سن الأربعين وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم - سن الأربعين وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم - سن الأربعين وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم - سن الأربعين وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم - سن الأربعين وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم
سن الأربعين وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم
إذا تأملنا في بعث النبي على رأس سنِّ الأربعين فيتَّضح لنا على سبيل اليقين أنَّ سنَّ الأربعين له أهميَّةٌ خاصَّةٌ في حياة الإنسان بشكل عام؛ حتى إنَّ الله عزَّ وجلَّ ذكره على وجه التخصيص في كتابه الكريم حين قال: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المـُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15]، فهذا التمام في العقل، وهذا النضوج في الأخلاق، وهذا العمق في الرؤية، وهذه القدرة على فهم الأمور فهمًا صحيحًا، بدأت عند سنِّ الأربعين.
ولكن يلفت الأنظار هنا أنَّ رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى هذه اللحظة -مع ما كان يتميَّز به من الشرف والمكانة والأخلاق الحميدة والحكمة- لم يكن يحمل دورًا قياديًّا في مكة، وكانت أمور مكة تُدار ببعض الرجال الآخرين من قبائل مختلفة، لم يكن من بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى إنَّ الممثِّل لبني هاشم في قيادة مكة كان عمُّه أبو طالب، وهذا بالطبع لعوامل السن، وعوامل القيادة في بني هاشم ذاتها.
لكن النقطة التي أُريد أن ألفت لها الأنظار أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سنِّ الأربعين سيبدأ لا أقول في قيادة مكة وحدها، أو قيادة العرب؛ بل سيبدأ في قيادة الدنيا بكاملها، وهنا لفتةٌ لكلِّ المسلمين الذين يقرءون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّه ينبغي ألَّا يظن أحدٌ أنَّه إذا فات من عمره أربعون سنة أنه قد مضى به قطار العمر؛ فقد يكون أمامك خطواتٌ يُمكن أن تُغيِّر بها خريطة الدنيا.
وقفات مع النفس عند سن الأربعين
فينبغي لكلِّ من وصل إلى هذه السنِّ أن يقف مع نفسه وقفات، وينظر ماذا فعل في المدَّة التي سبقت من عمره؟ وماذا هو فاعلٌ في المرحلة المتبقِّية؟ مع العلم أنَّ الفترة المتبقِّية قد تحمل فيها من الخير والصلاح للنفس وللمجتمع وللأرض بكاملها أضعاف أضعاف ما حملته الفترة السابقة؛ لأنَّ الإنسان قد اكتمل عقله، وكثرت خبراته، وتعمَّقت رؤيته، وبذلك يُمكن أن يُحدِث أثرًا كبيرًا في الحياة الدنيا بعد هذه السن.
ووقفةٌ كذلك مع المدَّة التي سبقت البعثة، وهي مدَّة أربعين سنةً كاملة، وهي مدَّةٌ كبيرةٌ للغاية بالقياس إلى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه بذلك صارت مدَّة النبوَّة ثلاثًا وعشرين سنةً فقط، وهذا يُوضِّح لنا أهميَّة الإعداد والتأنِّي في التربية؛ فقد كان من الممكن أن يُعَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عامٍ أو في يوم؛ لكنَّ الله عزَّ وجلَّ يُعَلِّمنا كيف تكون السُّنن، وكيف يكون إعداد الدُّعاة للقيام بالمهامِّ الكبرى، فكانت هذه الفترة المهمَّة في حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم.
د . راغب السرجاني
لماذا كانت بعثة النبي عند الأربعين؟ - لماذا كانت بعثة النبي عند الأربعين؟ - لماذا كانت بعثة النبي عند الأربعين؟ - لماذا كانت بعثة النبي عند الأربعين؟ - لماذا كانت بعثة النبي عند الأربعين؟
لماذا كانت بعثة النبي عند الأربعين؟
أ.د. راغب السرجاني
رؤية وتحليل من الدكتور راغب السرجاني حول مسألة مبعث النبي صلى الله عليه وسلم عند سن الأربعين، فما الحكمة في ذلك؟ لماذا كانت بعثة النبي عند الأربعين؟
جاءت اللحظة التي سيلتقي فيها جبريل عليه السلام مع رسولنا صلى الله عليه وسلم للمرَّة الأولى، وكان هذا في رمضان من السنة الأولى من البعثة، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر أربعين سنة، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ" [1].
هذه الرواية حدَّدت مددًا معيَّنَة لكل فترة من فترات حياته صلى الله عليه وسلم، فهناك أربعون سنة مرَّت عليه قبل البعثة، وهناك ثلاث عشرة سنة بمكة، وعشر سنوات بالمدينة، ثم توفي بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والبعض قد يظن أن هذه أرقام تقريبية؛ لأن جبريل عليه السلام جاء في رمضان؛ بينما نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وُلِدَ في ربيع الأول [2]، وبهذا يكون في حساب البعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر -أعني شهر رمضان الذي جاء فيه جبريل عليه السلام- قد تجاوز الأربعين بستة أشهر، وتُصبح فترة مكة في هذا الحساب ثلاث عشرة سنة ونصف؛ لأنه هاجر في ربيع الأول من السنة الرابعة عشرة من البعثة؛ بينما تبقى فترة المدينة عشر سنوات كاملة؛ لأنه مات في ربيع الأول كذلك من العام الحادي عشر من الهجرة.
وواقع الأمر أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان دقيقًا جدًّا في حسابه؛ لأنه أدخل فترة الرؤيا الصادقة في الوحي، ونصُّ عائشة رضي الله عنها في البخاري يُؤَكِّد أنها داخلة فيه؛ حيث قالت: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ"[3].
وقد بدأت هذه الفترة قبل رمضان بستة شهور، أي في ربيع الأول، وبذلك تُصبح النبوَّة عند سن الأربعين تمامًا، وهذا دليل جديد على أن فترة الرؤيا الصادقة كانت ستة أشهر، وهذا تُؤَكِّده رواية أنس بن مالك رضي الله عنه في البخاري كذلك: "بَعَثَهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً"[4]. فكلمة أنس رضي الله عنه هذه: "عَلَى رَأْسِ". تُوَضِّح أن البعثة كانت بعد تمام الأربعين مباشرة (أي وهو يبدأ عامه الواحد والأربعين).
ومن الثابت أن قدوم جبريل عليه السلام كان في رمضان؛ إذن أول البعثة التي كانت على رأس أربعين سنة كانت في ربيع الأول عندما بدأت مرحلة الرؤيا الصادقة؛ وبذلك تُصبح فترة مكة ثلاث عشرة سنة تمامًا؛ لأن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في ربيع الأول، وكذلك فترة المدينة عشر سنوات كاملة، ويُصبح عمر الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وستين سنة كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
ثم إن لنا وقفة مع بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سن الأربعين:
من الواضح أن سن الأربعين له أهمية خاصة في حياة الإنسان؛ حتى إن الله عز وجل ذكره على وجه التخصيص في كتابه الكريم حين قال: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15]، فهذا التمام في العقل، وهذا النضوج في الأخلاق، وهذا العمق في الرؤية، وهذه القدرة على فهم الأمور فهمًا صحيحًا، بدأت عند سن الأربعين.
ولكن يلفت الأنظار هنا أن رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى هذه اللحظة -مع ما كان يتميَّز به من الشرف والمكانة والأخلاق الحميدة والحكمة- لم يكن يحمل دورًا قياديًّا في مكة، وكانت أمور مكة تُدار ببعض الرجال الآخرين من قبائل مختلفة، لم يكن من بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى إن الممثِّل لبني هاشم في قيادة مكة كان عمُّه أبو طالب، وهذا بالطبع لعوامل السن، وعوامل القيادة في بني هاشم ذاتها.
لكن النقطة التي أُريد أن ألفت لها الأنظار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سن الأربعين سيبدأ لا أقول في قيادة مكة وحدها، أو قيادة العرب، بل سيبدأ في قيادة الدنيا بكاملها، وهنا لفتة لكل المسلمين الذين يقرءون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه ينبغي ألا يظن أحد أنه إذا فات من عمره أربعون سنة أنه قد مضى به قطار العمر؛ فقد يكون أمامك خطوات يمكن أن تغير بها خريطة الدنيا.
فينبغي لكل من وصل إلى هذه السن أن يقف مع نفسه وقفات، وينظر ماذا فعل في المدة التي سبقت من عمره؟ وماذا هو فاعل في المرحلة المتبقية؟ مع العلم أن الفترة المتبقية قد تحمل فيها من الخير والصلاح للنفس وللمجتمع وللأرض بكاملها أضعاف أضعاف ما حملته الفترة السابقة؛ لأن الإنسان قد اكتمل عقله، وكثرت خبراته، وتعمَّقت رؤيته، وبذلك يمكن أن يُحدث أثرًا كبيرًا في الحياة الدنيا بعد هذه السن.
ووقفة كذلك مع المدَّة التي سبقت البعثة، وهي مدة أربعين سنة كاملة، وهي مدة كبيرة للغاية بالقياس إلى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بذلك صارت مدَّة النبوة ثلاثًا وعشرين سنة فقط، وهذا يوضح لنا أهمية الإعداد، والتأنِّي في التربية؛ فقد كان من الممكن أن يُعَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام أو في يوم؛ لكن الله عز وجل يُعَلِّمنا كيف تكون السنن، وكيف يكون إعداد الدعاة للقيام بالمهامِّ الكبرى، فكانت هذه الفترة المهمَّة في حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم.
والحق أن هذه الفترة تحتاج إلى دراسة خاصة، وأتمنى أن أُفْرِد لها كتابًا منفردًا بإذن الله تعالى، يتناول حياته صلى الله عليه وسلم منذ وُلد إلى أن وصل إلى لحظة الوحي، وأنا على يقين أننا سنُخرج منها كنوزًا شتى، وعِبَرًا لا تحصى، في كيفية إعداد الدعاة وتربيتهم، حتى يصلوا إلى المستوى الذي يمكن أن يحملوا فيه أمانة تبليغ هذا الدين.
[1] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، (3689)، وأحمد (3517).
[2] قال الصوياني: كونه ولد في شهر ربيع الأول هو الصحيح، فقد ورد في ذلك حديثان يقوي بعضهما بعضًا، الأول: عند ابن أبي شيبة وفيه انقطاع (سيرة ابن كثير 1/199)، والآخر رواه مالك وعقيل ويونس وهو مرسل محمد بن جبير بن قطع، (سيرة ابن كثير 1/199)؛ لكن تحديد أي يوم هل هو الثامن أو الثاني عشر من ربيع، فلم أعثر على خبر صحيح يحدده؛ لكن ابن كثير يقول: إن جمهور العلماء يرجحون يوم الثاني عشر، لكن ترجيحهم يبقى دون سند صحيح. الصوياني: السيرة النبوية 1/24.
[3] عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ جَاءَهُ المَلَكُ، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 1 - 4]". البخاري: كتاب التفسير، سورة العلق، (4673).
[4] البخاري: كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (3355)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وسنه، (2347).
مئوية القارئ الباكي الذي حماه القرآن من عبدالناصر - مئوية القارئ الباكي الذي حماه القرآن من عبدالناصر - مئوية القارئ الباكي الذي حماه القرآن من عبدالناصر - مئوية القارئ الباكي الذي حماه القرآن من عبدالناصر - مئوية القارئ الباكي الذي حماه القرآن من عبدالناصر
مئوية القارئ الباكي الذي حماه القرآن من عبدالناصر
الإثنين 21/يناير/2019
السبيل
مرّت أمس الأحد ذكرى مئوية ميلاد الشيخ الراحل محمد صديق المنشاوي بما لا يليق بعلم من أعلام "القرآن الكريم" في العصر الحديث، فلم يتذكره في بلده مصر إلا القليل، كما امتد التجاهل إلى بقية العالم الإسلامي الذي بات مشغولا بنوائب الحاضر.
عاش الشيخ عمرا قصيرا نسبيا بالمقارنة بتأثيره الهائل، إذ ولد في قرية البواريك التابعة لمدينة المنشأة بمحافظة سوهاج (جنوب القاهرة) في العشرين من يناير/كانون الثاني (مع اختلاف حول عام الميلاد بين 1919 و1920)، ورحل يوم 20 يونيو/حزيران 1969 عن نحو خمسين عاما وأشهر عدة، بعد أن ترك تسجيلات، قال متخصصون إنها لأفضل من رتل القرآن الكريم في مخارج الحروف والطبقات وجودة الصوت.
وكما ترك الشيخ قراءات تليق بجلال القرآن الكريم، أبقى أيضا مواقف تليق بكرامة حافظ كتاب الله، ولعل من أبرزها رفضه مقابلة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في البداية، رغم ما اشتهر الأخير به من تعامل بقسوة مع رافضي أوامره، ولعل إجلال الأخير لكتاب الله هو ما منعه من التعرض للشيخ.
