مباراة من الذاكرة - مباراة من الذاكرة - مباراة من الذاكرة - مباراة من الذاكرة - مباراة من الذاكرة
من ارشيف الرياضة العراقية
العراق / كوريا الشمالية
15/10/1993 ـ قطر
تصفيات كأس العالم 1994
تغيرت موازين القوى الكروية في القارة الصفراء بداية التسعينات ...عما كانت عليه خلال فترة الثمانينات .. فبعد ان كانت دول الغرب الاسيوي المتمثلة بالكويت والامارات والعراق تتنافس مع منتخب كوريا الجنوبية عند القمة .. فان الاحوال بدات تاخذ طريقها الى توزيع جديد لمراكز القوى .. متجهة شيئا فشيئا الى الشرق الاسيوي ! وقد بدات الدلائل الاولى لذلك خلال تصفيات كاس العالم 1994 ... حين شهدت الادوار الاولى ..خروج واقصاء اكثر من منتخب خليجي معروف على يد منتخبات من شرق اسيا لم تكن قبلا شيئا مذكورا .... فخلال التصفيات الاولية .. تكفلت كوريا الشمالية باقصاء المنتخب القطري بطل خليجي 11 .. فيما وصلت سمعة المنتخب الياباني قبله اثر نجاحه باقصاء المنتخب الاماراتي وانهاء اسطورته !
من جانب اخر .. واثر انقضاء سنوات الحرب الطوال .. اخذت الكرة الايرانية تستعيد عافيتها وموقعها في مقدمة الفرق الاسيوية والذي كانت تتمتع به في الستينات والسبعينات ..بعد مقدم اكثر من وجه جديد !يتقدمهم النجم الذهبي علي دائي !
اقترب انطلاق الجولة الحاسمة للتصفيات .... والتي تاهلت اليها 6 منتخبات ...وقد دار نقاش طويل حول شكل التصفيات الحاسمة .. حيث ارتأى البعض ان تقسم الفرق الى مجموعتين ..يكون في احدها العراق بعيدا عن ايران والسعودية بسبب المشاكل السياسية المعروفة ..فيما تتوزع الكوريتان على المجموعتين لتجنب التقائهما ! وبعد شد وجذب قرر الاتحاد الاسيوي في اخر المطاف ان يقام الدور الحاسم بطريقة الدوري لمرحلة واحدة في دولة محيادة على غرار ما حدث في تصفيات كاس العالم السابقة 1990 ! وقد تنافست عدة دول ممن لم تبلغ النهائيات .. منها سنغافورة التي اصبحت مسرحا تقليديا لهكذا مواجهات .. وقطر ... وفي اخر الامر قرر الاتحاد الاسيوي ان تقام التصفيات في الدوحة ! واستبشرت جماهيرنا خيرا بهذا الاختيار ..وبضرورة ان تكون احدى بطاقتي التاهل عراقية !
وهكذا توضحت هوية المنتخبات الستة ...والتي كان توزيعها عادلا اذ حضرت ثلاث منها من شرق اسيا ...فمن طوكيو جاءت وكما اسلفنا سمعة المنتخب الياباني الذي قيل انه فريق يتحرك بالكومبيوتر ..وانه جاء ليصعد الى كاس العالم بعد ان تجاوز وبسهولة منتخب دولة الامارات .. كما جاء منتخب كوريا الشمالية رغم التحدي الجماهيري كونه هو من اقصى المنتخب القطري بسهولة ايضا ... الى جانب الزبون الدائم منتخب كوريا الجنوبية الذي كانت التصفيات الاولية بالنسبة له بمثابة نزهة !
اما فرق غرب اسيا ..فتمثلت في المنتخب الايراني الذي توقع الجميع ان يكون مجرد رقم تكميلي نظرا لكبر سن لاعبيه والذي تاهل بشق الانفس وبفارق الاهداف عن سورية ! ولم يكن احد يتوقع السلاح الخفي الذي سيستعين به الايرانيون في التصفيات !
كما تاهل المنتخب السعودي الى الادوار النهائية متفوقا على الكويت .. التي كانت لاتزال تحاول لملمة جراحها اثر الاجتياح الصدامي لها قبل عامين ! اما ابن الرافدين .. فقد كان الفريق الوحيد الذي نجح باقصاء فريق من فرق شرق اسيا التي بدات بسحب البساط من تحت اقدام الغربيين !
