عندما كنّا صغاراً كان هناك سيارة بك آب تشتري وتجمع الخردوات و تدور في أرجاء عمان و كانت وحيدة لا غيرها وكانت تأتي لحارتنا يوماً واحد في الأسبوع و كانت حصة حارتنا يوم الاربعاء من كل أسبوع وكنا ننتظرها بشغف . تشتري السيارة كل شيئ من خردوات حارتنا وتشتري قضبان الحديد المهترئة و علب الصفيح و الشباشب البلاستيكية و اسلاك النحاس و علب البيبسي الفارغة و صحون و طناجر المنىوم مطبقة بخبث كان قد باعها رب أسرة ذات طفر و اعلن امام السيارة بأنه باعها ليسر حال و أنه سيجدد أغراض المطبخ فقط . كان الأطفال العابثون أمثالي يسرقون الأحذية من هنا و هناك و كنا نجمعها مع بعض خردة الحديد و الالمنىوم و بواقي علب الصفيح و كان لكل واحد منا مكان يخزن فيه ما جاد به السيل لحين حضور سيارة الخردة . كنا نبيع أشيائنا لسيارة الخردة خلسة و نستحي من الوقوف أمامها خوفا من أن يشاهدنا احدآ من أهالينا لأنه إذ ما شاهدنا احد فأنه يتحتم علينا الجلوس لساعات طوال امام لجان التحقيق المكونة من الأب و الأم و الأخ الكبير إن وجد و احد الأعمام و تكون جلسة تحقيق و مسائلة و حلف يمين بأن احدنا لم يمس أي شيئ من أشياء بيتنا . كنت انافس جميع الأطفال في حجم مبيعات الخردة و كنت اكثرهم جمعآ للخردة و المال وأذكر أن اكبر مبلغ حصلت عليه كان اربعة دنانير دفعة واحدة ، وكان رقمآ مهول جدآ بالنسبة لي و بدون أدنى وعي ركبت سرفيس حارتنا و توجهت لوسط البلد و اشتريت أشياء كثيرة و خضروات حتى ما عدت قادرآ على حملها ، ولم تسألني امي وقتها من أين لك هذا لفرط الحاجة و لتعب السنون اليابسات . كان هناك طفل واحد ينافسني في جمع الخردة و أسمه علي عبد الهادي و أذكر انه باع لسيارة الخردة بمبلغ ثلاثة دنانير و نصف مما جعلني اموت غيضا و اتفجر حسدآ و بغضآ حيث كنت امكت طفولة هذا العلي لأنه ايضآ كان يسبقني في بعض الأحيان على تجمع النفايات ( المزابل ) و في بعض الأحيان كنت اشاهده قبلي عند حاويات عبدون الجميلة و المنسقة و التي كانت تحوي لنا الفرح و المفاجئة لأن ثمة في كل كيس مفاجئة و تكون العملية كلها أنت و حظك . تمر السنون العابسات و لازلت اذكر سائق سيارة الخردة الذي كان يتفاجئ بجمال خردواتي و يسألني بخبث ( وين لقيتهم يا شاطر ) في أشارة واضحة بأنه يريد أن يسرق المكان مني لكني كنت أشد خبثآ منه حيث كنت أقول له : انا أشتريتها من لولاد سنون مرت و لا زلت أذكر احمد أخي و جلال و يوسف الفحل حيث كان أحمد يترأسهم في رحلات الغزو على حاويات عبدون و كيف كان في كل مرة يأكل حقهم و يأتي الينا بكيس مليء بالالعاب و الأشرطة و الشمع وأذكر مرة أن احضر لنا جاتوهات وكيك وبواقي طعام فاض ليلة عيد و كان أبي في كل مرة يقول له : والله انك شاطر يا احمد و من القصص المضحكة التي حصلت مع احمد أخي و جماعته ان شاهد جلال طرف مسجل لونه احمر ظاهر من طرف الحاوية و كان جلال الأقرب للحاوية فصاح بقوة : يا الله مسجل فأسرع بأتجاه الحاوية و لكن قبل وصوله بأمتار لاحظ موج هادر من خلفه مع صوت وحش قد انقض عليه و طرحه ارضآ و سبقه للمسجل و التقطه بقوة و ظل مسرعآ حتى وصل البيت غير آبه بما حصل لزميله الذي و صل متأخرآ بعده و يعاني من رضوض و خدوش في كل اجزاء جسمه . سنون عابسات يابسات مرن علينا و كلهن تعب ممزوج بالأمل الموعود و الغد الجميل الذي كان يزورنا في أحلامنا المتنوعة فكان حلمي أن أقهر الفقر اللعين و ادوس عليه بقوة المثابر وكان ، و من الفارقة ان الطفل علي عبد الهادي كان يحلم أن يصبح تاجر خردة كبير و كان ، حتى يقهر تاجرنا القديم الذي كان يضحك على طفولتنا و يسلبنا أشيائنا بأبخس الإثمان . مرت السنون على مهل على مهل حتى تعشعشت الذكريات في اطراف العقل والبال وكانت حكايات لا تنسى .
ما اجمل مواضيعك التي تذكرنا بالماضي الجميل والصعب في آن واحد
جميل من حيث الحياة الاسرية الرائعه والمتكاتفة وصعب من حيث المعيشة المضنية والمتعبة
اذكر اني كنت انا واخوتي نجمع الخرداوات قبل افتتاح المدارس ونبيعها حتى نجمع مصاريف دخول المدارس من لباس وكتب واقلام الخ
ما يميز زماننا اننا كنا نعتمد على انفسنا لا على اهلنا ونساعدهم على صعوبة الحياة
بينما الجيل الحالي يعتمد على اهله ولا يحرك ساكنا ويجلس امام البلاي ستيشن و(صحن الاكل جنبه)