الخلاف مع عبد الناصر
ذهب أحد وزراء حكومة عبد الناصر إلى المنشاوي في أوج انتشار قراءات الأخير للقرآن الكريم، وأيضا في عنفوان دولة الرئيس الراحل، قال الوزير للشيخ "سيكون لك الشرف الكبير بحضورك حفلا يحضره الرئيس عبد الناصر"، فأجابه المنشاوي "لماذا لا يكون هذا الشرف لعبد الناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوي؟".
وعندما سُئل المنشاوي عن سبب رفضه التلاوة أمام عبد الناصر، قال "لقد أخطأ عبد الناصر حين أرسل أسوأ رسله إلي"، وامتنع الشيخ عن ذكر اسم مندوب الرئيس إليه.
سار المنشاوي على درب قدوته الشيخ محمد رفعت الذي عاش حياته تحت شعار "قارئ القرآن لا يهان"، ولذلك رفض المنشاوي الذهاب لمبنى الإذاعة المصرية عندما دُعي إلى حضور امتحان للقبول بها، قائلا "لا أريد القراءة بالإذاعة، لست في حاجة إلى شهرتها ولا أقبل أن يُعقد لي هذا الامتحان".
ولما كانت شهرة الشيخ قد ذاعت في عموم مصر كلها، فقد أرسل مدير الإذاعة إليه مندوبا للحصول على التسجيل، حيث كان يقرأ في قريته خلال شهر رمضان الموافق لعام 1953، وتم اعتماده بالإذاعة بناء على هذا التسجيل، ثم ذهب إلى الإذاعة لاحقا لإكماله.
تسجيل القرآن للإذاعة
يُروى أن عبد الناصر كان يحب صوت المنشاوي، وطلبه للقراءة في مأتم والده بالإسكندرية، وبعد انتهاء العزاء دعا عبد الناصر الشيخ للمبيت في الغرفة المجاورة، وفي الصباح دعاه لترتيل آيات من الذكر الحكيم، ويقال إنه طلب بعدها من المسؤولين بالإذاعة تسجيل القرآن الكريم كاملا مرتلا بصوت المنشاوي، وهو التسجيل الذي طاف العالم ويتداوله حتى الآن الصغار والكبار.
كما سجل المنشاوي القرآن الكريم مجوّدا أيضا، وله قراءة مشتركة مع الشيخين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي للمصحف برواية الدوري عن أبي عمرو، فضلا عن مئات القراءات في الحفلات والمناسبات المختلفة.
من صعيد مصر للعالمية
والد الشيخ محمد صديق المنشاوي كان أحد أعلام قراءة القرآن الكريم في صعيد مصر خاصة، وكذلك شقيقه محمود، وقيل جميع الأشقاء الرجال، ومن بعدهم الشيخ صديق محمود صديق المنشاوي نجل شقيقه.
أتم محمد صديق المنشاوي حفظ القرآن الكريم في عمر ثماني سنوات على يد أبيه، ثم ارتحل إلى القاهرة ليستكمل علوم القرآن الكريم على يد أبرز مشايخ الأزهر الشريف الشيخ محمد أبو العلا والشيخ محمد سعودي، وبعدها جاب صعيد مصر، فعرف بجمال الصوت وتقريب معاني القرآن في عموم مصر وخارجها.
قرأ المنشاوي لاحقا في معظم الدول العربية والإسلامية، حيث قرأ في المسجد الأقصى في القدس الشريف، وفي الكويت وليبيا والجزائر والعراق والسعودية وبريطانيا، وفي سوريا التي منحته وسام الاستحقاق، كما منحته إندونيسيا أحد أرفع أوسمتها.
خلال رحلة شهرته التي جابت الآفاق، أصيب الشيخ في العام 1966م بمرض "دوالي المرئ" الذي لم يمنعه من قراءة القرآن الكريم، حتى توفاه الله يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ، الموافق 20 يونيو/حزيران 1969.
كرّمته مصر بعد وفاته في احتفالات ليلة القدر بمنحه وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، واختير قارئ القرآن الأول في القرن العشرين في عدد من الدول، كما عرف بلقب "القارئ الباكي".
تزوج الراحل من زوجتين، أنجبت الأولى له 4 أولاد وابنتين، في حين أنجبت له الثانية 4 أولاد ومثلهم من البنات، علما بأنها توفيت أثناء أدائها فريضة الحج قبل عام من وفاة الشيخ.
قالوا عن المنشاوي
طُلب من الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي إبداء رأيه في صوت الشيخ، فقال "من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت المنشاوي. إنه ورفاقه الأربعة (محمود خليل الحصري ومصطفى إسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمود علي البنَّا) يركبون مركبا، ويبحرون في بحار القرآن الزاخرة، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله ومن عليها".
أما الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب فقال عنه "في تقديري، إنه يمكن التعليق على أي قارئ من القراء إلا المنشاوي الذي يمثل حالة استثنائية يحار أمامها الذائق الفاهم، من يتأمل مخارج الحروف عنده يصعب أن يجد لها وصفا، وذلك لما منحه الله من حنجرة رخيمة ونبرة شجية تلين لها القلوب والجلود معا".
ويستكمل عبد الوهاب رأيه في المنشاوي قائلا "ويتجلى ذلك عند ختامه للتلاوة، فتراه يستجمع كل إبداع التلاوة في آخر آيتين، بحيث يجعلك تعيش معه أشد لحظات الخشوع على الإطلاق! وما عليك إلا أن تتأمل استرساله ما بين السرعة والتلقائية العجيبة، كما في سورة الإسراء، وبين الهدوء وخفض الصوت كما في سورة العلق، عند قراءته (كلاَّ إنَّ الإنسان ليطغى أنْ رآه استغنى، إنَّ إلى ربك الرجعى)".
سفانة بنت حاتم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
سفانة بنت حاتم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم - سفانة بنت حاتم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم - سفانة بنت حاتم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم - سفانة بنت حاتم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم - سفانة بنت حاتم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
سفانة بنت حاتم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
د. علي العتوم
(حدَّثَ الإمامُ علي كرَّمَ اللهُ وجهه، قال: لَمّا أتَينا بسبايا طَيِّء، كانت في النساءِ جاريةٌ جميلةٌ -وهي سفّانةُ بنتُ حاتمٍ- فلمّا رأيتُها أُعجِبتُ بها، فقلتُ: لأطلبنَّها إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم، ليجعلها من فيئي، فلمّا تكلَّمَتْ أُنسِيتُ جمالَها لِمَا سمعتُ من فصاحتها، فقالت:
يا محمّد هَلَكَ الوالدُ، وغابَ الوافِدُ، فإنْ رأيتَ أنْ تُخلِّيَ عنِّي، فلا تُشمِتَ بِيَ أحياءَ العربِ، فإنّي بنتُ سيِّدِ قومي. كان أبي يفكُّ العانِيَ ويحمي الذِّمارَ، ويقرِي الضيفَ، ويُشبِعَ الجائعَ، ويُفرِّجَ عن المكروبَ، ويُطعِمُ الطعامَ، ويُفشِي السلامَ، ولم يَرُدَّ طالبَ حاجةٍ قَطُّ، أنا بنتُ حاتم طيِّء.
فقال لها رسول الله صلى اله عليه وسلّم: يا جارية هذه صفةُ المؤمنِ، لو كان أبوكِ إسلاميّاً لترحمنا عليه، خلُّوا عنها، فإنَّ أباها كان يُحِبُّ مكارِمَ الأخلاقِ، واللهُ يحبُّ مكارِمَ الأخلاقِ).
جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة الجزء الأول، تأليف أحمد زكي صفوت (الحلبي)، ص (169 ، 170)، رقم الخطبة (24)، الأصل خطّ الأغاني 16/93 .
تعليقات:
1. التعريف:
سفانة: هي بنت حاتم الطائي أُخت عَدي. أسلَمَتْ بعدَ سبْيِها هذا، وذهبتْ إلى أخيها عدي الفارّ من جيش المسلمين إلى الشام، ودعتْه إلى الإسلام، فَقَدِمَ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وأسلم. وكانت سفّانةُ امرأةً فصيحةً جميلةً. وكانت قد قالت لأخيها وهي تدعوه للذهابِ إلى الرسول ليُسلِم: اقدُمْ عليه ولا تخفْ، فإنْ كان مَلِكاً فلنْ تَذِلَّ في عِزِّ اليمن، لأنَّ طيِّئاً يمنيّة، وإنْ كانَ نبيّاً فللسابق إليه فضلُه.
2. المعاني:
سبايا طيِّء: من غارة المسلمين على ديارهم، جمع سبيّة، وهي المرأة التي تُؤْسَرُ وتُعامَل رَقِيقاً، كما كان معمولاً به عند الأُمم آنذاك. جارية: فتاة. فيئي: نصيبي من الغنائم. الوالد: أبوها حاتم. الوافِد: الذي يَفِدُ بحاجات أهله إلى الملوك والرؤساء، وتقصد هنا أخاها عديّاً. تُخلِّيَ عني: تُطْلِقَ سراحي. تُشمِت بِيَ الأعداء: تجعلهم يشتفونَ عليّ. العاني: الأسير والجمع عُناة.
3. ما يستفاد من الأثر:
أ- كان معظمُ العرب قبل الإسلام على دينِ إبراهيم الحنيفية، وإنِ انحرفوا عنه فأشركوا وأضحوا جاهليِّين دينُهم هواهم، في حين كان بعضهم على غيرِ ذلك يهوديّاً أو نصرانيّاً، وإنْ كانت النصرانيةُ فيهم أكثرُ بكثيرٍ من اليهودية. ومِمَّنْ كان على دين النصرانية عَدِيَّ بن حاتم أخا سفّانة هذه، ولذلك عندما غزا الرسول ديارَهم، هربَ إلى ديارِ أهلِ دينه في الشام. وكما أقرَّ هو بهذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّلَ قدومه عليه، وأنّه على دين النصرانية وبالأدق الركوسية وهي دين بين النصرانية والصابئة.
ب- كان حاتم من رجالات العرب المعدودين كَرَماً وفروسيّةً وشاعريّةً وسيادة. وهي أخلاق المروءة التي امتدحَها الرسول فيه. وهو - وإنْ كان على الشرك - فقد تركَ وراءَه ذكراً جميلاً ما زالَ حتَّى الآن يُعطي عنه صورةً جِدَّ رائعة، لأجلها أطلقَ الرسولُ سراحَ ابنته سفّانة التي وَقَعَتْ في أسرِ المسلمين، فأطلقَ سراحها لهذه الخِلال الكريمة في أبيها. وحاتم وإنْ ماتَ مُشرِكاً، فقد قَدَّرَ سبحانه أنْ يخرُجَ من شجرته الناضِرة غصنان كريمان في حديقة الإسلام الغنّاء هما سفانة وعدي.
ج- يُضَنُّ بالمرأة وخاصّةً إذا كانت مسلمة أنْ تُسافِرَ وحدَها خوفاً من الاعتداءِ عليها، لذلك عندما مَنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على سفانة بفكاكِ قيدِها، وطلبتْ منه أنْ تلحقَ بأخيها في الشام، طَلَبَ منها أنْ تتريَّثَ حتى يَمُرَّ بها من العرب من يُوثَقُ به لتُسافِرَ معهم، فكانَ أنْ جاءَ نفرٌ من بَلِي، فأَذِنَ لها بالسفرِ معهم.
