مصطفى كمال أتاتورك - مصطفى كمال أتاتورك - مصطفى كمال أتاتورك - مصطفى كمال أتاتورك - مصطفى كمال أتاتورك
........................................ ..................هو طاغية العصر، وإمام العلمانيين، وقدوة العملاء والخائنين، صار مثالاً لكل كاره ومبغض لدين الإسلام، ونموذجًا يحتذى به في كيفية إختراق الصف المسلم والتغلغل بداخلة من أجل تفريقه وتمزيقه، وبالجملة فهو أشر خلق الله في عصره، ولا يعلم أحد كان نكبة على أمة الإسلام مثلما كان هذا المجرم اللعين، ولكن هذا لا ينفي أن الجو المحيط بأمة الإسلام هو الذي أسهم وبشدة في ظهور مثل هذا الشيطان الرجيم، الذي أسقط الخلافة وأصبح مثل الصنم يطوف حوله كل كاره ومبغض للدين، إنه مصطفى كمال الملقب بـ أتاتورك أي: أبو الأتراك.
وُلد مصطفى كمال أتاتورك في مدينة سلانيك «ضمت لليونان الآن» عام 1298هـ - 1881م، من سفاح، وتسمى أمه زبيدة، وقد نسبت مصطفى لأحد موظفي الدولة في سلانيك واسمه "علي رضا"، وينتمي مصطفى كمال لأصول صربية، وأجداده من طائفة يهود الدونمة [1]، وهم طائفة من اليهود أظهروا الإسلام وأبطنوا اليهودية من أجل العمل على إسقاط الدولة العثمانية، وإفساد عقائد المسلمين.
انتقل مصطفى كمال أتاتورك من سلانيك إلى إستانبول سنة 1318هـ للالتحاق بالكلية الحربية، وتخرج فيها سنة 1322هـ برتبة رائد، وعين في لواء الفرسان الثلاثين التابع للجيش الخامس في الشام، وهناك حاول تأسيس جمعية سرية من الأتراك المنفيين بالشام، لينافس بها جمعية الاتحاد والترقي ولكنه فشل، وكان رجال الاتحاد والترقي خاصة أنور باشا يكرهونه بشدة بسبب انحلاله وفجوره.
أخذ مصطفى كمال أتاتورك في البحث عن أي وسيلة للاشتهار حتى يلمع نجمه وسط رجال الاتحاد والترقي، فانضم لجيش محمود شوكت الذي توجه لإستانبول من سلانيك ليخلع السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1327هـ وذهب إلى ليبيا لمحاربة الإيطاليين كنوع من الدعاية، ولكن مع أول مواجهة حقيقية على خط النار فر مثل الفأر المذعور، وكانت بداية شهرة مصطفى كمال الحقيقية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث فرَّ معظم رجال الاتحاد والترقي بسبب هزيمة الدولة العثمانية وضياع معظم أملاكها في الحرب، وأصبح الطريق خاليًا أمام مصطفى كمال أتاتورك، ومن حسن طالعه أنه كان على علاقة وثيقة بالخليفة الجديد "وحيد الدين" قبل أن يلي الخلافة، فرقاه لرتبة مفتش عام للجيوش وزوده بصلاحيات واسعة، وعندها بدأ الإنجليز في الاتصال به والتنسيق معه للعمل على إسقاط الخلافة العثمانية، وبالأسلوب الإنجليزي المعروف بدأت عملية تلميع مصطفى كمال أتاتورك وإظهاره بصورة البطل القومي وأنه أشد الرجال خطورة على أوروبا والإنجليز، والأسد الثائر الذي يقلق مضاجع الاستعمار، وإمعانًا في التضليل أخذ مصطفى كمال أتاتورك في الظهور بالمظهر الإسلامي وإلقاء الخطب في المناسبات الدينية ويدافع عن الخلافة في كل موطن، مع أنه غارق لأذنيه في الزنا والفواحش والخمر.
وبعد أن انتصر الأتراك على اليونانيين في معركة سقاريا سنة 1345هـ، أصبح مصطفى كمال أتاتورك بطل الأمة القومي، والمتحكم الفعلي في البلاد، وأنصاره يسيطرون على مجلس النواب والمجالس المحلية، وبعد سلسلة طويلة من المناورات وبمساعدة قوية من الإنجليز تخلص مصطفى كمال أتاتورك من جميع معارضيه، وشوه صورة الخليفة وحيد الدين عندما أظهر للناس بنود معاهدة سيفر التي أُجبر وحيد الدين على توقيعها تحت التهديد الإنجليزي باحتلال إستانبول، واضطر وحيد الدين للاستقالة، وحل مكانه عبد المجيد الثاني والذي لم يمكث سوى ثلاثة أيام وأعلن مصطفى كمال أتاتورك بعدها وفي 27 رجب1341هـ إلغاء الخلافة العثمانية وقيام الجمهورية التركية.
تولى مصطفى كمال رياسة الجمهورية التركية وتلقب بـ أتاتورك، وبدأ يوفي لأسياده الإنجليز وأستاذه الخفي الذي لا يعرفه معظم الناس ألا وهو الحاخام نعوم كبير حاخامي تركيا منفذ الخطة اليهودية لهدم الخلافة العثمانية.
كما عمل على هدم الإسلام بكل قوة في تركيا، وبدأت عملية بشعة لسلخ الأتراك من هويتهم الإسلامية بإشراف كامل من الإنجليز، فألغى وزارة الأوقاف والمدارس الدينية وحول الجوامع إلى متاحف ومنع رحلات الحج والعمرة، وألغى الحجاب والحروف العربية، وألزم الأتراك بالتعبد باللغة التركية، ونقل الإجازة الأسبوعية ليوم الأحد مثل النصارى، وألزم الناس لبس القبعة الفرنجية[2]، وألغى الأعياد والمناسبات الدينية، وباع أذربيجان للروس، وقضى على الحريات والمعارضين لسياساته وجعل وسائل الإعلام لا تتحدث إلا عن بطولاته وفتوحاته وأخباره وكلها مكذوبة.
ولم يكتفِ أتاتورك بذلك بل ألغى الحروف العربية واستعمل الأحرف اللاتينية وأعلن العلمانية دينًا جديدًا للبلاد , وكان يخطب في الناس قائلاً: لقد انتهى العهد الذي كان الشعب فيه يخدع بكلمات هي خاصة بالطبقات الدنيا أمثال: كربلاء, حفيد الرسول, الإيمان, القدس.
أخلاق أتاتورك:
كما قلنا من قبل إن أتاتورك كان ولد زنا وولد الزنا شر الثلاثة إذا فعل فعلة أبويه كما ورد ذلك في الأثر فلقد كان أتاتورك فاسقًا ماجنًا شروبًا للخمر لا يكاد يفيق من شربه.
واشتهر أتاتورك بركوب الفواحش وكان مجاهرًا بها، كما اشتهر بشذوذه مع رغم أنه عُدِم الرجولة[3].
أما عن عشيقاته فحدث ولا حرج فقد كان يستعمل وزير خارجيته توفيق رشدي سمسارًا لشهواته، وكان عنده ثلاثون فتاة أطلق عليهن بناته بالتبني وأوصى لهن بمقادير ثابتة طيلة حياتهن وكن يقمن بالرقص في حفلاته وهن شبه عاريات, وبلغ به الشذوذ أنه كان يلبس الخدم في قصره ملابس النساء ويرقص معهم وهو مخمور.
كان أتاتورك من أكثر الناس جبنًا وهلعًا، وحقًا من خاف الله أخاف منه كل شئ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ.
كان أتاتورك من أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان في فندق بارك، وكان المؤذن يؤذن في المسجد الصغير الكائن أمام الفندق مباشرة فإذا بـ أتاتورك يلتفت لمن حوله قائلاًَ: "من قال بأننا مشهورون؟ وما شهرتنا نحن؟ انظروا إلى هذا الرجل، -يعنى: النبي صلى الله عليه وسلم- كيف أن اسمه يتكرر في كل لحظة في جميع أنحاء العالم" ثم أمر بهدم المنارة.
أتاتورك وخاتمة السوء :
كان أتاتورك شديد الخوف على نفسه؛ لذلك فقد أحاط نفسه بكبار الأطباء، ومع ذلك لم يكتشفوا أنه كان مريضًا بالكبد حتى وصل لمرحلة التليف الذي أصابه بالاستسقاء، واحتاج إلى سحب الماء من بطنه بالإبر ثم أصابه الله بمرض الزهري نتيجة شذوذه وفحشه.
وفي مرض موته ابتلاه الله بحشرات صغيرة حمراء لا تُرى بالعين سببت له الحكة والهرش حتى أمام زواره من السفراء والكبراء حتى ظهرت على وجهه ويكتشف أن السبب وراء ذلك نوع من النمل الأحمر الذي لا يوجد إلا في الصين !!
سبحان الله -من الصين إلى تركيا- ليذل الله عز وجل به هذا المجرم الهالك، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}[المدثر:31] ويظل على عذابه من سنة 1356هـ حتى سنة 1358هـ حيث يهلك ويرحل إلى مزبلة التاريخ في 16 شعبان 1358هـ.
وبعد موته أختلف الناس في الصلاة عليه فرأى رئيس الوزراء عدم الصلاة عليه ويصمم رئيس الجيش على الصلاة عليه، فيصلي عليه شرف الدين أفندي مدير الأوقاف الذي كان أخبث وأسوء من أتاتورك نفسه.
وإذا كان الغراب دليل قوم .. فلا فلحوا ولا فلح الغراب
والعجيب أن مصطفى كمال أتاتورك قد رشح سفير إنجلترا بتركيا ليخلفه في حكم تركيا بعد وفاته ليثبت لأسياده الإنجليز مدى وفائه وثباته على ذلك حتى النهاية.
د راغب السرجاني
إيران.. البلد المرشح لاحتضان يهود إسرائيل - إيران.. البلد المرشح لاحتضان يهود إسرائيل - إيران.. البلد المرشح لاحتضان يهود إسرائيل - إيران.. البلد المرشح لاحتضان يهود إسرائيل - إيران.. البلد المرشح لاحتضان يهود إسرائيل
إيران.. البلد المرشح لاحتضان يهود إسرائيل
أمير سعيد
21/10/2013
إيران والكيان الصهيوني
في حين تدخلت دولة الكيان الصهيوني لمنع مصر من تنمية سيناء، وإقامة مشروع محور قناة السويس الاستراتيجي، وحالت دون تحقق الحلم بمشروع جسر يربط مصر بالخليج العربي؛ لاعتبار كل هذا مهددًا للأمن القومي الصهيوني؛ فإنها لم تُبْدِ مقاومة تذكر للإعلان عن التقارب الأمريكي الإيراني، والذي لم يكن مفاجئًا للمراقبين الموضوعيين بالمرة، كونه تتويجًا لعلاقة مستمرة ووثيقة في الخفاء، لم يطرأ عليها كثير تغيير سوى خروجها للعلن، على الرغم من كون هذا التقارب العلني يمهد لقنبلة نووية إيرانية ظلت دولة الكيان الصهيوني تحذر منها "علنًا" بصورة مستمرة.
لم يصدق متدينون كثيرون في العالم العربي أن صراعًا عسكريًّا يمكن أن يحصل بين الولايات المتحدة وإيران، ولا بين الكيان الصهيوني وإيران، على الرغم من كل تسريبات الصحف العبرية والبريطانية، وعلى الرغم من كل التصريحات الرسمية تجاه إيران، غير المستبعدة للحل العسكري لوقف البرنامج النووي الإيراني.
وحدهم متابعو إعلام المارينز هم من توهموا أن الغرب يمكن أن يوجه سلاحه إلى إيران لوقف برنامج لا يصدق إلا السذج أنه لن يتوج بصنع قنبلة نووية إيرانية، وجميع الإجراءات الاحترازية الغربية يدرك العقلاء أنها لا ترقى إلى إيقاف برنامج لصنع أسلحة دمار شامل، فكيف إذا سارع أوباما إلى تخفيف العقوبات دونما ضمانات لوقف البرنامج ترقى إلى طمأنة "الخائفين" من القنبلة النووية الإيرانية.
لكن من هم "الخائفون" من تلك القنبلة؟! إنهم قادة أنظمة عربية وتركيا، وبعضهم يُدرك أنها لن تستهدفهم بشكل شخصي، وإنما يمكن استخدامها لصالحهم -أيضًا- في الإفادة من وجود "عدو خارجي" يبرر اتجاه العداء دومًا تجاه "الشرق"، والتذرع بأنه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، مثلما كرر الرئيس السابق لمصر جمال عبد الناصر، وهو يتحرر من أي استحقاق داخلي.
"إسرائيل" من جهتها لم تكن يومًا منزعجة من برنامج إيران النووي، وإن أعلنت العكس، وغواصات دولفين التي ما فتأت تردد مواقع استخباراتها أنها استوردتها خصيصًا من ألمانيا لتنفيذ عمليات ضد إيران، مرت سنوات ولم تخرج من مرابضها.
