د.عامر توفيق القضاة
خطبة جمعة ( على أبو غفلة ) .. -يعني من غير تخطيط-.
المكان: مدينة جرش ... المسجد: مسجد باب عمان ..
خطبة .. وسؤال محرج..؟؟؟!!
في الأمس .. وفي ذكرى الكرامة العزيزة .. أردت قضاء الجمعة في ربوع عجلون الحبيبة .. في الجنة - قريتي عين جنة -..
دخل وقت الجمعة وأنا في مدينة جرش .. دخلت المسجد وقد أذن المؤذن قبلي بفترة ,, والناس ينتظرون خطيبهم .. ولم يأتِ.. والجميع يرقب خطيباً يصعد .. واخذوا يتعازمون على أكلة منسف .. أو ورق دوالي ...
( مين يخطب ؟؟؟ مين يحطب يا جماعة ).....؟؟؟!!
شمّرت عن بنطلون الجنز الذي ألبس .. وتوكلت على الله - من غير عدة الشغل - وصعدت المنبر - بعد أن عزمت على أحد الإخوة يلبس ثوباً لكنه رفض-
اليوم يوم الكرامة . فكانت الخطبة عن الكرامة .. من السلف الصالح..... (ربعي بن عامر رضي الله عنه وترؤسه وفد المفاوضات مع الفرس ... وعبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه وقيادته لمجموعة من الأسرى المسلمين ومغريات وتهديدات الرومان له .. مع مقارنة بين مفاوضات اليوم مع اليهود .. وقلة الكرامة مع الأنظمة والحكومات التي لا تحترم أفرادها .. ولا تدافع عن أبنائها حتى لو قتلهم اليهود .. بل وتجعل السلام مع اليهود خياراً أعظم من دماء وكرامة الشعب ...
ثم كانت الوصية لنفسي ولإخواني أن نعلم أبناءنا كرامة معركة الكرامة ,,, والدروس والعبر منها ..مع تحية للجيش والشعب والمنظمات المجاهدة آنذاك .. مع زيادة الحسرة على واقعنا .. ونحن نرى الهجمة على الإسلام ورأسه المستهدف ..
ختمت خطبتي . بنصيحة للمستمعين وهي قراءة كتاب اسمه : ( قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله )...
بعد الخطبة .. استحييت من سؤال وجهه إليّ مجموعة من أهل المسجد والسائحين أثناء مرورهم في مدينة جرش ..
السؤال هو:
جزاك الله خيراً يا شيخ ... بالله عليك وين بتخطب الجمعة عادةً ؟؟؟ّّ!!!
استحييت أن أقول لهم أني ... أني .... ممنوع ... قصدي .. لا أخطب الجمعة .. لأن وزارة الأوقاف فيها كفايتها من الخطباء .. لذلك استوردنا خطباء من جمهورية السيسي الصهيونية ...ونقوم بفضل الله بتصدير خطبائنا لجميع دول العالم .. بما فيها أمريكا أم الديمقراطية ...
معذرة معالي الوزير ... سمعت همهمات بعض الناس ...
الله لا يوفقهم .. الله لا يعطيهم العافية .. الله لا يبارك لهم ...!!!
أتدري مَن معاليك!!!؟؟؟ مَن ساهم بالمنع .. ومَن ساهم بالاستيراد ..
وكل كرامة وانتم بخير ... وكل تصدير وخطباؤنا بخير ...
قراقوش .. المفترى عليه - قراقوش .. المفترى عليه - قراقوش .. المفترى عليه - قراقوش .. المفترى عليه - قراقوش .. المفترى عليه
قراقوش .. المفترى عليه
الشيخ علي الطنطاوي
قراقوش حدثتكم من شهور حديثًا، صححت فيه خطأ شائعًا، وبرَّأت فيه متهمًا مظلومًا، حين رددت باطل المتنبي وبيَّنت حق المؤرخين في كافور الملك العادل الذي صغَّره المتنبي وهو عظيم، وسيف الدولة الذي جعله المتنبي أعدل الملوك، وكان على براعته في الحرب من ظلمة الحكام.
ولقد جئت أحدثكم اليوم عن رجلٍ راح ضحية الأدب المفتري، كما راح كافور ضحيَّة الشعر الظالم.. هو قراقوش.
وقراقوش المسكين الذي صار على ألسنة الناس في كل زمان وكل بلد المثل المضروب لكل حاكم فاسد الحكم، فكلما أراد الناس أن يصفوا حكمًا بالجور والفساد قالوا: هذا حكم قراقوش.
وهم يحرِّفون اسمه فوق تحريف تاريخه.. فيقولون: قراقاش بدل قراقوش، وقراقوش معناها بالتركية: النسر الأسود (قوش: نسر، قرا: أسود).
إن قراقوش له صورتان: صورة تاريخيَّة صادقة، وصورة روائيَّة صوَّرها عدوٌّ له من منافسيه.
والعجيب أن الصورة التاريخية الحقيقية طُمست ونُسيت، والصورة الخيالية بقيت وخُلِّدت، فلا يذكر قراقوش إلا ذكر الناس هذه الحكايات العجيبة، وهذه الأحكام الغريبة التي نسبت إليه، وافتريت عليه.
فمن هو قراقوش؟
هو أحد قواد بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي، كان من أخلص أعوانه وأقربهم إليه، وكان قائدًا مظفرًا، وكان جنديًّا أمينًا، وكان مهندسًا حربيًّا منقطع النظير.
وكان مثالاً كاملاً للرجل العسكري، إذا تلقى أمرًا أطاع بلا معارضة ولا نظر ولا تأخير، وإن أمر أمرًا لم يرض من جنوده بغير الطاعة الكاملة، بلا اعتراض ولا نظر ولا تأخير.
وكان أعجوبة في أمانته، لما أحس الفاطميون بقرب زوال ملكهم شرعوا يعبثون بنفائس القصر، ويحملون منها ما يخف حمله ويغلو ثمنه، وكان القصر مدينة صغيرة، كدَّس فيها الخلفاء الفاطميون[1] خلال قرون من التحف والكنوز والنفائس ما لا يحصيه العدُّ، ولو أن عشرة لصوص أخذوا منه ما تُخفِي الثياب، لخرج كلٌّ منهم بغنى الدهر ولم يحس به أحد.
فوكل صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر، فنظر فإذا أمامه من عقود الجواهر والحلي النادرة والكئوس والثريات والبسط المنسوجة بخيوط الذهب ما لا مثيل له في الدنيا، هذا فضلاً عن العرش الفاطمي الذي كان من أرطال الذهب، ومن نوادر اليواقيت والجواهر، ومن الصنعة العجيبة ما لا يقوّم بثمن[2].
وكان في القصر فوق ذلك من ألوان الجمال في المئات والمئات من الجواري المنحدرات من كل أمم الأرض، ما يفتن العابد..
فلا فتنه الجمال، ولا أغواه المال، ووفَّى الأمانة حقها، ولم يأخذ لنفسه شيئًا، ولا ترك أحدًا يأخذ منها شيئًا.
وهو الذي أقام أعظم المنشآت الحربية التي تمت في عهد صلاح الدين، وإذا ذهبتم إلى مصر وزرتم القلعة المتربعة على المقطم المطلة على المدينة، فاعلموا أن هذه القلعة، بل هذه المدينة العسكرية، أثر من آثار قراقوش.
وإذا رأيتم سور القاهرة الذي بقي من آثاره إلى اليوم ما يدهش الناظر، فاعلموا أن الذي بَنَى السور وأقام فيه الجامع وحفر البئر العجيبة في القلعة هو قراقوش.
ولما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين وكادت تقع بينهم الحرب، ما كفَّهم ولا أصلح بينهم إلا قراقوش.
ولما مات العزيز الأيوبي وأوصى بالملك لابنه المنصور وكان صبيًّا في التاسعة، جعل الوصي عليه والمدبر لأمره قراقوش، فكان الحاكم العادل، والأمير الحازم، أصلح البلاد، وأرضى العباد.
هذا قراقوش، فمن أين جاءت تلك الوصمة التي وُصم بها؟! ومن الذي شوَّه هذه الصورة السويَّة؟!
إنها جريمة الأدب يا سادة.
لقد أساء المتنبي إلى كافور، فألبسه وجهًا غير وجهه الحقيقي، وأساء ابن مماتي إلى قراقوش، فألبسه وجهًا غير وجهه الحقيقي.
ولم يعرف الناس من الاثنين إلا هذا الوجه المعار كوجوه الورق الذي يلبسها الصبيان أيام العيد.
وابن مماتي هذا كاتب بارع وأديب طويل اللسان، كان موظفًا في ديوان صلاح الدين، وكان الرؤساء يخشونه ويتحامونه، ويتملقونه بالود حينًا وبالعطاء حينًا. ولكن قراقوش وهو الرجل العسكري الذي لا يعرف الملق ولا المداراة لم يعبأ به، ولم يخش شره، ولم يدرِ أن سن القلم أقوى من سنان الرمح، وأن طعنة الرمح تجرح الجرح فيشفى، أو تقتل المجروح فيموت، أما طعنة القلم فتجرح جرحًا لا يشفى ولا يريح من ألمه الموت..
فألَّف ابن مماتي رسالة صغيرة سمَّاها "الفافوش في أحكام قراقوش"، ووضع هذه الحكايات ونسبها إليه.
وصدَّقها الناس، ونسوا التاريخ.
ومات قراقوش الحقيقي وبقي قراقوش الفافوش، كما مات كافور التاريخ وبقي كافور المتنبي، وكما نسي عنترة الواقع وبقي عنترة القصة.
هذا يا سادة سلطان الأدب، فيا أيها الأدباء اتقوا الله في هذا السلطان، ويا أيها الناس لا تنخدعوا بتزييف الأدباء.
المصدر: كتاب (رجال من التاريخ - الجزء الأول) للشيخ علي الطنطاوي.
هدي النبي في الفتوى - هدي النبي في الفتوى - هدي النبي في الفتوى - هدي النبي في الفتوى - هدي النبي في الفتوى
هدي النبي في الفتوى
الشيخ أحمد الزومان
لا هدي أكمل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فأفلح وأنجح وهدي للحق من حرص على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأمور، وسنتناول في هذه السطور الحديث عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى، وكيف كان يتعامل مع المستفتين ؟
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى ترك المستفتي يقول ما عنده ولا يعاجله بالجواب ويستفصل من المستفتي إذا كان الحكم يحتاج إلى استفصال ثم يجيب، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لابْنِهَا، فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَقَالَتْ: لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَهَبْتَ لبنِي، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لابْنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا، قَالَ: لا، قَالَ: فَلا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ"[1].
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى التفصيل وذكر الأحوال إذا كانت مسألة المستفتي تحتاج إلى ذلك، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلاةِ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ"[2].
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى بيان المخرج الشرعي للمستفتي، فعَنْ أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي"[3].
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى أنه يبين حكمة التشريع من الحكم الشرعي، ففي رواية لمسلم لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواءً"، قال: بلى، قال: فلا إذا".
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى الجواب العملي فيفتي السائل عمليا، فحينما استفتاه عمار بن ياسر رضي الله عنه عن التيمم قال له: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا"، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ"[4].
وحينما سئل عن مواقيت الصلاة صلى أول الوقت في اليوم الأول وصلى آخر الوقت في اليوم الثاني ثم قال: "الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ"، رواه مسلم (614) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهذا أبلغ في التعليم فلا يتطرق للسائل وهم.
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى يبين الحكم بالقياس فيقيس المسألة المسؤول عنها على مسألة متقرر حكمها عند السائل ومن ذلك قياس الأولى، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: "أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه"، قالت: نعم، قال: "فدين الله أحق بالقضاء"[5].
