بحث هام للدكتور راجح السباتين
عرض نبؤات المسيحية الصهيونية المتعلقة بالمسجد الأقصى
مقدمة
إنّ واحدةً من أهم السّمات التي تميز معتقدات "البروتستانت" هي (النبؤات المستقبليّة) أوّ النبؤات التي يدّعون أنّ الكتاب المقدّس تحدّث عنها وأخبر أنّها ستقع في آخر الزمان، وأنّ الحياة على الأرض لن تنتهي دون وقوعها وأنّ "يوم الدّيْنُونة" لن يأتي حتّى تكتمل مقدّماته، وهذه المقدّمات بآختصارٍ هي النّبؤات ... والحديث عن هذه النّبؤات لا ينقطعُ في الحياة اليوميّة للشعب الأمريكي الذي يعتنق الكثيرون منه المذهب البروتستانتي. وقد وصل الأمرُ إلى كون هذه النبؤات جزءاً هاماً من موضوعات "السَّينما الأمريكية" كما أنَّ هُنالك عشرات المواقع الخاصّة على شبكة "الإنترنت" المخصَّصة فقط لمعالجة موضوعات هذه النّبؤات والحديث عنها، وهي مواقع يجري تحديثُ معلوماتها على مدار السّاعة. هذا بالإضافة إلى العديد من البرامج الدّينية المُتَلفزة (عن طريق المحطات الأرضية والفضائية) التي لا همّ لها سوى الحديث عن هذه النبؤات والتبشير بقرب وقوعها.
وقد ذكرنا "السينما" و"الإنترنت" و"التلفاز" لأَنَّ التَّعامُلَ مع هذه الوسائل إنّما هو زادٌ يوميٌ لكل مواطن "أمريكي" على وجه الخصوص وغربيٍّ على وجه العموم، ووصول موادّها ومضامينها إليهم هو أمرٌ قطعيٌّ لا شكَّ فيه، خصوصاً وأنّ "إسرائيل" هي محور هذه النبؤات كلها.
المطلب الأول
مملكة المسيح والمُلك الألفيُّ السّعيد
تجدر الإشارة في بداية هذا المطلب إلى الملاحظات التالية:
أولاً: إنّ هذه النبؤة وبقََية النّبؤات التي يتناولها هذا البحث تندرج، حسب تصنيف البروتستانت، تحت عنوان "العصمة" أي أنَها من المستحيل أن لا تتحقّق وتقع، وبالتالي فيجبُ الأخذُ بحّرفيتها كما وردتْ في الكتاب المقدّس ويجبُ تفسيرها تفسيراً حرفيّاً بكُلَّ حذافيرها على النحو الذي يروّج له الأصوليون البروتستانت وبالتالي فإنّ مجادلة هؤلاء ومناقشتهم فيها إنما هو ضربٌ من ضروب العبث وإضاعة الوقت.
ثانياً: هذه النبؤة الثّانية إنّما هي مزيجٌ مركَّبٌ من مجموعةِ نبؤاتٍ هي (المجىء الثاني للمسيح ومن ثمَّ قيام حكمه في مملكته لمدّة ألف سنة ومحاربته لقوى الشرّ مجتمعةً تحت راية المسيح الدجّال ومن ثمّ وقوع معركة هرمجدون وانتصار المسيح وأتباعه).
ثالثاً: معظم هذه النبؤة مأخوذ من السفر الأخير للإنجيل والذي حمل عنوان "الرُّؤيا" ويُقصدُ بها الرؤيا التي "أَعْطَاهَا آللهُ لِيَسُوعَ آلْمَسِيحِ، لِيَكْشِفَ لِعبِيدِهِ عَنْ أُمُورٍ لاَبُدَّ أَنْ تَحْدُثَ عَنْ قَرِيبٍ. وَأَعْلَنَهَا آلْمَسِيحُ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا(1) عَنْ طَرِيقِ مَلاِكٍ أَرْسَلَهُ لِذَلِكَ. وَقَدْ شَهِدَ يُوحَنَّا بِكَلِمَةِ آللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوع آلْمَسِيحِ، بِجَمِيعِ آلأُْمُورِ آلَّتِي رَآهَا. طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ كِتَابَ آلنُّبُوءَةِ هذَا وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَهُ، فَيُرَاعُونَ مَا جَاءَ فِيهِ، لأَِنَّ مَوْعِدَ إتْمَامِ آلنُّبُوءَةِ قَدِ آقْتَرَبَ!"(2)
ويطالعنا كاتب هذه "الرؤيا" بمشهدٍ باهرٍ يظهُر فيه المسيحُ مُمَجَّدًا، ثم يُدّوَّنُ الرسائل التي أمره بإبلاغها إلى الكنائس السبع. وبعد ذلك تتوالى الإعلاناتُ المتعلّقة بما سيحدثُ في آخر الزمان من ضِيقاتٍ وبلايا وأحداثٍ رهيبة، وحروبٍ تنتهي بهزيمة "إبليس" وجُندهِ وتطهير الأرض من الأشرار ليملكَ المسيحُ مدة ألف سنة. ثم ينهي الكاتب رؤياه بوصف قيامة الأشرار للدينونة أمام العرش العظيم الأبيض في اليوم الأخير، وينتهي إلى وصف الحالة الأبدية حيث يتّم النصر لله وللمسيح في السماء الجديدة والأرض الجديدة، إذ يتحقق الخلاص النهائي للمؤمنين.
رابعاً: هناك اختلافات بين المعتقدِين بهذه الرؤيا في ترتيب وقوع أحداثها وبالذات في مسألة نزول المسيح؛ هل يكون بعد بناء المؤمنين به لمُلْكٍ مسيحيٍّ أرضيٍ يستمر ألف عام أم أنّ نزول المسيح يكون ليبدأ بنفسه إقامة مملكته الأرضيّة لمدّة ألف عام(3)، ومدى دور العُنصر الإلهي في التخطيط لحدوث ذلك. ممّا أدى إلى نشوء طوائف ومعتقداتٍ مختلفةٍ حول هذه التفاصيل حَمَلَت مسمَياتٍ منها (الألفّيون التدبيريون، والحقبائيون "أصحاب مذهب ما قبل الألفية" وأصحاب مذهب ما بعد الألفيّة) وهذه تقسيماتٌ سيأتي ذكرها بعد سرد نصوص ومستندات هذه الرؤيا ومضمونها بعونُه تعالى.
خامساً: إنّ البُقعة الجغرافية التي تتحقّقُ على أرضها هذه النّبؤة وغيرها هي القدس، فهي المكان الذي شهد مجيء المسيح الأوّل وقيامته وصعوده، وهي المكان الذي سيُعاد فيه بناء الهيكَل لتِقُدّم فيه الذبائحُ من جديد ولِيرثَ شعبُ الله المختار (اليهود) الأرض ويدخلوا في مملكة الربّ الأبديّة.
أدّلةُ ومستنَداتُ مجيء المسيح والمُلْكِ الألفي
أولاً: وَلَكِنَّ آلَّذِي يَثْبُتُ حَتَّى آلنَّهايَةِ، فَهُوَ يَخْلُصُ. فَسَوْفَ يُنَادَي بِبِشَارةِ آلْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي آلْعَالَمِ كُلَّهِ، شَهَادَةً لِي لَدَى آلأُْمَمِ جَمِيعًا. وَبَعْدَ ذَلِكَ تَأْتِي آلنَّهَايَةُ".(4)
ثانياً: وَفِي عَهْدِ هَؤَلاَءِ آلمُلوكِ يُقِيمُ إلَهُ آلسَّمَاوَاتِ مَمْلَكةً لاَ تَنْقَرِضُ إِلَى آلأَْبد، وَلاَ يُتْرَكُ مُلْكُهَا لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُبيدُ جَمِيعَ هَذِهِ آلْمَمَالِكِ. أَمَّا هِيَ فَتَخْلُدُ إِلَى آلأَْبِد".(5)
ثالثاً: "ثُمَّ رَأَيْتُ عُرُوشًا مُنِحَ آلْجَالِسُونَ عَلَيْهَا حَقَّ آلْقَضَاءِ. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ آلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ آلشَّهَادَةِ لِيَسُوعَ وَفِي سَبِيلِ كَلِمَةِ آللهِ، وَآلَّذِينَ رَفَضُوا أَنْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلِتِمْثَالِهِ، وَآلَّّذِينَ رَفَضُوا شَارَتَهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَجِبَاهِهِم، وَقَدْ عَادُوا إلَى آلْحَيَاةِ، وَمَلَكُوا مَعَ آلْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ. هَذِهِ هِيَ آلْقِيَامَةُ آلأُْولَى. أَمَّا بَقِيَّةُ آلأَْمْوَاتِ فَلاَ يَعُودُونَ إِلَى آلْحَيَاةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ آلأَْلْفُ سِنَةٍ. مَا أَسْعَدَ وَأَقْدَسَ مَنْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي آلْقِيَامَةِ آلأُْولَى! لَن يَكُونَ لِلْمَوْتِ آلثَّانِي سُلْطَةٌ عَلَيْهِم، بَلْ يَكُونُونَ كَهَنَةً لِلَّهِ وَآلْمَسِيحِ، وَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ(6).
يُستفادُ ممّا سبق أنّ البروتستانت يعوّلون كثيراً في دعمهم لهذه النبؤة على ما سبق إيراده من نصُوص الكتاب المقدّس. ومن أجل صياغة مضمون هذه النّبؤة (نبؤة الملك الألفي) والمقصود منها بلغةٍ مفهومةٍ مبنيّة على شرح النصوص السابقة بآختصارٍ نقول:
إنّ المقصود بالحُكم الألفي هو أنّ السيد المسيح عندما سيعود إلى الأرض، فإنه سيحكم ألف سنة، ينعم العالمُ خلالها بالسلام العالميّ، وبانتصار الخير على الشر، ومعه سيحكم المؤمنون به طوال هذه الفترة الزمنيّة على الأرض. ومنشأُ هذا الفكر يعتمد على ما جاء في السفر الأخير من أسفار الكتاب المقدس، (وهو المعروف بآسم سفر الرؤيا) كما يعتمد على رؤيا "دانيال" ورؤيا "حزقيال". وقد اختلفت الطوائف البروتستانتيّة في فهمها لتفاصيل المُلك الألفي إختلافاً كبيراً، لكنّها كلّها مُجمعةٌ على قيام مملكة المسيح التي سيحكم فيها ألف سنة، وقد نتج عن هذا الإختلاف ظهور مفاهيم هامَة من الصعب فهم "الرؤيا" دون الوقوف عليها وشرحها. وقد قام عدد كبيرٌ من الأساتذة والمؤلفّين في هذا الموضوع بشرحها وبيان دلالتها والمقصود منها وهي:
أولاً: الألفية التدبيريّة*)
هي كما هو واضح من آسمها، يقوم فيها العُنصرُ الإلهيُّ بفعلٍ واضحٍ ومفهومٍ،وهو فعلُ التدبير أي التخطيط لحدوث شئٍ ما، وتعني أنَّ مَن يؤمن بها يعتقد أنَّ هذا المُلك أو تلك المملكة، إنما ستكون من عمل الله "المدبَّر" للأمر، وأن الله يهُيئ للمُلك من خلال رموز يُسْتَدلُّ بها على قرب وقوع زمان الحكم، مثل قيام دولة إسرائيل، ومثل إنطباق وتحقق خطّة الله للكون التي رسمها بناءً على علاقته مع إسرائيل ومثل إكتمال مرور التاريخ بالتدبيرات أو بالعهود السبعة(7) لذا فإن على أتباع الألفية التدبيرية، ألاّ يعوقوا عمل الله أو يعارضوه، وإن استطاعوا ساعدوا في إنجازه، لكنهم موقنون بأنهم ليس هم بأيديهم الذين سيقومون به.
وينصبُّ نشاطهم على التبشير الدينيّ الممزوج بقدرٍ سياسيٍ وبملامحَ إجتماعيةٍ، وقد أخذوا في بلورة نهجهم منذ الستينيات في القرن الماضي.
ثانياً: القَبْلُ الألفيّة (سابقو المُلك الألفيّ).(8)
يرى أصحاب المذهب قبل الألفي، أنَّ الأحداث ستسير بدءاً من عودة السيد المسيح إلى الأرض، ليبدأ إقامة مملكته الأرضية بنفسه لمدة ألف عام، وهي تحتملُ أن يكون المؤمنون به هم الذين يقومون بتنفيذ الخطط الأوليّة للمملكة ونظامها، أو تدبيريَةً حيث دورُ المؤمنين بالمسيح فيها ينحصرُ في إنتظار حدوث المُلكِ مع المساعدة قدر الإمكان لتهيئة الأجواء للحدث الجلل، وتذليل الصعاب أمام العلاقات المبشّرة بقرب حدوثه، ومن هذه العلامات قيام دولة إسرائيل وعودة اليهود إليها وبناء الهيكل (في مكان المسجد الأقصى طبعاً!!!).