الكيان الصهيوني ليس قلقًا في جوهر الأمر؛ بل ربما سعيد بتفوق إيران في الخليج العربي الاستراتيجي (بالمناسبة نحن وحدنا من نسميه عربيًّا؛ فالعالم كله يسميه فارسيًّا على الرغم من عروبته في كل شواطئه؛ لكنها الإرادة والانحياز الغربيين).
محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني اعترف منذ شهر بما سمي بالهولوكوست، قائلاً: إن إيران "لم تنكرها قط". لافتًا إلى أن الرجل (نجاد) الذي كان ينكر حدوثها "رحل" ولم يعد موجودًا، "عام سعيد للإسرائيليين واليهود"، وهكذا أنهى تغريدته.. غير أن من يعرف السياسة الإيرانية يدرك أنها تصنع في أروقة الحرس الثوري، وسراديب "نائب صاحب الزمان" خامنئي، وليس نجاد، الذي هو بالمناسبة أحد أصدقاء زعماء الطائفة اليهودية في إيران.
الاستراتيجية الإيرانية لا يحددها نجاد ولا ظريف، ولم يكن للصهاينة والأمريكيين والأوربيين أن يطمئنوا لمجرد تغريدة لوزير الخارجية الإيرانية، كما لم يكونوا مستعدين لضرب الذكر تسامحًا مع الإيرانيين لمجرد تعرض الولايات المتحدة لأزمة اقتصادية، ولا لكون واشنطن لا يمكنها أن تغضب موسكو وتتعدى على إحدى "مستعمراتها" في المنطقة؛ فكل هذه مماحكات يمكن تصديرها لتبرير مساندة الأمريكيين والصهاينة لنظام بشار الأسد، سليل عائلة تمتد جذورها ليهود أصفهان، شأنها شأن العديد من الأسر التي ينحدر منها كبار ساسة الكيان الصهيوني ذاته.
ويهود أصفهان هؤلاء لهم في حس الأصوليين الأمريكيين وعقيدة اليهود وكبار ملالي إيران - مكانة فريدة؛ فهم مأرز اليهود إن غادروا "أرض المعاد الغربية فلسطين"، وأرضهم الكبرى فارس هي الحاضنة لهم إن تمزق شملهم في فلسطين، مثلما كانت في عهد كورش حامي الهاربين من "جحيم بابل/ العراق" أول مرة، وعندما تدمر "دولتهم" (معركة قادمة يؤمنون بحصولها).. يؤمن كثير من اليهود بأن ملكهم سيأتي من فارس، تمامًا مثلما يؤمن كثير من الملالي الفرس بأن "المهدي" سيحكم بشريعة "داود"! وسيأتي أيضًا من فارس..
العقيدتان هنا متطابقتان؛ وبالنسبة إلى المسلمين فإن من سيأتي من فارس يقود يهودها هو المسيح الدجال ذاته؛ ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ"[1]، وفي الحديث الذي رواه أحمد وصححه ابن حجر: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ، عَلَيْهِمُ التِّيجَانُ"[2]، ويهود أصفهان موجودون بالفعل حتى الآن، ويبلغ عددهم ما بين 30-70 ألفًا بحسب معطيات مختلفة، ولهم شأن مكين عند قادة الكيانين الإيراني والإسرائيلي على حد سواء، ويعتبر البعض منهم أن وجودهم أبقى كثيرًا من الكيان الصهيوني ذاته، وبأنهم الكتلة الحافظة لـ"مملكة الرب" القادمة –بظنهم- التي سيحكمها الملك داود في فلسطين المحتلة بآخر الزمان؛ وإذ ينشطر اليهود في العالم بين مؤمن بضرورة وجود "إسرائيل" من عدمها؛ فإنهم يتفقون على ضرورة بقاء اليهود بأصفهان، ولا يسمحون للهجرات المتعاقبة إلى فلسطين أن تخل بنفوذهم ولا ديموجرافية أصفهان، التي تحتضن الجالية اليهودية الأكبر في العالم بعد فلسطين المحتلة.
التقارب بين واشنطن وطهران بدا جليًّا بعد المكالمة الشهيرة بين رئيسي البلدين على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهو ما حاولت "إسرائيل" أن تظهر "منزعجة" منه؛ لكن أكان إعلان نتنياهو أنه "لا يرفض المسار الدبلوماسي بشكل كامل؛ لكنه يرى أنه يحب أن يستند إلى أفعال من جانب إيران وليس إلى أقوال فقط، ويجب أن تكون هناك أفعال تعطي المجتمع الدولي الثقة أنهم ينفذون تعهداتهم الدولية كاملة، وأنهم لن يكونوا في وضع يسمح لهم بالحصول على الأسلحة النووية"، دليلاً على هذا الانزعاج أم نقيضه تمامًا؟!
أكان تدخل "إسرائيل" لحد الإطاحة بنظم منتخبة في المنطقة لمجرد إطلاق مشاريع اقتصادية تراها مقلقة لها مكافئًا لتعاطيها الفاتر مع مشروع قنبلة نووية إيرانية؛ لو كانت ترى في هذه الأخيرة ما يهدد أمنها فعلاً؟! إنها قد ألقت حممها على مفاعل عراقي وليد قبل ثلاثين عامًا ونيف، لمجرد أنه يحمل نوايا جنينية لمشروع نووي يتحقق بعد سنين طويلة، وأسمت عمليتها "بابل" بالمناسبة نكاية في العراقيين أصحاب السبي البابلي لليهود، وهي لم تفعل معشار ذلك مع الإيرانيين مع يقينها بأن طهران إن لم تكن قد امتلكت قنبلتها النووية بالفعل الآن فإنها أوشكت.
لماذا اليأس ؟!!
1- لأن اليأس من صفات الكافرين: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87], ونحن نعنزّ بإيماننا وإسلامنا، فلا ينبغي أن نلصق بنا صفه من صفات الكافرين.
2- لأن اليأس يعوق صاحبه، بل وأمته عن النهضة والعمل والبناء والإيجابية والانطلاق.
3- لأن اليأس إذا تملّك صاحبه وهيمن عليه، فإنه قد يهوى به إلى الهاوية والانتحار وسوء الخاتمة.
4- لأن اليأس يحجب المرء عن الناس، ويطوي صفحته بينهم، ويعزله عزلاً عمّن حوله.
5- لأن تداعيات الدنيا وخراب الضمائر وانفلات ذوقيات كثير من الناس قد تسببت في إتعاب أنفس كثيرة، وجلبت لأصحابها الهموم واليأس.
لماذا الأمل ؟!!
1- لأن الأمل يقذف بالمرء إلى سماء الله، ليُحلّق فيها ويُغرّد كالطير.
2- لأن الأمل يمنح المرء أمانًا في نفسه وطمأنينة، ويزيده ثقة في ربه وسكينة.
3- لأنه طالما أن هناك ربًّا عظيمًا قادرًا، إذن فلا بد من أمل يدفع المرء دفعًا ويهيمن عليه كُلاًّ وجزءًا.
4- لأن الأمل يُعلي الهمة ويقوِّي الفكرة ويزيل المحنة ويُبدّد الظُلمة ويُخرج من الأزمة.
5- لأن الأمل يُجدّد الروح ويبعث فيها الحياة، ويستطيع المرء أن يُسطّر به كل إبداع.
لماذا الاستبشار بالفرج ؟!!
1- كم وجدنا من صعوبة ومحنة كانت بداية لنجاح وتمكين، أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج؟
2- كم من مرض تمكّن واستفحل ثم جاء الشفاء وعلى غير موعد لصاحبه، أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج؟
3- كم من ضيق وكرب وهم وحزن انفلت وانمحى فجأة وتحوّل إلى سعادة وعزة، أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج؟
4- كم من صبر طويل وجهاد مرير، قد ذاق صاحبه مرة واحدة حلاوة الصبر وفضل القدير, أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج؟
5- كم من أحلام كانت أحلامًا بالأمس وقد تحولت إلى حقائق وحقيقة في اليوم، أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج؟
6- كم من عقيم طال عقمه ثم بِقُدرة القادر رُزق البنين والبنات دون تعب ولا مُقدّمات، أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج؟
7- كم من يتيم فقد أبويه في صغره، ثم وجدناه وقد صار عالمًا مميزًا وبارعًا حاذقًا وعَلَمًا يُشار إليه بالبنان، وما محمد صلى الله عليه وسلم إلا مثلٌ صادق لذلك النموذج، أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج؟
8- كم من طاغوت صالَ وجالَ في الأرض فسادًا وجبروتًا وطغيانًا، ثم فجأة وقد زال عرشه وكيانه {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26].. أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج؟
خاتمة:
إلى كل من يَشرُف بالانتماء إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم قاطبة في مشارق الأرض ومغاربها أقول:
اجعل أمام عينيك دائمًا منظار الدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله- الذي يقول فيه:
- زُرْ المحكمة مرة في العام؛ لتعرف فضل الله عليك في حسن الخُلق.
- وزُرْ المستشفى مرة في الشهر؛ لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض.
- وزُرْ الحديقة مرة في الأسبوع؛ لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة.
- وزُرْ المكتبة مرة في اليوم؛ لتعرف فضل الله عليك في العقل.
- وزُرْ ربك كل آنٍ لتعرف فضله عليك في نِعَم الحياة.
هم العدو فاحذرهم !! - هم العدو فاحذرهم !! - هم العدو فاحذرهم !! - هم العدو فاحذرهم !! - هم العدو فاحذرهم !!
هم العدو فاحذرهم !!
د. راغب السرجاني
15/09/2006
كما يزداد المعدن نقاءً من شوائبه كلما ازداد انصهارًا بلهب النار.. كذلك يزداد الصف المسلم المواجه لعدوِّه نقاءً من شوائب النفاق كلما اشتد لهيب الأزمات والمحن.. ولا تتوقف التنقية حينئذٍ عند حدِّ انكشاف الهلع وضعف اليقين في نفوس المنافقين.. بل يزداد التمايز وضوحًا عندما يُسارع المنافقون المذعورون – لا إلى الانزواء فقط – بل إلى الارتماء المشين في أحضان العدو صراحة!!.. وتبنِّي مواقفهم، والشفقة على خسائرهم.. فضلاً عن القيام بدور المتحدِّث باسمهم والناصح الأمين لهم...!!
ومع مرارة مواقف أهل النفاق هؤلاء، ومع ما ينتج عادة حيال الخيانة من قلق في الصف المسلم نتيجة فَقْد بعض القوة والنصرة التي كانت تُرجَى من أمثال هؤلاء.. مع كل ذلك إلا أن الخير يظل دائمًا في أن تتبدَّى هذه الخفايا قبل المواجهة الفاصلة، حتى لو فقد المسلمون الآن عدد هؤلاء وطاقاتهم.. فما كانت هذه الطاقات ولا تلك الأعداد بالتي تُغني عن المسلمين شيئًا؛ فما هم إلا كالطبل الأجوف الذي ربما يلفت الأسماع والأبصار إلى صوته الصاخب، دون أن يكون منطويًا على كبير فائدة.. حتى إن الله ليصفهم في آية عجيبة من كتابه بقوله تعالى: [وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ...] فالشكل الخارجي قد يُعجِب، وقد يوحي بالجدوى والقوة.. [وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ!!] فلهم طريقة في الحديث قد تُغْرِي بالإنصات، وقد توهم أن وراءها حكمة وعقلاً.. وما ذاك إلا "لَحْنُ القَوْلِ" الذي يُميِّز حديثهم دائمًا، كما أخبر الله تعالى في آية أخرى..
أما الحقيقة.. أما الوزن وأما القيمة.. فلا شيء!!.. "كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ!!" لا تملك حتى أن تقف بنفسها.. والداخل هواءٌ وجُبْن وهلع: [يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ..] ويخشون في كل لحظة افتضاح كذبهم المستور بغشاء رقيق من النفاق..
ما كان الله ليدع نفوسًا خربة كهذه مستورة بالتظاهر بالإسلام مع كل ما تُشكِّله من مخاطر على سلامة الصف المسلم الذي لا يُرجى له أن يصمد أمام عُدوان الباطل فحسْب.. بل أن يهزم الباطل في عُقر داره ليرفع راية الحق..
إن الله عزَّ وجَلَّ حذَّر المؤمنين من بقاء المنافقين مستترين يوم قال: [لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ..] وكان من رحمته أن تُصِيب المحن الجزئية أمة الإسلام حتى تكون لحظات كاشفة لا يستغني عنها المؤمنون، ولذلك قال تعالى: [مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ].