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى أنه يجيب المستفتي بأكثر مما سأل عنه إذا كانت تدعو لذلك حاجة أو مصلحة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ ؟، قَالَ: "نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ"[6].
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى أنه إذا كان المستفتي عاجزا عن بعض أبواب الخير يوجهه لأبواب الخير التي يستطيعها، فعَنْ أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ ؟"، قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً"[7].
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى إذا استفتى المستفتي عن باب خير فيه مشقة وجهه لباب آخر من أبواب الخير مثله في الأجر أو أكثر منه أجرا وأقل مشقة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أَنَّ رَجُلا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بيت المقدس، فَقَالَ: "صَلِّ هَاهُنَا"، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "صَلِّ هَاهُنَا"، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "شَأْنَكَ إِذًا"، رواه الإمام أحمد (14502) وغيره بإسناد صحيح، فالصلاة في المسجد الحرام أكثر أجرا من الصلاة في المسجد الأقصى وأقل مشقة على السائل لأنه في مكة.
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى أنه لا يغلظ القول على المستفتي ولا يغضب منه إذا ترك واجبا أو فعل حراما، وهو أغير الخلق على حرمات الله فقد تكون الغلظة سببا في عدم السؤال مستقبلا، فعن سلمة بن صخر الأنصاري رضي الله عنه قال: كنت رجلاً قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان، فرقاً من أن أصيب منها في ليلتي، فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار، وأنا لا أقدر أن أنزع، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء، فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي، فأخبرتهم خبري، فقلت: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري، فقالوا: لا والله لا نفعل، نتخوف أن ينزل فينا قرآن، أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك، قال: فخرجت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري فقال: "أنت بذاك؟"، قلت: أنا بذاك، قال: "أنت بذاك؟"، قلت: أنا بذاك، قال: "أنت بذاك؟"، قلت: أنا بذاك، وها أنا ذا فأمض في حكم الله، فإنَّي صابر لذلك قال: "أعتق رقبة"، قال: فضربت صفحة عنقي بيدي، فقلت: لا والذي بعثك بالحق، لا أملك غيرها، قال: "صم شهرين"، قلت: يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام، قال: "فأطعم ستين مسكيناً"، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشى، ما لنا عشاء، قال: "اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقاً ستين مسكيناً، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك"، قال: فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي، فدفعوها إلي"[8]، هذا الأصل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم لكن قد يغضب أحيانا كم غضب على ابن عمر رضي الله عنهما حينما طلق امرأته وهي حائض.
- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى تصديق المستفتي وعدم طلب بينة منه على ما يقول، فالمسلم مؤتمن على الأمور التعبدية، فحينما أخبر سلمة بن صخر رضي الله عنه أنه لا يستطيع الكفارة صدقه النبي صلى الله عليه وسلم، فالبينة يطلبها القاضي لأنه حاكم وليس المفتي.
فياطلاب العلم الشرعي يا ورثة محمد صلى الله عليه وسلم اعتنوا بكل العلوم الشرعية ليكن لنا نصيب منها، ولا مانع من التخصص بنوع من أنواع العلم حتى نستطيع الإجابة على الأسئلة التي تلقى علينا، فالمشاهد أن البعض منا يحسن أحكام العبادات لكن عنده ضعف ظاهر في أبواب العلم المختلفة فمن جعل نفسه للناس فليتفرغ للعلم تعلما وتعليما للخاصة والعامة فهذا أفضل وألذ ما صرفت فيه الأوقات.
فالمفتي مبلغ عن الله تعالى، فهو واسطة بين الله وبين عباده في تبلغ شرعه فلنعظم هذا القدر ولا نجيب إلا عن علم {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: 116]، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"[9]، فإذا كان الكذب على الرسول بهذه المثابة فكيف بالكذب على ربنا تبارك وتعالى. والكذب هو الإخبار بخلاف الواقع.
فلنحذر من أن نستفتي من لا نثق بدينه وعلمه، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ برأيهم فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ"[10].
في الختام
فقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في حال عدم الطمأنينة لقول المفتي لاشتباه الأمر، أرشدنا إلى سلوك الورع وترك الأمر الذي لا ترتاح له النفوس المطمئنة التي لم يتسلط عليها الشيطان، فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِمَا يَحِلُّ لِي وَيُحَرَّمُ عَلَيَّ، قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ"[11]. فنترك الأمر المشكوك فيه تورعا وامتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنه وعن آله: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ"[12].
المصدر: شبكة الألوكة
[1][رواه البخاري (2587) و مسلم (1623)].
[2][رواه البخاري (1117)].
[3][رواه البخاري (5089) ومسلم (1207)].
[4][رواه البخاري (338) ومسلم (368)].
[5][رواه البخاري (1953) ومسلم (1148)].
[6][رواه مسلم (1336)].
[7][رواه البخاري (843) ومسلم (595)].
[8][رواه الإمام أحمد (15986) وغيره وإسناده حسن لغيره].
[9][رواه البخاري (1291) ومسلم (4)].
[10][رواه البخاري (7307) ومسلم (2673)].
[11][رواه أحمد (17288) بإسناد صحيح].
[12][رواه الترمذي (2518) وقال حديث حسن صحيح].
الأمة بين الواقع الرديء والمستقبل الوضيء/6 - الأمة بين الواقع الرديء والمستقبل الوضيء/6 - الأمة بين الواقع الرديء والمستقبل الوضيء/6 - الأمة بين الواقع الرديء والمستقبل الوضيء/6 - الأمة بين الواقع الرديء والمستقبل الوضيء/6
الأمة بين الواقع الرديء والمستقبل الوضيء/6
د. أحمد نوفل
1- مدخل: السياسة ومراجعها.
لوددت أن الوقت يتسع للبحث المعمق وطول النظر والوقوف مع المراجع المتخصصة، ولكن زحمة المشاغل والواجبات والالتزامات في اتجاهات متعددة لا تبقي للواحد مثل هذا الترف-الضروري.
ومع هذا فقد نظرت في أرفف مكتبتي في جناح "السياسة" فوجدت آلاف الكتب في هذا التخصص.. فاخترت في عجالة بعضها ونظرت فيها، ولفتني عنوان كتاب لتركي الحمد: "السياسة بين الحلال والحرام"، نشرته دار الساقي، ولا يخفى علي توجهات الكاتب والكتاب، ولا يضيرني أن أرجع إليه وأستفيد منه فنحن نقرأ باسم الله، وننتفع من كل شيء. على أن في الكتاب نقداً للممارسات في بلده، والحق في كثير منها معه. فكم ارتكب باسم الإسلام من ممارسات لا يقبلها عاقل.. ولا نحمل دين الله وزر أفعالنا، معاذ الله، والخطأ يجب أن يعترف به.
يقول في كتابه في تقديمه بعد أن ذكر أحلاماً كثيرة له: "رحت أحلم ثم تذكرت أننا نعيش في عالم توأد فيه الأحلام كما كانت توأد البنات وعرفت لماذا نقول: "بنات الأفكار.."
وقال تحت عنوان: "الدولة والفضيلة: لا ضرر ولا ضرار"، قال في ص118 "أكثر جمهورياتنا في العالم العربي هي ممالك وفق مفاهيم مكيافيلي"
ثم تكلم عن أسلوب القسر وأنه قد يؤدي إلى "اضمحلال في الضمير الجمعي" واستشهد بانهيار الاتحاد السوفياتي، الذي قام على هذه النظرية.. أي القسر والإكراه!
ويقول تحت عنوان: "اللاعبون بالمصائر" ص259: "المجتمع ليس مجرد تجمع كمي ومكاني معين فقط، بل إنه كيان له روح تمثله وتعطيه شخصيته المميزة، رغم التعددية الكامنة فيه، هذه الروح وتلك الشخصية تكونتا عبر تراكمات متواترة عبر مراحل الزمان، من خلل التفاعل الدائم بين وحدات المجتمع، وبيئته على اختلاف مستوياتها.."
ثم ينبه إلى تكيف المجتمع مع المتغيرات وخطر التدخل التعسفي في آليات التكيف والتغيير..
ويقول في ختام الكتاب ص313: "إن التغيير قادم قادم بهذا الشكل أو ذاك، واللبيب من يدرك هذه الحقيقة، ويتعامل معها على هذا الأساس.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون"
وفي الحلقات القادمة سأقبس من كتب مختلفة لتكون حافزاً لمن يريد أن يطلع على مزيد من الكتب، ولمن يريد أن يتوسع.
ولعلي أبدأ الحلقة التالية بكتاب لمحمد جابر الأنصاري: "العرب والسياسة أين الخلل؟ جذور العطل العميق" ونشرته دار الساقي أيضاً وطبعته الأولى سنة 1998م.
2- عود إلى أهمية نظام الحكم في السياسة.
ما زلنا نردد القول في أهمية السياسة، ونظام الحكم هو رأس النظام السياسي. ولقد بالغ الشيعة والمعتزلة حين عدوا مسألة الإمامة من أصول الدين. وفرّط مقابل إفراطهم من عدوا السياسة خارج الدين كعلي عبد الرازق. وقاتل الله الإفراط والتفريط ولمعرفة أهمية رأس نظام الحكم إليك بعض التصورات.
فتصور الأندلس لو كان يقود المسلمين فيها أمثال عبد الرحمن الداخل أو عبد الرحمن الناصر أو يوسف بن تاشفين أو طارق بن زياد أو ابن نصير، بدل أبي عبد الله الصغير، الذي سمي المنحوس واستسلم لمصيره اليائس أو الميؤوس.
وتصور لو لم يقف في وجه التتار بيبرس وقطز، ولو لم يقف في وجه الصليبيين أمثال نور الدين وصلاح الدين. كان التاريخ أخذ منحى ومنحنى آخر.
وتأمل حين دخل التتار على خليفة يشرب ويسمع المعازف وترقص أمامه الراقصات والتتار على أبواب بغداد، ووزيره ابن العلقمي متصل بالتتار عميل لهم. رأس البلاء من ها هنا يتأتى. وتصور لو أن "إسرائيل" قادها أمثال القادة العرب هل كانت تقوم لهم قائمة. أو لو أنها حكمت كل ستة شهور من ضابط خلع زميله وجلس على كرسي الرئاسة أو الحكم محله هل كانت هيمنت على العالم العربي، بل على العالم أجمع كما هو حاصل الآن؟ وكيف وصلت بأجبن شعب أن تقود العالم ووصلنا بأشجع شعب أن يدوسنا أراذل الخلق. إنها المفارقة في نمط القيادة في صعيدنا وصعيدهم وعندنا وعندهم. وفي بلد عربي موازنة الجيش خمسون ملياراً من الدولارات، وجيش "إسرائيل" موازنته الرقم نفسه ولكن الفرق في الفاعلية لا يقاس بالسنوات الضوئية بيننا وبينهم.. والمفارقة أن الفرد عندنا أفضل.
إن نمط القيادة السياسية يسري أثره في عروق المجتمع كالعافية إن كان سليماً أو كالسم إن كان عقيماً.
3- سياسة الاحتراب الداخلي أو تدمير الذات.
تأمل كيف تستنزف موارد البلدان العربية في حروب بينية، إما في البلد الواحد أو بين بلد وبلد. وكم هو يسير إشعال حريق كبير في البلد الواحد أو بين بلد وبلد. على صعيد البلد الواحد ما نجا من هذا المرض وهذه الآفة إلا قليل. فما من بلد إلا خاض هذه التجربة المرة، والتدمير الذاتي، لكن البعض خاضها أشرس من بعض.
