اليوم الأثنين
05\3\2012
الموافق
12\ربيع الثاني\1433.
مواقيت الصلاة حسب مدينة عمان وضواحيها:
الفجر - 4:35
الشروق - 5:58
الظهر -11:48
العصر -3:07
المغرب - 5:40
العشاء -6:57
وقد اعجب النبي-صل الله عليه وسلم-
من حال المؤمن فكان كل حاله خيراً
اذا اصابته ضراء صبر فكان خيراً له,
واذا اصابته سراء شكر فكان خيراً له,
أفلا تعلم من تفاؤل النبي فهو الخير وهو ما يدفعنا للاطمئنان في حياتنا...
ندوة نون هي صيغة قديمة جديدة، حيث يجتمع عدد من المهتمين وأهل الاختصاص لتدارس مجموعة من الآيات القرآنية الكريمة. في كل مرّة يكون، بفضل الله، هناك جديد، وفي كل مرّة تتجلى أهمية هذه الصيغة في تدارس القرآن الكريم، وفي كل مرة ينفض المجلس ولدى كل واحد من أعضاء الندوة شعور بالرضى، وأحياناً بالنشوة، فمتعة العلم والتفكير لا تساويها متعة، فكيف إذا كان العلم والتفكير يتعلقان بكتاب الله رب العالمين؟ .
يكون النقاش تفصيلياً، وكثيراً ما يقود هذا النقاش إلى وجوه جديدة في تفسير القرآن الكريم، ويغلب أن تتحصّل أفهام جديدة ترتكز إلى اللغة العربيّة، وما صحّ من الأحاديث، وتفسير القرآن بالقرآن، وتنطلق من فهم السلف والخلف الصالح من المفسرين. ونحن هنا عندما نستعرض بعض المسائل إنّما نهدف إلى التعريف بمنهجيّة الندوة، كما ونهدف إلى إثارة الدافعية لدى القارئ لتحقيق التواصل مع القرآن الكريم من أجل فهم أفضل لكتاب الله الحكيم.
يذهب جماهير المفسرين إلى أنّ يحيى، عليه السلام، قد قُتل. وهم يستندون في ذلك إلى القصة التي وردت في الأناجيل. والعجيب أنّ ذلك قد أصبح عند الكثير من المفسّرين من الأمور المسلّمة التي لا تحتمل النقاش ، على الرُّغم من أنه لم يصح في ذلك حديث. بل إنّ القول بمقتل يحيى، عليه السلام، يناقض ظاهر القرآن الكريم. وإليك بيان ذلك:
أولاً: جاء في الآية 15 من سورة مريم: " وسلامٌ عليهِ يوم وُلِدَ، ويوم يموتُ، ويوم يُبعثُ حياً "، فالآية القرآنية تُصرِّح بأنّ يحيى، عليه السلام، سيموت، وقد فرّق القرآن بين القتل والموت. ويظهر ذلك جلياً في قوله تعالى: " ولئن قُتلتم في سبيل الله أو مُتّم.." (آل عمران: 157)، وفي قوله تعالى: " وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خَلَت من قبلهِ الرسل، أفإن ماتَ أو قُتل..." ( آل عمران:144)، وفي قوله تعالى: " ولا تحسبنَّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً..." ( آل عمران:169). بل إنّ الآية الأخيرة تنهى عن وصف من قُتِل في سبيل الله بأنّه ميّت. فكيف يصف القرآن الكريم يحيى، عليه السلام، بأنه ميّت إذا كان قد قتل في سبيل الله؟!
ثانيـاً: في قوله تعالى: " وسلامٌ عليهِ يومَ وُلِد، ويومَ يموتُ..."، دليل أخر على أنه، عليه السلام، لم يُقتل، لأنّ القتل يتناقض مع السّلام الذي يحلُّ عليه من الله. فكيف يقول الله تعالى إنّ السلام عليه يوم يموت، ثم نقول نحن إنّه قد قتل؟!
