تقول الرواية إن آل جار الله ينحدرون من أعقاب شيخ الإسلام شمس الدين أبو اللطف محمد بن علي الحصكفي ( نسبة إلى حصن كيفا) الشافعي الذي ولد في حصن كيفا في عام 819 هـ ونسب إليه , وحصن كيفا هو قلعة عظيمة مشرفة على نهر دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر في منطقة ديار بكر التابعة حاليا لتركيا.
وتقول الرواية إن الشيخ شمس الدين أبو اللطف ارتحل إلى القدس واستقرَّ فيها وانتقل فيها إلى رحمة الله في عام 859 هـ .
والاسم الأصلي لعائلة آل جار الله هو عائلة أبو اللطف نسبة إلى جدهم شيخ الإسلام شمس الدين أبو اللطف , و اسم آل جار الله أطلق على العائلة بعد أن انتقل أحد أجدادهم إلى مكة المكرمة وسكن قريباً من الحرم المكي الشريف مجاوراً فأطلق على أعقابه اسم آل جار الله.
ويذكر كتاب (معجم العشائر الفلسطينية) لمؤلفه الباحث محمد محمد حسن شرَّاب أن عائلة آل جار الله المقدسية تنتسب إلى الشاعر أبي اللطف ابن اسحق الحصكفي المتوفى في عام 1071 هجرية, وقد دعيت بآل أبي اللطف ثم غلب عليها اسم جار الله, وينقل شرَّاب عن البوريني في حديثه عن أبي بكر الحصكفي إنه من بيت أبي اللطف, وهو بيت بارك الله فيه وفي نسله, فلا تجد فيهم سوى فاضل كبير أو عالم شهير.
ويتحدث المؤرِّخ مصطفى مراد الدبَّاغ في الجزء العاشر من القسم الثاني من كتابه (بلادنا فلسطين) عن أحد أبناء أبي اللطف بن اسحق الحصكفي وهو جار الله بن أبي اللطف الذي ولد في القدس في عام 1090 هجرية, وكان من خطباء المسجد الأقصى المبارك ومدرساً في المدرسة الصلاحية, وولي القضاء في القدس الشريف, وفي دمشق, وفي استانبول عاصمة الدولة العثمانية وفيها توفي في عام 1144 هجرية.
ويتحدث الدبَّاغ عن أحد رجالات آل جار الله وهو الشيخ جار الله بن أبي بكر بن محمد بن القدسي المعروف بابن أبي اللطف الحصكفي, وكان مفتياً للحنفية ومدرساً في المدرسة العثمانية في القدس الشريف وكان له قصر في جبل الطور وتوفي في عام 1027 هجرية, كما تحدث عن الشيخ محمد بن يوسف بن أبي اللطف الملقب رضي الدين القدسي الحنفي, ووصف آل أبي اللطف بأنهم من كبراء بيت المقدس وعلمائها أباً عن جَد, وله كتاب (فتح المالك القادر بشرح جواهر الذخائر), وتوفي بالقدس عام 1028 هجرية ( 1619م ) , و أقيمت صلاة الغائب عن روحه في دمشق.
ويذكر الدبَّاغ في الجزء التاسع من القسم الثاني من كتابه (بلادنا فلسطين) أن أبا اللطف الحصكفي جد آل جار الله هو محمد بن علي بن منصور بن زين العرب الحصكفي المقدسي, ولد وتعلم في حصن كيفا ويعرف فيها بابن الحمصي, ونزل ببلاد الشام ومصر وأخذ عن فقهائها ثم استقر في القدس الشريف وتوفي فيها ودفن إلى جانب والده الذي كان من كبار تجار القماش, ويذكر الدباغ أن حصن كيفا هي بلدة تركية صغيرة وتعرف اليوم باسم شرناخ.
وينقل الدباغ في الجزء الأول من القسم الثاني من كتابه (بلادنا فلسطين) عن كتاب (الأنس الجليل) أن عائلة جار الله تعود إلى حصن كيفا, وأن جدهم شمس الدين أبو اللطف محمد بن علي الحصكفي نزل بيت المقدس في عام 819 هجرية, وكانت عائلته تعرف في أول الأمر باسم الحصكفي, ثم صارت تعرف باسم آل أبي اللطف, وأخيراً غلب عليها اسم آل جار الله, وقد ظهر من هذه العائلة علماء وفقهاء وقضاة ومدرسون كثيرون , ومن رجالاتهم الشيخ أبو بكر جار الله ونجله جار الله الذي كان مفتياً للحنفية في القدس الشريف وتوفي في عام 965 هجرية.
وحصن كيفا , بلدة تركية في الأناضول التركي تشرف على نهر دجلة بين بلدتي ديار بكر وجزيرة ابن عمر الواقعة إلى الشمال الشرقي من بلدة القامشلي السورية , وكيفا كلمة سريانية تعني الصخر والحجر.
و من أعلامهم:
الشيخ حسام الدين جار الله
شغل الشيخ حسام الدين جار الله منصب ناظر العدلية (وزير العدلية) وقاض للقضاة في حكومة الرئيس حسن خالد أبو الهدى الصيادي المشكلة في 26/7/1926م, وكان جار الله واحداً من أربعة موظفين في حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين أعادتهم حكومة الانتداب لإشغال منصب الوزارة في حكومة إمارة شرقي الأردن.
المراجع:
الأنس الجليل في تاريخ القدس و الخليل/مجير الدين العليمي الحنبلي
معاهد العلم في بيت المقدس/د.كامل العسلي
أجدادنا في ثرى بيت المقدس/د.كامل العسلي
بلادنا فلسطين/مصطفى مراد الدباغ
مديرية الأوقاف الإسلامية
أرشيف المحكمة الشرعية
بتصرف من كتاب (لمحات تاريخية من الأزقة المقدسية) لـ د. عمران الحسيني ومقالات الأستاذ توفيق سروري
يقول الأستاذ مصطفى مراد الدباغ في كتابه بلادنا فلسطين إن: (آل العلمي هم من السادة الأشراف في المغرب نزلت القدس واستقرت فيها ومنهم جماعة أقامت في اللد وغزة).
ويقول د. كامل العسلي إن عائلة العلمي (عائلة عريقة من الشرفاء الأدارسة الحسنيين قدمت إلى القدس من المغرب في زمن المماليك، وخرّجت كثيراً من العلماء والفقهاء والمفتيين والصوفية والزهاد وكان أشهرهم الشيخ الصالح محمد العلمي المتوفى سنة 1038 للهجرة والثاوي على تراب جبل الطور فيما يعرف بالزاوية الأسعدية)
تسمية العلمي:
جاءت نسبة هذه العائلة من كلمة (العلم) و كلمة العلم لغة حسب المعجم الوسيط/الجزء الثاني تعني سيد القوم .
ويعتقد أن هذا المعنى هو الذي نسبت إليه تسمية آل العلمي، فالواضح أن التسمية جاءت من المغرب العربي وتعود إلى أحد أجداد هذه العائلة وهو القطب الزاهد والشيخ العابد (أبو محمد) عبد السلام بن مشيش (دفين قنة جبل العلم في المغرب) – القنة: قنة كل شيء أعلاه – وقنة الجبل معناها الجبل المنفرد المرتفع.. ويبدو بأن هذا الجبل قد ُسميّ (جبل العلَم) أي (جبل سيد القوم) نسبة إلى عبد السلام بن مشيش.
ومما يؤكد هذا الأمر بأن صحفياً مغربياً قد ذكر لي بأن هذا الجبل يدعى أيضاً بـ (جبل الحبيب). ويقصد بالحبيب هنا مولانا (أبو محمد) عبد السلام بن مشيش. ولم لا يكون عبد السلام بن مشيش سيد القوم والحبيب، والقطب الزاهد، والشيخ العابد ونسبه يعود إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من جهة سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؟
ومما يذكر هنا بأن موسماً يقام عند ضريح مولانا عبد السلام بن مشيش في الرابع عشر من شهر صفر من كل عام هجري.
لقد اطلعت على رسالة موجهة من الأستاذ أحمد بنسودة مستشار الملك الحسن الثاني ملك المغرب رحمه الله (مؤرخة في 20/5/1995) يخاطب فيها السيد محمد مشيش العلمي مؤلف كتاب (الإسلام بين الوحي والحقائق) بلقب: الشريف الجليل.. قبل اسم السيد محمد مشيش العلمي.
نسبهم:
في نشرة قام بإعدادها الأستاذ عزمي حسام العلمي تحت عنوان (نسب آل العلمي الكرام) يظهر بوضوح أن نسب هذه العائلة يمتد إلى سيد الأنام نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا الأمر يتفق تماماً مع ما ذهب إليه الدكتور كامل العسلي من أن آل العلمي هم من الشرفاء الأدارسة الحسنيين.
كما أن ديوان آل العلمي أعد شجرة للعائلة تبين بمنتهى الوضوح الاسم الكامل لأي ابن من أبناء العائلة حتى الحسن بن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، سبط النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يؤكد هذا النسب وثيقة لآل العلمي متفقة تماماً مع النسب الذي نشرته العائلة، وهذه الوثيقة تحمل (23) شهادة خطية موقعة من علماء دين أفاضل يؤكدون ما ورد في هذه الوثيقة.
مكانتهم وأعلامهم:
يقول عادل مناع في كتابه أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني 1800 – 1918 (إن عائلة العلمي في القدس تولت وظائف دينية وإدارية مهمة في القرن التاسع عشر.
وقد هاجر منها سنة 1260هـ/1844م مصطفى بن محمد بن وفاء العلمي إلى غزة، حيث عين قاضياً فيها فأحضر أولاده وماله معه وتوطن فيها. فعرف هذا الفرع من نسل وفاء في غزة باسم عائلة وفاء العلمي، وظهر منها علماء وأعيان كبار، كما هي الحال في القدس.
وظهر فيها أيضاً فرع في اللد اشتهر باسم الجد سعودي العلمي، ويقال أيضاً إن لآل العلمي فروعاً أخرى في بلاد الشام، مثل دمشق وحلب وحمص وطرابلس الشام.)
ومن أعلامهم الأشهر الشيخ عبد القادر بن محمد العلمي: وهو من الصالحين، توفي في اللد سنة 1079هـ، وهو ابن الشيخ محمد العلمي دفين جبل الطور بالقدس ويلقب الشيخ محمد العلمي بشمس الدين كما يلقب بالقطب الرباني والفرد الصمداني، ويوجد له ولزوجته ضريح في طور زيتا بالقدس، وقبر الشيخ عبد القادر العلمي موجود في اللد، وأبناؤه وأحفاده هم آل العلمي في مدينة اللد، أما شقيق الشيخ عبد القادر فهو الشيخ عبد الصمد جد آل العلمي في القدس وغزة، وكلهم أبناء العلمي من القدس واللد وغزة أبناء عمومه.
