نطل عليكم أعزائي رواد المنتدى الفلسطيني خاصة وأعضاء الوحدات نت بشكل عام وزوار ومحبي الوحدات نت
بمجموعة من الدراسات الفلسطينية وستكون على شكل مواضيع منفصله يتخللها مشاركات بحثية تثري الموضوع للاطلاع وللتاريخ
ولايسعنا في هذا المقام الا أن نتقدم بالشكر الجزيل
للأخ العزيز علينا جميعا (( ختيارنا)) ونوارتنا
الأخ علاء ناصر
على دعمه لنا واثرائنا بهذه الدراسات ليطلع عليها الجميع ولتعم الفائدة المرجوة
نتمنى لكم الاستفادة
وستكون بداية هذه البحوث
عن
جذور الصهيونية
أيار - 2008 م
مقدمة:
ارتبطت الأيديولوجية الصهيونية، في نهاية القرن التاسع عشر، باسم تيودور هرتسل، الذي اُعتبر كتابه " دولة اليهود" تجسيداً للأيديولوجية الصهيونية ومخططاً لبناء الدولة اليهودية، إذ دعا في كتابه إلى إقامة جمعية اليهود، التي ستشرف على تنفيذ المشروع الصهيوني، وتحدث عن الشركة اليهودية التي ستنفذ المشروع.
وفي العام 1897 نجح هرتسل في عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال في سويسرا، وأعلن عن إقامة المنظمة الصهيونية العالمية، وصاغ المؤتمر برنامج الحركة الصهيونية، الذي أكد على أمرين: الأول، تنفيذ إقامة الوطن القومي، أو الدولة اليهودية على نسق الاستيطان الصهيونية والثاني، الحصول على الموافقة الدولية التي اعُتبرت ضرورية لتحقيق أهداف الصهيونية([1]).
إن التوقف أمام الحقيقة الاستيطانية الاستعمارية لصهيونية هرتسل ومشروعها المرتبط عضوياً بالمشروع الامبريالي في حقبة الاستعمار الاستيطاني، وكذلك التوقف أمام إسرائيل بكونها امتداد طبيعي لهذا المشروع وموقع متقدم للصهيونية، هي أمر ضروري لفهم الصهيونية وإسرائيل، ولكنها ليست كافية.
فالصهيونية أعمق غوراً وأكثر تعقيداً من هذا التناول ذلك. أن الإدعاء الصهيوني لا يزال يُصر على أن الصهيونية هي حركة انبعاث قومي، نشأت في أحضان القوميات الأوروبية في القرن 19، وبالتالي فهي تنسب نفسها زيفاً إلى قومية العقل والاستنارة والإصلاح الديني والثورة في القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر في أوروبا، والتي بنت أممها ووحدتها على أنقاض التمزق الإقطاعي والطائفي والديني، تحت رايات" الحرية – الاخاء – المساواة".
إن ما سبق يدعونا إلى العودة إلى الجذور الأولى للفكر الصهيوني وتتبع حركته في إطار حركة الفكر الأوروبي، باعتباره تياراً من تياراتها الفكرية، نشأ في تربتها، وتأثر بتياراتها الفكرية وبتطوراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أنتجت تلك الأفكار قبل هرتسل وصهيونيته السياسية بعدة قرون، وذلك من أجل تفكيك تلك الادعاءات واثبات زيفها وبطلانها.
يحتوي هذا البحث على مجموعة من المحاور، الأول يتناول حركة الإصلاح الديني في القرن الـ16 ونشوء الصهيونية غير اليهودية ( أو الصهيونية المسيحية).
ونبين كيف أن البروتستانية الصاعدة، وفي إطار ثورتها على الكنيسة الكاثولوكية وسلطاتها المطلقة، أسست لحركة التنوير العقلي ومرحلة الدولة القومية الديمقراطية العلمانية التي اكتسحت أوروبا ، وشكلت محطة فاصلة في تاريخ البشرية، ولكنها في نفس الآن أحيت فكرة المسيحائية ومعها كل الأساطير التوراتية التراثية، وأطلقت تيار الصهيونية المسيحية قبل ظهور الصهيونية اليهودية بعدة قرون.