ثالثـاً: اشتهر عند أهل التفسير أنّ زكريا ويحيى، عليهما السلام، قد قُتلا معاً، أو في وقت متقارب. وهذا القول يتناقض مع ظاهر قوله تعالى من سورة مريم: " وإني خِفتُ المواليَ من ورائي وكانت امرأتي عاقراً، فَهَبْ لي من لدنكَ وليّاً يرثني ويرثُ من آلِ يعقوب..."، إذ كيف يكون يحيى، عليه السلام، وارِثاً لزكريّا وقد قتلا معاً، أو في وقتين متقاربين، والله تعالى يقول في سورة الأنبياء: " فاستجبنا له ووهبنا له يحيى..." ؟! نعم، لقد طلب زكريّا، عليه السلام، في دعائه أن يهبه الله وليّاً يرثهُ ويرث من آل يعقوب فاستجيب له في يحيى، عليه السلام. وهذا يُشعر بطول لبث يحيى بعد أبيه، عليهما السلام.
رابعـاً: " يا زكريا إنّا نُبشّرُك بغلامٍ اسمهُ يحيى لم نجعلْ لهُ مِن قَبْلُ سَمِيّا "، والسّميُّ هنا إمّا أن يكون مثيلاً في الاسم، أو مثيلاً في الصفة. فإذا كان السَّميّ هو المماثل في الاسم، فما ميزة أن يتفرد إنسان باسمٍ ما؟! وإذا كان السّميّ هو المماثل في صفة أو أكثر، فما هي هذه الصّفة، أو الصفات، التي تميَّز بها يحيى، عليه السلام، فكان هو أول من يتصف بها؟! وفي محاولة للإجابة عن هذا التساؤل نقول:
يستخدم الناس الأسماء لتمييز الأفراد بعضهم عن بعض، ولا يتم اختيار الأسماء عشوائياً، بل يعمد أغلب الناس إلى اختيار أسماء لها دلالات مُحببة لديهم، ومن ذلك أن يكون الاسم دالاً على صفة إيجابية. وعلى الرُّغم من ذلك فإنّ هناك الكثير من الأسماء التي لا تشير إلى صفات. أمّا أسماء الخالق سبحانه، والتي سمّى بها نفسه، فإنّها أيضاً صفات، فكل اسم منها يدل على صفة؛ كسميع، وعليم، وحكيم...، ولا مجال هنا للفصل بين الاسم والصفة.
عندما يُسمّي الله نبياً من الأنبياء فعلينا أن نتوقّع أن يدل هذا الاسم على صفة. فعلى سبيل المثال، سمى الله تعالى عيسى، عليه السلام، المسيح عيسى ابن مريم، ولا بد لذلك من سر. وسمّى سبحانه الرسول، عليه السلام، محمداً وأحمد. وسمى يحيى، عليه السلام، بهذا الاسم قبل أن يولد ليدل على صفة بارزة فيه، كيف لا، والله تعالى يقول:" لم نجعل له من قبل سميّا"، واضح أنّ الآية تشير إلى تفرّده، عليه السلام، بصفة لم يسبقه إليها أحد من البشر، فما هي هذه الصفة، ولماذا أشار إليها القرآن الكريم؟
قد تكون هذه الصفة متعلقة بما ورد من أنّ يحيى، عليه السلام، لم يهم بمعصية قط. ولكن هذه الصفة لا تظهر في الاسم يحيى. والذي نراه أنّ الصفة التي تميّز بها، عليه السلام، ظاهرة في هذا الاسم الذي نزل به الوحي؛ فعندما سمّاه الله تعالى يحيى نتوقّع أن تتضمّن هذه التسمية الإشارة إلى السّر الذي يجعله، عليه السّلام، يتميّز عن غيره ممن سبقه. وإذا كان اسم كإبراهيم أو إسماعيل أو إلياس واضح العُجمة، فإن اسم يحيى لا يستشكل أنّه عربي، وعلى وجه الخصوص كصفة، وإن ذهب البعض إلى غير ذلك. وعليه فإنّ الصّفة التي تَميّز بها يحيى، عليه السلام، عن غيره ممن سبقه أنه يحيا وتطول به الحياة، أو أنّه يقوم بعد الموت ويحيا. ومعلوم أنّه لم يُنقل أنّه طال به العمر، أمّا قيامته فقد جاء في الإنجيل، الذي هو في أيدي النصارى اليوم، أنّ هيرودس شكّ أنّ يحيى، الذي يٌسمّى في الأناجيل يوحنّا المعمدان، قد قام من الأموات: " هذا هو يوحنا المعمدان ، وقد قام من بين الأموات...". وهذا الكلام لا يُركن إليه، ولكن ورودهُ يثير التفكير. وقد ورد في الأناجيل أيضاً عبارة عجيبة تُنسب إلى المسيح: " وإن شئتم أن تُصدّقوا، فإن يوحنّا هذا هو إيليا الذي كان رجوعه منتظراً، ومن له أذنان فليسمع! ". إلا أنه معلوم أنّ العُزير، الذي سبق يحيى عليه السلام بقرون، قد بُعث حيّاً، ومن هنا لا يتميّز يحيى، عليه السلام، عمّن سبقه بالرجوع إلى الحياة من بعد موت. وقد يُشكِّك البعض في صحة القول بأنّ الذي مر على قرية، وورد ذكرهُ في الآية 259 من سورة البقرة، هو العزير، وأنّه كان قبل زمن يحيى عليه السلام بقرون، ولكن لا مجال للشك في قيامة جماعة من بني إسرائيل في عهد موسىُ عليه السلام: " ثمّ بعثناكم من بعدِ موتكم لعلكم تشكرون " (البقرة: 56). وعليه لا يكون المقصود باسم يحيى أنّه الذي يقوم بعد الموت، لأنّ هناك من البشر من سبق له أنْ بُعث من بعد الموت، وهذا لا يجعل يحيى، عليه السلام، متميّزاً على غيره كما هو ظاهر الآية الكريمة: "لم نجعل له من قبل سميّا". فما معنى يحيى إذن؟!