وممّا تجدر الإشارة إليه هنا أنّ الكثيرين من المؤلفين يصنفون أصحاب مذهب الألفية التدبيرية على أنهم من أصحاب المذهب القبل الألفي وأنْ لا فرق بين المذهبين.
ثالثاً: البَعْد الألفيّة (مذهب الإحيائيين لاحقي المُلك الألفي)(9)
وفيها يرى المؤمنون بها السيد المسيح عائداً إلى الأرض، لكن بعد أن يكون المؤمنون به وقد حكموا العالم لمدّة ألف عام، وفي هذه الحقبة الزمنيّة الطويلة، سوف يبنون مُلكاً مسيحياً أرضيّاً، من خلاله يتّم لهم الحكمُ والسيطرةُ على العالم لمدة ألف عام، ثم يأتي بعد ذلك المسيح.
وللوصول إلى هذا الشكل من أشكال الحكم، يتم الإنتقال التدريجي من النظَّمُ العلمانية السياسية إلى النظم التي تعمل فيها العقيدةُ عملَها وتشكَّلُ أبعاد الحياة على وِفقها، ويكون إستخدام الكتاب المقدس ـ خاصة العهد القديم فيها ـ كمصدر رئيس للتشريع والقيم والأخلاقيات.
ملاحظة هامة: يعتقدُ "البروتستانت" بأنّ اليهود، في ظلّ الحُكم الأَلفي للسيد المسيح، سوف يؤمنون برسالته ويدخلون في المسيحيّة وأنّه بسبب إيمان هؤلاء سيؤمنُ عددٌ كبيرٌ من الأمم بالمسيح، وتقول النبؤة: إنَّ عدد هؤلاء اليهود الذين سيعتنقون المسيحية سيكون مائةً وأربعةً وأربعين ألفاً، وأنّ السيّد المسيح سيخرج لإستقبالهم حين يأتون إليه من كل أنحاء العالم، ولذلك فليسَ من المستغرب أن نرى دعمهم المطلق لليهود ولدولة إسرائيل في عصرنا الحاضر...
لقد كانت عقيدة المُلك الألفي سائدةً في القرون الأولى للمسيحية، وسبب ذلك هو أنّ المسيحيين الأوائل كانوا يظنّون أن نهاية الأيام قريبة إلى الحد الذي ظنّ فيه بعضهم أنّها ستنتهي قبل نهاية الجيل الذي عاش فيه السيد المسيح، وعلّل كثيرون من شُرّاح ومفسّري "الكتاب المقدّس" ذلك بفهم المسيحيين الأوائل لكتابات "بولس الرسول" و"رؤيا يوحنا اللاهوتي"، التي كتُبتْ في حوالي سنة 97 ميلادية في جزيرة "بطمس" (وقد استمرت حتى القرن الرابع الميلادي، لكنها بدأت في الاختفاء بعد ذلك، خاصّةً بعد أن رفضها العديد من أتباع الكنيسة وقدّيسيها وعلى رأسهم "القدّيس أوغسطين" الذي يُعّد واحداً من فلاسفة الكنيسة ومفكّريها، وكان رفضُه لهذه العقيدة من مُنطلقٍ إيمانّيٍ، وهو أنّ السيد المسيح لم يتكلّم أبداً عن مُلكٍ دنيويٍّ بشريٍّ، إنما كان حديثه كلهُ روحياً وعن مملكةٍ روحيّةٍ وليست دنيويةً).(10)
المطلب الثاني
بناء الهيكل الثالث
يؤمن البروتستانت المتهوّدون بوجود الهيكل. ويحتلُ الحديث عن الهيكل(11) وسبب بنائه ومراحل هذا البناء وأسباب هدمه ومراحل إعادة بنائه وأوصافه مساحةً كبيرةً جدّاً من صفحات الكتاب المقدّس وبالذات التوراة وتحديداً في أسفار (أخبار الأيام الأوّل والثاني، والملوك الأوّل، والتكوين وإشعياء وحزقيال) ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في سفر الملوك الأول "عِنْدَئِذٍ هَتَفَ سُلَيْمَانُ: "قال آلرَّبُّ إِنَّهُ يَسْكُنُ فِي آلضَّبَابِ، وَلَكِنَّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ هَيْكَلاً رَائِعاً، مَقَرَّاً لِسُكْنَاكَ إِلَى آلأَْبَدِ". وَفِيمَا كَانَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ وَاقِفَةً هُنَاكَ، آلْتَفَتَ آلْمَلِكُ نَحْوَهُمْ وَبَارَكَهُمْ جَمِيعاً، قَائِلاً: "تَبَارَكَ آلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ آلَّذِي حَقَّقَ آلْيَوْمَ وَعْدَهُ آلَّذِي قَطَعَهُ لأَبِي دَاُودَ ... وَآنْتَصَبَ سُلَيْمَانُ أمَامَ مَذْبَحِ آلرَّبَّ، فِي مُوَاجَهَةِ كُلَّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ، وَبَسَطَ يَدَيْهِ إِلَى آلسَّمَاءِ، وَقَالَ: "أَيُهَا آلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيل، لَيْسَ نَظيرٌ لَكَ فِي آلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَلاَ عَلَى آلأَْرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. أَنْتَ يَا مَنْ تُحَافِظُ عَلَى عَهْدِ آلرَّحْمَةِ مَعَ عَبِيدِكَ آلسَّائِرِينَ أَمَامَكَ مِنْ كُلَّ قُلُوبِهِم. آلْيَوْمَ حَقَّقْتَ وَعْدَكَ لأِبِي دَاوُدَ فآلآْنَ آحْفَظْ لأَِبِي دَاوُدَ مَا وَعَدْتَهُ بِهِ، إِنَّهُ إِذَا حَذَا أَوْلاَدُهُ حَذْوَهُ، وَسَارُوا فِي طَرِيقِكَ، فَسَيَجْلِسُ دَوْماً وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى عَرْشِ إِسْرَائِيلَ".(12)
"إِذَا آنْهَزَمَ شَعْبُكَ أَمَامَ عَدُوَّهِمْ مِنْ جَرَّاءِ خَطِيئَتِهِمْ، ثُمَّ تَابوا مُعْتَرِفِينَ بآسْمِكَ، وَصَلُّوا مَتَضَرَّعِينَ إِلَيْكَ فِي هَذَا آلْهَيْكَلِ، فَآسْتجِبُ أَنْتَ مِنَ آلسَّمَاءِ وَآصْفَحْ عَنْ خَطِيئَةِ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ، وَأَرْجِعْهُمْ إِلَى آلأَْرْضِ آلَّتِي وَهَبْتَهَا لآِبَائِهِمْ".(13)
ثم يذكر السّفُر نفسه أنّ سليمان لمّا انتهى من هذه الصّلاة إلى الربّ والتضرُّع إليه نهض من أمام المذبح حيث كان جاثياً على ركبتيه وباسطاً يديه نحو السماء وقف وباركَ الشعبَ كلّه ودعا لهم ... معلومّةٌ هامّةٌ أخُرى تضمّنها هذا السّفر ألا وهي موقف الربّ من خطاب سُليمان (التوحيدي) السابق فقد أخبرنا السَّفرُ عن أنّ الله تجلّى لسُليمان(14) وأخبره بأنّه قد سمع صلاته وتضرّعه وأنه قدَّس الهيكل وتقبّله وأنّه سيستمر في مباركته وتوفيقه دائماً إذا سلكّ "سليمان" أمام الله كما سلَك أبوه "داود" بكمال القلب والإستقامة وطبّق كلّ ما أمره به، وإذا هو أطاعَ فرائضَ الربّ وأحكامه فالمُكافأة حاضرةٌ، أَلا وهي تثبيتُ كرسيّ مُلك سليمان على إسرائيل للأبد إضافةً لشرطٍ آخر ألا وهو أن لا ينحرف هو وأبناؤه وبنو إسرائيل عن إطاعة وصايا الرب وفرائضه وألاّ يعبدوا آلهة أخرى ويسجدوا لها وإلاّ كانت النتيجةُ أن يبُيدَ الربُّ إسرائيل عن وجه الأرض التي وهبها لهم وأن ينبذ الهيكل فتصبح إسرائيل مثلاً ومثار هزءٍ لجميع الأمم ويصبحُ الهيكل عبرةً يثيرُ عَجبَ كلَّ من يمرُّ به فيَصْفُرُ ويتساءل عن سبب خرابه ودماره وتخلّي الربّ عنه، فتكون الإجابة لأنَّ بني إسرائيل تركوا الربّ وتشبثوا بآلهةِ أُخرى وسجدوا لها وعبدوها فجلبَ عليهم الربُّ كلَّ هذا البلاء.
"وَبَعْدَ أَنْ أَتَمَّ سُلَيْمَانُ بِنَاءَ هَيْكَلِ آلرَّبَّ وَقَصْرِ آلْمَلِكِ، وَكُلَّ مَا رَغِبَ أَنْ يُقِيمَهُ مِنْ مَبَانٍ أُخْرَى. تَجَلَّى آلرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ ثَانِيَةً كَمَا تَجَلَّى لَهُ فِي جِبْعُونَ، وَقَالَ لَهُ: "سَمِعْتُ صَلاَتَكَ وَتَضَرُّعَكَ آلَّذِي رَفَعْتَهُ أَمَامِي، لِهَذَا قَدَّسْتُ هَذَا آلْهَيْكَلَ آلَّذِي شَيَّدْتَهُ لأَِضَعَ آسْمِي عَلَيْهِ إِلَى آلأَْبَدِ، فَتَكُونُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي هُنَاكَ كُلَّ آلأَْيَّامِ. فَإِنْ سَلَكْتَ أّنْتَ أَمَامِي كَمَا سَلَكَ أَبُوكَ دَاوُدُ بِكَمَالِ آلقَلْبِ وَآلاِسْتِقَامَةِ، وَطَبَّقْتَ كُلَّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ، وَأَطَعْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، فإِنَّي أُثَبَّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى آلأَْبَدِ، كَمَا وَعَدْتُ داوُدَ أَبِاكَ قَائِلاً: "لاَ يَنْقَرِضُ مِنْ نَسْلِكَ مَنْ يَمْلِكُ عَلَى عَرْشِ إِسْرَائِيل. أَمَّا إِنِ آنْحَرَفْتُمْ أَنْتُمْ أَوْ أَبْنَاؤُكُمْ عَنِ آتَّبَاعِي، وَلَمْ تُطِيعُوا وَصَايَايْ وَفَرَائِضِي آلَّتِي سَنَنْتُهَا لَكُمْ، وَغَوَيْتُمْ عَابدِينَ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدْتُمْ لَهَا، فإِنَّي أُبِيدُ إِسْرَائِيلَ عَنْ وَجْهِ آلأَْرْضِ آلَّتِي وَهَبْتُهَا لَهُمْ، وَأَنْبِذُ آلْهَيْكَلَ آلَّذِي قَدَّسْتُهُ لآِسْمِي، فَيُصْبِحُ إِسْرَائِيلُ مَثَلاً وَمَثَارَ هُزْءٍ لِجَمِيعِ آلأُْمَمِ. وَيُصْبِحُ هَذَا آلْهَيْكَلُ عِبْرَةً يُثِيرُ عَجَبَ كُلَّ مَنْ يَمُرُّ بِهِ، فَيَصْفُرُ وَيَتَسَاءَلُ: "لِمَاذَا صَنَعَ آلرَّبُّ هَكَذَا بِهَذهْ آلأَْرْضِ وَبِهَذَا آلْهَيْكَلِ؟ فَيَأْتِيهُمُ آلْجَوَابُ: "لأَِنَّهُمْ تَرَكُوا آلرَّبُّ إِلَهَهُمُ آلَّذِي أَخْرَجَ آبَاءَهُمْ مِنْ دَيَارِ مِصْر، وَتَشَبَّثُوا بِآلِهَةٍ أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا وَعَبَدُوهَا لِذَلِكَ جَلَبَ آلرَّبُّ عَلَيْهِمْ كُلَّ هَذَا آلْبَلاَءِ"(15)
ويُفهمُ ممّا تقدّم أنّ الخراب الذي لحق بالهيكل وحلّ به إنّما كان نتيجة ً طبيعيةً وعقاباً من الربّ لمخالفة بني إسرائيل لميثاقه وعهده وترك أوامره وقد وقع هذا الخراب الأول للهيكل على يد الحاكم "نبوخذنصّر" البابلي سنة 587 ق.م. فقد تمرَّد "صديقا" على "نبوخذنصّر" مُستعيناً بالمصريين. وثارت "يهودا" على "بابل" وقاومت "أورشليم" الحصار البابليّ ثمانية عشر شهراً سقطت بعدها المدنية. وبعدَ شهرٍ من سقوطها أرسل "نبوخذنصّر" أحد قوّاده إلى أورشليم ومعه تعليمات لمحوها فجعلها قاعا صفصفاً وهُدِمَ المبعدَ وأخُذتْ كنوزهُ الذهبّيةُ وسُبِيَ اليهودُ إلى "بابل".