وفي المحور الثاني نتناول حركة الإصلاح الديني اليهودي، التي نشأت بتأثير حركة الإصلاح الديني المسيحي وعلى غرارها، وانسجمت مع أفكار التنوير والتجديد الديني، وساهمت في إخراج اليهود من " الجيتو" إلى فضاء الاندماج والذوبان في الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها .
أما المحور الثالث، فتعرض للصهيونية اليهودية ونشأتها باعتبارها ممهداً للصهيونية السياسية.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أننا في تناولنا للصهيونية، بتعبيراتها المختلفة، قمنا بتناولها باعتبارها تياراً من تيارات الفكر الأوروبي، حيث تأثرت وأثرت فيه، وأكدنا على الينابيع المشتركة للدين والفكر المسيحي واليهودي.
كما حرصنا على تحليل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أنتجت هذه الأفكار وتفاعلت معها وأثر كل منهما في الآخر.
وفي النهاية خلصنا إلى مجموعة من الاستنتاجات والخلاصات المرتبطة بالبحث.
وكل ما نتمناه أن تكون هذه الدراسة بمستوى الجهد الذي بذل في إنجازها، وأن تحقق الغايات التي أعدت من أجلها.
كما حرصنا على تحليل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أنتجت هذه الأفكار وتفاعلت معها وأثر كل منهما في الآخر.
وفي النهاية خلصنا إلى مجموعة من الاستنتاجات والخلاصات المرتبطة بالبحث.
وكل ما نتمناه أن تكون هذه الدراسة بمستوى الجهد الذي بذل في إنجازها، وأن تحقق الغايات التي أعدت من أجلها.
السلام عليكم ...
على بركة الله أبو محمد ... فموضوع في غاية الأهمية لشبابنا الذي يفتقد هذا الدور التوعوي حول قضيته بدراسة الجانب المهم من القضية و هو الكيان الصهيوني اليهودي الغاصب ....
لي تعليق يا أبو محمد كان في المنتدى السابق موضوع للأخ طارق المحسيري: " تاريخ فلسطين المصوّر" من الألف إلى الياء للعلامة الشيخ طارق سويدان ... بصراحة طالبنا كثيراً بإعادة هذا الموضوع من قبل الفنيين كما تم نقل بعض الأرشيفات الخاصة بهذا المنتدى ... فبصراحة هذا الموضوع كان فيه جهود خرافية و يشرح التاريخ الصهيوني بكل حذافيره .... أتمنى ان يتم إعادة هذا الموضوع أو أن تعتمد ذاك الكتاب في طرح موضوعك هذا ..
تمنياتي
في قمة الروعة هذا الموضوع عمي أبو محمد ..كل الشكر لك وللختيار
وبانتظار كل جديد وسنكون من المتابعين والمشاركين بإذن الله....
بصراحة الختيار موسوعة متنقلة من المعلومات ما شاء الله عليه
ولا يبخل بأي معلومة ويجب علينا استغلال ذلك في اثراء هذا الموضوع
في هذا القسم، سنتناول أفكار الصهيونية اليهودية التي أتت بها حركة الإصلاح الديني المسيحي البروتستانتية في القرن السادس عشر، و ذلك قبل نشوء الصهيونية اليهودية و قبل قيام الحركة الصهيونية بعدة قرون. أ-الفكر الكاثوليكي في القرون الوسطى :-
ساد الفكر الكاثوليكي التقليدي في أوروبا خلال العصور الوسطى و حتى القرن ال 16، حيث نشأت حركة الإصلاح الديني و خاضت صراعا ضاريا مع الكنيسة الكاثوليكية . و لم يكن في الفكر الكاثوليكي أي مكان لاحتمال العودة اليهودية الي فلسطين أو لفكرة وجود الأمة اليهودية ، أو فكرة العصر الألفي ذاتها. ذلك إن القساوسة الأوائل – منذ أن أصبحت المسيحية هي الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية– عقدوا العزم على استئصال شأفة أفكار المؤمنين بالعصر الألفي السعيد، و تم ذلك على يد أوغسطين الذي وضع حداً لهذه المشكلة في كتابة " مدينة الله " ، حيث فسر فكرة العصر الألفي السعيد مجازا بأنها حالة روحية وصلت إليها الكنيسة في عيد العنصرة بعد موت و بعث السيد المسيح، رافضا التفسير الحرفي للتوراة ، و معتبرا إن الفقرات الواردة في العهد القديم ، و التي تشير إلى عودة اليهود إلى وطنهم لا تنطبق على اليهود ، بل على الكنيسة المسيحية مجازا ([1]) .
