هـ. أثر الأفكار الصهيونية الألفية في الأدب والفكر الأوروبي ( [18] ):-
يعتبر القرن الـ17 هو العصر الذهبي للأدب الديني الألفي والأفكار اللاهوتية المتعلقة بعودة اليهود ,ولقد ترك هذا الادب اثرا بالغا على عدد من المفكرين والفلاسفة والعلماء . ومن هؤلاء نيوتن الذي توصل في كتابه ملاحظات حول نبؤات دنيال ورؤيا القديس جون إلى أن اليهود سيعودون إلى وطنهم ,لا أدري كيف سيتم ذلك ولنترك الزمن يفسره ، وذهب إلى أبعد من ذلك حين حاول وضع جدول زمني للأحداث التي تفضي إلى العودة ,وتوقع تدخل قوة أرضية من أجل إعادة اليهود المشتتين .
وجاء في كتاب ورسو عن التعليم عام 1762: لن نعرف الدوافع الداخلية لليهود أبدا حتى تكون لهم دولتهم الحرة ومدارسهم وجامعاتهم
واعتبر باسكال أن إسرائيل هي البشير الرمزي للمسيح المنتظر ,وعبر عن احترامه الشديد لانجازات اليهود – الأمة الأولى - وتمسكهم الصادق بدينهم
وفي المقابل وجه فولتير نقدا عنيفا في القرن الـ 18 لتقديس التاريخ اليهودي واعتبار الشعب اليهودي أقدم شعب عرفه الإنسان.
وسارت فلسطين واليهود جنبا إلى جنب في أفكار المؤرخين الصهاينة ,حيث صوّر برستلي فلسطين أرضا غير مأهولة ,أهملها مغتصبوها الأتراك ولكنها مشتاقة ومستعدة لاستقبال اليهود العائدين . وفي القرن الـ 18 ,الذي يعتبر العصر الكلاسيكي للعقل الذي ازدهرت فيه الاكتشافات العلمية وتعارضت فيه اهتمامات العلماء والفلسفة مع التعاليم المتعلقة بالأخريات ,حاولوا إيجاد تفسيرات علمية لعودة اليهود إلى فلسطين على غرار نيوتن ,ثم جون لوك الذي كتب إن الله قادر على جمع اليهود في كيان واحد وجعلهم في موضع مزدهر وذلك في كتابه تعليقات على رسائل القديس بولس.
وتعتبر الفلسفة الألمانية مسئولة عن إيجاد الإطار النظري الذي كان أساس لا سامية القرن العشرين ,فميولها كانت صهيونية على الرغم من عدم دخول عودة اليهود في هيكل نظامها الفلسفي . إذ اعتبر الفيلسوف وعالم اللاهوت جوترايد هارد اليهود القدامى أمة فريدة مستقلة عن سائر الأمم وكان يضمر احتقاراً لليهود المعاصرين الذين أخفقوا في تأكيد قوميتهم وإحساسهم القومي ولم يغلب عليهم الحنين لأرض الأجداد ,رغم الظلم الواقع عليهم.
وفختة , الذي كان عداؤه لليهود مشوبا بأفكار صهيونية ,لم يكن في نظره مكان لليهود في أوروبا ,وعليهم أن يعودوا إلى فلسطين حيث نبتت جذورهم ,ولم يكن لدى أوروبا حل لمشكلتهم إلا باحتلال أرضيهم المقدسة وإعادتهم إليها جميعا
كان للثورة الفرنسية أثرا عميقا وشاملا على مجمل الأوضاع في اوروربا . فقد أحدثت صدمة عميقة لدى الكنيسة الإنجليزية الرسمية , التي اعتبرت هذه الثورة نتيجة طبيعية للمذهب العقلي ,وأحيت العودة للكتاب المقدس وأسفاره وفكرة عودة العصر الألفي السعيد , ومعه الصهيونية غير اليهودية . وشهدت انجلترا مع بداية القرن نهضة تبشيرية مشابهة في مبادئها ومعتقداتها لتلك التي كانت سائدة في عصر البيورتيانية في القرن الـ17 ,والتي اعتبرها كريستوفر سايكس الوثبة الثانية للنبوغ البيوريتاني ووصفتها باربارة تخمان بـ الفترة العبرية الفاصلة في التاريخ الانجليزي ( [19] ) .