ولقد كانت محنة لبنان الأخيرة – والتي استعرضنا بعض جوانبها المضيئة في المقال السابق – إحدى هزَّات الزلزلة التي تتساقط معها أوراق النفاق الذابلة من شجرة الإيمان الراسخة.. لقد كانت لحظة كاشفة فعلاً – كعادة سنن الله دائمًا في المحن – رأينا فيها أمثلة كنا نقرأ أشباهها في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو في سياق علاج القرآن لأحداث تلك السيرة العطرة؛ فكان العجب يتملَّك القلوب والعقول.. حتى أراد الله أن يُري المؤمنين مِصداق ما حذَّرتهم منه آياته..
رأى المؤمنون ألسِنَةً وأقلامًا من الإعلاميين أو السياسيين أو علماء السلطة، لهم قدرة عجيبة على تجميل المنكر، وتبرير الخيانة، وتزيين الفضيحة.. ويمتلكون مهارات فريدة في التلاعب بالألفاظ؛ فيسمُّون الجبن حكمةً، والقعودَ عن الحق بُعْدَ نَظَرٍ، والخيانةَ ذكاءً.. ويصبح كذلك عندهم الجهادُ تهورًا، والدفاع عن الحقوق إرهابًا، واسترداد الأراضي المحتلة والأسارى المعذَّبين مغامراتٍ غير محسوبة!!!..
وبما لهم من حلاوة لسان وحسن بيان (ولحنٍ في القول!!) يخدعون البسطاء من أبناء الأمة - وما أكثرهم! – فيحسبونهم حكماء عقلاء.. وأذكياء نجباء، وهم أبعد ما يكون عن هذه الصفات الجليلة.. روى أحمد عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ"..
وتعجَّب المؤمنون من رفض هذه الطائفة للجهاد والبذل برغم كل ما تعرض له لبنان وفلسطين.. والحق أن هؤلاء قد يعيشون في ذلة شديدة وخضوع لكل من هب ودب على وجه الأرض، ومع ذلك فهم لا يأخذون أبدًا قرار الجهاد، ولا قرار الانتقام للدين وللوطن، ولا قرار تحمل المسؤولية.. وقد يثير كل ذلك استغراب المؤمنين، فيقولون: كيف يتحمل هؤلاء هذه المهانة؟!!
والحق أن قرار الجهاد قرار شريف.. لا يأخذه إلا شريف!!
ما تخلَّفت هذه السنَّة قط عن أخلاق المنافقين أمام كل مواجهة مع الباطل، وما توقَّف لُهاثُهُم يومًا في سبيل المسارعة في موالاة الأعداء، وتبنِّي مواقفهم.. أكثر مما يتبنَّونها هم أنفسهم.. وها قد رأينا في أحداث لبنان الأخيرة دهشة قيادات العدو ووسائل إعلامه من ذلك الدعم الذي تلقَّوه ممن كان يُفْتَرَض فيهم نُصْرة لبنان وفلسطين؛ لكونهم من بني جلدتهم وقوميتهم.. فضلاً عن دينهم!!..
على ذات الدرب سار من قبل "عبد الله بن أبيٍّ" ورهط النفاق في عهد النبوَّة.. فقد رأيناهم يوم غزوة بني قينقاع (2هـ) حين أراد الرسول صلى الله عليه وسلَّم إنزال العقاب باليهود جرَّاء خيانتهم للعهد.. فإذا برأس النفاق ينبري مدافعًا عن اليهود، وشافعًا لهم – بسوء أدبه!! – عند النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: "إني امرؤٌ أخشى الدوائر" وسمَّى اليهود: (مواليه!!) أي: أنصاره.. حتى قال الله تعالى في شأنه وشأن من تبعه بإساءة: [فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ.. يَقُولُونَ: نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ!!..]
ويتكرَّر نفس الموقف في مواجهة أخرى بعد عامين، في غزوة بني النضير (4هـ).. بعد أن هَمَّ اليهود بقتل النبي صلى الله عليه وسلم – وهي الغزوة التي ذكرنا طرفًا منها في المقال السابق – فحاصرهم حصارًا شديدًا، فما أوشكوا على التسليم حتى جاءتهم رسائل النفاق والخيانة من ابن أُبيٍّ وأصحابه: أن اثبتوا!!.. نحن معكم!!.. [لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ، وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ...]
إنها ذات المواقف!.. بل إن تكرارها يوحي إليك كأن بعض الألفاظ تتكرَّر.. وهي كذلك بالفعل!!.. ليظل التحذير الإلهي ماثلاً لكل أمة مؤمنة تحمل لواء الحق عبر التاريخ.. من أوبئة النفاق وشروره؛ حتى يطارد المؤمنون النفاق في نفوسهم وفي صفوفهم.. كما يجاهدون الباطل من حولهم.. بل أشد!!.. فليست مصادفة أن تتركَّز إشارة العداء في الآية الكريمة على المنافقين بأسلوب القصر، حيث يُعَقِّب ربنا بعد استعراض صفاتهم التي توقفنا أمامها آنفًا.. بقوله سبحانه:
دع الأمل يعمر قلبك ولو لم تر الضوء
كان لديه مشكلة اختلاس لم يعرف لها وجهًا، ثلاث سنوات والمحاسب الأمين يفكّر في الأمر دون نتيجة. الإلهام يهجم عليه ليلاً ليصحو ويركض إلى القلم ويكتب أشياء، ثم يعود إلى فراشه.
تسأله زوجه صباحًا عمّا كتب، فيرفع حاجبيه مستغربًا، ويذهب ليجد أنه كتب بشكل نهائي حل المشكلة التي أرّقته طويلاً وحرمته الرّقاد.
إلهام تحمله الرؤيا، يقع على غير توقع ودون مقدمات أو أسباب محددة. رؤيا العزيز متصلة بفراسة وتوسّم، فالذي قال: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا} [يوسف:21] فأصاب الحقيقة، كان صادق الرؤيا، وحكاية القرآن عنه تدل على صدق حديث. فأصدقُهم رؤيا أصدقُهم حديثًا، وليس ممكنًا فصل المنام عن اليقظة.
عينٌ ثالثة ترى ما لا يراه المبصرون.. نسيج من المعاني الروحية والعقلية، وتلبُّسُ المستقبل بالحاضر، وامتزاج التجربة بالعفوية، ذلك هو "الإلهام"؛ موهبة نفسيّة ترسم الحلّ وتنير الطريق. والقلم هو البندقية التي تصيد هذه الطريدة السانحة. الفكرة الملهمة الجديدة والكاشفة التي تهاجمك على غير ترقّب ودون انتظار، نوع من الحدس والاستبصار العميق والقراءة الخفية.
لأن الحيوان بدون عقل، فهو يعتمد على الإلهام فحسب؛ في طعامه وشرابه وتزاوجه، وفي معرفة العدو والصديق، وفي تقدير المخاطر، وتدبير كيفية تجاوزها، ولذا سماه الله تعالى وحيًا: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68].
الإنسان يملك التعقل وهو عملية حسابية مدروسة، فيها المقدمات والنتائج وهي مناط التكليف والحساب والمساءلة. ويملك الغريزة التي تجعل طفلاً وليدًا يلقم الثدي، ويبكي ويخاف ويفرح ويتألم.
والذي يملك الإلهام والفراسة؛ "فمن لم ينفعه ظنُّه لم ينفعه يقينه" كما يقول الرجل المحدَّث الملهَم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان لا يقول لشيء "أظنه كذا" إلا كان كما يقول.
طاقة روحية، ليس مهمًّا أهي الحاسّة السادسة أم المخّ القديم، ففي كل حال الأمر محاط بقدر من الغموض، لأنه متصل بالروح: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[الإسراء:85]. الإلهام ظن، وهو الحق دون دليل.
الغربة تُلهِم.. فالغربة حرمان، والمحروم يقرأ بشكل مختلف ويلتقط المعنى من زاويته الخاصة.
أحمامةَ الوادي بشرقيِّ الغَضا
إن كنت مسعفةَ الحبيب فرجّعي
إنّا تقاسمــنا الغَضــا فغصـــونُه
في راحتيك، وجمرُه في أضلعي
الحِسّ الإبداعي ليس كذبة مصدرها وادي عبقر .. فحين يدخل الشاعر الملهم في تجربة جديدة، ينفصل عمّا حوله، وتتحول عنده الأشياء العادية إلى إيحاءات عميقة وكأنها تعبّر عن ذاته ومعاناته.
الحب مصدر للإلهام.. فالتجاذب الروحي والعاطفي يمنح التألق والدافعية، وينشط الاستعداد لتلقّي الإلهام. والمرأة ذات القلب النابض والعاطفة الحية، تستقبل الإلهام وتملك الحدس أكثر من الرجل، فهي أقدر على قراءة المجهول واكتشاف المستور.. قلب الأم يلهث وراء "جنينها" الذي يظل جنينًا ولو بلغ السبعين .. وقلب الزوجة دليلها الذي لا يكاد يخطئ حين يجيب على الأسئلة والمخاوف، أو يمنح الأفراح والآمال والتطلعات المستقبلية .. المرأة ملهمة أكثر، لأنها تحب أكثر.
الصفائية الذاتية مصدر إلهام.. فمن صحّ جَنانُه صحّ لسانُه.. والتقيُّ النقيّ يُلقَّى الحكمةَ: {إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال:29].. والقلب الصافي، كالمرآة المصقولة تنعكس عليها الحقائق.
القرب من الله عز وجل، في لحظة تجلٍّ وبوحٍ بدعوة.. فالدعوة إلهام. "اللهم ألهمني رشدي". فالله مانح الإلهام، والدعاء سبيله، والإيمان حافزه.
السكينة هي الحالة النفسية الملائمة للإلهام، هي "لَمّة الملَك". والإلهام حالة ملائكية، وربما كانت العزلة سببًا في التأمل وتهيئةِ النفس لتلقّي الفيض الرباني.. فلا غرو أنْ كان انتظار الصلاة بعد الصلاة،
مما يحُطّ الخطايا ويرفع الدرجات، وأنْ كان الاعتكاف من سُنّة المرسلين، وأن قدّم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بين يدي رسالته بتقدير التحنّث في غار حراء الليالي ذوات العدد.
فكّرت أيامًا طوالاً في أمر دون ظَفرٍ بطائل، في لحظة خاصة جاء الحل حين توقف التفكير، وتراجعت الأسباب. لا تجعل الهمّ في بؤرة العناية ولا تُلحّ، فشدة الإلحاح تعرقل الإلهام، ولا تعجل فالعجلة "لَمّة الشيطان". وحذارِ أن ترمي بالحل في ظلمات اليأس، فالإغلاق هو الآخَرُ من إلقاء الشيطان: {يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة:268]، {لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
دع الأمل يعمر قلبك ولو لم تر الضوء
ربما تقتبس نار الإلهام من مشاهدة الناس أو سماع كلماتهم أو قراءة وجوههم، أو من رؤية الطبيعة وتأمل مجاليها ومظاهرها الآسرة.
المشاهدات البسيطة، العلاقات الجديدة، مع شخص أو كتاب أو بلد أو عمل أو حالة، هي فأل جديد باحتكاك ملهم يصنع فرقًا.. لا مندوحة عن التفكير والدراسة وتوظيف الإمكانات العقلية، بيد أنها وحدها لا تكفي.
مائةٌ من كبار أثرياء العالم الناجحين، أكدوا أنهم يعتمدون على دراسة الجدوى، ولكنهم يعتمدون معها على أمر آخر مهم هو الفراسة أو الإلهام.
التجربة السابقة أساس .. القراءة المستديمة بناء .. العمر تراكم .. فالشباب أكثر حيوية وثقة وإنجازًا، والكبار أنضج وأحكم .. هذا التوزيع الفطري، يرشِّح الحراكَ الحالي للنجاح متى تظاهرت عليه الأطراف.
شباب يأخذ زمام المبادرة للتغيير، ويسمح للكبار أن يقودوا المرحلة ليأخذ هو دور الرقيب والمحاسب.
الروتين المألوف يقتل الروح ويئد الطموح، وبدوّامته تذبل الملكات الإبداعية والطاقات الروحية، وتُنتَقَص إنسانية الإنسان صاحب الأشواق والأحلام، لصالح الآلة الصماء الخاوية.
حين تأخذ الناس بالأنظمة الصارمة والأوامر العسكرية والعقوبات التأديبية، تحصل على استسلام مؤقت مذعن، ولكن مع نفوس يخيّم عليها اليأس ويأكلها الحقد، وأرواح ذابلة لا تعرف معنى الحب، ولا معنى الصداقة، ولا معنى الولاء.
ضيقُ الفرص في مجتمعات شابة مرتفعةِ النسبة في مواليدها، منخفضةِ النسبة في إفساحها واحتوائها ووعيها بمتطلب العيش الكريم، هو سببٌ وجيه للتحاقد والتحاسد، ومدعاة أن ينشغل الفارغ بملاحقة مَنْ حوله.