لقد اعتبرت الكنيسة الكاثوليكية فكرة نهاية الزمان فكرة مدمرة ، و تهديدا لأمن الكنيسة في العصور الوسطى، و رغم إن الاعتقاد الأخروي بعودة المسيح السريعة شاع في القرون الوسطى و ظهر بين الفينة والأخرى ، إلا إن الفكرة بقيت ضمن نطاق الدعوات السرية خوفا من بطش الكنيسة المسيحية في روما ، التي اعتبرتها كفرا و هرطقة ([2] ) .
إما بالنسبة لليهود ، وفقا للعقيدة الكاثوليكية الرسمية ، فقد اقترفوا إثما فطردهم الله من فلسطين إلى منفاهم في بابل ، و عندما أنكروا أن عيسى هو المسيح المنتظر نفاهم الله ثانية ، و بذلك انتهى وجود ما يسمى "الأمة اليهودية " إلى الأبد ، و لذلك ليس لليهود مستقبل جماعي ، ولكنهم كأفراد يستطيعون إيجاد الخلاص الروحي بارتدادهم للمسيحية. إما النبوءات المتعلقة بعودة اليهود فكانت تؤّول على أنها عودة الإسرائيليين من المنفى في بابل ، و قد تحقق ذلك في القرن السادس قبل الميلاد حين أعادهم قورش الفارسي إلى فلسطين . إما الفقرات التي تنبأت بمستقبل مشرق لإسرائيل ، فكانت تؤّول على أنها تنطبق على " إسرائيل الجديدة " ، أي الكنيسة المسيحية التي اعتبرت " إسرائيل الحقيقية " و الوريث المباشر للديانة اليهودية(لاحظ هنا عملية الفصل بين اليهود المعاصرين و العبرانيين القدامى في فكر الكنيسة الكاثوليكية)، و كانت فلسطين تعتبر الوطن المقدس الذي أورثه المسيح لإتباعه المسيحيين ، و لم تكن القدس توصف بأنها " صهيون اليهودية " ، " بل مدينة العهد الجديد المقدسة"([3] ).
و بكلمة نقول ، لم تكن أوروبا قبل الإصلاح الديني تعتبر اليهود شعب الله المختار الذي قدر له إن يعود لأرضه المقدسة ، و إذا كان اليهودي مختارا لأمر فهو اللعنة ، حيث اعتبر اليهود مارقين و وصموا بأنهم قتلة المسيح ، و لم تكن هناك بارقة أمل في إعادة بعثهم روحيا أو قوميا و لم يكن ادني فكرة عن تملك اليهود لفلسطين و كانت اليهودية مجرد اسم لديانة دنيا.
[1] - ريجينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، عالم المعرفة، الكويت، 1985، ص21.
السلام عليكم ...
على بركة الله أبو محمد ... فموضوع في غاية الأهمية لشبابنا الذي يفتقد هذا الدور التوعوي حول قضيته بدراسة الجانب المهم من القضية و هو الكيان الصهيوني اليهودي الغاصب ....
