رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس
محمد إسعاف النشاشيبي
هو محمد إسعاف بن عثمان بن سليمان النشاشيبي، وُلِد في عام 1885م بالقدس لأبٍ من كبار أثرياء الشام.. فعاش ربيبَ نعمة، في سعة من العيش وبَسطة في الرزق.
وُلِد وعاش في القدس، وتعلّم في المدرسة البطريركيّة ببيروت، ثم كَتب كثيراً في الصحف والمجلات، ونَظَمَ الشعرَ ثم تركه، وقد وَرِثَ عن أبيه ثروةً عظيمة.
والعلامة إسعاف النشاشيبي أحدُ علماء القدس الشريف، نذَر حياته للذَّوْدِ عن اللغة العربية التي تمثّل جزءًا أساسياً من الشخصية الإسلامية. وعاش مجاهدًا بلسانه وقلمه، عَلَمًا للأدب وواحدًا من رجالات عصره الذين أمدهم الله بموهبة فَذَّةٍ بلَّغتْهم كمالَ القول وجمالَ التعبير، وبقدر ما كان ذلك العَلَمُ ضئيلَ الجسم نحيلَه كان يأخذ بزمام الأمور في المجالس إذا تحدّث، ويوجّه دفة الحديث إذا أَطلق لسانَه مُتناوِلاً قضيةً من القضايا، في حضور كرام العلماء والأدباء والشعراء، ورجال السياسة والسفراء.
أحوال عصره:
عاصر أديبنا النشاشيبي حِقْبَة التراجع العربي والإسلامي، وانْقِضَاض الاستعمار الأوروبي على المشرقِ الإسلاميِّ أواخرَ القرنِ التاسعِ عَشَرَ وأوائل القرن العشرين، ورأى من قومه أقلاماً وألسنة مفتونةً تنادي بأخذ حضارة الغرب بحَسَنِها وخبيثِها، ومَنْ ينادي باستعمال الحروف اللاتينية في الكتابة إمعانًا في الانْسلاخِ من كلّ ما يمتُّ للهوية بصلة. وقد صبَّ النشاشيبي نيرانَ غضبِه على المتغرِّبين المنسلِخين من إسلامهم، الداعِينَ إلى إهْدَارِ العربية ونبذها.
مواقفه:
حينما قلَّدَهُ رئيسُ جمهورية لبنان وسامَ الاستحقاق المذهّب، قام النشاشيبي فألقى خطبة بليغة، جاء فيها: ".. وإنَّا ـأممَ اللسانِ الضادِيِّـ لَعُرْبٌ، وإن لغتَنا هي العربيةُ، وهي الإرْثُ الذي ورِثْنَاهُ. وإنَّا لَحَقِيقُونَ -والآباءُ هُمُ الآباءُ واللغةُ هي تلك اللغةُ- بِأَنْ نَقِيَ عربيةَ الجنسِ وعربيةَ اللغةِ، نَقِيَ العَرَبِيَّتَيْنِ مما يَضيرُهُمَا أو يُوهِنُهُمَا..".
أعماله:
راح العلامة النشاشيبي يُصدِر مؤلَّفاته التي ظهر فيها نُضجٌ كبير وعمقٌ في الرؤية والفهم، داعيًا أمته إلى المجاهدة التي لن تنجح بالإيمان والشجاعة وحدهما، بل لا بدّ معهما من الإحاطة بالعلوم الحديثة، وقد أشار إلى أنَّ انتماءَه للعربية لا يَعني إغفالَه لما تَحْوِيهِ الحضارةُ الأوروبيةُ من جوانبَ مهمةٍ يَنْبَغِي استيعابُها.. ولم يدْعُه إيمانُه العظيمُ بحضارة المسلمين إلى نَبْذِ الحضاراتِ الأخرى والنَّأْيِ عن التزوُّدِ منها بما يتفق وروحَ الإسلام، ويُعيّن على الجهاد. فمن أقوالِه في كتاب "قلب عربي وعقل أوروبي": "تِلْكُمْ مَدَنِيَّةُ الغرب، فالخيرُ كلُّ الخيرِ في أنْ نَعرفَها، والشرُّ كلُّ الشرِّ في أنْ نَجهلَها، وإنّا إذا عَادَيْنَاهَا -وهي السائدةُ السَّاطِيَةُ- اسْتَعْلَتْنَا، وإنَّا إذا نابذْناها ونَبَذْنا عليها حَقرتْنا، وهي مدنِيّةٌ قد غَمَرَت الكرةَ الأرضيةَ، فليس ثَمَّةَ عاصمٌ وإنْ أَوَيْتَ إلى المِرِّيخِ".
وكان النشاشيبي أحد أعضاء المَجْمَعِ العلمي العربي بدمشق، ونُعِتَ بأديب العربية، وقد أثْرى المكتبةَ العربيةَ بعدة مؤلفات كرَّسَهَا لتخدم العربية ولتتناول عظماء العرب بما هم أهلُه من إبراز المحاسن والمنجزات، ومن تلك المؤلفات: "كلمة في اللغة العربية"، "قلب عربي وعقل أوروبي"، "العربية في المدرسة"، "البطل الخالد صلاح الدين"، "الشاعر الخالد أحمد شوقي"، "العربية وشاعرها الأكبر أحمد شوقي". وكانت مجلة الرسالة تَعقد ندواتٍ أدبيةً ثريةً تدعو إليها خيرةَ رجال الأدب والعلم، ومن هنا توطّدت العلاقةُ بين الأستاذ النشاشيبي وبين الأديب الكبير أحمد حسن الزيّات، صاحب مجلة الرسالة، الذي أثنى على النشاشيبي بقوله: "لقد وَقَفَ نفسَه وجهدَه على دراسةِ الإسلام الصحيح في مصادره الأولى، وتحصيلِ اللغة العربية وعلومِها وآدابِها من منابعِها الصافية، فكان آيةً من آيات الله في سعة الاطّلاع وتَقَصِّي الأطراف، وتمحيص الحقائق.. لا تُذكَر مسألة إلا كان له عنها جواب، ولا تُثار مشكلة إلا أشْرَقَ له فيها رأيٌ، ولا تُروَى حادثةٌ إلا أورد عليها المَثل، ولا يَحضر ندوتَه أديبٌ مطَّلِعٌ إلا جلس فيها جلسة المستفيد، فهو من طراز أبي عبيدةَ (معمر بن المثنى) والمُبَرِّدِ، لذلك كان أكثرُ ما يكتبه تحقيقًا واختيارًا وأماليَّ، وكان خاتمةَ طبقة من الأدباء اللُّغويين المحقِّقين".
لقد نَفَذَ النشاشيبي إلى أعماق العربية، وفي سبيلها تجرع كئوس التعب، حتى نَبَشَ جُلَّ كتبِها تحصيلاً وفهمًا واستظهاراً، يتجلى ذلك بأقلِّ متابعةٍ لكتاباته التي حَوَتْ بين جنباتها عِلمًا ونوادرَ وطُرَفًا منتقاةً من مئات الكتب لأرباب البلاغة والبيان من أمثال: "عيون الأخبار" لابن قتيبة، و"شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد، و"معجم البلدان" و"معجم الأدباء" لياقوت الحموي، و"خاص الخاص"، و"يتيمة الدهر" للثعالبي..
وفاته:
كان الرجلُ شغوفًا بالقاهرة، متطلّعًا لشاعرِها الأكبرِ صديقِه الحميمِ؛ أحمد شوقي، يَفِدُ إليها كلَّ عامٍ مُتَطَبِّبًا، وربما طَبَعَ بعضًا من كُتُبِهِ. وفي شتاء عام 1948م كان على موعدٍ مع القدر، حيث قَضَى نحبَه بأحد مستشفيات القاهرةِ بعد حياةٍ حافلةٍ بالعطاء زاخرةٍ بالجهاد والكدّ والمصابرة.
رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس
خليل السكاكيني
خليل السكاكيني (1878 - 1953)
خليل السكاكيني (23 يناير 1878 - 13 أغسطس عام 1953) أديب ومرب فلسطيني مقدسي مسيحي اهتم باللغة والثقافة العربية ويعتبر من رواد التربية الحديثة في الوطن العربي [1] الأمر الذي كان له أثر كبير في تعليم عدة أجيال. وكان عضواً في المجمع اللغوي بالقاهرة.
نشر له إثنا عشر مؤلفًا في حياته. عاش في فترات متلاحقة في كل من فلسطين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وسوريا ومصر. اعتقل في القدس أثناء الحرب العالمية الثانية وسجن في دمشق ولكنه تمكن من الخلاص من سجنه والتحق بقوات الثورة العربية. وفي طريقه للانضمام اليهم كتب نشيد الثورة العربية. [2]
• حياته المبكرة وانتقاله لأمريكا
ولد خليل السكاكيني في القدس وتلقى تعليمه في المدرسة الأرثوذكسية في القدس، ثم انتقل إلى الكلية الجمعية الإنجليكانية التبشيرية (CMS) ومنها إلى كلية صهيون الإنجليزية في القدس ودرس فيها الآداب. ثم انتقل بعد تخرجه عام 1908 إلى المملكة المتحدة لفترة وجيزة انتقل بعدها إلى أمريكا. حيث عمل في تعليم اللغة العربية وساهم في كثير من المطبوعات الصادرة في ولايات الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية كما قام بالكثير من أعمال الترجمة. لكنه قرر العودة إلى الوطن قبل مضي عام على قدومه إلى أمريكا.
عودته إلى فلسطين
حال عودته إلى فلسطين، عمل السكاكيني صحفياً في جريدة الأصمعي المقدسية كما درَّس اللغة العربية في مدرسة الصلاحية في القدس. وامتد نشاطه إلى تدريس الأجانب اللغة العربية فيما يعرف بالأميريكان كولوني (the American Colony) في القدس. إلا أنه قرر أن ينشيء مدرسته الخاصة في القدس عام 1909 أسماها بمناسبة أعتماد دستور الامبراطورية العثمانية الجديد، المدرسة الدستورية.
المدرسة الدستورية
ما إن افتتحها حتى ذاع صيتها بسبب توجهها الوطني وبسبب منهاجا رائدا في ذلك الوقت اتبعه خليل السكاكيني فيها. لم يعتمد فيها نظام الدرجات، ولم يتبع أسلوب العقاب والثواب، وإنما ركز على التعليم والموسيقى والتربية البدنية.
مواجهته لكنيسة الرم الأرثوذكس
تمسك خليل السكاكيني بعروبته دعاه لمطالبة كنيسة الروم الأرثودكس في القدس إلى تعريب لغتها وتعريب الصلوات فيها وطالبها وبأن لا يصلى فيها باللغة اليونانية وأن لا تستخدم فيها إلا اللغة العربية، ونشر في هذا الصدد منشورا عام 1913 بعنوان "النهضة الأرثوذكسية في فلسطين". هذا الأمر دعا الكنيسة إلى إعلان إبعاده منها. وكان مدرس وتوفي عام 1953م
منهجه في التعليم
آمن بتحديث وسائل التعليم واستخدام الوسائل البصرية. وكتب عدة مؤلفات تشرح منهجه كما أنه أعد وألف الكثير من كتب المناهج الدراسية في مجال اللغة العربية. وكان من أهمها كتاب اللغة العربية للصف الأول الإبتدائي الذي يبدأ بدرس كلمتي (راس - روس) [3] المدعمة بالصور والشرح. وقد درس هذا الكتاب عشرات الآف من الطلاب من بدايات العشرينات وحتى عدة سنوات بعد وفاته وإلى منتصف الستينات.
سجنه
في نوفمبر 1918، أثناء الحرب العالمية الأولى طالبت الحكومة المواطنين الأمريكيين بتسليم أنفسهم وإلا عدّوا جواسيس. أحد معارف السكاكيني، آلتر ليفين الذي كان يهوديا أمريكيا لم يسلم نفسه بل التجأ إلى بيت خليل السكاكيني الذي آواه لعدة أيام إلى أن اكتشفت الشرطة أمره فتم اعتقالهما ونقلا إلى السجن في دمشق.
قضى خليل السكاكيني في السجن حوالي شهرين ونصف، تم بعدها إطلاق سراحه بالكفالة ثم تمت تبرئته لاحقا، إلا أن احتلال إنجلترا لفلسطين حال دون عودته، فأقام في دمشق حوالي 10 أشهر حتى آب / أغسطس 1918 حين غادرها مع مجموعة من الرجال للإنضمام إلى الثورة العربية الكبرى في الحجاز. ثم جاء مصر لكن السلطات الإنجليزية منعته من دخول فلسطين فأقام في مصر نحو شهرين حتى تمكن من العودة إلى القدس.[4]
عمله الحكومي
عين عام 1919 مديرا لدار المعلمين في القدس لكنه استقال احتجاجا على تعيين هربرت صموئيل اليهودي الأصل ليشغل منصب المندوب السامي لبريطانيا في فلسطين. بعد مغادرة هربرت صموئيل فلسطين عاد للعمل مفتشا عاما للغة العربية في فلسطين. وبدأ بكتابة مقالاته وأشعاره السياسية المعارضة في المقتطف والهلال والسياسة الأسبوعية.
مؤلفاته
• فلسطين بعد الحرب الكبرى (القدس سنة 1920)
• مطالعات في اللغة والأدب (القدس سنة 1925)
• سريّ (القدس سنة 1935)
• حاشية على تقرير لجنة النظر في تيسير قواعد اللغة العربية (القدس سنة 1938)
• لذكراكِ (القدس سنة 1940)
• وعليه قس (القدس سنة 1943)
• ما تيسّر - جزءان (القدس سنة 1943، 1946)
• الجديد في القراءة العربية - أربعة أجزاء (القدس بين سنة 1924 وسنة 1933). (انظر مادة الجديد المعدل في القراءة العربية في هذه الموسوعة).
• الأصول في تعليم اللغة العربية - الدليل الأول والدليل الثاني (القدس سنة 1934،1936)
المصادر والمراجع
1. ^ درس في الأدب والشعر
2. ^ كتاب رجال من فلسطين للكاتب عجاج نويهض
3. ^ جريدة الرأي يا مدارس يا مدارس
4. ^ كذا أنا يا دنيا، يوميات خليل السكاكيني
رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس
أمين بن محمد الخطيب الكناني
ولد في المدرسة الجوهرية قرب باب الحديد في القدس عام 1926، لعائلة تنتمي إلى الشيخ برهان الدين بن جماعة الكناني (ت 1388).
من أشهر الناشطين في الجمعيات الخيرية في منطقة القدس. تلقى علومه في المدرسة البكرية والمدرسة الرشيدية. نال شهادة بكالوريوس علوم من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1948 ثم شهادة الطب من الجامعة السورية في دمشق عام 1954.
عمل في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في إربد وأريحا. وبعد عودته إلى القدس عمل في مستشفى سبافورد للأطفال، إلى جانب عيادته الخاصة في عمارة دير الأرمن الكاثوليك في طريق المجاهدين، حيث استمر عطاؤه فيها حتى عام 1994. كما عمل طبيبا (متبرعا في الغالب) في جمعية الملجأ الخيري الأرثوذكسي ودار الطفل العربي ودار الأولاد ودار الأيتام الإسلامية ومدرسة المطران وجمعية الشبان المسيحية ومقر الجاليتين الإفريقية والمغربية.
انتخب رئيسا للإتحاد العام للجمعيات الخيرية في منطقة القدس حتى عام 1993. شارك في تأسيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية وعياداتها في ضواحي القدس ونادي الخريجين العرب ومشروع محو الأمية وجمعية بيت الرحمة الإسلامي وجمعية المعاقين حركيا وجمعية الصحة النفسية والكلية العربية للمهن الطبية وغيرها كثير. كان عضوا في مجلس أمناء جامعة القدس.