أن تُدرّب القلب كما العقل كما البدن، أن يكون عصيًّا على الاستفزاز والإيذاء، عصيًّا على تَقبّل الحقد والكراهية، محافظًا على صفائيته، فذلك معناه أن نكون ذا جاهزية عالية لتقبّل الإلهام.
الإلهام لا يحرّم الحلال، ولا يحلل الحرام.. هو ومضة إشراق تلمع في النفس لتعبّر عن كلمة موحية تنضح بالحكمة، وتتشح بالجمال، وتحصد القبول حتى يقول سامعها: عبّرتَ عما في نفسي، وكأنما أنا الذي قلتها. إنها كلمة النجاح التي يدعيها آباء كثيرون.
دون أن تعرف السبب، قد يحملك الإلهام على شيء ما، كما عمل ذلك الإطفائي الذي شارك في إخماد حريق، وتم إنقاذ جميع المستهدفين، وجد نفسه مضطرًّا بغير إرادته إلى دخول المنزل -والنار لا تزال تشتعل- لينتقل من مكان إلى مكان، وصولاً إلى غرفة حيث وجد صبيًّا قد غمره الدخان، يحاول أن يلوذ بالسرير، ويرتجف من الرعب والخوف والحيرة، فأخذه سريعًا، وبعد دقائق سقط سقف الغرفة.
لن يكون هذا الجندي -أبدًا- شخصًا مريض القلب بالبغضاء، ولا إنسانًا حقودًا، ولا ماديًّا أنانيًّا .. فالشيء من معدنه لا يُستغرب .. كن أنت ذلك الجندي، وابحث عن الطفل الذي نجاته على يدك بإذن الله، قد تجده على مقربة منك أو حتى في داخلك يئن .. أعدْ إليه بسمته.
"فلنهاجر" قبل أن نُستبدل - "فلنهاجر" قبل أن نُستبدل - "فلنهاجر" قبل أن نُستبدل - "فلنهاجر" قبل أن نُستبدل - "فلنهاجر" قبل أن نُستبدل
"فلنهاجر" قبل أن نُستبدل
د. وليد أحمد فتيحي
عندما يهل علينا عام هجري جديد، نستقبله كما في كل عام. لكننا لا نكاد نستقبل الشيء الكثير من حِكم وعِبَر ابتداءِ تاريخ الإسلام بيوم هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بأيام الإسلام العظيمة الأخرى، مثل يوم نزول الوحي، أو فتح مكة، أو غيرها من الأيام التي تستحق أن يبدأ تاريخ الإسلام وبداية كل عام بها... فلماذا يبدأ عامنا بيوم الهجرة؟
إن اختيار هذا اليوم ليكون يوم ابتداء عام كل مسلم على وجه الأرض، لهو أمر يحتاج إلى وقفة متأملة ومتعمقة، ولنبدأ في مقالنا هذا بأحد هذه الدروس المستقاة من الهجرة، ألا وهو تأصيل مبدأ الأخذ بالأسباب، وجعله من أسمى صور العبادة. فها هو رسول الله الذي أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة واحدة بمعجزة ربانية، ينتظر الإذن بالهجرة من مكة إلى المدينة. وتشاء الحكمة الإلهية ألا ينتقل إلا بعالم الأخذ بالأسباب المادية، وجعلها أسمى صور العبادة لله سبحانه، وتتجلى لنا في التحضير والتنفيذ لهذه الهجرة عبقرية التخطيط البشري والتنظيم والأخذ بالأسباب على أكمل وجوهها من قِبل آخر الرسل على وجه هذه الأرض.
وهل يخشى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه الموت؟ أو هل سَيخذُلُ الله نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم في الحماية؟
إن تحدى رسول الله قريشا بأسرها أن يقتلوه ويوقفوه عن الهجرة إن استطاعوا، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في تحديّه لقريش عند هجرته، إنما هي دروس الهجرة لا بد أن يلقنها لنا ويعلمنا إياها فعلا وعملا وواقعا وتاريخا، معلم الإنسانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وأسوق لكم هنا بعض أمثلة تأصيل أحد دروس الهجرة، وهي الأخذ بالأسباب:
1- التكتم على موعد الهجرة، فلم يعرفه أحد حتى صاحبه أبو بكر الصديق من منطلق تطبيق "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
2- مبيت سيدنا على بن أبي طالب في فراش رسول الله عليه وسلم، وفي هذا كمال إتقان الخطة والأخذ بالأسباب، واجتهاد من نبينا صلى الله عليه وسلم، فالأمر الرباني هو ألا يبيت صلى الله عليه وسلم في فراشه، ولكن جبريل لم يأمره أن يطلب من أحد أن يبيت في فراشه، وفي هذا درس إعمال العقل البشري والتخطيط، فكانت كلماته لعلي رضي الله عنه "نم على فراشي وتسبح ببردتي فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم".
3- خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة في ساعة القيلولة، وهي أشد ساعات النهار حرارة من الصيف، وأهل مكة في خيامهم وبيوتهم.
4- توجهه صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور جنوب مكة، وهو ليس في طريق المدينة، وإقامته فيه 3 أيام.
5- استعماله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي بكر، عينا له بمكة ليأتيه بالأخبار.
6- حتى الطعام والشراب خطط لهما صلوات الله وسلامه عليه؛ ليعلمنا كيف نطبق المفهوم الصحيح لمعنى التوكل في قوله: "اعقلها وتوكل"، ووكّل هذه المهمة الشاقة والهامة والخطيرة إلى أسماء بنت أبي بكر الصديق، وبهذا يؤصل لنا الرسول الكريم دور المرأة الفعّال، ومشاركتها الرجل في الحياة والكفاح والنضال، من خلال أهم رحلة قام بها بشر على وجه الأرض، وأسماء حامل في شهورها الأخيرة، وبذلك تستطيع أن تخبئ الطعام والشراب ولا ينتبه لها أهل مكة وهي تحمله لأبيها ولرسول الله صلى الله علي وسلم، وفي ذلك قمة التخطيط للمهمة، والاختيار الصحيح، والثقة بها رضي الله عنها وأرضاها.
7- طلبه صلى الله عليه وسلم من عامر بن فهيرة، مولاه الذي يرعى غنمه، أن يخفي الأثر من خلفهم لتعجز قريش عن تتبع أثرهم.
8- وها هو سيدنا أبو بكر يمشي وراء الرسول بمسافة؛ ليحمي ظهره، وإذا لقيه الرجل يسأله وهو يشير إلى رسول الله أمامه من هذا الذي بين يديك؟ فيجيب أبو بكر: هذا الرجل يهديني الطريق.. فلا يكشف عن هوية رسول الله، فتؤذيه قريش ولا يكذب في مقولته.
وتشاء الحكمة الإلهية حتى يكتمل هذا الدرس الإنساني العظيم، أنه بالرغم من تمام وكمال خطة الرسول الكريم، والأخذ بالأسباب المتاحة لديه على أكمل وجهها، إلا أن الأسباب المادية لم تكن كافية، ووصلت قريش إلى الغار، وهنا يتجسد قمة كمال التطبيق لمفهوم التوكل بعد الأخذ بالأسباب، في قوله صلى الله عليه وسلم كلاما صار قرآنا: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم".
وكان ذلك بعد أن رأى الله من رسوله وصاحبه ما أحب من الأخذ بالأسباب كاملة؛ عبادة له سبحانه وتعالى، ومن التطبيق الكامل الصحيح لمفهوم التوكل. ويحمي الله نبيه ودعوته لتكون هذه الهجرة، ولتكون بداية تاريخ أمة الإسلام التي كتب الله لها أن تحمل آخر الرسالات السماوية إلى قيام الساعة.
أين نحن كأفراد ومجتمعات وكأمة من دروس الهجرة؟ وهل يذكرنا كل عام هجري جديد بتلك المعاناة والمشقة، التي وضع الله سبحانه فيها أحب عباده وأجرى عليه سنته فقط ليعلمنا تلك الدروس؟
فللهجرة أشكال مختلفة وصور متعددة، فقد تكون هجرة وجدان أو مشاعر أو أفعال أو أجسام أو كلها مجتمعة.. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما حرم الله".
هل نجدد النية في مطلع كل عام هجري للهجرة إلى الله بجعلها الغاية والمقصد في النية والقول والعمل، كما قال رسول الله: "إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"..
إن أمة قدوتها وأستاذها آخر الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتُذَكَّر في مطلع كل عام جديد لها بهجرة رسولها وبالدروس التي خطها لها في حياته كفاحا ونضالا ومعاناة ومشقة، ثم تنسى أو تفرطّ أو تتخاذل، لهي على خطر عظيم. ومن لا يهاجر إلى الله يهجره الله، ومن يتول يستبدله الله بغيره. قال تعالى: "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم". وكتاب الله مليء بتاريخ من سبق، ومن لا يقرأ التاريخ ولا يعي دروسه، يأبى التاريخ إلا أن يلقنه أقسى دروسه.. والتاريخ يعيد نفسه.. وسنن الله لا تتبدل ولا تتغير.. و"لن تجد لسنة الله تبديلا".. "ولن تجد لسنة الله تحويلا"..
إعصار الفلبين .. قدرة الله لا غضب الطبيعة!! - إعصار الفلبين .. قدرة الله لا غضب الطبيعة!! - إعصار الفلبين .. قدرة الله لا غضب الطبيعة!! - إعصار الفلبين .. قدرة الله لا غضب الطبيعة!! - إعصار الفلبين .. قدرة الله لا غضب الطبيعة!!
إعصار الفلبين .. قدرة الله لا غضب الطبيعة!!
الفلبين قبل وبعد الإعصار
إعصار وصفته وسائل الإعلام العالمية الكبرى بأنه غَيَّرَ خريطة الفلبين!!
وتقول الأمم المتحدة: إنه قضى على 10 آلاف إنسان، وشرَّد 10 ملايين آخرين. وقال سينين مانجاليل القنصل العام للفلبين في بريطانيا: "لم يشهد العالم عاصفة مثل هذه من قبل".
إنه الإعصار الاستوائي (هايان) الذي ضرب الجزر الشرقية والوسطى في الأرخبيل الفلبيني يوم الجمعة 8 نوفمبر 2013 ليتسبب في أحد أسوأ الكوارث في تاريخ البلاد، بعد أن جرفت مياه الإعصار منازل ومدارس ومباني، ودفنت الناس تحت أطنان من الأنقاض، وأغرقت مدنًا بأكملها، فَمَحَتْها من خريطة الفلبين!!
كما أسفرت الخسائر التي لحقت بالطرق والمطارات عن عرقلة جهود الإنقاذ، وتبذل هيئات دولية جهود إغاثة ضخمة؛ ولكن عمال الإنقاذ يجدون مشقة في الوصول إلى بعض البلدات والقرى التي تقطعت بها السبل منذ بداية العاصفة.
وبلغت سرعة الإعصار 235 كيلومترًا في الساعة، وبلغ ارتفاع الأمواج 15 مترًا، وتسبب في هطول أمطار شديدة الغزارة.
علمًا بأن السلطات كانت قد أَجْلَتْ مئات الآلاف من سكان المنطقة قبل وصول الإعصار إليها، غير أن الكثير من مراكز الإيواء -كالمدارس والكنائس والأبنية الحكومية- أثبتت عجزها عن الصمود أمام الرياح والعواصف.
وفي فيتنام التي قد يمر بها الإعصار جرى نقل 600 ألف مواطن من المناطق التي يُتَوقع أن يأتي عليها هايان!!
وقال أحد الخبراء: "شهدنا عواصف مثل هذه ربما في مناسبات نادرة بمثل هذا المستوى من الشدة في البحر؛ لكن أن تجتاح اليابسة بمثل هذه القوة فهو شيء غير مسبوق".
والأعاصير الحلزونية –بحسب المراجع المتخصصة-عبارة عن عواصف استوائية هوائية عاتية تتميز بغيمة مخروطية دوارة؛ تحدث هذه العواصف العنيفة بشكل خاص في مناطق أمريكا الوسطى والجنوبية، بالإضافة إلى بعض مناطق الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذه الأعاصير تجمع الحرارة والطاقة من خلال ملامستها لمياه المحيط الدافئة فتزيد من قوتها لتدور العاصفة حول عين الإعصار في عكس اتجاه دوران الساعة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وتدور في الاتجاه المعاكس في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية؛ وسرعة رياحها 74 ميلاً في الساعة، وعندما تصل إلى اليابسة تسبب أمطارًا غزيرة وفيضانات، وشدة الرياح القوية تسبب موجات سواحلية تجرف الأشجار والمباني والسيارات في طريقها؛ لهذا تعتبر الأعاصير أحد الكوارث الطبيعية التي تصيب البشر والحيوانات وتهدد البيئة، وعلى الرغم من ضراوتها فإنها ضرورية كمظهر من مظاهر مناخ الكرة الأرضية؛ لأنها تنقل الحرارة والطاقة من المنطقة الاستوائية للمناطق الباردة باتجاه القطبين.
