"5" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية
"5" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية - "5" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية - "5" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية - "5" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية - "5" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الامين وعلى آله وصحبه أجمعين
نتابع معكم حلقات كتاب
هل سينتصر الإسلام ؟
دراسة حول حديث (بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ ، بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ ، وَالنَّصْرِ ...)
تأليف
إبراهيم محمد العلي
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَال :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
( بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ ، بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ ، وَالنَّصْرِ ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ ).
أخرجه أحمد:5/134 ، وابن حبان برقم: 405 ، والحاكم :4/ 311 وصححه ووافقه الذهبي ، والبيهقي في الشعب :6833 ، والحديث حسن
المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية
1) تحديد الهدف ( صورة المستقبل المنشود ) :
حدد النبي صلى الله عليه وسلم لأتباعه وأصحابه صورة جميلة لمستقبل هذه الأمة في غدها ، مما جعلهم متفائلين وصامدين أمام المصاعب ، ومتماسكين في جماعتهم ، ومتحمسين في أداء المهام المطلوبة منهم .
فقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم بلورة رؤية واضحة ومفجرة للطاقات ، وتحديد منهج واضح وصورة مشرقة للمستقبل المنشود لهذه الأمة ، تستطيع الاستقرار في القلب فتكون باعثا ومحركا يستحق بالفعل النهوض مبكرا ، وترك دفء الفراش في أيام الشتاء الباردة والإسراع في العمل ، فهاهو صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق وجيشه في حرب 10000 مشرك ومع ذلك يأخذ المعول ويصور لأصحابه الرؤية المشرقة لمستقبل الإسلام فيقول صلى الله عليه وسلم :
(اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ) .
ثُمَّ قَالَ : (بِسْمِ اللَّهِ )، وَضَرَبَ أُخْرَى ، فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ ، فَقَالَصلى الله عليه وسلم :
( اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ) .
ثُمَّ قَالَ : ( بِسْمِ اللَّهِ ) ، وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى ، فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ ، فَقَالَ :
( اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا) .
[ أخرجه أحمد في المسند : ( 4/303 ) ، والنسائي : ( 6/43 – 44 ) ، والبيهقي في الدلائل ( 3/417 – 418 ) ، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح : ( 7/397 ) ، وقد خرجته بشواهده في صحيح السيرة برقم : ( 448 ) ]
هذا الوضوح في تحديد الرؤية المستقبلية للإسلام هو الذي جعل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم يعملون بشكل دؤوب ومتواصل لفتح البلاد ، ونشر رسالة الإسلام لإيمانهم العميق بهذه الرؤية التي حدثهم عنها النبي صلى الله عليه وسلم .
بل إن شدة وضوح الهدف الذي رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم معالمه شجع أصحابه رضوان الله عليهم أن يسألوا عن فتح البلاد التي تقع تحت حكم دولتي الروم والفرس اللتين كانتا تسيطران على العالم في ذلك الزمان ،لأنهم كانوا موقنين إيقانا تاما بما بشرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من تحقيق النصر لهذا الدين .
فقد جاء من حديث أَبُي قَبِيلٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي ، وَسُئِلَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ ؟
فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ ، قَالَ : فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا ، قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكْتُبُ ، إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
( أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا : قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا، يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ ) .
[ أخرجه أحمد في المسند ( 2/176 ) ، والدارمي : ( 1/126 ) وابن
أبي شيبة في المصنف ( 5/329 – 330 ) ، والحاكم في المستدرك ( 3/422 ) ( 4/508 ) ، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص ( 256 – 257 ) وزاد الشيخ الألباني عزوه إلى ابي عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن ( 2/116 ) ولعبد الغني المقدسي في كتاب المعلم ( 2/30/1 ) وقال : حديث حسن الإسناد ، وقال الهيثمي في المجمع ( 6/219 ) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابي قبيل وهو ثقه ) . وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند برقم : ( 6645 ) ، والألباني في الصحيحة برقم ( 4 ) فالحديث صحيح ] .