شارك في عدة مؤتمرات محلية وعربية وعالمية. مُنح لقب (عميد العمل الاجتماعي التطوعي) في فلسطين عام 1997، إضافة إلى تكريمه في عدة مؤسسات، حيث يحظى باحترام وتقدير مختلف فئات الشعب. ومن أبرز صفاته التواضع الجم وحب الخير للجميع.
من الاعلام المقدسية - من الاعلام المقدسية - من الاعلام المقدسية - من الاعلام المقدسية - من الاعلام المقدسية
دور الشيخ عبد العزيز الثعالبي في الدفاع عن القدس وفلسطين
إنه مجاهدٌ كبيرٌ، وعلمٌ من أعلام الوطنية والإصلاح، وداعيةٌ من أبرز الدعاة إلى العروبة والإسلام في عصره الذي تميز بظهور عدد من العمالقة الذين وقفوا في وجه الطوفان القادم مع الاستعمار الغربي، احتلالاً للبلاد، وتشويهاً لقيم العروبة والإسلام، وتدميراً للنفوس بتدمير أخلاقها، وغزواً ثقافياً عمل على تخريب المجتمعات العربية والإسلامية، بإحلال قيم مكان قيم، ونهب الثروات، وإفقار الناس..
إنه من جيل الرواد الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين وهو جيل فريد في تكامل شخصيته.. فهو جيل السياسة، والجهاد، والاقتصاد، والإصلاح الديني والاجتماعي، جيل التضحية بكل شيء في سبيل المُثُل التي يدافع عنها، والأرض التي احتلها الأجنبي، والشعب العربي المسلم الذي يستذله ويضطهده.
كان الشيخ عبد العزيز الثعالبي مجاهداً فذاً يقاتل على أكثر من جبهة، وفي أكثر من ميدان.. يقاتل طغياناً غربياً شرساً متوحشاً لا يرحم، وتحمّل في جهاده هذا الكثير من الأذى، اعتقالاً، وتعذيباً، ومحاكمات، ونفياً، ومصادرة، وتشويهاً للسمعة، ولم يعبأ بما أصابه من ألوان الإيذاء، لأنه يجاهد في سبيل الله، ومن أجل هذه الأمة، من أجل دينها، وقيمها، وأرضها، وثرواتها، وكرامتها.
المولد والنشأة:
ولد الشيخ عبد العزيز الثعالبي في مدينة تونس عام 1874م في أسرة علم وفضل ودين وجهاد، ومن أصل جزائري، وترعرع في رعاية جدّه المجاهد عبد الرحمن الثعالبي الذي كان من مجاهدي الجزائر ووجهائها المعروفين، فتخلّق بأخلاقه، وتشبّع بمبادئه وقيمه.
كان جدّه عبد الرحمن هذا، مجاهداً قاتل الفرنسيين الذين غزوا بلاده (الجزائر) عام 1830 وأصيب برصاصات في صدره، وكان له دور متميز، رفض إغراءات كبيرة حاول الاستعمار إغراءه بها، كمنصب قاضي القضاة، ثم غادر مدينته (بجاية) إلى تونس، مخلّفاً وراءه بيته وعقاره وأمتعته، وأهله، ووطنه.
حفظ عبد العزيز القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، ودرس النحو والعقائد والآداب قبل أن يلتحق بجامع الزيتونة الذي أمضى فيه سبع سنين، وتخرج فيه عام 1896 حاملاً شهادة التطويع، ثم تابع دراسته العليا في المدرسة الخلدونية، ثم انخرط في الحياة العامة، مجاهداً في سبيل الله، كما كان جدّه، ومن أجل النهوض بشعبه التونسي، وأمته العربية والإسلامية.
دور الثعالبي في الحركة الوطنية في تونس
غزت فرنسا البلاد التونسية بجيش قوامه ثلاثون ألف مقاتل، واضطر (الباي) إلى توقيع معاهدة (باردو) وإعلان الحماية على البلاد في 12/5/1881 ولم يعترف الشعب التونسي بهذه المعاهدة، وهبّ يدافع عن أرضه وكرامته، ولكن الوحشية الفرنسية نكلت به، حتى اضطرته إلى الهدوء لأنه لم يعد من الممكن له الاستمرار في المقاومة المسلحة، ولكن إلقاء السلاح لا يعني السكوت على الاحتلال والاستعمار، فقد اضطلع عدد من العلماء والمفكرين والسياسيين بالعمل السياسي لتحرير الوطن، وكان في طليعة هؤلاء الشيخ عبد العزيز الثعالبي رحمه الله.
وقد اعتبره الفرنسيون عدوهم الأول، وحق لهم ذلك، فمنذ أن غزا الفرنسيون بلاده التونسية وهو في السابعة من عمره، لم تفارق ذاكرته ما وعته من ذلك الاجتياح الهمجي لجيش همجي جاء ليحتل ويقتل وينهب ويغتصب ويسكر ويعتدي على الحرمات، كما لم ينس الدموع التي غسلت لحية جده المجاهد، وهو يرى الفرنسيين يحتلون تونس، بعد أن احتلوا بلده الجزائر.
وذات مساء ، وبينما كان الثعالبي يؤكد لبعض أصدقائه : " إننا في تونس لسنا شعبا منعزلا ، بل نحن جزء من أمة كبيرة ، أمة عظيمة " ، داهم جنود الإحتلال البشعون الرجل وأصدقاءه ، في مكتب الجريدة ، وصادروا كل ما فيها، وأغلقوها، واعتقلوا الثعالبي وأبلغوه قرار الحاكم العام بنفيه إلى خارج وطنه ، إلى مصر .
ضحك الثعالبي وهو يقول : "لو أن هذا الحاكم الأجنبي الأبله قرأ التاريخ ، وعرف من نحن ، لما قرر إبعادي إلى مصر ، فهو يظن أنه يقهرني إذ يبعدني عن وطني ، لكن مصر مثل تونس، وطني".
كان ذلك في عام 1901، أي عندما بلغ الثعالبي سن السابعة والعشرين ، كان شابًا شجاعًا عنيدًا، لا يمكن أن يصبر على " الإبعاد " ، فها هو يعود متخفيا ، بعد أقل من سنة، إلى تونس، ويقول لأصدقائه في المخبأ: أتدرون ما اكتشفت في مصر؟ اكتشفت أنّنا لسنا وحدنا الذين نعاني مما نحن فيه، فعندنا في تونس ظلم مماثل، متجسد بالإستعمار الفرنسي ، وعندنا في مصر ظلم مماثل متجسد بالإستعمار البريطاني، وفي القاهرة وفي أروقة الجامع الأزهر، لقيت اخوانًا عربًا، من سائر أقطار وطننا الكبير، ومن أحاديثهم صرت واثقا كل الثقة، من صحة نظريتي التي كنت أحدثكم عنها قبل سفري . يا إخواني : "نحن العرب أمة واحدة، العرب كل العرب أعني، لا أبناء المغرب العربي فحسب" .
وبعد انتهاء الحرب، استأنف الثعالبي نضاله، وسافر إلى باريس لشرح قضية بلاده، فقبضوا عليه سنة 1920 وكانوا ينقلونه بين السجون التونسية والفرنسية، ثم نفوه من البلاد في آب 1923.
آمن الثعالبي بالعمل الجماعي، فانخرط في حركة تونس الفتاة التي تدعو إلى الاستقلال التام قبل كل شيء، ثم رأس حزب الدستور الذي اتخذ خطة أقل وضوحاً من خطة حركة تونس الفتاة، ولعل قادة حزب الدستور كانوا يرون في هذا الغموض سياسة تسمح لهم بقطع مرحلة يتمكنون فيها من إعادة تـنظيم أنفسهم.