وأهم الظواهر التي تصاحب هذه العواصف الاستوائية الرياح العاتية، التي تسبب ارتفاع موج المحيط ليصل إلى 15 مترًا والفيضانات العارمة، وارتفاع مستوى المياه به والأمطار الغزيرة؛ لأنه يبخر ملياري طن ماء يوميًّا ويصبها كمطر، وعندما يجتاح اليابسة ويحتك بها يدمر بعنف كل ما في طريقه مما يفقده طاقته وشدته؛ فتملأ عينه بالسحب ويخبو ثم يندثر، ولا يمكن التنبؤ ببدء نشوء مكان إعصار الهاركين الكاسح؛ لكن يمكن التنبؤ بطريق سيره بعد تكوينه من خلال أماكن رصده بأجهزة الرادار، وأسرع إعصار في العالم وقع في تكساس بالولايات المتحدة؛ إذ بلغت سرعته 450 متر في الدقيقة.
وتضرب الأعاصير العملاقة شواطئ كل من أمريكا الشمالية والجنوبية, وإفريقيا الجنوبية, وخليج البنغال, وبحر الصين, وجزر الفلبين, وإندونيسيا, والملايو في حدود ثمانين مرة في السنة، وأما الأعاصير الحلزونية فيهب منها سنويًّا بصفة عامة ما بين 30 و150 إعصارًا فوق البحار الدافئة، ويصل طول الواحد منها إلى 1500 كيلو متر, وتقدر قوته التدميرية بقوة قنبلة نووية!!
ذلك مبلغهم من العلم: وصف الوضع ومعرفة آليات التشكل ومساراته في حدود علم الإنسان المحدود..
إن الأعاصير الرهيبة والبراكين المفزعة والزلازل المدمرة كلها من آيات الله تعالى في الكون، ينبغي للإنسان الرشيد أن يضعها في حسبانه كدلالات قاطعة على قدرة الله المطلقة وعلى طلاقة مشيئته سبحانه.. وأما الكفر بالله والحديث الخرافي عما يسميه الملاحدة: غضب الطبيعة، وعن سيطرة الإنسان المغرور على مقاليد الكون، فسخرية من العقل الذي وهبه الله جل وعلا لبني آدم وميزهم به عن البهائم والجمادات، ويترك البشر فريسة الجهل المطبق واليأس القاتل..
هذه ثلاثية السعادة.. لا تفوتك - هذه ثلاثية السعادة.. لا تفوتك - هذه ثلاثية السعادة.. لا تفوتك - هذه ثلاثية السعادة.. لا تفوتك - هذه ثلاثية السعادة.. لا تفوتك
هذه ثلاثية السعادة.. لا تفوتك
د. جاسم المطوع
اعلم أن سعادتك من صنع يديك لا من صنع الآخرين
بدأ حديثه معي بقوله: أنا أعيش حياة مترفة ومرفهة؛ فلدي كل ما يتمناه الآخرون، فأنا أملك سكنًا خاصًّا، وسيارة خاصة، وأعيش مع أهلي، ولدي وظيفة مرموقة وراتب مريح، ودخل إضافي ممتاز، كما أني أملك شخصية اجتماعية جيدة، والناس تحبني؛ ولكن على الرغم من ذلك كله فأنا لست سعيدًا، ولا أعرف السبب في عدم سعادتي!
فالتزمت الصمت ولم أتكلم، ثم نظر إليَّ وقال: فكرت كثيرًا في الأسباب ولم أعرف سبب عدم سعادتي في الحياة، حتى الدين جربته وصرت متدينًا فترة من حياتي؛ فحافظت على صلاتي وصيامي؛ ولكني ما زلت أشكو من عدم سعادتي، فهل لديك تفسير لذلك؟ فنظرت إليه وقلت لنفسي: التزم الصمت كذلك حتى يتكلم أكثر؛ لأن الفضفضة والكلام جزء من العلاج. ثم ضرب بيده على المكتب، وقال: لقد يئست من الحياة، وأشعر بأنها سخيفة، وصرت أعتزل الناس وأبتعد عنهم بسبب مشاعري هذه التي حدثتك عنها. ثم سكت سكوتًا طويلاً.
فقطعت صمته بقولي: دعني أشرح لك شيئًا مهمًّا، إن ما قلته كله وما تمتلكه من مال ومنصب وعائلة وعلاقات اجتماعية وممتلكات ثمينة كلها نحن نسميها: (اكسسوارات الحياة)، فهذه لا تعطيك السعادة؛ ولكنها تساهم في سعادتك، لو كان عندك مشروع يقودك إلى السعادة. فاستغرب من كلامي وقال لي: وماذا تقصد من مشروع السعادة؟
قلت: حتى تكون سعيدًا لا بد أولاً وقبل كل شيء أن تمتلك (ثلاثية السعادة)؛ وهي: أولاً: الاهتمام بذاتك وجسدك. وثانيًا: الاهتمام بروحك. وثالثًا: الاهتمام بعواطفك وعلاقاتك. قال: وكيف ذلك؟ قلت له:
أما ذاتك ونفسك فأول خطوة ينبغي أن تقوم بها أن يكون لك هدف في الحياة تعيش من أجله وتسعى لتحقيقه، وهو الذي يعطي للحياة طعمًا ومعنى، فشعور الإنسان بالملل والضيق والرتابة يكون بسبب عدم وجود هدف أو تحدٍّ يسعى لتحقيقه، فجمال الدنيا بالتحدي والإثارة والسعي لتحقيق النجاحات، ومن الاهتمام بذاتك أن تعطيها حقها من الراحة والنوم وممارسة الرياضة والتأمل؛ فكل ذلك يساهم في سعادتك.
أما الاهتمام بروحك فارتباطك بالله تعالى بالصلاة والذكر واللجوء إليه وقت المحن، يعطيك قوة ويقينًا وثباتًا في الموقف، وشعورًا بالرضا والسعادة، خاصة عندما يزداد إيمانك بخيرية القضاء والقدر.
أما الاهتمام بعواطفك وعلاقاتك؛ فنعني بها أن نحسن إدارة مشاعرنا فنعبر عنها بطريقة صحية؛ ففي الغالب عندما نشعر بعدم الرضا من أنفسنا يكون ذلك بسبب علاقة خاطئة أو تصرف خاطئ لنا مع الآخرين، فلنحافظ على مشاعرنا؛ لأنها غالية فلا نحرقها بالعصبية أو الانتقام أو الإحباط، وإنما نصرفها بالحب والمسامحة والمغفرة، أما العلاقات الاجتماعية فإدارتها ليست سهلة، والمحافظة عليها صعبة، وخاصة عندما ندخل في خلاف مع صديق أو قريب، وكل واحد منا يريد أن يثبت صحة موقفه؛ فتتعالى الأصوات ويزداد العناد، فإذا خرجنا من هذه الحالة بسلامة صدر واستمرار المودة والعلاقة، فحينها نكون ناجحين اجتماعيًّا.
ثم سكت قليلاً وبادرته قائلاً: بعدما تحقق هذه الثلاثية عندها لو كان عندك منصب أو مال أو أصدقاء أو عائلة فإنهم سيساهمون في زيادة سعادتك؛ لأنك نجحت في التعامل مع (ذاتك وروحك وعواطفك)، أما من يهمل هذه الثلاثية ويطلب من الآخرين أن يسعدوه، فإنه لن يجد طعم السعادة.
قال: إن الثلاثية التي تحدثت عنها أراها هي الإطار لكل ما يملكه الإنسان لتحقيق سعادته في الدنيا. قلت له: نعم هذا صحيح، ولو طبقت ما قلته لك فإن كل يوم جديد تعيشه سيكون بالنسبة لك فرصة لتغيير حياتك نحو الأفضل، ولا يكفي أن يكون لديك حلم أو طموح للسعادة؛ ولكن لا بد من وجود إيمان ومعتقد بأنك لا بد أن تفعل شيئًا، فذاتك تحركك وعاطفتك تدفعك وعلاقاتك تساعدك لتحقيق النجاح والسعادة التي تتمناها، فهذه ثلاثية السعادة فلا تفوتك.
فابتسم وقال: من الآن سأبدأ بها، وسأضع هدفًا في حياتي لأسعى لتحقيقه، وشكرًا لك على هذه الثلاثية الجميلة. فقلت له: اعلم أن سعادتك من صنع يديك لا من صنع الآخرين، والسلام.
الشهيد عبد الله عزام.. رجل بأمـة - الشهيد عبد الله عزام.. رجل بأمـة - الشهيد عبد الله عزام.. رجل بأمـة - الشهيد عبد الله عزام.. رجل بأمـة - الشهيد عبد الله عزام.. رجل بأمـة
الشهيد عبد الله عزام.. رجل بأمـة
بقلم : أحمد الزرقان
في الذكرى الرابعة والعشرين لاستشهاده
أول لقاء جمعني به كان أمسية ومحاضرة ماتعة ومفيدة له في دار الإخوان المسلمين في شارع السلط في أوائل السبعينات من القرن الماضي، عن سيرة وحياة المفكر العظيم، والأديب الأريب، والعالم المبدع الشهيد سيد قطب رحمه الله، وكان الدكتور عبد الله من أشد المتأثرين بفكر سيد ونهجه وسيرته ومواقفه، ولقد كان لأسلوب الدكتور عبد الله الشيِّق الرشيق في طرح هذه السيرة العطرة، مغناطيسية كبيرة لجذب النفوس والعقول، ومن شدة تأثري به فإنني ما زلت أحفظ معظم أفكار تلك المحاضرة البديعة، ومعانيها القوية المؤثرة إلى يومنا هذا، ومما شدني لمتابعة كل كلمه قالها الدكتور رحمه الله، وجه نوراني صبوح يشرق بالإيمان، وثغر يفترّ عن ابتسامة رضيه لا تفارقه، يتصدق بها على إخوانه ويوزعها في كل اتجاه، وعيون ذات بريق ولمعان أخاذ تتقد بالعزم والتصميم، وقسمات وجهه البريئة الصادقة ومحياه الآسر يخفي خلفهما روح شفافة تألف وتؤلف، ومنطق ساحر جذاب، ولغة رصينة واضحة بينة، وأسلوب ساحر وجميل برّاق، شيخ همام ما إن تراه حتى تألفه، وما إن تسمعه حتى تحبه في الله، وما إن ترافقه حتى تبقى رهيناً لشخصيته الهادئة والثائرة في آن واحد، وتحس أنه يقوم بدور ضخم وكبير وكأنه رجل بأمّه، يعزز ذلك علم جم غزير، وحافظة نادرة ألمعيه، وحرقة للإسلام قوية، وأقوال شاعرية، ويسند ذلك كله سلوك حميد، وخلق قويم، وكرم عميم، ومنطق جميل وأدب رفيع، وبعد عن الشبهات، وفيئة للحق ووقوف عنده، وتواضع جم، وبيت مفتوح بلا ضجر ولا ملل ، مما جعل الناس و شباب الدعوة يحبه ، ويجله ، ويقدره ، ويتخذ منه رائدا ، وقدوة ، ونبراساً، وأسوه .
ولد الدكتور عبد الله سنة 1941م ، في سيلة الحارثية من قرى مدينة جنين في فلسطين، وفي بيت فلاحيّ بسيط، أهل دين وخلق، وكان رحمه الله منذ نعومة أظافره متديناً ملتزماً، ولما قرأ بعض النشرات عن جماعة الإخوان المسلمين، قام بمراسلة المراقب العام المرحوم محمد عبد الرحمن خليفة وهو ما يزال طالب مدرسه في الصفوف الإعدادية، في ذلك الوقت الذي قلما تجد فيه شاباً ملتزماً بدينه، لانتشار الأفكار الوافدة وسيطرتها، فالشباب المتدين كان عملة نادرة، فراسله المراقب ثم سارع وزاره في بيته وقريته، ولما لمح فيه نفس نابهة، وذكاء حاد، وفطنة وفهم ورجولة مبكرة، وهو في ريعان شبابه وبواكير فتوته، عرفه على الداعية الأستاذ شفيق أسعد، والمربي الشيخ فريز جرار، ثم التزم بعدها خط الدعوة، ونهل من معينها الصافي معارف جديدة، وأفكار قويمة، وفهم عميق للإسلام وأهدافه ووسائله الواضحة الأصيلة. وبعدما تخرج من المدرسة التحق بمعهد خضوري الزراعي وحصل على دبلوم بدرجة امتياز سنة 1959 . وعين مدرساً في مدرسة أدر في الكرك وبعد سنه انتقل إلى مدرسة برقين في جنين .