لي تعليق يا أبو محمد كان في المنتدى السابق موضوع للأخ طارق المحسيري: " تاريخ فلسطين المصوّر" من الألف إلى الياء للعلامة الشيخ طارق سويدان ... بصراحة طالبنا كثيراً بإعادة هذا الموضوع من قبل الفنيين كما تم نقل بعض الأرشيفات الخاصة بهذا المنتدى ... فبصراحة هذا الموضوع كان فيه جهود خرافية و يشرح التاريخ الصهيوني بكل حذافيره .... أتمنى ان يتم إعادة هذا الموضوع أو أن تعتمد ذاك الكتاب في طرح موضوعك هذا ..
تمنياتي
أذكر هذا الموضوع جيدا أخي دياب
وسأحاول البحث علني أوفق في الوصول اليه
شرفني مرورك وأتمنى أن نستفيد من المعلومات القيمة التي سيتم طرحها هنا
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سماح عاطف
موضوع في غاية الاهميه ,,,
سأعود للقراءه والنقاش لاحقا
يعطيك العافيه ,,
شرفني مرورك أختي وسنتشرف أكثر بمشاركاتك
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان عبد الرحمن عز
في قمة الروعة هذا الموضوع عمي أبو محمد ..كل الشكر لك وللختيار
وبانتظار كل جديد وسنكون من المتابعين والمشاركين بإذن الله....
بصراحة الختيار موسوعة متنقلة من المعلومات ما شاء الله عليه
ولا يبخل بأي معلومة ويجب علينا استغلال ذلك في اثراء هذا الموضوع
أشكرك مالك فعلا كما تفضلت المعلومات في موضوعك كبيرة جدا وموسعة وأتمنى أن يكون هناك بعض الاختلاف لنستفيد أكثر
والحقيقة الأخرى أن موضوعي وهو فعلا ليس بموضوعي وانما مجموعة من البحوث قام بتزويدي بها الأخ علاء ناصر مشكورا
شو بدك مالك انا حاضر وتحت أمرك
اذا بدك أرفع موضوعك وأدمج المعلومات كلها أنا جاهز
شو بدك احكي وما تخجل
فصل واحنا بنلبس انت باعتبار أخ كبير النا
أشكرك مالك فعلا كما تفضلت المعلومات في موضوعك كبيرة جدا وموسعة وأتمنى أن يكون هناك بعض الاختلاف لنستفيد أكثر والحقيقة الأخرى أن موضوعي وهو فعلا ليس بموضوعي وانما مجموعة من البحوث قام بتزويدي بها الأخ علاء ناصر مشكورا
شو بدك مالك انا حاضر وتحت أمرك اذا بدك أرفع موضوعك وأدمج المعلومات كلها أنا جاهز شو بدك احكي وما تخجل فصل واحنا بنلبس انت باعتبار أخ كبير النا
الي بدك اياه اعمله واذا بدك تحذف موضوعي كمان تحت امرك
ومافي كبير وانت موجود حبيبنا واخونا وتاج راسنا ابو محمد
ب.نشوء الصهيونية غير اليهودية :
تقوم التعاليم الصهيونية غير اليهودية على مجموعة من الأساطير الصهيونية التوراتية ، التي تسربت للتاريخ و الفكر الغربي عبر حركة الإصلاح الديني البروتستانتي في القرن الـ16 ، و تم غرسها في البيئة غير اليهودية . و كانت هذه الأساطير متوافقة مع تلك التي أصبحت لاحقا المنطق الروحي الباطني للصهيونية اليهودية السياسية ، و هي أساطير " الشعب المختار " و "الميثاق " و"عودة المسيح المنتظر"، إذ جعلت أسطورة الشعب المختار اليهود امة منفصلة عن الآخرين ، فيما ركزت أسطورة الميثاق عن الارتباط السرمدي الدائم بين الشعب المختار و الأرض المقدسة (فلسطين) التي كتبت لهم بناء على الوعد الإلهي ، إما أسطورة ترقب المسيح فقد كفلت للشعب المختار إن يضع حدا لتشرده في الوقت المناسب ، ليعود إلى فلسطين و يقيم وطنه القومي هناك إلى الأبد ( [1] ) .