ولمّا وصل الحاكم الفارسي (قورش) إلى "بابل" وسقطت في قبضته قطع على نفسه عهداً بمساعدة اليهود وإعادتهم من المنفى في "بابل" إلى "أورشليم" وتعهّد لهم ببناء "هيكلٍ" جديدٍ وإعادة محتويات الهيكل القديم التي آستولى عليها "نبوخذنصّر"، وقد كان صنعُ (قورش) هذا مع اليهود لسببين أولهما: أنّ اليهود، بسبب خيانتهم، ساعدوه في الدخول إلى "بابل" والإنتصار على جيشها(16) والثاني: أنّ عشيقة والده اليهودية وإسمها "أستير" أشارت عليه بالإحسان إليهم ومعاملتهم بالحُسنى ومساعدتهم بالعودة إلى أورشليم...
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ اليهود جعلوا في التوراة سفراً يحمل إسمها وهو "سفر أستير"، كما أنّهم خَلّدوا إسمها عن طريقِ عيدٍ يحتفلون به آسمه "عيد الأستير".
لكنّ قورش لم يكمل بناء الهيكل الجديد حيث مات في إحدى المعارك ولم يُبنَ من الهيكل إلاّ أساساتُّه حتى جاء الحاكم "داريوس" وأمر بإتمام البناء، وقد باشر هذه المهمّة (زروبابل) حاكم اليهودّية آنذاك "وَآلآْنّ تَشَجَّعْ يَا زَرُبَّابِلُ، يَقُولُ آلرَّبُّ، وَتَشَدَّد يَا يَهُوشَعُ بْنُ يَهُو صَادِقَ رَئِيسُ آلْكَهَنَةِ، وَأَنْتُمْ كَذَلِكَ يَا جَمِيعَ سُكَّانِ آلأَْرْضِ. تَشَجَّعُوا وَآعْمَلُوا بِجَدًّ لأَِنَّي مَعَكُمْ، يَقُولُ آلرَّبُّ آلْقَدِيرُ. بِمُقْتَضَى عَهْدِي آلَّذِي أَبْرَمْتُهُ مَعَكُمْ عِنْدَمَا خَرَجْتُمْ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ. إِنَّ رُوحِي مَاكِثٌ مَعَكُمْ، فَلاَ تَفْزَعُوا. لأَِنُّهُ هَكَذَا يَقُولُ آلرَّبُّ آلْقَدِيرُ: هَا أَنَا مُزْمِعٌ مَرَّةً أُخْرَى، عَمَّا قَلِيلٍ، أَنْ أُزَلْزِلَ آلسَّمَاءَ وَآلأَْرْضَ وَآلْبَحْرَ وَآلْيَابِسَةَ. وَأُزَعْزِعَ أَرْكَانَ جَمِيعِ آلأُْمَمِ فَتُجْلَبَ نَفَائِسُهُمْ إِلَى هَذَا آلْمَكَانِ وَأَمْلأَ هَذَا آلْهَيْكَلَ بآلْمَجْدِ. فَآلذَّهَبُ وَآلْفِضَّةُ لِي يَقُولُ آلرَّبُ آلْقَدِيرُ. وَيَكُونُ مَجْدُ هَذَا آلْهَيْكَلِ آلأَْخِيرِ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ آلْهَيْكَلِ آلسَّابِقِ، وَأَجْعَلُ آلسَّلاَمَ يَسُودُ هّذَا آلْمَوْضِعَ يَقُولُ آلرَّبُّ آلْقَدِيرُ"(17)
أمَا عن الهيكل الثاني فقد ورد كلُّ ما تلزم معرفتهُ عنه من تفصيلاتٍ في سفر حزقيال حيث تمَّ ذِكرُ كلّ أوصافه ومحتوياته ومَداخله ومَخارجه ومساحته ومقارناته بالهيكل الأوّل عبر سبعة إصحاحات كاملة هي (40 – 46) وفي آياتٍ مجمُوعُها مائتنان وآيتان، كلُّها وصَفُ تفصيليّ دقيق للهيكل الثاني إضافةً إلى إثنتي عشرة آيةً من الإصحاح السابع والأربعين من السّفر نفسهِ، كلهَّا حديثٌ عن هذا الهيكل الجديد ووصفٌ له.
وقد بقي هذا الهيكل الثاني قائماً موجوداً عند بعثة المسيح إبن مريم عليه السلام،(*) ويروي إنجيل متّى أنّ أول إختبارٍ إختبر به الشيطانُ نبَّوةَ المسيح كان عند الهيكل "ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْليسُ إِلَى آلْمَدِينَةِ آلْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى حَافَةِ سَطْحِ آلْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ: "إِنْ كُنْتَ آبْنَ آللهِ، فَآطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَل، لأَِنَّهُ قَدْ كُتِبَ: يُوْصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَيَحْمِلُونَكَ عَلَى أَيدِيِهْم لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ قَدَمَكَ بِحَجَرٍ!" فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "وَقَدْ كُتِبَ أَيْضاً: لاَ تُجَرَّبِ آلرَّبَّ إِلهَكَ!"(18)
كما تروي الأناجيل أنّ عيسى، عليه السلام، عَمِلَ على تطهير الهيكل ممّا كان بداخله من ممارساتِ اللّصوص وأولئك الذين يبيعون ويشترون بداخله ويمارسون مهنة الصَّرافة والتجارة محاولاً من خلال ذلك تذكيرهم أنّ الهيكل لم يُبنَ لمثل هذه الأمور وإنّما للتقديس والعبادة والصلاة(19) "ثُمَّ دَخَلَ يَسُوعُ آلْهَيْكَلَ، وَطَرَدَ مِنْ سَاحَتِهِ جَمِيعَ آلَّذِينَ كَانُوا يَبيعُونَ وَيَشْتَرُونَ؛ وَقَلَبَ مَوَائِدَ آلصَّيَارفَةِ وَمَقَاعِدَ بَاعَةِ آلْحَمَامِ. وَقَالَ لَهُمْ: "قَدْ كُتِبَ: إِنَّ بيتي بَيْتاً لِلصَّلاَةِ يُدْعَى. أَمَّا أَنْتُمْ فَجَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!" وَبَيْنَمَا هُوَ فِي آلْهَيْكَلِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ عُمْيٌ وَعُرْجٌ، فَشَفَاهُمْ. فَتَضَايَقَ رُؤَسَاءُ آلْكَهَنَةِ، وَآلْكَتَبَةُ، عِنْدَمَا رَأَوْا آلْعَجَائِبَ آلَّتِي أَجْرَاهَا"(20)
ولكنّ الكهنة كانوا مصرّين على الضّلالة والعمى وإستخدام الهيكل وكراً يحيكون فيه المؤامرات ويدبّرون الكيد للمسيح، عليه السلام، ولدينه الجديد ولأتباعه وقد كانت تلك المؤامرات سبباً لاشتباكه معهم وتعنيفه لهم. "لَكِنِ آلْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا آلْكَتَبَةُ وَآلْفَرَّيسِيُّونَ آلْمُراؤُون! فَإِنَّكُمْ تُغْلقُونَ مَلَكُوتَ آلسَّمَاوَاتِ فِي وُجُوهِ آلنَّاسِ، فَلاَ أَنْتُمْ تَدْخُلُون، وَلاَ تَدَعُونَ آلدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ! آلْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا آلْكَتَبَةُ وَآلْفَرَّيسِيُّونَ آلْمُرَاؤُونَ! فَإِنَّكُمْ تَلْتَهِمُونَ بُيُوتَ آلأَْرَامِلِ وَتَتَذَرَّعُونَ بِإِطَالَةِ صَلَوَاتِكُمْ لِذَلِكَ سَتَنْزِلُ بِكُمْ دَيْنُونَةٌ أَقْسَى! آلْوَيْلُ لَكُمْ أَيَُهَا آلْكَتَبَةُ وَآلْفَرَّيسِيُّونَ آلْمُرَاؤُونَ! فَإِنَّكُمْ تَطُوفُونَ آلْبَحْرَ وَآلْبَرَّ لِتَكْسَبُوا مُتَهَوَّداً وَاحِداً؛ فَإِذَا تَهَوَّدَ جَعَلْتُمُوهُ أَهْلاً لِجَهَنَّمَ ضِعْفَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ! "آلْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا آلْقَادَةُ آلْعُمْيَانُ! تَقُولُونَ: مَنْ أَقْسَمَ بآلْهَيْكَلِ، فَقَسَمُهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ؛ أَمَّا مَنْ أَقْسَمَ بِآلْهَيْكَلِ، فَقَسَمُهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ؛ أَمَّا مَنْ أَقْسَمَ بِآلْهَيْكَلِ، فَقَسَمُهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ؛ أَمَّا مَنْ أَقْسَمَ بِذَهَبِ آلْهَيْكَلِ، فَقَسَمُهُ مُلْزِمٌ! أَيُّهَا آلْجُهَّالُ وَآلْعُمْيَانُ! أَيُّ آلاثْنَيْنِ أَعْظَمُ: آلذَّهَبُ أَمِ آلْهَيْكَلُ آلَّذِي يَجْعَلُ آلذَّهَبَ مُقَدَّساً؟ وَتَقُولُونَ: مَنْ أَقْسَمِ بِآلْمَذْبَحِ، فَقَسَمُهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ؛ أَمَّا مَنْ أَقْسَمْ بِآلْقُرْبَانِ آلَّذِي عَلَى آلْمَذْبَحِ، فَقَسَمُهُ مُلْزِمٌ! أَيُّهَا آلْعُمْيَانُ! أَيُّ آلاثْنَيْنِ أَعْظَمُ: آلْقُرْبَانِ أَمِ آلْمَذْبَحُ آلَّذِي يَجْعَلُ آلْقُرْبَانَ مُقَدَّسَاً؟ فَإِنَّ مَنْ أَقْسَمَ بآلْمَذْبَحِ، فَقَدْ أَقْسَمَ بِهِ وَبِكُلَّ مَا عليْهِ؛ وَمَنْ أَقْسَمِ بِآلْهَيْكَلِ، فَقَدْ أَقْسَمَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ؛ وَمَنْ أَقْسَمِ بِآلسَّمَاءِ، فَقَدْ أَقْسَمَ بعَرْش آللهِ وَبِآلْجَالِسِ عَلَيْهِ! "آلْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا آلْكَتَبَةُ وَآلْفَرَّيسِيُّونَ آلْمُرَاؤُونَ!".(21)
ولمّا وصل المسيحُ، عليه السلام، في حواره مع كهنة الهيكل الفاسدين إلى طريق مسدودٍ أنذرهم ودعا على أورشليم "أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ عِقَابَ ذِلكَ كُلَّهِ سَيَنْزِلُ بِهذَا آلْجَيلِ. "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ، يَا قَاتِلَةَ آلأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ آلْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا! كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ آلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، فَلَمْ تُرِيدُوا! هَا إِنَّ بَيْتَكُم يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً! فَإِنَّي أُقُولُ لَكُمْ إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْنِي مِنَ آلآْنَ، حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ آلآْتِي بِآسْمِ آلرَّبَّ!"(22)
وكانت النهاية لهذا الشّد والجذب مع الكهنة الفريسيين والحوارات الطّويلة معهم في "الهيكل" أن تنّبأ المسيح، عليه السلام، بخراب الهيكل "ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنَ آلْهَيْكَلِ، وَلَمَّا غَادَرَهُ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ، وَلَفتُوا نَظَرَهُ إلَى مَبَانِي آلْهَيْكَلِ. فَقَالَ لَهُمْ: "أَمَا تَرَوْنَ هَذِهِ آلْمَبَانِي كُلَّهَا؟ آلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُتْرَكَ هُنَا حَجَرٌ فَوْقَ حَجَرٍ إِلاَّ وَيُهْدَمُ!".(23)
يُستفادُ ممّا سبق أنّ المسيح، عليه السلام، دعا على أوشليم وتنبّأ بخراب هيكلها وهي النبؤة التي تحققّت بعد ذلك عام (70 للميلاد) على يد القائد الروماني "تيطس" "الذي حاصر القدس ستة أشهر ثمّ دخلها فأحرق الهيكل ودمرّه تدميراً كاملاً وذبح كهنته وأوقع باليهود مذبحةً مُريعةً وخرّب المدينة وساق الكثيرين من أهلها عبيداً إلى روما"(24) "ويُلاحَظُ أن "تيطس" فعَل ما فعَل، لكنّه أبقى الحُطام في مكانه وتوالت الأيام حتى جاء القائد الروماني (هيدريان / أدريانوس) فحرث الأرض وسوّاها (غيَّر معالهما) وحرّم على اليهود سُكنى القدس وبدّل إسمها إلى (إيلياء كابيتولينا) وأقام مكان الهيكل معبداً للإلة (جوبيتير)"(25)
إنّ البروتستانت يشاركون اليهود اعتقادهم بأن إعادة بناء الهيكل ستعجَّلُ بقدوم المسيح، والطرفان يؤمنان بأن اليوم الآخر على الأبواب. وبالنسبة للنصارى فإن ذلك يعني أن المجيء الثاني للمسيح عيسى ابن مريم أصبح وشيك الوقوع، وأما بالنسبة لليهود فإن مجيء المسيح اليهودي المنتظر للمرة الأولى هو أيضاً وشيك الوقوع. ويؤمن الطرفان بأن المكان الذي سيتم فيه ذلك القدوم هو (جبل الهيكل) في القدس، لأنه المكان الذي يجب أن تتم فيه إعادة بناء هيكل سليمان، وبموجب العقيدة السائدة بين البروتستانت؛ فإن التعاليم الإنجيلية تتطلب حدوث ثلاثة أمور قبل أن يتحقق مجيء المسيح الثاني وهي وجوبُ أن تصبح إسرائيلُ دولةً وأن تكونَ القدسُ عاصمةً يهوديةً وأن يُعادَ بناءُ الهيكل. وفي نظر هؤلاء البروتستانت لم يبق سوى إعادة بناء الهيكل وهو الشرط الثالث لكي يحدث المجيء المتوقع للمسيح. يعتقدُ البروتستانت أنّ بناء هيكل جديد هو واجبٌ مقدّسٌ وذلك استجابةً لأوامر الكتاب المقدَّس. وتعتقدُ الأغلبيّةُ العظمى من هؤلاء أنّ الهيكل كان مبنيّاً في مكان المسجد الأقصى الحاضر أو قريباً منه تحت قبّة الصخرة.
