فضل الحج
من المعلوم لدى المسلمين كافة بأن الحج أحد أركان الإسلام فقد قال تعالى وتقدس : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } [ آل عمران : 97 ] وقال المصطفى الكريم -صلى الله عليه وسلم- : ( بني الإسلام على خمس : شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ) [ مسلم ]
وإن من أعظم حكم الله تعالى في إيجاب الحج على عباده المؤمنين أن يحققوا العبودية له عز وعلا , ويعلنوا التوحيد بالتلبية الخالدة بقولهم : "لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك , لبيك إله الحق لبيك" كما أنه في الحج يحصل الاجتماع المشهود للمسلمين الذين يفدون إلى البيت العتيق من كل أصقاع المعمورة وفجاجها العميقة قال تعالى : { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } [ الحج : 27 ] يجتمع المسلمون في مكان واحد يرتدون زيا واحدا لا فرق بين صغيرهم وكبيرهم , ورئيسهم ومرؤوسهم , وغنيهم وفقيرهم , وأبيضهم وأسودهم وأحمرهم وأصفرهم ليتذكروا ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين في يوم لا ريب فيه لتجزى كل نفس بما كسبت ومن عجائب القرآن المجيد أن أول آية في سورة الحج هي قوله سبحانه : { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } [ الحج : 1 ] فهل استشعرت ذلك أيها الحاج الكريم؟ .
ومن تمام رحمة أرحم الراحمين أن جعل للحج منافع دنيوية كما جعل له منافع دينية قال تعالى : ليشهدوا منافع لهم [ الحج : 27 ] فمن هذه المنافع : التجارات بين الحجيج وتبادل السلع ونحوها فقد أباح الله تعالى للحاج التجارة فيما أحله الله من الأطعمة والألبسة ونحوها , ومن المنافع الدنيوية أيضا : الانتفاع من الذبائح واللحوم التي يتقرب بها الحجاج إلى الله تعالى وذلك بالأكل منها وإطعامها الفقراء , وإرسالها إلى فقراء المسلمين في بلدان العالم عملا بقوله تعالى : فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير [ الحج : 28 ]
ولكن لا شك أن المنافع الدينية هي الأصل والأهم والقصد الأعلى للمسلم , وسأسوق لك طائفة من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تبين فضل الحج ومكانته وما يترتب عليه من خيرات عظيمة , فمن هذه الأحاديث :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أفضل؟ قال : إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا؟ قال : الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا؟ قال : ثم حج مبرور ) [ البخاري ومسلم ]
والحج المبرور هو الذي يجمع الأمور التالية :
1- أن يكون خالصا لوجه الله تعالى .
2- أن يكون من مال حلال .
3- أن يقوم الإنسان بفعل ما يجب .
والأمر الرابع يأتي قريبا .
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) [ الشيخان ]
وتأمل كيف قال -صلى الله عليه وسلم- : "لله" أي مخلصا لوجهه الكريم لا نصيب للخلق فيه ولا للنفس . [الرفث : الجماع ومقدماته من حركات وكلام والفسوق : الجدال] .
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة [ الشيخان ]
والجنة هي دار الرحمة الخالصة الجامعة لكل نعيم وأعلى نعيمها : النظر إلى وجه الله الكريم فما أعظمها من دار ويا فوز من نالها وخيبة من حرمها .
4- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور جزاء إلا الجنة ) [ الترمذي وصححه ]
قال العلماء : مثل -صلى الله عليه وسلم- متابعتها في إزالة الذنوب إزالة النار الخبث , لأن الإنسان مركوز في جبلته القوة الشهوية الغضبية فيحتاج لما يزيلهما , والحج جامع لأنواع الرياضات من إنفاق المال , والجوع والظمأ , واقتحام المهالك ومفارقة الأهل والأوطان والإخوان وغير ذلك .
5- عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ) [ مسلم ]
6- عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله : نرى (نظن) الجهاد أفضل العمل : أفلا نجاهد؟ قال : "ولكن أفضل الجهاد حج مبرور" [ البخاري ]
7- قال -صلى الله عليه وسلم- : ( أفضل الحج العج والثج ) [ الحاكم وصححه ] .
ومراده -صلى الله عليه وسلم- أفضل أعمال الحج رفع الصوت بالتلبية وهو العج , وإراقة الدم وهو الثج
وغير هذه الأحاديث كثير , فتبين مما تقدم :
1- أن الحج سبب لغفران الذنوب , ومباهاة الله تعالى للحجيج في يوم عرفة .
2- أن الحج مبرور جزاؤه الجنة .
3- أن الحج المبرور سبب للعتق من النيران وغيرها من الأمور العظيمة .
والآن.. وبعد أن عرفت فضل الحج وعظم ثوابه بقي أن تعرف فضل البقاع المقدسة التي حججت إليها واختارها الله تعالى من بين الأماكن والبلاد أعني : البلد الحرام .