كما كان التوزيع عادلا من حيث هوية المدربين ايضا فقد استعانت ثلاثة منتخبات بمدربين وطنيين هي :العراق وكوريا الجنوبية وايران فيما درب السعودية واليابان وكوريا الشمالية مدربون اجانب !
وصبت التوقعات في صالح كوريا الجنوبية واليابان كمرشحين اولين للنهائيات ... ثم تاتي منتخبات العراق والسعودية وحتى كوريا الشمالية ..فيما استثنت اغلب الترشيحات المنتخب الايراني !
منتخبنا والتصفيات الحاسمة :
بعد انتهاء تصفيات الجولة الاولى ... بدا عدنان درجال بالاعداد الى الدور الحاسم ..حيث اعفى مساعده السابق ليستعين بالمدرب الصاعد ايوب اوديشو ..ليكون معه ومع مدرب الحراس فتاح نصيف الكادر التدريبي الجديد ! وبدا باختبار مجموعة اخرى من اللاعبين .. بدل من ان يعمل على تدعيم الانسجام في تشكيلته !
وقد قام درجال بسحب مجموعة جديدة من اللاعبين ..وشكل منتخبه الذي ترك فيه محلا شاغرا لمركز الجناح الايمن ... لتكتمل الفرحة قبيل انطلاق التصفيات بانضمام النجم حبيب جعفر اثر شفائه من الاصابة التي حرمته موسما كاملا ..الى صفوف المنتخب الوطني ..الذي ابقى درجال في اخر الامر على تشكيلته الرئيسية وقام بتدعيمها ببعض العناصر الثانوية ...وهكذا وبعودة حبيب الى مكانه الذي افتقده كثيرا اصبح المنتخب العراقي كاملا من حيث تشكيلته الرئيسية !!!!
وقبل ان تجري القرعة لانطلاق التصفيات ...جرى لقاء ثنائي بين اعضاء الاتحاد العراقي واعضاء من الفيفا للتباحث في امور التصفيات ومشاركة العراق وتاهله الى النهائيات التي من المقرر ان تقام في الولايات المتحدة التي كانت حتى ذلك الوقت تعيش حالة حرب مع العراق ! وقد سال مؤيد البدري ..رئيس وفد الفيفا الممثل بالسكرتير جوزيف بلاتر انذاك : هل ستعطي امريكا لاعبي المنتخب العراقي فيزا الدخول اذا تاهل الى كاس العالم ؟ فاجابه الاخير :ستعطيهم اذا تاهلوا !!!!!! وهنا طلب البدري ان تثبت هذه النقطة في محضر الاجتماع ...وبعد ان انفض الاجتماع وصدرت التوصيات ..فوجى البدري بعدم ادراج النقطة التي اتفق عليها بالذات !
وهكذا صار كل شئ مجهزا لانطلاق التصفيات التي تقرر ان تستمر لمدة 13 يوما اعتبارا من 15 ولغاية 28 من شهر تشرين الاول من عام 1993 ! حيث تصاعدت حدة التصريحات من المدربين الستة ..واعلن كل واحد فيهم ان منتخبه سيصل الى امريكا ! و اجريت القرعة التي حكمت ان يفتتح منتخبنا الوطني العراقي التصفيات بملاقاة المنتخب الكوري الشمالي ..الذي كنا نجهل عنه كل شئ حيث لم يلتق المنتخبان منذ اكثر من 15 عاما !
و انطلقت التصفيات في ستاد خليفة ..في الدوحة ... بحضور 20 الف متفرج ...وقد شكل عدنان درجال فريقه الاثير ..الذي كان عصارة عصر ذهبي للكرة العراقية من : 1-عماد هاشم لحراسة المرمى ...2-سمير كاظم و3-سعد عبد الحميد ..و4-راضي شنيشل و14-سليم حسين للدفاع ...7-نعيم صدام الى جانب الثلاثي الذهبي :6-حبيب جعفر في اليمين و11-سعد قيس في اليسار و17-ليث حسين خلف المهاجمين ... و8-احمد راضي (كابتن) و9-علاء كاظم في الهجوم !
كانت قائمة اللاعبين ال11 تمثل افضل ما انجبت الكرة العراقية في تلك الفترة ولولا غياب شرار حيدر وحمزة هادي في الدفاع لقلنا انه منتخب القرن !! لكن التصفيات لاتبنى او تسير على 11 لاعبا فقط وهذا ما سنراه لاحقا !