والسؤال المُلِحُّ الذي يفرضُ نفسه هو إلى ماذا يستندُ "البروتستانت" ومن يدعمهم في عصرنا الحاضر في القول بوجوب العمل على بناءِ الهيكل الثّالث؟؟ وهل تصمدُ أدلتّهم أمام علم الآثار المعاصر الذي لم يُثبتْ حتّى هذه اللحظة وجود أيَّ أثر يشيرُ إلى مكان الهيكل الأوّل أو الثاني؟؟
في الإجابة على ذلك نقول: يستدلُّ هؤلاء البروتستانت على نبؤة بناء الهيكل الثالث بما يلي:
أولاً: "وَيُقِيمُونَ فِي آلأَْرْضِ آلَّتِي وَهَبْتُهَا لِعَبْدِي يَعْقُوبَ آلَّتِي سَكَنَ فِيهَا آبَاؤُكُمْ، فَيِسْتَوْطِنُونَ فِيهَا هُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَأَحْفَادُهُمْ إِلَى آلأَْبَدِ. وَيَكُونُ عَبْدِي دَاوُدُ رَئِيساً عَلَيْهِمْ مَدَى آلدَّهْرِ. وَأُبْرِمُ مَعَهُمْ مِيثَاقَ سَلاَمِ، فَيَكُونُ مَعَهُمْ عَهْداً أَبَدِيّاً، وَأُوَطَّنُهُمْ وَاُكَثَّرُهُمْ وَاُقِيمُ مَقْدِسِي فِي وَسَطِهِمْ إِلَى آلأَْبَدِ. وَيَكُونُ مَسْكِنِي مَعَهُمْ، فَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَيَكُونُونَ لِي شَعْباً. فَتُدْرِكُ آلأُْمَمُ أَنَّي أَنَا آلرَّبُّ مُقَدَّسُ إسْرَائِيلَ، حِينَ يَكُونُ مَقْدِسِي قَائِماً فِي وَسَطِهِمْ إِلَى آلأَْبَدِ".(26)
والردّ على ذلك أنَّ الدليل الذي يستدلوّن به إنمّا يدلّ على بناء الهيكل الثاني، وهذا جزءٌ من نبوءة حزقيال التي رآها أثناء كونه أسيراً مع بقيّة اليهود في بابل ومن الثابت في الكتاب المقدّس أنّ حزقيال كان واحداً من أنبياء اليهود في فترة السبي البابلي.(27)
ثانياً: "وَسَمعِتُ صَوْتاً هَاتِفاً مِنَ آلْعَرْشِ: "آلآْنَ صَارَ مَسْكِنُ آللهِ مَعَ آلنَّاسِ، هُوَ يَسْكُنُ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ يَصِيرُونَ شَعْباً لَهُ. آللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهاً لَهُمْ! وَسَيَمْسَحُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ. إِذْ يَزُولُ آلْمَوْتُ وَآلْحُزْنُ وَآلصُّرَاخُ وَآلأَْلَمُ،لأَِنَّ آلأُْمُورُ آلْقَدِيمَةَ كُلَّهَا قَدْ زَالَتْ! وَقَالَ آلْجَالِسُ عَلَى آلْعَرْشِ: "سَأَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً" ثُمَّ قَالَ لِي: "آكْتُبْ هذَا، فإِنَّ مَا أَقُولُهُ هُوَ آلصَّدْقُ وَآلْحَقُّ". ثُمَّ قَالَ: "قَدْ تَمَّ أَنَا آلأِْلِفُ وَآلْيَاءُ [آلْبِدَايَةُ وَآلنَّهَايَةُ]. أَنَا أَسْقِي آلْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ آلْحَيَاةِ مَجَّاناً. هذَا كُلُّهُ نَصِيبُ آلْمُنْتَصِرِ، وَأَكُونُ إِلهاً لَهُ، وَهُوَ يَكُونُ آبْناً لِي].(28)
أمّا هذا الدليل الذي استدلَّ به هؤلاء "البروتستانت" من رؤيا يوحّنا في إصحاحها الحادي والعشرين فمردودٌ عليهم تماماً لأنّ الآيات اللاحقة من السّفر نفسه والإصحاح نفسه يقول فيها يوحنّا (ولم أجد في المدينة هيكلاً، لأنّ الربّ الإله القدير على كلَّ شيءٍ والحَمَلَ هما هيكلُها)(29) وهذا يوافق تماماً ما يعتقده المسيحيون الآرثوذكس والكاثوليك في أنّ جسدَ المسيح هو الهيكل الجديد الذي يريده الربُّ لا هيكل الحجارة الذي دعا عليه المسيح بالخراب والدّمار.
المطلب الثالث
نبؤة وقوع معركة هرمجدّون ونهاية العالم
تقع نبؤة هرمجدّون(30) في آخر نبؤات البروتستانت، وهي إن لم تكن الأخيرةَ فهي قبل الأخيرة. وهذا الاختلاف في ترتيب وقوع النبؤات يُمليه الإختلافُ الذي سبَقتْ الإشارةُ إليه عند الحديث عن مَذهبَيْ ما قبل الألفيّة وما بعد الألفية؛ فمنهم مَن يرى هذه المعركة سابقةً للحكم الألفيّ السعيد للسيد المسيح ومُقدَّمةً ضروريةً له، ومنهم من يراها أثراً لازماً يترتب على نزول المسيح وإقامته للمملكة الألفّية وبدئه في محاربة الكُفار وإبادته لهم في معركة "هرمجدّون". وليسَ هناك وصفٌ تُوصفُ به هذه المعركة أدقَّ من وصف (الأسطورة)، وهذا الوصف يشعرُ به وبمعناه الصحيح كلُّ مَنْ قرأ الأساطيرَ الإغريقيّة ومغامرات القادة الرومان والقادة اليونانيين القدماء؛ فالجوُّ المحيط بهذه المعركة الأسطورية (هرمجدّون) لا يختلفُ كثيراً عن أجواء (إلياذة هوميروس) و(ملحمة جلجامش) وقصّة (حصان طروادة) وأسطورة (الأوديسّا) وما إلى ذلك من روايات الخيال والأساطير التي تأخذُ القارئ إلى عالمٍ لا ينتهي من الإثارة والتّشويق والخيال الذي لا يعرف الحدود ...
إنّ هذه المعركة بكل تفاصيلها إنّما تقع في إطار ما يمكن تسميتهُ بـ (النثر التوراتي القصصّي المشوِّق) والذي نرى تصنيفه تحت عنوان (آداب اللغة وفنون التعبير) أصحّ من تصنيفه تحت عنوان (العقائد)، كيف لا ونحن نلحظُ بجلاءٍ ووضوحٍ أثناء قراءتنا لنصوص المعركة كيف تنهمرُ الأمطار وتذوب الصخور وتتساقط النيرانُ وتهتزُّ الأرض وتتساقط الجبالُ وتَنهار الصخُور وتتساقط الجُدران على الأرض ويَخرجُ الربُّ ويحارب الأمم كما في يومِ حربه وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيّتون الذي قُدّام "أورشليم" من الشرق فينشق جبل الزيتون من وسطه نحو الشرق ونحو الغرب وادياً عظيماً جداً ... وهذه تكون الضربةُ التي يضربُ بها الربُّ كل الشعوب الذين تجنَّدُوا على "أوشليم" فيذوب لحُمهم وهم واقفون على أقدامهم وعيونُهم تذوب في أوقابهم ولسانهم يذوب في فمهم.
ثم نرى أثناء قراءتنا لهذه المعركة كيف يدعو الربُ الطيورَ الطائرة في وسط السماء لتجتمع إلى عشاء الإله العظيم لكي تأكل لحومَ ملوكٍ ولحومَ قوّادٍ ولحومَ أقوياءٍ ولحومَ خيلٍ والجالسين عليها ولحومَ الكلَّ، حراً وعبداً وصغيراً وكبيراً، ثم يتمُّ القبض على الوحش والنبيّ الكذاب وطرحهما حَيْيَنْ إلى بحيرةٍ النار المُتَّقِدَة بالكبريت.