كانت حياته السياسية حافلة بالأحداث الجسام، فقد أمضى زهرة عمره بين السجون والمنافي والمحاكم والرحلات. فهذا الصحفي الشاب الفقير، ذو النظارة الطبية، كان يشكّل حالة قلقٍ مستمرٍ للاستعمار الفرنسي، إذ كان يعرف كيف ينبه الشعب إلى ألاعيب المستعمر، ويفضح مؤامراته، ويدعــو إلى مقاومة هذا المحتل الأجنبي، وطرده من البلاد، ويوقظ الناس إلى حقهم في الحياة الحرة ، فنحن شعب حي، وأحفاد أجداد عظام.
قضايا الأمة
لم يكن الشيخ عبد العزيز الثعالبي ليحصر همه فيما يعانيه وطنه المستعمر فحسب بل كان يحمل هموم الأمة على عاتقه، ويسعى إلى تقديم ما يستطيع من عون ومساعدة لها، وهذا ما نلمسه في حياته ورحلاته ومذكراته وكتاباته ومحاضراته.
فقد وقف إلى جانب ليبيا في حربها مع الاستعمار الإيطالي عام 1911، ودعا إلى تقديم العون العسكري والمادي والمعنوي لها. وكان له حضوره في قضية الأقصى بشكل كبير إذ حضر مؤتمر القدس، وصار المستشار الأول للمفتي الحاج أمين الحسيني، وألقى محاضرات سياسية، ودروساً دينية فيها، ودعا الفلسطينيين عامة، والشباب منهم خاصة، إلى الإعداد والاستعداد والجهاد من أجل التحرر من ربقة الاستعمار الإنكليزي، والتصدي للخطر اليهودي القادم من أجل استعادة مجد الأمة وعزتها، وكان في خطابه ومسيرته صاحب عقل وثقافة واسعة، استطاع من خلالها مخاطبة العامي والمتعلم، حتى وصفته الصحف الفلسطينية بأنه ابن خلدون الجديد. وليس هذا الوصف بكبير على رجل مفكر عملاق يقف في صف واحد مع الأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي وسواهم من العمالقة الكبار.
قالوا في الثعالبي:
كان الثعالبي حاضرًا في قلوب العظماء كما الجماهير، فهذا الرصافي يتحدث عنه فيقول: "إنه أعظم خطيب عرفته أمتنا العربية"، وهذا الشيخ عز الدين القسام يخبر عنه قائلاً: "إنه بطل عربي عظيم ، شارك معنا في الثورة المسلحة".
ويطري عليه أهل دمشق فيقولون: "الثعالبي ربط حركة التحرر الوطني في أقطار المغرب العربي بحركة التحرر الوطني في أقطار المشرق العربي". ويتحدث عنه أهل بيروت فيقولون : "إنه طاقة فكرية رائعة، وأن ذهنه الوقاد منارة وطنية ، سواء في مقالاته أو خطاباته أو أحاديثه الشيقة المفيدة" .
ويروي عنه أهل القدس، فيقولون: "الثعالبي دلنا على طريق قويم، كفيل بالتصدي للمخططات الصهيونية وإفشالها، وكم نصحنا بأن ننشيء في القدس جامعة إسلامية على غرار الجامع الأزهر بمصر". وأهل القاهرة يقولون: "الثعالبي أول من نادى بتوحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج". أما أهل تونس فيقولون : "غاب عنا الثعالبي في رحلته الأخيرة ثلاث عشرة سنة ، حتى عاد إلينا على الرغم من أنف المستعمرين، في عام 1936، عاد إلينا ليدعو إلى توحيد أقطار المغرب كخطوة لتوحيد المغرب كله مع بقية الأقطار العربية، فكان جواب المستعمرين أن أرسلوا إليه من أطلق عليه النار غدرا".
ولعل من أهم الشهدات بحقه شهادة رئيس المؤتمر الاسلامي بالقدس مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني:
"...ولا نغالي إذ قلنا أنّ حضرته أصبح بفضل علمه الغزير، وجهاده المنقطع النظير، رجل المسلمين والعرب لا رجل تونس الخضراء وحدها، وإنّ لسيادته الفضل الأكبر في القيام بمهمّة هذا المؤتمر الاسلامي العامّ، الّذي نرجو منه الخير لهذه البقاع المشرّفة في هذه البلاد المقدّسة للمسلمين عامّة".
رسالة إلى اعضاء الحزب الحرّ الدستوري 18اكتوبر 1931
ويضيف في رسالة اخرى:"وأنتم أدرى الناس بانّ من غايات المؤتمر الّذي لكم الفضل الأكبر في إنجاحه، أن يشكّل مركز اسلامي يعضد العالم الاسلامي" رسالة إلى الثعالبي 20 يناير 1932.
المؤتمر الاسلامي بالقدس ودور الثعالبي في انعقاده للدفاع عن القدس الشريف .
انعقد المؤتمر الاسلامي ببيت المقدس ليلة الاسراء والمعراج المباركة في 27 رجب 1350هـ الموافق ل 7 ديسمبر 1931 ودُعي إليه أعيان وكبار العالم الاسلامي في جميع الأقطار، ليُنظر في شؤون المسلمين عامّة، وللدفاع عن اسلاميّة بيت المقدس وعروبته مع تزايد التهديدات الصهيونية لفلسطين والقدس، وقد لقي المؤتمر معارضة بريطانية شرسة، وحملة صهيونية كبيرة لمنع انعقاده .
ورغم ذلك نجح الحاج أمين الحسيني، ومعه عبد العزيز الثعالبي من تونس ، وشوكت علي من الهند في جمع مئة وخمس وأربعين شخصية إسلامية من اثنين وعشرين بلدًا في المسجد الأقصى المبارك، وفي ليلة الإسراء والمعراج المباركة .
ومن أبرز الشخصيات التي حضرت المؤتمر العلامة الشيخ رشيد رضا ، وشيخ الأزهر محمد الحسين آل كاشف الغطاء الذي أم المسلمين في الصلاة في المسجد الأقصى، والسيد محسن الأمين، والشيخ أحمد رضا، والشيخ أحمد عارف الزين، من علماء جبل عامل. وشاعر الهند الفيلسوف محمد إقبال .. وغيرهم كثيرون.
أهداف المؤتمر:
كان طبيعيًا بوجود مثل هذا الحشد من الشخصيات الفاعلة في العالم الإسلامي، أن يتحول المؤتمر في بيت المقدس، إلى مؤتمر لبحث الحالة العامة للمسلمين في مختلف بقاع العالم الإسلامي، وهذا ما انعكس في مداولات المؤتمرين وقراراتهم .
وقد كان من أهم مقررات المؤتمر آنذاك المحافظة على البقاع المشرّفة بشتى الوسائل، والتّصدّي لكلّ مؤامرات الصهاينة لتهويد القدس، وانتخاب لجنة خاصة تطوف على جميع الملوك والأمراء والأثرياء المسلمين لجمع التبرعات على أن يسمى الذين يتبرعون بمبالغ وافية:" حماة المسجد الأقصى"، وتنقش أسماؤهم في لوحات تعلق في المسجد. وتقرّر كذلك، إنشاء جامعة إسلامية عليا في القدس تفي بحاجة المسلمين في دينهم ودنياهم، وتسمى جامعة المسجد الأقصى الإسلامية، وقد وصلت تبرعاتٌ عديدةٌ إلى الحاج أمين ، بهدف إنشاء الجامعة المذكورة ، إلا أن سلطات الاحتلال البريطاني عطلت المشروع، وضغطت على العديد من قادة الدول الإسلامية، لوقف دعم المشروع.
