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة) (23)
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة من السعادة، وثلاثة من الشقاء، فمن السعادة: المرأة الصالحة تراها فتعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة [أي هنية سريعة المشي سهلة الانقياد]، فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفاً [بفتح القاف أي بطيئة السير]، فإن ضربتها أتعبتك، وأن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق) (24)
وعن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي النساء خير؟ قال: (التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره) (25)
لذلك كان اختيار المرأة الصالحة من أهم الشروط التي وضعها الإسلام لبناء الأسرة الكريمة.. فعن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) (26)
ويوضح الغزالي في الإحياء منهج اختيار الزوجة فيقول:
أن تكون صالحة ذات دين، فهذا هو الأصل، وبه ينبغي أن يقع الاعتناء، فإنها إن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وفرجها، أزرت بزوجها، وسودت بين الناس وجهه، وشوشت بالغيرة قلبه، وتنغص بذلك عيشه، فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنه، وإن سلك سبيل التساهل كان متهاوناً بدينه وعرضه، ومنسوبا إلى قلة الحمية والأنفة، وإذا كانت مع الفساد جميلة كان بلاؤها أشد، إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها (27)
وقال الأصمعي: "ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله تعالى بمثل منكح صدق، ولا وضع نفسه بعد الكفر بالله تعالى بمثل منكح سوء". (28)
فمن أنار الله بصيرته وأراد أن يسلك سبيل السعادة في الدنيا والآخرة لم يرض بالزوجة الصالحة بدلاً.
روي أن شريحا القاضي قابل الشعبي يوما، فسأله الشعبي عن حاله في بيته، فقال له: من عشرين عاما لم أر ما يغضبني من أهلي، قال له: وكيف ذلك؟ قال شريح: من أول ليلة دخلت على امرأتي رأيت فيها حسنا فاتنا، وجمالاً نادراً، قلت في نفسي: فلأطهر وأصلي ركعتين شكرا لله، فلما سلمت وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء، قمت إليها فمددت يدي نحوها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية، كما أنت، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأتركه، وقالت: إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم، ومن قومي من الرجال من هو كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، ولقد ملكت فاصنع ما أمرك به الله، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولك …!.
قال شريح: فأحوجتني - والله يا شعبي - إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد، فإنك قلت كلاما إن ثبت عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وكذا، واكره كذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها !.
فقالت: كيف محبتك لزيارة أهلي؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري، فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له، ومن تكره فأكره؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء، قال شريح: فبت معها بأنعم ليلة، وعشت معها حولا لا أرى إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، فإذا بفلانة في البيت، قلت: من هي؟ قالوا: ختنك - أي أم زوجك -، فالتفتت إلى، وسألتني: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة، قالت: يا أبا أمية إن المرأة لا تكون أسوأ حالاً منها في حالين: إذا ولدت غلاماً، أو حظيت عند زوجها، فو الله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المدللة، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب، فمكثت معي عشرين عاما لم أعقب عليها في شيء إلى مرة، وكنت لها ظالما. (29)
إن هذا الحديث ليحمل في طياته الدواء الناجع الذي نعالج به تلك المادية التي أصابتنا وحالت بيننا وبين السعادة الحقيقية وأضحى كل شيء يقوم بالمال وصار لسان حال الناس يقول (من معه قرشاً يساوي قرشاً) فسادت حياتنا أزمات ونكبات لن تحل إلا بالعودة إلى نور النبوة.
------------
[SIZE="3"]
الهوامش والمصادر
(1) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة. ج4 ص 104 برقم 4430(صحيح) انظر حديث رقم: 4409 في صحيح الجامع للسيوطي. تحقيق الألباني، ورواه ابراهيم بن محمد الحسيني في البيان والتعريف ج2 ص 132 ط دار الكتاب العربي وعزاه للبيهقي
(2) انظر عدة الصابرين ــ لابن القيم ص 93 ــ الباب التاسع عشر في أن الصبر نصف الإيمان والباب العشرون في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر.