فسوريا النظام الأسدي فاقت الجميع وفاقت كل التوقعات، والدعوى الجاهزة: المؤامرة الكونية وما المؤامرة إلا هم ووجودهم، وأي مؤامرة ألعن وأفتك مما فعلوه هم بهذا الشعب؟ ولماذا بمجيئهم توقفت الانقلابات؟ وهم من خاضوا حرب لبنان، فهزموا الفلسطينيين بعد مذابح في المخيمات، ثم عادوا كقسمة الثعلب قرص الجبنة بين الهرّين ظل يقضم من ها هنا وها هنا حتى أنهاه، وهذا نظام الأسد، فقد ضرب النصارى المارون، وضرب المقاومة، وضرب الجميع. حتى حزب الله نالهم منه من خلال شريكهم أمل ما نالهم قبل أن يصبحوا شركاء النظام وحلفاءه.
ومر بتجربة الاحتراب الداخلي لبنان قبل مجيء الأسد لتحزيبه.
ومر بها الجزائر من خلال العسكر وتخطيطهم لتدمير بلدهم أو الاستحواذ عليه فإما العسكر أو أن البلد سيدمر. تريدون الاستقرار. لا يضمنه إلا العسكر. والعسكر في طول العالم العربي وعرضه أس البلاء. وما حكم مبارك منكم ببعيد ولا العقيد الفقيد.. فهل من مزيد؟ ألا تعلمنا تجربة واحدة؟ ولماذا أمريكا في العالم العربي تحب التعامل مع العسكر؟ ولو كان فيهم الرجاء لوطنهم ما وثقت بهم، لكنها صنعتهم على عينها، وكما قال "تيم كين" (كوهين): "إن استثمار أمريكا في تدريب الضباط كان أجدى استثمار.." –الكلام بالمعنى من الذهن-. وصدق كوهين، فها هم يشكلون لها ضمانة العلمانية في كل البلدان العربية والإسلامية.
4- علمنة الأنظمة السياسية.
في طول العالم الإسلامي والعربي وعرضه، فإن العلمانية هي السائدة. معلنة أحياناً، ومستترة أحياناً. وفي كثير من الأحيان تتم اللعبة المزدوجة، بمعنى أمام سادتهم في الغرب بوجه، وأمام الشعوب وبعض بسطاء العلماء بوجه آخر، فهم يظهرون أنهم متدينون وأنهم يحترمون الإسلام. ولكن مسبار الواقع كشف الكثير من هذه الأقنعة والوجوه المزدوجة اللون. على أن قسماً آخر حسم أمره إن كان بقي البعض ينتفع من عدم الوضوح، ومن الغموض، فهو يرضي جميع الفرقاء.
أقول إن القسم الذي حسم أمره بعلمانية سافرة أول السابقين إلى هذا النهج مصطفى كمال، وكان إسفاره أو سفوره ليكون أسوة وليكون داعية، ولا يصح أن يكون داعية، مع الاستتار. وقد نجحت تجربته بمعنى أنه مثل دور المنقذ لبلده ولا زالت روحه تحكم تركيا واسمه مقدراً.. مع أنه رجع بتركيا قروناً إلى الوراء.. وسلخها من تاريخها وسياقها الحضاري وهويتها ورسالتها.. وألحقها تابعاً ذليلاً للغرب. وممن أسفر بعلمانيته البعث والجناح السوري منه بالذات، والنظام المصري الجديد. وقد بلغت الجرأة أو الوقاحة بكثيرين أن يقولوا إنه لا حل إلا بالعلمانية. وإن الإسلام هو الذي جرنا إلى الاقتتال الداخلي. وكذبوا والله تماماً.
ولموضوع العلمانية السياسية عود بإذن الله.
آخر شياكة!! - آخر شياكة!! - آخر شياكة!! - آخر شياكة!! - آخر شياكة!!
آخر شياكة!!
د.عبدالله سافر الغامدي
فلا شك أن النظافة والطهارة، وانعدام الأدناس والأقذار؛ مما تشتاق له العين والأنف، وترتاح له الروح والنفس، وهي من فطرة الإنسان وطبعه، والمطلب الأول لصحته وسلامته، ونموه وابتهاجه، وكذلك هي المؤشر الأول على درجة تعلمه، ومستوى الوعي والتطور في مجتمعه.
وتعدّ الطهارة ركيزة من ركائز الإيمان، وشرط من شروط العبادات، التي لا تقبل إلا بها، وفي الذكر الحكيم: [إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين]، وهو (جل في علاه)؛ طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، جميل يحب الجمال؛ في الأقوال والأفعال، واللباس والهيأة، كما يحب أن يرى أثر نعمته على عبده؛ في غير سرف ولا مخيلة.
ومن مزايا ديننا؛ خصال الفطرة المعروفة، والتي تنضوي تحت عنوان النظافة: قص الشارب، إعفاء اللحية، السواك، استنشاق الماء، قص الأظفار، غسل البراجم (ثنايا الجلد)، نتف الإبطين، الاستحداد (حلق العانة)، انتقاص الماء (الاستنجاء)، المضمضة، الختان، عدم نتف الشيب، خِضَابُ الشيب، ترجيل الشعر (تنظيفه وتحسينه).
لكننا ابتلينا في مجتمعنا الإسلامي بمن يسيء للقيم، ويضر بالمنهج، ويفسد الذوق، ويشوه المكان، ويضيع الجمال، حيث تشاهد من يظهر للناس بمظهر غير لائق، أو يخرج في منظر غير مناسب، كأن يلبس اللباس المتسخ، أو أن تكون يديه ملوثة، وأسنانه مصفرة، ورائحته منفرة، بينما المياه لدينا متوفرة، وأمور النظافة غير مكلفة.
كما تشاهد ما يقع في موسم الحج؛ من رمي بعض الحجاج للمخلفات في دروب المشاعر؛ دون تعظيم للمكان، ولا احترام للزمان، وفي الحديث الشريف: (من آذى مسلِمًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللَّهَ عزَّ وجلَّ).
ومثل ذلك ما نشاهده في المسجد؛ من المصلي الذي له هيئة مرفوضة في شكلها، ومذمومة في رائحتها، والتي لا يظهر بها إذا قابل صاحب سلطة، فكيف يقابل بها خالقنا سبحانه وتعالى، وكان الواجب عليه أن يستجيب لأمر الله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد).
كذلك فإن من المظاهر المؤذية والمذمومة؛ التي تشوه المظهر، وتفسد المنظر، أن تجد من يتمسح بالشماغ عند الحاجة، أو يعبث بأنفه، أو يلوث الطريق؛ بالبصق والنخامة، أو أن يرمي النفايات والمخلفات متى ما شاء، وفي أي مكان، وفي هذا مدعاة لتكوين بيئة خصبة لانتشار الحشرات والأمراض والأوبئة، ومن آذى المسلمين في طرقهم؛ وجبت عليه لعنتهم.
ومما ينبغي التنبه له كذلك؛ موضوع التغذية ونظافتها، والتي نتهاون فيها كثيراً، حيث لا نتورع عن تناول المكشوف منها، بينما هي لا تخلو من جراثيم وسموم؛ لوثتها الأدخنة والأتربة.
وقد كشفت دراسة علمية حديثة؛ عن وجود مخالفات خطيرة في الشروط الصحية بالمطاعم السعودية في كافة المناطق، والتي وصلت رداءة النظافة فيها إلى نسبة 92% من المجموع الكلي لعددها.
إننا نتمنى أن نتعاون جميعاً؛ على العلو في جميع أحوالنا المعيشية، والسمو في كافة أمورنا الحياتية، على أن تكون النظافة مكانها الصدارة، في كل شارع وحارة، وأن نهتم بتطبيق مفاهيمها، وتحقيق شروطها؛ ليس ذلك داخل بيوتنا فقط، وإنما في جميع مواقعنا المشهودة، ودروبنا المسلوكة.
قدوتنا الأعظم رسول الله
كلما خارتْ قوايَ وظننتُ أن الاستسلام للتيار أجدى؛ رجعتُ بروحي وعقلي إلى سيرة القدوة الأعظم صلاة الله عليه وسلامه، فوقفتُ وقفةَ الخشوع والإجلال تجاه سنينَ من حياته الشريفة قضاها في معالجة أخلاق قومه العرب وإعدادهم لحمل مشعل الفضيلة والهدى والسير به في أقطار الدنيا؛ وما هي إلا سنوات قلائل حتى كانت دعوةُ الإسلام أعزَّ دعوة تتحرك بها الألسنة، وحتى كانت الشعوب تتجرد من عقائدها وعباداتها، بل من ألسنتها وعاداتها، لتدخل تحت لواء الإسلام وتنادي بكلمة "حيَّ على الفلاح !" في آفاق جديدة من آفاق الأرض.
أمام جبل وغار حراء
كان مِن أول ما اشتهيتُ أعرفه –يومَ دخلتُ مكة– جبل حراء الذي خُوطِب عليه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بوحي الحق جلَّ سلطانه، ودارُ الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي التي كانت مختبأ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أن بلغوا أربعين، فكان منهم صفُّ الجهاد الأول في سبيل إعلاء كلمة الله عزَّ وجل.
وقفت من جبل النور على قلة شامخة زَلوج، وأرسلتُ بصري في الآفاق، فإذا جبال خالية من الناس، بعيدة عن ضوضائهم، مستريحة من دسائسهم وشرورهم: أمَرَها الله أن تكون فكانت، ولا تزال على أمرها الله به من غير تبديل أو تعديل؛ إلى أن يأمرها الله بالزوال فتزول.
وتشرَّفتُ بدخول الغار المبارك، ثم خلوتُ بنفسي بعيداً عن أصحابي أتأمل كيف أن روح خاتم الأنبياء وسيد أولي العزْم كانت من السَّعَة بحيث ترجو الله أن تعمَّ كلمةُ لا إله إلا الله" جميعَ أقطار الدنيا، وأن تعلوَ أرواحُ سكان تلك الأقطار من حضيض العبودية للبشر أو الجمادات إلى مستوى التوحيد الخالص الذي لا يليق بعقول البشر ونفوسهم غيره، وأن تتحوَّل أمم الأرض عن خرافاتها وأكاذيبها وخساساتها وحِيَلها فتكون بالإسلام أمةَ صدقٍ ورحمة وإيثار وعمل وجهاد وإ صلاح .
في هذا الغار هبط الوحيُ الإلهي على قلب عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الغار انتشر نورُ الهدى، فاستنارت به قلوب أمم لا عداد لها، وسيدخل هذا النور قلب كل ابن أنثى إذا استطاعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تتأسَّى به وتصغي إلى صوته فيما أمر به من معروف وما نهى عنه من فساد .
أمام دار الأرقم بن أبي الأرقم
ودخلتُ دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي الواقعة على يسار الصاعد إلى الصفا، فقلت في نفسي: لو شاء الله أن يُلين لدعوة عبده محمد قلوبَ أهل الأرض جميعاً لأجابوا نداءه في بضع سنين بل في ليال قلائل، ولكنه درسٌ من سيرة سيد الخلْق صلى الله عليه وسلم يجب على كل مسلم أن يتعلمه فيعلم منه أن الحصاد لا يستحقه إلا الذي زرع، وأن النتائج لا يحصل عليها إلا مَن قام بمقدماتها.
وويلٌ لمن يتقاعس عن الدعوة إلى الخير بحجة أن أهل هذا الزمان يصدُّون عن الاستجابة لها، وهو يتجاهل أن ما لَقِيَه قدوتُنا الأعظم صلى الله عليه وسلم من العقبات في سبيل دعوته لا يُعدُّ ما يلقاه دعاة هذا الزمان في جانبه شيئاً مذكورا .