ومما أُثِر عنه قوله: "وانعقاد المؤتمر سيكون في الواقع ضربة قاصمة لظهر الصهيونيّة ومعطّلا لنشاطها، لأنّ أولى غاياته ستكون المحافظة ليس على بقاعها المقدسة فحسب بل وعلى كلّ شبر من أراضيها، وإنجاد الفلسطينيين بكلّ المقوّمات اللازمة لجهادهم ضدّ كلّ سطوة استعماريّة وسيكون كلّ عضو من أعضاء المؤتمر لسان صدق في قومه وبلاده ينذرهم بالأخطار الّتي تهددّ الإسلام.. وبذلك تكتسب القضيّة الفلسطينيّة صبغة إسلاميّة عالميّة وتصير فلسطين قبلة الأنظار في العالم الاسلامي باسره" الثعالبي (عبد العزيز): خلفيات المؤتمر الاسلامي بالقدس، دار الغرب الاسلامي، ص30.
وقد استنكر المؤتمر قرار لجنة البراق الدولية، السماح لليهود بأداء الطقوس أمام الحائط في الأعياد اليهودية، مؤكدًا الاستمرار في الاحتجاجات ضد الهجرة الصهيونية، وضد السماح ببيع الأراضي لليهود مع احتفاظ فلسطين بحق تقرير مصيرها بنفسها.
المؤامرة ضدّ المؤتمر ومساعي الثعالبي لإحباطها والدّفاع عن انعقاده:
ما أن سمع الصهانية باقتراب موعد المؤتمر حتى بدؤوا بحياكة شباك المؤامرات والدسائس بهدف إفساد المؤتمر بأي وسيلة، وقد كان أعقد مؤامرة حيكت يومها - والبلاد تحت حكم الإنكليز والفرنسين – أن دعاة المؤتمر يهدفون إلى جعل الخلافة في بيت المقدس، وذلك لتأليب الاستعمار على المنظمين والمدعوين، فبدأت جريدة "البالسين بوليتين" الصهيونية تنشر الأخبار المرجفة بأن شوكت علي – زعيم من زعماء الهند - يسعى لجعل الخلافة في بيت المقدس وذلك بجلب الخليفة السلطان محمد وحيد الدين إليها إلاّ أنهم تفاجؤوا أنّ هذا الخليفة كان متوفًا. ومع ذلك عادوا وصححوا غلطتهم بعد ذلك بوضع اسم الخليفة عبد الحميد الّذي خلع في مارس 1924، ونشطت شركات البرقيات اليهوديّة وروتر وغيرها من الوكالات لإذاعة هذا الهذيان وتناقلته عنها الصحف الأخرى في جميع الأقطار حتى بات من القضايا المسلّمة أنّ مهمّة المؤتمر أصبحت مرتبطة بإيجاد خليفة للمسلمين واتّخاذ فلسطين مقرّا لهذه الخلافة.
وهنا كان الدور الريادي لعبد العزيز الثعالبي لتكذيب هذه الدعاوى وعقد المؤتمر وإنجاحه وقد تجسّدت مساعي الثعالبي في عدد من اللقاءات والمقالات والرسائل الّتي رام من ورائها تصحيح النظرة للمؤتمر ومنها يمكن أن نذكر ما يلي:
"أمّا مسالة المؤتمر فقد عني بها منذ أكثر من سنتين والجهود لم تزل مصروفة في سبيل عقده، وخصوصًا حين ظهرت مسألة البراق الشريف، وقد نضجت أخيرًا، وحضرت أكثر الجلسات التي عقدت لوضع القانون الاساسي للمؤتمر وبرنامج أعماله واشتركت فيها وأؤكد لكم تأكيدا قاطعًا أنّه لم يشهد هذه الجلسات أحد من إخواننا المصريين، ومولانا شوكت علي نفسه لم يكن عضوًا في اللجنة التحضيريّة ولم يحضر إلاّ جلسة واحدة، ولم يدرْ قطّ في الجلسات الّتي تكرّر عقدها مدّة شهرين كلامٌ ما على الخلافة الاسلاميّة أو من هو الّذي يتولّى أمرها...
وأستطيع أن أصرّح لكم لا عن نفسي وحدي بل وعن الاصدقاء الكرام الّذين اشتركوا في مداولات اللجنة التحضيريّة، أنّ مسألة الخلافة لا تشغل أفكارهم، ولن يكون لها ذكر في المؤتمر القادم الّذي سيشتغل بالنظر في الوسائل الفعّالة لحفظ البقاع المشرّفة في فلسطين وصيانتها، وكذلك بوضع مؤسسات لإيجاد ثقافة اسلاميّة عالية تمدّ المسلمين بكلّ ما يحتاجون إليه من علوم وفنون وكتب وتغذيتهم روحيّا وعقليّا بكلّ ما تقوم به نهضتهم الاجتماعيّة الحديثة، وكذلك التفكير في ايجاد موارد ماليّة للإنفاق على هذه المشروعات وتقوية الروابط الاجتماعيّة بين المسلمين.. وكلّ ما يقال غير ذلك فهو من قبيل الروايات الخياليّة الّتي يحكيها الدعاة الصهيونيون، ويقصدون بها افساد المساعي لعقد المؤتمر وكذلك إحداث قلق في أفكار البعض من الدول الاسلاميّة الّتي لا يسرّها فتح الباب للكلام في مسالة الخلافة في الوقت الحاضر" لقاء مع جريدة المقطع في عددها الصادر يوم السبت 24 اكتوبر 1931
وفي اجتماع الاستاذ الثعالبي بفضيلة شيخ الأزهر الشيخ الاحمدي الظواهري لمحاولة تصحيح موقفه من المؤتمر وتوضيح أهدافه وغاياته يقول الثعالبي في هذا السياق:" المطالب الّتي ستعرض على المؤتمر وهي الّتي دعي من أجلها الانعقاد منها حراسة جدار البراق وتثبيت أقدام العرب في فلسطين بواسطة تقرير مشروع شراء الارض ووقفها على وجوه البرّ والدفاع عن وقفيّة سكّة حديد الحجاز وإنشاء جامعة المسجد الأقصى واحداث ثقافة اسلاميّة عالميّة .."
وهنا تكلّم الشيخ في صيغة حازمة عليها مسحة من الندم فقال:" ما مضى مضى فلا عتاب ولا ملامة وسآمر الآن بوقف الحملة".
وكانت نتيجة هذه الجهود المبذولة من عبد العزيز الثعالبي وغيره من الاشراف الغيورين على عزّة الوطن المتصدّين للهجمات الصهيونيّة على الاراضي العربيّة النجاح في عقد المؤتمر وتمرير أهدافه.
وفاته:
توفي المجاهد الكبير عام 1944 بعد حياة حافلة بالكفاح، لم يذق خلالها طعم الراحة، ولا سعى لمصلحة ذاتية، فقد أعطى كل ما وهبه الله لقضية بلاده، ولقضايا العرب والمسلمين، وقد كان كما وصفه العلامة محمد الفاضل بن عاشور:
"برز الثعالبي بعد الحرب العالمية الأولى، بما له من ماضٍ في السياسة والإصلاح الديني والاجتماعي، فبعث معالم النهضة التونسية، وأصبح زعيم النهضة المطلق". رحمه الله رحمة واسعة.
علم من بيت المقدس
من أهم العلماء المدفونين في مقبرة مأمن الله
شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف
أبو المعالي المقدسي
(822-906هـ)-(1419-1501م)
مكانة العلماء في كل أمة مكانة كبيرة، لا يستطيع أن يقلل منها أحد، فالعلماء هم مصابيح الهدى، وهم الذين يأخذون بيد الأمة لتنهض، العلماء والحكام إذا صلحوا صلح الناس وإذا فسدوا فسد الناس، وهم محور ارتكاز الأمة، فأينما تجد أمماً حيةً، فتش عن علمائها ومكتباتها ومؤلفاتها، وإذا رأيت أمة منكوبة مهزومة ضعيفة فلا تعجب ألا تجد فيها علماء وإن وجدوا فهم في ذيل القافلة، فالعلماء هم ورثة الأنبياء والموروث يعني به الرسول صلى الله عليه وسلم هو العلم والهداية للبشر كافة، وعلى العلماء أن يقوموا بدور الأنبياء لأنهم ورثوا عنهم ميراثهم وهو العلم والهداية التي هي من أخص خصوصيات النبوة، في هذه العجالة أردت أن أعرف بعالم رباني من بيت المقدس، كان له فضل كبير في العلم والسياسية والدعوة والتدريس، بل يعتبر مدرسة في المعقول والمنقول، إنه شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف من كبار علماء بيت المقدس ورأس علماء الإسلام في عصره بلا مدافعة حسب قول المؤرخ الكبير علاء الدين البصروي
مولده ونشأته:
ولد الشيخ محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي، أبو المعالي كمال الدين ابن الأمير ناصر الدين سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة وينتسب في مذهبه إلى الشافعي.