د- خِصال حاتم الكريمة التي كان يتميّزُ بها في العرب والتي عدَّه بعضهم لأجلها أحدَ ملوكِ قومه، وعدَّها رسول الله صلى الله عليه وسلّم من صفات الإيمان، وأنْ لو لم يكنْ صاحبها قد ماتَ مُشرِكاً، لترحَّمَ عليه صلى الله عليه وسلّم. وهي كما ذُكِرَ هنا: فكِّ الأسرى، وحماية الديار، وإقراء الضيوف، وإشباع الجوعى، والتفريج عن المكروبين، وبذلِ الطعام، وإشاعة الأمن والسلام بينَ الناس، تلكَ التي يُعبِّرُ عن بعضها كما في أبياته هذه الرائعة:
وما من شيمتي شَتْمُ ابنِ عمِّي
وما أنا مُخْلِفٌ مَنْ يَرْتَجِيني
سأمنحه على العِلاّتِ حَتَّى
أرَى ماويَّ أنْ لا يشتَكِيني
وكِلمةِ حاسدٍ من غيرِ جُرْمٍ
سَمِعْتُ وقُلتُ: مُرِّي فانْفُذِيني
وعابُوها عليَّ فلم تَعِبْنِي
ولم يَعْرَقْ لها يوماً جَبِيني
وذِي وَجْهَيْنِ يلقانِي طليقاً
وليسَ إذا تَغَيَّبَ يأتَسِيني
نظرتُ بعينِهِ فَكَفَفْتُ عنه
محافظةً على حَسَبِي ودِينِي
فلُومِيني إذا لم أقْرِ ضيفاً
وأُكرِمْ مُكْرِمي وأُهِنْ مُهِيني
قصة قصيدة "السيف أصدق إنباء من الكتب" - قصة قصيدة "السيف أصدق إنباء من الكتب" - قصة قصيدة "السيف أصدق إنباء من الكتب" - قصة قصيدة "السيف أصدق إنباء من الكتب" - قصة قصيدة "السيف أصدق إنباء من الكتب"
قليل من الشعر
قصة قصيدة "السيف أصدق إنباء من الكتب"
أنه قد أغار الروم في أيام المعتصم بالله بن هارون الرشيد على بلدة زِبَطْرَة المسلمة، وعاثوا فيها فساداً، واعتدى رومي من أهل عمّورية على امرأة عربية مسلمة، فصاحت مستنجدة بعبارتها المشهورة بين العرب إلى هذا اليوم «وامعتصماه»؛ بمعنى أغثني أيها المعتصم، ولي أمري، فسخر منها الرومي.
ووصل خبر ذلك إلى المعتصم فأقسم أن ينصرها، وغزا بلاد الروم، حيث وقعت معركة عمورية الشهيرة بين الخلافة العباسية والإمبراطورية البيزنطية في رمضان من عام 223 هـ الموافق لأغسطس من عام 838 م. وكانت هذه المعركة من أهم المعارك الإسلامية – البيزنطية.
وكان الجيش العباسي بقيادة الخليفة المعتصم بالله الذي حكم فيما بين 833 -842م، وأما الجيش البيزنطي فقد كان بقيادة توفيل بن ميخائيل سليل الأسرة العمورية.
انتصر العرب المسلمون نصراً مؤزراً، وفُتحت عمّورية، وأُسر ذلك الرومي، وأحضرت المرأة لتراه ويراها، رغم أن المنجمين كانوا قد نصحوا المعتصم بالانتظار حتى ينضج التين والعنب، لأنه لن يستطيع فتح عمّورية قبل ذلك، لكنه لم يستمع لنصيحتهم، وغزاها وانتصر، فأنشد أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في هذه المناسبة قصيدته المحتفية بالعقل والتدبير والحزم والعزم ضد ظلماء الخزعبلات والرجم بالغيب والتطيّر، بجانب ثنائها على نجدة الضعفاء وضحايا الحروب والدفاع عن الوطن والحق.
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في
مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والرِّيَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً
بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة الشُّهُبِ
أَيْنَ الروايَة بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا
صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ
تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقة
لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولاغَرَبِ
وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَةٍ
إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ
وصيَّروا الأبرجَ العُلْيا مُرتَّبة ً
مَا كَانَ مُنْقَلِباً أَوْ غيْرَ مُنْقَلِبِ
شعبان.. دورة تأهيلية لرمضان - شعبان.. دورة تأهيلية لرمضان - شعبان.. دورة تأهيلية لرمضان - شعبان.. دورة تأهيلية لرمضان - شعبان.. دورة تأهيلية لرمضان
شعبان.. دورة تأهيلية لرمضان
عبد الله الحامد
شهر شعبان هو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني؛ يقبل عليه المسلم ليكون مؤهلاً للطاعة في رمضان، فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر رمضان ووسائل اغتنامه، ويجهِّز برنامجه في رمضان، ويجدول مهامه الخيرية، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لرمضان، فيحرص فيها على الإكثار من قراءة القرآن والصوم وسائر العبادات.
ويجعل هذا الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس بمنزلة دفعة قوية وحركة تأهيلية لمزيد من الطاعة والخير في رمضان، فهو دورة تأهيلية لصيام رمضان؛ حتى لا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرَّن على الصيام واعتاده، ووجد في صيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذَّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، وحتى يتحقَّق هذا الأمر؛ فهذا برنامج تأهيلي تربوي يقوم به المسلم في شهر شعبان استعدادًا لشهر رمضان المبارك:
أ- التهيئة الإيمانية التعبدية:
- التوبة الصادقة أولًا، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي وترك المنكرات، والإقبال على الله، وفتح صفحة جديدة بيضاء نقية.
- الإكثار من الدعاء (اللهم بلغنا رمضان)؛ فهو من أقوى صور الإعانة على التهيئة الإيمانية والروحية.
- الإكثار من الصوم في شعبان؛ تربيةً للنفس واستعدادًا للقدوم المبارك، ويفضَّل أن يكون الصوم على إحدى صورتين: إما صوم النصف الأول من شعبان كاملاً، وإما صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع مع صوم الأيام البيض.
- العيش في رحاب القرآن الكريم، والتهيئة لتحقيق المعايشة الكاملة في رمضان؛ وذلك من خلال تجاوز حد التلاوة في شعبان لأكثر من جزء في اليوم والليلة، مع وجود جلسات تدبُّر ومعايشة القرآن.
- تذوَّق حلاوة قيام الليل من الآن بقيام ركعتين كل ليلة بعد صلاة العشاء، وتذوَّق حلاوة التهجد والمناجاة في وقت السحَر بصلاة ركعتين قبل الفجر مرةً واحدةً في الأسبوع على الأقل.
- تذوَّق حلاوة الذكر، وارتع في "رياض الجنة" على الأرض، ولا تنسَ المأثورات صباحًا ومساءً، وأذكار اليوم والليلة، وذكر الله على كل حال.
ب- التهيئة العلمية:
- قراءة أحكام وفقه الصيام كاملاً (الحد الأدنى من كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق)، ومعرفة تفاصيل كل ما يتعلق بالصوم، ومعرفة وظائف شهر رمضان، وأسرار الصيام (من كتاب إحياء علوم الدين)، وقراءة تفسير آيات الصيام (من الظلال وابن كثير).
- قراءة بعض كتب الرقائق التي تعين على تهيئة النفس (زاد على الطريق، المطويات الجديدة التي تَصدر قُبيل رمضان من كل عام).
- الاستماع إلى أشرطة محاضرات العلماء حول استقبال رمضان، والاستعداد له، ومنها شريط روحانية صائم للشيخ الدويش، وغيره من العلماء.
- مراجعة ما تم حِفْظُه من القرآن الكريم؛ استعدادًا للصلاة في رمضان، سواءٌ كنت إمامًا أو منفردًا، والاستماع إلى شرائط قراءات صلاة التراويح، مع دعاء ختم القرآن.
ج- التهيئة الدعوية:
- إعداد وتجهيز بعض الخواطر والدروس والمحاضرات والخطب الرمضانية والمواعظ والرقائق الإيمانية والتربوية للقيام بواجب الدعوة إلى الله خلال الشهر الكريم.
- حضور مجالس العلم والدروس المسجدية المقامة حاليًا؛ استعدادًا لرمضان والمشاركة فيها، حضورًا وإلقاءً.
- العمل على تهيئة الآخرين من خلال مكان الوجود -سواءٌ في العمل أو في الدراسة- بكلمات قصيرة ترغِّبهم بها في طاعة الله.
- إعداد هدية رمضان من الآن لتقديمها للناس دعوةً وتأليفًا للقلوب، وتحبيبًا في طاعة الله والإقبال عليه؛ بحيث تشمل بعضًا مما يلي (شريط كاسيت- مطوية- كتيب- ملصق... إلخ).
- إعداد مجلة رمضان بالعمارة السكنية التي تسكن بها؛ بحيث تتناول كيفية استقبال رمضان.
- الإعداد والتجهيز لعمل مسابقة حفظ القرآن في مكان الوجود.
د- التهيئة الأسرية:
- تهيئة مَن في البيت من زوجة وأولاد لهذا الشهر الكريم، وكيفية الاستعداد لهذا الضيف الكريم، ووضع برنامج لذلك.
- الاستفادة من كتاب (بيوتنا في رمضان)، وكتيب (الأسرة المسلمة في شهر القرآن).
- ممارسة بعضٍ من التهيئة الإيمانية السابقة مع الأسرة.
- عقد لقاء إيماني مع الأسرة يكون يوميًّا بقدر المستطاع.
هـ- تهيئة العزيمة بالعزم على:
- فتح صفحة جديدة مع الله.
- جعل أيام رمضان غير أيامنا العادية.
- عمارة بيوت الله، وشهود الصلوات كلها في جماعة، وإحياء ما مات من سنن العبادات، مثل (المكث في المسجد بعد الفجر حتى شروق الشمس، المبادرة إلى الصفوف الأولى وقبل الأذان بنية الاعتكاف... إلخ).
- نظافة الصوم مما يمكن أن يلحق به من اللغو والرفث.
- سلامة الصدر.
- العمل الصالح في رمضان، واستحضار أكثر من نية من الآن، ومن تلك النيات: (نية التوبة إلى الله، نية فتح صفحة جديدة مع الله، نية تصحيح السلوك وتقويم الأخلاق، نية الصوم الخالص لله، نية ختم القرآن أكثر من مرة، نية قيام الليل والتهجد، نية الإكثار من النوافل، نية طلب العلم، نية نشر الدعوة بين الناس، نية السعي إلى قضاء حوائج الناس، نية العمل لدين الله ونصرته، نية العمرة، نية الجهاد بالمال... إلخ).
ذ- التهيئة الجهادية: وهي تحقيق معنى "مجاهدًا لنفسه"؛ وذلك من خلال:
- منع النفس من بعض ما ترغب فيه من ترف العيش، والزهد في الدنيا وما عند الناس، وعدم التورط في الكماليات من مأكل ومشرب وملبس، كما يفعل العامة عند قدوم رمضان.
- التدريب على جهاد اللسان فلا يرفث، وجهاد البطن فلا يستذل، وجهاد الشهوة فلا تتحكم، وجهاد النفس فلا تطغى، وجهاد الشيطان فلا يمرح، ويُرجع في ذلك إلى كتيب (رمضان جهاد حتى النصر) لـ"خالد أبو شادي".
- حَمْلُ النفس على أن تعيش حياة المجاهدين، وتدريبها على قوة التحمُّل والصبر على المشاقِّ، من خلال التربية الجهادية المعهودة.
- ورد محاسبة يومي على بنود التهيئة الرمضانية.
نائلة بنت الفرافصة - نائلة بنت الفرافصة - نائلة بنت الفرافصة - نائلة بنت الفرافصة - نائلة بنت الفرافصة
نائلة بنت الفرافصة مقال بقلم الأستاذة إيمان الوزير،
تعرض طرفا من قصة وحياة نائلة بنت الفرافصة زوجة ذي النورين عثمان بن عفان.. فأين نحن من نائلة تلميذة نائلة بنت الفرافصة
في عصر تجلت فيه شمس الإسلام باسقة.. تجوب الأصقاع وترافق الحشود المؤمنة لنشر دين الله.. تضحك فرحة مستبشرة وهي ترى أشعتها ساطعة من برقة غربًا إلى سيحون شرقًا.. والأصوات المجاهدة تنشد بالحق ليصل الصوت إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فتشمخ بعزٍّ من بارئها وسيف ذي النورين يقود أمة التوحيد.. يزيدها وهجًا بنوره، ومطايا الخير الذي حمله حين سقى المسلمين من بئر رومة وجهَّز جيش العسرة.
لكن هذه الشمس الشامخة غابت في أواخر عهده، حين اعترضتها غيوم سوداء أمطرت سجيلاً على الجموع المسلمة، فاختلط الحابل بالنابل.. ولم تكن أعين يهود بعيدة عن تلك الغيمة، فقد كانوا -لعنهم الله- سببًا في إشعالها.. حين حرك ابن سبأ خيوط المؤامرة من وراء الأستار -كعادتهم- وعاث في الجموع من وراء حجاب يبطن الشرّ ويظهر الولاء.. حتى وصلت الغيوم السوداء إلى سماء مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتفرغ حمولتها في فتنة شعواء عصفت بأمة الإسلام ردحًا من الزمان.
حاول ذو النورين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- منع غبار النقع الأسود من الالتفاف حول شمس الإسلام، لكن جموع الغوغاء من ضعاف النفوس المحاصرين لداره أبتْ إلا صب النار على الهجير.