2) القدرة العالية على إيصال رؤية الهدف الصحيحة إلى أصحابه :
لقد تميز النبي صلى الله عليه وسلم بقدرته الرائعة على توصيل رؤيته المستقبلية ، وأهدافه العظيمة التي بعثه الله سبحانه لتحقيقها ، لأصحابه رضوان الله عليهم ، ويغرس ذلك في قلوبهم ومن جاء بعدهم ، بصورة واضحة المعالم ، لا يشوبها أي غموض ، تجعلهم يرونها كما يرون واقعهم الذي يعيشون ، فيتحمسون لها ويندفعون نحو تحقيقها ويضحون من أجلها .
ولقد أثر ذلك على أصحابه رضوان الله عليهم ،فقاموا هم بنقل الصورة المستقبلية المنشودة للإسلام والتي غرسها في قلوبهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى من تولوا قيادتهم في المعارك ، ففي معركة مؤتة وعندما تخوف المسلمون من قتال الروم وقف عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يوضح لهم الهدف من القتال فقال :
( يا قوم ، والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة )
أخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا أنه مرسل .
ولقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم نقل ما يريد من رؤية إلى أصحابه من خلال بث الصورة الإيجابية المشرقة لصورة الإسلام المستقبلية في نفوسهم ، في أشد لحظات الضعف والحرج والشدة ، مما كان يدفع من حوله من الصحابة إلى التفاؤل والأمل ، كما لحظنا ذلك في غزوة الخندق ، وأمام الآلاف الذين يحاصرون المدينة من كل مكان ، والغدر اليهودي في نقض العهد ، وعدد المسلمين قليل ، حين أنار روح الأمل والتي رفعت معنويات أصحابه رضوان الله عليهم .
وكما فعل يوم أن أتاه الصحابة يشكون له ما يجدون من أذى من كفار قريش ويطلبون منه أن يدعو لهم بأن يخفف الله عنهم بعض ما يجدون ، ففتح لهم بابا من الأمل واسعا ، بأن الله سيتم هذا الأمر ويعلى راية هذا الدين ، كما جاء عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ : شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَقُلْنَا : أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ، أَلَا تَدْعُو لَنَا ، فَقَالَ:
( قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) .
أخرجه البخاري برقم: 6943، والطبراني :3638، وابن حبان برقم: 6698
3) تطبيق رؤيته لهدفه على نفسه :
لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرح رؤيته للمستقبل ، بل عاشها بروحه ومشاعره ، فهو لم يقم بقيادة أصحابه من برج عاجي ، ويحدثهم من عل عن المستقبل والآمال والأحلام ، بل عاش بيتهم يشعر بشعورهم ، ويحس بأحاسيسهم ، يصيبه من الأذى ما يصيبهم ، ويجوع كما يجوعون ويشبع حين يشبعون ، ويعلق على كبيرة وصغيرة من خلال علاقته بالرؤية المنشودة ، ويتأكد من تطابق كل الأعمال مع هذه الرؤية والقيم والمبادئ التي تشكلت عليها .
وكان صلى الله عليه وسلم صبورا صاحب إرادة عالية لا يجاريه فيها أحد في سيره وانطلاقه نحو تحقيق هذه الرؤية المنشودة ، وبصموده وإصراره استطاع أن يحافظ على تماسك الجماعة الإسلامية الأولى رغم ما تعرضت له من ابتلاءات ومحن ، وما نزل بها من صدمات سواء من خارج المجتمع الإسلامي من أعدائها من المشركين ، أو من داخلها من خلال طوابير المنافقين الذين كانوا يعملون على تفكيك بنية المجتمع الإسلامي بإشاعاتهم وتخاذلهم .
هذا الصبر والثبات منه صلى الله عليه وسلم جعل أصحابه يزدادون محبة له ، وهم يرون قائدهم يعاني كما يعانون ، ويصيبه ما أصابهم ، بل أشد مما أصابهم ، فملك عليهم قلوبهم ، وازدادوا يقينا وثقة بما جاء به صلى الله عليه وسلم .