لقد جاء تتابع الأحداث السياسية والعسكرية والحروب التي خاضها نابليون ليضفي على أفكار الصهيونية الألفية مسحة واقعية ولدت لدى الجماهير إحساسا بأن ما كان يحدث أمام أبصارهم هو تسلسل لأحداث سفر الرؤيا ,التي وردت في النبوءات عن أخر الزمان . وقد جاءت حملة نابليون على فلسطين في عام 1799 لتصب في ذات الاتجاه.
والجدير بالذكر أن فكرة العودة اليهودية لم تعد ,آنذاك ,موضوعا للبحث الأكاديمي المجرد ,بل أصبحت صيغة واقعية مرتبطة بالأزمة السياسة السائدة في أوروبا , ولم يعد الأمر بحاجة للجيل الجديد من المؤمنين بالعصر الألفي السعيد , حيث تكفلت الأحداث بالتبشير بتلك العودة . وتدريجيا أخذت الأفكار السياسية تتسرب إلى العقيدة , التي كانت حتى الآن دينية بحتة , وأصبح للقوى الأرضية دور عليها أن تقوم به ,ولم تعد التوبة وارتداد اليهود للمسيحية شرطا للعودة اليهودية لأرض فلسطين.
وفي عام 1790 قرر ريتشرد بيرد ( أسقف ساند بروك ) إحياء الاسترحام الذي قدمه كارترايت عام 1649 , حين طلب من رئيس الوزراء الانجليزي وليم بت إن يساعد على تحقيق عودة اليهود نهائيا للأرض المقدسة , وأضاف بأن انجلترا وأسطولها التجاري سيستفيدان سياسياً واقتصادياً.
وفي عام 1800 نشر جيمس بشينو كتابه عودة اليهود : أزمة جميع الأمم الذي اعتبر فيه عودة اليهود قضية دولية . وكانت العودة عنده متوقعة في هذه الايام وغير مرتبطة ابدا بتحول اليهود للمسيحية،وكان أشد ما أزعج بشينو في حملة نابليون احتمال أن يكون لفرنسا موطئ قدم في فلسطين، وحين بلغه حديث عن أن نابليون ينوي احياء دولة يهودية في فلسطين , شن هجوما عنيفا على حكومته لتحالفها مع تركيا ضد فرنسا , وحذر من احتمال سيطرة فرنسا على البحر المتوسط وتهديد التجارة الوطنية في الشرق الأقصى ( [20] ) .
من خلال الاستعراض السابق , يمكننا القول بأن الفكرة الألفية الصهيونية التي انتشرت في أوروبا منذ حركة الاصلاح الديني في القرن الـ 16 , قد بدأت كفكرة دينية خالصة , ثم تداخل الديني بالدنيوي ( النفعي ) في عهد , أو منذ عهد كرومويل , وانتهت إلى سيطرة الدنيوي ( المصالح الكبرى للدول الاستعمارية في الحقبة الامبريالية )والتي التقت مع مصالح الحركة الصهيونية الصاعدة بوصفها التعبير عن مصالح البرجوازية اليهودية , وانجب هذا اللقاء وعد بلفورا لذي اسس لقيام دولة اسرائيل , بكونها تجسيدا لمصالح الصهيونية في اقامة الوطن القومي لليهود ,والمصالح الامبريالية البريطانية في السيطرة على الوطن العربي من جهة أخرى .