تشابه مُلهِم
بقلم: بسام جرار
في المقال السابق تحدثنا حول الاسم يحيى، ووضعنا القارئ الكريم أمام سؤال: ماذا يعني الاسم يحيى، وما السرّ في تسمية النبي الكريم بهذا الاسم؟! وقد يكون من التسرّع أن نبادر إلى إعطاء وجهة نظر في هذا الأمر، ولكننا في هذه العُجالة سنلفت الانتباه إلى بعض وجوه الشبه بين يحيى وعيسى، عليهما السلام، مما قد يساعد في الوصول إلى السّر من وراء هذه التسمية.
تُستهل سورة مريم بالحديث عن زكريا، عليه السّلام، وعن دعائه وطلبه أن يهبهُ اللهُ وليّاً يرثه في دعوته الصالحة. وتُصوّر لنا الآيات الكريمة دهشته عندما بُشّر بالولد الذي اسمه يحيى؛ جاء في الآية 8 من سورة مريم:"قال ربّ أنّى يكونُ لي غلامٌ وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغتُ من الكِبَر عِتيّاً".
واللافت هنا أنّ هذه الدهشة قد اعترت مريم، عندما بُشّرت بعيسى، عليهما السّلام، جاء في الآية 20 من سورة مريم: "قالت أنّى يكونُ لي غلام ولم يمسسني بشرٌ ولم أكُ بغيّاً". ونلاحظ هنا التماثل في التعبير عن الدهشة: "... أنّى يكونُ لي غلامٌ ". وكذلك نلاحظ التماثل في الإجابة عن هذا التساؤل، جاء في الآية 9 من السّورة:" قال كذلكَ قال ربّكَ هو عليَّ هيّن..."، وجاء في الآية 21:" قال كذلِكِ قال ربُّكِ هو عليَّ هيّن...".
جاءت البشرى أولاً بيحيى، فكانت مفاجِئة لزكريا، عليه السلام، وكانت التسمية مِن قِبلِ الوحي قبل ميلاد يحيى، عليه السلام. وكذلك الأمر في عيسى، عليه السلام؛ فقد جاءت البشرى بميلاده مفاجئة لمريم، عليها السلام، وكانت تسميته مِن قِبل الوحي أيضاً.
كان ميلاد يحيى، عليه السّلام، مخالفاً للمألوف، فقد ولدته أمٌّ عاقر. وكان ميلاد عيسى، عليه السلام، على خلاف المألوف أيضاً، فقد ولدته عذراء لم يمسّها بشر. وهذا تشابه لافت متعلّق بميلاد أولاد الخالة.