وقد نعتته كتب التراجم التي ترجمت لحياته ككتاب شذرات الذهب لابن العماد والكواكب السائرة للغزي، والضوء اللامع للسخاوي، والبدر الطالع للشوكاني والأنس الجليل، والفتح المبين للمراغي بـ(شيخ الإسلام)، واشتهر بابن عوجان.
وهذه الرتبة لا تطلق إلا على من استوفى جميع الشروط التي تؤهله لأن يكون شيخاً للإسلام حقيقة، فلابد أنه كان متضلعاً في جميع علوم الشريعة الغراء، من علوم القرآن وتفسيره وعلوم الحديث ومصطلحه ورجاله، وعلم الفقه وأصوله، وحينما نقرأ سيرة حياة هذا الرجل نرى كيف أنه كان متضلعاً ودارساً لجميع هذه العلوم، فنفسه لم تملَّ من الدراسة والقراءة، والأخذ عن العلماء أينما ذهب وحيثما حل. كان من المنهومين الذين لا يشبعون من العلم، فكما قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: "منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا"، فكان الشيخ الكمالي من الصنف الأول الذي لا يشبع من العلم.
وقد وصف نشأته أدق وصف تلميذه مجير الدين الحنبلي في الأنس الجليل فقال: "... نشأ في عفة وصيانة، وتقوى وديانة لم يُعلم له صبوة، ولا ارتكاب محظور، وحفظ القرآن العظيم والشاطبية، والمنهاج للنووي، وعرضها على قاضي القضاة شيخ الإسلام محب الدين بن سعد الله الحنبلي وقاضي القضاة سعد الدين الديري الحنفي، وشيخ الإسلام عز الدين المقدسي في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة".
بعد أن أتم الكمال قراءة القرآن الكريم وحفظه ودراسة حزر الأماني في القراءات وحفظها (الشاطبية) والمنهاج في الفقه الشافعي، لم يكتفِ الكمال بذلك، فمكث يدرس ويحفظ الكتب المهمة والتي ينبغي له قراءتها وحفظها، فحفظ ألفية ابن مالك الأندلسي في النحو وهي في ألف بيت من الشعر وقد اعتنى بها العلماء دراسة وحفظاً وشرحاً وأوصوا تلاميذهم بقراءتها وحفظها أيضاً، لأن علم اللغة والنحو بالذات هو وسيلة مهمة لفهم لغة القرآن الكريم وفهم مقاصد الشارع أيضاً.
وحفظ أيضاً ألفية الحديث، وهي من تأليف الشيخ المحدث العلامة زين الدين العراقي الذي جمع علم مصطلح الحديث في ألف بيت، احتذى فيها عن سبق كابن مالك الأندلسي في ألفيته في النحو، وألفية العراقي هذه اعتنى علماء الشريعة بها أيضاً وشرحوها وحفظوها وقرأ الشيخ الكمالي القرآن بعدة قراءات على الشيخ أبي القاسم النويري وسمع عليه وقرأ العربية وأصول الفقه والمنطق واصطلاح الحديث والتصريف والعروض والقافية، وأذن له في التدريس فيها (أي في هذه العلوم)، سنة أربع وأربعين وثمانمائة.
وازداد الشيخ الكمالي ملازمة للشيوخ كي يتم التحصيل ويُجاز بالإجازات "فتفقه بالشيخ زين الدين بن ماهر، والشيخ عماد الدين بن شرف، وحضر عند الشيخ شهاب الدين بن أرسلان، والشيخ عز الدين المقدسي، واشتغل في العلوم، ورحل إلى القاهرة سنة أربع وأربعين وأخذ عن علماء الإسلام منهم:
شيخ الإسلام ابن حجر، وكتب له إجازة ووصفه بالبارع الأوحد، وقال: "شارك في المباحث الدالة على الاستعداد، وتأهل لأن يفتي بما يعلمه ويتحققه من مذهب الإمام الشافعي من أراد، ويفيد العلوم الحديثية مما يُستفاد من المتن والإسناد علماً بأهليته لذلك وتولجه في مضائق تلك المسالك". وأخذ عن شيوخ آخرين في مصر هم: كمال الدين بن الهمام، وقاضي القضاة شمس الدين القاياتي، والمقر البغدادي وغيرهم. واستمر شيخ الإسلام ابن أبي شريف في الدرس والتحصيل وملاقاة أعاظم الشيوخ في كل مكان حل فيه. "ودرس وأفتى من سنة ست وأربعين وثمانمائة ونظم وأنشأ".
هذا إن دل على شيء فإنما يدل على الذهن المتوقد والنضوج المبكر لدى ابن أبي شريف، ففي هذا السن الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين يتصدر للدرس والإفتاء.
ولكن هذا النابغة لم يساوره الغرور، أو يستدرجه النبوغ بل سار لكل جد واجتهاد ينهل من معين العلم ويلج بحاره الواسعة، فيذهب ليسمع على محدثي عصره كابن حجر والزركشي وابن الفرات.
وحينما ذهب للحج في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وكان قد بلغ الواحدة والثلاثين من عمره آنذاك، وجهه طموحه العلمي لأن يسمع الحديث على شيوخ الحجاز بمكة والمدينة، فتراه يذهب ليأخذ عن محدثيها فقد (... سمع بالمدينة الشريفة على المحب الطبري وغيره ولم يزل حاله في ازدياد، وعلمه في اجتهاد فصار نادرة وقته وأعجوبة زمانه، إماماً في العلوم، محققاً لما ينقله وصار قدوة بيت المقدس ومفتيه، وعين أعيان المعيدين بالمدرسة الصلاحية".
ونلاحظ في تلك الفترة وبعدما طار صيت الشيخ الكمالي في جميع الأقطار الإسلامية، وبالأخص مصر وفلسطين، نرى من خلال دراستنا لحياته وشخصيته بأنه قد تواضع له العلماء والأمراء والملوك فنرى بأن السلطان آنذاك يطلب الاجتماع به لأنه سمع عنه فأراد أن يعرف مكانته في العلم.
"فلما قدم إلى السلطان نزل عن سرير الملك، وتلقاه وأكرمه وفوض إليه الوظيفة المشار إليها وألبسه التشريف". والوظيفة التي فوضها السلطان إلى شيخ الإسلام هي مشيخة المدرسة الصلاحية في القدس الشريف.