وعندما احتلت الضفة الغربية سنة 1967 امتشق الشاب عبد الله بندقيته الانجليزي ذات الخمس طلقات، وذهب مع بعض الشباب ليقاوم اليهود المحتلين، ولكن أهل قريته اجتمعوا حولهم وبجهد جهيد حتى أقنعوهم أن المعركة انتهت والجيوش انسحبت وأن سلاحهم وذخيرتهم لا تصمد دقائق مقابل ترسانة العدو المجرم الغادر .
ولم يهدأ للمرحوم بال ولم يقر له قرار، وما إن بدأت المقاومة تنطلق من الأردن لمحاربة اليهود حتى سارع و انضم لقواعد الشيوخ ، وكان أميراً لقاعدة بيت المقدس، وخاض خلال سنوات 68 - 1970 ، معارك ضارية مع العدو المحتل مع مجموعه من الشباب المسلم المجاهد ، مثل معركة المشروع، ومعركة الحزام الأخضر، ومعركة الخامس من حزيران، وقد كبدوا العدو خسائر جسيمه في الأرواح والمعدات، واستشهد جمع من هؤلاء الشباب المجاهد . ونتيجة لما جرى في أيلول 1970 تجنب المشايخ الفتنه ، ثم أغلقت الحدود وحال هذا الامر دون مواصلة الشيخ الشهيد الجهاد ، حيث تفرغ لجهاد من نوع آخر في التربية والإعداد والتعليم .
وكان الشيخ قد حصل على شهادة ليسانس الشريعة من جامعة دمشق سنة 1966 بتقدير جيد جداً، وأثناء وجوده في قواعد الشيوخ انتسب إلى جامعة الأزهر و حصل سنة 1969 على ماجستير في أصول الفقه ، ثم عين في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، و بعدها أوفد سنة 1971 إلى الأزهر ونال شهادة الدكتوراه سنة 1973 بمرتبة الشرف الأولى . وكان أثناء دراسته في أرض الكنانة قد وجد أن معظم أهل الحق رهن السجون والمعتقلات ، ولكن ذلك لم يقعده فقد تعرف على بعض أفراد من عائلة سيد قطب، وبعض المشايخ ممن هم خارج السجن ، وكان له دور في العمل على مساعدة أسر هؤلاء الابطال المساجين دون خوف، أو وجل، أو خشية، أو رهبه .
وبقي الشيخ يُدَرِّس في الجامعة الأردنية وينشئ الجيل على الإيمان والإسلام، والتربية الجهادية، والتف حوله الشباب في مخيمات التدريب والإعداد، وبلباسه ( الفوتيك ) يواصل الليل بالنهار، لا يعرف الكلل ولا الملل ، وقته كله للدعوة والتربية والإعداد ، وبيته تحول إلى مدرسة قرآنية لينشئ جيل قرءاني ليكون له دور في الجهاد والتحرير في يوم اللقاء الموعود .
وتم فصله من الجامعة الأردنية سنة 1980 . وانتقل بعدها إلى جامعة الملك عبد العزيز بجده ، ومنها طلب أن يوفد ويعار للجامعة الإسلامية في إسلام أباد لكي يكون قريبا من أرض الجهاد في أفغانستان . وهناك حاول الدكتور أن يجمع محاضراته في يومين من الأسبوع ثم يتفرغ بقية الأسبوع ليسافر إلى ارض الجهاد ، ويشارك بما يستطيع ، فأعتلى من على ذرى جبال الهندكوش هذه القمم السامقة وامتطى صهوة الجهاد الأفغاني، وركب ذروة سنام الإسلام الذي عشقه في سفوح وجبال الأرض المباركة المقدسة ، وأقدم على الجهاد غير هياب ولا وجل بل يحدوه الأمل، والحب، والشوق لنيل الشهادة، فقد كان يردد دائما : أن ذنوبنا لا يغسلها ويكفرها إلا أن تسيل منا الدماء في سبيل الله، وأن أعظم ما تطمح له النفس ، ويطمع له القلب أن تكون الخاتمة شهادة في سبيل الله.
ثم إنه في سنة 1983 عندما رجع إلى جده ليجدد انتدابه في الجامعه الإسلامية، وجد أن إدارة الجامعة قد نزلت له برنامجا لكي يدرس في جده ، ولما رفضت الجامعة تجديد عقد الإعارة قدم استقالته غير آبه، ثم تعاقد مع رابطة العالم الإسلامي مستشاراً للتعليم في الجهاد الأفغاني، وتفرغ للجهاد كاملا منذ 1984، فبعد أن تذوق حلاوة الجهاد في فلسطين ثم في أفغانستان شعر انه قد وجد ضالته المنشوده ، وكان يقول هؤلاء الذين كنت أبحث عنهم منذ زمن بعيد ، وسكن في بيشاور، وهناك قام بتأسيس مكتب خدمات المجاهدين ، واستطاع أن يستقطب آلاف الشباب العربي والإسلامي المتعطش للجهاد ، لخدمة الجهاد الأفغاني، وكان لهذا المكتب نشاطات عظيمة، وكبيرة، ومميزة، لخدمة الجهاد، تعليمية، وتربوية، وعسكرية، وصحية، واجتماعية، وإعلامية، غطت معظم أنحاء أفغانستان .
واستطاع الدكتور عبد الله أن يصبح رائدا من رواد الجهاد ، وعلما من أعلام التربية الجهادية على مستوى العالم ،كما خدم القضية الأفغانية بجهود جبارة وعظيمه، ونقل فكره إلى جميع أنحاء المعمورة، وجاهد بنفسه وماله وأهله أولاً، ثم حرض المسلمين على الجهاد والتضحية بالمال والنفس والطاقة والوسع والخبرة والعلم، فمن خلال محاضراته، وكتاباته، وندواته، ورحلاته، ومجلة الجهاد التي كان يحرر ويكتب معظم مواضيعها نقل الجهاد الأفغاني نقلة هائلة وكبيرة لا تستطيعها دول وحكومات، لكن الإخلاص والصدق وبذل الوسع والجهد المستطاع بارك الله فيه ، وأعطى ثماره اليانعة بأعظم نتاج وأكبر دور، وصنع من الجهاد الأفغاني قضيه إسلاميه عالميه ، تحظى باهتمام العالم أجمع، وأيقظ بهذه القضية الهمم وأستنفر المسلمين من جميع القارات لنصرة الجهاد الأفغاني . وكان الشباب المسلم في العالم ينتظر مجلة الجهاد ، ونشرة لهيب المعركة ، والكتب، وأشرطة الكسيت على أحر من الجمر، وكانت مقالات الدكتور عن الشهداء وعشاق الحور العين لها فعل السحر في تربية الشباب ، وتحريضهم على المشاركة ، لذلك كانت هذه الوسائل وجهود الدكتور هي نافذة الجهاد الأفغاني على العالم .
ثم في داخل أفغانستان استطاع أن يبني المدارس داخل الخنادق، ويفتح دور القرآن، ويبني المستشفيات، والمستوصفات الطبية، ويطبع الكتب المدرسية، والعلمية والفكرية والمصاحف، ويوفر القرطاسية ويدعم المجاهدين بالمال الذي كان يجمعه من المحسنين على مستوى العالم، وعمل على كفالة الأيتام والأرامل، واستطاع أن يوقف سيل الزحف المتدفق للهجرة إلى باكستان ، ويثبت الناس في أراضيهم وقراهم .
وكان مكتب الخدمات يستقبل المجاهدين من الخارج ويدربهم ، ويجهزهم ثم يرحلهم إلى أرض المعركة مع كفالتهم ما داموا فيها، ونتيجة لاحترامه من جميع القادة الأفغان كان له جهود كبيره في التوفيق بينهم، وإنهاء بعض خلافاتهم ،وجمعهم على التوحد والعمل المشترك .
وكان رحمه الله يجاهد في أفغانستان، وقلبه، وعقله، ونظره على فلسطين، وقد درب عشرات الشباب الفلسطيني، وشحنهم بمعاني الجهاد والثبات على ألحق، وكان لهؤلاء الشباب الدور الكبير في الانتفاضة الأولى سنه 1987 وكذلك بعض العمليات الجهادية الناجحة. ومن هنا تنبه العدو اليهودي واخذ القلق الدائم يساور (الموساد)على دور الدكتور عبد الله في إعداد الشباب، ودور هؤلاء في الجهاد في فلسطين لذلك التقت أهداف أكثر من جهة للخلاص من الدكتور عبد الله، أجهزة الموساد اليهودي، والسي آي إيه الأميركي، والكي جي بي الروسي، والخاد الأفغاني، والآي أس آي الباكستاني،
وعندما رأت أميركا الانتصارات القوية والباهرة للمجاهدين الأفغان على الروس أرسلت (نيكسون) الرئيس الأميركي السابق لاستطلاع الوضع في باكستان وأفغانستان، ولما دخل نيكسون مخيم (ناصر باغي) الأفغاني مد يده ليسلم على رجل أفغاني بلغ من العمر عتيا وإذا بالرجل يقبض يده فانتفض الساسة والجنرالات الباكستانيين المرافقين للرئيس فقالوا : للرجل هذا رئيس الولايات المتحدة الأميريكية السابق (نيكسون)! قال الرجل: أنا اعرف ذلك !! لكنني لن أضع يدي بيد كافر ، ولا رغبه لي بمصافحته !! ثم إنه أثناء سيره تقدم منه شيخ أفغاني قد أحدودب ظهره وقال بصوت مرتفع لنيكسون لماذا أعطيتم فلسطين لليهود؟! واخذ يتمتم عليهم باللعنات!! فأصاب نيكسون أمر كالصاعقة وأخذه الدوار!! امة تطحنها المصائب طحنا ، وتقع عليها الرزايا كالمطر ، وهم ثابتون كالجبال ، متمسكون بدينهم ومبادئهم ، ولا يذلون ولا ينحنون !! فلما رجع" نيكسون " إلى أميركا عقد مؤتمراً صحفياً ، ولما سأله صحفي ما المشكلة الموجودة في أفغانستان ؟! قال المشكلة هي ( الإسلام ) !! ويجب على أمريكا أن تتناسى خلافاتها مع روسيا ، وتوقف هذا الزحف الإسلامي الخطير الذي بدأ يدب في أفغانستان وينطلق ويتقدم نحو العالم أجمع ، وأن الأفغان لن يكتفوا بهزيمة روسيا بل سيتحركون نحو نهر سيحون داخل الاتحاد السوفياتي ليحركوا سبعين مليون مسلم موجودين هناك وإذا استمر الحال سيدفع الغرب الجزية عن يد وهم صاغرون .
وقبل أن يلتقي بوش الأب مع غورباتشوف في مؤتمر على سواحل مالطا للتوافق على كيفية إنهاء القضية الأفغانية كانت الخطة قد أعدت بالتعاون بين مجموعة من الأجهزة الأمنية العالمية وعلى رأسها الموساد للخلاص من هذه الظاهرة المقلقة، والمؤثرة، التي بلغ تأثيرها معظم أصقاع العالم، وتعدت الحدود، وتجاوزت كل القيود .
وقبل استشهاد الدكتور عبد الله بأقل من شهرين وفي ليلة ليلاء وساحة ظلماء، وضعت يد الغدر والخيانة والجبن والعمالة، بالتعاون مع حكومة حزب الشعب بقيادة بنازير بوتو في باكستان لغما ضخما تحت المنبر في مسجد الشهيد سبع الليل الذي يخطب فيه الدكتور عبد الله عزام رحمه الله، والذي يصلي فيه أكثر من ألفي عربي مجاهد، ولكن قدر الله أن يكتشف خادم المسجد هذا اللغم وهو ينظف المسجد قبل صلاة الجمعة عندما أزاح المنبر الخشبي البسيط ذو الثلاث درجات فابلغ الأجهزة الأمنية، فأخذوه، ولو انفجر هذا اللغم لكانت مجزرة عظيمة لألفي مجاهد في المسجد، وعندما حضر د.عبد الله للخطبة وابلغ ألخبر ابتسم ابتسامة عريضة، وقال: أنا أعلم أن رأسي مطلوباً منذ أن تفرغت للجهاد سنة 1984 وان حياتي منذ ذلك التاريخ هي (نفل) أي زيادة من الله.
