في ذات مساء خريفي..علا صراخ من منزل ريفي..فحواه, طلب من زوجة راعي المنزل الى زوجها ,ان يا امه في بيته يا هي..ففكر ثم قدر ..ثم عبس وقرر..فوقع خياره على زوجته .. فذهب الى امه العاجز الضريرة..واخبرها بنية الخروج واياها بنزهة حول القرية.. فانطلق بامه ذات ليل ..ومضى بها .. وما ان استشعر انه ابتعد قدرا يضمن له استحالة عودة امه العجوز للبيت ..تركها في كهف هناك ..وقفل عائدا الى بيته ..حيث زوجته! وفي صبيحة اليوم التالي ..افاق,هذا العاق..مذعورا فزعا من نومه..وعقد النية والعزم ان يذهب متخفيا للكهف ..حيث ترقد امه ..وما ان حطت رحاله هناك ..حتى استعار صوتا غير صوته..مخفيا نبرته .. وسألها عن سبب وجودها..اي امه ..فأجهشت الام بالبكاء..ولازال قلبه ما رق لحال امه.. فقال لها: ما بالك تبكين؟.. فأجابت ,انها جاءت وابنها بالامس الى هذا المكان ..وانه اي ابنها , تركها لقضاء حاجة والعودة بالحال ..وللان لم يعد ..وتخشى عليه وحوش البراري ان تدميه ..او تصيبه بمكروه..فبرقبته زوجة واطفال..والقلب يكاد ينفطر على معرفة خبر عنه.. فما كان من ولدها ..الا ان انكب على قدمي والدته يقبلهما ويستسمحها..ليحملها على ظهره ويعود بها لبيته..ناذرا نفسه لرضاها ..ليرمي بوسوسات شيطان زوجته تحت نعليه ..ويعلن عن امه خيارا لا بديل له..
إسمح لي أخي المارد أن أدرج في موضوعك قصة أخرى عن عظمة الأم
يحكى ان امرأة عوراء عاشت الحياة وقسوتها بعد رحيل زوجها. وقد خلف لها ولدا بلا سند مادي او معنوي. فعملت بعين واحدة لتقوم بتربية طفلها الذي بدأ يكبر. ادخلته المدرسة وهي تمسح دمعة مراقة في اول يوم مدرسة له، وهي ذكرى تبقى عزيزة على قلب كل أم وقد بدأ وليدها ينسلخ عنها.. لم تطق صبرا على بعده.. لحقت به الى المدرسة لتطمئن عليه وتثلج قلبها برؤياه. وعندما عادا الى البيت لمحت مظاهر الحزن على وجه وحيدها سألته السبب: فاجاب الطفل بكل براءة الطفولة : لا اريدك ان تأتي الى المدرسة. لقد سخر منك رفاقي وضحكوا على عينك المقلوعة.. لم تهتم الام كثيرا لملاحظة وحيدها معللة صراحته بعفوية الطفولة..
مرت الايام والام تسقي وحيدها من نبع حنانها وعطائها حتى غدا يافعا تفتخر به وتزهو بشبابه وتألقه.. لكنه اصر في كل مناسبة على ابعادها عن حياته لخجله منها ومن عينها المقلوعة كي لا يحرج بشكلها واذا تصادف ولمحها احد رفاقه تثور ثائرته ويتفوه بافظع الالفاظ ويجبرها ان تختفي امام اصحابه..
تلملم الام جراح عاهتها في نفسها المطعونة بسيف اغلى الناس، ولا تملك الا عينا واحدة للبكاء تذرف دمعها بسخاء حزنا على الدنيا واساها. وتدعو لولدها بالهداية وتحاول ان تعوض عن عينها باغداق حنانها وعطفها.. لكنها اكتشفت ان لا سبيل لاقناع ولدها بقبول عاهتها حين فضل الهروب منها ، وآصر على الدراسة في اميركا حيث يتحرر من امه، وانقطع حتى عن مراسلتها الا قليلا عندما يحتاج الى المال او المعونة.. مرت الايام.. سمعت من اهل لها واقارب ان ولدها قد تزوج ورزق بابناء.. هاجت عليها عاطفتها واستجمعت ما تبقى لها من قوة ومال يعينها على السفر اليه واحتضانه فيفرح هذا القلب المكلوم ولو قليلا بلقياه، وتلقى احفادها الصغار وقد ذاب قلبها حبا عليهم..!!
حملت ما حملت من هدايا وقصدت البلد البعيد، فتحت لها كنتها الباب، رحبت بها واسرعت الى زوجها تبشره بقدوم امه.. خرج ابنها اليها متجهم الوجه بادرها بفظاظة الولد العاق: لماذا لحقتني الى هنا؟؟ الم اهرب منك؟؟ ماذا تريدين مني؟؟
كانها صاعقة نزلت على رأس الام المسكينة، لم تحتمل الصدمة خرجت من عنده وكادت تقع ارضا.. تحاملت على جرحها.. وعادت الى بلدها حيث الوحدة والكرامة على نفس الطائرة التي اقلتها اليه..!!
مر الزمن !! صار فيه الولد اباً فعرف قيمة الام والاب، وفي يقظة ضمير ندم على فظاعته وفظاظته فقرر العودة الى البلد لزيارة أمه ليستغفرها على فعلته.. قصد بيتها ليفاجأ بأنها رحلت عنه الى شقة تكاد تكون مأوى لا بيتا، لكن المأوى ايضا مغلق.. سأل الجيران عن امه! اجابوه: بان امه قد فارقت الحياة قبل ايام قليلة لكنها تركت له رسالة:
أمسك بالرسالة بيد انتابتها رجفة الحسرة، قرأ فيها:
ولدي الغالي: يعز علي ان افارق الدنيا دون ان اراك. لكنها رغبتك ان اظل بعيدة عنك كي لا تنحرج برؤية امرأة عوراء.. لكن سأحكي لك حكاية اخفيتها عنك عمرا كي لا احملك فوق طاقتك .. عندما كنت طفلا صغيرا تعرضت لحادث مريع ذهب بعينك، ولم يكن هناك بديل عن ان اهبك عيني ترى بها الدنيا.. اما انا فتكفيني عين واحدة ارى بها وجهك الغالي..