في دار عثمان بن عفان كانت تسكن امرأة من بني كلب، أحد أشهر بطون العرب في الفصاحة والبلاغة، ولم تكن فصاحة قومها تقتصر على رجالهم بل شملت نساءهم أيضًا.. خطبها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فحملها أهلها له، وحين اجتمع بها رفع قلنسوته عن رأسه فظهر الصلع فيه، فقال لها: يا بنت الفرافصة، لا يهولنك ما ترين من صلعي! فإن تحته ما تحبين. فأمسكت عن الكلام.. فبادرها بقوله: إمَّا تقومي إليَّ، وإمَّا أن أقوم إليك. فقالت: أمَّا ما ذكرت من الصلع فإني من نساء أحب بعولتهن إليهن السادة الصلع، وأما قولك: إمّا أن تقومي إليَّ، وإما أن أقوم إليك، فوالله إنّ ما تجشمته من قطع الصحراء الواسعة والسفر الطويل، لأبعد مما بيني وبينك، بل أقوم إليك.
فقامت وجلست إلى جواره.. فمسح على رأسها ودعا لها بالبركة، فبوركت بفضل من الله عز وجل.. فقد جعل كرم عثمان بن عفان وحنانه في قلبها مودة ورحمة له.. تهبها المرأة المسلمة لزوجها حين يزرع الزوج نبتة الحب في قلبها.
أنجبت نائلة بنت الفرافصة لعثمان بنتًا، وقيل: بنتًا وولدًا.. وكانت له طيلة حياتها معه الزوجة المطيعة الحانية، حتى وصل الطوفان إلى المدينة قادمًا من البصرة والفسطاط، يحمل معه آلافًا من الغوغاء الذين تأبّطوا الشر بسيوفهم يريدون قتل الخليفة عثمان بن عفان.. فحاصروا بيته ونائلة معه تشد من عزيمته، وتؤنس وحدته..
حتى إذا خشي الرعاع من المحاصرين قدوم جيش من الشام لإنقاذ الخليفة المحاصر، قفزوا على داره لا يألون لبيته حرمة، ولا لصحبته مكانة، ولا لفضائله ذكرًا في نفوسهم الآثمة، فقرروا قتله وهو صائم يقرأ القرآن..! عندها أرادت نائلة بنت الفرافصة أن تمنع دخولهم إلى حرمة منزلها، فنشرت شعرها ظنًّا منها أن في قلوبهم بضعًا من إيمان وغض طرف يصون عليهم دينهم.. لكن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- منعها في قوله لها: "خذي خماركِ، فلعمري لدخولهم عليَّ أهون من حرمة شعرك"..
فلم يكن من نائلة وهي ترى السيوف تقترب من زوجها الحبيب إلا وضع يديها لتتقي السيف عن عثمان، فقطع السيف أصابعها ومضى في بطن الخليفة الراشدي الثالث.. وزوجته تحاول صدّ السيوف عن جسده حتى قُتل.
فخرجت نائلة بنت الفرافصة تجمع شعث همومها في موكب دفنه عند أطراف البقيع، حيث وارى الثرى - رضي الله عنه وأرضاه وكفاه ببطشه ما فعلته الغوغاء فيه.
لا أودُّ الخوض في حديث الفتنة الكبرى هنا رغم أنها أمّ الفتن التي انهالت على أمة الإسلام حتى يومنا هذا، ولكني أردت أن أبحث في موقف امرأة لم تكن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، ولكنها نهلت من معين أحد صحابته كزوجة لعثمان بن عفان وحبيبة له.. كانت بجانبه يوم شدته، ودافعت عنه بجسدها حتى قُطعت أصابعها.. لأقف بكم أيها القراء الأعزاء أمام صورة لحب قلَّ نظيره في زماننا، بل ووفاء نادر لزوج حبيب بقي خالدًا في ذكرى نائلة بنت الفرافصة.. إذ بعد وفاة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- خطبها معاوية بن أبي سفيان فرفضته، وقالت حين سُئلت عن سبب رفضها قولاً شهيرًا: "إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب، وإني خفت أن يبلى حزني على عثمان، فيطلع مني رجل على ما اطلع عثمان، وذلك ما لا يكون أبدًا...".
فأين نحن من نائلة بنت الفرافصة تلميذة مدرسة عثمان بن عفان، التي تعلمت فيها حب الزوج حين أحبها، فوهبته حياتها حيًّا وميتًا.. ودافعت عنه بجسدها حين داهمه الخطر؟
لن أقول في قصة نائلة بنت الفرافصة: أيتها المرأة المسلمة، أحبي زوجك ليحبك!! ولكني سأوجِّه خطابي للرجل فأقول له: يا أيها الرجل، أحبَّ زوجتك لتحبك وتعطيك ماء عينيها.
رحم الله عثمان بما أحب نائلة.. ورحم الله نائلة في إخلاصها لعثمان.
المصدر: موقع المختار الإسلامي، نقلاً عن مجلة المنار.
القيم المستفادة:
- قيمة الرغبة الشديدة بدخول الجنة والحذر الشديد من النار.
- قيمة الاهتمام بسؤال التلاميذ.
- قيمة التيسير على التلاميذ وتحفيزهم.
- قيمة الإيمان وأداء العبادات كما يحب الله تعالى.
- قيمة التحفيز على عمل الخيرات وأداء العبادات.
- قيمة بيان منزلة الصلاة والجهاد.
- قيمة كف اللسان وبيان خطورته على الأعمال.
المنهج النبوي في التربية والدعوة:
- أسلوب تحفيز التلاميذ على السؤال في القضايا العليا.
- أسلوب بيان قيمة ومنزلة سؤالات التلاميذ.
- أسلوب التيسير على التلاميذ لاسيما في القضايا والمسائل الكبرى.
- أسلوب التقسيط والتدرج في عرض المطلوبات.
- أسلوب التأصيل والاستشهاد بالآيات.
- أسلوب التشبيه؛ حيث شبه الإسلام بالخيمة.
- أسلوب الحصر والتلخيص بعد التفصيل.
- أسلوب استثارة كوامن التلاميذ ليسألوا.
- أسلوب الدعاء بالفقد والهلاك على سبيل التخويف من الشيء والتحذير من نتائجه (ثكلتك أمك).
سعيد بن عامر - سعيد بن عامر - سعيد بن عامر - سعيد بن عامر - سعيد بن عامر
سعيد بن عامر
د. علي العتوم
(سعيد بن عامر بن حِذْيَم بن جُمَح القرشيّ. كان من زُهّاد الصحابة وفضلائهم. ووَعَظَ عمر بن الخطاب يوماً، فقال له: ومَنْ يقوَى على ذلك؟ قال: أنتَ يا أميرَ المؤمنينَ، إنّما هو أنْ تقولَ فتُطاعَ. وَوَلاّه عمرُ حِمْصَ، فبلغه أنّه يُصيبه لَمَمٌ، فأمَرَه بالقدومِ عليه، فلم يَرَ معه إلاّ عُكّازاً وقَدَحاً، فقال له عمرُ: ليسَ معكَ إلاّ ما أرى؟! فقال له سعيد: وما أكثرُ من هذا؟! عُكّازٌ أحملُ عليه زادي، وقَدَحٌ آكلُ فيه، فقال له عمرُ: أبِكَ لَمَمٌ؟ قال: لا، قال: فما غَشْيَةٌ بَلَغني أنّها تُصيبُكَ؟ قال: حضرتُ خُبَيْبَ بنَ عَدِيٍّ حينَ صُلِبَ، فدعا على قريشٍ وأنا فيهم، فرُبَّما ذكرتُ ذلك، فأَجِدُ فترةً حتى يُغْشَى عليّ، فقال له عمرُ: ارجِعْ إلى عملِكَ، فأبى وناشَدَه إلاّ أعفاه، فقيلَ: إنّه أعفاهُ، وقيل: إنّه لمّا ماتَ أبو عبيدةَ ومعاذُ ويزيدُ ولاّه عمر حمصَ، فلم يَزَلْ عليها حتَّى مات. وقيل: استخلَفَه عِياضُ بن غَنْمٍ الفِهريّ، فأقرَّه عمرُ رضي الله عنه.
عن شهر بن حَوْشَب، قال: لمّا قدمَ عُمرُ حمصَ أمرهم أنْ يكتبوا له فقراءَهم، فرُفِعَ الكتابُ، فإذا فيه سعيدُ بن عامر، قال: مَنْ سعيد بن عامر؟ قالوا: يا أميرَ المؤمنينَ أميرُنا. قال: وأميركم فقيرٌ؟! قالوا: نعم، فعَجِبَ، فقال: كيف يكون أميركم فقيراً؟! أينَ عطاؤُه؟ أينَ رِزقُه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، لا يُمسِكُ شيئاً، قال: فبكى عمرُ، ثُمَّ عَمَدَ إلى ألفِ دينارٍ فصرَّها وبعثَ بها إليه، وقال: أقرِئُوه عنِّي السلامَ، وقولوا له: بعثَ بها إليكَ أميرُ المؤمنينَ، فاستعِنْ بها على حاجتِكَ، قال: فجاءَ بها الرسولُ، فنظرَ إليها، فإذا هي دنانيرُ، فجعلَ يسترجِعُ، فقالت له امرأتُه: ما شأنُكَ؟ أُصيبَ أميرُ المؤمنينَ؟ قالَ: أعظمُ، قالت: فظَهَرَتْ آيةٌ؟ قال: أعظمُ من ذلك، قالت: فأمرٌ من الساعة؟ قال: بل أعظمُ من ذلك، قالت: فما شأنُكَ؟ قال: الدنيا أتَتْني، الفتنةُ أتَتْني، دَخَلَتْ عليَّ، قالت: فاصنعْ فيها ما شئتَ، قال لها: أعندَكِ عونٌ؟ قالت: نعم، فصرَّ الدنانيرَ فيها صُرَراً، ثُمَّ جعلها في مِخلاةٍ، ثُمَّ باتَ يُصلِّي حتَّى يُصبِحَ، ثُمَّ اعترضَ بها جيشاً من جيوشِ المسلمينَ، فأمضاها كُلَّها، فقالت له امرأتُه: لو كنتَ حبستَ منها شيئاً نستعينُ به، فقال لها: سمعتُ رسول الله، يقول: لو اطَّلَعَتْ امرأةٌ من نساء الجنّة إلى الأرضِ لملأتِ الأرضَ من ريح المسك، فإنّي واللهِ ما أختارُ عليهنَّ؟!).
أُسد الغابة لابن الأثير المُجلَّد الثاني، رقم الترجمة (2083) ص(393 - 394).
تعليقات:
1. التعريف:
سعيد بن عامر: هو سعيد بن عامر بن حِذْيَم بن سلامان الجُمَحيّ القُرَشيّ. أسلمَ قبلَ خيبر وهاجر إلى المدينة وشَهِدَ خيبر وما بعدَها من المشاهد، وكان من زُهّاد الصحابة. رُوِيَ أنّه لمّا اجتمعتِ الروم يوم اليرموك، استغاثَ أبو عبيدةُ عُمَرَ فأمدَّه بسعيد بن عامر هذا. وقيل: إنّه لمّا ماتَ أبو عبيدة ولاّه عمرُ حمصَ.
2. المعاني:
وعظَ عمر: دلالة على عِظَمِ زُهده وتقواه. لَمَم: شبه جنون. عُكّاز: عصا يتوَكَّأُ عليها، ويحمل عليها أمتعته من طعامٍ وغيره. قَدَحاً: صحناً. غِشْيَة: فترة غياب عن الوعي. خُبَيْب بن عَدِي: الصحابي الجليل من أصحاب يومِ الرَّجيع (ماء لهُذَيْل)، وذلك سنة (3) للهجرة بعد غزوة أُحُد، وقد قَتَلَه مُشرِكو مكّة وصلبوه، فقال أبياتاً منها بيته المشهور:
ولستُ أُبالي حينَ أُقْتَلُ مُسلِماً
على أيِّ جنبٍ كانَ في اللهِ مصرعي
فترة: غَشْيَة، سكتة. يُغشَى: يُغمَى. إعفاءَه: إقالتَه من منصبه. عِياض بن غَنم: أحد قادة المسلمين الذي أبلى بلاءً عظيماً في فتح بلاد الجزيرة، واستخلَفَه أبو عبيدة على الشام، وقد تُوفِّيَ سنة (20) للهجرة. عطاؤُه: راتبه، معاشه، ماهيّته. لا يُمسِك شيئاً: يُنفقه جميعه ولا يُبقي منه شيئاً. عَمَدَ: قَصَدَ. صَرَّها: جَمَعَها وأوكَأَ عليها. اقرئوهُ: بلِّغوه. يسترجع، يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، كأنَّ أمراً نَزَلَ به أو نائبة أصابتْه. مِخلاة: كِيس، جِراب. أمضاها كُلَّها: فرَّقَها جميعاً عليهم. حبستَ: أبقيتَ. ريحُ المِسك: رائحة العِطر الذي ينبعث من الحُور العِين يوم القيامة. ما أختار عليهنَّ: ما أستبدل بهنَّ غيرهنَّ من نساء الدنيا، وإنّي لمشتاقٌ إليهنَّ حيثُ الجِنان ومن الله القبول والرِّضوان.