المراجع:
الأنس الجليل في تاريخ القدس و الخليل/مجير الدين العليمي الحنبلي
الأصول التاريخية للسادة الأشراف في المشرق/د.عبد الهادي التازي
الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية/ عبد الرؤوف المناوي
معاهد العلم في بيت المقدس/د.كامل العسلي
أجدادنا في ثرى بيت المقدس/د.كامل العسلي
بتصرف من كتاب (لمحات تاريخية من الأزقة المقدسية) لـ د. عمران الحسيني ومقالات الأستاذ توفيق سروري
إن من يتجه إلى التحقق من اسم هذه العائلة في سجلات المحكمة الشرعية، يجد أن هذه العائلة كانت تنسب لابن حبيش وهو الجد الرابع للشيخ البديري، وقد عرفت بهذا الاسم على ما يبدو في القرن الحادي عشر ومعظم القرن الثاني عشر الهجري، وبعد شهرة الشيخ محمد، الذي يعتبر حتى الآن العالم الوحيد لهذه الأسرة المعروف في القدس على الأقل فيما قبل القرن الثالث عشر الهجري/ القرن التاسع عشر الميلادي.
لقد استوطنت عائلة ابن حبيش في القدس قبل الشيخ بمائة وخمسين إلى مائتي سنة، ولهذه العائلة جذور ضاربة بعمق في هذا البلد المقدّس، ويبدو أن الشيخ البديري ما هو إلا أحد الجدود المتأخرين لهذه العائلة, أن هذه المعلومات تتعارض مع ما أورده الدكتور إسحق الحسيني وعادل مناع من أن والد الشيخ جاء من المغرب وأن هذا الشيخ نفسه هو مؤسس العائلة البديرية في القدس وفلسطين.
ومن خلال الاطلاع على عدة حجج في سجلات المحكمة الشرعية تعود إلى ما قبل مائة وأربعون سنة من وفاة الشيخ، ويمكن أخذ الملاحظات التالية منها:
إن هذه العائلة عائلة ثرية وأن الثراء متوارث فيها وليس حادث في حياة الشيخ, وأن تمركز العائلة في الفترة المذكورة كان في منطقة باب حطة.
ومما يلفت النظر تلك الألقاب التي وردت أمام أسماء أفراد عائلة البديري مثل, باشا، نقيب، وهذا يدلّ على المكانة التي تمتعت بها هذه العائلة، فلا يمكن أن تسجّل هذه الألقاب وبشكل رسمي في سجلات المحكمة اعتباطاً، بل كان لها مدلول على المركز الاجتماعي لهؤلاء الأفراد.
وفي عصر الشيخ وفيما بعده أصبحت هذه العائلة تنسب إلى ابن بدير أي إلى الشيخ نفسه على اعتبار أن والده كان يسمى بدير، ثم أضيفت ياء النسبة على عادة العرب لتصبح عائلة البديري.
وفي الجيل الثاني من أبناء الشيخ، وبالتحديد في الثمانينات من القرن الثالث عشر يلاحظ تداخل اسم عائلة حبيش مع اسم إسلامبولي و نازك، وأصبح يطلق عليها حبيش الإسلامبولي و نازك حبيش, أما كيف تم ذلك؟ وهل يوجد علاقة بين الاسمين؟ أم أنهما مختلفان؟ فهذا ما يلزمه الكثير من البحث والتنقيب.
بس تخلص كل المعلومات من الموقع يمكن اتوقف لأنو فيه كل شي تقريبا
سهلة ... بنفتح موضوع حول مدينة ثانية
المنتدى بحاجة
أنا مخططي يكون المنتدى الفلسطيني موسوعة كاملة تجمع أكبر قدر من المعلومات عن الوطن و القضية و التاريخ و الفلوكلور و العادات و التقاليد
بس بحاجة للمساعدة من أشخاص بالفعل مهتمة
عائلة الدجاني عائلة مقدسيّة يافية يتصل نسبها بخير البريّة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، حيث هي من ذرية سيدنا ومولانا الإمام الحسين رضي الله عنه بن سيدنا ومولانا الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام.
وقد عُرِفَتْ عائلة الدجاني باشتغال كثير من أبنائها في حقل العلم الشرعي والإفتاء والعمل العام والفكر والاهتمام بالتراث.
وفي عام 856 هـ الموافق لعام 1442م صدر فرمان من الباب العالي من السلطان سليمان القانوني بإسناد الإشراف على نظارة وقف النبي داوود عليه السلام في القدس لعائلة الدجاني, حيث قد كلّف الشيخ العارف الرباني أحمد الدجاني قدس الله روحه برعاية الوقف المذكور, ومن بعد الشيخ أحمد الدجاني استمر أبناؤه وأحفاده في الإشراف على وقف النبي داوود عليه السلام.
أصل كلمة دجاني:
أول من حمل اسم الدجاني هو أحمد بن علي بن علاء الدين. وقد وُلد قدس الله روحه في دجانية من أعمال القدس الشريف خلال القرن الثامن الهجري الموافق الرابع عشر الميلادي، وقد عاش فترة من حياته في قرية دجانية بالقرب من القدس، ولما ارتحل عنها نُسِبَ إليها وظل يُعرَف بهذا الإسم هو وذريته. ويقال إنه لما خرج من دجانية حزن أهلها لفقدان دجانية لهذا الولي العارف الجليل، فأطلقوا عليها اسم "الجانية" (بعد حذف الدال) تعبيراً عن أنها قد جنت على نفسها بخروج هذا الولي الرباني من بين ظهراني أبنائها.
وأورد ذكر انتساب عائلة الدجاني إلى دجانية:
السيد حسن أبو الإقبال الدجاني قدس الله روحه في وثيقة كتبها سنة 1312هـ ـ 1894م.
عبد الرازق البيطار في كتاب: حلية البشر-أعلام القرن الثالث عشر الهجري.
مخطوطتان في المكتبة الطاهرية في دمشق رقم 6351 وأخرى بوثيقة رقم 10980.
مصطفى الدباغ في كتاب: بلادنا فلسطين.
أحمد زكي الدجاني في كتابه: عائلة الدجاني: المجتمع والناس في مدينة يافا:1750 ـ 1948م.
لكي نعرف مكانة بيت المقدس في الإسلام فإنّنا نجد أنفسنا ملزمين بالرجوع إلى المصادر الإسلامية الأساسية: (القرآن والسنة) مكتفين بتقديم بعض النصوص الواردة في الموضوع.
يقول القرآن الكريم {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} (الإسراء :1)، وقد أُسرِيَ بالرسول صلى الله عليه وسلم وعرج به إلى السماء قبل الهجرة النبوية بعام وبضعة أشهر عام 621م. ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ((لا تُشَد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))، ويقول أيضاً: ((فضّلت الصلاة في المسجد الحرام على غيره بمائة ألف صلاة، وفي مسجدي بألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة)).
ويقول أبو ذر الغفاري: "قلت لرسول الله: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام، قلت، ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت، كم بينهما؟ قال: أربعون سنة)).
ويقول أبو أمامة الباهلي: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله –عز وجل– وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس))".
إنّ المسجد الأقصى كما نرى من النصوص الإسلامية:
• مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومنطقة عروجه.
• وهو أولى القبلتين.
• وثاني مسجدَيْن وُضِعا في الأرض.
• وهو منزلٌ مبارك تضاعف فيه الحسنات وتُغفَر فيه الذنوب.
ولهذه القداسة، وبناءً على هذه المكانة، نظر المسلمون إلى بيت المقدس على أنّه مزارٌ شريف، ومنزِلٌ مبارك، وموضعٌ مقدّس كريم، فشَدّوا إليه الرحال، وأحرموا منه للحج والعمرة، وزاروه لذاته بغية الصلاة والثواب، وأحاطوه برعايتهم الدينية الكريمة.
وقد أحرم الخليفة عمر بن الخطاب نفسه للحج والعمرة من المسجد الأقصى، كما أحرم منه سعيد بن العاص –أحد المبشرين بالجنة-، وقدم سعد بن أبي وقاص –قائد جيش القادسية- إلى المسجد الأقصى فأحرم منه بعمرة، وكذلك فعل الصحابة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، ومحمود بن الربيع الأنصاري الخزرجي.
أمّا الصحابة والفقهاء وأعلام الفكر الإسلامي الذين زاروا بيت المقدس، وبعضهم أقام فيه، فهم أكثر من أنْ يُحصَوا، وحسبنا أنْ نذكر بعضهم لندلّ على المكانة الدينية التي احتلها بيت المقدس في فكر المسلمين وحضارتهم.
فمن هؤلاء أبو عبيدة بن الجراح، وصفية بنت حيي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعاذ بن جبل، وبلال بن رباح –مؤذن الرسول– الذي رفض الأذان بعد وفاة الرسول فلم يؤذّن إلا بعد فتح بيت المقدس، وعياض بن غنيم، وعبد الله بن عمر، وخالد بن الوليد، وأبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء عويمر، وعبادة بن الصامت، وسلمان الفارسي، وأبو مسعود الأنصاري، وتميم الداري، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن سلام، وسعيد بن زيد، ومرة بن كعب، وشداد بن أوس، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعوف بن مالك، وأبو جمعة الأنصاري، وكل هؤلاء من طبقة صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ومن التابعين والفقهاء الأعلام: مالك بن دينار، وأويس القرني، وكعب الأحبار، ورابعة العدوية، والإمام الأوزاعي، وسفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، ومقاتل بن سفيان، والليث بن سعد، ووكيع بن الجراح، والإمام الشافعي، وأبو جعفر الجرشي، وبشر الحافي، وثوبان بن يمرد، وذو النون المصري، وسليم بن عامر، والسرى السقطي، وبكر بن سهل الدمياطي، وأبو العوام مؤذن بيت المقدس، وسلامة المقدس الضرير، وأبو الفرج عبد الواحد الحنبلي، والإمام الغزالي، والإمام أبو بكر الطرطوش، والإمام أبو بكر العربي، وأبو بكر الجرجارني، وأبو الحسن الزهري.. ومئات غيرهم.
ومن الخلفاء الذين زاروا بيت المقدس: عمر بن الخطاب، ومعاوية بي أبي سفيان، وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز، والوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك الذي همّ بالإقامة في بيت المقدس واتخاذها عاصمةً لدولته بدل دمشق، وأبو جعفر المنصور، والخليفة المهدي بن المنصور، وغيرهم من خلفاء الأيوبيين والمماليك والعثمانيين.
وقد درج بعض الخلفاء والملوك –بدءاً من العصر المملوكي– على كنس الصخرة وغسلها بماء الورد بأيديهم. ومن هؤلاء: الظاهر بيبرس، والملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري، والملك الناصر محمد بن قلاوون، وأخوه السلطان حسن، والملك الظاهر برقوق، والملك الأشرف برسباي، والملك الأشرف إبنال، والملك الأشرف قايتباي، والسلطان سليمان القانوني، والسلطان محمود الثاني، والسلطان عبد المجيد، والسلطان عبد العزيز، والسلطان عبد الحميد الثاني وغيرهم.
حماية بيت المقدس حقٌّ للمسلمين لا اليهود:
نحن المسلمين نؤمِن عن يقين نابع من الإسلام أنّ بيت المقدس وما حوله إنما هو أرض مقدسة لا نستطيع أن نفرط فيها إلا إذا فرّطنا في تعاليم ديننا.
وغنيّ عن التأكيد أننا -وحدنا في الأرض بالأمس واليوم– الذين نؤمن بكل الأنبياء ونكرمهم وننزههم من كل نقص.. بدءاً من آدم وإبراهيم ونوح.. وحتى موسى وعيسى ومحمد عليه جميعاً السلام وليس في ديننا نصّ واحد، لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الشريفة ينسب إلى أيّ نبي فاحشة أو جريمة أو كذباً.