ماذا علينا ؟ وماذا يجب أن نكون ؟
ألا فلْيُحاسبْ ورثةُ الأنبياء في عصرنا أنفسهم وليقولوا لنا ما هو الأذى الذي لقوه في سبيل الله، وما هو البذل الذي بذلوه لإعلاء كلمة الله، وأيُّ خُلُق من أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه تخلَّقوا به ليكونوا مثالاً حسناً للإسلام يُغري الأغيار بالإقبال عليه والإذعان له ؟
لم تسيءْ أمةٌ إلى تاريخها، ولم تَعْشَ أبصارُ شعبٍ عن سيرة عظمائه، كما أسأنا نحن إلى تاريخنا، وكما عميتْ أبصارُنا وبصائرُها عن مواقف العظمة في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وحياة أكابر المهتدين بهديه من الصحابة والأئمة والمجاهدين. ولعل هذه الثغرة في سور قلعتنا أوسعُ مكان تسرَّب إلينا منه الضعفُ، وأصابنا منه الوهنُ والانحلال.
نشكو إدبار النصر عنا، ولا نحبُّ أن يمرَّ ببالنا شبحُ المسئولية التي تتوجه علينا من هذا الجانب. نذكر بالفخر والإعجاب انتشار الإسلام في الصدر الأول انتشاراً يكاد يكون (معجزة)، وإذا قال إنكليزي مسلم كالمستر مرمديوك بكتول إن انتشار الإسلام الآن بمثل تلك السرعة ممكن إذا دعوتم إليه بسيرتكم وأخلاقكم؛ رجونا أن ينتهي كلامه بسرعة؛ ونهضنا معاهدين الشيطان على أن نبقى عند حسن ظنه فينا.
كلنا نقول إن محمداً صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا الأعظم؛ وكلنا نقرأ في كتاب الله عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة} [الأحزاب: 21]، وكلنا نعلم أن الموانع الواقفة اليوم في سبيل القرآن لا تعدُّ شيئاً مذكوراً في جانب الموانع التي كانت واقفة في سبيله يوم كان محمد صلى الله عليه وسلم يجتمعون في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي عند الصفا يعاهدون الله على الثبات حتى النهاية. وأقرب ما نقارن به حال اليوم وحال الأمس أننا الآن ثلاثمائة مليون يتلون القرآن (كان ذلك سنة 1349هـ/ 1931م)؛ وأنهم كانوا يؤمئذ أقل من أربعين.
ولكن أين الأخلاق ؟
مجلة الشبان المسلمين، العدد 211، القاهرة - يوم الخميس 12 ربيع الأول 1349هـ/ 1931م، السنة الخامسة [ص 161-162].
المصدر: مجلة الفسطاط التاريخية
احذر الحب على الإنترنت - احذر الحب على الإنترنت - احذر الحب على الإنترنت - احذر الحب على الإنترنت - احذر الحب على الإنترنت
احذر الحب على الإنترنت
مريم العجمي
الحبّ هدف يسعى إليه الكل.. والبعض يبحث عنه على الإنترنت أو الموبايل أو بالخروج من دائرة المعارف الصغيرة، وقد يقابل شريك حياته أو يصدم بقصة وهمية أو يسقط في فخ خداع؛ كما يحدث على شبكة الإنترنت التي تخفي وراءها شخصية مستخدميها.
عالم الإنترنت يتميز بالخصوصية وإقامة علاقات دون معرفة الشخصية الحقيقية؛ مما يوقع بعض الناس في مقالب وأكاذيب، رغم أنّ الإنترنت وسيلة مهمة للتواصل لكنه سلاح ذو حدين.
تقول هبة -21 عامًا-: "رسبت في السنة الأخيرة بالكلية، وكان لدي وقت فراغ، فكنت أقضي أغلب أوقاتي على الإنترنت، ومن خلاله تعرفت على شاب مصري يعيش في السعودية، ومن خلال كلامنا أحبني وأحببته وصار لا يمر يوم إلا ونتكلم، ووعدني بالزواج وتطور الأمر من الإنترنت إلى الموبايل ولا أخرج لأيّ مشوار إلا بعد أن أستأذن منه، وما زلت أحيا على أمل أن يأتي إلى بيتنا قريبًا".
كذاب
أما أميرة محمد -22 عامًا- فتقول: "أنا من ضحايا الشباب الذين يتخفون وراء أسماء بنات على فيس بوك، تكلمت مع ولد على أساس أنّه بنت ولم أكن أعرف، وتكلمنا في عدة موضوعات ومنها الحب وعرف عنى أنني من البنات التي لديها تحفظات في الكلام مع الشباب، وبعد فترة أصبحنا أصدقاء لكنه أنشأ حسابا آخر باسمه الحقيقي واعترف لي أنه ولد وليس فتاة، فكانت صدمة لي، وبدأ يطاردني بالرسائل على فيس بوك، ويقول إنه يحبني ويريد التقدم لي للزواج، ويريد أن تستمر علاقتنا على الإنترنت لكي نتعرف أكثر، لكنى رفضت لأنه شخص كذاب".
إشباع الحرمان
وترى أميرة بدران -مستشارة نفسية واجتماعية- أنّ لجوء الشباب والفتيات للإنترنت يرجع إلى أننا لم نوفر لهم أنشطة مفيدة نظيفة، مشيرة إلى أن الفطرة تدفعهم للحب والارتباط، وهناك غياب لثقافة الاختلاط المنضبطة.
وقالت: "هناك مدرسة تحارب الاختلاط وتتجنبه طوال الوقت قدر الإمكان، ومدرسة أخرى تترك الحبل على الغارب، متناسية أن الاختلاط دون ضوابط يتسبب في مشكلة أيضًا"، موضحة أنّه يكون الأسلم من وجهه نظر بعض الشباب في ظل هذا الإفراط والتفريط أن تكون هناك علاقات سرية تتيح إشباع العاطفة، ولا تمتد للواقع الذي يرفضها.
وتطالب بضرورة توافر أنشطة هادفة ونظيفة وعامة تتيح الاختلاط بشكل يخدم الفطرة وينفس عنها دون وقوع في علاقات غير منضبطة.
وتحدد أميرة بدران أسباب وقوع الشباب في فخ علاقات الإنترنت في:
- غياب حوار المشاعر والعلاقات وحدودها للفتاة والشاب، وتمييز تلك العلاقات إلى علاقات عامة وعلاقات خاصة ولكل منها ضوابطه وأدبياته وحدوده.
- وجود مشكلات داخل الأسرة كنقص الاهتمام النفسي والرعاية النفسية، والحوار، والبوح والتعبير، فيلجأ الشباب إلى عالم الفضاء الواسع ليستمع إليه أي شخص، ويحدثه عن أفكاره وهمومه، فتأخذ شكل علاقة حب بالتزوير رغم أنها تنفيس عن النقص والجوع والحرمان في الأسرة.
- وجود مشكلات لدى الشخص نفسه لا يستطيع أن يواجهها ويعالجها بشكل صحيح، فيعالجها من خلال الشبكة؛ كأن يكون الشخص منطويًا فاقد الثقة بالنفس ضعيف العلاقات، لا يستطيع التعبير عن نفسه وعن آرائه؛ لكن الشبكة تمكنه من كل ذلك ولا مانع من أن تأخذ شكل الحب.
- فقدان الأنشطة الحقيقية المجمعة للأسرة سواء الصغيرة أو الممتدة؛ مما يتيح وقت فراغ يتم استثماره فيما لا يفيد.
- ضيق ذات اليد خاصة في العشرينات بسبب الوضع الاقتصادي، ومتطلبات الزواج التي صارت تحتاج إلى عصا موسى السحرية؛ مما يجعل البعض يفضل العيش في حالة حب لا تكلفه شيئًا للبعد عن الرقابة المجتمعية والفراغ الذي يعيش فيه أغلب الشباب.
الوقاية من الخداع
وأكدت نيفين عبد الله -مستشارة ومدربة اجتماعية- أن مجتمع الإنترنت وعلاقاته كلها غير حقيقية وتقوم على الكذب والادعاء، وكل شخص له شخصية على الإنترنت ليست شخصيته الحقيقية وإنّما تكون أقرب للشخصية التي يتمنى أن يكون عليها في الحقيقة.
وقالت: "إن الوقاية من هذا الخداع ليست في الرقابة أو المنع، لكن في علاج الأسباب"، مشيرة إلى أن بعض الشباب يدخل لملء الفراغ سواء فراغ الوقت أو فراغا نفسيًّا أو عقليًّا أو روحيًّا أو اجتماعيًّا.
وتضيف نيفين عبد الله: "لو كان لدى الشباب قدر من العلاقة المعقولة بربهم فستكون لديهم رقابة ذاتية تمنعهم من الوصول إلى احتياجاتهم النفسية بطرق خاطئة"، مؤكدة أنه عندما يكون لديهم علاقات مشبعة مع أهلهم وأصدقائهم ومجتمعهم لن يضطروا إلى البحث عن بديل بطريقة خاطئة.
وقالت: "إذا أردنا البحث عن طرق للوقاية فلا بد أن نعالج الأسباب".
لطفي بن نصر \مجلة البيان
تقع جمهورية البيرو على الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، ويحدها من الشمال الإكوادور وكولومبيا، ومن الجنوب تشيلي، ومن الشرق البرازيل وبوليفيا.
وللبيرو تاريخ مجيد يعود إلى حضارة الأنكا، واحتلها الإسبان من سنة 1532 إلى سنة 1824، حتى قاد سيمون بوليفار وخوسيه سان مارتن حركة التحرير هناك.
انضمت البيرو إلى ما يعرف بكولومبيا الكبرى، غير أن ذلك لم يعمر طويلاً فانفصلت عن الاتحاد الكولومبي بعد انهياره عام 1830.
اختلف المؤرخون في رصد البدايات الأولى للوجود العربي والإسلامي في دول أمريكا الجنوبية واللاتينية، ومنها البيرو، إلا أن هناك قرائن تثبت أسبقية ذلك الوجود، وجملة هذه القرائن تثبت أن المسلمين عرفوا العالم الجديد قبل اكتشافه من قبل كولمبوس بنحو أربعة قرون تقريباً، حيث ترجّح بعض المصادر والمراجع أن العرب والمسلمين عرفوا العالم الجديد في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، وبالتحديد ما بين عامي 1100 و1150م، فيما كانت بداية حركة الكشوف الجغرافية الغربية للعالم الجديد في عام 1490.
ومن أبرز شواهد الوجود الإسلامي في البيرو: الطابع المعماري الأندلسي الذي يميّز مساكن العاصمة ليما، حتى يخيّل لك وأنت تتجول في شوارعها أنك في قرطبة أو أشبيلية.
لقد أرسى المسلمون أسس حضارتهم وظهر تأثيرهم بجلاء في أساليب البناء وفنون العمارة، وفي النظم الاجتماعية، بل حتى في طريقة اللباس وأسلوب الطعام.. ليزداد العمق الإسلامي وجوداً مع فترة الهجرات العربية والإسلامية إلى العالم الجديد عقب انهيار الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين، وليتضاعف مع احتلال فلسطين عام 1948 وتهجير أهلها قسراً، ليتركز المسلمون بشكل مكثف في العاصمة ليما.
مسلمو البيرو.. عمق التحديات وحقيقة المخاطر
رغم تلك الأسبقية في الوجود على أرض البيرو، إلا أن المسلمين يتعرّضون لخطر حملات التنصير التي لا تهدأ في محاولة منها لتضييع الهوية الإسلامية لمسلمي البيرو.
وتؤكد بعض الإحصائيات أن أكثر من ألف مسلم في البيرو يتحولون عن الإسلام بفعل الحملات التنصيرية التي تستهدفهم.
ويرجع نجاح عمليات تنصير المسلمين إلى قلة عدد المساجد والمدارس والدعاة والمؤسسات الإسلامية، التي تحاول أن تجد حلولاً لمشكلاتهم الاجتماعية والدينية. ومن غرائب الأمور أن المسلمين في البيرو يدفنون موتاهم في مقابر النصارى؛ نظراً لعدم وجود مقابر مخصصة للمسلمين، وهي مشكلة تُظهر عمق التحديات وحقيقة المخاطر التي يواجهها المسلمون هناك (أحياء وأمواتاً).