شكرا ابو محمد على هذا الموضوع القيم والرائع والشكر موصول للاخ مالك على موضوعه السابق لان الموضوعين مهمين ولكل خاصيته المميزه
طبعا مثل هاي المواضيع اتمنى من جميع الاخوه الاعضاء قرأتها ومن لديه ابناء ان يدع ابناءه يقرؤنها لانها مهمه بالنسبه لنا كعرب ومسلمين وعلينا ان نعرف اصول عدونا وحركاته واحزابه وما يدور في فلكها لانه كما تفضل الاخ مالك بموضوعه معرفة عدوك تجعلك تعلم عن كيفية التعامل معه
يقول الدكتور رشاد الشامي ( [21] ) لايمكن فهم الطابع الانعزالي للحياة اليهودية دون إلقاء الضوء على دور الدين اليهودي داخل هذا النسق من الحياة . ذلك أن الدين اليهودي ظل لفترة طويلة ، منذ القرن الثاني ق . م وحتى منتصف القرن الثامن عشر ، هو العامل الرئيسي في توجيه الحياة اليهودية .فالقوانين اليهودية المختلفة الخاصة بقانون الطعام ( الكاشير ) وتحريم الزواج المختلط ، والختان وصلاة الجماعة ( المنيان ) ، وعادات الدفن الخاصة ، والمحظورات المقدسة التي تحرم متاع الدنيا … كل هذه القواعد والمحظورات التي فرضها حاخامات اليهود بتشدد لا يسمح بأي قدر من التجاوز هي التي عمقت طابع العزلة ، وكانت تهدف إلى تذكير اليهودي بانفصاله وتميزه وتفرده .
فاليهودية ما برحت ، منذ ظهورها حتى الوقت الحاضر ، عبادة قبلية لجماعة خاصة متفردة ، ولم تتوقف في أي وقت من تاريخها عن أن تكون جزء لا يتجزأ من الثقافة الخاصة لتلك الجماعات ، وذلك رغم تطور فكرة الإله اليهودي ليصبح الحقيقة الروحية المطلقة للكون بأسره بالإضافة إلى أن تشتت اليهود بنزعتهم القبلية قادت إلى تحجر الديانة اليهودية وعزلتها .
كما أن المحاولات التي تمت على يد الحاخامات اليهود لتدوين التراث الشفهي اليهودي ( التلمود )، الذي يضم اجتهاداتهم في تفسير الدين اليهودي ، أدخلت إلى الدين اليهودي مجموعة من الأفكار المحورية التي كرست سيطرة الحاخامات ، وخلقت عند اليهود استعدادا للانعزال عن الاغيار ، وعمقت بعض العقائد لدى اليهود ، مثل عقيدة شعب الله المختار و الشعب المقدس و انتظار المسيح وغيرها من العقائد التي أكدت مع مرور الأجيال انفصالية اليهود وإحساسهم بالتفرد ( [22] ) .
موضوع قيم غاية في الروعة واجب معرفته على كل مسلم وفلسطيني وواجب تعليمه للابناء منذ الصغر
اقترح على الاباء استغلال العطلة الصيفية بتدريس ابناءهم التاريخ الفلسطيني
وأشاركك الرأي أخي غريب الدار وأتمنى ذلك فعلا
يجب على الآباء والأمهات ترسيخ كل هذا في قلوب أبناءهم
واجبهم يكمن في تعريف أبناءهم من هو عدوهم واجبهم أن يزرعوا فيهم كل ما يحرك عشق الوطن المغتصب في قلوبهم
كان الحاخام في الششتل ( [24] ) يعد الزعيم الديني والعلماني ، وكان المعبد بمثابة المركز الديني والثقافي والتعليمي والاجتماعي ، فوظيفته لم تكن كهنوتية وحسب ، بل كانت تتضمن وظيفته كمركز للحياة الاجتماعية ، ومناقشة شئون الطائفة ، بالإضافة لوظيفة المدرسة .
وكان هناك نوعان من المعابد ، إحداها بيت هكنيست ، وهو عبارة عن منزل عبادة صرفة ويغلق في ساعات النهار ، والآخر هو بيت همدراش ويظل مفتوحا طوال اليوم للدراسة وللأغراض الاجتماعية،وفي المجتمعات الكبرى كانت توجد معابد خاصة يمتلكها الأثرياء . ولعل هذا التنوع في المعابد يعكس الجنون اليهودي بالطقوس الدينية ، مثلما يؤكد الدور المركزي لرجل الدين ( الحاخام ).