ولأنّه لا يُقبَل إيمان المسلم إلا إذا آمن بكل الأنبياء، وأنزلهم جميعاً منزلة كريمة {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} (البقرة: 285).
{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} (البقرة: 136).
وفي القرآن الكريم عشرات الآيات التي تتناول كلّ نبي على حدة، تثبت له كل كريم من الخلق، وتنفي عنه كل ما حاول بعضهم إلصاقه به، وتحكي للمسلم قصة جهاده في أداء رسالته، وما لاقاه من الأذى المادي والمعنوي لتوحي إلى المسلم أنْ يحذو حذوه، لأنّ رسالة الأنبياء منذ نوح وحتى محمد رسالة واحدة تنبع من مصدر واحد، وتهدف إلى غايات واحدة، ويكمل بعضها بعضاً . وبالتالي، وانطلاقاً من هذا الإيمان الكامل نقف نحن المسلمين حماةً لكل التراث والمقدسات الدينية السماوية، وذلك بأمر ديننا الذي مثل آخر حلقة في سلسلة الوحي السماوي، والذي حمل أتباعه –نتيجة هذا– مسؤولية إنسانية عامة:
{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون الله} (آل عمران : 110).
{وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل} (الحج: 78).
وإنّ حقيقة هذه المسؤولية العامة وقيمتها لتتضح إذا قارناها بالموقف اليهودي من الأنبياء، وهو ذلك الموقف الذي لا يؤهّلهم لأيّ لونٍ من ألوان الحماية أو الهيمنة على أية مقدسات دينية في الأرض.
إنّ التوراة نفسها –والإنجيل والقرآن أيضاً تصفهم في مواضع عديدة بأنهم "قتلة الأنبياء" ومشوّهوهم و"أولاد الأفاعي"، و"الضالون والعميان"، و"الملعونون بكفرهم".
((قال الرب: ها أنذا جالبٌ شراً على أورشليم، ويهوذا وأدفعهم إلى أيدي أعدائهم غنية ونهباً لجميع أعدائهم، لأنهم عملوا الشر في عيني)) .
وتقول: ((ها أنذا جالب الشر على هذا الموضع وسكانه من أجل أنهم تركوني، وأوقدوا لآلهة أخرى لكي يغيظوني بكل عمل أيديهم، فيشتعل غضبي على هذا الموضع ولا ينطفئ)) .
وتقول: ((إن الله قال: اذهب: قل لهذا الشعب، اسمعوا سمعاً، ولا تقهقوا، وأبصروا إبصاراً، ولا تعرفوا غلط قلب هذا الشعب، وثقل أذنيه، وأطمس عينيه، لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه)) .
وتقول ((وصار مرشدو هذا الشعب مضلين، لأجل ذلك لا يفرح الرب بفتيانه، ولا يرحم أيتامه وأرمله، لأن كل واحد منهم منافق وفاعل شر))(.
وتسجل كتبهم التاريخية أنهم قتلوا من الأنبياء "حزقيال"، و"أشعيا بن آموص"، و"آرميا"، و"زكريا" و"يحيى بن زكريا" ، كما أنهم حاولوا قتل "عيسى"، و"محمد" عليهما الصلاة والسلام، وتواطؤا ضدهما وضد أتباعهما.
وفي "التوراة" أنّ إسرائيل "النبي يعقوب" أصرّ على محقِ العرب الكنعانيين وعدم الاعتراف لكنعان بحق الحياة ((حتى لو اعتنق العرب اليهودية))، لأنها دين إسرائيل وحده ، وهذا أمر محرّف، لأنّ يعقوب نبي الله ولا يصدر عنه هذا التصرف الظالم.
وفيها أيضاً أنّ كل البشر غير اليهود "كلاب" وخدم لليهود ففي أصل الديانة، وهي تقول على لسان اليهود:
((لم نأخذ أرضاً لعرب، ولم نستولِ على شيء لأجنبي، ولكنه ميراث آبائنا الذي كان أعداؤنا قد استولوا عليه ظلماً)) .
ويقول: ((استيلاء اليهود على ما يملكه الغوييم -أي غير اليهود– حق، وعملٌ تصحبه المسرة الدائمة)).
ويقول: ((يستحقّ القتل كلّ الغوييم –أي غير اليهود- حتى ذوو الفضل منهم)).
فهل يمكن أنْ يؤتَمَن ناسٌ هذه تعاليم كتبهم المقدسة على التراث الديني أو على الحضارة البشرية؟ ويقول القرآن الكريم {ذلك بأنهم كفروا بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق} (البقرة :61).
فهل يصلح ناسٌ هذا موقفهم لحماية تراث الأنبياء؟
وأين موقف الإسلام والمسلمين من موقف اليهودية واليهود؟
ومن يا ترى أولى بحفظ هذا التراث وحمايته؟
والمسلمون منذ أربعة عشر قرناً ينظرون إلى بيت المقدس نظرة تقديس، على أنّه مركزٌ لتراثٍ دينيّ كبير تجب حمايته، وهم يربطون ربطاً كاملاً وثيقاً بين المسجد الحرام في مكة، والمسجد الأقصى في القدس، وينظرون إلى القدس نظرة تقترب من نظرتهم إلى مكة.. فإليهم يشدّون الرحال، وفي كليهما تراث ديني ممتد في التاريخ، فإذا كان أبو الأنبياء إبراهيم قد وضع قواعد الكعبة في مكة، فإنّ جسده الشريف يرقد على مقربة من القدس في الخليل –فيما يرى كثير من الرواة والمؤرخين– وإذا كان المسلمون في كلّ بقاع الأرض أصبحوا يتّجهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى، فإنّهم لا ينسون أنّ نبيهم محمداً وأسلافهم الصالحين قد اتجهوا –قبل نزول آيات حديث القبلة إلى الكعبة- إلى المسجد الأقصى أولى القبلتين .. ولا زالت مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام تضم مسجداً يسمى "مسجد القبلتين" شاهداً حياً على الترابط الديني بين مكة والقدس، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى.
وإذا ذكر المسلم بحسّه الديني الممتد ووعيه التاريخي الإسلامي "بيت المقدس" فإنّه يذكر أنّه المكان الذي كلّم الله فيه موسى، وتاب على داود وسليمان، وبشّر زكريا بحيى، وسخّر لداود الجبال والطير، وأوصى إبراهيم وإسحاق أنْ يدفنا فيه، وفيه ولد عيسى، وتكلّم في المهد، وأُنزلت عليه المائدة، ورُفِع إلى السماء، وماتت مريم ، إنّ هذا هو موقف المسلم من الأنبياء وتراثهم، ومن بيت المقدس، وهو موقف يقوم على التقدير والتقديس والشعور بالمسؤولية الدينية والتاريخية.
وعلى العكس من هذا الإحلال الإسلاميّ لبيت المقدس، وللأنبياء والأخيار الذين اتّصلوا به– كان موقف اليهود فكلّ هؤلاء الأبرار الذين ذكرناهم وغيرهم قد نالهم من اليهود كثيرٌ من الأذى، ولولا عناية الله بهم لما أدّوا رسالتهم، ولولا تنزيه القرآن لهم ودفاعه عنهم لوصل تاريخهم إلى البشرية مشوّهاً بتأثير تحريف اليهود عليهم، وظلمهم لهم، كما نقلنا عن "توراتهم" في النصوص السابقة.
إنّ المسلم إزاء كلّ هذا يحسّ بمسؤوليته الدينية العامة تجاه بيت المقدس، باعتباره مركزاً أساساً لتُراث النبوة.
ووفقاً لتعاليم الإسلام فإنّه ليس مسلماً من لا يحمي تراث الأنبياء، كل الأنبياء، من التدمير المادي أو التشويه المعنوي، وهو الأمر الذي سعى إليه اليهود في كلّ تاريخهم على مستوى الفكر حين حرفوا التوراة، وابتدعوا التلمود وملؤها بما لا يرضى الله ولا يقبله دين سماوي، وعلى مستوى التطبيق حين عاثوا في كل بلاد الله الفساد، وحاربوا كل الأنبياء، وأشعلوا الحروب، وجعلوا أنفسهم شعب الله المختار، وبقية الشعوب في منزلة الكلاب والأبقار، ولذا ينبغي على المسلم الصادق جهادهم دفاعاً عن شريعة الله الحقة، واستنقاذاً لتراثهم المعنوي والمادي، بل دفاعاً عن الحضارة الإنسانية كلها.
مقبرة مأمن الله في القدس: تاريخ عريق واعتداء (إسرائيلي) متواصل
إنّ الكتابة عن تاريخ القدس أو جزء منها، إنما هو حديث عن مسيرة البشرية وحضارتها، فالقدس مدينة عظيمة لا لموقعها الجغرافي أو لطيب هوائها أو لعذوبة مياهها، وإنما لعظمة قدسية هذه المدينة في نفوس بني البشر، وهذه المدينة وإنْ قسا عليها الزمن سابقاً وحاضراً, فإنّه لا يدوم فيها ظالم ولا يعمّر فيها جائر، فهي مدينة السلام، يشع نور قدسيتها في أرجاء الكون معيداً ذكرى أنبياء طلبوا ثراها, وشهداء سالت دماؤهم فوق روابيها، وعلماء نشروا العلم في جميع الأركان من بين أزقتها ومساجدها.
ونحن –المسلمين- ومنذ وطأ البراق أرض بيت المقدس, وأسري في تلك الليلة بمعلم البشرية وهاديها رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام مشيراً بذلك منذ تلك اللحظة إلى أنّ هذه المدينة المقدسة التي باركها الله وما حولها هي مدينة إسلامية سيكون لها شأنٌ عظيم في تاريخ هذا الدين ومسيرة هذه الأمة، وهكذا كان، فمنذ فتحها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه– عاشت في كثيرٍ من عصورها أيام مجدٍ وعزّ في ظلّ دولة المسلمين، فما من والٍ أو حاكم إلاّ وكانت القدس كالقلب للجسد بالنسبة له، كرّموا وأعزّوا أهلها، وشيّدوا بيوت العلم في جميع أركانها.
وتدور عجلة الزمان ويتكالب الباطل على المدينة المقدسة من كلّ حدبٍ وصوب، وتعود أيام الصليبيين بوحشية هولاكو وجنكيزخان، فمنذ وقعت القدس تحت الاحتلال (الإسرائيلي) وهي تعيش حالة عصيبة، فالاحتلال يعمل جاهداً على طمس كلّ أثرٍ إسلاميّ في هذه المدينة المقدسة بشتى الوسائل والطرق، وكانت وحشية الاحتلال أنْ امتدّت يده الغاشمة إلى قبور المسلمين حقداً وصلافة، تكاد تفوق كلّ التصورات، فكانت الاعتداءات المتكرّرة على المقبرة الشهيرة في بيت المقدس، ألا وهي مقبرة "مأمن الله"، هذه المقبرة والأرض الوقفيّة التي تقع في ظاهر بيت المقدس من جهة الغرب، حباها الله بالتكريم بأنْ ضمّتْ بين أحضانها المباركة رُفات بعض صحابة رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- وشهداء هذه الأمة الذين طيبّوا ثراها بدمائهم دفاعاً عن قدسيتها وإسلاميتها، وعلماء أضاؤوا بعلمهم مشارق الدنيا ومغاربها، فهذه المقبرة وما تحويه من علماء هذه الأمة هي جزءٌ من تاريخ أمتنا عبر العصور من زمن الفاروق عمر – رضي الله عنه– مروراً بشهداء الفتح الصلاحيّ وحتى آخر شهيدٍ دُفِن فيها دفاعاً عن قدسيتها وإسلاميتها.