وحتّى تكتمل الصورةُ المسرحية لهذه "المَلحمة" التي نُسبت إلى "حزقيال"(31) اليهودي تأتي إضافاتٌ مسيحيّةٌ ولمساتٌ فنّيةٌ يضيفُهَا عليها (يوحّنا اللاهوتي في رؤياه) لتكتمل هذه المشاهد وتنتهي بنهايةٍ سعيدةٍ، ينزلُ فيها البطل (السيد المسيح حسب إعتقاد "البروتستانت"، والمسيّا المخلَّص حسَب إعتقاد اليهود) ليأخذ بزمام الأمور فيقرّر أن يأتي بنفسه ليقود المعركة فينزلُ ليرفعَ أتباعه وكلَّ مَن آمَن به للسماء، ويتركُ الكافرين بألوهيّته لا تأخذه بهم أدنى شفقةٍ يحَترقون في الأرض في بُحيرة "كبريتٍ ناريّةٍ"، ويكتفي هو والقدّيسون والمؤمنون بالنَّظر من فوق السحاب إلى المَحرقةِ الرّهيبةِ في الأرض فإذا انقضَتْ، يهبط إلى الأرض مع مَنْ رفَعهم لِيُقيمَ مملكة الرب مدّة ألف سنةٍ (الألفية) يعم فيها الخير والسلام والبركة ... إذاً فنحنَ أمام نوع مِن القصص "الكلاسيكيّة" الإغريقيّة ولكنّ الذي يختلف في قصّتنا وملحمتنا (هرمجدّون) هذه هو آسمُ البطل ومكان الملحمة وتاريخها؛ فبدلاً من أن يكون البطل هو (بروتوس أو أوكتافيوس أو الإسكندر المقدوني أو هنيبعل أو جلجامش) كان البطل هنا هو السيّد المسيح، عليه السلام، وبدلاً من أن تكون ساحة المعركة (طروادة أو أثينا أو روما أو أوروك السومريّة) كانت "سهل مجيدو" أو مجدّو في فلسطين ... وممّا تجدر الإشارة إليه هنا هو أنَّ الكثيرين لم ينتبهوا إلى أن المخرج "الأمريكي" "ميل جبسون" إقتبسَ الكثير من خلفيات وأجواء فيلمه الأخير (أبو كاليبتو) من نصوص التوراة القديمة ... وقد ثبت أنّ نصوص الكتاب المقدّس في الكثير الكثير من مقاطعها تصلحُ لأن تُنْتَجَ منها "أفلام سينمائية" تجذب الملايين من المشاهدين الباحثين عن الإثارة والتشويق والبطولة. للتدليل على ذلك نقول: إنّ كتاب الداعية الأصولي الإنجيلي "هول ليندسي" (The Late Great Planet Earth) الذي تخصَّصَ في شرح نبؤات آخر الزمان (مثل هرمجدّون والمملكة الألفية ومجيء المسيح) "قد بيع منه (25 مليون) نسخة وقد تحول إلى فيلم سينمائي كتب السيناريو فيه (أورسون ويلز)"(32) وأقبل على حضوره ملايينُ الناس في الولايات الأمريكية وحدها. ومن الأمثلة الأخرى على "الأفلام" التي تحدّثت عن هذه النبؤات "فيلم" هرمجدّون (Armageddon) والذي لعب دور البطولة فيه الممثل الأمريكي المشهور (بروس ويلس)، ومنها فيلم (Omen) وفي هذا الفيلم تزور "كاميرا التصوير" سهل مجيدو وتدخل إلى بعض المعابد اليهودية الموجودة فيه ... وقبل أن ذكر نصوص الكتاب المقدّس التي ذكرت تفاصيل هذه المعركة ينبغي التنبيه إلى الملاحظات الهامة التالية:
أولاً: لم تُذكر معركة هرمجدون في التوراة كلها ولو مرّةً واحدة، وإنّما ذُكرت كلمة (مَجَدُّو) ثلاث مرات فقط؛ ومن ذلك مرّتان في سفر الملوك الثاني 23: 29، 30 عند الحديث عن موت الملك "يوشيا" في معركة ضد ملك مصر عندما حاول "يوشيا" مساعدة ملك "أشور" في حربه ضد ملك مصر وهذا النص هو:
"أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوشِيَّا وَكُلُّ مُنْجَزَاتِهِ أَلَيْسَتْ هِيَ مُدَوَّنَةً فِي كِتَابِ أَخْبَارِ أَيَّامِ مُلُوكِ يَهُوذَا؟ وَفِي أَيَّامِ حُكْمِ يُوشِيَّا زَحَفَ فِرْعَوْنُ نَخْوُ مَلِكُ مِصْرَ نَحْوَ نَهْرِ آلْفُرَاتِ لَمُحَارَبَةِ مَلِكِ أَشُّورَ، فَهَبَّ يُوشِيَّا لِمُسَاعَدَةِ مَلِكِ أَشُّورَ عِنْدَ مَجَدُّو، فَقَتَلَهُ مِلِكُ مِصْرَ، فِي أَثْنَاءِ آلْمَعْرَكَةِ. فَحَمَلَهُ رِجَالُهُ فِي مَرْكَبَةٍ وَعَادُوا بِهِ مِنْ مَجَدُّو لأُِورُشَلِيمَ، حَيْثُ دَفَنُوهُ فِي قَبْرِهِ. فَوَلَّى آلشَّعْبُ يَهُوَآحَازَ بْنَ يُوشِيَّا مَلِكاً عَلَيْهِمْ خَلَفاً لأَِبِيهِ"(33)
كما ذُكرت هذه الكلمة في سفر يشوع 12: 21 في نصٍّ هو (مَلِك مَجِدّو واحدٌ) وذلك عند ذكر أسماء الملوك الذين قضى عليهم يوشع وبنوإسرائيل.
ثانياً: ذُكرتْ كلمة (هرمجّدون) في الإنجيل مرّةً واحدةً فقط وذلك في رؤيا يوحنّا اللاهوتي(34) والتي كانت المُستندَ الانجيليّ (للأصوليين البروتستانت) عند حديثهم عن هذه المعركة وهذا النّصُ هو: "وَجَمَعَتِ آلأُْرْوَاحُ آلشَّيْطَانِيَّةُ جُيُوشَ آلْعَالَمِ كُلَّهَا فِي مَكَانٍ يُسَمَّى بآلْعِبْرِيَّةِ "هَرْمَجِدُّونَ".(35)
ثالثاً: لا يؤمن اليهود بمعركة (هرمجدون) وذلك لعدم ورودها في التّوراة (كما تبيَّن لنا) لكنّهم يؤمنون بتفاصيلَ قريبةٍ من تفاصيلها، وكلُّ هذه التفاصيل تقع في اليوم الذي سمّوه (يوم الغضب) أو (يوم الربّ) أو (يوم غضب الربّ).
رابعاً: إنّ بطل معارك (يوم الربّ) الذي يؤمن به اليهود يختلفُ كلَّ الاختلاف عن بطل معركة "هرمجدّون" الذي يؤمن به المسيحيّون البروتستانت، فهو عند اليهود (المسيّا أو الماشيح المخلََّص)(36) وهو عند البروتستانت (المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام) وموقفُ اليهود من المسيح عليه السلام معروف وواضحٌ؛ فقد حاربوه وانقلبوا عليه وتآمروا عندما علموا أنّه ليس (المسيّا) الذي كانوا ينتظرونه وإنتهت بهم المؤامرتُ إلى محاكمته وصلبه(37) ... وبينما ينتظر المسيحيّون البروتستانت المسيح ليأتي في ذلك اليوم وتلك المعركة ليحملهم فوق السحاب، فإنّ اليهود ينتظرون مَلِكاً شديداً قاسياً محارباً هدفه قيادتُهم للسيطرة على العالم والتسلط على بقيّة الأُمم وإخضاعها وإذلالها.
إنه "المسايا" أو "المشايا، ويُسمونه مَلِكَ السَّلام، ويُهيّئون لخروجه ويستعدون. ومع أنهم يتّفقون مع النصارى على أن المسيح المنتظَر سيكون من بني إسرائيل، وسينزلُ بين بني إسرائيل وسيكونون جُندهَ وأعوانه، وستكون قاعدةَ مُلكه هي القدس، كما يتّفقون على أنَّ تاريخ نزوله سيوافق رقماً ألفياً، إلا أنه عند اليهود ليس مسيح النصارى، بل هو مسيح الضّلالة المسيح الدجّال لكنهم لا يُسمّونه كذلك"(38)
يُستفاد ممّا سبق وجود عقيدةٍ ثابتةٍ عند البروتستانت، استقرَّ بهم الأمر على تسميتها (هرمجدّون)، وهم مؤمنون بها ولكن على اختلافٍ بين مذاهبهم في وقوعها قبل أو بعد المجيء الثاني للمسيح. وهؤلاء يصرّون على حرفيّة الإعتقاد بها وبزمان وقوعها حتّى إنّهم حدّدوا أكثر من موعدٍ لوقوعها وفي كلّ مرّةٍ باء توقُّعهم بالفشل وأُصيبوا بخيبة الأمل، إلاّ أنّهم يعودون من جديدٍ للحديث عنها وتكييفها حسب الظروف لإسقاطها على بلدٍ ما وأشخاصٍ ما وحروبٍ ما. وأمثلةُ هذه التنبؤات الفاشلة التي ينادي بها "البروتستانت" كثيرةٌ متكررةٌ ولو أنّ منهم مَن يستحيي ويحكّمُ عقله لحَكَمَ على هذه البنؤة (وغيرها) بأنّها كذبةٌ أخرى و"سيناريو" آخر لا ولن يقعَ مهما حدث في الكون من وقائع. ومن أمثلة هذه التوقّعات الفاشلة بحدوث (مجيء المسيح الملازم طبعاً لقيادته لمعركة هرمجدون) ما يلي:
المثال الأول(39): في عام 1843 أخبر "وليام ميلر" أتباعه [إنه على يقين وقناعة تامة بأنه في وقت ما بين 21 آذار عام 1843 و21 آذار عام 1844، طبقاً للحسابات اليهودّية، سوف يأتي المسيح ويحضر معه قديسيه]. إستطاع "ميلر" أن يكسب الكثير من الأتباع بمواعظه الحماسيّة التي كانت تتخّذُ أحياناً طابعاً مُفِرطاً من الصِّياح وإشتراك المُصلّين بالغناء والتراتيل لدرجة سقوط بعضهم في نوباتِ إغماءٍ ورعشةٍ. وكان معظم ما يتحدّث عنه يتعلّقُ بمجيء المسيح المرتقَب (حسب نبوءات وتوقعات ميلر) وغفرانه لمن يؤمنون به ويتّبعونه عند ظهوره. استغرقت مواعظه مدة إجمالية تزيد عن (627) ساعةً وكان الحضور في الهواء الطلق يتجاوز آلاف المصلّين.
لم تتحقق نبوءة ميلر في الفترة التي حدَّدها وإعترف هو بخطأٍ في حساباته قائلاً: [إخوتي، لقد انقضى عام 1843 ولم تتحقق آمالنا، فهل نهجر السفينة؟ كلا ... كلا ... لا نعتقد أن النبوءات قد إنتهت ... فعاد وحدد يوم (22) تشرين الأول لمجيء المسيح. ولمّا كان يوم 21 تشرين الأول توافدت حشودٌ كبيرةٌ من المؤمنين من أتباعه إلى قمم التلال المجاورة دون خشيةٍ من ظروف الطَّقس البارد العاصف ودون الإعداد لقضاء ليلةٍ كاملةٍ هُناك. أمضى الناسُ ليلتين كاملتين بانتظار الحدث العظيم، إلا أنّه حين لم تتحقْ النبوءة، أُصيبَ الجميعُ بخيبةِ أملٍ كبيرةٍ جعلت الشّكَّ واليأس يُخيّم على الكثيرين حتى أنَّ بعضهم عمدَ إلى الإنتحار، خاصّةً أنّ الكثيرين منهم كانوا قد باعوا أو تنازلوا عن كُلِّ ما يملكونه.
المثال الثاني: تنبّأ الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان (وهو واحدٌ من أبرز البروتستانت المتهوّدين) "بهرمجّدون" عدّة مرّات وفي أكثر من مناسبةٍ، ولكنّ تنبؤاته تلك باءت كلها بالفشل؛ ففي عام 1971 قال "ريغان"(40): إنّ جميع النبوءات التي يجب أن تتحقق قبل "هرمجدون" قد مرّت، ففي الإصحاح 38 من سفر "حزقيال" أنّ الرب سيأخذُ أولاد إسرائيل من بين الوثنيين حيث سيكونون مشتتين ويعودون جميعُهم مّرةً ثانيةً إلى الأرض الموعودة ... لقد تحقق ذلك أخيراً بعد ألفي سنةٍ، ولأولِ مرّةٍ يبدو كل شيء في مكانه بانتظار "هرمجدون" والمجئ الثاني للمسيح .. إنّ حزقيال يقول [إنّ النّار والحجار المشُتعلة سوف تمطرُ على أعداء شعب الرب]. إنّ ذلك يجب أن يعني أنهم سوف يُدَمَّرون بواسطة السَّلاح النووي ... ويخبرنا "حزقيال" [أنّ جوج وماجوج، الأمة التي ستقود قوى الظلام الأخرى ضد إسرائيل سوف تأتي من الشمال] إن جوج يجب أن تكون روسيا، ليس من الأمم القديمة شمالى إسرائيل غير روسيا. لقد أصبحت روسيا شيوعية ومُلحدةً لتضعَ نفسها ضدَّ الربّ، والآن تنطبق عليها تماماً مواصفات جوج. وفي عام 1976، ناقش "ريجان" حاكم ولاية كاليفورنيا معركة "هرمجدون" في مقابلة مُسّجلةٍ مع "جورج أوتيس"، وقال ريجان [إنه ينتظر نبوءة حرب جوج وماجوج التي تعتبرُ بأنهاغزو روسي لإسرائيل في المستقبل القريب].
وفي حملته للرئاسة عام 1980، ذكر "ريجان" في مقابلة تليفزيونية أجراها معه الواعظ التليفزيوني "جيم بيكر" [إننّا قد نكون الجيلَ الذي يشهدُ "هرمجدون"]. وفي العام نفسه، نقل "ويليام سافاير" مُعَلِّقُ صحيفة "نيويورك تايمز"، أنّ ريجان قال أمام مؤتمر يهودي [إنّ إسرائيل هي الديمقراطية الثابتة الوحيدة التي يمكن أن نعتمد عليها كموقعٍ لحدوث هرمجدون].
وفي مقابلة مع القس "جيري فالويل" عام 1981، كشف "فالويل" عن أن الرئيس ريجان قال له [إنّ تدميرَ العالم يمكُن أن يحدث قريباً].