3. ما يستفاد من الخبر:
أ. الأميرُ المثال في الإسلام الذي يحتقبُ في نفسه التُّقَى لله والزُّهُد في الدنيا والجود على رعيّته كسعيد بن عامر هذا رضي الله عنه.
ب. عِظَمُ إيمان سعيد بن عامر هذا إلى درجة أنّه نَصَحَ عمرَ، وهو مَنْ هو تُقَىً لله وزُهداً في الدنيا، وعَدْلاً في رعيّته إلى درجة أنْ قال له عمر: ومَنْ يُطيق ذلك؟!
ج. من أمثلة زُهد سعيد هذا الرائعة، أنَّ المالَ الذي أعطاه له أميرُ المؤمنين عمر بن الخطّاب، وَزَّعَه على الفقراء مُوهِماً زوجته أنّه وَضَعَه في تجارة رابِحة، وانتظرتِ الزوجةُ مردودَها، فأعلَمَها أخيراً أنّه أنفقه في سبيل الله على ذوي الحاجة، وهو حقّاً مال رابح بتجارةٍ رابحة، إذِ الحسنةُ عند الله بعشر أمثالها إلى مئة ضعف إلى سبعمئة ضعف، وفي روايةٍ أنّه أعطاه لأوّل عسكرٍ مَرَّ به من عساكر المسلمين غازِيَة في سبيل الله. ومنها أنَّ رعيَّته ذَكَرَتْ لعمر أنّه من الفقراء وهو الأمير، فكُتِبَ في قائمة أهل الفقر والفاقة، وأنّه اهتالَ من أمرِ المال الذي أعطاه له عمر أشدَّ الاهتيال، إذْ باتَ ليلتَه خائفاً مهموماً إلى أنْ وَزَّعه في الصباح. ومن ذلك استعفاؤه من منصبه بين يدي عمر رضي الله عنه. وكذلك تخلُّفه عن رعيّته وهم على بابه، لأنّه ليس لديه إلاّ ثوبٌ واحدٌ يغسله وينتظر جفافه حتَّى يخرجَ إليهم فيضطرّه ذلك للتأخُّر عنهم وهو ما شَكَوْه به لعمر.
د. ومن علائم تقواه، أنَّ الخوفَ كان يأخذُه طوال حياته لخوفه من دعوة خُبَيْب على أهلِ قريشٍ لمّا رَفعوه للصَّلْب، إذْ كانت تأخذه في مجلس القضاء غَشْيَةٌ كأنَّها الجنون عندما يتذكَّرُها، وهو ما شَكَوْه منه إلى عمر كذلك، وأنّه كان يحتَجِبُ في الليل عن الناس منصرِفاً عنهم إلى عبادة الله من قيامٍ وذِكْرٍ وقراءة قرآن، وما جار وما قَصَّرَ، وقد قَسَمَ اليومَ بينه وبين رعيَّته، فالنهار لهم والليل لربِّه.
هـ. ما شكاه به أهلُ حِمص الذين كانت بلدتهم تُسمَّى الكوفة الثانية لكثرة شكاوى أهلها على الأمراء، واستجوَبه عمر عنه وأجابه به، زادَه ذلك عند عمر رضي الله عنه منزلةً ورِفعةً.
و. لا يعني ما قرأناه أنَّ الأمير في الإسلام يجبُ أنْ يذهبَ مذهب ابن عامر هذا، ولكنّ له أنْ يكونَ صاحب بيت وزوجة وولاية ومرتّب حتى يقوم بأعباء الإمارة وهذا مطلوب أو مفروض، ولكنَّ سعيداً رضي الله عنه أخذَ بالعزيمة في أقصى درجاتها. وله ذلك باجتهادٍ منه، وإنْ كان الأَوْلَى خلافه.
مافعله سعد بن معاذ خلال سنوات اسلامه السبع حتى اهتز له عرش الرحمن
مافعله سعد بن معاذ خلال سنوات اسلامه السبع حتى اهتز له عرش الرحمن - مافعله سعد بن معاذ خلال سنوات اسلامه السبع حتى اهتز له عرش الرحمن - مافعله سعد بن معاذ خلال سنوات اسلامه السبع حتى اهتز له عرش الرحمن - مافعله سعد بن معاذ خلال سنوات اسلامه السبع حتى اهتز له عرش الرحمن - مافعله سعد بن معاذ خلال سنوات اسلامه السبع حتى اهتز له عرش الرحمن
مافعله سعد بن معاذ خلال سنوات اسلامه السبع حتى اهتز له عرش الرحمن
جاءت غزوة بدر, وقد مضى على إسلام سعد بن معاذ حوالي سنتين أو ثلاثة, وكانت غزوة بدر خارج المدينة والعهد الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الأنصار في بيعة العقبة كان على أن يقوم الأنصار بحماية النبي صلى الله عليه وسلم داخل المدينة, فوقف النبي صلى الله عليه وسلم قبل المعركة, وقال لهم أن عددهم ثلاثمائة وأن الكفار عددهم ألف, وأن المسلمين ليس معهم إلا فرس واحد والكفار معهم ثلاثمائة فرس, فموازين القوة كانت لصالح الكفار بسبة مائة بالمائة, فالأمر صعب والمواجهة صعبة, ومن الممكن أن يموت الجميع..
فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"أشيروا علي أيها الناس"..
فقام أبو بكر الصديق وقال:"توكل على الله يا رسول الله ونحن معك", هذا الكلام ليس بالسهل, ولا يقول هذا الكلام في مثل هذا الموقف إلا من كان قلبه حديديا, ولا يكون صاحب قلب حديدي إلا المؤمن..
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"جزاك الله عنا خيرا يا أبا بكر..اجلس"..
كان من عادة الصحابة أنه إذا تكلم أحد في أمر ما وهم يوافقون على الأمر ولم يتكلم أحدهم فهذا يعني أن الأمر منتهي..
فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"أشيروا علي أيها الناس"..
فقام عمر بن الخطاب فقال:"امض يا رسول الله فنحن معك"..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"جزاك الله خيرا يا عمر"..
وقال مرة أخرى:"أشيروا علي أيها الناس"..
فقام المقداد بن عمرو وقال:"امض يا رسول الله, فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى(..فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)ولكن نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون"الآية24 من سورة المائدة..
والحقيقة أن الرجولة شيء جميل جدا, فعندما يكون الإسلام غاليا نحن أيضا نغلى معه..
فأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على المقداد وقال:"جزاك الله خيرا يا مقداد"..
وعاود النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أشيروا علي أيها الناس"..
فماذا كان يريد النبي صلى الله عليه وسلم, وقد رد عليه كل هؤلاء, وهو لن يقوم بسؤال الناس فردا فردا, فعن من كان يبحث النبي صلى الله عليه وسلم؟..
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عن الأنصار, فالثلاثة الذين قاموا كانوا من المهاجرين, وهو صلى الله عليه وسلم يعلم أن المهاجرين سينفذون أوامره, لكنه يريد أن يرى ماذا سيكون من أمر الأنصار..
والحقيقة أننا نستطيع أن نرى من هذا الموقف مدى احترام النبي صلى الله عليه وسلم للرأي, فالعهد الذي كان بينه وبين الأنصار على حمايته داخل المدينة وليس خارجها, فهو صلى الله عليه وسلم لن يقول لهم هيا لنقاتل فيطيعوه فحسب, بل يحترم آراءهم, فكان قوله صلى الله عليه وسلم:"أشيروا علي أيها الناس"..
فيقف سعد بن معاذ, وانتبهوا يا جماعة فمواقف في حياتكم تنقلكم إلى أعلى عليين أو أسفل سافلين, وبالمناسبة فالمواقف التي سنرويها عن سيدنا سعد بن معاذ لن تتعدى الأربع أو الخمس مواقف كان أولها ما تم ذكره منذ قليل أما الموقف الثاني, فكما قلنا...
يقف سعد بن معاذ رضي الله عنه ويقول:"كأنك تريدنا يا رسول الله"..
قال:"نعم يا سعد"..
قال:"يا رسول الله..
لقد أعطيناك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك..
فامض يا رسول الله..
فوالله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد..
وخذ من أموالنا ما شئت, واترك لنا ما شئت, ويكون الذي أخذته من أموالنا أحب إلينا مما تركت..
وسالم من شئت..
وعادي من شئت..
وصل حبال من شئت..
واقطع حبال من شئت..
فوالله لتجدننا صُبر في الحرب, صُدق عند اللقاء 39:30
لعل الله يريك منا ما تقر به عينك"..
فقام النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"أبشروا فإن الله وعدني إحدى الحسنيين"..
يا جماعة..إن هذا الكلام يكتب بماء الذهب...
قارنوا هذه الكلمات بشاب يسهر كل ليلة في مكان ما يشرب الخمر!..
أو بشاب يقوم بفعل بعض الحركات المتهورة بسيارته(خمسات) كي يتباهى أمام البنات!..
أو بشاب كل أمنية حياته أن يصاحب إحدى البنات!..
ياه! هل رأينا كيف اختلف حال الأمة؟!..
ومن أجل ذلك فمن الطبيعي أن تصل إلى هذه الحال التي وصلنا إليها, مادمنا قد ابتعدنا عن هذه النماذج..
يا جماعة..نحن نحكي في سلسلتنا هذه القصص لكي يكون هدفنا هو أن نقلد هؤلاء العظام..
لماذا؟..
لأننا أحفادهم..
ولماذا لا يخرج منا من هو مثل سعد بن معاذ رضي الله عنه..لماذا؟!!..
أما الأحزاب..
فدعاء فإجابة..دعاء فإجابة. .دعاء فإجابة!..
وتمضي الأيام...
وتأتي غزوة الخندق, ويحاصر الملسمين داخل المدينة عشرة آلاف رجل, ويبدأ القلق والرعب"..وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا"الأحزاب:10, فالحالة المعنوية للمسلمين كانت متعبة جدا, وكانوا خائفين, فقد كان الوضع صعبا, حتى أن الصحابة كانوا يخشون أن يذهبوا لقضاء حوائجهم من شدة الرعب من هذا الحصار الرهيب.
وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفك الحصار عن المدينة, وقد كان هناك الكثير من القبائل التي تحاصرهم, ففكر النبي صلى الله عليه وسلم في استمالة قبيلة من القبائلو وكانت عطفان, فكانت الفكرة أن يأخذوا ثلث ثمار المدينة ويمضوا ويتركوا الحصار, فهذا سيؤدي إلى خلخلة الأحزاب المحاصرة للمدينة.
أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يستشير في هذا الأمر, فاستشار سعد بن معاذ رضي الله عنه..
فقال:"يا سعد إني أريد أن أصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة, على أن يرجعوا, فماذا ترى؟"..
قال:"يا رسول الله أهذا أمر أمرك به الله, أم أمر تصنعه لنا"..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بل أمر أصنعه لكم"..
فقال:"لا يا رسول الله..والله في الجاهلية ما كانوا يطمعون في ثمرة من ثمار المدينة, وكنا كفار..أيوم أن أعزنا الله بالإسلام يأخذون ثلث ثمار المدينة بغير ثمن!..
نبقى يا رسول الله, وندافع على المدينة, ولا نخرج ثمرة من حقوقنا"..
فقال النبي:"الرأي ما ترى يا سعد"..
هل رأينا كيف كانت كل مواقفه!..
قلت لكم أنها مواقف قليلة..ولكن كل موقف يعادل ما نفعل نحن في عشرة أعوام!, وربما نحتاج لعشر سنوات تمر علينا كي نجد فيها من هو منا له موقف عظيم كموقف سعد بن معاذ..
فقد كان كله رجولة وعز للإسلام..إسلام يملأ كيانه..
وتبدأ عزوة الخندق, والأمور لا تزال غير واضحة..
سعد بن معاذ في هذه الأيام في كان في السابعة والثلاثين..
ودعا سيدنا سعد وقال:"اللهم إن كنت قد أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني, فإنه ما من قوم أحب إلى أن أجاهدهم من قوم آذوا نبيك وكذبوه وطردوه,
وإن كنت يا رب قد وضعت الحرب بيننا وبين قريش فاقبضني شهيدا"!..
فحياته أو موته عنده على ارتباط بنصرة الإسلام وبوضعه..
وبعد أن دعا بهذا الدعاء..إذا بسهم غادر من عند الكفار يلقى ليستقر في كتف سعد!..
ما هذا؟!!...
لقد كانت العلاقة بين سعد بن معاذ وربه على شكل دعاء وإجابة, فما أن دعا حتى استجيب له, واستقر السهم في كتفه, وبدأ الدم ينزف..