إعلان بعض الصحف العبرية نيّة الحكومة (الإسرائيلية) افتتاح مقرّ ما يسمّى بمركز الكرامة الإنساني "متحف التسامح في مدينة القدس" على أرض مقبرة "مأمن الله" بمشاركة حاكم ولاية كاليفورنيا الأمريكية, وردود الفعل والاستنكارات لهذا الاعتداء وتواصل تدنيس هذه المقبرة, يوجب إلقاء الضوء والحديث مجدّداً عن هذه المقبرة ذات التاريخ العريق.
الموقع والمساحة:
تقع مقبرة "مأمن الله"؛ والتي يسمّيها البعض "ماملا"؛ بمعنى ماء من الله أو بركة من الله, تقع غربي مدينة القدس القديمة وعلى بعد كيلومترين من باب الخليل، وهي من أكبر المقابر الإسلامية في بيت المقدس, وتقدر مساحتها بمائتي دونم، بينما قدّرها المهندسون بتاريخ 16/4/1929 بـِ(137.450.29م2)، أي بنحو 137 دونماً ونصف، علماً أنّه استثنى منها بناية الأوقاف التي كانت مبنيّةً على جزءٍ من أرض وقفها، ومقبرة "الجبالية" التي كانت على "القندرية"، والتي يفصلها عن المقبرة الشارع، وعندما سجّلت المقبرة في سجلات دائرة الأراضي –الطابو- بتاريخ 22/3/1938 سجّلت مساحتها (134.560) من الدونمات واستصدر بها وثيقة تسجيل أراضي "كوشان طابو" ضمن أراضي الوقف الإسلاميّ.
في عمق التاريخ...
ذكر صاحب المفصّل في تاريخ القدس "عارف عارف" أنّ مقبرة "مأمن الله" أو "ماملا" وإنْ اختُلِف في مصدر اسمها, فإنّها بلا مراء أقدم مقابر القدس عهداً وأوسعها حجماً، وأكثرها شهرةً، ولقد ساير تاريخها تاريخ المدينة، وذُكِر معه مراراً، ففي هذا المكان مُسِح سليمان ملكاً (1015 ق.م)، وفيه عسكر "سنحارليب" ملك الآشوريين عندما هبط القدس (710 ق.م)، وفيه ألقى الفرس جثث القتلى من سكان المدينة عندما احتلوّها (614ب.م)، وفيه دُفِن عددٌ كبير من الصحابة والمجاهدين أثناء الفتح الإسلامي (636 ب.م)، وفيه عسكر صلاح الدين يوم جاء ليستردّ القدس من الصليبيين (1187ب.م).
وقد تكلم أكثر من واحدٍ أنّ مقبرة "مأمن الله" تحتضن في ثرى جنباتها رفات الصحابة أمثال "عبادة بن صامت"، وقد ذكر المقبرة النابلسي في رحلته فقال: "إنها بظاهر القدس من جهة الغرب، أكبر مقابر البلد، وفيها خلقٌ كثير من الأكابر والأعيان والشهداء والصالحين، وفيها عددٌ كبير من الصحابة والتابعين".
ورجّح بعضهم أنّ تاريخ الدفن الإسلامي فيها يعود إلى ما قبل الصليبيين، وعندما احتلّ الصليبيون القدس وارتكبوا فيها مجزرة بشعة حيث قُدّر عدد الشهداء في هذه المجزرة من الرجال والنساء والأطفال بـِ(70,000) شهيداً، أمر الصليبيون من بقِي من المسلمين بدفن الشهداء في مقبرة "مأمن الله"، وقد وجدوا بها مقابر وأنفاق، فوضعوا جماجم الشهداء فيها، وقيل إنّ نفقاً لا يزال تحت الأرض في الوسط الغربي من المقبرة كلّه مليء بالجماجم وأنّ قطره نحو خمسة أمتار وله امتدادٌ أكثر من مائة متر –والله أعلم-.
وعندما حرّر السلطان صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله– القدس من يد الصليبيين, أمر بدفن من استُشهِدوا في المعارك مع الصليبيين في المقبرة نفسها، وتوالى الدفن فيها بعدئذ فضمّت قبور مئات العلماء والفقهاء والأدباء والأعيان والحكام من المدينة. والمعروف في التاريخ أنّ كثيراً من العلماء كانوا يُحمَلون في القاهرة كي يُدفَنوا فيها، وعلى العموم فإنّ مقبرة "مأمن الله" تأوي رُفات أكثر من سبعين ألفاً بين صحابيّ وشهيد وعالم وزاهد، منهم:
1- الأمير عيسى بن محمد العكاري الشافعيّ: هو أحد كبار مستشاري السلطان صلاح الدين الأيوبي وقد توفّي -رحمه الله– عام 585هـ بمنـزله في "الخروبة" –قرب عكا– وحُمِل إلى القدس الشريف ودُفِن في مقبرة "مأمن الله".
2- الشيخ شهاب الدين "أبو العباس" 684هـ-728هـ، وهو أحمد بن الشيخ محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسيّ الشافعيّ، الفقيه والنحوي.
3- أحمد بن محمد حامد بن أحمد الأنصاري المقدسي الشافعيّ، حفظ القرآن الكريم واشتغل بالتحصيل والسماع، عُرِض عليه قضاء القدس فأبى وكان صالحاً زاهداً ناسكاً، قانعاً بالقليل، توفّيَ عام 854هـ.
4- قاضي القضاة شيخ الإسلام محمد بن جمال الدين بن سعد بن أبي بكر بن الديري العبسي الحنفيّ، وُلِد في "حردا" بالقرب من "مدينة نابلس" في حدود عام 750هـ وسكن بيت المقدس وصار من أعيان العلماء. كان فقيهاً ومدرّساً، ولاّه الملك المؤيّد قضاء الديار المصرية، ثم صُرِف عن القضاء باختياره، واعتذر بعلوّ سنه، وكان يتأسّف على فراق بيت المقدس لكونه في مصر حيث كان يقول: "سكنته أكثر من خمسين سنة ثم أموت في غيره"، ولكن في عام 827هـ قدِم إلى القدس لتمضية شهر رمضان فيها وزيارة أهله، وبينما هو يهمّ في الرجوع إلى مصر وبعد أنْ أخذ يودّع القدس وأهلها، فإذا بالموت يدركه فيُتوَفّى –رحمه الله– في القدس كما أحبّ، ودُفِن في "مقبرة مأمن الله".
محطات من التاريخ المعاصر:
أحيطت المقبرة في أواخر العهد العثمانيّ بسورٍ عام 1318هـ، واستمرّ المسلمون في دفن موتاهم حتى عام 1927م حيث أصدر المجلس الإسلامي الأعلى حظراً على دفن الموتى فيها بسبب إكتظاظها واقتراب العمران إليها، وقام المجلس الإسلامي الأعلى أيام الانتداب البريطاني على فلسطين بترميماتٍ متكرّرة لسور المقبرة وغرفة الحارس, وتسوية منخفضات وخصوصاً تعبئة حفر المحجر بالتراب، ثم رغبة الأوقاف في تمهيد مساحة 150 متراً في أرض مقبرة "مأمن الله" في الجهة الغربية الشمالية وإزالة الضرر الناتج عن المياه المتسربة من البركة، وقلع الأعشاب وزرع الأشجار على جانبي الطرق داخل المقبرة، ومنع الاعتداءات على اختلاف أنواعها مما فيه رفع الضرر عنها والمحافظة على حرمتها.
ويبدو أنّ كلّ المشاريع التي صُمّمت في عهد الانتداب البريطاني كانت تحمل في ظاهرها صيغة الاعتناء والمحافظة العينيّة الجمالية لمقبرة "مأمن الله"، لكنها في باطنها –علم ذلك أم لم يعلم– كانت تحمل هدفاً أساسياً تقوم عليه تلك التصاميم والمشاريع وهو إزالة مقبرة "مأمن الله" عن الوجود، كمنطقةٍ دخلت طريق الازدهار العمراني والصناعي والسكنيّ، فمقبرة " مأمن الله " كأَثرٍ إسلامي له حرمته، تشكّل بمساحتها التي تزيد عن 150 دونماً, تقوم حائلة دون "الاستفادة" من هذه المساحة الشاسعة وسط محيط يقع بالحياة.
ولعلّ المجلس الإسلامي الأعلى لم يتنبَّهْ إلى هذه القضية عندما قرّر توقيف دفن موتى المسلمين في المقبرة عام 1927م، وكذلك قرار دائرة الأوقاف بإقامة عمارةٍ أو نُزُل على أرض الوقف التابعة لمقبرة "مأمن الله".
وقد نشأت فكرة إنشاء عمارة على أرض الوقف في "مأمن الله" في بداية السنوات الأولى من العشرينات، وقد راودت هذه الفكرة المسؤولين وقتئذٍ لأجل الاستفادة من ريعها وتزييد واردات الأوقاف حتى لا تبقى هذه الأرض الثمينة بدون "استفادة" منها.
وقد ظهرت وجهات نظرٍ متباينة بين القبول والرفض لهذه الفكرة، وفي تاريخ 14/7/1926 وافق قيّموا الأبنية على إعطاء الرخصة لدائرة الأوقاف للبناء على أرض الجبالية، وبدأ العمل بهذا النـزل وانتهى العمل منه عام 1929م، وجُعِلت العمارة فندقاً من الدرجة الأولى وأُطلِق عليه اسم فندق "بالاس" بإدارة ثابت درويش أحد رجال القدس في تلك الآونة، ونجح الفندق وصار أشهر فندقٍ في بيت المقدس للسائحين والزوار وخاصةً الأمريكان، ولكن قيام شركة فندق الملك داوود بعد افتتاحه بقليل، وبناءها الفندق الكبير مواجهاً لبرج أو محراب داوود الذي يحمل اسمه كان يقي على "بالاس". وفي سنة 1933م أعلنت دائرة الأوقاف عرضاً لتأجير العمارة، وعلى أية حال فإنّ عمارة الأوقاف مرّت بظروفٍ وملابسات كبيرة كلّها دارت حول مصلحة زيادة واردات الأوقاف، البناية ما زالت قائمة ولم تنلْ منها أيدي البلى، وما زالت تحتفظ بجمالها ورونقها، ويظنّ إنها تستعمل لبعض الدوائر الحكومية (الإسرائيلية).
اعتداءات مبكرة على المقبرة:
في زمن الانتداب البريطاني، خاصّة مع بداية سنوات الثلاثين، تعرّضت مقبرة "مأمن الله" لانتهاكات متكررة، وفي ظلّ مخطّطٍ وُضِع سنة 1933 م لمقبرة "مأمن الله", وهو في جوهره يقتطع جزءاً للبناء السكني وآخر للبناء التجاري، وثالثاً يكون حديقة عامة ورابعاً يبقى مقبرة، إلا أنّ الجزء الأكبر من هذا المخطط نُفّذ في أواخر سنوات الستين وما بعدها.