تعتبر حركة الإصلاح الديني تعبير ديني يعكس في الجوهر تطلعات الطبقة الوسطى الجديدة لإقامة دولتها الوطنية التحررية و الموحدة في مواجهة سلطان الكنيسة و البابوية، ودمج عناصر الأمة و توحيدها بالارتفاع فوق الانقسامات الإقطاعية الطائفية و الفئوية و العرقية . و لذلك فقد وقف لوثر وكالفن ضد كنيسة روما و سلطتها البابوية و مع الكنائس القومية و الحركات القومية([2]). وإذا كانت حركة الإصلاح الديني قد عبرت عن روح عصر التنوير ، باعتبارها للدين مسألة عقيدة لا دخل للدولة بها ، و دعوتها إلى فصل الدين عن الدولة ، فهي بالمقابل تبنت موقف التنوير العلماني من حرية العقيدة والدين باعتباره علاقة بين الفرد و الخالق ، و رفضت تدخل الكنيسة الكاثوليكية في امور الدولة مثلما رفضت وساطة الكنيسة بين الخلق و الخالق ، و دعت إلى تحرير الفرد و المجتمع من سيطرة و سطوة الكنيسة باسم الدين . و بهذا المعنى شكلت البروتستانتية ثورة على الكنيسة الكاثوليكية و معتقداتها .
في ضوء ما سبق ، كانت المبادئ البروتستانتية التي وضعتها حركة الإصلاح الديني في القرن الـ 16 مغايرة تماما للمبادئ الكاثوليكية السابقة . فقد قامت بترجمة العهد القديم و أعادت اكتشافه ليصبح عنصرا أساسيا في هذه الحركة ، و تطور الاهتمام بالتوراة باعتبارها "كلمة الله" تحت شعار " العودة إلى الكتاب المقدس " ، وأصبح العهد القديم هو المرجع الأعلى للسلوك و الاعتقاد ، و حلت "كلمة الله المعصومة" –كما جاءت في الكتاب المقدس– محل "الكنيسة المعصومة" التي يمثلها البابا في روما ، و دعي المؤمنون للعودة إلى الكتاب المقدس نفسه باعتباره مصدر المسيحية النقية الثابتة.
و بهذا المعنى ، يمكن اعتبار هذه الحركة بأنها حركة بعث " عبري " أو " يهودي " ، تولدت عنه وجهة نظر جديدة عن الماضي و الحاضر اليهودي ، و عن مستقبله بشكل خاص.
فالتعبيرات اللاهويته التي جاءت بها حركة الإصلاح هي التي روجت لفكرة إن اليهود " امة منفصلة " ، و أكدت على عودتهم إلى ارض فلسطين.ومقابل الفصل الكاثوليكي السابق و الواضح بين شعب العهد القديم العبري و بين اليهود المعاصرين ، الذين ينظر إليهم بازدراء ، أصبح العبرانيين التوراتيين يقرنون بأبناء دينهم الحديثين ، و ساد الاعتقاد بين البروتستانتية بأن اليهود المشتتين حاليا سيجمعون من جديد في فلسطين للإعداد لعودة المسيح المنتظر. ذلك إن اهتمام حركة الإصلاح البروتستانتي كان منصبا على العالم القادم،و كان ينظر إلى الحياة بمنظار الأبدية ، و ساد الاعتقاد بالمسيح المنتظر و العهد الألفي السعيد ، اللذين هما من مقومات المبادئ اليهودية التوراتية ( [3] ) .
لقد أصبح ما جاء في الكتاب المقدس (و التوراة اليهودية الجزء الأكبر منه)،بكونه سجلاً لتاريخ الدولة اليهودية القديمة تقوم على مجموعة من الأساطير والخرافات والقصص التاريخية ، هو التاريخ المعترف به بل و مصدر المعلومات التاريخية العامة ، و غدت قصص و شخصيات العهد القديم مألوفة ، و أضحى الكثير من البروتستانت يروونها عن ظهر قلب ، و أصبح المسيح نفسه معروفا ليس بوصفه ابن مريم ، بل كواحد من سلسة طويلة من الأنبياء العبرانيين، و حل إبطال العهد القديم محل القديسين الكاثوليك .