فقد جاء عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى ....) إلى أن قال ( .... فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ ، فَجَلَسْتُ فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ ، قَالَ : فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ ، قَالَ : مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ ، قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَمَا لِي لَا أَبْكِي ، وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى ، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليك وسلم وَصَفْوَتُهُ ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمْ الدُّنْيَا قُلْتُ بَلَى ....)
أخرجه البخاري برقم:89، 2468، 4913، ومسلم برقم:1479 .
4) رفع قدرات الصحابة على تحقيق البشريات إلى أعلى المستويات :
إن تحديد الرؤية الواضحة ، وحسن توصيلها إلى الأتباع ، وتطبيقها على نفسه ،يعد من أفضل الحوافز لأبناء هذه الأمة لتحقيق هذه الرؤية المستقبلية المنشودة ، فقد شكل هذا كله دافعا لزيادة قناعتهم للعمل لتحقيق هذه المبشرات .
وقد زاد النبي صلى الله عليه وسلم هذه القناعة رسوخا من خلال اتباعه وسائل متعددة لتحقيق ذلك :
أ) التشجيع الدائم من خلال التذكير المستمر بقصص السابقين وأخبارهم والتي توضح جهودهم التي قاموا بها لنصرة دين الله ، ومثال ذلك ما جاء عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ : شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَقُلْنَا : أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ، أَلَا تَدْعُو لَنَا ، فَقَالَ:
( قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) .
أخرجه البخاري برقم: 6943، والطبراني :3638، وابن حبان برقم: 6698
ب) مشاركة الصحابة في تشكيل الرؤية المستقبلية من خلال أسئلتهم واستفسارهم عن تحقيق هذه المبشرات وتحقق هذه الرؤيا المستقبلية ، فقد جاء عن أَبُي قَبِيلٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي ، وَسُئِلَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ ؟
فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ ، قَالَ : فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا ، قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكْتُبُ ، إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
( أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا : قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا، يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ ) .
[ أخرجه أحمد في المسند ( 2/176 ) ، والدارمي : ( 1/126 ) وابن
أبي شيبة في المصنف ( 5/329 – 330 ) ، والحاكم في المستدرك ( 3/422 ) ( 4/508 ) ، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص ( 256 – 257 ) وزاد الشيخ الألباني عزوه إلى ابي عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن ( 2/116 ) ولعبد الغني المقدسي في كتاب المعلم ( 2/30/1 ) وقال : حديث حسن الإسناد ، وقال الهيثمي في المجمع ( 6/219 ) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابي قبيل وهو ثقه ) . وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند برقم : ( 6645 ) ، والألباني في الصحيحة برقم ( 4 ) فالحديث صحيح ] .
ج) القدوة الصالحة : فلقد كان صلى الله عليه وسلم خير قدوة لأصحابه في تحقيق هذه الرؤية المنشودة ، والعمل لتحقيقها ، وحثه لأصحابه على تحقيقها ، بل ورسمه معالم هذه الرؤيا وتصويرها لهم كأنها واقع يعيشونه ، فقد جاء عَنْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ :
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ، ثُمَّ دَخَلَ ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ :
( إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ ) .
فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ ، قَالَ: فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا.
قَالَا : نَعَمْ ، فَسَبَّهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ .
قَالَ : ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ ، قَالَ وَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا ، فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ، أَوْ قَالَ غَزِيرٍ - شَكَّ أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُمَا قَالَ - حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ:
( يُوشِكُ يَا مُعَاذُ ، إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا) .
أخرجه مسلم برقم :706 ،وأبو داود برقم :1206 ، والنسائي :1/285 ، ومالك في الموطأ :1/143 ، وأحمد في المسند :5/237-238 ، وابن حبان برقم :549 ، وابن خزيمة برقم :968، وعبد الرزاق :4399 ، والشافعي :1/117
والحق أن الأقوال كثيرة لكن الأفعال التي تصدق هذه الأقوال قليلة ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول القول ويسعى ويعمل لتحقيقه ، بل إن أفعاله صلى الله عليه وسلم وسلوكياته كانت تسبق أفعاله ، فكان ولا زال نعم القدوة لسائر فئات وشرائح المسلمين .