(3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ابن حجر / كتاب تفسير القرآن باب 328 برقم 3859 عن المغيرة بن شعبه
(4) رواه النسائي / كتاب السهو برقم 1286، وأبي داود / كتاب الصلاة 1301، وأحمد / مسند الأنصار برقم 21103 بألفاظ متقاربة
(5) رواه مسلم عن أنس بن مالك / كتاب الذكر والدعاء برقم 4915
(6) شعب الإيمان / البيهقي ج4 ص 130 برقم 4546
(7) المصدر السابق ج 4 ص 127 برقم 4532
(8) حلية الأولياء للأصبهاني ج 6 ص 248
(9) حلية الأولياء / الأصبهاني ج 7 ص 7
(10) انظر مدارج السالكين لابن القيم ج2 ص244
(11) تفسير الجامع لأحكام القرآن / ط دار الشعب ج 9 ص343
(15) رواه الترمذي في سننه / كتاب الدعوات برقم 3299 (صحيح) انظر حديث رقم: 2629 في صحيح الجامع السيوطي / الألباني
(16) رواه مسلم ـ كتاب الذكر والدعاء برقم 4834
(17) رواه الترمذي ـ كتاب الدعوات برقم 3297 (صحيح) انظر حديث رقم: 7700 في صحيح الجامع
(18) رواه مسلم عن مصعب بن سعد عن أبيه ــ كتاب الذكر والدعاء برقم 4866
(19) رواه مسلم عن أبي هريرة ــ كتاب الذكر والدعاء برقم 4857
(20) رواه مسلم ــ كتاب الذكر والدعاء برقم 4862 والنسائي وابن ماجة قال الألباني في تحقيق الكلم الطيب: وليس في رواية (فلما ولى..) وإنما توجد في قصة أخرى من حديث عبد الله بن أبي أوفى
(21) رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود ــ كتاب الدعوات برقم 3384 (حسن) انظر حديث رقم: 3460 صحيح الجامع
(22) البخاري ــ كتاب المغازي برقم 3883، ومسلم واللفظ له ــ كتاب الذكر والدعاء برقم 4875
(23) رواه النسائي في سننه عن ابن عمرو. (صحيح) انظر حديث رقم: 2049 في ضعيف الجامع قال الألباني في صحيح ابن ماجه رقم: 1504 (صحيح).
(24) رواه الحاكم عن سعد (حسن) انظر حديث رقم: 3056 في صحيح الجامع.
(25) رواه النسائي ــ كتاب النكاح برقم 3179(صحيح) انظر حديث رقم: 3298 في صحيح الجامع
(26) البخاري ــ كتاب النكاح برقم 4700
(27) إحياء علوم الدين / الغزالي ج3 ص 345
(28) سير أعلام النبلاء ج5 ص 345
(29) أحكام النساء لابن الجوزي ص 134ـ 135 وأحكام القرآن لابن العربي
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (1)
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (1) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (1) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (1) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (1) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (1)
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (1)
د. محمد أبو صعيليك
كان الأستاذ حسني أدهم جرار رحمه الله تعالي قامة فكرية ودعوية كبيرة، ساهمت في مجالات التربية والتعليم والتوجيه والدعوة والثقافة في المنطقة العربية بشكل عام وفي فلسطين والأردن بشكل خاص، وتجلى هذا في:
1- انشغاله بالتدريس في فلسطين والأردن ودول الخليج في مختلف المراحل الدراسية.
2- العمل التربوي الدعوي الذي مارسه لمدة طويلة تقارب ستة عقود من عمره المبارك.
3- الانشغال بتأليف الكتب، حيث إنه قد ألف ما يقارب سبعين كتاباً، وهذه الكتب تصنف إلى الزمر التالية:
أ- كتب دعوية: أمثال القدوة في الدعوة، الدعوة الإسلامية.
ب- كتب تاريخية عامة: أمثال جبل النار.
ت- كتب تاريخية مختصة بالتاريخ لفلسطين: حيث ألف مجموعة من الكتب الدائرة في هذا الفلك ومنها:
1- صحابة مجاهدون في فلسطين. 2- نكبة فلسطين. 3- ثورة الشيخ عز الدين القسام 4-الشهيد الدكتور عبدالله عزام.. وغيرها.
أ. مذكرات: حيث كتب مذكرات شخصية له حيث صدر له: ذكريات الوطن والغربة: رحلتي مع الوطن والدعوة والتأليف.
وقد أسهم الرجل مع إخوة له في إعادة كتابة تاريخ فلسطين بنفس إسلامي (إسلامية فلسطين) وهذا جانب مهم في التاريخ لفلسطين لأنه:
1. يقرر إسلامية قضية فلسطين والتي ثبتت بالوحي عبر كتاب الله تعالى حيث فيه قول تعالى (سبحن الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصر).
وثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى فضل فلسطين عامة والمسجد الأقصى بشكل خاص.
2- يبني على هذا أن فلسطين ملك لجميع المسلمين، وهذا يتيح للشعوب الإسلامية فرصة الدفاع عنها، إذا لم يستطع أهل فلسطين ذلك، وهذا ما فهمه المسلمون في شتى فترات التاريخ حيث دافع عن فلسطين وحررها العرب من خارج فلسطين، والكرد المسلمون والترك والمغاربة والمصريون، ولم ير أحد من الناس أن هؤلاء يتدخلون في شأن ليس لهم.
3- وعلى هذا تصبح قضية فلسطين وتاريخها قضية عالمية لتقابل ذلك الكيد العالمي الذي به أخذ اليهود فلسطين فلا يرد ما فرط به العالم الظالم بوعوده وإجراءاته إلا بجهد عالمي ولا يتحقق ذلك إلا بالمناداة بإسلامية فلسطين تاريخاً ونضالاً وقضية في كل المحافل التي يمكن أن تعمل على إنصاف هذه القضية.
4- وفي هذا من رفع مكانة فلسطين وتاريخها ما فيه لأن المسلم يؤرخ لفلسطين ديانة، ويعمل لها عقيدة ويتجه قلبه إليها عبادة، وهذا كله لا يتحقق إلا بإسلامية قضية فلسطين وتاريخها بما يحقق لها حفظاً في النفوس، وقراراً في القلوب، ويلزم كل مسلم بأن يعرف عنها كما يعرف عن بلده، وإن شطت به الديار، وتباعدت عنه الأخبار.
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (2)
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (2) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (2) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (2) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (2) - دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (2)
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (2)
د. محمد أبو صعيليك
ولئن كان هذا حال هذا الرجل المؤرخ الذي سماه الدكتور القرضاوي: مؤرخ الدعوة، فهذه صفحات تبين دوره في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين، وهذا ما أشير إليه كما يلي:
- التآمر على التاريخ الإسلامي:
كان مما يلي به التاريخ الإسلامي في العصر الحديث أنه قد تخصص في الكتابة فيه أقوام ليسوا من أهل هذه الملة فقاموا بما يلي:
أ. تشويه مقاصد المسلمين في الفتوح: حيث وجد من يجعل الدافع الاقتصادي سبباً رئيسياً للفتوح الإسلامية كما فعل جون كلوب في كتابه الفتوحات العربية، وفيليب حتى في كتابه تاريخ العرب -المطول- وانضاف إليهم بعض الكتاب العرب، أمثال عبدالمنعم ماجد في كتبه عن قيام الدولة العربية، ونبيه عاقل في كتابه عن تاريخ العرب وسواهم، حتى وجدت هيئة لكتابة تاريخ المسلمين ببعد قومي في سوريا والعراق في عقد السبعينيات من القرن الماضي.
ب. تشويه صور أعلام المسلمين في التاريخ: كما فعل جرجي زيدان في رواياته وكتاباته التاريخية حيث صور هارون الرشيد الخليفة العباسي راقصاً ماجناً مع أنه كان يحج عاماً ويغزو عاماً، مما زهّد الناشئة في أمثال هؤلاء الكبار القادة والخلفاء.
ت. الخلط المتعمد في التعامل مع مصادر الثقافة والمعرفة والتاريخ الإسلامي، فنجد أن بعضهم ينقل وقائع تاريخية من كتب لا علاقة لها بالتاريخ، فقد تكون كتب أدب أو فكاهة أو لكتاب غير موثوق بهم، ويقال في ذلك بأن هذا تاريخ إسلامي وتاريخ لإعلام المسلمين كما فعل أبو رية المصري في كتاباته عن الحديث النبوي عامة وعن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه.
التآمر على القضية الفلسطينية:
- ولئن تآمر أعداء الأمة على التاريخ الإسلامي عموماً فقد تآمروا على تاريخ فلسطين وقضيتها وكان هذا التآمر من خلال ما يلي:
أ. ادعاء أن فلسطين عربية فقط/ وبالتالي فلا دخل لغير العرب من المسلمين بأجناسهم الكثيرة فيهان ويبقى على هذا ما يلي:
- حرمان المسلمين من غير العرب من شرف الجهاد في فلسطين، والعمل على حمياتها بزعم أن هؤلاء ليسوا عرباً وأن هذه القضية لا تخص إلا العرب فقط مع الناظر في فترات التاريخ الإسلامي والفلسطيني السابقة، يجد أن الذين تصدوا لحملات الصليبيين على فلسطين هم من غي العرب كالأكراد والأيوبيين والأتراك وسواهم.