ويضاف إلى ذلك عدم وجود دعاة عرب ومسلمين يتحدثون الإسبانية ليكونوا قادرين على التواصل مع مسلمي البيرو، وتثبيت عقيدتهم. ويعاب على الدول العربية والإسلامية والمنظمات الإسلامية قلة الاهتمام بمسلمي البيرو وتقصيرهم في الدفاع عنهم.
ورغم كل هذه المعوقات، إلا أن واقع الحال يشير إلى نقطة إيجابية، فرغم أن معظم المسلمين يقطن العاصمة ليما، ورغم قلة عددهم؛ إلا أن “تأثيرهم يفوق حجمهم”، حيث تجمعهم علاقة طيبة مع ممثلي الدول العربية والأجنبية، كما أن لهم مكانة عند الأحزاب السياسية والمنظمات، إضافة إلى صداقتهم مع جميع الطوائف الدينية الأخرى؛ ولهذا فقد خصصت السلطات لهم ساعات بث يومية باللغة العربية على إذاعة ليما؛ وذلك للتعريف بالإسلام. كما أن وسائل الإعلام هناك تقدم بين وقت وآخر برامج إعلامية عن الإسلام والمسلمين، خاصة في المناسبات الدينية؛ كمناسبة شهر رمضان، وعيدي الفطر والأضحى.
ويتمتع مسلمو البيرو بحالة اقتصادية جيدة، فمعظمهم يملكون محال تجارية، والآخرون لديهم استثمارات صناعية ضخمة، خاصة في صناعات الغزل والنسيج والسياحة.
وينشط المسلمون من ذوي الأصول الباكستانية في تجارة السيارات المستعملة بمدينة “تاكنا” جنوبي البيرو، وقد استقر معظمهم في المدينة، وحرصوا على إيجاد مسجد لهم يعرف بمسجد باب الإسلام، والذي يبدو أنه قد حاز من اسمه نصيباً، حيث حرص منشئوه على جعله بوابة لنشر الدعوة والثقافة الإسلامية.
اللهم كأجر الرجل الذي ضحكت منه - اللهم كأجر الرجل الذي ضحكت منه - اللهم كأجر الرجل الذي ضحكت منه - اللهم كأجر الرجل الذي ضحكت منه - اللهم كأجر الرجل الذي ضحكت منه
اللهم كأجر الرجل الذي ضحكت منه
د. ديمة طهبوب
ستقف «الآمين» على طرف لسانك إذا كنت ممن يدعون بقلوبهم لا فقط بألسنتهم والإمام يناجي «اللهم ارزقنا لذة النظر الى وجهك الكريم»!
ستقف «الآمين» على طرف لسانك وتخنقك العبرة عندما تنظر في حالك وتعلم علم اليقين بأنك لست أهلا للتأمين على هذا الدعاء، وإذا لمعت أنوار الخشية في قلبك ستسأل نفسك: ومن أنا حتى أستحق هذا النعيم الذي ما بعده نعيم كما وصف أهل الجنة في الحديث عندما بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن المقربين منهم سيرون وجه ربهم كما نرى القمر ليلة البدر، والشمس ليس دونها سحاب، فإذا (دخل أهل الجنة الجنة،: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم، فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجينا من النار، قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل» وهذا مصداق قوله تعالى «للذين أحسنوا الحسنى وزيادة» فالزيادة هي رؤية وجهه سبحانه وتعالى.
وقد يقال أن الأصل أن نحسن الظن لأنه سبحانه الغفور الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء الا أن حسن الظن بالله ليس أمرا مطلقا وإنما هو مقيد بحسن العمل وقرين له، فلقد جاء في الحديث «ليس الإيمان بالتمنى ولا بالتحلى, ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل، وان قوما غرتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم, قالوا نحسن الظن بالله وكذبوا؛ لو أحسنوا الظن به لأحسنوا العمل».
وقد وصف القرآن حسن الظن بغير عمل واستحقاق بالطمع وللكلمة ظلالها السلبية، ونبه أن الذين استحقوا جنان النعيم عند ربهم إنما دخلوها برحمة الله الذي تقبل أعمالهم الخالصة لوجهه، بينما وقف من تساوت حسناتهم وسيئاتهم على الأعراف لم يؤذن لهم بالدخول وهم يطمعون بذلك «لم يدخلوها وهم يطمعون».
ولقد أشار الدعاء المأثور أن نسأل الله الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل، وفي هذا تأكيد أن أمنية القلب ودعاء اللسان لا يكفيان ما لم يؤيدهما العمل.
ولقد تمثل الصحابة مقام الخشية والرهبة والخيفة في حياتهم وكانوا يكثرون من اتهام أنفسهم مع إحسانهم فقد ورد عن أحد التابعين أنه كان يدعو «اللهم أجرني من النار، أوَ مثلي يجترىء أن يسألك الجنة؟ وعن عطاء أنه كان يقول: «كفاني أن يجيرني الله من النار» وكان الحسن البصري يزيد على ذلك فيقول: «ليست النوافل لأمثالنا إنما هي لمن كملت فرائضه».
وقد مدح القرآن أصحاب مقام الخشية فقال سبحانه «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ» وهؤلاء ليسوا الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر، بل الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويتخوفون ألا يُتقبل منهم.
لقد كان السلف يرون حتى التوبة من فضل الله عليهم «ثم تاب عليهم ليتوبوا» وكانوا يدققون في أقوالهم ولا ينسبون لأنفسهم خيرا الا برحمة الله فعن الربيع بن خيثم أَنَّهُ قَالَ: لَا تَقُلْ: أَسْتَغْفِر اللَّه وَأَتُوب إِلَيْهِ فَيَكُون ذَنْبًا وَكَذِبًا إِنْ لَمْ تَفْعَل بَلْ قُلْ: اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، وكانوا يقولون «لا تفرح بالطاعة لانها برزت منك، ولكن افرح لانها برزت من الله إليك».
إن المرء إذا عاش مع صفات جلال الله ورحمته و رأى نعمه عليه وأحس بالظاهر منها والباطن ورأى ما جنته يداه سيستحي أن يسأل الله الفردوس الأعلى ويعظم الرغبة وأهلها هم النبيون والصديقون والشهداء وهو لا يجد نفسه في أي منهم.
إن من يعرف نفسه سيحسن الأدب مع ربه الذي يعلم خائنة عينيه وما يخفي صدره ويجعل أقصى أمله أن يحصل مثل أجر الرجل الذي ضحك الله منه، فقد ورد في الحديث أن الله يفرغ من القضاء بين العباد يوم القيامة «ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار. وهو آخر أهل الجنة دخولا للجنة. فيقول: أي رب! اصرف وجهي عن النار. فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها. فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه. ثم يقول الله تبارك وتعالى: هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره! فيقول: لا أسألك غيره. ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله. فيصرف الله وجهه عن النار. فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت. ثم يقول: أي رب! قدمني إلى باب الجنة. فيقول الله له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الذي أعطيتك. ويلك يا ابن آدم! ما أغدرك! فيقول: أي رب! ويدعو الله حتى يقول له: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره! فيقول: لا. وعزتك! فيعطي ربه ما شاء الله من عهود ومواثيق. فيقدمه إلى باب الجنة. فإذا قام على باب الجنة انفهقت له الجنة. فرأى ما فيها من الخير والسرور. فيسكت ما شاء الله أن يسكت. ثم يقول: أي رب! أدخلني الجنة. فيقول الله تبارك وتعالى له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت. ويلك يا ابن آدم! ما أغدرك! فيقول: أي رب! لا أكون أشقى خلقك. فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله تبارك وتعالى منه. فإذا ضحك الله منه، قال: ادخل الجنة. فإذا دخلها قال الله له: تمنى. فيسأل ربه ويتمنى. حتى إن الله ليذكره من كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني. قال الله تعالى: ذلك لك ومثله معه»
ومن كان يستقل ذلك ويتطلع الى ما فوق قدره فليتذكر حديث الرسول «لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها»،
اللهم لا تحرمنا بذنوبنا موضع سوط في الجنة.
لنريه من آياتنا - لنريه من آياتنا - لنريه من آياتنا - لنريه من آياتنا - لنريه من آياتنا
لنريه من آياتنا
رقية القضاة
إنه رسول الله
القلب الذي يحمل الرأفة لأمته ما زال يتسع للمزيد من الصبر، والنفس التي ارتقت إلى أعلى مقامات الرقيّ والثبات ما زالت تبث الدفْ حولها، واليد التي امتدت منذ أول لحظات الوحي بالرسالة الطيبة العظيمة، مازالت تمتد بالعطاء والتوضيح والإشفاق على الأهل والعشيرة، والرّوح التي أخلدت بسكينة ويقين واستسلام لربها وامتثلت لتكليفه بنشر الخير المنزّل بالرحمة والغيث والمواساة والكرامة لكل أطياف البشرية، ما زالت هذه الرّوح الندية تتوق إلى بث الهدى والنور على كافة أرجاء البسيطة.
وذلك كلّه برقيّ معانية وجميل عطاءه، وجود نداه، ولمسة حنوّه وانبثاقة دفئه ونوره، يتمثّل في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أرسله الربّ الرّحيم بالرسالة الراشدة الرشيدة، رحمة للعالمين وهدى للبشرية التي ضلّت الطريق، وأضاعت القيم الإنسانية، وتلبست برداء الضلالة والقسوة والفرعنة والجهل والظلم، حتى أصبحت الأرض مكانا بغيضا لكل من سيم الهوان واستعبد واسترق وسلب كرامته وامتهنت إنسانيته، فأشرق حينها النور البهي والكوكب الدرّي، وأطلت شمس اللطف الرباني ساكبة شعاعها النيّر في كل قلب متفتح لنور الله، ولكنّ القلب الذي حمل كلّ هذا الخير للأمة، تعتريه حالة المشاعر الإنسانية، فما صاحبه صلى الله عليه وسلّم إلّا بشر مثل سائر البشر، ولكنّه فضّل بالرسالة والنبوة والكمال وأتمّ ربّه عليه نعمة الخلق والخلق، تعتريه حالة الحزن والألم والفقد، وتؤذيه حالة التكذيب والعداء التي يواجهه بها أهل الباطل، وهم يصدون عنه صدودا، فيجتمع عليه ألم فقد زوجته الداعمة خديجة بنت خويلد، وعمّه العطوف المشفق أبا طالب فلا يجد إلا الصبر الجميل، والتجلّد النبيل، والشعور بالقرب الربّاني، فيبثّ شكواه وحزنه إلى الله، وهو يرجوه أن يغفر لقومه بأنهم لا يعلمون.
بحثا عن النصير
وتمضي الأيام الحزينة قدما والهمّة النبويّة المتوجهة لربّها جل وعلا في أوج انطلاقتها والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته على قبائل العرب، على أمل أن يكون فيها زعيم رشيد لا يرى في الإسلام تهديدا لنفوذه، أو حدّا لعنجهيته، ولكن القلوب الصماء والعيون التي تنظر ولا ترى والقلوب التي سكنها الصدأ عقودا، لا تلين لكلمات الله، وحدها تلك النفوس الرقيقة والقلوب الكليمة والأرواح الطامحة للحرية، آمنت بآيات الله، وحدها تلك الأيدي المكبلة بقيود العبيد وتلك الطبقة المحتقرة لفقرها، أو بساطة أصلها، أو قلة نفوذها، سارعت إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ولم تخل الفئة المؤمنة المستضعفة من أولئك النبلاء والأغنياء والكرماء، أولئك الذين وجدوا في دعوة النبي صلى الله عليه وسلّم ورسالته صدى أفكارهم النقية الرافضة لواقع الجاهلية المقيت فصدّقوا به ونصروه وواسوه قدر استطاعتهم، دون تردد ولا تقصير.