ولكن سعدا قام بإخفاء الأمر عن النبي صلى الله عليه وسلم, حتى لا يترك أرض المعركة, ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم علم ما حدث..
واستمر الجرح في النزف, ولم تنجحوا في علاجه, فقاموا بكي الجرح, فتوقفت الدماء, إلا أن الجرح انتفخ, ثم عاد ينزف مرة أخرى..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"احملوا سعد إلى خيمة يمرض بها, وليمرض في مسجدي, في الروضة", فالنبي صلى الله عليه وسلم يريده أن يكون بجواره..
ولكن من الذي مرض سعد؟!..
لقد مرضته السيدة رفيدة..أشهر طبيبة في المدينة..
امرأة..نعم امرأة..
فهل كان من سيدات المدينة من تعمل طبيبة؟!..نعم..
لقد ألف فيها حسان بن ثابت شعرا من شدة حنانها على المرضى..
وهذه نقطة هامة للنساء..
وتوضع الخيمة بالفعل في مسجد رسول الله سبحانه وتعالى, وتبدأ السيدة رفيدة رضي الله عنها في مداواة سعد بن معاذ رضي الله عنه..
ويكرر سعد الدعاء:" اللهم إن كنت قد أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني, وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فأمتني شهيدا"..
ويبدأ يهود بنو قريظة في خيانة العهد, فتتفق مع قريش أن يفتحوا لهم طريقا في جنوب المدينة, كي يدخلوا ويقتلوا المسلمين, و أيضا يشاركوا معهم ويأسروا نساء المسلمين, فقد كانت الخيانة شديدة, والغدر شديد..
ويكثر سعد من دعوته:" اللهم إن كنت قد أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني, وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فأمتني شهيدا, ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة"..
بداية النهاية...
وتبدأ الرياح الشديدة في الهبوب, وتبدأ الأحزاب في الفرار, ويبدوا أن المعركة قد أوشكت على الانتهاء.. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الآن نغزوهم ولا يغزونا", فهذا يعني أن قريشا لن تحارب المسلمين مرة أخرى..
فيقول سعد:"يا رب..فجرها يا رب"..فانفجرت بالدماء!..
ما هذا الرجل؟!!
فبالفعل فقد دعا الله سبحانه وتعالى, والمعركة قد انتهت, وكان النصر للمسلمين, والكفار لن يحاربوا المسلمين مرة أخرى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم..
ولكن بعد أن انفجرت الجرح بالدماء تذكر سعد أنه لم يشف صدره من بني قريظة بعد فقال:"يا رب أبقني حتى تشفي صدري من بني قريظة", فجف الجرح..
إن كل من يحدث ما سعد يدل على شيء واحد..يدل على حب شديد وغيرة شديدة وتعلق شديد بالسلام, فهو يعشق الإسلام, وهذا هو الفرق بين سعد وبيننا, فنحن لا نعلم كيف هي صلاته أو كيف كانت عبادته, ولكنن نعلم مدى حبه لدينه وغيره عليه..
وقام النبي صلى الله عليه وسلم بمحاصرة بني قريظة..الخائنين..الذين كادوا أن يبيدوا الإسلام والمسلمين بخيانتهم, وقد حاصرهم المسلمون في حصونهم المنيعة, والتي لا يستطيع المسلمين اختراقها, فيقف سيدنا علي بن أبي طالب ويقول:"والله لأخترقن حصونهم, أو يصيبني ما أصاب حمزة"عمه..
وبدأ اليهود يشعرون بصدق علي رضي الله عنه, ويشعرون أنهم سيزلزلون, فيروا أن يرضوا بالتحكيم, فيقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"فمن ترضون أن يحكم فيكم؟"..
فقالوا:"سعد بن معاذ"..
ولكن لماذا سعد بن معاذ؟
أولا هم لم يكونوا على علم بدعاء سعد الذي دعاه..
وثانيا فسعد بن معا ذ كان حليفهم في الجاهلية, فظنوا أن الحب الذي كان بينهم لسنين طويلة لا يمكن أن يضيع, وخاصة أن مدة إسلامه لم تزد عن سبع سنوات, فلابد أنه سيؤثرهم على النبي صلى الله عليه وسلم, أو على الأقل سيكون أقل الناس شدة عليهم..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ائتوا بسعد بن معاذ"..
ويجيء سعد بجرحه على بغلة ويساق إلى حيث بني قريظة كي يحكم فيهم, وقد كان الناس خائفين أن يحن سعد لليهود, فيمسكوا بخطام بغلته ويسألوه ماذا ستفعل يا سعد, وسعد رافع رأسه ويقول كلمة واحدة وهو في السابعة والثلاثين من عمره يا شباب:"آمل سعد ألا تأخذه في الله لومة لائم"..
ويصل سعد, ويقول:"أترضون بحكمي؟"..
قالوا:"نرضى"..
فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم:"أترضى يا رسول الله بحكمي"..
قال صلى الله عليه وسلم:"نعم يا سعد"..
فقال:"أحكم فيهم..
بأن يقتل الرجال..
وتؤخذ الأموال..
وتقسم الديار بين المهاجرين دون الأنصار..
وتسبى النساء"..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات"!..
ياه ألهذه الدرجة يا سعد!..
ويُقتل بنو قريظة..اليهود الذين خانوا العهد..
ويقف سعد بن معاذ يقول:"يا رب..أوقفت الحرب بيننا وبين قريش, وشفيت صدري من بني قريظة..فلم الحمد..اللهم فجرها"..
فانفجر الجرح, ويسقط رضي الله عنه شهيدا..
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:" مات سعد بن معاذ فاهتز لموته عرش الرحمن"..
ترى هل شعرتم بهذه الجملة الآن؟!!
ويقول صلى الله عليه وسلم عنه:"جنازة سعد شيعها سبعون ألف ملك"..
ويقول صلى الله عليه وسلم:"حملته معكم الملائكة"..
ويقول صلى الله عليه وسلم:" للقبر ضمة لو نجا منها أحد لكان سعد بن معاذ"..
ويقول صلى الله عليه وسلم لأمه:"جففي دمعك فإن الله يضحك لابنك الآن"..
مناديل سعد..
وتمر الأيام, وبعد سنين سنين طويلة يأسر المسلمون قائدا من قادة الروم, ويأتي بعباءته المزركشة بالحرير والذهب, فينظر الصحابة إلى هذه العباءة الأنيقة جدا التي لم يروا مثلها, فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أتعجبكم؟ والله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل من هذه"..
المنديل الذي يمسح به الوجه أفضل من هذه العباءة..
هذا هو سعد بن معاذ..
وإنها لخسارة أن أجيال المسلمين لا يعرفونه!!
وإنها لخسارة أن يكون هناك شباب وبنات لا يغارون على دينهم!!
وأنه ليس أغلى من أن يصاحب شاب فتاة, أو أن يذهب أحد إلى مكان محرم الذهاب إليه, أو فعل أحد المحرمات!!
أتمنى أن نتعلق بسعد بن معاذ..
أقول قولي هذا واستغفر الله
من الأقوى .. أبو بكر أم عمر؟! - من الأقوى .. أبو بكر أم عمر؟! - من الأقوى .. أبو بكر أم عمر؟! - من الأقوى .. أبو بكر أم عمر؟! - من الأقوى .. أبو بكر أم عمر؟!
من الأقوى .. أبو بكر أم عمر؟!
قصة الاسلام
محمد خير موسى
ملخص المقال
من الطبيعيِّ أن يتساءل المرء عن الهدف من هذه المقارنة والمفاضلة، ولا بدَّ في البداية من التأكيد على أنَّ المقارنة والتفضيل بالقوَّة بين اثنين لا يعني نفيها عن أحدهما..
في المخيال الجمعي لجمهور المسلمين يحضرُ أبو بكر رضي الله عنه بوصفه شيخًا رقيقًا سخيَّ الدَّمع تغلبه عبرتُه في مواقف كثيرة، بينما تحضر صورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشَّديدة الحازمة، وتحضر شخصيَّته التي لا تخافُ أحدًا ويحاسب ويعاقب!
ممّا جعلَ انطباعًا يسري في الصورة الذِّهنيَّة العامَّة عند عامَّة المسلمين بأنَّ عمر أقوى من أبي بكرٍ رضي الله عنهما، فتجده أكثر حضورًا في أحاديثهم وأشدَّ تبجيلًا وهيبةً في نفوسِهم.
وأعتقدُ أن هذا يرجع إلى ثلاثة أسباب:
الأوَّل: الصورة النمطيَّة التي رُسِمَت لكلِّ واحدٍ من الخليفتين الرَّاشدَين في كتب السِّير والتَّراجم.
الثاني: طولُ مدَّة خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي امتدَّت عشر سنين مقارنةً بخلافة أبي بكرٍ رضي الله التي لم تتجاوز سنتين ونصف؛ ممَّا جعل حياة عمر رضي الله عنه تلقى اهتمامًا أكبر من حياة أبي بكرٍ رضي الله عنه حتى عند عموم الكتَّاب والدُّعاة والمؤرِّخين.
الثالث: الاستشكال في معنى القوَّة، حيث إنَّ المعنى الانطباعيَّ للقوَّة هو قرين الشِّدَّة والحماسة والاندفاع والإقدام في الحروب والسَّعيُ إلى خوض المنايا والبطشُ بالأعداء؛ وكلُّ هذا من القوَّة طبعًا لكنَّه ليسَ هو روحُها التي تؤهِّل للتَّقديم على الآخرين في القيادة.
روح القوة
إنَّ روح القوَّة تكمن في الثَّبات عند المواقف المفصليَّة، والحزمِ عند تشعُّب المواقف، والمبادرة بالموقف والقرار الحاسم عند وقوع النَّوازل المزلزلة.
إنَّ القوَّة هي قدرةُ فردٍ أو جماعةٍ على التَّأثير في سلوك الآخرين وإحداث أمرٍ فارقٍ في مسار الأحداث والبراعة في المبادرة المفضية إلى حمل الآخرين على التصرُّف بطريقةٍ تُضيف إلى مصالح المشروع الذي يخدمه هذا الشَّخص القوي.
إنَّ القوَّة هي العزم في أوانه بلا تأخُّرٍ أو تردُّد، وهي الإقدام في موضعه بلا تقهقرٍ أو تضعضُع، وهي الشِّدَّة في مكانِها بلا تأجيلٍ أو تسويف، وهي القرارُ الذي لا يحتملُ التَّأجيل ولا يقبلُ التَّهاون.
إنَّ القوَّة هي الثَّباتُ حين تزلُّ الأقدام، وهي الطمأنينة حين تتزلزلُ القلوب وتفرغُ الأفئدة، وهي السكينةُ حين تطيشُ العقول، وهي امتلاك الأعصاب حين يفقد الحليمُ صوابَه وتنفلتُ أعصابُه من عقالِها.
مواقف مفصلية
إذا تتبَّعنا سيرة كلٍّ من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فإنَّ الكثير من المواقف تستوقفنا في إطار المقارنة بين قوَّة الرجلين؛ غير أنَّني سأكتفي بذكر ثلاثة مواقف وسأختارُها من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث يتجلَّى فيها تفرُّد الشخصية واستقلالها؛ لنرى من خلالها من هو الأقوى.
الموقف الأول: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
لا يشكُّ عاقلٌ في أنَّ الزلزلة الأعظم التي مرَّت على المسلمين في تاريخهم كلِّه هي وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكم أن تستحضروا هذا اليوم الذي كان أشدَّ إظلامًا في تاريخ الأمَّة؛ حيث طاشت العقول والقلوب وزلَّت الأقدام وخرج الناس من دين الله أفواجًا.
في ذلك اليوم المفصلي لم يُصدِّق عمر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات وامتشق سيفه مهدِّدًا كلَّ من يدَّعي ذلك بأن يفتك به.
وقال مخاطبًا الناس: "إنَّ رجالًا من المنافقين يزعمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تُوفِّي، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ولكنَّه ذهب الى ربِّه كما ذهب موسى بن عمران؛ فقد غاب عن قومه أربعين ليلةً ثمَّ رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى؛ فليُقطِّعنَّ أيدي رجالٍ وأرجلهم زعموا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات".
أمَّا أبو بكر رضي الله عنه فقد أقبل حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يُكلِّم الناس، فلم يلتفت إلى شيءٍ حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف البُردَة عن الوجه الشَّريف، وأخذ يُقبِّله وهو يقول:
"بأبي أنتَ وأمي، أمَّا الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثمَّ لن تُصيبَك بعدها موتة أبدًا".