المثال الثالث: تقود البروتستانت مجموعةٌ من القسِّيسين والدّعاة المتطرّفين المعروفين في الولايات المتحدة منذ ما يزيد على خمسٍ وعشرين سنة ومن أبرز هؤلاء القسيسين (هول ليندسي وجيري فولويل وجون هاجي وكين بوغ وبات روبرتسون) وهم معروفون بولائهم المطلق للكيان الصهيوني وبتنظيمهم الدائم لرحلاتٍ إلى الأراضي المقدّسة وبإيمانهم الحرفيّ بنبؤات الكتاب المقدّس، وقد رصدت الكاتبةُ الأمريكية "غريس هالسل" مجموعةً لأراء وأقاويل بعضٍ مِن هؤلاء المتطّرفين فيما يتعلّق بموضوعنا في كتابها "يد الله"(41) ومن ذلك: [أعلن التلفزيونيُ الإنجيلي جيري فولويل أنّ "هرمجيدون حقيقة" و"هي حقيقة مرعبة" و"إننا جزء من جيل النهاية، من الجيل الأخير" فالتاريخ سيصل إلى ذروته ... إنني لا أعتقد أن أولادي سوف يعيشون كامل حياتهم. ويقول فولويل أيضاً: "في خلال هرمجيدون ستكون هناك مناوشةٌ واحدةٌ وأخيرةٌ، ثم إنّ الله سوف يتخلّص من هذا الكون، سوف يدمِّرُ هذه الأرض ... هذه السماوات والأرض" وينتهي قائلاً: "إنّ المليارات من البشر سوف يموتون في محرقة هرمجيدون].
يقول فولويل وليندسي: [إنّ الله يريدنا أن نخوض معركةً رهيبةً تضع حدّاً للتاريخ الإنساني. والآن، مع حوالي إثنتي عشرة دولةً تملك السلاح النووي، نستطيع بالفعل أن نقضي على العالم].
ويقول التلفزيونيّ الإنجيليّ "بات روبرتسون": [إنّ الكتاب المقدّس "يحتوي على إشاراتٍ محددةٍ حول أحداث العالم المقبلة، إنه يتضمن "نبوءات تهزّ الدنيا" فمعركة هرمجيدون في موقعها، ويمكن أن تقع في أي وقت لتحقيق نبوءة "حزقيال"، إنها على إستعدادٍ لأن تحدث ... فالولايات المتحدة تقع في هذا المقطع من نبوءة "حزقيال" ... ونحن نقف على إستعداد].
ويكتب المؤلف "جون هاجي" في كتابه "الفجر الأخير": [إنّ نهاية العالم كما نعرفه تقتربُ منا، "وإن أمريكا رمز لتيتانيك حديثة ... إننا الآن في سباقٍ نحو الكارثة!"].
وممّا يجدرُ ذكره عند الحديث عن نبؤة "هرمجدّون" وما يرتبط بها من مجيء المسيح أنّ هذه النبؤة محلُّ اعتقادٍ واسعِ الإنتشار في الشّارع الأمريكي والحديث عنها ـ والذي يثيره القسّيسون السابق ذكرهم ـ يشبهُ الهَوسَ حيث أنّ كثيرين من "البروتستانت" ينظرون إليها على أنّها الحلّ الوحيد والعلاج النافع لواقع البشريّة وانحرافاتها في هذا القرن والذي سبقه. وقد رصدت "غريس هالسل" مدى انتشار هذه النبؤة وغيرها في الشارع الأمريكي في كتابها (يد الله) كما رصدها الأستاذ فؤاد شعبان في كتابه من (أجل صهيون).
أمّا عن المُستندَاتٍ التوراتيّة والإنجيليّة التي يستندُ إليها "البروتستانت" في دعم زعمهم فيما يتعلّق بـ (نبؤة معركة هرمجّدون ونهاية العالم في يوم الربّ) فهي كثيرةٌ، ولكننا نكتفي منها بما يلي:
أولاً: "أَمَّا أَنْتَ يَا آبْنَ آدَمَ، فَهَذَا مَا يُعْلِنُهُ آلسَّيَّدُ آلرَّبُّ: قُلْ لِكُلَّ أَصْنَافِ آلطُّيُورِ وَلِجَمِيعِ وُحُوشِ آلْبَرَّيَّةِ آجْتَمِعِي وَتَعَالَيْ، آحْتَشِدِي مِنْ كُلَّ جِهَةٍ حَوْلَ ذَبِيحَتِي آلَّتِي أُعِدُّهَا لَكِ، ذَبِيحَةً عَظِيمَةً أُقِيمُهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ فَتَأْكُلِينَ لَحْماً وَتَشْرَبِينَ دَماً. تَأْكُلِين لَحْمَ آلْجَبَابِرَةِ وَتَرْتَوِينَ مِنْ دِمَاءِ رُؤَسَاءِ آلأَْرْضِ وَكَأَنَّهَا كِبَاشٌ وَحُمْلاَنٌ وَتُيُوسٌ وَعُجُولٌ كُلُّهَا مِنْ قُطْعَانِ بَاشَانَ آلسَّمِينَةِ فَتَأْكُلِينَ شَحْماً حَتَّى آلشَّبَعِ، وَتشْرَبِينَ دَماً حَتَّى آلسُّكْرَ مِنْ ذَبِيحَتِي آلَّتِي أَعْدَدْتُهَا لَكِ. فَتَشْبَعِينَ عَلَى مَائِدَتِي مِنَ آلْخَيْلِ وَفُرْسَانِهَا، مِنَ آلْجَبَابِرَةِ وَكُلَّ آلْمُحَارِبِينَ، يَقُولُ آلسَّيَّدُ آلرَّبُّ. وَأَجْعَلُ مَجْدِي يَتَجَلَّى بَيْنَ آلأَْمَمِ فَتَشْهَدُ دَيْنُونَتِي آلَّتِي أَنْزَلْتُهَا بِهِمْ، وَقُدْرةَ يَدِي آلَّتِي مَدَدْتُهَا عَلَيْهِمْ. فَيُدْرِكُ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ أَنَّي أَنَا آلرَّبُّ إِلَهُهُمْ مِنْ ذَلِكَ آلْيَوْمِ فَصَاعِداً. وَتَعْلَمُ آلأُْمَمُ أَيْضاً أَنَّ سَبْيَ إِسْرَائِيلَ كَانَ عِقَاباً لَهُمْ عَلَى إِثْمِهِمْ، لأَِنَّهُمْ خَانُونِي، فَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُمْ وَأَسْلَمْتُهُمْ لِيَدِ أَعْدَائِهِمْ، فَسَقَطُوا كُلُّهُمْ بِحَدَّ آلسَّيْفِ، فَعَامَلْتُهُمْ بُمُقَتَضى نَجَاسَتِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ، وَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُمْ".(42)
ثانياً: "لِذَلكَ يَقُولُ الرَّبُّ" آنَظِرُونِي لأَِنَّي عَزَمْتُ فِي آلْيَوْمِ آلَّذِي أَقُومُ فِيهِ كَشَاهِدٍ أَنْ أَجْمَعَ آلأُْمَمَ وَأَحْشُدَ آلْمَمَالِكَ لأَِسْكُبَ عَلَيْهِمْ سَخَطِي وَآحْتِدَامَ غَضَبِي، لأَِنَّ آلأَْرْضَ بِكَامِلِهَا سَتُؤْكَلُ بِنَارَِ غَيْرَةِ غَيْظِي. عِنْدَئِذٍ أُنَقَّي شِفَاهَ آلشَّعْبِ لِيَدْعُوا جَمِيعُهُمْ بِآسْمِ آلرَّبَّ وَيَعْبُدُوهُ جَنْباً إِلَى جَنْبٍ"(43)
ثالثاً: "يَقُولُ الرَّبُّ فَيفنَى ثُلثَا شَعْبِ أرْضِي وَيَبْقَى ثُلْثُهُمْ حَياً فَقَط. فَأُجِيزُ هَذَا آلثُّلْثَ فِي آلنَّارِ لأُِنَقَّيَهُ تَنْقِيَةَ آلْفِضَّةِ، وَأَمْحَصَهُ كَمَا يُمْحَصُ آلذَّهَبُ. هُوَ يَدْعُو بِآسْمِي وَأَنَا أَسْتَجِيبُهُ. أَنَا أَقُولُ: هُوَ شَعْبِي، وَهُوَ يَقُولُ: آلرَّبُّ هُوَ إِلَهِي".(44)
رابعاً: "آنْظُرُوا، هَا يَوْمُ آلقْضَاءِ مُقْبِلٌ، لاَهِبٌ كَتَنُّورٍ يَكُونُ فِيهِ جَمِيعُ آلْمُسْتَكْبِرِينَ وَفَاعِلِي آلإِْثْمِ عُصَافَةً، فَيُحْرِقُهُمْ ذَلِكَ آلْيَوْمُ وَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلاً وَلاَ فَرْعاً، يَقُولُ آلرَّبُّ آلْقَدِيرُ. أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا آلْمُتَّقُونَ آسْمِي فَتُشْرقُ عَلَيْكُمْ شَمْسُ آلْبِرَّ حَامِلَةً فِي أَجْنِحَتِهَا آلشِّفَاءَ، فَتَنْطَلِقُونَ مُتَوَاثِبِينَ كَعُجُولِ آلْمَعْلَفِ، وَتَطَأُونَ آلأَْشْرَارَ، إِذْ يَكُونُونَ رَمَاداً تَحْتَ بُطُونِ أَقْدَامِكُمْ، فِي آلْيَوْمِ آلَّذِي أُجْري فِيهِ أَعْمَالِي، يَقُولُ آلرَّبُّ آلْقَدِيرُ. آذْكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي وَسَائِرَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي آلَّتِي أَعْطَيْتُهَا فِي جَبَلِ حُورِيبَ لِجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. هَا أَنَا أُرْسِلُ إلَيْكُمْ إِيلِيَّا آلنَّبِيَّ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ قَضَاءِ آلرَّبَّ آلرَّهِيبُ آلْعَظِيمُ فَيَعْطِفُ قَلْبَ آلآْبَاءِ عَلَى أَبْنَائِهِمِ وَقَلْبَ آلأَْبْنَاءِ عَلَى آبائِهِمْ، لِئَلاَّ آتِيَ، وَأُصِيبَ آلأَْرْضَ بِآللَّعْنَةِ".(45)
خامساً: رؤيا "يوحّنا اللاهوتي" وقد سبق ذكرُ مقاطع منها كشواهد على المَملكة الألفيّة وسنقتصرُ في ذكر الشواهد التالية منها على بعض ما يدلُّ على معركة هرمجدون (أو يوم الربّ) وهي:
1. "وَجَمَعَتِ آلأَْرْوَاحُ آلشَّيْطَانِيَّةُ جُيُوشَ آلْعَالَمِ كُلَّهَا فِي مَكَانٍ يُسَمَّى بَآلْعِبْرِيَّةِ "هَرْمَجدُّونَ" ثُمَّ سَكَبَ آلْمَلاَكُ آلسَّابعُ كَأْسَهُ عَلَى آلْهَوَاءِ، فَدَوَّى صَوْتٌ مِنَ آلْعَرْشِ فِي آلْهَيْكَلِ آلسَّمَاوِيَّ يَقُولُ: "قَدْ تَمَّ!" فَحَدثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَزِلْزَالٌ عَنِيفٌ لَمْ تَشْهَدِ آلأَْرْضُ لَهُ مَثِيلاً مُنْذُ وُجِدَ آلإِْنْسَانُ عَلَى آلأَْرْضِ، لأَِنُّهُ كَانَ زِلزَالاً عَنِيفاً جِدًّا! فَآنْقَسَمَتِ آلْمَدِينَةُ آلْعُظْمَى إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ، وَحَلَّ آلدَّمَارُ بِمُدُنِ آلأُْمَمِ. فَقَدْ ذَكَرَ آللهُ بَابِلَ آلْعُظْمَى لِيَسْقِيَهَا كَأْساً تَفُورُ بِخَمْرِ غَضَبِهِ. وَهَرَبَتِ آلْجُزُرُ كُلُّهَا، وَآخْتَفَتِ آلْجِبَالُ. وَتَسَاقَطَ مِنَ آلسَّمَاءِ عَلَى آلنَّاسِ بَرَدٌ كَبِيرٌ، كُلُّ حَبَّةٍ مِنْهُ بِمِقْدَارِ وَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَجَدَّفَ آلنَّاسُ عَلَى آللهِ بِسَبَبِ هذِهِ آلْبَلِيَّةِ آلشَّدِيدَةِ جِدًّا".(46)
2. ثُمَّ رأَيْتُ مَلاَكاً نَازِلاً مِنَ آلسَّمَاءِ، وَبِيَدِهِ مِفْتَاحُ آلْهَاوِيَةِ وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ قَيَّدَ بِهَا آلتِّنِّينَ، أَىِ آلْحَيَّةَ آلْقَدِيمَةَ، وَهُوَ إِبْلِيسُ أَوِ آلشَّيْطَانُ، وَسَجَنَهُ مُدَّةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَطَرَحَهُ فِي آلْهَاوِيَةِ وأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، وَخَتَمَهَا، حَتَّى يَكُفَّ عَنْ تَضْلِيلِ آلأُْمَمِ، إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ آلأَْلْفُ سَنَةٍ. وَلَكِنْ لاَبُدُّ مِنْ إِطْلاَقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ".(47)