رحلة الإسراء والمعراج
من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، يرهقه طول المسير، وشعور الحزن وعنت الجبابرة، وهو صابر مصابر مرابط في أم القرى مجاور للبيت الحرام، ويمتن الربّ الرحيم على نبيه الكريم، وتكون رحلة الإسراء والمعراج، ويحمل المصطفى صلى الله عليه وسلم، على ظهر البراق ساريا في ليلة أشرق فيها البدر بهاء، وهو يرقب الرحلة الشريفة، تمد جسر البركة والتلاحم والتشريف الرباني، كخيط من ضياء وتوحيد وذكر وصلاة وعبادة، ما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ليظل هذا الجسر ممتدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
سيظل المسجد الحرام، بيت الله ومكان الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، وسيظل الأقصى المبارك موطن الجهاد ومكان ذروة سنام الإسلام، وسيبقى ساحة فداء للطائفة المنصورة المرابطة في سبيل الله لا يضرها من عاداها، سيظل المسجد الحرام قبلة الصلاة وموقع الطواف وبيت الله الحرام ومن دخله كان آمنا، وسيظل المسجد الأقصى مسجدا تشد إليه الرّحال، وتسنّ الصلاة فيه، فإن عزّت الصلاة فيه على مسلم فليرسل بزيت يضاء في قناديله.
إلى السماوات العلى
وهناك في الأقصى المبارك، أمّ خير الخلق، حين أهلّ نور الفجر بالرسل الكرام، وهناك كانت رحلة المعراج تمضي للسماء، ويحط ركب المصطفى الميمون في أرجاءها، ويرى من آيات ربّه الكبرى، ويعود إلى أمته بكنز الخيرات، وسرّ البركات، يعود بخمس صلوات مكتوبة مفروضة، من أداها بحقّها كان له أجر خمسين صلاة، ويعطى ما لم يعط سواه من الخلق، عليه أفضل صلوات الله، ويعود النبي صلى الله عليه وسلّم من رحلته المباركة، مبشّرا بجنة رآها رأي العين، ومنذرا نارا وقودها النّاس والحجارة قد رآها رأي العين، وتسخر العقول الجامحة بفرعنتها من آيات الله، فتخزى في الدنيا والآخرة، وتزداد القلوب المؤمنة إيمانا وتصديقا، فتفوز برضى ربها في الدنيا والآخرة.
وتستمر السورة الكريمة آياتها تترى، تحذّر اليهود وتنذرهم الخزي والندامة، وتبشرهم بالقتل والتدمير والفناء، فما كان لأمة حاقدة على البشرية محاربة لله، قاتلة لأنبيائه، صناعتها الإفساد في الأرض، والعياث فيها علوا وخبثا، ونهجها قتل المؤمنين وسلب أوطانهم وهدم مساجدهم، ما كان لها أن تبقى في علوّها دون حساب، بل يقرّر ربنا جل وعلا، وفي سورة الإسراء أنها ستباد وتدمّر، وليسوء وجهها أولئك الذين استضعفتهم هذه الشرذمة من الخلق، سيسوء وجهها أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمد صاحب الإسراء والمعراج، صاحب لواء الإمامة بالأنبياء في رحاب المسجد الأقصى المبارك.
اللهم ارزقنا صلاة في المسجد الأقصى وأنلنا شرف الشهادة على ثراه ابتغاء وجهك الكريم.
«.. وترجون من الله ما لا يرجون» - «.. وترجون من الله ما لا يرجون» - «.. وترجون من الله ما لا يرجون» - «.. وترجون من الله ما لا يرجون» - «.. وترجون من الله ما لا يرجون»
«.. وترجون من الله ما لا يرجون»
بسام ناصر
في كل عدوان يشنه جيش الاحتلال في فلسطين على أهل غزة الصابرين الصامدين المقاومين، تكون نتيجته قتلا ودمارا وتشريدا ولجوءا، دمار في كل مكان من القطاع المنكوب، وشهداء بالمئات، وإصابات وجرحى بالآلاف، في كل ساعة تنقل كاميرات الفضائيات صورا ومشاهد مفزعة ومروعة لمجازر رهيبة تقترفها آلة الحرب العسكرية.
نعم إن أهل غزة يتألمون ويتوجعون، فهم فوق حصارهم الخانق الذي يفرضه عليهم صهاينة العرب واليهود معا، بتجرعون مرارة الفقد، فقد الأحبة والأهل والأصدقاء والجيران، ويفجعون بالاعتداء على بيوتهم وممتلكاتهم، ثمة قصص ووقائع يرى الناس بعض فصولها على شاشات الفضائيات، وثمة قصص أخرى لم تجد بعد من يتحدث عنها وينشر أخبارها للناس.
لكن أهل غزة على كل ما أصابهم وألم بهم، من موت وقتل وفقد، ودمار لبيوتهم واعتداء على ممتلكاتهم، تراهم قوما صابرين محتسبين، عزائمهم قوية ماضية، تسكن في سويداء قلوبهم روح التحدي والثبات، تسمع النساء المكلومات المفجوعات مع بكائهن على فقد أحبابهن، يتكلمن بلسان أمضى من السيف، يعكس تلك الروح المفعمة بمعاني الصبر والثبات والتحدي، تلك الروح التي تفوح شذاها في أحياء غزة وبلداتها هي من إمداد الله وتثبيته لهم، وربطه على قلوبهم، وهي قوة مستترة لعلها هي المرجحة لكفة أهل غزة على آلة حرب جيش الاحتلال.
شعب غزة أحب المقاومة واحتضن أبطالها، ووفر لهم الحاضنة الاجتماعية الراعية والرافعة، تراهم مع كل جراحاتهم ومصائبهم وجراحاتهم وآلامهم، يعلنون بأعلى أصواتهم أنهم مع المقاومة ومع قياداتها ورجالاتها وجنودها، يحتملون كل ما أصابهم، ويحتسبونه عند الله، ويقفون بشموخ خلف مقاومتهم،التي تواضعت لأبناء شعبها وجعلت خدمتهم عبادة وقربى لله، وهو ما صنع حالة الصمود الأسطوري الذي تعيشه غزة في هذه الحرب المدمرة.
ولئن كان أهل غزة يتألمون ويتوجعون، فإن الصهاينة هم كذلك وأشد، فأهل غزة قد اعتادوا على الألم والأوجاع والفواجع، وأصابتهم المصائب تلو المصائب، وحاصرتهم آلة القتل البطيئة لسنوات متتالية، فما يصيبهم في هذه الحرب ويقع عليهم، قد جربوه وذاقوا مرارته من قبل، وإن كان طعمه في كل مرة حنظلا علقما.
لكن صهاينة اليهود الذين تجمعوا من أصقاع الأرض، طلبا للدعة والراحة والرفاهية، يتجرعون غصص الخوف والهلع والذعر في كل ساعة، وتلاحقهم صواريخ المقاومة في شوارعهم وبيوتهم ومتاجرتهم وأعمالهم، فها هي مدنهم خاوية على عروشها، تخلو شوارعها وأسواقها من مرتاديها، بعد فرارهم إلى الملاجئ، وفق ما تنقله الكاميرات، طلبا للأمن والأمان.
يقول الله تعالى: }وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{ (النساء: 104). هذه الآية تتحدث عن حقيقة قائمة في عالم البشر، فهي تعرض لما تلحقه الحروب بالناس من مصائب وفواجع ومآس، فهي وإن كانت مرهقة للمسلمين ومؤلمة فهي كذلك مرهقة لأعدائهم ومؤلمة، وهذا ما نراه متحققا في العدوان الآثم على غزة، فكما أن أهل غزة يتألمون ويتوجعون، فإن الصهاينة يتألمون على فقد أبنائهم وأحبابهم، ويعيشون حالة من الذعر والفزع أطبقت عليهم من كل جانب.
لكن أهل غزة بإيمانهم ويقينهم، يرجون من الله ما لا يرجوه الصهاينة، يرجون من الله المكانة العالية الرفيعة لشهدائهم في الجنان، والأجور العظيمة لمجاهديهم، ويتطلعون إلى ما عند الله من خزائن العزة والنصر والتأييد فهو سبحانه صاحبها، يعطيها لأوليائه وعباده الصادقين، وقد حكى الله في القرآن صورا من تأييده لعباده الأولين في قوله تعالى: }إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ{ (الأنفال: 11).
فهو سبحانه الذي منّ على رسوله الكريم وأصحابه بالنصر والتمكين، والربط على قلوبهم، وتثبيت أقدامهم، حينما واجهوا أعداءهم، لا يبخل بمنه وكرمه على عباده وأوليائه في كل زمان ومكان، ففضله عظيم، وكرمه جزيل عميم. وإلا فكيف تتم معادلة الاختلال في ميزان القوى بين جيش يمتلك آلة عسكرية رهيبة، ذات قدرات تدميرية مرعبة، جعلته رابع جيش في العالم، وبين آلاف من المقاتلين بأسلحة لا تكافئ تلك الأسلحة ولا توازيها؟
إنه إمداد الله الذي لا ينقطع عن جنده وأحبابه من خلقه، مدد الثبات وإنزال السكينة والطمأنينة على قلوب المجاهدين مع شدة الأهوال، واضطرام النيران، وقعقعة المدافع والصواريخ التي تصم الآذان، وتقطع الأوصال خوفا وهلعا، فتتنزل السكينة على قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا بوعد الله، ويقينا على ما أعده لعباده المؤمنين.
يكتب أبطال القسام، وسرايا القدس وسائر كتائب المقاومة الباسلة، على ثرى غزة فصول ملحمة البطولة والتضحية والفداء، التي تعلم الأجيال دروسا في الشجاعة والثبات والإقدام، في زمن التخاذل والانهزام النفسي، والانبهار بقوة العدو، والاستسلام لمعطيات الواقع الأليم، ليصنعوا واقعا جديدا أعاد للنفوس اليائسة روح الأمل والاستبشار، وقلب المعادلات، وحمل المتخاذلين على مراجعة مواقفهم السابقة، ليلتحقوا بركب المقاومة من جديد. وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.
مفارقات بشأن العدوان
صلاح الدين سلطان (مصر)
29 يوليو 2014
التأثم لأحداث ومذابح غزة صفة أصحاب الرجولة والمروءات، والتنصل الذي يخيِّم على أنظمة وعلماء وعامة، من صفات أصحاب الخسة والنذالات. التأثم هو الشعور الأول لكل حرٍّ يرى هذا الإجرام الصهيوني في حصد أرواح أهلنا في غزة، ويتحول الشعور بالإثم إلى قرار بالمناصرة، فيتحول، لدى العلماء، إلى فتوى بوجوب المناصرة والمؤازرة ضد الأنظمة الفاشية التي تجاوزت جرائم هتلر وستالين وشاوشسكو وغيرهم، ويتحول لدى العلماء وعموم الأمة إلى تيار هادر جارف، مطالب الدولة بأن تتدخل لنصرة المظلوم أمام ظالمه، تتبعاً للحديث الشريف الذي رواه البخاري: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما". وهنا، يجب أن تتحرك الدبابات والطائرات العربية والإسلامية، والجيوش النظامية والتطوعية، لنصرة فلسطين وأهلها الصامدين، فمجازر بني صهيون لا يُسكت عنها، وإلا صار الإثم ملاحقاً الحاكم والمحكوم، العالم والعامي، الرجل والمرأة، إذا تنصلوا من المناصرة القولية والعملية لقضية تمس عمود حياتهم وأمتهم.
