عُرف عن هند بنت النعمان، أنها كانت أجمل نساء زمانها وأدهاهن وأذكاهن. كانت فصيحة اللسان وحسنة القوام وجميلة المنظر. سمع عنها والي الشام الحجاج بن يوسف الثقفي، فتزوجها وهي كارهة مغصوبة، خوفاً من غضبه وبطشه وجبروته وقسوته.
أنفق الحجاج مالاً كثيراً على زواجها وجعل مؤخر صداقها 200 ألف درهم... حملت هند بعد أن دخل بها الحجاج، وفي أحد الأيام رأى الحجاج زوجته وهي تنظر إلى حسن جمالها في المرأة وتقول:
وما هند إلا مهرةٌ عربيةٌ... سلالة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت فحلاً فالله درها... وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل
غضب الحجاج غضباً شديداً، فنادى بشخص يدعى عبدالله بن الطاهر، وقال له طلقها بكلمتين، فذهب عبدالله إلى هند وقال لها إن الحجاج يقول لك: «كنت فبنت، وهذا مؤخر صداقك»!، فردت هند التي أشتهرت بفصاحتها: «كنا فما حمدنا، وبنا فما ندمنا، وهذه المئتا ألف درهم هي لك ببشارتك بخلاصي من كلب ثقيف»!
سمع الخليفة عبدالملك بن مروان بحكايتها وحسنها وجمالها، فأرسل إليها يخطبها لنفسه، فردت عليه قائلة: «اعلم يا أمير المؤمنين، ان الكلب ولغ - شرب بأطرف أسنانه وتقصد هنا الحجاج - الإناء». وكتبت له إن شرطي لقبول طلبك أن يقود الحجاج محملي إلى البلد الذي أنت فيه وهو حافي القدمين، وبنفس اللبس الذي كان يلبسه قبل أن يكون أميراً.
علم عبدالملك بن مروان بطلب هند وضحك ضحكاً شديداً، وأرسل إلى الحجاج يأمره بذلك، فما كان له إلا الامتثال والسمع والطاعة... فحمل هند وجواريها وخدمها وهو حافي القدمين كما أمرت... وقبل أن تصل إلى بلدة عبدالملك، رمت بمكرها ديناراً على الأرض، وقالت للحجاج انه قد سقط منا درهم فرجعه لنا، فنظر الحجاج إلى الأرض فلما يرى إلا ديناراً، وقال لها إنما هو دينار، فردت عليه: درهما، فقال لها بل دينار، فقالت وبفصاحتها ودهائها المعروفين: «الحمد لله سقط منا درهم فعوضنا الله ديناراً - أي أنها تزوجت أفضل من هو منه». فثأرت لنفسها وانتصرت على الحجاج، بينما أسر الحجاج هذا الموقف في نفسه!
أقام بعدها عبدالملك بن مروان احتفالا عظيماً، دعا إليه كل وجهاء القوم بمن فيهم الحجاج، إلا أن الحجاج لم يحضر، فأرسل عبدالملك إلى الحجاج رسولاً يأمره بالحضور، فرد الحجاج قائلا: لقد تأخرت على الوليمة، وامي علمتني ان لا أكل من فضلات الرجال. فهم عبدالملك مقصد الحجاج، فأمر أن توضع هند في أحد القصور ولم يدخل عليها، بل كان يزورها فقط بعد كل صلاة عصر.
علمت هند كيد الحجاج وما قام به مع الخليفة، وهي التي عرف عنها ذكاؤها وفطنتها وحسن تعاملها مع المواقف، فأمرت الجواري أن يخبروها عند قدوم الخليفة إلى القصر... فلما وصل الخليفة إلى القصر، قطعت عقداً من حبات اللؤلؤ متعمدة، ورفعت ثوبها لتجمع به اللآلئ، فأنبهر الخليفة بحسنها وجمال قوامها، ولاحظ أنها كل ما تجمع قطعة لؤلؤ تقول سبحان الله، فسألها الخليفة: لما تسبحين الله؟ فقالت: إن اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك، ولكن شاءت الحكمة ألا يستطيع ثقبه إلا الغجر. انبهر الخليفة بحسن خطابها وبإسلوبها، فدخل عليها وانتهت إلى هنا الحكاية بعد أن انتصرت مرة أخرى على الحجاج!
ومع قصة هند بنت النعمان مع الحجاج الثقفي، الذي قال عنه عمر بن عبدالعزيز «لو جاءت كل أمة بظلمها وبطشها، وجاءت أمتنا بالحجاج وحده لرجحت»! وهي من أجمل القصص التي أردت أن أشاركك إياها عزيزي القارئ... سندرك معها حقاً أن كيدهن عظيم!