ثمّ خرجَ إلى الناس وعمرُ يكلِّمهم فقال: "على رسلك يا عمر، أنصِتْ"، وعمر لا يستجيب؛ فأقبلَ على الناس يُخاطبهم، فلمَّا سمع الناس كلامَه أقبلوا عليه وتركوا عمر؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال:
"أيُّها الناس، إنَّه من كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت".
قال عمر: "والله ما هوَ إلَّا أن سمعتُ أبا بكرٍ تلاها، فعُقِرْتُ حتى وقعتُ إلى الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفتُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات".
لا يختلف أحدٌ في أنَّ موقف الصديق رضي الله عنه عَصَمَ الأمَّة وحافظ عليها في أحرج السَّاعات وأحلكها؛ يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الموقف الثاني: بعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصى بإنفاذ جيش أسامة الذي وجَّهَه لقتال الروم في الشام، غير أنَّ ارتداد قبائل العرب وضع الصحابة الكرام أمام معطياتٍ جديدة، فأشاروا على أبي بكرٍ رضي الله عنه أن يُوقِف بعث أسامة، ويُبقيه في المدينة لحمايتها من القبائل التي ارتدَّت وتتربَّص بالمدينة.
وكان عمر رضي الله عنه من أبرز الصحابة الذين حاولوا ثني أبي بكرٍ عن إنفاذ بعث أسامة؛ فكيف يُمكن إرسالُ جيشٍ إلى أطراف الشام والمدينةُ مهدَّدةٌ تهديدًا خَطِرًا من قبائل الرِّدَّة المحيطة بها؟!
لكنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه أعلنها مدوِّيةً بكلِّ وضوحٍ وجلاء قائلًا: "والله لا أحلُّ عقدةً عقدَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنَّ الطَّير تخطَّفَنَا والسِّباع من حول المدينة، ولو أنَّ الكلاب جرَّت بأرجل أمَّهات المؤمنين لأُجَهِّزَنَّ جيشَ أسامة".
وفعلًا أُنفذَ بعث أسامة، وكانت نتيجته مبهرةً على المستويين الدَّاخلي والخارجي؛ فعلى المستوى الخارجي فقد حقَّق الجيش نصرًا كبيرًا على الروم الذين فرُّوا ولم يصمدوا للمواجهة عند بلوغ جيش أسامة إلى أطراف الشام.
وأمَّا على المستوى الدَّاخلي وهو الأهم؛ فقد حقَّق الجيشُ حالةً من الرَّهبة في نفوس قبائل العرب التي بدأت تُقدِّرُ بأنَّ المسلمين لو لم يكونوا يملكون جيوشًا أكبر من بعث أسامة لَمَا أقدموا على إرسال جيشٍ لمقاتلة الرُّوم، فألقيَ في قلوبهم الرُّعب وعَدَلُوا عن التَّفكير بمهاجمة المدينة التي كانت خِلوًا من أيِّ جيشٍ حينها.
فكان هذا الموقف صورةً من صور القوَّة بين أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما تُوضِّح بجلاءٍ من هو الأقوى.
الموقف الثالث: حروب الردة
تصف السيدة عائشة رضي الله عنها حالَ المسلمين بعد ارتداد قبائل العرب كلِّها عدا مدنٍ ثلاثٍ هي مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف بقولها: "لمـَّا تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم نَجَمَ النِّفاق، وارتدَّت العرب، واشرأبَّت اليهوديَّة والنصرانيَّة، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في اللَّيلة الشاتية".
كان رأي عمر رضي الله عنه الذي كان ينطق باسم جمعٍ غفيرٍ من الصحابة رضي الله عنهم عدم مقاتلة المرتدِّين وموادعتهم على الرغم من تمرُّدهم على الدَّولة، بل إنَّهم عرضوا على أبي بكر رضي الله عنه تحييد بعض المرتدِّين وقبائلهم ببعض المال يُدفَع لهم.
وحاول عمر رضي الله عنه إقناع أبي بكرٍ فقال له: "يا خليفة رسول الله تآلف الناس فأرفق بهم؛ فأجاب الصدِّيق رضي الله عنه: "أجبَّارٌ في الجاهليَّة خوَّارٌ في الإسلام، قد انقطع الوحي وتمَّ، أينقص الدِّين وأنا حيٌّ؟!".
عندها أعلن أبو بكر رضي الله عنه بكلِّ وضوحٍ لعمر رضي الله عنه قائلًا: "والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإنَّ الزكاة حقُّ المال". ثمَّ قال في قوَّةٍ بالغة: "والله لو منعوني عقالًا كانوا يُؤدُّونه إلى رسول الله، لقاتلتهم على منعه".
وحين حاول عمر رضي الله عنه ثنيه بالتساؤل عن الجيوش التي ستُحارب أين هي؟! قال أبو بكرٍ رضي الله عنه بكلِّ قوَّة: "أُقاتلهم وحدي حتى تنفردَ سالفتي".
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "فوالله، ما هو إلَّا أن رأيت أنَّ الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفتُ أنَّه الحق".
ثمَّ يُعلِّق بعد ذلك على قوَّة أبي بكر يوم الرِّدَّة فيقول: "والله لقد رجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمَّة جميعًا في قتال أهل الرِّدَّة".
ولقد حفظ الله تعالى الدين كلَّه بأبي بكرٍ يوم الرِّدَّة، وما زلنا نُعاينُ ثمار القُّوَّة التي واجه بها هذه المحنة الفاصلة في تاريخ الأمَّة كلِّها.
وهذه المواقف تكشف بجلاءٍ مَنْ هو الأقوى، وقد أشار ابن القيم رحمه الله تعالى إلى هذا فيقول: "كان الصديق رضي الله عنه أشجعَ الأمَّة بعد رسول الله؛ برز على الصحابة كلِّهم بثبات قلبه في كلِّ موطنٍ من المواطن التي تُزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيُثبِّتهم ويُشجِّعهم".
ما القيمة من هذه المفاضلة والمقارنة؟!
من الطبيعيِّ أن يتساءل المرء عن الهدف من هذه المقارنة والمفاضلة، ولا بُدَّ في البداية من التَّأكيد على أنَّ المقارنة والتَّفضيل بالقوَّة بين اثنين لا يعني نفيها عن أحدهما، وهذا ما لا يحتاجُ إلى تأكيدٍ ونحن نُقارن بين أوضح نموذجين في القوَّة الفذَّة، وأشهر علمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهما "الشَّيخان" في الإسلام من مبتدئه، وسيبقيان كذلك ما بقيت هذه الأمَّة وهذا الدِّين.
ومن أهمِّ ما يُفيد في هذه المفاضلة تشكيلُ الوعي بمفهوم القوَّة، لا سيَّما عند الشباب الذين يعيشون الآن في مرحلةٍ من أقسى مراحل الصِّراع بين الحقِّ والباطل.
بالإضافة إلى تصحيح النَّظرة إلى التَّاريخ ورسم منهجيَّاتٍ راشدةٍ في الحكم على الشَّخصيَّات التَّاريخيَّة تتجاوز حالة الصُّورة الانطباعيَّة التي تشكَّلت بعيدًا عن التمحيص الدَّقيق.
فضلًا عن الارتباط بذلك النَّموذج الفذِّ الذي حقَّق الفترة الراشدة النَّاصعة في تاريخ هذه الأمَّة الطَّامحة إلى الحريَّة والكرامة والقوَّة الرَّاشدة.
الجريمة بحق معاذ عمارنة ليست الأولى من نوعها... ياسر صبح يروي قصته
الجريمة بحق معاذ عمارنة ليست الأولى من نوعها... ياسر صبح يروي قصته - الجريمة بحق معاذ عمارنة ليست الأولى من نوعها... ياسر صبح يروي قصته - الجريمة بحق معاذ عمارنة ليست الأولى من نوعها... ياسر صبح يروي قصته - الجريمة بحق معاذ عمارنة ليست الأولى من نوعها... ياسر صبح يروي قصته - الجريمة بحق معاذ عمارنة ليست الأولى من نوعها... ياسر صبح يروي قصته
الجريمة بحق معاذ عمارنة ليست الأولى من نوعها... ياسر صبح يروي قصته
السبيل
إلى ثلاثة عقود مضت، عادت الذاكرة بالفلسطيني ياسر صبح، من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية المحتلة، وهو يتابع عن كثب ما حل بـالمصور الصحافي الفلسطيني معاذ عمارنة الذي فقد عينه اليسرى جراء إصابته بـرصاصة اسرائيلية قبل نحو أسبوعين، فهذه الحادثة جعلت شريط الذكريات يمر أمام صبح وكأنه يحدث الآن، حينما تعرض للإصابة ذاتها، في ذروة انتفاضة الحجارة (1987 - 1992)، وفقد على أثرها عينه اليسرى أيضا.
ما جرى مع عمارنة، نكأ جراح صبح من جديد، الذي قال لـ"العربي الجديد": "تذكرت تلك الساعات العصيبة، مساء السادس من يونيو/ حزيران عام 1989، حينما اندلعت مواجهات عنيفة في نابلس، فأطلق قناص إسرائيلي رصاصة باتجاهي، كادت أن تُفجر رأسي، لولا أنها أصابت أنفي فهشمته، وانحرفت ودخلت عيني اليسرى".
شدة الإصابة جعلت البعض يعتقد أن ياسر الذي كان حينها في التاسعة عشرة من عمره، قد ارتقى شهيدا، وبالفعل فقد تم نعيه عبر مكبرات الصوت في مساجد نابلس، لكن خلال ساعات، جرى نقله إلى مستشفى في القدس المحتلة، وخضع لعملية جراحية، إذ تبين أن الرصاصة قد كسرت الحاجز بين العين والدماغ، لكنها لم تخترقه، وقد تعرضت العين للتلف الكامل، فقرر الأطباء استئصالها، لكنهم لم يبلغوا ياسر بذلك، وفي اليوم الرابع، دخل ياسر إلى الحمام، ورفع الغطاء عن عينه، فرأى كتلة لحمية حمراء ملتهبة، فأدرك أنه فقد عينه إلى غير رجعة، فوقع مغميا عليه.
ليس هذا فحسب، بل إن مقدمة الرصاصة، وهي بطول واحد سنتيمتر، لا تزال في رأسه، لم يتمكن الأطباء من استخراجها نظرا للخطورة الكبيرة التي قد تترتب على ذلك، تماما كما جرى مع المصور معاذ عمارنة.
وقد تسبب ذلك بإصابة ياسر بالصداع النصفي (الشقيقة) المزمن، وهو حتى اليوم، يجري فحوصات دورية وصورا طبقيةً، خوفا من أي مضاعفات قد تسببها الرصاصة الساكنة قرب جمجمته.
ما حدث مع صبح يؤكد أنه "نجمة في رأسه"، ويقول: "كلما تألمت منها، تذكرت كم نعاني من هذا الاحتلال الإسرائيلي! أنا فقدت عيني وغيري فقد روحه في سبيل الوطن".
رغم فداحة الضرر، لم يستسلم ياسر، وما ساعده على ذلك أنه كان وما زال يعمل في مجال البصريات وصناعة النظارات الطبية، ما يعني أنه مطلع بالكامل على وظائف العين وطرق معالجتها.
عن ذلك، يقول موجها حديثه لمعاذ عمارنة: "إن فقدان عين، يعني خسارة 25 في المائة فقط من الرؤية، لكن المشكلة تكمن في البعد الثالث، أي تقدير المسافات، خاصة للأجسام المتحركة بسرعة، بمعنى أنك لن تستطيع التقاط كرة رمى بها صديق باتجاهك، لذا فلا حل لذلك إلا بالتأقلم والتكيّف مع الوضع الجديد، حيث ستعاني يا معاذ قليلا مع سياقة السيارة والرياضة، لا سيما التي تُلعب بالكرة، أما بخصوص الشكل الخارجي، فيكمن الحل بعين صناعية فقط، تماما كما هو حالي اليوم"، مشيرا إلى أنه زرع عينا صناعية في روسيا - الاتحاد السوفييتي سابقا - بتوصية مباشرة من الرئيس الراحل ياسر عرفات.
أما على صعيد الحياة الاجتماعية والمهنية، فقد سارت بشكل طبيعي بالنسبة لياسر، حيث يقول: "رسالتي لمعاذ أن الإيمان بالله هو كلمة السر، كذلك في قوة الشخصية، والثقة بالنفس، وأنا شخصيا حققت نجاحاتي المختلفة بعد الإصابة، وأنت سوف تبدع وتتميز، لأنني شاهدتك ولمست فيك التحدي والإصرار على مواصلة الطريق، يمكن لمعاذ أن يعود لعمله كمصور صحافي، عينه السليمة مع عين الكاميرا، ستعوضانها بإذن الله".