الوظائف التي تقلدها ابن أبي شريف:
بعد أن تقلد شيخ الإسلام الكمالي مشيخة المدرسة الصلاحية في القدس الشريف، باشر بالتدريس فيها وتصدر للدرس والإقراء والإفتاء في بيت المقدس. "ونظر على المدرسة الصلاحية وعمرها هي وأوقافها التي أوقفت عليها، وشدد على الفقهاء وحثهم على الاشتغال، وعمل بها الدروس العظيمة". وكان النظام الذي اتبعه ابن أبي شريف للتدريس في ذلك الوقت هو أربعة أيام في الأسبوع، فكان يدرس الفقه والتفسير والأصول والخلاف بين المذاهب. "وأملى بها مجالس من الأحاديث الواقعة في مختصر المزني واستمر بها أكثر من سنتين، ثم استقر فيها شيخ الإسلام النجمي ابن جماعة في شهور سنة ثمان وسبعين كما تقدم ذكره فلم يهتم بها بعد ذلك"
"ثم توجه الشيخ الكمالي إلى القاهرة واستوطنها، وتردد إليه الطلبة والفضلاء، واشتغلوا عليه في العلوم وانتفعوا به، وعظمت هيبته، وارتفعت كلمته عند السلطان وأركان الدولة، وفي شوال سنة ثمان وثمانين حضر إلى القدس الشريف زائراً، ثم توجه إلى القاهرة في جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين كما تقدم ذكره "3" من هدم المدرسة الأشرفية القديمة وبناء المدرسة المستجدة المنسوبة لملك العصر، مولانا السلطان الأشرف وانتهت عمارتها، وقدر الله تعالى وفاة الشيخ شهاب الدين العميري، قبل تقرير أمرها وترتيب وظائفها برز أمر السلطان باستقرار شيخ الإسلام الكمالي فيها، وطلبه إلى حضرته وشافهه بالولاية وسأله من القبول فأجاب لذلك، وألبسه كاملية بسمور وحضر إلى القدس الشريف، هو ومن معه من أركان الدولة الشريفة وباشرها وحصل للمدرسة المشار إليها وللأرض المقدسة بل ولسائر مملكة الإسلام، الجمال والهيبة والوقار بقدومه وانتظم أمر الفقهاء وحكام الشريعة المطهرة بوجوده وبركة علومه.
أعماله التي قام بها:
وأهم هذه الأعمال بالنسبة لعالم مثل ابن أبي شريف هي نشر العلم بين الناس وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنرى ابن أبي شريف يقوم بهذه المهمة وتلك الأمانة على أتم وجه، "وازداد شأنه عظماً، وعلت كلمته، ونفذت أوامره عند السلطان فمن دونه، وبرزت إليه المراسيم الشريفة في كل وقت، بما يحدث من الوقائع والنظر في أحوال الرعية، وترجم فيها بالجناب العالي، شيخ الإسلام ووقع له ما لم يقع لغيره ممن تقدمه من العلماء والأكابر وبقي صدر المجالس وطراز المحافل، المرجع في القول إليه، والتعويل في الأمور كلها عليه، وقلده أهل المذاهب كلها، وقبلت فتواه على مذهبه، ومذهب غيره، ووردت الفتاوى إليه من مصر والشام وحلب وغيرها وبعد صيته، وانتشرت مصنفاته في سائر الأقطار، وصار حجة بين الأنام في سائر ممالك الإسلام، ومن أعظم محاسنه التي شكرت له في الدنيا ويرفع الله بها درجاته في الآخرة، ما فعله في القبة المستجدة عند دير صهيون وقيامه في هدمها بعد أن كانت كنيسة محدثة في دار الإسلام، في بيت المقدس وقيامه من منع النصارى من انتزاع القبو المجاور لدير صهيون، المشهور أن به قبر سيدنا داود عليه السلام بعد بقائه في أيدي المسلمين مدة طويلة، و بنا قبلة فيه، لجهة الكعبة المشرفة، وكان يقوم على حكام الشرطة ويمنعهم من الظلم ويواجههم بالكلام الزاجر لهم". وبعد ذلك الوقت يرد عليه مرسوم شريف بأن يكون متكلماً على الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف ينظر في أمورها ومصالحها.
"وشرع في عمارة الخانقاه وإصلاح ما اختل من نظامها، وأضيف إليه التكلم على المدرسة الجوهرية وغيرها لما هو معلوم من ديانته وورعه، واجتهاده في فعل الخيرات وإزالة المنكرات".
قوة شخصيته وتقواه وورعه:
أدق من وصف شخصية شيخ الإسلام الكمالي هو تلميذه مؤرخ القدس والخليل الشيخ مجير الدين العليمي الحنبلي صاحب كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل فقال عنه في الجزء الثاني ما نصه: "وأما سمته وهيبته، فمن العجائب في الأبهة والنورانية، رؤيته تذكر بالسلف الصالح، ومن رآه علم أنه من العلماء العاملين، برؤية شكله، وإن لم يكن يعرفه، وأما خطه وعبارته في الفتوى فنهاية في الحسن".
ووصفه شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني بالبارع الأوحد كما قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب". ووصفه صاحب الضوء اللامع فقال: "... ترجم له البقاعي أكثرهم ووصفه (الوصف لابن أبي شريف) بالذهن الثاقب والحافظة الضابطة والقريحة الوقادة والفكر القويم والنظر المستقيم وسرعة الفهم وبديع الانتقال وكما المروءة مع عقل وافر وأدب ظاهر وخفة روح ومجد على سمته يلوح وأنه شديد الانقباض عن الناس غير أصحابه". وقال عنه الشوكاني: "... وبرع في العلوم وعُرف بالذكاء وثقوب الذهن وحسن التصور وسرعة الفهم وتصدى للتدريس واجتمع عليه جماعة لقراءة جمع الجوامع للمعلي".
كراماته:
الكرامة كما هو معروف شيء خارق للعادة يجريه الله على يد ولي من أوليائه الصالحين، وصار معلوماً عند أهل الحق بأنه يجوز انخراق العادات في حق الأولياء."^" ولا يستطيع أحد أن يشكك في صلاح الكمال ابن أبي شريف فهو العالم المحقق الحجة الثبت التقي الورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، الناشر للعلم، الحافظ لأمانته، فلم لا يكون ولياً !!
ذكر الشيخ نجم الدين الغزي شيئاً من كراماته فقال: "... ذكر ابن الحنبلي الحلبي في تاريخه عن شيخه العلامة شمس الدين الضيروطي المصري أنه توجه مع الشيخ نور الدين المحلي إلى الشيخ محمد الجلجولي المعروف بأبي العون أنه من أهل العلم فقال له الشيخ أبو العون كلاماً معناه أنه لا ينبغي لمن آتاه الله تعالى شيئاً من فضله أن يخفيه عن الناس ثم إنه فرش له بساطاً كان في يده، وأجلسه عليه قال: وسأله الشيخ نور الدين عن الكمال ابن أبي شريف الموافق له في الأخذ عن ابن رسلان فقال الشيخ أبو العون: قد رأينا مكتوباً على ساق العرش محمد بن أبي شريف من المحبين لأولياء الله تعالى". وهذه المنقبة (الكرامة) انفرد بها الغزي، دون كتب التراجم التي ترجمت للكمال ابن أبي شريف.
ونرجع مرة أخرى إلى تلميذه مجير الدين فيقول عن شيخه الكمالي "وبالجملة، فمحاسنه أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، وهو أعظم من أن ينبه على فضله، ولو ذكر حقه في الترجمة، لطال الفضل، فإن مناقبه، وذكر مشايخه يحتمل الإفراد بالتأليف.
مؤلفاته:
بطبيعة الحال لم يعتمد شيخ الإسلام ابن أبي شريف على المشافهة والإملاء فقط ولكنه اعتمد أيضاً على الكلمة المكتوبة فصنف وأملى، وكتب حواشي على الكتب وشرح على المختصرات.
ذكر الزركلي من مصنفاته خمسة كتب وذكر من رسالة لم أجدها قد ذكرت في الكتب التي ترجمت له وهي "صوب الغمامة في إرسال طرف العمامة- خ)، وهي مخطوطة في شستر بيتي تحت رقم 4249/2". ويقول الزركلي بأنه رأى مخطوط آخر بخط مؤلفه (ابن أبي شريف) في خزانة الليثي بمركز الصف بمصر، بعنوان (الفرائد في حل شرح العقائد) كتبت سنة 889هـ بمنزله بالقاهرة. وقد تطابقت معظم كتب التراجم التي ترجمت له في أسماء مؤلفاته إلا السخاوي فقد ذكر مؤلفاً آخر له وهو عن أبي حامد الغزالي وقد انتقده عليه. مؤلفاته حسب ما جاءت في ترجمته:
1- الإسعاد بشرح الإرشاد في الفقه.