- تعميق النظرة القومية إلى فلسطين فالعربي معني بفلسطين بغض النظر عن ديانته.
وهذا يقدم العربي المسيحي على المسلم غير العربي في الاهتمام بفلسطين وتاريخها، مع أن المسلم لا يحمله على حب فلسطين والجهاد لأجلها والكفاح عنها إلا دينه بينما الآخر تحمله قوميته فإذا تعارضت مع مصلحته الخاصة رمى بها وتناسى تلك القضية وأهلها ومسخ ذلك التاريخ وعند النظر في التاريخ الحديث نجد أن القومية العربية بشتى فروعها هي من أضاع القضية الفلسطينية وشوه صورتها عند الناس.
ب. أن فلسطين ملك لأهل الشام: وهم أهل سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وبالتالي فلا حق للعرب من أهل غير هذه البلاد في الدفاع عن فلسطين والاهتمام بتاريخها وهذا يحرم عرب كل من العراق والجزيرة العربية ومصر والسودان وباقي البلاد العربية من شرف الدفاع عن فسلطين، وبركة الجهاد فيها لأنها ليست لهم.
مما أفقد قضية فلسطين وتاريخها العمق العربي الكبير المتمثل في سكان تلك البلاد التي ادعي عدم اختصاصهم بها.
كما أفقدها القوة العربية الضاربة التي يمكن لها أن تساعد أهل فلسطين في الوقوف أمام الكيد العالمي الكبير الذي يسند اليهود ودولتهم الناشئة في فلسطين.
ت. أن فلسطين هي لأهل فلسطين فقط وعلى هذا فلا شأن لغير أهل فلسطين من العرب والمسلمين في قضية فلسطين، وليس لهم المطالبة بها ونصرة أهلها والدفاع عنها.
وقد حرم هذا فلسطين عمقها العربي والإسلامي وسهل للأعداء عملية ابتلاع فلسطين بغير حساب ودونما رقيب.
ث. أن فلسطين هي ملك لفصيل فلسطيني واحد متغلب ولم يقف الحال عند المصائب السابقة بل تعداه إلى ما هو أسوأ أو أضعف حيث حصر أم أمر فلسطين في اختصاص فصيل من أهل فلسطين قدر له أن يتغل على إدارتها. وبالتالي حرم المسلمون العرب وباقي فصائل أهل فسلطين من الاهتمام بها، والحديث عن مصيرها والجهاد في سبيل الله تعالى فيها.
وبني على هذا ما يلي:
1. كتاب تاريخ فلسطين من وجهة نظر قومية قطرية تناسب نظرة ذلك الفريق المتغلب على الأمر في فلسطين، فيجعل تاريخ فلسطين تاريخا له واعلامه رموزاً لفلسطين، وتصاغ القضية والتاريخ والأمجاد والجغرافيا لخدمة ذلك الفريق فلا تعرف فلسطين إلا بهم، ولا مجد فيها إلا لهم ولا بطولة لأحد فيها إلا لهم، وعليه فقط حرم من فلسطين أحرارها وخيارها وتمزق تاريخها وتفرق عظمتها.
2. أن هذا الفريق قد تباعد عن ثوابت الأمة في الفكر والعقيدة واتخذ من القومية منهاجاً للحياة ودستوراً لها فتباعد الحال بين المسلمين والعرب وباقي أهل فلسطين وفصائلها لأن النظرة القطرية الضيقة هي التي كانت تحكم، وعليه فلا دخل للآخرين بفلسطين وقضيتها ما دام أن هذا الفصيل هو حامي تلك القضية ومالك صك ملكيتها.
3. أن هذا الفريق قد أصبح ألعوبة في يد الآخرين المؤثرين في مواقفه المضعفين لها وبالتالي ترك المطالبة بحقوق أهل فلسطين، والعمل المناسب لردها وانضوى تحت لواء الحل السلمي وقرارات الغرب في تمزيق باقي القضية الفلسطينية.