قبل ان يتجه لاعبونا الى الحافلة التي تقلهم للملعب ..تقدم النجم علاء كاظم من طبيب الفريق د.فالح فرنسيس وطلب منه اعفاءه من خوض المباراة لانه مصاب ولانه يشعر بالمرض وبالتالي لن يكون قادرا على اداء المباراة ! وهنا قام طبيب الفريق باخذ اللاعب الى غرفة جانبية حيث اجرى عليه الفحص اللازم الذي اظهر انه كان باتم صحة ولكنه كان يخشى اللعب في المباراة ..وعندها قام الطبيب باجراء حديث وعلاج نفسي وتشجيعي للاعب خرج على اثرها وكله تصميم على الاشتراك في المباراة !
اطلق الحكم الهولندي صافرة البداية ...بعد ان قرر الاتحاد الاسيوي الاستعانة بحكام من خارج القارة منعا لاي تلاعب ..وانطلقت المباراة !
ومنذ الدقائق الاولى توضحت افضلية منتخبنا على نظيره الكوري الذي لم يبد عليه القوة ابدا ..وذلك بعد ان استحصل منتخبنا على اكثر من ضربة ركنية منذ البداية ...طمانت الجماهير الى ان فرصة منتخبنا بالتفوق كانت ممكنة ..خصوصا وان منتخبنا اظهر نشاطا ملحوظا منذ البداية ولم يبد عليه البرود الذي يصاحب لقاءات الافتتاح ! بعد ثمان دقائق من بداية المباراة ... استحصل النجم الشاب علاء كاظم على الكرة خارج منطقة الجزاء الكورية ..ومن مسافة اكثر من عشرين ياردة ارسل قذيفة بعيدة ...حاول احد مدافعي كوريا ابعادها براسه فغير اتجاهها تماما ليصبح امر ادراكها من قبل الحارس مستحيلا لتدخل المرمى الكوري وتعلن تسجيل اول اهداف التصفيات والذي كان عراقيا !
كانت فرحة لا تصدق العراق يتقدم على كوريا الشمالية احد الفرق القوية في التصفيات ! وقد سيطر منتخبنا على المباراة طيلة الشوط الاول ..ولم يبد الكوريون خطورة حقيقية على مرمى عماد هاشم ..لينتهي الشوط عراقيا 1-صفر ..وقد حصل سعد عبد الحميد على بطاقة صفراء في هذا الشوط سيكون لها اثرها على مسار التصفيات باسرها !
خرج لاعبونا الى غرفة تبديل الملابس والتفاؤل الحذر على وجوههم ... ولعل المدرب درجال اكد على لاعبيه ضرورة الاستمرار بالضغط على دفاع الخصم وعدم الركون الى التراجع والدفاع السلبي ! لان الحكم حالما اطلق صافرته فان منتخبنا انطلق في الهجوم دون الانتباه الى ان نتيجة المباراة كانت تشير الى تقدم العراق بهدف واحد على كوريا الشمالية !
في الدقيقة 47 استحوذ النجم احمد راضي على كرة في الجانب الايمن من منطقة جزاء الكوريين جنح بها قليلا الى الجانب وقام بحركة تمويه بجسمه انطلت على المدافع الكوري المسكين ..وحول كرة ولا اروع وكانها باقدام حبيب جعفر او سعد قيس ..حولها بالمقاس على راس المهاجم القصير علاء كاظم ... وكانه كان الوحيد في الملعب قام علاء بلعب الكرة بطريقة الكبس بكل ثقة ..جعلت الكرة بعيدة عن متناول يد الحارس لتهتز الشباك الكورية مرة ثانية في ذلك اليوم ... ولتتراءى مشاهد تمثال الحرية وناطحات السحاب العالية خلف الاطلسي وسط دموع الفرح المتكسرة لدى جماهيرنا العديدة !
ولكن كرة القدم ..ام المفاجات كانت تخفي اكثر من مفاجاة لمنتخبنا ! فبعد ان ايقن لاعبونا بضمان النقطتين ..بدا عليهم نوع من الارتخاء الغريب ... وقد كان قد بقي من زمن المباراة حوالي 40 دقيقة وهو وقت طويل جدا في عالم المستديرة يمكن ان تتغير فيه القاب وبطولات وتاريخ كامل ! وهذا ما لم يدركه لاعبونا !