2- الدرر اللوامع بتحرير جمع الجوامع في الأصول.
3- الفرائد في حل شرح العقائد.
4- المسامرة بشرح المسايرة.
5- قطعة على تفسير البيضاوي.
6- قطعة على شرح المنهاج للنووي.
7- قطعة على صحيح البخاري.
8- قطعة على صفوة الزبد للشيخ شهاب الدين بن أرسلان.
9- فتاوى في واقعة قبر داود وهي موجودة في مكتبة الجامعة العبرية في القدس تحت رقم 8990 مجموعة يهودا.
شعره:
قال صاحب الأنس: ومن إنشائه في بيت المقدس بعد غيبة عنه مدة طويلة:
أحيي بقاع القدس ما هبت الصبا
فتلك باع الأنس في زمن الصبا
وما زلت من شوقي إليها مواصلاً
سلامي على تلك المعاهد والربا
وقال أيضاً عنه: وقد سمعتها من لفظه، بدرب القدس الشريف حين عودته من غزة المحروسة في شهر ذي القعدة الحرام، سنة تسعمائة وأجارني روايتها عنه"
وذكر السخاوي من شعره فقال: "ومما كتبته من نظمه قوله يخاطب الكمال بن البازي:
يا من له اكتست المعالي زمعة
قد حازها فغدت لأكرم حائز
والحسود إلى كمالك مرتقي
كم بين ذاك وبينه من حاجز
هل يستطيع معاند أو حاسد
إبداء نقص في الكمال البارز
وفاته:
توفي شيخ الإسلام كمال الدين أبو المعالي محمد بن أبي شريف الشافعي في ليلة الخميس خامس عشر جمادى الأولى سنة (906) من الهجرة الشريفة، بمنزله بالمدرسة التنكزية، وصلى عليه بعد الظهر من يوم الخميس بالمسجد الأقصى الشريف ودفن بماملا بالحوش الذي به قبر الشيخ خليفة المغربي وكانت جنازته حافلة، رحمه الله. وقدر زاره العلامة النابلسي في أثناء رحلته لبيت المقدس فقال : "ثم زرنا قبر الكمال بن أبي شريف، وقرأنا له الفاتحة " "وهكذا توفي شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف فترك وراءه ذرية صالحة تدعو له، وترك أيضاً كتباً نافعة لا زال يتداولها رجال العلم جيلاً بعد جيل، وكان حقاً قد ترك علماً ينتفع به الناس إلا وهو مصنفاته وكتبه والاتعاظ بسيرته وحياته.
1882-1964م) وُلِد توفيق كنعان في بلدة بيت جالا عام 1882، درس الابتدائية في بلدته في مدرسة (شنلر) بالقدس، أمضى ثلاث سنوات ونصف في دار المعلمين، ثم التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت، فتخرّج طبيباً عام 1905، ثم عاد إلى الوطن ليعمل مساعداً في المستشفى الألماني وفي المستشفى الإنجليزي، وعمل طبيباً مقيماً في بلدته.
درس علم الجراثيم والأمراض الاستوائية مع الدكتور مولنز، وأمراض الدرن مع البروفيسور موخ، وأصبح رئيساً لدائرة الملاريا التابعة لمكتب الصحة العالمي، وعمل طبيباً في الجيش التركي بمدينة الناصرة خلال الحرب العالمية الأولى، ورئيساً للمختبرات الطبية من بئر السبع جنوباً حتى حلب شمالاً، بعد عام 1918 افتتح عيادةً خاصة به، بالإضافة إلى عمله كطبيب لمستشفى البرص (1918-1947)، ورئاسته لدائرة الطب الباطني في المستشفى الألماني بالقدس.
وفي عام 1927 أصبح رئيساً لجمعية الاستشراق الفلسطيني، ورئيساً لتحرير مجلتها. وبعد نكبة 1948 أصبح (كبير الأطباء) في المستشفيات العربية، والمستشفى الروسي، والمستشفى النمساوي، ومستشفى العيزرية ومستشفى بيت لحم. وفي عام 1950 أصبح مديراً لمستشفى أوغستافكتوريا الألماني في القدس.
أسس الجمعية الطبية العربية في فلسطين، وكان رئيسها ومحرّر مجلتها (Palestine Medical Journal) وأمين سر (جمعية المستشرقين الفلسطينيين)، وعضواً في مدرسة (الأبحاث الشرقية) بالقدس.
أجاد الدكتور توفيق كنعان ستّ لغات هي: العربية والألمانية والإنجليزية والفرنسية والتركية والعبرية. وكان له اهتمام بالفلكلور الشعبي الفلسطيني والعربي، والتطوّر السياسي لفلسطين. كتب عشرات المقالات التي توضح حقيقة القضية الفلسطينية، وما يُحاك من مؤامرات تستهدف زرع كيانٍ يهودي على أرض فلسطين. من مؤلفاته: "الموت أم الحياة" عام 1908، "الطب الشعبي" عام 1914، "أولياء المسلمين ومقدساتهم" عام 1927، "قضية عرب فلسطين" عام 1936، "الصراع في أرض السلام" عام 1938.
إمام ومفتي الشافعية في القدس في أواخر العهد العثماني، ومدرّس الحديث والتفسير في المسجد الأقصى ومدارس الحرم باللغتين العربية والتركية.
هو نجل الشيخ أسعد الإمام. درس على والده وعلى غيره من علماء القدس علوم اللغة العربية والفقه وغيرها. وسار على خطى والده، وأخذ يقوم مقامه في إمامة الشافعية في سنٍّ مبكرة. وكان له صوتٌ رخيم ساهم في اختياره وارثاً لوالده في وظائف الإمامة ثم إفتاء الشافعية. وحين توفّيَ محمد علي أفندي الخالدي وكتب والده قصيدة في رثائه أوكل نجله لتلاوتها أمام العلماء والأعيان في الأقصى، وكان ابن خمسة عشر عاماً فقط. وقد كان للقصيدة وطريقة إلقائها وقْعٌ قويّ في نفوس الحاضرين ﻓ(تهاطلت من الأعين العبرات وتزايدت من الأعيان التلهفات والحسرات وتصاعدت من أكباد السادة الحاضرين الزفرات).
وقد ذكر كلٌّ من عبد الرحمن ياغي وصاحب كتاب (كنز الرغائب) أنّ الشيخ يوسف الإمام كتب الشعر لكن معظمه ضاع. وبالإضافة إلى مساعدة والده في الوظائف الدينية، اتجه يوسف أفندي إلى الوظائف الحكومية، فعمل في رئاسة تحرير النفوس، ثم عيّنه مجلس إدارة القدس مديراً لصندوق الأيتام في المدينة، وذلك في ذي الحجة 1284ھ/1869م. وأُعطِيَ النياشين المجيدية تقديراً لعمله في دائرة تحرير النفوس، ورتبة إزمير المجردة من شيخ الإسلام سنة 1300ھ/1883م تقديراً لعمله وخدماته للدولة والدين.
وفي سنة 1305ھ/1887-1888م جاءته براءة التعيين الرسمية مفتياً للشافعية. وبعد وفاة والده الشيخ أسعد استمرّ في تدريس الحديث وتفسير القرآن في الأقصى، فكان من مشايخ الحرم البارزين في أواخر القرن الماضي حتى وفاته سنة 1321ھ/1903م. وقد نجا من التلف والضياع كتاب مخطوط ليوسف أفندي أطلعني الشيخ محمد أسعد الإمام عليه، مع بعض أوراق العائلة. وأمّا شعره وكتاباته الأخرى فقد ضاعت مثل معظم تراث ذلك العهد وأوراقه.