لعلنا نستحضر من التاريخ الإسلامي ما يُروى أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اختار الصحابي الجليل، سعيد بن عامر، ليكون والياً على حمص، ولما سأل عنه الحجيج متابعاً تصرفات الولاة، شكوا واليهم أربع شكاوى، منها: أن سعيد بن عامر يغشى عليه كثيراً، ولا يكاد يفيق، فسأل سعيد بن عامر ما شأنك؟ فقال: يا أمير المؤمنين كلما ذكرت أني في الجاهلية رأيت خبيب بن عدي يعذبه المشركون حتى قتلوه وهو ينشد:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ***** على أي جنب كان في الله مصرعِ
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ***** يبارك على أشلاء شلوٍّ ممزع
يقول سعيد بن عامر: كلما ذكرت ذلك اليوم وأني لم أنصر خبيباً، وتذكرت سؤال الله لي يوم القيامة يغشي عليَّ. هذا الشعور بالتأثم الذي يدل على نبل صاحبه، ومروءته، على الرغم من أن هذه واقعة كانت قبل أن يسلم، "والإسلام يجبُّ ما قبله"، لكنه ظل متأثماً حتى بعد إسلامه، فلماذا هذا التنصل من العلماء والأنظمة والشعوب عن نصرة غزة، متى تعود إلى العرب وللمسلمين مروءتهم التي كانت تدفعهم فطرتهم النقية إلى التأثم الذي تتبعه نصرة لكل مستغيث، ويتحرَّجون عن سؤاله عن سبب استغاثته إلا بعد نصرته.
النائبات ثقُلت واشتدت واستقوَت على أهلنا في غزة، ولا ناصر لهم إلا الله، وسينتصرون إن شاء الله على جبابرتهم أجمعين، لكن أيقنوا أن الذين ظلموا نوعان هم المجرمون والمتنصلون، وأن الناجين هم الأحرار المتأثمون المناصرون للمظلومين حتى لو كانوا غير مسلمين. تأثموا وتحرَّكوا وناصروا تفلحوا في الدنيا والآخرة، ولا تتنصلوا فتُحرجوا وتُحرقوا في الدارين.
العربي الجديد - مقالات
عبد الله ناصح علوان.. الداعية والمربي - عبد الله ناصح علوان.. الداعية والمربي - عبد الله ناصح علوان.. الداعية والمربي - عبد الله ناصح علوان.. الداعية والمربي - عبد الله ناصح علوان.. الداعية والمربي
عبد الله ناصح علوان.. الداعية والمربي
ولادة عبد الله ناصح علوان ونشأته:
ولد فقيد التربية والدعوة -رحمه الله- في حي قاضي عسكر بمدينة حلب سنة 1928م، في أسرة متدينة معروفة بالتقى والصلاح ونسبها الطاهر؛ حيث يرجع نسب عائلة الشيخ إلى علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
تربّى في ظل والده الصالح الشيخ سعيد علوان -رحمه الله-، وكان الناس في حلب وغيرها يقصدون الشيخ سعيدًا طلبًا للتداوي؛ فقد كان طبيبًا وصيدليًّا يداوي الناس بالأعشاب والمراهم، وكان لسانه لا يهدأ عن ذكر الله وقراءة القرآن، وكان يدعو ربه أن يجعل من أبنائه العالم الحكيم والطبيب المسلم، وقد أجاب الله دعاءه.
عندما انتهى فقيدنا من المرحلة الابتدائية؛ وجهه والده عام 1943م إلى دراسة العلم الشرعي في الثانوية الشرعية، وكانت تعرف في ذلك الوقت بـ(الخسروية) نسبة إلى بانيها خسرو باشا، وكان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة علماء قل نظيرهم في ذلك الزمن ، علماء وهبوا حياتهم للعلم وأخلصوا في عملهم ومنهم: راغب الطباخ، أحمد الشماع، عبد الرحمن زين العابدين، ناجي أبو صالح، نجيب خياطة، عبد الله حماد، سعيد الإدلبي، أحمد عز الدين البيانوني، عيسى البيانوني، رحمهم الله جميعًا، وكان أساتذة المدرسة يعاملون طلابهم كأبناء وإخوة لهم.
وقد تأثر فقيدنا بالشيخ راغب الطباخ، وكان علامة مؤرخًا كتب تاريخ مدينة حلب، وتأثر أيضًا بالدكتور الشيخ مصطفى السباعي -رحمه الله- وكان يتخذه نموذجًا وقدوة.
انتسب فقيدنا إلى جماعة الإخوان المسلمين في بداية شبابه، وعُرف بين زملائه في المدرسة بالجرأة في الحق والشجاعة في مواجهة الأحداث، وبدت الشخصية القيادية في تصرفاته، وعُرف في المدرسة بالخطابة والقلم المعبر عن أحاسيس المسلمين، وكان بيته في حلب منتدى ومجمعًا لأصدقائه ولأساتذته، وكان الكرم يشمل الجميع من والد الشيخ.
دراسة عبد الله ناصح علوان:
نال شهادة الثانوية الشرعية في سنة 1949، وبتوجيه من والده سافر إلى مصر لاستكمال تحصيله في علوم الشريعة الإسلامية، انتسب للأزهر ونال شهادة كلية أصول الدين سنة 1952، ثم نال الماجستير سنة 1954، وفي مصر كان له نشاط إسلامي واسع وزيارات متبادلة مع كبار رجال الدعوة الإسلامية، وحين نزل البلاء بالإسلاميين في مصر سنة 1954، ووقعت المحنة أصاب الأذى فقيَدنا، فاعتقل، وكان قد بَقِيَ له عدة مواد حتى يؤديها ويتخرج من الجامعة، فكان يؤتى به إلى الاختبار مقيد اليدين، وحين انتهت الاختبارات اقتيد إلى الطائرة لتنقله إلى وطنه، ولم تسمح له حكومة مصر حينذاك أن يكمل دراسته العليا ويحصل على شهادة الدكتوراه. وقد حصل الشيخ على شهادة الدكتوراه بعد مدة من جامعة السند في باكستان، وكان موضوع الرسالة: (فقه الدعوة والداعية).
عبد الله ناصح علوان في مجال التدريس والدعوة:
عمل الشيخ عبد الله منذ عام 1954م مدرسًا لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب؛ إذ لم تكن في مدينته كلية للعلوم الشرعية، فكان خير مربٍ للأجيال، غرس في طلابه حب الإسلام والعمل على نصرة شريعة الله في الأرض، وكان لمادة التربية الإسلامية في سوريا حصّة واحدة في الأسبوع، وكان طلبة الشهادات لا يختبرون فيها، فسعى مع إخوانٍ له على جعل حصتين في الأسبوع لمادة التربية الإسلامية، وإدخال تلك المادة في امتحانات الشهادات في سوريا.
وفي تلك الفترة انتشرت بين صفوف الطلبة الأفكار القومية والمبادئ الإلحادية، فتصدى فقيدنا بقوة لمروجي الأفكار الهدامة التي تشوّه معالم الدين، وكانت له مواقف مشهورة عرفها طلابه في تلك الأيام.
كان الفقيد على علاقات اجتماعية جيدة، يزور القريب والبعيد ويشارك في أفراح الناس وأحزانهم، كان رحمه الله شعلة متوقدة بالحيوية، ففي عهد الوحدة بين سوريا ومصر نجح بانتخابات منطقته لمنزلته بين أهالي مدينة حلب.
وكان رحمه الله مربيًا ومعلمًا وواعظًا في المدرسة، وكان يقوم بدور كبير في بيوت الله، كان لا يعرف الراحة، ولا يشكو الكلل، بل كان يُجهد نفسه بالعمل مع شعورٍ بالرضا والسعادة؛ حيث كانت مساجد حلب تزخر بالشباب المسلم المتعطش لسماع كلمة صادقة عن هذا الدين، وكانت المناسبات الدينية أفراحًا لقلوب المسلمين فيهرعون إلى المساجد لسماع ما يخص أمور الدنيا والآخرة، وكان شيخنا لا يتخلف ولا يعتذر عن أي دعوة توجه له لإلقاء كلمة في مناسبة إسلامية أو حفلة خاصة، ولم تقف الأمطار أو الحرارة الشديدة أمام جهد الشيخ فقد كان يتنقل من مسجد إلى آخر أو من قرية لأخرى متحدثًا وخطيبًا عن عظمة الإسلام.
كان يشعر أنّ واجبه أن يسمع الناس كلمة (الله)، واستطاع أن يشجع أصحاب الهمم على العمل في المساجد حتى لا تُفسد الجاهلية عقول الشباب وتجرفها في تيارها، فامتلأت المساجد بحلقات العلم من فئة الشباب والناشئة.
كان للشيخ دروسه الدورية في مسجد "عمر بن عبدالعزيز" درّس فيه الفقه والسيرة، هذه الدروس كانت لعدد كبير من الشباب الذي كان يسعى لفهم الإسلام والعمل بهديه، وقد علّم الكثير من الشباب الخطابة وإلقاء الدروس، وكان يجلس أمامهم مصغيًا وموجهًا ليستقيم لهم البيان، فتربّى في هذه المدرسة عدد كبير من الشباب، بعضهم قضى نحبه وكان في عمر الزهور أيام المحنة.
كان الشيخ على صلة طيّبة مع علماء سوريا، وكان يتنقل من مدينة إلى أخرى داعيًا إلى توحيد كلمة العلماء، وتماسك بنيانهم أمام الأعاصير التي تعصف بالمسلمين.
وحين اشتد البلاء لوحق الشيخ فخرج من مدينة حلب سنة (1400ه/1979م)؛ وأقام عدة أشهر في الأردن، ثم توجّه إلى السعودية، وتابع عمله الدعوي بمشاركته في العديد من المحاضرات والمخيمات الطلابية، وكذلك مقالاته العديدة في المجلات الإسلامية، ودروسه التربوية في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، مع عمله أستاذًا في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، منذ 1401ه إلى أن لَقِيَ ربه.
أخلاق عبد الله ناصح علوان وصفاته:
منذ نشأته عُرف بالكرم فكان بيته موئلاً لخلانه ولطلابه وللمحبين، يجدون عنده ما يسرهم من ابتسامة مشرقة إلى كلمة هادفة، إلى موعظة وعبرة، يتخلل ذلك كرم الضيافة، وكان يسعى إلى توثيق روابط الصداقة مع إخوانه ومحبيه فكان يسارع إلى زيارتهم ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وإذا طُلب منه المساعدة في أمر ما فإنه لا يعتذر، بل يسارع إلى المساعدة، ويَعُدُّ هذا الموضوع موضوعًا شخصيًّا له، ويبذل كل طاقته حتى ينجزه.
كان رحمه الله جريئًا في الحق، لا يخشى في الحق لومة لائم، كان في كل فترات حياته مدافعًا عن الإسلام موضحاً للأخطاء، داعيًا إلى التمسك بشرع الله، وكان لا يهاب التهديد أو الوعيد من أيّ أحد مهما بلغت منزلته وسطوته. كان يدرك أنّ الأمانة تقتضي أن تُنقل كلمة الحق إلى أكبر مسئول في الدولة.
كان يتضايق من تفرّق الجماعة الإسلامية، ويسعى لوحدة الكلمة والرأي، وكان يحب الاعتدال في الأمور، ويرى أن الأمور يجب أن تناقش على ضوء الواقع.
والمعطيات التي يلمسها الإنسان من سيرته الإخلاص، والصبر، والتفاؤل، والرضا بقضاء الله، والسؤال عن أصدقائه وإخوانه المبعدين، كان متواضعًا في نفسه، دعوبًا يحب الدعابة، حَسَن المعاملة مع الناس يحب الخير والنصح للمسلمين.
وفاة عبد الله ناصح علوان:
صارع الفقيد المرض قرابة ثلاث سنوات؛ حيث أصيب بمرض عضال في الدم إثر عودته من باكستان، وقد احتار الأطباء (العرب والأجانب) في طبيعة هذا المرض، وكانت حالته غير مسبوقة، وأسباب ذلك المرض غير واضحة، فقد اجتمع رؤساء الأقسام في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز بجدة بكل تخصصاتهم لكي يقرروا أسباب المرض فلم يفلحوا، ونصحوه بالسفر إلى بريطانيا ليتم العلاج، ففعل، ولكن بدون جدوى.