كما أصبحت فلسطين أرضا يهودية في الفكر المسيحي في أوروبا البروتستانتية و أصبح اليهود هم الفلسطينيون الغرباء في أوروبا ، و الذين سيعادون إلى فلسطين عندما يحين الوقت المناسب ، و عندما أصبح ذلك جزء من طقوس العبادات و الصلوات في الكنيسة ، اتخذت التعاليم الصهيونية غير اليهودية شكلا ثابتا و حظيت بمكانة راسخة في ضمير أوروبا القومي ( [4]) .
و أعطت حركة الإصلاح اللغة العبرية وزنا كبيرا ، باعتبارها اللسان المقدس و اللغة التي أوحى بها الله لشعبة بعد إن كانت الكاثوليكية التقليدية ترى إن دراسة العبرية هرطقة و بدعة يهودية ، و سرعان ما أصبحت معرفة العبرية جزء من الثقافة الأوروبية العامة ، بل إن حركة الإصلاح جعلتها جزء من المنهج الدراسي اللاهوتي ، و انكب رجال الدين و المسيحيون العاديون على دراسة أدب الأحبار ، و أصبحت العبرية مسألة ثقافة واسعة كما هي مسألة دين ، و تسربت " الروح العبرية " الجديدة إلى الفنون و الآداب ، و تركت بصماتها على الحضارة الأوروبية ([5] ) .
لقد استمرت هذه الحركة في استقطاب أنصار لها في كل فترات التاريخ التي تلت حركة الإصلاح الديني ، و بلغت ذروتها في القرن العشرين في مذهب " العصمة الحرفية " الامريكيي ، الذي يصر على إن إسرائيل هي التحقق الواقعي للنبوءة في العصر الحديث ، و ذلك على الرغم من الاضطهاد الذي تعرضت له الطوائف المعمدانية من قبل الكنيسة الكاثوليكية ، و حتى على يد الكنائس اللوثربة و الكالفينية الرسمية التي كانت تضطهدها بعنف باعتبارها قوى مارقة . ففي هولندا و سويسرا بقيت هذه الفرق على قيد الحياة و دفعت الثمن خضوعا للكنيسة ، و في انجلترا حظيت العقيدة الجديدة باحترام كبير ، و أصبح لها أنصار في البرلمان( [6] )..
خلاصة القول ، إن اهمية حركة الإصلاح الديني تكمن في تمهيدها الطريق للأفكار الصهيونية عن الأمة اليهودية ، و البعث اليهودي ، و كون فلسطين وطنا لليهود . هذه الأفكار التي لاقت رواجا فيما بعد ، حيث كان للصهيونية غير اليهودية ممثلون بارزون في كل فترات التاريخ التي تلت حركة الإصلاح الديني – كما سنرى لاحقا – و تحولت من عقيدة لاهوتية مسيحية إلى أيدلوجية سياسية للغرب المعاصر ، ثم للحركة الصهيونية .
ج.البيورتيانية الانجليزية :
تعتبر البيورتيانية اشد إشكال البروتستانتية تطرفا ، و الوريث الشرعي المباشر للكالفينية ، ووصلت النهضة العبرية ذروتها عبر ما عرف بالثورة البيورتيانية في انجلترا في القرن السابع عشر ، حيث غالوا في إجلال الكتاب المقدس ، و أعطوا الأولوية للعهد القديم ، على غرار عهد الكالفينية في جنيف ( [1] ).