جاء في الآية 10 من سورة مريم، على لسان زكريا، عليه السّلام: "قال ربّ اجعل لي آية، قال آيتُكَ ألا تُكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويّا"، وجاء في حق مريم، عليها السلام، في الآية 26 من السورة:"... فإمّا تَريِنَّ من البشرِ أحداً فقولي إنّي نذرتُ للرحمن صوماً فلن أُكلّم اليومَ إنسيّاً"، وجاء في الآية 11 من السورة:" فخرجَ على قومهِ مِنَ المِحرابِ فأوحى إليهم أنْ سَبِّحوا بُكرةً وعشيّاً"، لقد تمّ الأمر بإشارة ولم يتكلم زكريّا، عليه السلام. وكذلك الأمر في قصة مريم، عليها السلام. انظر الآية 29 من السورة:"فأشارتْ إليهِ قالوا...". جاء في حقّ يحيى، عليه السّلام، وذلك في الآية 14 من السورة :"وبرّاً بوالديه ولم يكن جباراً عصيّاً". وجاء في حق عيسى، عليه السّلام:"وبرّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقيّاً". وهنا نلاحظ الآتي:
1. ليس من أساليب المدح أن ننفي عن الممدوح الصفات السلبيّة، وهنا تمّ نفي الجبروت والعصيان والشقاوة. فلماذا ؟
2. تاريخيّاً لم يتَّهم أحدٌ من النّاس عيسى أو يحيى، عليهما السّلام، بالجبروت، بل على النقيض من ذلك فقد وصف عيسى بأنّه رسول السلام، وكذلك الأمر فيما يتعلّق بسيرة يحيى، عليهما السّلام.
الذي نراه أنّ في ذلك نفياً لتُهم ستكون في المستقبل. وهذا مفهوم بالنسبة إلى عيسى وليس بمفهوم بالنسبة إلى يحيى، عليهما السّلام؛ فقد تواترت الأحاديث الدّالة على نزول عيسى، عليه السّلام، في آخر الزمان. وصحّ في الأحاديث أنه يحكم أربعين سنة، وورد أنه لا يَقبلُ إلا الإسلام، وبالتالي لا يقبلُ الجزية من أهل الكتاب. ومثل هذا الأمر قد يَحمِلُ المخالفين على اتهامه بالجبروت، أي أنّ صورته عند غير المؤمنين ستختلف؛ فبعد أن كان عندهم رمزاً للسلام يُصبِح في نظرهم رمزاً للجبروت.
أما يحيى، عليه السّلام، فلم يمارس جبروتاً، فمن أين ستأتي هذه التهمة؟! ومثل هذه الملاحظة تجعلنا نعيد النظر في فهم صفة الحَصُور الواردة في حق يحيى، عليه السّلام. جاء في الآية 39 من سورة آل عمران:"فنادتهُ الملائكةُ وهو قائمُ يُصلّي في المحرابِ أنّ الله يُبشرُك بيحيى مُصدِّقاً بكلمةٍ من الله وسيّداً وحَصُوراً ونبيّاً من الصالحين". وكلمة حَصُور هي على وزن فعول. وقد ذهب الكثير من المفسرين إلى أنّها على معنى مفعول، أي محصور وممنوع من إتيان النساء. والذي نراه أنّ الأقرب إلى ظاهر اللفظ أن نقول إنه حاصر لأعدائه، ويؤيّد هذا وصفهُ بأنه سيد:"وسيداً وحَصُوراً"، فهو يسود قومه ويحصر أعداءه، الذين هم أعداء الحق. وهنا يثور سؤال: لم يُروَ في التاريخ أنّ يحيى، عليه السلام، قد حصر أعداءه، فمتى يكون ذلك إذن؟!
جاء في حقّ يحيى، عليه السلام:" وبَرّاً وبوالديه..."، وجاء أيضاً: " وسلامٌ عليه يومَ وُلِد ويوم يموتُ ويوم يُبعثُ حيّاً ". أمّا ما يُقابلهُ، مما جاء في حقّ عيسى، عليه السلام، فهو:" وبَرّاً بوالدتي..."، وجاء أيضاً:" والسلام عليَّ يومَ وُلِدتُ ويوم أموتُ ويوم أُبعثُ حيّاً ".
الدارس لأحاديث المعراج يلاحظ أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد التقى في كلّ سماءٍ من السماوات السّبع برسول واحد إلا ما كان في السماء الثانية فقد التقى فيها بعيسى ويحيى، عليهما السّلام. فلماذا هذا كله، وإلى ماذا يشير؟
لم نقصد هنا أن نعطي الإجابة عن هذه التساؤلات، وإنما قصدنا إثارة الدافعيّة لدى القارئ ليتابع مثل هذه الملاحظات وغيرها، فالقرآن مليء بالحِكم والأسرار، وعندما نتدبّرهُ بمنهجية سويّة يعطينا من وافر حِكَمه وأسراره. ولعلنا، في مقام آخر، أن نقوم ببسط وجهة نظرنا في هذه المسالة الجليلة.