بتاريخ 6/7/1935 كتب مدير الأوقاف العام إلى مأمور أوقاف القدس يقول: "أخبرنا أناس أنّ اليهود يلقون بأنقاض أبنيةٍ لهم في تربة "مأمن الله"، فأرجو أنْ تُرسِلوا من يتحقّق من الأمر وأنْ تمنعوا المعتدين إذا كان الخبر صحيحاً، وأنْ تعلمونا بالنتيجة".
بتاريخ 15/7/1937 كتب مأمور أوقاف القدس إلى مفتّش صحة بلدية القدس –وكانت تحت الانتداب البريطاني آنذاك الذي كان يعيّن أعضاءها ويشرف عليها-: "علمنا أنّ مواسير مياه قذرة ممدودة في الطريق العام وتصبّ في مقبرة "مأمن الله" بصورة مخفية، وبعد البحث علمنا من ناطور المقبرة أنّ المواسير المذكورة مربوطة من دار عائلةٍ لأحد اليهود غربيّ المقبرة، فنرجو التفضّل بالكشف عليها لرفع الضرر وتغيير مجرى المياه عن المقبرة، حرمةً لها".
بتاريخ 9/12/1937م أصدر وكيل أوقاف القدس إخطاراً لاثنين من عمّال بلدية القدس لقيامهم بهدم قسمٍ من سور المقبرة، جاء فيه: "ثبت لديّ أنّكم هدمتم قسماً من سور مقبرة "مأمن الله" وأنّكم ألقيتم في المقبرة المذكورة كثيراً من الأنقاض والأوساخ، وبما أنّ هذا العمل أضرّ الأوقاف ضرراً عظيماً، وبما أنّكم بعملكم هذا تعدّيتم على مصالح الأوقاف، لذلك فإنني أخطركم برفع الأنقاض والأوساخ التي ألقيتموها داخل المقبرة، وإذا تأخّرتم أو امتنعتم عن ذلك فإنّني أضطر لمراجعة الطرق القانونية لتغريمكم بكلّ عُطْلٍ وضرَرٍ أصاب الأوقاف جراء عملكم هذا..".
بتاريخ 13/12/1937 كتب وكيل مأمور أوقاف القدس إلى رئيس بلدية القدس، يقول: "علمت أنّ أحد مهندسي البلدية "أمر عمّاله بهدم قسمٍ من سور مقبرة "مأمن الله" من الجهة الشمالية وإلقاء أتربة الشارع المجاور في المقبرة، وبما أنّ للمقابر لها حُرمة لا يجوز انتهاكها فإنّني أستغرب جداً كيف أباح حضرة المهندس لنفسه انتهاك تلك الحركة بدون استئذانٍ دائرة الأوقاف وإعلامها بالأمر، ولقد جرّأ حضرة المهندس بعمله هذا جميع المجاورين فأصبحوا يتّخذون المقبرة محلاً لرمي الأقذار، وطريقاً يمرّون منه ويتعدّون على قبور الأموات، لذلك فإنّي أوجّه نظر سعادتك لهذا الأمر، راجيا أنْ تأمروا برفع الأتربة التي أُلقِيَت في المقبرة وبناء السور كما كان، وتحولوا دون الإقدام على مثل هذا العمل في المستقبل".
في شهر 4/1947 استولى الجيش البريطاني على مقبرة "مأمن الله" وأقام فيها، كما قام بهدم أجزاء من سور المقبرة، حيث أرسل حارس المقبرة كتاباً إلى مأمور أوقاف القدس بتاريخ 4/6/1947 يُعْلِمه فيها بذلك.
نكبة.. احتلال وطمس للمعالم:
وفي عام 1948 احتلت القوات (الإسرائيلية) الجزء الغربي من القدس، فسقطت من ضمنها مقبرة الشهداء والعلماء والصالحين "مأمن الله".
وفي العام نفسه أقرّت (إسرائيل) قانوناً بموجبه "يعتبر جميع الأراضي الوقفيّة الإسلاميّة وما فيها من مقابر وأضرحة ومقامات ومساجد –بعد الحرب– بأراضي تُدعى أملاك الغائبين"، وأنّ المسؤول عنها يسمى "حارس أملاك الغائبين" وله الحقّ في التصرف بها، فيما استثنى القانون أملاك الطوائف الأخرى ، أي حارس أملاك الغائبين يستطيع التصرّف فقط بأوقاف المسلمين، على الرغم من أنّ هذا التسجيل الخاطئ لا يزيل صفتها الوقفيّة المقرّرة بموجب الشريعة الإسلامية، وبذلك دخلت مقبرة "مأمن الله" ضمن أملاك حارس أملاك الغائبين لدى (دائرة أراضي إسرائيل).
ومنذ ذلك التاريخ أصبحت (إسرائيل) تقوم بتغيير معالم المقبرة وطمس كلّ أثرٍ فيها، حتى لم يتبقَّ فيها أقلّ من خمسة بالمائة من القبور التي كانت موجودة فيها، وقُدّرَت المساحة المتبقية منها بحوالي ثمن المساحة الأصلية، أيْ حوالي 19 دونماً.
ففي عام 1967 حوّلت المؤسسة (الإسرائيلية) جزءاً كبيراً من المقبرة إلى حديقة عامة، دُعِيَت بحديقة الاستقلال، بعد أنْ جرّفت القبور ونبشت العظام البشرية وقامت بزرع الأشجار والحشائش فيها، وشقّت الطرقات في بعض أقسامها، كما بُنِيَ على قسمٍ آخر، واشتُهِرت الحديقة باستعمالها وكراً لممارسة أعمال الرذيلة خاصّةً من الشاذّين اليهود.
وفي أواخر عام 1985م أنشأت وزارة المواصلات موقفاً للسيارات على قسمٍ كبير منها. ففي كتابٍ من مساعد مدير الأملاك الوقفيّة إلى مدير الأوقاف جاء فيه: "لقد توجّهت بسيارة الأوقاف صباح يوم الإثنين 2/12/1985م لزيارة مقبرة "مأمن الله" في القدس المحتلة ما قبْل عام 67 وشاهدت ما يجري في المقبرة، وبعد التجوّل في المقبرة سابقاً والحديقة العامة حالياً تبيّن لنا ما يلي:
أولاً: هناك تغيير واضح وسافر في معالم المقبرة، حيث إنّ حوالي 95% من القبور قد نُبِشَت وأقيم عليها بناء.
ثانياً: أنّ القبور المتبقيّة في المقبرة تُستَعمل للأعمال غير الأخلاقية ومكاناً للقمامة.
ثالثاً: أثناء تجوالنا في المقبرة وفي الناحية الشرقية الشمالية شاهدنا جرافات (إسرائيلية) تعمل هناك وقد نبشَت جزءاً من الجزء المتبقّي من المقبرة، ولدى سؤالي بعض العمّال العرب –الذين يعملون هناك– أفادوا بأنّ الجرافة قد نبشت المقبرة وأخرجت منها بعض عظام الموتى، وأنّ الحكومة (الإسرائيلية) تعتزم إقامة موقفٍ للسيارات في منطقة الحفريات".
وفي أعوام 1987، 1946، و1985 نُفِّذَت عمليات جديدة من الحفر لتمديد شبكات مجاري، وتوسيع موقف السيارات, فدُمِّرت عشرات القبور وبُعثِرت عظام الموتى في كلّ مكانٍ، وعلى الرغم من احتجاجات المؤسسات الإسلامية فإنّ البلدية نفّذت مخطّطها وأجرت الحفريات.
وفي تاريخ 15/1/2000 قامت شركة الكهرباء (الإسرائيلية) بأعمال حفرياتٍ في المقبرة، في الجهة المقابلة بجانب الشارع الرئيسيّ، وهو ما تسبّب في تناثر عظام الموتى على سطح الأرض، وذلك بحجّة تمديد أسلاك كهرباء في باطن الأرض.
ويُستَخدم جزءٌ من المقبرة أيضاً كمقرٍّ رئيسٍ لوزارة التجارة والصناعة (الإسرائيلية).
وما هو جدير بالذكر أنّ من بين الذين كانوا على رأس تغيير معالم مقبرة "مأمن الله" وساهموا في تحويلها إلى موقف للسيارات وحديقة عامة وغيرها وما نتج عن ذلك من نبش للقبور وإزالة لها؛ رئيس بلدية القدس "تيدي كوليك".
ويستمر الاعتداء والتطهير العِرقيّ للموتى...
وإمعاناً من المؤسسة (الإسرائيلية) في اعتداءاتها المتواصلة على مقبرة "مأمن الله" فقد أعلنت في 9/2002م نيّتها إقامة مبنى للمحاكم (الإسرائيلية) في منطقة مقبرة "مأمن الله"، وأكّد حينها سماحة الشيخ عكرمة صبري –المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الأسبق– أنّ هذه الخطوة تُعَدّ حلقة جديدة في سلسلة الاعتداءات على المقدسات الإسلامية، واعتبر فضيلته الأمر انتهاكاً لحرمة المقبرة وأنّ المشروع المعلَن عنه يمثّل امتداداتٍ للاعتداءات التي شملت أجزاء كبيرة من هذه المقبرة، وأنّ السلطات (الإسرائيلية) تسعى لمسح المقبرة نهائياً.
وأعلنت الصحف (الإسرائيلية) نيّة الحكومة (الإسرائيلية) افتتاح مقرّ ما يسمّى بـ"مركز الكرامة الإنساني- متحف التسامح في مدينة القدس" على ما تبقّى من أرض مقبرة "مأمن الله"، الأمر الذي يؤكّد تصميم المؤسسة (الإسرائيلية) إنهاء وجود مقبرة "مأمن الله".
ولعلّنا في نهاية هذا التقرير نُشير إلى أهمية الدراسة التي ألّفها الباحث الفلسطيني سعيد يقين من جامعة بيرزيت بعنوان "الحكومة الصهيونية وخطر التضييق والتزوير الحضاري والتاريخي في منطقة القدس"، والتي بيّن فيها أنّ الاعتداءات (الإسرائيلية) لم تمسّ الأحياء وحدهم, بل طالت الأموات في قبورهم، عارضاً أمثلةً حيّة لطمس مقابر المسلمين وإزالة عظامهم. ونقل سعيد يقين في دراسته تعليق الكتاب (الإسرائيلي) "ميرون بنفنسي" على هذه السياسة في صحيفة "هآرتس" (الإسرائيلية) بقوله: "إنّ هدم المقابر الإسلامية لم ينبعْ من ضغوط احتياجات التنمية والمصلحة العامة، وإنّما بهدفٍ مقصده عملية تطهيرٍ عرقيّ للموتى لأنّ وجود المقابر تلك دليل على ملكية الأقصى".
من عظيم نعمة الله على الأقصى أن جعله في مكان مرتفع وعلى تلة تعلوها صخرة بيت المقدس، حيث كان لهذا الارتفاع ميزة معمارية فتحت الآفاق أمام الخلفاء والحكام والصالحين أنْ يضيفوا ويرفعوا ويخططوا دوماً لتسهيل الصلاة والعبادة والحركة أمام الزوار العابدين في المسجد، ومن هنا أبدع الفن الإسلامي في أداء وظيفته التي لم تنحصر في مجال الجمال والزينة وإنما في طبيعة المبنى نفسه، ونحن اليوم أمام هذه القناطر والبوائك التي بنيت على جدار صحن الصخرة المشرفة تشكّل سياجاً معمارياً للأقصى كما أنّها تذكر بالموازين التي تنصب للحشر على هذه الصخرة يوم القيامة، فلهذا سميت بالموازين.