وكان التعليم في أبسط صوره تعليما دينيا صرفا يبدأ بمرحلة الحيدر ( مدرسة ابتدائية خاصة صغيرة)، ثم تلمود توراه ، وتتوج بـ اليشيفا ( الأكاديمية التلمودية التي تماثل الدراسات العليا ) . لقد استهدف التعليم التقليدي منح المعرفة باللغة العبرية والتوراة، وتوجيه التلميذ في دوائر الفكر اليهودي الموروث وإعداده لطابع الحياة اليهودية الخاصة، وكان النظام التعليمي اليهودي قائما على افتراض أن شريعة إسرائيل هي ذروة أعمال الرجل اليهودي في حياته ومعيار مركزه الاجتماعي.
في ظل هذا النظام الانعزالي ، الطوعي ، المتمحور حول الدين وسلطة الحاخام والإيقاع التنظيمي ذي الطابع الاقتصادي الهامشي ( كما سنبين لاحقا ) تبلورت السمات السيكولوجية الأساسية للشخصية اليهودية الجيتوية ، التي عانت نوعا من الانفصام في الرؤية ، وباتت السمة الرئيسية لهذه الشخصية هي : عقدة التناقض بين الشعور بالاستعلاء والشعور بالدونية والاضطهاد ( [25] ).
لقد صاغ الفكر الديني اليهودي العقلية اليهودية في إطار من العنصرية التي تسبغ على اليهود صفات المديح والتعظيم ، في الوقت الذي تتعامل فيه مع الشعوب غير اليهودية الجويم ( [26] ) بسيل من أوصاف العنصرية والشتائم ، التي تؤكد أن الاستعلاء هو أساس ثابت في تكوينها . وبهذا الصدد يقول الأديب الصهيوني يوسف بريبر عن هذه النزعة الاستعلائية يجمع كتاب تاريخنا على أن أجدادنا ، يهود الجيتو القديم ، كانوا يحسون بنوع من الكبرياء والسمو بالنسبة لـ الجوى حتى عندما كانوا يقبلون يديه ويركعون أمامه ( [27] ) .
دور العامل الاقتصادي
في كتابه " المفهوم المادي للمسألة اليهودية " يؤكد ابرهام ليون "إن دراسة الدور الاقتصادي لليهود هو الذي يساهم -لا غيره - في توضيح أسباب " المعجزة اليهودية " ( [28] ) .
لقد اشتغل اليهود عبر تاريخهم جميع المهن ,بجانب التجارة ,فقديما استقروا في أرض زراعية ,وفي عهد مملكة سليمان عملوا بالتجارة إلى جانب الزراعة ,وفي فترة السبي البابلي اشتغلوا بالتجارة لاستحالة تملك الأراضي والعمل الزراعي ,ولاحقا عملوا بالزراعة في أماكن متعددة في أوروبا ([29] ).
أما في القرون الوسطى فهناك أسباب محددة جعلت اليهود يتخصصوا في التجارة الدولية والمحلية وأهمها([30]):
· أن النظام الإقطاعي لا يسمح بتملك الأرض إلا للنبيل ( الفارس ) المسيحي وبالتالي لا مجال لتملك اليهود للأرض.
· النشاط الرئيسي آنذاك كان الزراعة أما التجارة فاعتبرت نشاط هامشي يقوم به الآخرون .
· الدين المسيحي ( الكاثوليكي) يمنع العمل بالربا ويركز على الزهد في الدنيا على عكس الدين اليهودي الذي تتحدث أجزاء من تلمودة عن التجارة باعتبارها أشرف المهن وعن الإقراض باعتباره هدية من الله.
· وجود شبكة اتصال فعالة لليهود بسبب وجود تجمعات لهم في أماكن متعددة ساعدهم على الاشتغال بالتجارة الدولية.