خمس خصال مهلكات - خمس خصال مهلكات - خمس خصال مهلكات - خمس خصال مهلكات - خمس خصال مهلكات
خمس خصال مهلكات
د. علي العتوم
(حدَّثنا محمود بن خالد الدمشقي، حدَّثنا سُليمان بن عبد الرحمن أبو أيّوب عن أبي مالك عن أبيه عن عَطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر، قال: أَقْبَل علينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم، فقال: يا معشرَ المُهاجِرِينَ، خمسٌ إذا اُبْتُلِيتُم بِهِنَّ، وأعوذُ باللهِ أنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لمْ تَظْهَرِ الفاحشة في قومٍ قطّ حتَّى يُعلِنوا بها، إلاّ فَشا فيهم الطّاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافهم الذين مَضَوْا، ولم يُنْقِصُوا المكيال والميزانَ إلاّ أُخِذُوا بالسنينَ وشِدَّةِ المؤونة وجَوْرِ السلطانِ عليهم، ولم يمنعوا زكاةَ أموالهم، إلاّ مُنِعوا القَطْرَ مِنَ السماء، ولولا البهائِمُ لم يُمْطَروا، ولم ينقضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسوله، إلاّ سَلطَ اللهُ عليهم عدوّاً من غيرهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب اللهِ، ويتخيَّروا مما أنزل الله، إلاّ جعل اللهُ بأسهم بينهم).
سُنن ابن ماجة ج(2) رقم الحديث (4019) باب العقوبات (22)، ص(1332).
تعليقات:
1. التعريف:
المهاجرون: هُمُ المسلمون الذين هاجروا من مكةَ إلى المدينة فِراراً بدينهم لمّا تجهَّمتْ قريش للإسلامِ والمسلمين، وَوَقَفَتْ في وجه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلّم حجر عثرة تصدُّ عن الإسلام وتُؤذي مَنْ دَخَل فيه. وهم الذين آخَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة بينهم وبين إخوانهم أهل المدينة من الأوس والخزرج الذين ناصروهم وأيَّدوهم ودخلوا في دينهم وآوَوْهم في بيوتهم وقاسموهم متاعهم وديارَهم.
وكان المهاجرون والأنصار الصفَّ الأول في المجتمع الإسلامي: عِظَمَ فهمٍ للإسلام، وصلابةَ إيمانٍ، وقوَّةَ عقيدةٍ، وحَمَلةَ دعوةٍ للدين والدفاع عنه، وإنْ كانت منزلة المهاجرين أعظم لأنّهم سبقوا إلى الإسلامِ وحَمَلوا دعوته واكتَوْوا بنار المشركين.
قال تعالى في الفئتين تكريماً وتعظيماً، سبحانه: (إنَّ الذينَ آمنُوا وهاجَرُوا وجاهَدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللهِ والذين آوَوْا ونَصَرُوا، أولئِكَ بعضهم أولياءُ بعضٍ)، ومن ثَمَّ قال أبو بكر رضي الله عنه لهم: (نحنُ الأمراء وأنتمُ الوزراء).
وقد خصَّهم بالحديث هنا، وإنْ كان الكلامُ عامّاً لهم ولغيرهم، لأنّهم لعلّهم كانوا هُم الحاضرينَ في المجلس دونَ غيرِهم حيثُ تحدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذٍ.
2. المعاني:
خمس: أي سيِّئات وخطايا. ابتُليتم: أُصِبتم من البلوى. أعوذ بالله: ألتَجِئ إلى الله طالباً أنْ لا تبلغوهنَّ أو تقعوا فيهنَّ. الفاحشة: الزِّنا. يُعلِنوا بها: تظهر فيهم وتُعرَف عنهم وتشتهر. فشا، يفشو: انتشرَ، ينتشِرُ. الطاعون: داء يظهر على شكل بَثَرات على الجسم، وقد وَقَعَ في المسلمينَ أيامَ فتحِ بلاد الشام، وسُمِّيَ بطاعون عِمواس، لأنّه وَقَعَ فيهم هناك وهي بلدة بفلسطين. الأوجاع: الأمراض والأسقام، جمع وَجَع. أسلافهم: آبائِهم وأجدادهم. يُنقصوا المكيال والميزانَ: يُطفِّفوا فيهما ويتلاعبوا، وقد قال سبحانه لهؤلاء: «ويلٌ للمُطَفِّفينَ. الذينَ إذا اكْتالُوا على النّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وإذا كالُوهُمْ أو وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. أَلاَ يَظُنُّ أولئِكَ أنّهم مبعوثونَ. ليومٍ عظيمٍ. يَوْمَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمينَ»؟! السنين: جمع سَنة، وهي القحط والجدب. شدّة المؤنة: قلّة الحاجة من غذاء ولباس ودواء. جور السلطان: ظلم الحُكّام. القطْر: المطر. البهائم: الدوابّ، الحيوانات، الأنعام. ينقضوا عهد الله ورسوله: ينكثوا بأمرهما. بعض ما في أيديهم: سلبوهم مالهم من أرضٍ ومتاعٍ. بأسهم بينهم: حاربَ بعضهم بعضاً وتفانَوْا وتركوا قتال العدوّ.
3. ما يستفاد من الحديث:
أ. الذنوب إذا وَقَعَتْ في الأُمّة كانت عليها أشدَّ من أسلحة العدوّ وقوّاته، وهي مجلبةٌ لغضب الله عليها وسلبِ نعمه عنها جزاءً وِفاقاً.
ب. هذه الذنوب المذكورة هنا - ولعلّها أعظم الذنوب من ناحيةٍ وأشدّ البلايا والخُطُوب من ناحيةٍ أُخرى - هي: الزنا، التطفيف في البيوع، منع الزكاة، الخروج على عهدِ الله وعهدِ رسوله، ترك الحكم بما أنزل الله. كُلُّ ذنبٍ تُقابِلُه مصيبة في الأُمّة شديدة، فالزنا: جَلب الأمراض الفتّاكة، والتطفيف: المحل وجور الحكّام، ومنع الزكاة: منع المطر، والنكث بعهدِ اللهِ وعهدِ رسوله: تسليط العدوّ عليهم وسلبِ ما معهم، وترك الحكم بما أنزل الله: جعل بأسهم بينهم شديداً.
ج. هذه البلايا واقعة اليوم في الأُمّة الإسلامية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها وآثارها الفظيعة واقِعة فيها كذلك، وهي مُشاهدة مُشاهَدَةَ العِيان، أمّا حالها فهو لا يخفى على إنسانٍ: فقر وذلّ وهَوان وأسقام وسيطرة أعداء واحتراباً داخليّاً، وجَوْر حُكّامٍ وعسفِ سلطان.
د. لا بُدَّ من التمسُّك بالإسلام كتاباً وسُنّةً قولاً وعملاً والقيام بالدعوة إلى الله، تذكيراً وتحذيراً، أمراً بالمعروف وإنكاراً للمنكر، وإلاّ هَلكْنا وذَهَبَتْ ريحُنا وأضحينا أَثَراً بعدَ عينٍ، نسأل اللهَ العفوَ والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
مغبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - مغبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - مغبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - مغبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - مغبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مغبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
دروس مسجدية (196) مغبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
د. علي العتوم
(عن جرير، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما مِنْ رجلٍ يكونُ في قومٍ يعملُ فيهم بالمعاصي يَقْدِرُونَ أَنْ يُغيِّرُوا عليه، فلا يُغيِّرونَ، إلاّ أصابَهُمُ اللهُ بعقابٍ قبلَ أنْ يموتوا) ابن كثير (الحلبي) ج2 ص(75).
تعليقات:
1. التعريف:
جرير: هو جرير بن عبد الله البَجَلِيّ نسبة إلى قبيلة بجيلة من اليمن. أسلمَ قبلَ وفاةِ النبي – صلى الله عليه وسلّم بأربعينَ يوماً. قال رضي الله عنه: «ما حَجَبَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمتُ، ولا رآني إلاّ ضَحِكَ». وقد أرسله إلى صنم ذي الخَلَصَة ليَهدِمَه ودَعا له رسولُ الله بالنُّجْحِ والتوفيق في ذلك. روى عنه بنوه: عبد الله والمنذر وإبراهيم. وله في حروب العراق أَثَرٌ عظيم في القادسية وغيرها. وكان جرير جميلَ الصورة حَسَنَها، قال عنه عمر رضي الله عنه، لهذا: «جرير يُوسف هذه الأُمّة». وقد كان سيِّد قومه بجيلة. تُوفِّيَ رضي الله عنه سنة 51 للهجرة.
2. المعاني:
قوم: جماعة من الناس وتنصرِف إلى الرجال دون النساء، قال تعالى: (يا أيُّها الذينَ آمنُوا لا يسخَر قومٌ من قومٍ عَسَى أنْ يكونُوا خيراً منهم، ولا نساءٌ من نساءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خيراً مِنْهُنَّ)، وقد تُطلَق على الجنسَيْن. المعاصي: الخطايا والذنوب، جمع معصية، وقالوا: المعاصي بريدُ الكفر. يُغيِّروا عليه: يُنكِروا. أصابهم بعقابٍ: أوقَعَه عليهم.
3. ما يستفاد من الحديث:
أ. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةٌ من فرائض الإسلام، وهو فرض كفاية إنْ قام به بعضهم كَفَى وسَقَطَ عن الآخرين، وإلاّ عُدَّ الجميعُ آثمينَ وعمَّهُمُ اللهُ بعقابٍ من عنده، وهذه الفريضة هي خُلُقُ المؤمنينَ وهم بها أولياءُ بعضهم بعضاً، قال تعالى: (والمؤمنونَ والمؤمنات بعضهم أولياءُ بعضٍ، يأمرونَ بالمعروفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المنكرِ)، وبالتالي هم أولياء الله عزّوجل. وهو بثلاث درجات: باليد، واللسان، والقلب وهو أضعف الإيمان، وذلك حسب الاستطاعة والمشروعية. قال الرسول صلى الله عليه وسلّم: (والذي نفسي بيدي لتأمُرُنَّ بالمعروف ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يبعثَ عليكم عقاباً منه، ثُمَّ تدعونَه فلا يُستجابُ لكم).
ب. الفتنةُ إذا وَقَعَتْ عقاباً لِمَنْ لَمْ يقمْ بهذه الفريضة تَعُمُّ ولا تَخُصُّ، يُصابُ بها الساكت عنها ولو لم يقترفها، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلّم هذا، ولقوله سبحانه: (واتَّقُوا فتنةً لا تُصيبَنَّ الذينَ ظَلَموا منكم خاصّةً، واعلموا أنَّ اللهَ شديدُ العقابِ)، وقوله تعالى عن قومِ صالح الذين تواطَأَ على عقرِ ناقته منهم تسعة رهط، لكنَّ العذابَ عندما وَقَعَ شَمَلَ الجميعَ، لأنّهم لم يأخذوا على يدِ قُدار بن سالف وعصابته: (فَدَمْدَمَ عليهم ربُّهُمْ بذنبِهِمْ فسوّاها. ولا يَخافُ عُقباها)، وقوله تعالى في الحديث القدسي عن العابد الذي لم يعصِه طرفةَ عينٍ، ولكنْ لم يُنكِر على أصحاب المنكرات: (بِهِ ابدَأوا لأنَّ وجهه لم يتمعَّر يوماً في سبيل الله).
ج. في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حياةُ الأُمم والشعوب، وبتركِ ذلك فساد يستشري، ومظالم تُرْتَكَب، وانحطاطٌ تؤول إليه، إذْ بهذه الفريضة حياةُ النفوس وبغيرها مَواتها، وإصلاح النفوس أهمّ من إصلاح الأجساد، لأنَّ الإنسان بنفسه وروحه لا بجسده وأجلاده.
د. خزي الأُمم الفاسدة خِزيان دنيوي وأُخرَوِي، قال تعالى: (وإنْ مِنْ قريةٍ، إلاّ نحنُ مُهلِكوها قبلَ يومِ القيامة أو معذِّبوها عذاباً شديداً، كان ذلك في الكتاب مسطوراً)، وقال: (كذلك العذاب، وَلَعذابُ الآخرةِ أكبرُ لو كانوا يعلمونَ) يعني عذابَ أهلِ الجنّة (البستان أو الحديقة) التي اتَّفَقَ أصحابها أنْ يمنعوا حقَّ الفقراءِ فيها، فعاقبهم الله بإحراقها. وهو لا شكَّ نكايةٌ شديدةٌ، ثُمَّ هناكَ لهم عذاب الآخرة ينتظرهم لمنعهم مال اللهِ عن مستحقِّيه. وقد كان إعطاؤُه للفقراء عادةً طيبةً كان يعتادها أبوهم، فلمّا ماتَ عَزَموا على قطعها، فأصابهم ما أصابهم.