قاعدة العفو المحقق - قاعدة العفو المحقق - قاعدة العفو المحقق - قاعدة العفو المحقق - قاعدة العفو المحقق
قاعدة العفو المحقق
د. أيمن البلوي
للمغفرة سبل عديدة، وطرائق سديدة، أمتنها وأكثرها تحقيقاً للمراد ولمغفرة رب العباد: العفو عن الآخرين.
حقيقة استخلصها ابن القيم قائلا: "فَإِن الْجزاء من جنس العمل، فمن عفا؛ عفا الله عنه، ومن سامح أخاه فِي إساءته إليه؛ سامحه الله في سيئاته، ومن أغضى وتجاوز؛ تجاوز الله عنه".
وقد كان لخير رجل بعد الأنبياء، أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ سهم في هذه القاعدة، وذلك لما أخطأ الصحابي مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ رضي الله عنه في حق ابنته البريئة المبرَّأة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك، منع الصديق النفقة التي كان يعطيها لمسطح، وقد كان بينهما صلة قرابة، فجاءت الرسالة من السماء بعتاب لطيف لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: }ولا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{(النور: 22).
فما تأخر جواب الصديق رضي الله عنه، فقبل العرض، وقال: "والله إني لأحبّ أن يغفر الله لي.. والله لا أنزَعُها منه أبداً".
استثمر الجزاء الذي كان من جنس العمل: عفو بعفو، ومغفرة بمغفرة.
وإلى تجلٍّ آخر من تجليات هذه القاعدة، يتحقق مع رجل وصف النبي صلى الله عليه وسلم أعماله الصالحة بـالقول: "فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ"!
تقصير في الصالحات، ونقص في الطاعات!
إلا أن له ورقة رابحة، وخصلة ناجحة، وهي أنه "يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِراً؛ قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ".
وما سبب تجاوزه ومسامحته للفقراء المعسرين؟
يذكر ذلك التاجر الجواب؛ فيقول: "لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا".
فكان الفضل الإلهي والحكم الرحماني: "أَنَا أَحَقُّ بِذا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي".
فيا طالب المغفرة والعفو من الله! اعفُ عن الناس؛ يعفُ عنك رب الناس.
فهو سبحانه "يُعَامل العَبْد فِي ذنُوبه بِمثل مَا يُعَامل بِهِ العَبْد النَّاس فِي ذنوبهم" كما قال ابن القيم.
والجزاء من جنس العمل.