لقد هيأت الأسباب السابقة لليهود التخصص في التجارة الدولية منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية حتى كادوا أن يحتكروها قبل القرن11، وكانوا هم حلقة الاتصال التجاري بين بلاد المسيحيين وبلاد الإسلام وبين أوروبا واسيا، بالإضافة إلى اشتغالهم في التجارة المحلية وعملهم كباعة متجولين. وبالمقابل جعلتهم نفس الأسباب يتجمعون كطائفة في سكن متقارب تعيش في مجتمع تجاري - يهودي على هامش مجتمع زراعي مسيحي وتكرست اليهودية كبرجوازية بدائية متجمدة أو بناء فرعي تجاري لا تساهم في العملية الإنتاجية ( [31] ) .
استمر احتكار اليهود للتجارة الدولية في القرن الـ11، حيث بدأ فك هذا لاحتكار مع الحروب الصليبية والاستيلاء على بيت المقدس وعلى خطوط التجارة الدولية. ذلك أن الحروب الصليبية عكست مطامح طبقة تجارية جديدة ولدت من رحم المجتمع الأوروبي ولها مراكز قوة في أوروبا ومدن تجارية وأساطيل، واستطاعت هذه الطبقة التفوق على التجار اليهود وكسر احتكارهم للتجارة الدولية فانسحبوا إلى مجال التجارة المحلية، وبظهور طبقة التجار المسيحيين ونقاباتهم التي تدعمها السلطات وإزاء الملاحقة والمذابح التي تعرض لها اليهود بفعل هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية ،لم يجد التجار اليهود أمامهم إلا تحويل مدخراتهم إلى النوع السائل السهل التحرك فاتجهوا إلى مبادلة النقد ثم الإقراض بربا. ومما ساعدهم على الانتقال السريع من التجارة إلى الربا حاجة المجتمع الأوروبي للمال السائل لتمويل الحملات الصليبية وبناء الكاتدرائيات.
وبحلول القرن الـ 13 كان معظم اليهود في البلاد التي تسري عليها لوائح الكنيسة الكاثوليكية، باستثناء جنوب ايطاليا واسبانيا تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على مهنة الربا ( [32] ).
لقد ترتب على ماسبق جملة من النتائج كان أبرزها ( [33] ) :-
· ارتبط اليهود في الوجدان والواقع الأوربيين بالنشاطات التجارية والمصرفية حتى أن كلمة يهودي أصبحت مرادف لكلمة تاجر أو مرابي.
· شجعت الدول اليهود على لاستيطان بها وذلك لإنعاش حركة التجارة من خلال قيامهم بدور الوسيط بين الوحدات الزراعية المختلفة.
· سن الملوك قوانين تعطيهم ضمانات خاصة بحرية الحركة والبعض وعدهم بملكية خاصة. كما نصت الشرائع على أنهم ( اليهود ) رجال الملك يرثهم من يرث العرش.
· وفر اليهود المال السائل اللازم لتسهيل العمليات الائتمانية والقروض التي يحتاج لها المجتمع الإقطاعي.
· أصبح المرابي اليهودي موضع شك وكراهية من قبل الجماهير، وذلك، بحسب ماركس ( [34] ) لأن المرابي لم يكتف بابتزاز فائض العمل من ضحيته بل كان يستولي تدريجيا حتى على شروط عملها من عقار ومسكن وكان منهمكا باستمرار في نزع ملكيتها، وكان سعر الفائدة باهظا لعدم وجود ضمانات وبلغ في بعض الأحيان 220% .
· شكل اليهود أقلية اقتصادية تعيش بمعزل عن بقية طبقات المجتمع في مناطق خاصة بهم. ولم يكن ذلك أمرا شاذا ومقصورا عليهم، فالفصل بين الطبقات والفئات كان أمرا طبيعيا وسمة جوهرية من سمات التنظيم الاجتماعي المعمول به في العصور الوسطى الإقطاعية.