3. "فَحِينَ تَنْقَضِي آلأَْلْفُ سَنَةِ، يُطْلَقُ آلشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ، فَيَخْرُجُ لِيُضَلِّلَ آلأُْمَمِ فِي زَوَايَا آلأَْرْضِ آلأَْرَبعِ، جُوجَ وَمَاجُوجَ، وَيَجْمَعُهُمْ لِلْقِتَالِ، وَعَدَدُهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا كَرَمْلِ آلْبَحْرِ! فَيَصْعَدُونَ عَلَى سُهُولِ آلأَْرْضِ آلْعَرِيضَةِ، وَيُحَاصِرُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مُعَسْكَرَ آلْقِدِّيسِينَ وَآلْمدِينَةَ آلْمَحْبُوبَةَ، وَلَكِنَّ نَاراً مِنَ آلسَّمَاءِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ وَتَلْتَهِمُهُمْ. ثُمَّ يُطْرَحُ إِبْلِيسُ آلَّذِي كَانَ يُضَلِّلُهُمْ، فِي بُحَيْرَةِ آلنَّارِ وَآلْكِبْرِيتِ، حَيْثُ آلْوَحْشُ وَآلنَّبِيُّ آلدَّجَّالُ. هُنَاكَ سَوْفَ يُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً، إِلَى أَبَدِ آلآْبِدِينَ"(48)
المطلب الرابع
تعقيبات هامّة على النبؤات السّابقة
يجدر التنبيه في نهاية ذكر نبؤات الطائفة البروتستانتية على ما يلي:
أولاً: إنّ الأمر الخطيرَ المُشكِل في موضوع النبؤات لا يتمثّل في كثرة الكنائس التي تحمل هذا الفكر، بل التراث العقدي، وكثرة أتباعها فحسْب، بل يتمثّل الخطر في وصول بعض أتباعها إلى كرسيّ الحُكم والرئاسة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. ومنهم على سبيل المثال "رونالد ريغان" الذي تقدَّم بيانُ بعض معتقداته، ومنهم كذلك الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش" الذي كان يعتقدُ أنّه يسمعُ صوت الربّ يناديه ويطلب إليه القيام ببعض المهمّات والأمور (كالحروب ومقاتلة أعداء الله والإرهابيين) وهي الأمور التي لا تقدر على تنفيذها سوى الأمّة الأمريكيّة العظيمة وجيشها الجاهز دوماً للقيام بواجباته في تنفيذ أوامر الربّ وإمضاء رغباته في الأرض ـ والتي على رأسها طبعاً التمهيد لعودة المسيح ومجيئه الثاني ـ ووضع كل مقدّرات وإمكانيات ـ الأمة الأمريكيّة العظيمة ـ وتسخيرها لخدمة دولة شعب الله المختار (في كتابه "بوش في حرب" يميط الكاتب الأمريكي والصحفيّ الشهير "بوب وودورد" اللثام عن نوايا بوش منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض، والتي تتلخّص في عبارةٍ واحدةٍ هي "التخلُّص من الشرّ والأشرار" مضيفاً [سنصدِّرُ الموتَ والعنف إلى الأركان الأربعة للأرض للدفاع عن هذه الأمة العظيمة] ... وفي هذا المجال، فإن بوش يعني أن العناية الإلهية هي التي ستضع على كاهلهِ مَهّمة دعمِ ومساندةِ بل وقيادة معُسكر الخير ضدَّ معسكر الشر، وهو المفهوم الذي سيتجلّى لاحقاً في مُصَطلحَيْ محور الخير محور الشر، واللَّذَينِ هما في أصلهما مفاهيمُ منسوبةٌ إلى الفِكر "اللاهوتي" "لرؤيا يوحنا اللاهوتي" حينما يتحدّثُ عن معسكَر القدّيسين الذي يتعرَّضُ لمعسكر الأشرار إبانَ حرب هرمجدّون وقبل حدوث الملك الألفي).(49)
ثانياً: لا تقتصرُ مسألةُ الاعتقاد بهذه النبؤات على الجانب الاعتقاديّ النظريّ المحض فقط، بل تتجاوزه إلى المناداة بوجوب تطبيق هذه المعتقدات وإقامتها على أرض الواقع؛ أي أن تحقيق هذه النبؤات على الأرض إنّما هو واجبٌ مُقدَّسٌ.
ثالثاً: إنّ الكنائس غير البروتستانتية ترفض وبشكلٍ عام تفسير البروتستانت للنبؤات السابقة والقراءة الحرفيّة للأناجيل وبالتالي التفسير الحرفيّ لها وبالتالي الاعتقاد بعصمتها وأنّها ستحدثُ، بلا ريبٍ، وتتحقّق على نحو حرفيٍ لا رمزيّة فيه؟! وقد ساهمت مجموعةٌ من الأشخاص في نشر هذا الاتجاه القائم على وجوب الإعتقاد بالتفسير الحرفيّ للنبؤات ونصوصها (ومنهم مزارعٌ من نيويورك يُدعى "وليام ميللر" ومنهم تشارلزفيني والذي يُعتبرُ شخصيةً محوريّةً في تاريخ الدِّين في الولايات المتحدة في الأربعينات من القرن التاسع عشر ومنهم "جون نيلسون داربي" صاحب نظرية تاريخ الخلاص(50) المنُقَسم إلى سبعِ فتراتٍ، التي إستقاها من قراءته الدَّقيقة الحرفيّة للكتاب المقدّس ومنهم "تشارلز هودج" أستاذ اللاهوت الشهير بجامعة "برينستون" عام 1873 وأخيراً إبنه "آرشيبولد أ. هودج" الذي شغل كرسي الأستاذية بعد أبيه في عام 1878 وأكَّدَ على هذا الإتجاه بكتابته (دفاع عن الحقيقة الحرفيّة للكتاب المقدس) في مقال نشره في مجلة "ذا برينستون ريفيو"، بالإشتراك مع زميلٍ شابٍ يدُعى "بنجامين وارفيلد"، فأصبح المقالُ من أمّهات المراجع... وكان يقول [إِنَّ جميع القصص والعبارات الواردة في الكتاب المقدس خاليةٌ بصورةٍ مُطَلقةٍ من الأخطاء، ومُلزِمةٌ بصورةٍ مطلقةٍ بالإِيمان والطاعة فكل ما يقوله الكتاب المقدس يمثِّلُ "الحقيقة الصادقة" المُطلَقة. فإِذا قال الكتاب المقدس إِنه مُنَزَلٌ، فهو مُنَزَلٌ](51)
وتعلّق "كارين آرمسترونج" على هذا المنهج الحرفيّ في التفسير، وبالذات فيما يتعلّق بمقالة "آرشيبولد أ. هودج" هذه بقولها [ولم يكن مثل هذا الرأي يتَّسِمُ بأيّةِ موضوعيّةٍ عقلانيّةٍ، وهو مُغَلقٌ في وجه البدائل، ولا يتميّزُ بالتماسك إِلاّ من خلال ما يقوله هو نفسه، وإِذا كان اعتماد أساتذة برينستون على العقل وحده قد جعل هذا الراي متمشياً مع الحداثة، فإِن دعاواه لم تكن تتفق مع الحقائق].(52) وهذا التعليقُ لا يعكس رأي "آرمسترونج" وحدها فيما يتعلّق بحرفيّة تفسير النّصوص بل هو رأيُ العديد من الخُبراء الذين كتبوا في مثل هذا الموضوع ومنهم "الدكتور ج. كالفن كين"، الرئيس السابق لقسم الدراسات الدينّية في جامعة "سانت لورنس" في "نيويورك"، إذ يقول: [إنَّ النُّصوص الكتابيّة التي ترِدُ فيها هذه النبوءات المفترَضة قليلةٌ جدّاً، كما أنّ نظرةً فاحصةً لها تدلُّ على أنهَّا إمّا غامضة جداً في دلالاتها وبالتالي غيرُ مُقنعِةٍ، أو أنها نبوءات لأحداثٍ وقعت بالفعل بعد كتابتها بوقتٍ قصيرٍ، أو أنها إنتُزِعَتْ من سياقها وأُعطيت دلالاتٍ ليست واردةً أبداً في ذلك السياق](53).
رابعاً: يأتي في مقدمة المؤسسات الكَنَسيّة التي تواجه الإتجاهاتِ اليمينيّةَ المسيحيَة المتطرفة "المجلس الوطني للكنائس الأمريكية" حيث ينتقدُ هذا المجلس التفسيرَ الحرفيَّ الأصوليَّ للنّصوص المقدَّسة والإتجاهاتِ الصهيونيةَ لهذه الجماعات. ومن الكنائس الهامة التي تواجه هذه التيارات وتساند قضايا الشرق الأوسط بقوة "الكنيسة المشيخّية" في الولايات المتحدة الأمريكية.
خامساً: ليس كلُ البروتستانت الأمريكيين أصوليين، كما أنه ليس كل الأصوليين أمريكيين، فهذه الحركةُ توجد أيضاً في أوروبا وفي بلدان أخرى كثيرةٍ. وعلينا أن ندرك أيضاً أن عدد البروتستانت الأصوليين ليس كبيراً جداً ولكنهم يملكون الأموال ومحطات التلفاز والدِّعاية الضخمةَ، (وبإضافة اللوبي اليهودي إلى هؤلاء الأصوليين فإنهم يصبحون قوةً لا يُستهانُ بها.
الهوامش
1. مؤلف هذا السفر هو القدّيس يوحنّا اللاهوتي، وأخذ من تلاميذ السيد المسيح وقد كتبهُ في جزيرة "بطمس" بآسيا سنة 97م، حسب شُرّاح ومؤرّخي الكتاب المقدّس.
2. الرؤيا 1: 1-3.
3. يكاد هذا الاختلاف يتطابق مع معتقدات اليهود الآرثوذكس في موضوع إنتظارهم (للماشيح) أو (المشيح المخلِّص) حيث يمكننا تصنيف الآرثوذكس المزرَاحين على أنهّم من أتباع مذهب ما بعد الآلفية (حسب الإعتقاد اليهودي) فهم ينتظرون قدوم المخلِّص لتقوم لهم بعد ذلك الدولة التي تجمع شتاتهم. ويمكننا تصنيف الآرثوذكس من جماعة (آغودات إسرائيل) على أنهم من أتباع مذهب ما قبل الألفية أو التدبيريين (حسب الاعتقاد اليهودي) فهم يمهدون لقدوم المخلَّص بإقامتهم لدولة إسرائيل ويخططون لهدم المسجد الأقصى وإعادة بناء الهيكل وذلك كمقدمة لقدوم المخلِّص.
4. إنجيل متّى 24: 13، 14.
5. سفر دانيال 2: 44.
6. الرؤيا 20: 4 – 15.
ملاحظة: للتوسع في نص هذه الرؤيا راجع الرؤيا 21: 1 – 14.
*. راجع كتاب القس إكرام لمعي، الاختراق الصهيوني للمسيحية ، ط1، 1991، ص 186 – 204، دار الشروق، مصر وكتاب رضا هلال، المسيح اليهودي ونهاية العالم، ص 86 – 93، 190 – 191، 250 – 252، ط2، 2001، مكتبة الشروق، القاهرة وكتاب فؤاد شعبان، من أجل صهيون، ص 320 – 331، ط1، 2003، دار الفكر، دمشق، وكتاب الأستاذ إميل أمين، ذئاب في ثياب حملان، ص ص 167 – 169، طذ، 2006، دار المريخ للنشر، القاهرة، وكتاب كارين آرمسترونج، معارك في سبيل الإله، ص 226 – 229، ط1، 2000، مطابع لؤتس، وكتاب الاستاذ سعد رستم، الفرق والمذاهب المسيحيّة منذ ظهور الإسلام حتى اليوم، ص 216 فما فوق، ط2، 2005، دار الأوائل، دمشق.
7. من أبرز الخطوط العريضة لخطة الله للكون ارتقاء المسيح في الغيوم وأخذه للمؤمنين إلى السماء ثم وقوع المحنة الكبرى وهي فترة سبع سنوات يحكم أثناءها المسيح الدجال العالم من الهيكل في القدس ثم تحدث في هذه الفترة آلام ومآسٍ كثيرة ثم يآتي في نهايتها المسيح ويقود جيوش الخير للقضاء على جيوش الشر والمسيح الدجال وتبدء بعد ذلك فترة الحكم الألفي ويذكر هنا أن التدبيرين يقسمون التاريخ إلى سبعة عهود أو تدبيرات هي عهد الأعمال، الضمير، الحكومات، الناموس، النعمة، المملكة، الأبدية.
8. أنظر كتاب القس إكرام لمعي، [م. س]، ص 186 – 204 وكتاب رضا هلال، [م. س]، ص 86 – 93، 190 – 191، 250 – 252 وكتاب فؤاد شعبان، [م. س] ص 320 – 331 وكتاب إميل أمين [م. س]، ص 167 – 169، وكتاب كارين آرمسترونج، [م. س]، ص 226 – 229 وكتاب سعد رستم، [م. س]، ص 216 فما فوق.