لقد جلبت البيورتيانية لانجلترا اجتماعيا و فكريا الغزو " العبري " الذي كان قد اجتاح القارة الأوروبية ، و قد وجد البيورتيانيون في العهد القديم مثالا سماويا للحكومة الوطنية ، و دلالة واضحة للقوانين التي يجب على البشر إتباعها، وكانت النزعة العامة لديهم هي التخلي عن المبادئ الخلقية المسيحية، و الاستعاضة عنها بالعادات اليهودية، و اتبعوا نص القانون القديم بدلا من التعبيرات الصادرة عن فهم التعاليم المسيحية،و بلغت الأمور حد مطالبة " اللفلرز" (مجموعة جمهورية متطرفة من البيوريتانيين) ) الحكومة بإعلان التوراة دستورا للقانون الانجليزي،و ذهب آخرون إلى ابعد من ذلك فاعتنقوا اليهودية ، كما فعل جون تراسك و جميع إتباعه و بعض الشخصيات المهمة ، كالرسام و الفنان الشهير الكسندر كوبر ، أما الذين بقوا على مسيحيتهم فقد نظروا بعطف متزايد إلى الذين يطلق عليهم " شعب الله القديم". من المفيد الإشارة هنا إلى إن الدعوة "البيورتيانية الصهيونية" كانت عاصفة خلال القرن الذي أعقب عصر النهضة ( 1771 ) ، و ذلك يعود إلى الحروب الدينية التي جلبت مع عدم الاستقرار الاجتماعي جوا مشبعا بالأفكار الصوفية و التوقعات المتعلقة بنهاية الزمان بين كافة الطبقات ، و في جميع دول أوروبا.
و تشير المصادر التاريخية إلى إن كرومويل كان عضوا في هذه الجماعة ، فبعد إن حل "البرلمان الطويل" عام 1653 استبدله " بالبرلمان القصير" المكون من القديسين فقط ) أي البيورتياريون) ، وكان مجلس الدولة يتكون من سبعين عضوا ، أسوة بعدد أعضاء المجلس الأعلى اليهودي القديم . ( [2] )
وفي عام 1649 أرسل جواناوواينز الانجليزيان المقيمان في أمستردام ، استرحاما للحكومة الانجليزية جاء فيه " ليكن شعب انجلترا و سكان الأراضي المنخفضة أول من يحمل أبناء و بنات إسرائيل على سفنهم إلى الأرض التي وعد بها أجدادهم إبراهيم و إسحاق و يعقوب لتكون ارثهم الأبدي" .( [3] ) و كانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ فكرة البعث اليهودي التي يقدم فيها عمل من صنع البشر على انه الطريق الوحيد لتحقيق الهدف الذي كان يعتبره اليهود و غيرهم امرأ روحيا لا يتحقق إلا بتدخل العناية الإلهية.
وتشير المؤرخة اليهودية بارربرا تخمان([4]) إلى أن الحركة من اجل البعث اليهودي لم تكن من اجل اليهود أنفسهم و حسب، بل من اجل الوعد المعطى لهم أيضا.فقد كان ينظر إلى العودة على أنها اعتناق اليهود للمسيحية ، لان هذه هي علامة تحقيق الوعد ، و عليه فقد كان كثير من البيوريتاريين يعتقدون ، بدافع عبريتهم، إن من اليسير على اليهود إن يتحولوا إلى المسيحية.