ومع حالته الصحية الحرجة أبى محبو الشيخ في بريطانيا إلا أن يستمعوا إلى محاضرة للشيخ، وكان وقتها يقام مخيم صيفي، فلم يتأخر عن الاستجابة، وكان عنوان المحاضرة (الشباب المسلم في مواجهة التحديات)، وصارت فيما بعد كتابًا.
ورجع الشيخ إلى جدة فبدأت تظهر الأمراض المتلاحقة عليه بسبب مرضه الرئيس، حتى ذَبُل عود الشيخ وتضاءل جسمه وتناولته الأوجاع في كل مكان، وكان دائم التردد على العيادات الطبية طالبًا المشورة والعلاج، ولكن نفسه لم تَهُن ولم تَضعُف، بل بقي عالي الهمة مُتَوثِّب العزيمة محافظًا على مهماته الدعوية، يقوم بمسئوليته الاجتماعية، لا يعتذر عن قبول أية مناسبة يدعى إليها، وحين يطلب منه التحدث كان يتكلم وينفعل وينسى حالته المرضية التي لا تسمح له بإرهاق نفسه.
وكانت المدة التي قضاها الشيخ -رحمه الله- راقدًا في المستشفى تعتبر فترة طويلة، فكان يخلع ثوب المستشفى ويلبس ثيابه ويذهب إلى الجامعة لإلقاء المحاضرات ثم يعود مرة أخرى إلى المستشفى ليتلقى العلاج من الأطباء وبجوار سريره في المستشفى ترتفع مجموعات من الكتب فهو يجد السعادة في التأليف فيما ينفع الأمة .
وكان يضع (المخدة) أمامه ويكتب فصولاً من كتاب سلسلة مدرسة الدعاة الذي كان قد بدأه قبل مرضه، رغم نصائح الأطباء والمحبين بالابتعاد عن القراءة والكتابة، لكن النفس الشامخة تأبى أن تُلقِي القلم من يدها مهما اشتد وطأة الألم.
وكانت الوفاة في الساعة التاسعة والنصف صباح يوم السبت الخامس من شهر محرم عام 1408ه الموافق 29/8/1987م في جدة بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز، وقد شُيِّع جثمانه يوم الأحد في السادس من محرم الموافق الثلاثين من آب، ونُقِل من جدة إلى مكة ودُفِن فيها؛ حيث صُلّي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العصر، وقد شَيَّع الفقيد عددٌ كبير من العلماء والدعاة والإخوة والشباب والطلاب، وقد ألقى أحبة الفقيد الكلمات المعبرة عن حُبِّهم ومصابهم في فقيدهم العالم الذي أخلص في دعوته وقدم للمكتبة الإسلامية الإنتاج الوفير.
رحم الله أبا سعد رحمة واسعة، فقد كان مدرسة تربوية وعلمًا من أعلام الدعوة، أُوذي في بدنه وأهله وماله، ومات محتسبًا في الغربة فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أحوال النساء في الجنة - أحوال النساء في الجنة - أحوال النساء في الجنة - أحوال النساء في الجنة - أحوال النساء في الجنة
أحوال النساء في الجنة
سليمان بن صالح الخراشي
فائدة (1)
لا ينكر على النساء عند سؤالهن عما سيحصل لهن في الجنة من الثواب وأنواع النعيم، لأن النفس البشرية مولعة بالتفكير في مصيرها ومستقبلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر مثل هذه الأسئلة من صحابته عن الجنة وما فيها ومن ذلك أنهم سألوه صلى الله عليه وسلم: "الجنة وما بنائها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لبنة من ذهب ولبنة من فضة.." إلى آخر الحديث. ومرة قالوا له صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟" فأخبرهم بحصول ذلك.
فائدة (2)
أن النفس البشرية -سواء كانت رجلا أو امرأة- تشتاق وتطرب عند ذكر الجنة وما حوته من أنواع الملذات، وهذا حسن بشرط أن لا يصبح مجرد أماني باطلة دون أن نتبع ذلك بالعمل الصالح فإن الله يقول للمؤمنين: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون} [الزخرف:72]. فشوَّقوا النفس بأخبار الجنة وصدّقوا ذلك بالعمل.
فائدة (3)
أن الجنة ونعيمها ليست خاصة بالرجال دون النساء، إنما هي قد {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، من الجنسين كما أخبرنا بذلك تعالى قال سبحانه: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:124].
فائدة (4)
ينبغي للمرأة أن لا تشغل بالها بكثرة الأسئلة والتنقيب عن تفصيلات دخولها للجنة: ماذا سيعمل بها ؟ أين ستذهب ؟ إلى آخر أسئلتها.. وكأنها قادمة إلى صحراء مهلكة! ويكفيها أن تعلم أنه بمجرد دخولها الجنة تختفي كل تعاسة أو شقاء مر بها، ويتحول ذلك إلى سعادة دائمة وخلود أبدي ويكفيها قوله تعالى عن الجنة: {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48]، وقوله: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71]. ويكفيها قبل ذلك كله قوله تعالى عن أهل الجنة: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه} [المائدة:119].
فائدة (5)
عند ذكر الله للمغريات الموجودة في الجنة من أنواع المأكولات والمناظر الجميلة والمساكن والملابس فإنه يعمم ذلك للجنسين (الذكر والأنثى) فالجميع يستمتع بما سبق. ويتبقى: أن الله قد أغرى الرجال وشوقهم للجنة بذكر ما فيها من (الحور العين) و (النساء الجميلات) ولم يرد مثل هذا للنساء.. فقد تتساءل المرأة عن سبب هذا !؟
والجواب:
1- أن الله: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، ولكن لا حرج أن نستفيد حكمة هذا العمل من النصوص الشرعية وأصول الإسلام فأقول:
2- أن من طبيعة النساء الحياء -كما هو معلوم- ولهذا فإن الله عز وجل لا يشوقهن للجنة بما يستحين منه.
3- أن شوق المرأة للرجال ليس كشوق الرجال للمرأة - كما هو معلوم - ولهذا فإن الله شوّق الرجال بذكر نساء الجنة مصداقا لقوله: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" [البخاري]، أما المرأة فشوقها إلى الزينة من اللباس والحلي يفوق شوقها إلى الرجال؛ لأنه مما جبلت عليه كما قال تعالى {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [الزخرف:18].
4- قال الشيخ ابن عثيمين: إنما ذكر -أي الله عز وجل- الزوجات للأزواج؛ لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج.. بل لهن أزواج من بني آدم.
فائدة (6)
المرأة لا تخرج عن هذه الحالات في الدنيا فهي:
1- إما أن تموت قبل أن تتزوج.
2- إما أن تموت بعد طلاقها قبل أن تتزوج من آخر.
3- إما أن تكون متزوجة ولكن لا يدخل زوجها معها الجنة، والعياذ بالله.
4- إما أن تموت بعد زواجها.
5- إما أن يموت زوجها وتبقى بعده بلا زوج حتى تموت.
6- إما أن يموت زوجها فتتزوج بعده غيره.
هذه حالات المرأة في الدنيا ولكل حالة ما يقابلها في الجنة:
1- فأما المرأة التي ماتت قبل أن تتزوج،، فهذه يزوجها الله عز وجل في الجنة من رجل من أهل الدنيا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما في الجنة أعزب" (أخرجه مسلم)، قال الشيخ ابن عثيمين: إذا لم تتزوج -أي المرأة- في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة، فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم: الزواج.
2- ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة.
3- ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة. قال الشيخ ابن عثيمين: فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال. أي فيتزوجها أحدهم.
4- وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها، فهي في الجنة لزوجها الذي ماتت عنه.
5- وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت، فهي زوجة له في الجنة.
6- وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده، فإنها تكون لآخر أزواجها مهما كثروا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المرأة لآخر أزواجها" (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني). ولقول حذيفة رضي الله عنه لامرأته: "إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة".
مسألة
قد يقول قائل: إنه قد ورد في الدعاء للجنازة أننا نقول "وأبدلها زوجا خيرا من زوجها"، فإذا كانت متزوجة.. فكيف ندعوا لها بهذا ونحن نعلم أن زوجها في الدنيا هو زوجها في الجنة وإذا كانت لم تتزوج فأين زوجها؟
والجواب كما قال الشيخ ابن عثيمين: "إن كانت غير متزوجة فالمراد خيرا من زوجها المقدر لها لو بقيت، وأما إذا كانت متزوجة فالمراد بكونه خيرا من زوجها أي خيرا منه في الصفات في الدنيا لأن التبديل يكون بتبديل الأعيان كما لو بعت شاة ببعير مثلا، ويكون بتبديل الأوصاف كما لو قلت لك بدل الله كفر هذا الرجل بإيمان، وكما في قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم:48]، والأرض هي الأرض ولكنها مدت والسماء هي السماء لكنها انشقت".
فائدة (7)
ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم للنساء: "إني رأيتكن أكثر أهل النار..."، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: "إن أقل ساكني الجنة النساء" (أخرجه البخاري ومسلم)، وورد في حديث آخر صحيح أن لكل رجل من أهل الدنيا زوجتان، أي من نساء الدنيا. فاختلف العلماء -لأجل هذا- في التوفيق بين الأحاديث السابقة: أي هل النساء أكثر في الجنة أم في النار؟
فقال بعضهم: بأن النساء يكن أكثر أهل الجنة وكذلك أكثر أهل النار لكثرتهن. قال القاضي عياض: "النساء أكثر ولد آدم".
وقال بعضهم: بأن النساء أكثر أهل النار للأحاديث السابقة، وأنهن -أيضا- أكثر أهل الجنة إذا جمعن مع الحور العين، فيكون الجميع أكثر من الرجال في الجنة.
وقال آخرون: بل هن أكثر أهل النار في بداية الأمر ثم يكن أكثر أهل الجنة بعد أن يخرجن من النار -أي المسلمات، قال القرطبي تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم: "رأيتكن أكثر أهل النار": "يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار وأما بعد خروجهن في الشفاعة ورحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال: لا إله إلا الله فالنساء في الجنة أكثر". الحاصل: أن تحرص المرأة أن لا تكون من أهل النار.
فائدة (8)
إذا دخلت المرأة الجنة فإن الله يعيد إليها شبابها وبكارتها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة لا يدخلها عجوز.... إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا".
فائدة (9)
ورد في بعض الآثار أن نساء الدنيا يكن في الجنة أجمل من الحور العين بأضعاف كثيرة، نظرا لعبادتهن الله.
فائدة (10)
قال ابن القيم: "إن كل واحد محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها" أي في الجنة.
وبعد
فهذه الجنة قد تزينت لكن معشر النساء كما تزينت للرجال في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فالله الله أن تضعن الفرصة، فإن العمر عما قليل يرتحل ولا يبقى بعده إلا الخلود الدائم، فليكن خلودكن في الجنة -إن شاء الله، واعلمن أن الجنة مهرها الإيمان والعمل الصالح وليس الأماني الباطلة مع التفريط، وتذكرن قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت".
واحذرن -كل الحذر- دعاة الفتنة وتدمير المرأة من الذين يودون إفسادكن وابتذالكن وصرفكن عن الفوز بنعيم الجنة. ولا تُغررن بعبارات وزخارف هؤلاء المتحررين والمتحررات من الكتاب والكاتبات ومثلهم أصحاب القنوات، فإنهم كما قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89].
أسأل الله أن يوفق نساء المسلمين للفوز بجنة النعيم، وأن يجعلهن هاديات مهديات وأن يصرف عنهن شياطين الأنس من دعاة وداعيات تدمير المرأة وإفسادها، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.