وأنتم يا عشاق الأقصى يا منْ وقفتم تحت هذه الموازين ترجون رحمة الله وتلتقطون صورها وهي تعانقكم بل قد بديتم بها وكأنكم زهرة خرجت لتوّها مع مطلع شمس ساطع، ثمّ سرتم ولم تتعرفوا عليها وتتأملوا بناءها، فتعالوا إلى هذه الجولة والعين باكية على كل بائكة، حال بوائك الأقصى يقول كثرت البواكي وليس للأقصى من يبكيك غيرنا نبكي حالك وحال المسلمين على مدى الزمان حتى يأذن الله للفرج القريب والنصر المبين.
والسؤال الآن ما هي البائكة؟
هي عبارة عن واجهة بناء مكونة من مجموعة عقود مرتكزة على مجموعة أعمدة تنتهي هذه الواجهة بشكل حجري معين، وعادة ما تبنى عند انتهاء الدرج وفي أعلاه.
عددها:
ثمانية بوائك اثنتان من جهة الشمال وواحدة في الجهة الغربية الشمالية وأخرى في الجهة الغربية وواحدة في الزاوية الغربية الجنوبية أمّا الجهة الجنوبية ففيها اثنتان وفي الجهة الشرقية فواحدة.
وظائف البوائك:
تؤدي البوائك منظراً جمالياً رائعاً وتعطي جواباً معمارياً لجميع الأدراج الحجرية التي يصعد بها إلى صحن قبة الصخرة حيث لم يتركْ الفنان المسلم هذا الدرج بلا نهاية، كما أنّها في كثير من الأحيان حملت توزيعاً هندسياً من خلال الأعمدة والعقود, وأدّتْ دوراً وظيفياً في حصر الصعود والنزول إلى صحن قبة الصخرة, وهناك من يقول إنّ هذه البوائك بعقودها وفتحاتها كانت ترمز إلى شيء معيّن, فإن كانت ثلاثيّة الفتحات ترمز إلى المساجد الثلاثة وإنْ كانت رباعيّة ترمز إلى الفصول الأربعة وإنْ كانت خماسية ترمز للصلوات الخمس, ومعظم هذه البوائك قد حملت تواريخ ونقوش مهمة للباني وزخرفة إسلامية رائعة وبعضها ثبتت فيه مزولة ساعة ظل.
وإليك أخي المسلم أختي المسلمة بيان كل بائكة..
البائكة الجنوبية:
موقعها:
تقع في الجهة الجنوبية حيث ترتكز عليها قبة الميزان منبر برهان الدين وهي التي يصعد إليها من عند الكأس.
الإنشاء:
تعتبر هذه البائكة من أقدم البوائك, حيث إن لها أصولاً عباسية وأعيد تجديدها في العصر الفاطمي, ثمّ رممت في العصر العثماني زمن السلطان عبد الحميد الثاني, وقد قامت لجنة إعمار الأقصى بترميمها عام 1982م.
وصفها:
تتكون من دعامتين حجريتين بينهما ثلاثة أعمدة رخامية قديمة, تعلوها أقواس حجرية مدببة الشكل وتعلو الأقواس بعض المداميك الحجرية المنتهية على شكلٍ مدبب بها مزولة شمسية لمعرفة الوقت وهي من صنع رشد الإيمان في سنة 1907م.
البائكة الجنوبية الشرقية:
تقع إلى الشرق من البائكة الأولى وهي تحمل تاريخ الإنشاء والمواصفات نفسها إلا أنّ المجلس الإسلامي قام بترميمها عام 1945م بها نقش يدلّل على أنها أنشأت في سنة 1021م/412هـ.
البائكة الشرقية:
هي من أكبر البوائك يصعد إليها بـ (25) درجة من جهة الزيتون في المنطقة الشرقية، تتكون من ركنين عظيمين يتوسطهما أربع أعمدة أسطوانية, يعلوها خمسة عقود أنشأت في بداية القرن العاشر.
البائكة الشمالية الشرقية:
تقع في مقابل باب حطة, فيها ثلاثة بلاطات منقوشٌ عليها الآتي: (البلاطة الأولى: بسم الله الرحمن الرحيم، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر, تكمّل بلاط الحرم الشريف وأنشئت هذه القناطر في أيام مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل محمد بن السلطان الشهيد الملك المنصور قلاوون وذلك في ثاني ربيع الأول سنة ست وعشرين وسبع ماية هجري).
وعلى البلاطة الثانية: (وكان فراغ هذا البلاط المبارك والقناطر المباركة).
وعلى الثالثة: (بنظر العبد الفقير إلى الله تعالى أيّدمر الشجاعي الملكي الناصري ناظر الحرمين الشريفين عفا الله عنه).
البائكة الشمالية الغربية:
وبها نقش مكتوب بالخط النسخي المملوكي ما يلي: (بسم الله الرحمن الرحيم، أنشئت هذه القناطر المباركة في أيام مولانا السلطان الملك الناصر العادل محمد بن السلطان الشهيد الملك المنصور قلاوون رحمه الله في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وسبع ماية للهجرة)، وهذه البائكة مقابل الباب العتم "باب فيصل".
البائكة الغربية الشمالية:
والذي يقع بجانبها الآن مقر حراس المسجد الأقصى, وهي عبارة عن ثلاثة أعمدة أسطوانية في الوسط وقد بنيت العقود على ركبتين عظيمتين في الأطراف يصعد إليها من جهة باب الناظر "باب المجلس" بثلاث وعشرين درجة، أنشأت سنة 738هـ.
البائكة الوسطى في الجهة الغربية:
يعود تاريخ إنشائها إلى سنة 340 للهجرة وهي شبيهة بمنْ قبلها وتعتبر من أقدم البوائك، وهي مقابل الباب الغربي لقبة الصخرة وأقرب بائكة إليه، حيث تفضي إلى باب المطهرة في المقابل.
البائكة الغربية الجنوبية:
وهي تقع بجانب القبة النحوية ويعود تاريخ إنشائها إلى سنة 877هـ/1472م, وبها نقش يشير إلى سنة الإنشاء والمُنشئ.
وختاماً لا يسعنا إلا أنْ نقف أمام الذين بنوا هذه القناطر ورفعوا هذه الموازين وقْفة إجلال وتأمّل، وقفة قارئ وناظر ومستبصر، وقفة زائر في جولة يتنقل بين هذه البوائك متعرّفاً على صفحات المجد، مترحّماً على قالون، مستغفراً لصلاح الدين، مادحاً سليمان، ممسكاً بالقرآن, تالياً آيات الرحمن لتعلوَ من فوق هذا الميزان لتتلاقى الدموع مع الآذان فيشرق النصر المبين على مساطب الأقصى ومحاريبه في لقاء قادم بإذن الله ربّ العالمين.
تؤكّد الاعتداءات الصهيونية الجديدة التي بدأت في أوائل فبراير 2007 على المسجد الأقصى وعلى باب المغاربة المؤدّي إلى حائط البراق، أنّ "إسرائيل" قد عزمت على إحكام سيطرتها على حائط البراق والمضيّ في مخططها لهدم المسجد الأقصى عن طريق الحفريات والأنفاق التي تمت وتتم تحت جدرانه، إلى جانب هدم ما حوله من أسوار وحوائط. فقد بدأت سلطات الاحتلال بتنفيذ قرارها بهدم تلة المغاربة الملاصقة للمسجد الأقصى، والاعتداء على الممتلكات الإسلامية، وقامت بالفعل بهدم سور خشبي وغرفتيْن قرب حائط البراق، في إطار مخطط "إسرائيلي" لطمس معالم المسجد الأقصى.
حائط البراق الذي يطلق عليه اليهود اليوم (حائط المبكى) يعتبر فصلاً دامياً من فصول الصراع العربي الصهيوني فهو وقف إسلامي أصيل تعود ملكيته إلى المسلمين دون غيرهم وقد ارتبط اسمه بحادث الإسراء والمعراج، حيث كان هذا الحائط مربطاً للبراق الذي حمل الرسول صلى الله عليه وسلم، ليلة الإسراء ولذلك سمى بحائط البراق وهو الجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك ويبلغ سمكه متراً واحداً وطوله 140 متراً.
وقد اعترف خبير "إسرائيلي" في شؤون الأماكن المقدسة في القدس وهو المحامي (شموئيل بركوفيتس) بملكية المسلمين لهذا الحائط، وقال في بحثٍ نشره (معهد القدس الخاص للدراسات الإسرائيلية) في نوفمبر 1997م: "إنّ الجدار تملكه قانوناً دائرة الأوقاف الإسلامية التي ترعى المزارات المحيطة بالحائط في القدس القديمة، وقد نزعت إسرائيل ملكية الحي اليهودي في المدينة القديمة بعد الاستيلاء على القدس الشرقية في حرب 1967 ووسعت المنطقة المحيطة بالحائط".
صراع قديم
والصراع بين المسلمين واليهود على هذا الحائط، الذي يعتبره اليهود بقيةٌ من (جدار الهيكل) القديم ويمارسون أمامه طقوسهم التعبدية، يعود إلى قرونٍ مضتْ، فعندما حرّر المسلمون القدس فتْحاً لا حرباً في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصّتْ (العهدة العمرية) التي كتبها عمر لأهل القدس على ألا يسكنها أحدٌ من اليهود وذلك تنفيذاً لرغبة البطريرك (صفرنيوس) الذي طلب ذلك من عمر عندما سلّمه مفاتيح المدينة المقدسة، ومع مرور الأيام ونتيجة للتسامح الإسلامي لم يتشدّدْ الحكام المسلمون في منع اليهود من زيارة القدس والسكن فيها، بل سمحوا لأعدادٍ قليلة بالدخول والتسرّب إلى القدس، وخلال (الحرب الصليبية) عندما دخل الصليبيون القدس حشروا اليهود، وعددهم كان قليلاً، في الكنيسة وحرقوها على رؤوسهم وطردوا من تبقّى منهم خارج القدس.
وعندما خلّص صلاح الدين القدس من أيدي الصليبيين عاد وسمح لليهود بدخولها والسكن فيها ليظهر التسامح الإسلامي في أبلغ صوره، وقد كانت مدينة القدس بعد الفتح الإسلامي موئلاً لقرار وحفاظ القرآن ورواة الحديث مما شجّع الولاة والأعيان أنْ يخصّصوا أوقافاً للصرف على هؤلاء القراء والحفاظ والعباد.
وممن استفادوا من هذه الأوقاف طائفة من (المغاربة) أقاموا بجوار الجانب الغربي من الحرم الشريف، فأوقف لهم الملك الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي وقفاً عرف (بوقف أو حي أو حارة المغاربة) على الجانب الغربي من المسجد الأقصى تتوسطه مدرسة الملك الأفضل.
وحدّدت الوقفية الحدود الآتية للوقف:
- الحدّ القبلي: سور مدينة القدس.
- الحد الشرقي: حائط الحرم الشريف (حائط البراق).
- الحد الشمالي: قنطرة أم البنات.
- الحد الغربي: دار الإمام قاضي القدس ثم دار الأمير عمار بن موسكي ثم دار الأمير حسام الدين قايماز، والدور الثلاث أصبحت تُعرَف مجتمعة بحي الشرف أو (حي الأشراف) وهذه المساحة بهذه الحدود هي حي المغاربة بالقدس، وقد حدّدت الوقفية بأنْ تخصص مساكن هذه الحارة لملغاربة وأن يكون ناظر الوقف مغربياً.