و من الضروري أيضا الإشارة إلى إن البعد النفعي و المصالح المادية كانت حاضرة بقوة في اهتمام البيوريتانيين البريطانيين، و بهذا الصدد تضيف باربارا توخمان بأنه منذ عهد كرومويل أصبح أي اهتمام بريطاني بفلسطين يعتمد على دافعين متلازمين:دافع الربح ، تجاريا أو استعماريا أو عسكريا ، و الدافع الديني.. و لم يكن يحدث شيء حين يغيب أي من هذين الدافعين ، كما حدث بالفعل عندما فتر المناخ الديني في القرن ال18.في مؤتمر وايت هول الذي دعي كرومويل لعقده سنة 1655 لبحث شرعية و ظروف دخول اليهود الي انجلترا ، تدخل بشكل شخصي للسماح بدخول اليهود ، و جاء في نصوص المؤتمر : "السماح بدخول اليهود لدولة بروتستانتية ينبغي إن لا يكون قانونيا فحسب ، بل امرأ نفعيا أيضا" " ([5] ) ذلك إن الحرب الأهلية التي سبقت العهد البيوريتاني كانت قد ألحقت ضررا كبيرا بمركز انجلترا كقوة تجارية و بحرية ، و وجد الألمان الفرصة سانحة للسيطرة على الطرق التجارية للشرقيين الأدنى و الأقصى ، و كان من المعروف إن لليهود الألمان فضلا في اتساع التجارة الألمانية بداية القرن ال 19 ، كما إن كرومويل كان منهمكا ، آنذاك ، في سلسلة من الحروب التجارية مع البرتغال و اسبانيا و الأراضي المنخفضة (هولندا)، و أراد الاستفادة من مواهب و ثروات جماعات اليهود المعروفة في التجارة في تلك البلدان ، من خلال التجار اليهود في انجلترا لمساعدته في حروبه و تزويده بمعلومات مهمة عن السياسات التجارية للدول المنافسة له . هذا بالإضافة لاستفادته من رؤوس الأموال اليهودية الضخمة التي سيجلبها اليهود معهم إلى إنجلترا لاستثمارها في الصناعة([6]) .
لقد تضاءلت اهمية " العبرية " في الحياة الانجليزية بعد موت كرومويل سنة 1658 ولكنها لم تفقد جاذبتها بالنسبة للكثير من المسيحيين المتعاطفين معها . و مع عودة آل سيتورات للحكم عام 1660 هزمت البيورتيانية نفسها ، ثم قضي عليها نهائيا في عهد الثورة المجيدة سنة 1668، إلا أنها استمرت و ازدهرت في بيئة عصر العقل المعادية لها في القرن ال 18 و الأهم من ذلك أنها لفتت أنظار الساسة الأوروبيين إلى إمكانية توظيف الصهيونية و مقولاتها في خدمة أهدافهم الاستعمارية – الاستيطانية.
د.الصهيونية الألفية في بقية دول أوروبا ( [17] ) :-
انتشرت أفكار الصهيونية الألفية في جميع إنحاء أوروبا. ففي هولندا توطدت البروتستانية مما أدى إلى تدخل الحكومة الاسبانية الكاثوليكية في حرية الدين وقامت ثورة عام 1556 ، وأسفرت عن انتصار القوات البروتستانيةوتأسيس جمهورية بروتستانتية مستقلة عام 1609 تضم أراضي هولندا الحالية .
و في فرنسا كان لهذه الأفكار الألفية من آمن بها خاصة في المناطق الجنوبية و ممثلهم البارز اسحق دب لابير (1594-1676 ) الذي كتب عودة اليهود و دعا إلى إحياء إسرائيل بتوطين الشعب اليهودي في الأراضي المقدسة . وقد بعث باسترحام للملوك الفرنسيين لكن رسالته لم تنشر إلا بعد قرنيين عندما دعا نابليون إلى اجتماع السنهدرين اليهودي في مايو 1806 م .
و في ألمانيا اللوثرية انتشرت الأفكار الألفية الصهيونية وكانت هامبورغ مشهورة في القرن السابع عشر بكونها الموطن الأسطوري لليهود في القارة الأوروبية وبأنها مركز الحركة التقوية الألمانية ( حركة صوفية روحية تركز تعاليمها الأخروية على عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين) .
أما الدول الاسكندينافية فقد انتشرت فيها الأفكار الألفية و في الدانمارك حث هولجربولي ملوك أوروبا على القيام بحملة صليبية جديدة لتحرير فلسطين و القدس من الكفار و توطين اليهود وارثيها الأصليين و الشرعيين وفي العام 1999 قدم خطة مفصلة لملك انجلترا وليم الثالث يطلب فيها إعادة احتلال فلسطين وتسليمها لليهود لإقامة دولة خاصة بهم. وتعتبر أفكار هولجرجولي في ذلك الوقت محاولة جريئة للربط بين الطموحات الدينية لدعاة بعث اليهود و الإحداث السياسية.