9. المراجع السابقة نفسها.
10. أمين، إميل، [م. س] ص 169، ط1.
11. كلمة الهيكل (Eg-gal)(إيكال) كلمة من مصدر سومري، ونقلت إلى اللغة الفينيقية ثم العبرية ثم العربية، وهي تعني (البيت الكبير)، وألصقت هذه التسمية بكل مكانٍ كبيرٍ يُتخذُ للعبادة. ويشار هنا إلى أنّ كلَّ ما تناولته كتب التاريخ عن هذا الهكيل المزعوم إنما هو مأخوذٌ من نصوص التوراة التي توسعت في ذكر أدقّ تفاصيله. أمّا عن الإنجيل فقد ذكره في وصفٍ يُفهم منه أنّه معبدٌ أو بيت للعبادة، بعكس التوراة التي وصفته بأوصاف تكاد تطابق أوصاف المعابد الوثنيّة لقدماء الإغريق.
12. سفر الملوك الأول 8: 12 – 14.
13. سفر الملوك الأول: 8: 33، 34
14. للتوسع في هذه القصّة أنظر سفر الأيام الثاني 7: 12- 22.
15. سفر الملوك الأول 9: 1 – 9.
16. بل ويذهب بعض المؤرخين إلى القول إنّها سقطت دون قتال.
17. سفر حجيّ 2: 4 – 9.
*. على ذمة كتّاب الكتاب المقدس.
18. متّى 4: 5 - 7.
19. حديث الإنجيل عن الهيكل يشبه الحديث عن بيت لعبادة الرب بخلاف وصف التوراة له والذي يكاد يطابق أوصاف المعابد والمذابح الوثنية.
20. متّى 21: 12 – 15.
21. متّى 23: 13 -23.
22. متّى 23: 36 - 39.
23. متّى 24: 1، 2.
24. سعد الدين ليلى ، أديان مقارنة ص 116 بتصرف ط1، 1985، دار الفكر، الأردن.
25. شلبي أحمد ، اليهودية، ص 95، ط2، 1997، مكتبة النهضة المصرية.
26. سفر حزقيال 37: 25 – 28.
27. انظر مقدّمة سفر حزقيال، ص 973 حسب طبعة جي سي سنتر، القاهرة، ط3، سنة 1988.
28. الرؤيا 21: 3 – 7.
29. الرؤيا 21: 22.
30. هرمجدون Armageddon كلمة عبرية مكونة من مقطعين: "هر أو هار" معناها الجبل، و"مجدّون": اسم وادٍ في فلسطين، يقع في مرج ابن عامر على بعد 55 ميلاً شمال تل أبيب، و20 ميلاً جنوب شرق حيفا، و15 ميلاً من شاطئ البحر المتوسط. وقال د. فرنسيس دافيدسن في تفسير الإنجيل: "القصد من هرمجدون مجهول، والترجمة العادية "جبل مَجِدُّو" لا يمكن أن تكون صحيحة، إذ لا جبل في مجدو".
31. واحدً من أنبياء اليهود أثناء فترة السبيّ البابلي.
32. هالسل، يد الله، [م. س]، ص 17.
33. سفر الملوك الثاني 23: 28 – 30.
34. سبق الحديث عنها والتعريف به.
35. الرؤيا 16: 16.
36. "الماشيح" و"المشيحانية" Messiah and Messianism "ماشيح" كلمة عبرية تعنى "المسيح المخلّص"، ومنها "مشيحيوت" أي "المشيحانية" وهي الاعتقاد بمجئ " الماشيح". والكلمة مشتقة من الفعل العبري "مشح" أي "مسح" بالزيت المقدس. وكان اليهود، على عادة الشعوب القديمة، يمسحون رأس الملك والكاهن بالزيت قبل تنصيبهما، دلالةً على المكانة الخاصة الجديدة وعلى أن الروح الإلهية أصبحت تسرى فيهما، حسب الاعتقادات السائدة آنذاك. وقد اتسع مدلول الكلمة فيما بعد، فأصبحت تعنى "المخلص". وترى العقيدة المشيحانية اليهودية أن ذلك المخلَّص هو من نسل داود، وأنه سيأتي بعد ظهور النبي إِيليا ليعدّل مسار التاريخ وينهي عذاب اليهود وشتاتهم، ويعود بهم إلى أرض صهيون (فلسطين)، ثم يبدأ الفردوس الأرضى الذي يدوم ألف سنة. عبد الوهاب المسيري، الموسوعة اليهودية، المجلد الخامس، ص 294.
37. حسب الاعتقاد المسيحي بصلب المسيح عليه السلام.
38. الجعبري، معتز محمد ، نصارى الغرب المتصهينون يرقصون على طبول هرمجدون، ص 17، ط1، 2003، دار عالم الثقافة، الأردن.
39. انظر شعبان [م. س]، ص 95، 96 وكتاب كارين آمسترونج [م. س]، ص 154 فما فوق.
40. للتوسع في هذا الموضوع أنظر كلاً من: رضا هلال، [م. س] ص 135، وجورجي كنعان، [م. س]، ص 130، 131، وغريس هالسل، يد الله [م. س]، ص 97، 98 بتصرف، وإميل أمين، [م. س] ص 204، 205.
41. هالسل، يد الله، [م. س]، ص 13، 14.
42. سفر حزقيال 39: 17 – 24.
43. سفر صفنيا: 3: 8، 9.
44. سفر زكريا: 13: 8، 9.
45. سفر ملاخي: 4: 1 – 6.
46. الرؤيا: 16: 16 – 21.
47. الرؤيا: 20: 1 – 3.
48. الرؤيا: 20: 7 – 10.
49. أمين، [م. س] ص 215.
50. سبق الحديث عنها في نبؤة المملكة الألفيّة.
51. آرمسترونج، [م. س] ص 154، 155، 226، 227، 231، 232 بتصّرف واختصار.
52. المرجع السابق نفسه ص 232.
53. شعبان،[م. س]، ص 225.
بحالة متردية والكثير من هذه الجدران أيلة للسقوط في أي وقت
قبلة المسلمين الأولى بحاجة لهبة عربية واسلامية لاعادة الاعمار وتجديد البنيان
المليارات من الأمة الاسلامية ومليارات الدولارات التي تذهب هباء الريح وتصرف على الملذات عاجزة أن تضيف أو تحمي حجرا واحدا ,,,
والله سنسأل عن هذا .
طبعا رح تكون هيك حالتها
لانه الاحتلال الصهيوني لا يهمه هذا الكيان...ولا العمارات الموجودة فيه
بدنا نصحى على حالنا
الاقصى بده اهتمام اكثر وحركة عمرانية اكبر ....لاعادة ترميم كل الاجزاء الشبه منهارة
عم ابو محمد
ضروري نعرف شغلة
واتوقع يا رنين تلاقي اجابة لسؤالك يوم الجمعة
الحفريات تحت سور المسجد الاقصى
فقط وليس تحت الجامع القبلي ....او قبة الصخرة
لانه الاقصى معروف باسواره واذا انهار السور
فقد انهار معنى الاقصى,,,
مشكوووور يا الدكتور سباتين
الموضوع اللي طرحته غاية في الاهمية
بس كدورة مستوى عام....مش مطالبين بهل كم الهائل من المعلومات
بس بما انك ذكرتها فيجب قراتها وفهمها لمعرفة العلاقة النصرانية في الاقصى
ما قراته كله لانه طويل ...لما اخلصه بنرجع بنتناقش فيه...
نرجع لنحلق في اقصانا
القصور الامورية...في القدس بلشت فيها لانه العم ابو محمد سال عنها مرة....فمن هنا ننطلق الى باقي معالم الاقصى
تعتبر منطقة جنوب المسجد الأقصى والقصور الأموية منطقة هامة جدا في بناء مدينة داود المزعومة وذلك تحضيرا لبناء المعبد المزعوم.
وقد بدأت الحفريات في هذه المنطقة منذ عام 1968م، حين حفر وارن مجموعة من الحفريات عند الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى، وعندما حفر نفقا طوليا على بعد 34 متر من الزاوية المذكورة عند الباب المنفرد بالجدار الجنوبي للمسجد الأقصى، وأجرى كذلك عدة حفريات عند منطقة البوابة الثلاثية التي تطل على المصلى المرواني داخل الأقصى، وقال أن حجارة هذه البوابة لا تشبه أبدا حجارة حائط البراق السفلية، وبذلك يكون وران قد نفى أن تكون هذه البوابة من آثار المعبد الثاني كونه يعتقد أن حجارة حائط البراق من حجارة المعبد الثاني، بل وتعود هذه الحجارة إلى القرن السادس والسابع ميلادي أي الفترة الإسلامية الأموية.
[1]
ولم تنته المزاعم الصهيونية عند هذا الحد من نتائج تشارلز وارن في هذه الجهة من المسجد الأقصى، إنما تطورت واتجهت نحو خلق الأكاذيب والمزاعم عندما بدأ مزار بحملة حفرياته المشؤومة في المنطقة والتي استمرت ست سنوات، ادعى فيها أن البوابة الثلاثية هي أحد بوابات الهيكل الثاني المزعوم، وأن الدرجات الأثرية الموجودة أمامها هي من بقايا فترة المعبد الثاني، وزعم حينها أن بقايا القصور الأموية الموجودة أسفل القوس الأموي عند الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى هي بقايا لقوس روبينسون الذي يمثل أحد بوابات المعبد الثاني كما زعم .روبينسون من قبل
[2]
وتابع مائير بن دوف عمليات الحفر هذه والتي كشفت عن 6 قصور أموية تتوزع على طول السور الجنوبي حتى الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى بجوار القوس الأموي
[3]،
واستمرت الحفريات في هذه المنطقة حتى قامت دائرة الآثار الصهيونية ببناء درج تهويدي بمزاعم توراتية بثلاثين درجة وعلى امتداد 64mكما تروي أحدى القصص التهويدية، وذلك في عام 1999م تمهيدا للسيطرة على البوابة الثلاثية، كما اتضح مؤخرا بعد الإعلان عن مخطط تقسيم المسجد الأقصى، وفي عام 2001م افتتح الصهاينة متحف على نفقة الثري ديفدسون في المنطقة الجنوبية الغربية من القصور الأموية، وأصبحت الساحة تعرف بساحة الاحتفالات وحديقة أثرية تعرف بحديقة أوفل أو المطاهر
[4].
وفي الفترة الأخيرة عادت إيليت مزار من جديد لتبدأ بحفريات خطيرة جنوب المسجد الأقصى وفي محيط القصور الأموية، ولتعلن أخيرا وفي مطلع عام 2010 أنها عثرت على بقايا أسوار سليمانية في منطقة القصور الأموية لتواصل مزاعم جدها مزار في المنطقة
[5]،
وفي شهر 2-2010 بدأ المشروع الصهيوني في تطوير هذه المنطقة وبناء حديقة المطاهر ومسارات توراتية بالمنطقة، ولا تزال عمليات الحفر مستمرة على قدم وساق في المنطقة، ولازالت مخططات ربط هذه المنطقة بشبكة أنفاق سلوان مستمرة كذلك، علاوة على هذا كله فقد بدأت مع بداية عام 2010 بعض الحفريات التي تتجه جنوب غرب المسجد الأقصى باتجاه أسفل المتحف الإسلامي في محاولة من الصهاينة للسيطرة على التسوية والآبار الموجودة في تلك المنطقة من المسجد الأقصى
هذه الحفريات والتي ماتزال مستمرة لغاية الأن تشكل أكبر تهديد للأقصى
ونحن في سبات عميق
حسبنا الله ونعم الوكيل
عم ابو محمد خطرت ببالي فكرة
ما بعرف اذا ممكن تطبق
انا بعرف ناس من ملتقى القدس الثقافي
والهم تواصل رائع مع الاخوة في الاقصى
وبما انه الاصلاح يكون بعمل فردي ...
لو نجمع مبلغ ونوصله للملتقى وهما بيعملوا تصليحات هناك
حسب اللي بشوفوه مناسب
عم ابو محمد خطرت ببالي فكرة
ما بعرف اذا ممكن تطبق
انا بعرف ناس من ملتقى القدس الثقافي
والهم تواصل رائع مع الاخوة في الاقصى
وبما انه الاصلاح يكون بعمل فردي ...
لو نجمع مبلغ ونوصله للملتقى وهما بيعملوا تصليحات هناك
حسب اللي بشوفوه مناسب
فكرةمعقولة أخت أم يحيى بحاجة لترتيبات
هذه بعض البيوت لمقدسيين مجاورة للأقصى الشريف أيضا تضررت جراء حفر الأنفاق حيث أنها تمتد لأطوال واتجاهات مختلفة