رعايا عثمانيون
وعندما تحسّن حال بعض المغاربة مادياً كانوا هم أيضاً يوقفون وقفيات للصرف على المغاربة أو ينشئون زوايا للعباده، أشهرها زاوية بن مدين التي أوقف عليها إيراد قرية (عين كارم) من قرى القدس.
وكان كلّ مغربي يتمتّع بسكنى مجانية في هذا الوقف ورغيفين من الخبز يومياً وإطعامية من اللحوم كاملة في العيدين وكسوة كاملة كل عام.
وفيما بعد أطلق اسم أبي مدين على كل الوقفية التي أوقفها الملك الأفضل بن صلاح الدين بالحدود نفسها التي أوردناها والتي أهمّها أنّ الجدار الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق) يشكّل الحدّ الشرقي للوقف وهذا الحدّ والنصّ عليه واضح وقاطع وحاسم في كل الوقفيات.
وفي عهد سلاطين المماليك وبني عثمان سمح لليهود المطرودين من أسبانيا بالدخول إلى القدس، وأقام اليهود الأسبان في حيٍّ بين حيّ الأرض وحي الأشراف الذي يجاور حي المغاربة، وخلال الحكم المصري في بلاد الشام (1822-1840) صار اليهود (السفاراديم) الذين لجؤوا إلى الممالك العثمانية رعايا عثمانيين وشكّلوا غالبية اليهود في القدس، وحوّلوا الكنيس الوحيد الذي أقيم فيها، بسماح وحماية السلطات الإسلامية، إلى أربعة كنس يظلّها سقف واحد، واعترفت السلطات العثمانية بحاخامهم ليكون ناطقاً باسمهم في حين شكّل اليهود (الإشكنازيم) الذين قدِموا من بروسيا والنمسا وبولندا وروسيا أقلية صغيرة يحتفظ أفرادها بجنسياتهم ويتمتّعون بالامتيازات الأجنبية لدولهم وخاصةً بعد افتتاح أول قنصلية بريطانية في القدس التي كان من مهامها (تقديم الحماية لليهود).
وبدأ اليهود يذهبون إلى حي المغاربة، ويقفون أمام الحد الشرقي للحي وهو الجدار الغربي للمسجد، ثم اختاروا خمسة مداميك (حجارة) من أسفل الجدار، وزعموا أنّها من حجارة الهيكل وبقيّة جداره، وكلّ الذي أظهروه هو الضعف ومجرّد البكاء أمام هذه الأحجار الخمسة، ثم تكرّر الحضور والوقوف أمام هذا الجدار حتى أصبح حضوراً دائماً ليلاً ونهاراً وأصبح هناك رصيف يقفون عليه عرضه 4 أمتار وطوله 30 متراً.
محاولات تبليط الرصيف:
وفي العام 1839 قام اليهود بمحاولةٍ أكثر طموحاً للحصول على (حقّ مكتسب) في حائط المبكى -كما يسمّونه- وذلك حين طلب القنصل البريطاني في القدس السماح لمحمية اليهود بتبليط الرصيف الكائن أمام الحائط، وكان قد أنشئ لمرور سكان محلة المغاربة وغيرهم من المسلمين في ذهابهم إلى (مسجد قبة الصخرة) ومن ثم إلى الحرم الشريف.
وبما أنّه ليس لليهود حقوق في ذلك المكان، وأنّ مرورهم إلى الحائط في أيامٍ معلومة ليس إلا من قبيل التسامح الذي أبداه نحوهم المسلمون فلا يستطيع اليهود أنْ يستعملوا هذا التسامح كوسيلة لتقديم مطالب بحقوق مطلقة.
وهذا الطلب لم يُقَدّم عن طريق رئيس الحاخامين اليهود المعترف بهم رسمياً وإنما كان تدخّلاً من بريطانيا. وقد عرض على المجلس الاستشاري الذي أنشأه محمد علي باشا فسمع شهادة ناظر الوقف وغيره ورفض الطلب، وأرسلت أوراق القضية إلى محمد علي فأرسلها إلى ابنه إبراهيم باشا في الشام لتنفيذ الرفض.
وردّ إبراهيم باشا على طلب اليهود بإصدار مرسومٍ يقضي بمنعهم من تبليط حائط البراق مع إعطائهم حق الزيارة على الوجه القديم.
وتضمّنت حيثيات الرفض أنّ المحلّ المطلوب تبليطه ملاصق للحرم الشريف وهو الطريق إلى محلّ ربط البراق وكلّها داخل (وقفية أبو مدين) وغير جائز شرعاً التغيير في نص الوقفية، وغير جائز تصديق أنّ اليهود يعمرون وقفية إسلامية.
وتزامن صدور مرسوم الرفض مع احتجاجٍ شديد عبّر عنه شيخ حارة المغاربة حيث كتب في احتجاجه أنّ حارة المغاربة مجاورة لحائط الحرم الشريف الذي نزل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ومرّ به ثم ربط براقه في الحائط نفسه ليلة أُسْرِي به إلى القدس.
وذكر شيخ المغاربة بأنّ اليهود قد يسمح لهم بزيارة الرصيف الكائن أمام الحائط ما داموا يتصرّفون باحتشام ودون رفع الأصوات. وقال: (إنّ اليهود في السنوات الأخيرة كانوا يأتون بأعدادٍ كبيرة ويسبّبون الضيق برفع صوتهم كما لو كان المكان كنيساً، والآن هم يريدون تبليط الأرض وذلك خطوة نحو تحقيق أهدافهم النهائية) وهذه الفقرة الأخيرة تعكس النظر الثاقب لشيخ المغاربة في ذلك الوقت المبكر حيث أدرك بحصافته البعد الاحتلالي الحقيقيّ الذي يكمن رواء مساعي اليهود الحثيثة لإثبات حقٍّ لهم في الحائط الغربي تمهيداً للاستيلاء تدريجياً على الأماكن المقدسة الإسلامية وطرد العرب من القدس وفلسطين.
واستمرّ اليهود في ذهابهم إلى حائط البراق والبكاء عنده، وبعد البكاء جاءت خطوة الصياح بالمقالات بعد أنْ كان المسموح لهم هو الزيارة فقط.
وفي العام 1911 حاولوا إحضار كراسي على الرصيف حتى يجلسوا عليها أثناء البكاء والصياح، وحاولوا إقامة ستارٍ بين كراسي الرجال وكراسي النساء، وتكرّر إحضار الكراسي أياماً، فرفع ناظر وقف المغاربة شكوى إلى محافظ القدس في ذلك الوقت يطالب بإيقاف جلب الكراسي، وإلا سيدّعي اليهود ملكية الرصيف ومربط البراق، فأبطل المحافظ هذه البدعة.
وانتهى العهد العثماني بوثيقتيْن مهمتيْن تتعلّقان بحائط البراق الأولى العام 1840 والثانية العام 1911 وكلتاهما تنصّ على أنّ الرصيف والحائط وقف إسلامي خالص، وأنّ ما أسماه اليهود حارة المبكى وحائط المبكى هو حارة البراق وحائط البراق.
وعد بلفور وحائط البراق
وبعد صدور وعد بلفور أغرى الصهاينة الشعب اليهودي بأنهم سيمتلكون حائط البراق، وذهب حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية بعد خمسة أشهر فقط من وعد بلفور إلى فلسطين وكتب من هناك إلى وزير خارجية بريطانيا يطلب تسليم الحائط لليهود وإجلاء المغاربة نظير تعويضٍ مالي.
وفي الوقت نفسه كتب طلباً إلى مفتي القدس عن طريق الحاكم العسكري البريطاني يطلب شراء أرض الوقف المغربي هذا، كما أرسل يهودياً مغربياً إلى ناظر الوقف المغربي يحاول إغراءه بالمال، وكان ردّ المفتي وناظر الوقف بسيطاً ومنطقياً: (الأرض وقف والوقف لا يباع) ثم أضاف أنّ هذا الوقف بالذات له مكانة عند المسلمين تجعل هذا الطلب مستحيلاً.
واستمرّ الصراع على الحائط بين المسلمين واليهود حتى صيف 1929، حين حاول مسلّحون يهود تغيير الوضع الراهن فيما يتعلّق بالحائط، فكانت (ثورة البراق) التي استفزّتْ المسلمين ونبّهتهم إلى الخطط الصهيونية المبيتة، واشتعلت الاضطرابات الدموية ووقعت صدامات في القدس وسائر أنحاء فلسطين انحازت فيها قوى الأمن والجيش البريطاني إلى جانب اليهود.
لجنة دولية
أرسلت بريطانيا لجنة (شو) للتحقيق في الاضطرابات فأوصت بإرسال لجنة دولية للتدقيق في حقوق المسلمين واليهود في حائط البراق، فأقرّ (مجلس عصبة الأمم) تشكيل لجنةٍ من ثلاثة أعضاء برئاسة وزير خارجية السويد حينذاك (إليك لوفغرن) وعضوية (شارلس بارد) رئيس محكمة العدل في جنيف و(س فان كمين) عضو البرلمان الهولندي.
واستمعت اللجنة إلى شهود من العرب واليهود بفلسطين وطلبت من الطرفين إبراز البيانات الوثائقية التي في حوزتهم والتي تدعم وجهة نظرهم. وبعد شهرٍ عقدت فيه اللجنة 23 جلسة اتّبعت فيها الأصول القضائية في بريطانيا وتوصّلت اللجنة إلى توصيتيْن شكّلتا وثيقة دولية في غاية الخطورة:
التوصية الأولى: (للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحقّ العينيّ فيه لكونه يؤلّف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف).
وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفاً طبقاً لأحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير (وأنّ أدوات العبادة وغيرها من الأدوات التي يحقّ لليهود وضعها بالقرب من الحائط، إما بالاستناد إلى أحكام هذا القرار أو بالاتفاق يبن الفريقين، لا يجوز في حالٍ من الأحوال أنْ تعتبر أو أنْ يكون من شأنها إنشاء حقّ عينيّ لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له).
التوصية الثانية: (لليهود حرية المرور إلى الحائط الغربي لإقامة التضرّعات في جميع الأوقات مع مراعاة الشروط الصريحة المشار إليها) وتتضمّن الشروط أدوات العبادة التي يسمح باستخدامها في مناسبتيْن فقط، وفي الأحوال العادية لا يجوز جلب أية أدوات إلى جوار الحائط).
وقد صادقت الحكومة البريطانية على الأحكام والتوصيات التي أصدرتها اللجنة، كما وافقت عليها عصبة الأمم، وصدرت في شكل قانونٍ نشرته الجريدة الرسمية للحكومة المنتدبة في يونيو 1931.
ونستنتج مما تقدم أنّ اللجنة انطلقت في حكمها من أنّ حائط البراق أثرٌ إسلامي بما فيه الرصيف المقابل والمنطقة الملاصقة له داخل المدينة القديمة، وأنّه ملك عربي ووقف إسلامي أبديّ وأنه ليس لليهود إلا مجرّد زيارته، بل إنّ هذا المرور مصدره التسامح العربي الإسلامي، ولا ينطوي على أيّ نوعٍ من أنواع الملكية لليهود، وتحكمه حدود العرف والتقاليد بحيث لا يمارس إلا بشروط معينة يقبلها العرب والمسلمون.