القول سهل باللسان وإنما بالفعل يمتحن الفتى ويصنف
"6" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية " الجزء الثاني "
"6" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية " الجزء الثاني " - "6" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية " الجزء الثاني " - "6" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية " الجزء الثاني " - "6" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية " الجزء الثاني " - "6" المنهج النبوي في التبشير وتحفيز أبناء الأمة الإسلامية " الجزء الثاني "
5) التذكير الدائم بالهدف :
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن ما يتعرض له أصحابه من محن وابتلاءات ، وحروب شرسة من الأعداء المتربصين بهم ، ومن طوابير أهل النفاق المخذلين ، يمكن أن ينسي الهدف الذي رسمه لهم ، ويمحو معالم الرؤية المستقبلية المشرقة للإسلام من قلوبهم وعقولهم ، فيترتب على ذلك ضعف في إراداتهم ، ويشعرهم بالياس من الخروج من هذه الأزمات المتتالية ، ولذلك فقد كان دائم التذكير بهذه الرؤية المستقبلية للإسلام ، وبالغاية العظمى – الآخرة وتحقيق مرضاة الله – والتي تشكل الرؤية النهائية لأهل الإسلام ، وجعل دون الوصول إليها أهدافا مرسومة واجبة التحقيق حتى يصل المسلم إلى هذه الغاية العظمى ، وهذا ما جعل جنود الإسلام يقاتلون ببسالة من أجل تحقيق هذا الأهداف ، وشكل ذلك سببا قويا في رفع الروح المعنوية لديهم فقاتلوا صابرين محتسبين .
فها هو صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على الجهاد ويذكرهم بهذه الغاية العظمى ، مما أثر على معنويات من معه ،فجعلهم يبذلون أنفسهم رخيصة في سبيل نصرة دين الله ، ويرون الحياة طويلة حتى يأكل صاحبها تمرات في يده ، فقد جاء من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :
( .... فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ ) ، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ) .
قَالَ : يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ؟ ، قَالَ : ( نَعَمْ ) ، قَالَ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ) ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا ، قَالَ : ( فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ) ، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ ، إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، قَالَ : فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ ) .
أخرجه مسلم برقم :1901، وأبو داود برقم:2617، وأحمد في المسند:3/136 –137 ، والحاكم :3/426 ، والبيهقي في السنن:9/43 .
وهاهو يذكر عمر بن الخطاب الذي دمعت عيناه حزنا على أوضاع المصطفى صلى الله عليه وسلم المعيشية في بيته ، بينما ملوك الفرس والروم يتنعمون بالترف والمتع الدنيوية ، فيذكره صلى الله عليه وسلم بأن هذه الدنيا فانية زائلة قائلا له : أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا .
أخرجه مسلم برقم:1479
6) قدرته العظيمة على تحريك الناس نحو صورة الإسلام المستقبلية :
لقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم من الفراسة في الرجال ، والقدرة على معرفة المفتاح المناسب لكل شخصية تقابله ، ما لم يؤتاه أحد سواه ، ولذلك فإننا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الأقدر على فهم دخائل نفوس الآخرين ، والدخول إلى أعماقهم ، فيحرك كوامن المحبة له في قلوبهم ، ثم يحركهم باتجاه تحقيق الهدف الذي رسمه ، وتحقيق الصورة المستقبلية المنشودة ، ومن الأمثلة الرائعة في هذا الباب مع حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مع ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة ، حيث استطاع صلى الله عليه وسلم فهم مشاعره ، فأطلق سراحه حين أسره المسلمون ، فتحول ثمامة من مبغض شديد البغض للإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم إلى محب شديد الحب لهما ، ثم لا يقف عند هذا الحد بل ينطلق في الدفاع عن الإسلام وتحقيق أهدافه إلى أبعد مدى .
فقد جاء عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ َقَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ : ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ ، سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَقَالَ : عِنْدِي ، يَا مُحَمَّدُ ، خَيْرٌ ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ ، فَقَالَ : مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ قَالَ : مَا قُلْتُ لَكَ ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ مِنْ الْغَدِ ، فَقَالَ : مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَقَالَ : عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، يَا مُحَمَّدُ ، وَاللَّهِ ، مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ ، فَمَاذَا تَرَى ؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ : أَصَبَوْتَ ؟ فَقَالَ : لَا وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَا ، وَاللَّهِ ، لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
أخرجه البخاري برقم:4372، ومسلم برقم:1764 .