لقد كان إنشاء الأحياء التي تركز فيها اليهود، طواعية برغبتهم بصفتهم أقلية دينية , ففي العام 1084 منح أسقف مدينة سبير اليهود الحق في أن يعيشوا داخل حي خاص بهم محاط بأسوار عالية ,وعندما غزا المسيحيون الأندلس طالب اليهود بالحق نفسه . واعترف اليهود بالجوانب الايجابية للجيتو ,حتى انه كانت تقام الصلوات كل عام في جيتو فيرونا احتفالاً بالذكرى السنوية لإنشائه ( [35] ).
إن ما سبق لا ينفي حقيقة أن البناء الحضاري والديني للجيتو قد زاد من عزلتهم حيث عاشوا في شبه عزلة تامة، وعمقت القوانين الدينية اليهودية من عزلتهم , وامتدت الانعزالية للغة (مجرد النظر لأبجدية الأغيار كان يعد كفرا ) ،وفي الأزياء وكيفية إطلاق اللحى والسوالف وغيرها.
وعندما انهار الأساس الاقتصادي للجيتو لاحقا، تسبب في انهيار معنوي وأخلاقي كامل ,وزاد من حدة اضطهاد العالم الخارجي للقاطنين فيه , وأصبح الجيتو المكان الذي يعزل فيه اليهود ويحاصرون بعد أن كان المكان المقصور عليهم كما سنرى لاحقا . وحدث ذلك بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عاشها غرب أوربا , وأدخلتها في أزمة اجتماعية عنيفة نتج عنها أشكال اضطهاد ومذابح بحق اليهود. ذلك أن الرأسمالية الأوروبية الصاعدة بطورها الجديد وجدت في سيطرة اليهود واحتكارهم للعمليات الائتمانية والصرفية عائقا أمام تقدمها , وكان لابد من كسر هذا الاحتكار، وكان لابد من إيجاد جهة يوجه نحوها غضب الجماهير التي تضررت بفعل تلك التحولات فكان اليهودي التاجر ثم المرابي , الذي امتلأت صدور الجماهير الفقيرة كرها له خير من يوجه نحوه الغضب( [36] ).
تعتبر حركة الإصلاح الديني اليهودي تعبير يهودي , لايختلف في جوهره عن المسيحي ,وعن نزوعات الوحدة الوطنية والقومية التي أصبحت تمثل الإرادة الأقوى والأعلى على كل الخلافات الطائفية والعرقية أو الدينية . فقد فتح التنوير الطريق لحضارة أوروبية مشتركة تقوم على مثل العقل والأخلاق ولم يعد الدين العنصر الحاسم بل أصبحت السيادة للاتجاه العلماني وانتشرت التيارات الاندماجية انتشارا واسعا في هذه المرحلة من صعود الرأسمالية.
جاءت حركة الإصلاح الديني اليهودي كثمرة مباشرة لتيارات التحرير السياسي والمدني منذ القرن الـ17 ووجدت تعبيرها في البداية في ميدان الفكر والعبادات , بقصد التخلص من الطقوس والمظاهر الخارجية في الدين اليهودي، فاليهودية الإصلاحية تدعو إلى الرجوع إلى الموسوية اليهودية البدائية , وتبسيط العبادات وحذف الكثير منها فيما يتعلق بأمور اندثرت بعضها يرجع إلى بابل كما أدخلت الكورال والأغاني إلى المعبد بدل الترانيم والصلوات المباشرة .
وظهرت في منتصف القرن الـ18 فرقة يهودية أخرى هي فرقة المتصوفة (الحصيدية ) التي انتشرت على يد حاخامين صوفيين، ورغم ما شابها من دروب البدع والخرافات , إلا أنها مثلت شكلا من أشكال التمرد , وإرهاصا بحركات الخروج من الجيتو وتغليب العاطفة على الطقس وعلى الجمود الديني، حيث دعت إلى التجديد العاطفي وليس الفكري وحولت الاهتمام إلى الشخصية الإنسانية،وحياتها الروحية , وأصبح الإنسان بعاطفته وجوانحه مع الله مباشرة دون ممارسات طقوسية، وانتشرت في نفس الفترة تيارات أخرى سبتيه ومسيحائية مما أشاع جوا من الفوضى الدينية ( [37] ).