اليهود يهدمون حي المغاربة:
واستمرّ الوضع على ما هو عليه بالنسبة لحائط البراق حتى انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين، وأعلن عن قيام دولة "إسرائيل" في مايو 1948 واستولى الصهاينة على القدس الغربية وظلت القدس القديمة (الشرقية) بما فيها من مقدسات تحت سيطرة المسلمين الذين كانوا يسمحون لليهود بالوصول إلى حائط البراق كعهدهم من قبل، ولكن في حرب يونيو 1967 احتلّ جيش "إسرائيل" مدينة القدس القديمة وفيها الحرم الشريف وكنيسة القيامة.
وفي الأيام الأربعة التالية ذهب وزير الحرب (موشيه دايان) معه رئيس بلدية القسم اليهوديّ للقدس على حي المغاربة فأمرا بإخراج كلّ المغاربة وعددهم 650 مسلماً من بيوتهم بعد إنذارٍ دام ساعتيْن فقط، وهدموا جميع مباني الحي ومنها مسجدان وزاويتان، هدموها جميعاً بالديناميت، وأزالوا كلّ أثرٍ عربي ومحوا كلّ ما أقامه الملك الأفضل ابن صلاح الدين قبل 700 سنة، ثم نقلوا كلّ ركام الهدم والنسف في سيارات الجيش خلال يوميْ 11 و12 يونيو، ولم يكنْ لهذا الردم أيّ سببٍ حربيّ فقد انتهت المقاومة يوم 7 يونيو، إلا أنّ اليهود استمرّوا في التدمير داخل أسوار المدينة المقدسة، واغتصبوا أرض الوقف الإسلامي التي حاولوا شراءَها مدة نصف قرن، ثم أتبعوا الاغتصاب بهدم كل ما على الأرض من مباني المغاربة.
وأصبحت هناك مساحة واسعة من الجدار الغربي للحرم حتى باب المغاربة جنوباً وباب السلسلة شمالاً واستعلموا هذه المساحة للصلاة.
وفي 27 يونيو 1967 ضمّ اليهود كلّ المدينة المقدسة إلى "إسرائيل" وألغوا البلدية العربية وأرهبوا السكان للخروج وسلبوا بيوتهم وأراضيهم وأعطيت لمهاجرين يهود.
وفي 18 أبريل 1968 نشرت الجريدة الرسمية "الإسرائيلية" أمراً باستملاك جميع الأراضي ومساحتها 29 فداناً ما بين الحائط الغربي للحرم الشريف شرقاً وحي الأرمن غرباً.
وتم تنفيذ هذا الأمر فوراً دون إعطاء إنذار، مما أدّى إلى إخراج ستة آلاف عربي من بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم. وفي 1969 صادرت "إسرائيل" قطعتيْن من الأرض ملاصقتين للحرم الشريف من جهة حائط البراق كان على إحداهما مقرّ مفتي الشافعية وعائلة أبي السعود وهم خدم الحرم الشريف على مدى قرنيْن من الزمان ثم هدمت بيوتهم. وكان على القطعة الأخرى بناء المحكمة الشرعية الذي شيده العثمانيّون العام 1328 ثم جعل في عهد الإنجليز منزلاً لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى.
وبهذا تكون "إسرائيل" قد اغتصبت حائط البراق وأعلنت ملكية اليهود له بالقوة بعد أنْ وقف لهم الحكام والولاة السلمون بالمرصاد عبر قرنيْن من الزمان وحالوا دون امتلاكهم لهذا الوقف الإسلامي.
طقوس يهودية:
أمّا ما يمارسه اليهود من طقوس دينية أمام حائط البراق فقد وصفه الكاتب المصري صلاح منتصر في كتابه (إسرائيل بعيون صحافي مصري) فقال: (عند الخروج من باب المغاربة مررنا بحائط المبكى أو (كوتل ما عرفي) بالعبرية وكان هناك بعض اليهود الأرثوذكس المميّزين ببدلاتهم السوداء التي لا يخلعونها وقبعاتهم وضفائر الشعر المدلاة على أذانهم، وكان هناك عددٌ آخر من اليهود العاديّين بعضهم واقفٌ وآخرون يجلسون على كراسي صغيرة وقد ارتدوا جميعاً (الكبة) التي يشبكونها وفوق رؤوسهم، وبعض اليهود يضعون هذه الكبة بصورة دائمة وبعضهم يضعها في المناسبات الدينية التي لا يجوز فيها لليهودي أنْ يكون أمام ربه بدون غطاء رأس. ووسط الساحة الموجودة أمام الحائط كان هناك فاصل خصص الجانب الأيمن للنساء والأيسر للرجال، بما يمنع اختلاط الجنسين، وكان معظم الواقفين أمام حائط المبكى يمسكون في أيديهم كتباً صغيرة، كان واضحاً أنها دينية وربما التوراة، وكان يقرؤون فيها بطريقة طلبة المعاهد الدينية عندما يستذكرون فيهزّون نصفهم العلوي أماماً وخلفاً.
وكان هناك آخرون يقومون بدسّ أوراقٍ صغيرة جداً في الفراغات الموجودة بين الأحجار الكبيرة المبني بها الحائط ولم أعرفْ إلا فيما بعد أنّ هذه الأوراق تضمّ أمنيات أصحابها ويتمّ دسها في الفراغات الموجودة في الحائط لتذهب إلى الربّ فيقرؤها ويستجيب لأمانيهم فكان هذا الحائط قد تحوّل إلى صندوق بريدٍ يضع فيه اليهود رسائلهم إلى الرب وعلى أساس استغلال اليهود لكلّ شيء بما في ذلك تعبئة هواء القدس في زجاجات وبيعه ليهود العالم، كذلك ظهرت تجارة لتوصيل أمنيات اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل إلى الربّ من خلال صندوق بريد حائط المبكى!.
وقد أصبح سهلاً على أيّ يهوديّ في العالم أنْ يبعث رسالته إلى الربّ من خلال الفاكس إلى أحد المكاتب المتخصّصة في القدس، وهذا بدوره يقوم نظير رسمٍ معين بوضع هذه الرسالة في صندوق بريد الربّ في الفجوات التي يتمّ دسّ هذه الأوراق فيها في حائط المبكى وتركها تتحلّل وتسقطمع الزمن.
الحمد لله على كل حالٍ حمداً يوافي نعمه، ويدفع نقمه، فحين ينظر العبد إلى ما يجري في العالم من زلازل ودمار وضياع، يشتدّ قرباً وحباً وتمسّكاً ببيت المقدس ويدخل مسجدها آمناً مطمئناً، حيث البركة والسرور والهداية والرشاد، ويجلس على عتبات الأقصى باكياً حزيناً على ما أصاب الأمة وكيف تعاقب ليل نهار وتُحرَم من نعيم الإيمان، ولذّة حمل مفاتيح أرض الجنّات والمحشر والمنشر وأعظم ما عوقبت به الأمة طردها من أرض الرباط، فغدا رباط المنصوري الذي كان مجمّعاً للذكور والعبادة فارغاً، وغدا باب الناظر يرنو لكل ناظر إلى الأقصى بعين الحراسة والمرابطة، أن ادخلوا الباب طائعين، مستغفرين، ومع وقفة أثرية لهذا الباب.
الموقع:
يقع في الجهة الغربية لساحة الحرم الشريف في الرواق الغربي.
أسماؤه:
لقد ورد ذكر هذا الباب بعدة تسميات في المصادر والكتب التاريخيّة منها، باب ميخائيل (السيوطي في إتحاف الإخصا- ص204)، باب الناظر نسبة لناظر الحرمين الشريفين وهذه وظيفة كانت في زمن المماليك تعطى لمن يتولّى الإشراف على الحرم القدسي والحرم الإبراهيمي في الخليل، وبما أن هذا الناظر كان يقيم في المباني المجاورة لهذا الباب في الفترة المملوكيّة, فقد سمّي بهذا الاسم باب الحبس، نسبة إلى السجن الذي اتخذه الأتراك حيث جعلوا من الرباط المنصوري حالياً الموجود على يسار الخارج من الأقصى من هذا الباب حبساً، فقد سمّي بذلك، باب المجلس، وهو المشهور والمعروف به حالياً وذلك نسبة إلى أنّ المجلس الإسلامي الأعلى كان يقوم في مبنى المدرسة المنجكية الملاصقة للباب، والتي تتمثل حالياً بدائرة الأوقاف العامة.
تاريخ الباب:
يعتبر هذا الباب من ضمن الأبواب الأموية القديمة، فهو من الأبواب الرئيسة المؤدية لساحة الحرم المقدسي الشريف, إلا أنّ المصادر التاريخية لم تذكرْ وصف الباب إلا في الفترة الأيوبية سنة 600 هـ/1203م فقد ذكره (مجير الدين في الأنس الجليل ج2 ص30) ، وذكره العارف في (تاريخ قبة الصخرة ص217)، وأشار فان برشم في كتابه (الكتابات والنقوش الأثرية ج2 ص57) إلى وجود شريطٍ كتابيّ على باب الناظر يعود للفترة الأيوبية جاء فيه: "جدد هذا الباب أيام دولة سيدنا السلطان الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل سيف الدين"، ولا يزال هذا الشريط الكتابي موجود على الباب الخشبي. وفي الفترة المملوكية تم توسيع الباب وخاصة الدركاة التي تتقدم الباب من الجهة الشرقية فقد أنشئت في زمن السلطان الناصر محمد بن قلاوون وهناك نقش كتابي وسنشير إليه. وقد قام المجلس الإسلامي الأعلى بترميم الباب، واهتمت به دائرة الأوقاف ولجنة الإعمار لكونه من أهم أبواب المسجد الأقصى المبارك.
النقش:
في الجهة الشرقية من الرواق الغربي، وعلى الحائط القبلي لباب الناظر، نقشٌ يشير إلى تعمير الرواق، ومن ضمنها هذا الباب جاء فيه: "أنشئ هذا الرواق في أيام مولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن قلاوون أعزّ الله أنصاره بنظر العبد الفقير إلى الله بلفاق بن جفان الخوارزمي تقبل الله منه، وذلك في سنة سبع وسبعمائة".
الوصف المعماري:
يتألف الباب معمارياً من مدخل مرتفع ومتسع، معقودٌ بعقدٍ حجري مدبب، عليه باب خشبي من دفتين، يعلوهما من الجهة الغربية شريط كتابي من النحاس، ويتقدم المدخل من هذه الجهة قنطرة معقودة بعقد حجري مدبب، مغطاة بقبو متقاطع، تؤدي إلى طريق باب الناظر المؤدية إلى طريق الواد، وفي الجهة الشمالية من القنطرة يوجد مدخل المدرسة المنجكية، أما من الجهة الشرقية للمدخل فتوجد دركاة مربعة الشكل تقع ضمن رواق الحرم مفتوحة الجوانب تغطيها قبة ضحلة، مقامة على ثلاثة صفوف من المقرنصات، كما ويتوسط القبة من الداخل زخرفة لمقرنص، ويعلى القبة غرف المدرسة المنجكية.
وختاماً:
فإنّ السامع ليس كالناظر والقاعد ليس كالعامل، ومن شاهد الأبواب في جمالها وعظمتها وازدحام الناس عليها، علم مقامها، ومن شاهد الأعداء يحاولون الدخول منها فتصدهم بقوة الحديد الثابت.