فالرجل كان يحمل روحه على كفه ويلقي بها في مهاوي الردى ، ورغم النصائح من كثير من الناصحين أن يترك ساحة الجهاد والشهادة ويستلم رئيس جامعه في إحدى الدول الأفريقية، إلا انه أبى وفضل الجهاد والشهادة على كل مغريات الدنيا ومتعها. وبعد النصح الكثير غادر بيشاور الى داخل أفغانستان، ومكث عدة أسابيع، ثم عمل على اتفاق كبير بين القائدين الرئيسين في الساحة حكمتيار (الحزب الإسلامي) ورباني (الجمعية الإسلامية) على التوافق وإنهاء الخلافات والعمل المشترك ، وجاء إلى بيشاور ليخطب الجمعة ويبشر الناس بهذا الانجاز الكبير . ولكن يد الغدر الآثمة الجبانة قد أعدت له هذه المرة لغما على زاوية الدخلة التي تدخل إلى مسجد الشهيد سبع الليل ، وهو بعرض ثلاثة أمتار متفرعة من الشارع الرئيسي "جمرود رود" في منطقة "أرباب رود "، تحت أنقاض وأتربة على زاوية الشارع ، ثم مدوا سلك عن طريق (المجاري) بطول أربعين متراً، وقفت السيارة المنفذة في محطة محروقات تنتظر صيدها ، وكانت الخطة محكمة والمتابعة كبيرة ، فعندما تأخر سائق الدكتور الخاص ركب في سيارة ابنه محمد وهي سيارة صغيرة ويرافقه ابنه إبراهيم ، وعين الغدر تراقبه ثم جاء سائقه أبو الحارث فطلب منه الدكتور ان يتبعه ، ولما انعطفت السيارة الصغيرة من الشارع الرئيسي إلى دخلة المسجد ، وعلى بطارية السيارة فجر اللغم الذي يقدر وزنه بعشرين كغم ، وهو لغم موجه بإحكام نحو السيارة مما أدى إلى شطرها إلى نصفين ، وتمزقت جثث الأبناء وانتثرت وطارت على مسافة عشرات الأمتار حتى أن بعض أيدي وأقدام ابنه إبراهيم تعلقت على جدران المحال المقابلة وأسلاك الكهرباء . هذا ولم أشاهد أي رجل أمن باكستاني من الذين كانوا يملأون المكان في الجمع السابقة .
ففي هذه الجمعة الدامية الحزينة وتحديداً بتاريخ 24/11/1989م فقد وقعت جثة الدكتور عبد الله رحمه الله على بعد عدة أمتار من السيارة وقد حفظ الله جثته ، فكنت من أوائل من حضر بعد التفجير قادما لصلاة الجمعة فوجدت سائقه أبو الحارث يركض يمنة ويسرة يلاحق الجثث الممزقة لأبناء الدكتور ، ووجدت جسد الدكتور سليما سوى جرح بسيط في جبهته ونزيف للدم من أنفه ، فوضعناه في سيارة بكب وذهبنا به إلى مستشفى الهلال الاحمر الكويتي ثم نقل الجميع إلى قرية دار الهجرة مخيم (بابي) ، الذي يسكن فيه القائد سياف ، وحفر قبر بثلاثة لحود في مقبرة الشهداء والتي دفن فيها قبله أمه وأبوه، وضع الدكتور بالوسط ويحضنه أبناؤه من أمامه ومن خلفه ، وكانت جمعة دامية حزينة أليمة ، وحضر الدفن خلق عظيم من العرب والأفغان والباكستان، وحضر مجموعة من القادة الأفغان أبّنوا روحه الطاهرة مع ولديه الزكيين ، واستشهد الدكتور الذي جمع الملايين الوفيرة للجهاد وهو مدين بخمس وعشرين ألف دولار .
انتقلت الروح إلى بارئها ، ولكن فكر الدكتور وجهده وجهاده أنتج حالة جهادية إسلامية عالمية لا تزال آثارها قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وكما قال سيد قطب رحمه الله : تبقى كلماتنا عرائس من شمع حتى إذا متنا من أجلها دبت فيها الحياة . وأختم بهذه الأبيات التي أبّن فيها الدكتور محمد صيام روح الشهيد العطرة وهي أبيات معبره ..
كفكف الدموع فالمصاب ثقيل لا تواسيه أدمع وعويل *** يا(ابن عزام) اطمأن فإنا وفق ما كنت ترتجي وتقول
أمناء على العهود وفاءً أبدياً لا ننثني أو نحول *** ورباط في أرضنا وجهاد ليس فيه التراجع المرذول
وعزاء للمسلمين جميعا وعزاء لنا وصبر جميل *** ففي فلسطين أورق الغرس واشتد أمام الردى وشب الفتيل
وتولى القيادة جيل جديد عبقري التوجهات أصيل *** والغزاة الذين ساد اعتقاد جازم أن طردهم مستحيل
ودعتهم أوهامهم أن يقولوا أن حدّيهموا فرات ونيل *** وتهاوت قدامهم جبهات ورجال ملء الفضا وخيول
ثم حين انبرت (حماس) إليهم أيقنوا أنهم كيان هزيل *** و(حماس) هي الرجا المتبقي بعد أن سلّطت علينا الحلول
تلك كانت من أمنيات ابن عزام فمن يا ترى الغداة البديل *** والى روحه بيان سريع غزة أرسلته بل والخليل
تتساءل وسائل الإعلام عادة عن احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة كلما رفعت دولة الكيان الصهيوني من منسوب اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني وخاصة في الضفة الغربية والأماكن المقدسة.
السؤال المطروح على مدى سنوات من قبل هذه الوسائل: هل ستؤدي هذه الأعمال الصهيونية إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة؟ وهل سيتحرك الشعب الفلسطيني في مواجهة إسرائيل؟ علمًا بأن هناك من السياسيين الفلسطينيين من يشجع على طرح هذا السؤال وما يشبهه من أسئلة؛ لأنهم يدلون بدعوات للشعب للخروج في انتفاضة جديدة عسى أن يكون في ذلك ما يكبح جماح الصهاينة..
أحاول في هذا المقال أن أقيِّم احتمال اندلاع انتفاضة أو ثورة فلسطينية بخاصة في الضفة الغربية.
تعريف المفاهيم
قبل الدخول في التحليل من المهم توضيح المفاهيم؛ حتى يكون الكاتب والقارئ على بينة من المعاني المقصودة، أقول أولاً للذين ينتظرون انتفاضة ثالثة: إنهم ينتظرون من الناحية العددية الانتفاضة السادسة والعشرين للشعب الفلسطيني، فمنذ عام 1920م قام الشعب الفلسطيني بانتفاضات عديدة إبان صراعه الطويل ضد الصهاينة وإسرائيل بإصرار منه على إنهاء العدوان والحصول على حقوقه الوطنية.
بدأت الانتفاضات ضد الانتداب البريطاني الذي كان يعمل ما بوسعه لتمكين اليهود من فلسطين وإضعاف قدرات الفلسطينيين على الدفاع عن وطنهم، وما زالت هذه الانتفاضات مستمرة.
لكن الملاحظ أن الانتفاضات الفلسطينية لم تنجح حتى الآن في استعادة أي جزء من الحقوق الوطنية الثابتة؛ وذلك على الرغم من حجم التضحيات الكبير التي يقدمها الشعب في كل انتفاضة، وللمسألة عدة أسباب تقع على رأسها مساومات القيادات الفلسطينية وعدم وجود استراتيجية نضالية شعبية تبرمج العمل وتوجهه وفق معايير علمية ووطنية واضحة.
وربما الفشل مبني على ماهية الانتفاضات، التي هي أعمال جماهيرية تلقائية ناجمة عن شعور باليأس والإحباط.
الانتفاضة ليست ثورة بقيادات منظمة، وإنما هي هبات جماهيرية يعبر من خلالها الناس عن آلامهم ورفضهم للواقع، وينطلقون محتجين بوسائل متعددة لإيصال رسائلهم لقياداتهم وأعدائهم على حد سواء.
الانتفاضة احتجاج، وهي أقل بدرجات من الثورة، وهي جماهيرية، وليست محصورة بتنظيم أو فصيل أو حزب، وغالبًا تنطلق في أوقات الفراغ القيادي واستفحال العدوان؛ أي أن الانتفاضة لا تنطلق في حال وُجد مَنْ يملأ الفراغ، أو في حال وجود حشد للجماهير ليقوم الأفراد بواجباتهم الوطنية وفق مواقعهم الوظيفية والاجتماعية.
أما الثورة فقد تكون جماهيرية؛ لكنها تتميز عن الانتفاضة بالاستمرار والإصرار على الحصول على النتائج المطلوبة والمتمثلة عادة بتغيير جذري في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقد تكون بؤرية أو حزبية منظمة ومسلحة؛ لكنها لا تستمر دون ظهير جماهيري.
أي أن الثورة تنطلق نظرًا لوعي واضح حول ما هو مطلوب، وحول الدور الذي يتوجب على كل مشارك أن يقوم به، وهي تشكل قيادة للناس جميعًا، وليست مجرد رد فعل مؤقت يتوقف عند أول منعطف سياسي.
من التاريخ الفلسطيني
هب الناس في فلسطين عام 1936م بانتفاضة كبيرة ضد الإنجليز، وخاضوا إضرابًا طويلاً امتد على مدى ستة أشهر تقريبًا؛ انتفض الناس دون قيادة، ولحق القياديون الفلسطينيون فيما بعد ليشكلوا لجنة لقيادة الإضراب، وأقسموا ألا يوقفوا الإضراب إلا بتحقيق استقلال فلسطين؛ لكنهم حنثوا بالقسم وأوقفوا الإضراب بناء على دعوات من ملوك وأمراء العرب وضغط بريطانيا، وذهبت جهود الناس وتضحياتهم أدراج الرياح.
انتفض الناس عام 1987م، وبدل أن تصر القيادات على إنهاء الاحتلال للأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967م، اعترفت هذه القيادات بإسرائيل؛ فساهمت بمزيد من الضياع الفلسطيني، وتاه الناس على إثرها في مفاوضات عقيمة يدفع الشعب الفلسطيني ثمنها حتى الآن.
ثم خرجت جماهير الشعب الفلسطيني عام 2000م دفاعًا عن الأقصى؛ لكنها لم تستمر في ضغطها؛ لأن المستوى السياسي أخذ يلاحق المشاركين والمصرين على استمرارها.
شهدت هذه الانتفاضة موجات من العمليات الاستشهادية ضد دولة الكيان الصهيوني، وشكلت ضغطًا أمنيًّا هائلاً على الصهاينة دفع آلاف اليهود إلى الرحيل عن فلسطين.
كادت العمليات الاستشهادية أن تشكل ثورة تدفع باليهود خارج فلسطين؛ لكن دولة الكيان الصهيوني اتخذت إجراءات أمنية مشددة منها بناء الجدار الفاصل، وقامت سلطة الفلسطينيين بإجراءات قاسية لملاحقة هذه العمليات وفقًا لالتزاماتها الأمنية تجاه إسرائيل، فضلاً عن أن الذي قاد العمليات الاستشهادية لم يقدم حلولاً للتغلب على الجدار.
قدم الشعب الفلسطيني مع كل انتفاضة تضحيات سخية وغزيرة، وإذا كان لنا أن نقارن بين تضحيات الشعوب التي وقعت تحت الاستعمار أو الاحتلال لوجدنا الشعب الفلسطيني من أكثر هذه الشعوب تضحية وإقدامًا؛ لكن الواضح أن الشعوب الأخرى حققت نتائج عملت على تحصيلها، بينما لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من اعتداءات متصاعدة ضده.
عوامل التشجيع
الآن هناك عوامل عدة تشجع الفلسطيني على الانتفاض، وأيضًا على الثورة؛ أذكر من هذه العوامل التالي:
1- الاعتداءات الصهيونية لا تتوقف؛ وهي تشمل مصادرة أراض وتخريب مصالح اقتصادية، وهدم بيوت، وتوسيع استيطان، ومضايقات من مختلف الأشكال والألوان، وتزداد دولة الكيان الصهيوني شراسة في إجراءاتها واعتداءاتها، ولا تجد من يصدها أو يردعها، إنها تستفيد من الوضع الفلسطيني الداخلي الصعب، ومن الظروف العربية القائمة، والحالة الدولية غير المكترثة بالقضية الفلسطينية.
الناس وخاصة الشباب يرون أنفسهم أقزامًا أمام دولة الكيان، وأنها لا تقيم لهم وزنًا ولا تأبه بردود فعلهم الباردة والباهتة، تولد الممارسات الصهيونية مشاعر جديدة في نفوس الناس مما قد يدفعهم للأخذ بزمام المبادرة وتفجير الوضع.
2- هناك انقسام فلسطيني يتمثل في وجود حكومتين فلسطينيتين، الأمر الذي يثير حفيظة الفلسطيني ويدفعه إلى التفكير بضرورة تغيير هذا الوضع المهين، الذي يزيد الفلسطينيين ضعفًا على ضعف.
هناك استياء عام في الضفة الغربية وغزة، وشعور بالظلم من ذوي القربى؛ فتح تستولي على النعم في الضفة الغربية، وحماس في قطاع غزة، وعلى باقي الشعب أن يتدبروا أمورهم.
3- المفاوضات الفلسطينية تجري دون تحقيق أي إنجاز للشعب الفلسطيني؛ بل إن دولة الكيان الصهيوني هي التي تحقق إنجازات، وذلك من خلال إمعانها بتوسيع مستوطناتها واعتداءاتها على الأماكن المقدسة دون أن يكون هناك من يوقفها.