في الدقيقة 55 ...قام الكوريون بهجمة يائسة في جهة اليمين ...احبطها مدافعنا الايسر سعد عبد الحميد وبينما الكرة تاخذ طريقها الى الخارج قام سعد وهو لاعب دولي ذو خبره ليست قصيرة قام ومن منطلق ان الفوز اصبح لنا قام بلمس الكرة وهي تخرج الى خارج الملعب وهو يبتسم ببلاده ! ولان القانون الكروي صريح ان من يلمس الكرة متعمدا ينال بطاقة فقد اخرج الحكم البطاقة الصفراء الثانية لسعد وبالتالي تحولت الى اللون الاحمر ...وهكذا صار لزاما على لاعبينا اكمال ال 35 دقيقة القادمة بعشرة لاعبين !
(مو مشكلة) هكذا كان يظن الجميع ...ففريق غلبناه ب 11 لاعبنا لن يستعصي ان نحافظ على فوزنا عليه ب 10 !
في الدقيقة 57 قام المدرب عدنان درجال باشراك مدافع اليسار المخضرم (13-كريم سلمان) بديلا للاعب الارتكاز ورابط الوسط بالهجوم نعيم صدام ! هذا التبديل اعطى الكوريين الافضلية في جانبين ! الاول هو سيطرتهم على منطقة الوسط اكثر بعد فقدان الارتباط بين دفاع وهجوم منتخبنا ... والثاني ...ان البديل لم يكن بالمستوى والفورمة المطلوبة للوقوف بوجه سرعة المهاجمين الكوريين !
مرت الاحداث سريعة ..وحتى اسرع من دقائق المباراة ..في الدقيقة 63 تغلب الجناح الكوري الايمن على المدافع المتعب سلمان وحول كرة طارلها المهاجم الكوري الضعيف كيم جوانغ منغ واشترك في الهواء مع الحارس عماد هاشم الذي حاول امساك الكرة لكن المهاجم ضربها من بين يديه واسكنها الشباك فيما سقط الحارس الكبير وسط دهشة الجميع لقرار الحكم الذي اشار باحتساب الهدف !
صارت النتيجة 2-1 ...وتبقى من الوقت ربع ساعة يحتاج فيها منتخبنا الى الحفاظ على فوزه ! وفي الدقيقة 76 يتكرر السيناريو مرة ثانية وبنفس الطريقة يسجل الكوريون هدف التعادل الذي اسكت افواه وحناجر المشجعين في بغداد والدوحة !
وذهل المدرب درجال فلم يدر ماذا يفعل ..فلقد انهار الفريق باسره ..خصوصا عندما اضاف الكوريون هدفا ثالثا بعد 4 دقائق فقط ..لتشير لوحة الملعب الى تقدم الكوريين لاول مرة في ذلك اليوم 3-2 ! وهكذا تبقت عشرة دقائق ..وكان الجميع يتساءل هل ستستطيع كوريا الحفاظ على تقدمها في الوقت المتبقي ؟
في الدقيقة 86 تحرك درجال متاخرا جدا .. واشرك المهاجم جعفر عمران بدلا عن نجم المباراة واحسن لاعب فيها علاء كاظم الذي حصل على جائزة افضل لاعب ومبلغ الف دولار ! ولم تسمن خطوة درجال تلك ولم تغني عن الخسارة ...فلقد فقد لاعبونا الثقة والاندفاع وانهار الفريق باسره لنتهي الماساة بهزيمة منتخبنا الذي كان يتقدم حتى الدقيقة 62 بهدفين جميلين ! وقد نال ليث حسين هو الاخر انذارا قبل دقيقة من نهاية المباراة !
وبعد انتهاء المباراة .. لم يحضر اي من افراد الكادر التدريبي العراقي للمؤتمر الصحفي ... مما دفع اللجنة المنظمة الى تنبيه وفدنا بفرض عقوبات على فريقنا ان تكرر ذلك !
احيانا بقرأ مواضيعك في اخر اليوم وما بيكون في وقت للدخول والمشاركه ولكني استمتع بما تكتب لأنك تكتب عن ايام كانت فيها السعاده والحزن حقيقيان من القلب (مش تكلف مثل الحاضر) كما هو يوم تلك المباراه الحزين.
احيانا بقرأ مواضيعك في اخر اليوم وما بيكون في وقت للدخول والمشاركه ولكني استمتع بما تكتب لأنك تكتب عن ايام كانت فيها السعاده والحزن حقيقيان من القلب (مش تكلف مثل الحاضر) كما هو يوم تلك المباراه الحزين.