ولقد أحسن اللواء محمود شيت خطاب رحمه الله حيث قال : كان عليه أفضل الصلاة والسلام يعرف أصحابه معرفة دقيقة مفصلة ، وكان يعرف ما يمتاز به كل صحابي من مزايا تفيد المحتمع المسلم الجديد ، كان يستغل تلك المزايا لخير هذا المجتمع ، وللمصلحة العامة العليا للمسلمين .
ولم يقتصر فهم الآخرين عند الرسول على معرفة أصحابه فقط ، بل كان عارفا بنفسيات أعدائه ، فها هو يرى الحليس بن علقمة بن كنانة فيقول :هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن ، فابعثوها له ، ويرى مكرز بن حفص فيقول : هذا مكرز وهو رجل فاجر ، ولما رأى سهيل بن عمرو قال : قد سهل لكم من أمركم .
وكان في الوقت نفسه يدرك ما يعانيه كل صحابي من نواقص طبيعية ، وكان يتغاضى عن تلك النواقص ، ويغض النظر عنها ، ويحاول تقويمها وتلافي محاذيرها ، وكان يذكر أصحابه بأحسن ما فيهم من مزايا ويشيد بها ، ويأمر أصحابه بالتغاضي عن نواقص إخوانهم ، والإشادة بما فيهم من مزايا تقديرا وإعجابا . قادة النبي :ص13
وهذه القدرة على الفهم العميق للآخرين تحتاج إلى الشعور بهم ، وتلمس المفتاح المناسب لكل واحد منهم ، ثم تفجير ما عنده من طاقات وقدرات في سبيل تحقيق الهدف المرسوم ، والصورة المنشودة ، وتحريك الناس باتجاه الوصول إلى الغاية ، فها هو صلى الله عليه وسلم يقوم بذلك وهو يحدد أبرز قدرات أصحابه حيث يقول فيما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
( أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ) .
أخرجه الترمذي برقم:3790،3791، وابن ماجة برقم:155 والحديث صحيح .
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يستعمل مع كل واحد من أصحابه ما يناسبه من عوامل التشجيع والتحفيز حتى كان يستعمل الحوافز المادية مع بعضهم كما جاء في توزيع الغنائم يوم حنين ، واستعمل الحوافز المعنوية مع الأنصار في غزوة حنين ، واستعمل الفخر والشهرة مع أبي سفيان في فتح مكة ، حين قال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
واستعمل أسلوب العقاب بشكل لا يستفز الشخص المعاقب للثأر ،عندما عزل سعد بن عبادة يوم فتح مكة ، وعين مكانه ابنه قيس بن سعد بن عبادة.
( وكان عليه أفضل الصلاة والسلام بهذا الأسلوب الرائع الذي التزم به في كل حياته المباركة يشيد بالمزايا وينتفع بها لخير المسلمين ، ويغض الطرف عن النواقص ويقومها بالحسنى .
بهذا الأسلوب الرائع كان النبي صلى الله عليه وسلم يبني المسلم ولا يحطمه ، ويقوم المعوج ولا يكسره ، ويشيد للحاضر والمستقبل ، لا للحاضر وحده ولا للساعة التي هو فيها .
لقد كان عليه الصلاة والسلام لا يبقي المزايا في أصحابه طاقة معطلة ، بل ينتفع بها لمصلحة المجتمع الجديد ، وهذا يجعل طاقات أصحابه المتميزة تتضافر لشد أزر الأمة وتقويتها ودفعها نحو النصر والبناء .
وكان عليه الصلاة والسلام يعرف كفاءات أصحابه وقابلياتهم حق المعرفة ، فلم تُغمط كفاءة ،ولم يهمل صاحب كفاءة ، وأضيفت التجربة العملية على تلك الكفاءات ، فصقلت ولمعت ،ووضع كل رجل من ذوي الكفاءات المتميزة في المكان المناسب لكفاءته ).قادة النبي :ص13