المفاوضات تستنزف الشعب الفلسطيني، والأفق السياسي شبه مغلق أمام الجمهور الأمر الذي يدفع باتجاه التغيير، والمعنى أن الوضع السياسي العام المتميز باستمرار المفاوضات يشير إلى وجود فراغ سياسي، وهو أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى اندلاع انتفاضة جماهيرية.
عوامل التثبيط
هناك عدد من العوامل المثبطة للانتفاضة أو الثورة؛ أذكر منها:
أ- وضع الانقسام الفلسطيني مثبط كما هو مشجع؛ في حالة الانقسام يشعر الناس بالضعف ويتراجعون، ويلوذ الأفراد إلى شئونهم الخاصة تجنبًا للدخول في الفتنة والصراع الداخلي.
ب- الشعب الفلسطيني منهك داخليًّا لأمرين: أولهما فساد السلطة الفلسطينية، وثانيهما عجز السلطة عن استعادة أي جزء من الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. انتشر الفساد في كل ركن وزاوية بسبب سوء تصرف السلطة، وطال البيوت والمزارع والمدارس والجامعات، وأثر سلبيًّا وبصورة حادة على النسيجين الاجتماعي والأخلاقي للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة 1967، ووقع الشعب تحت وهم أوسلو والمفاوضات ظنًّا منه أنه سيحصل على دولة أو على احترام؛ لكنه يرى الآن تزايد الاعتداءات الصهيونية وتمدد الاستيطان، ويشهد خيبات أمل متتالية من قبل الدول العربية والعالمية وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية.
ت- تم ربط عنق الشعب الفلسطيني بحبل المساعدات المالية والاقتصادية، وأصبحت لقمة الخبز الفلسطينية مرتبطة إلى حد كبير بإرادة الخارج وبالأخص إسرائيل والولايات المتحدة.
ويدرك الناس أن الخروج عن الطريق المرسومة لهم سيفقدهم لقمة الخبز هذه دون أن يكون لديهم بديل يعتمدون عليه.
لقد تركت السلطة ومعها الشعب دون تفكر أو تدبر، ودون بدائل، الأمر الذي قلص كثيرًا من الإرادة السياسية الخاصة للشعب الفلسطيني.
ث- الفلسطينيون متورطون -أيضًا- بالتنسيق الأمني مع دولة الكيان، ومنذ أوسلو حتى الآن والفلسطيني يتعقب الفلسطيني دفاعًا عن الأمن الصهيوني؛ حتى إن أجهزة أمن السلطة تلاحق الفلسطيني الذي يمكن أن يهاجم المستوطنين، فماذا ينفع النفخ الوطني أمام هذه المصيبة الوطنية؟
الثورة
المسئولية الآن لا تقع على الشعب الفلسطيني بصورة خاصة؛ وإنما على فصائل المقاومة بالتحديد.
السلطة ربطت نفسها بإرادة غيرها السياسية، وهي متورطة بأمور كثيرة تمتد من التنسيق الأمني مع الصهاينة إلى المصالح الشخصية لكل شخوصها.
فقط فصائل المقاومة تتحمل المسئولية؛ لأنها ليست مثقلة كثيرًا كما الشعب، وليست متورطة فيما قد يؤثر على سيرها؛ أي أن المسئولية تقع الآن على عاتق حماس والجهاد الإسلامي واللجان الشعبية؛ لكي تنقل القضية الفلسطينية إلى مكانها الصحيح.
المطلوب الآن هو ثورة وليس مجرد انتفاضة؛ لقد جرب الشعب الفلسطيني الانتفاضات وكلها فشلت؛ وذلك على الرغم من أن بعضها قد أزعج العدو وقض مضاجعه، وليس من المتوقع أن تنجز أي انتفاضة جديدة شيئًا؛ لأن الحركة الجماهيرية الاحتجاجية ليست ذات نمط تاريخي مستمر، وهي دائمًا بحاجة لقيادة تؤمن بالتضحية إذا كان للشعب أن ينجز شيئًا.
تتميز الثورة عن الانتفاضة في أنها ذات قيادة تعي ما تعمل، ولديها برنامج وأهداف واضحة، وتستطيع أن تتدبر شئونها المالية والنزلية (اللوجستية) بصعود وهبوط، وهي تستطيع الاستمرار والتصاعد في حشد همم الناس ودعمهم.
هناك ألف سبب وسبب يدعو الشعب الفلسطيني للثورة وحمل السلاح؛ الظلم والإذلال يمارَسان يوميًّا ضد الشعب الفلسطيني، والأعداء الداخليون والخارجيون يستهترون بهذا الشعب عمليًّا من خلال ممارساتهم اليومية.
جرب الشعب الفلسطيني انتفاضات في نهاية القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين؛ لكن تجربته ما زالت في الذاكرة وهي غير مشجعة.
وقد عانى من الإجراءات القمعية الصهيونية ومن جنوح العديد من شباب الانتفاضة نحو الرعونة وإلحاق الأذى بالناس، والناس في الضفة والقطاع يسمعون الآن تعليقات من قبل عدد من الشباب الأهوج حول ترقبهم للانتفاضة من أجل ممارسة الانفلات الأمني.
لقد أساء الانفلات الأمني للشعب وللقضية، ولا يرغب الناس في رؤية ذلك يتكرر بخاصة أن السلطة الفلسطينية ما زالت تحتفظ بهؤلاء المنفلتين الذين لا علاقة لهم بالوطن والوطنية.
هناك من يلوم السلطة الفلسطينية على تقاعسها؛ بل وعدم رغبتها في تغيير الأوضاع؛ لكن هذا اللوم ليس في مكانه؛ لأن السلطة وجدت لتؤدي دورًا معينًا خارج النضال الوطني الفلسطيني.
اللوم يقع على المقاومة الفلسطينية التي لم تنشط في الضفة الغربية على مدى عدة سنوات، وتركت الساحة لعربدة المستوطنين، حتى بات من الصعب على الفلسطيني التجوال في الطرقات الرئيسية في الضفة الغربية، في حين أن هذه الطرقات باتت مفتوحة أمام المستوطنين.
المهمة ليست سهلة؛ لكن القضية الفلسطينية تستحق الصمود والاستمرار في ملاحقة العدو، فلسطين أمانة في أعناق الفلسطينيين أولاً، والذين قدموا كل هذه التضحيات لا يعجزون عن رسم أفق جديد لفلسطين.
القدس عقيدة وحضارة - القدس عقيدة وحضارة - القدس عقيدة وحضارة - القدس عقيدة وحضارة - القدس عقيدة وحضارة
القدس عقيدة وحضارة
بقلم: د. علي عمر بادحدح
القدس عقيدة وحضارة دكتور علي بادحدحلا تزال قضية فلسطين هي قضية المسلمين الأولى؛ لارتباطها الوثيق بالعقيدة والإيمان، وصلتها الوثيقة بالمقدسات الإسلامية تاريخًا وحضارة.
ولا غرابة أن تحتل قضية فلسطين مكانًا أساسيًّا في البناء العقدي والتربوي والثقافي لكل مسلم؛ فالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية أكدت على قدسية الأرض المباركة في بيت المقدس وما حولها من أرض فلسطين.. فإلى القدس أسري بالنبي وأنزل الله في ذلك قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة؛ ليذكر المسلم دائمًا بصلة الأقصى والقدس بمكة المكرمة. وبالتين والزيتون في أرض القدس أقسم رب العالمين: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} [التين: 1- 3]؛ ليربط قدسية القدس بقدسية البلد الأمين وطور سينين، حيث بعث الله في كل واحد منها نبيًّا مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار.
وتزداد قدسية القدس في وجدان المسلم عندما يعلم أنها القبلة الأولى التي صلى إليها رسول الله طوال وجوده في مكة وما يزيد على ستة عشر شهرًا بعد هجرته إلى المدينة؛ فعن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله يحب أن يوجَّه إلى الكعبة، فأنزل الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]، فتوجه نحو الكعبة"[1].
والمسجد الأقصى هو ثاني مسجد بني على الأرض بعد البيت الحرام، وقد حثنا النبي على زيارته والصلاة فيه، وأخبرنا بمضاعفة الصلاة فيه خمسمائة ضعف، وعندما سئل عنه قال: "هو أرض المحشر وأرض المنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة". قلنا: يا رسول الله، فمن لم يستطع أن يتحمل إليه؟ قال: "من لم يستطع أن يأتيه فليهد إليه زيتًا يسرج فيه، فإن من أهدى إليه زيتًا كان كمن قد أتاه"[2]. وفي هذا الحديث دلالة قوية وعميقة بأنه لا تنقطع الصلة به، ولا يسقط الواجب إذا وجدت الحواجز، بل ينبغي أن يستمر الوصل والتواصل والقيام بخدمة الأقصى وصلته.
من خلال ذلك كله وغيره ندرك مكانة القدس وقدسيتها في قلب كل مسلم، وندرك أن ما يصيب القدس وأهلها من اغتصاب وتهويد إنما يمثل اعتداء على عقيدة الأمة جمعاء؛ حيث يدنس مقدساتها ويغير هويتها من خلال مؤامرة مدبرة تقوم بها حكومات الكيان الصهيوني المغتصب، تسعى من خلالها إلى تفريغ المدينة وتهجير سكانها الفلسطينيين وطمس المعالم العربية والإسلامية، وإحلال الوجود اليهودي مكانه.
بل إنها عملت على تكريس الأمر الواقع؛ ففي 30/7/1980م أعلن الكنيست الإسرائيلي أن القدس "عاصمة كيانهم بعد توحيد جزأيها الشرقي والغربي"، وتابعت سلسلة جرائم التهويد من خلال تنفيذ سلسلة لا حصر لها من الجرائم التهويدية في المدينة المقدسة على مدى العقود الأربعة السابقة، حيث تواصل مصادرة الأراضي بحجج واهية مزعومة؛ كعدم وجود تصاريح لبناء البيوت، أو الحاجة إلى هدمها لقيام مشاريع تطويرية للمدينة وغير ذلك، وأقامت الجدار العازل الذي يعتبر الخطر الأكبر على القدس، فهو الصياغة النهائية لتهويد القدس عبر عزلها جغرافيًّا وسكانيًّا واقتصاديًّا وحضاريًّا ودينيًّا عن الجسم الفلسطيني كله، يرافق ذلك جرائم هدم المنازل المقدسية، ومنع المقدسيين من البناء على أراضيهم، أو حتى منحهم تصاريح لترميم لبيوتهم حتى تتم إزالتها بحجج واهية تمثل قمة الغطرسة والهمجية الصهيونية.
ولم يكن المسجد الأقصى بمنأى عن ذلك كله، فقد وصلت إليه الأيدي الآثمة وأحرقته مرة، وحاولت تدنيسه مرات وما زالت تحاول، ولا تزال الحفريات الخطيرة والأنفاق مستمرة تحت مبانيه في مخطط جهنمي يسعى الصهاينة من خلاله لبناء خرافة هيكلهم المزعوم في ساحاته المباركة وتقاسمه مع المسلمين.
إن هذه الجرائم التي ترتكب في حق القدس والمسجد الأقصى أول القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، تستدعي من المسلمين أولاً ومن أحرار العالم أن يقفوا وقفة حازمة قوية تُوقِف هذا العدوان الغاشم، وترد الحق إلى نصابه، وتجدد صلة الأمة بمقدساتها في الأرض المباركة، وتحملهم المسئولية عن كل ما يجري في القدس والأقصى من جرائم، كلٌّ بحسب مسئوليته وقدرته ومكانته.
إن الدفاع عن المقدسات من أوجب والواجبات، وإن استرداد المغتصبات حق أقرته الشرائع والقوانين كلها، وإن العمل على ذلك من الجهاد الذي ينال به صاحبه الأجر العظيم عند الله تعالى.
ويا أهل المقدس، ويا حراس الأقصى، ويا أبناء الأرض المباركة في أكناف بيت المقدس، أبشروا؛ فقد آذن طول الليل ببزوغ الفجر، وإن النصر مع الصبر {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6]. ولكم بشارة نبوية مباركة يقول فيها الحبيب المصطفى ، والذي جعل فتح بيت المقدس علامة من علامات الساعة: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ"[3]. وفي بعض روايات الحديث عندما سئل عن مكانهم قال: "في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس". فأنتم -بإذن الله- ظاهرون منصورون لن يضركم من خذلكم، ولا من تآمر على حقوقكم ومقدساتكم.
أسأل الله تعالى لكم الصبر والثبات، وأن يوفقنا ويعيننا على القيام بواجباتنا تجاه المسجد الأقصى المبارك والقبلة الأولى والأرض المقدسة. اللهم آمين.
المصدر: موقع إسلاميات.
[1]رواه البخاري (384)، ومسلم (818).
[2]مسند أبي يعلى الموصلي 14/373، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2/34): رجاله ثقات.
[3] رواه مسلم (3544).